Qawaid Dakwah Ilallah Hamam Said Versi 2 [PDF]

  • 0 0 0
  • Gefällt Ihnen dieses papier und der download? Sie können Ihre eigene PDF-Datei in wenigen Minuten kostenlos online veröffentlichen! Anmelden
Datei wird geladen, bitte warten...
Zitiervorschau

‫قواعد الدعوة إى ﷲ‬ Qawa’id adad-Dakwah ilaLlah Prof . Dr. Hamam Sa’eed

Terbitan KITA Publication 2010 1

‫كتاب ‪ :‬قواعد الدعوة إى ﷲ‬ ‫] د ‪ .‬همام سعيد [‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬ ‫مقدمة الطبعة ٔالاوى‬ ‫إن الحمد هلل تعا"ى ‪ ،‬نحمدﻩ ونستعينه ونستغفرﻩ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أعمالنا من ‪*+‬دﻩ ﷲ فال ُمضل له ‪ ،‬ومن ُيضلل فلن تجد له وليا مرشدا‪.‬‬ ‫والصالة والسالم ع‪C‬ى محمد عبدﷲ ورسوله‪ ،‬وع‪C‬ى آله وصحبه والتابع>ن لهم بإحسان‪،‬‬ ‫وأشهد أنه بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى ٔالامانة‪ ،‬ونصح ٔالامة‪ ،‬وجاهد ‪N‬ي ﷲ حق الجهاد ح‪ HI‬أتاﻩ‬ ‫اليق>ن من ربه‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فإن الدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى أشرف ٔالاعمال وأرفع العبادات ‪ ،‬و]ي أخص خصائص الرسل‬ ‫الكرام ‪ ،‬وأبرز مهام ٔالاولياء ؤالاصفياء من عبادﻩ الصالح>ن‪.‬‬ ‫وال يصبح املرء داعية إ"ى فكرة من ٔالافكار إال بعد تحقق انتسابه إل‪*j‬ا وتفاعله مع قضاياها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وصاحب الدعوة يعيش ‪*o‬ا وتعيش به وتحسب عليه كما ُيحسب عل‪*j‬ا ‪.‬‬ ‫ولقد شاء ﷲ تعا"ى أن تشق دعوة ٕالاسالم طريقها ‪N‬ي التاريخ الحديث ‪N‬ي جميع بالد العالم‪،‬‬ ‫وأصبح لها ‪N‬ي كل قطر لسان ينطق ‪*o‬ا ويع‪ xy‬ع‪*w‬ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ودخلت الدعوة إ"ى قطاعات املجتمع املختلفة ‪ ،‬ولم تعد الدعوة حكرا ع‪C‬ى املوظف>ن‬ ‫الرسمي>ن أو ع‪C‬ى من يطلق عل‪*j‬م" ارباب الشعائر الدينية " بل شارك ف‪*j‬ا الرجال والنساء‬ ‫والصغار والكبار واملشتغلون بالتخصصات العلمية وٕالانسانية‪ .‬وهذا املد الذي نجدﻩ ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جامعات العالم ٕالاسالمي أصبح بناء عضويا أصيال ‪N‬ي بنية هذﻩ الجامعات‪ ،‬بل و‪N‬ي‬ ‫الجامعات الغربية كذلك‪.‬‬ ‫وهذا التقدم الذي أحرزته دعوة ٕالاسالم لم َي ُ‬ ‫خل من مصاعب وعقبات داخلية وخارجية ‪،‬‬ ‫أذكر م‪*w‬ا ‪:‬‬ ‫قلة املرب>ن واملوجه>ن ٔالاكفاء بالنسبة إ"ى حجم ٕالاقبال الكب>‪ .x‬ولعل هذﻩ الظاهرة من‬ ‫أخطر ٔالامور ال‪ ‹I‬تحتاج إ"ى عالج؛ ألن قطاعات كب>‪x‬ة من الناس تعيش خارج املحاضن‬ ‫ً‬ ‫املالئمة ‪ ،‬مما ينعكس ع‪C‬ى تكوي‪*w‬ا وبنا•*ا ‪ ،‬وكث>‪x‬ا ما يندب بعض غ>‪ x‬املؤهل>ن أنفسهم لدور‬ ‫ال™‪x‬بية والتكوين وإعطاء ٓالاراء ‪N‬ي أخطر املسائل وأعوصها لخلو امليدان من املؤهل>ن لذلك ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫النقص ‪N‬ي ال‪xy‬امج ال‪ ‹I‬تعد الداعية واملوجه إعدادا وفق مستويات مختلفة لتالئم حاجات‬ ‫متنوعة ‪ .‬ويبدو أن النقص أظهر ما يكون ‪N‬ي مجال التأصيل والتقعيد‪ .‬وأصبح من ٔالامور‬ ‫ُ‬ ‫امللحة أن تتلقى الدعوة ع‪C‬ى شكل تصور متكامل من البداية إ"ى ال‪*w‬اية ‪ ،‬مع استيعاب‬ ‫كلياž*ا ومعرفة ٔالاولويات ف‪*j‬ا‪.‬‬ ‫تأخر سن العطاء ‪ :‬إذ أن الزمن الذي ينفق قبل أن يصل الفرد إ"ى مرحلة التأث>‪ x‬هو زمن‬ ‫طويل‪ .‬ومنشأ ذلك انتشار املعارف واملعلومات واتساع القراءات والتجارب‪ .‬ولعل التأصيل هو‬ ‫أحد العوامل املساعدة ع‪C‬ى ٕالاسراع ‪N‬ي الوصول إ"ى مرحلة العطاء وٕالانجاز وبمعرفة‬ ‫القواعد الضابطة نستغ‪ ‹¢‬عن كث>‪ x‬من الفروع‪ ،‬ونستطيع املواءمة ب>ن اتساع حقول‬ ‫الدعوة وقصر الزمن املحدد للتكوين‪.‬‬ ‫الجهود املعادية للدعوة ‪ .‬و]ي جهود متنوعة ذات إمكانيات كب>‪x‬ة ‪ ،‬ولها خ‪xy‬ات واسعة ‪N‬ي‬ ‫الصد عن سبيل ﷲ ‪ .‬ورغم الخالفات الحادة ب>ن الشيوعية والرأسمالية وب>ن الوجودية‬ ‫والقومية وغ>‪x‬ها من ٔالاهواء والفرق الضالة إال أن الجميع يلتقون ع‪C‬ى حرب ٕالاسالم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ودعوته‪ .‬وهذﻩ الجهود تلقي عبئا كب>‪x‬ا ع‪C‬ى دعاة ٕالاسالم الذين عل‪*j‬م أن يدركوا مخططات‬ ‫أعدا•*م وأن يصونوا الناس من شرور هؤالء ٔالاعداء بأسلوب الوقاية والعالج ‪.‬‬ ‫وإن مغريات الحياة ومشاغلها وتعقيداž*ا عقبة ‪N‬ي طريق الدعوة والدعاة‪ .‬والبد أن يفهم‬ ‫الدعاة حركة الحياة ؤالاحياء‪ ،‬وأن ُيلموا بالنفس البشرية وطرق التأث>‪ x‬ف‪*j‬ا‪ ،‬ووسائل‬ ‫تزكي‪*¥‬ا‪ .‬ولعل من املظاهر امللفتة للنظر تقدم الدعوة ‪N‬ي صفوف ٔالاغنياء وأولئك الذين‬ ‫عاشوا ‪N‬ي غمار الحضارة الغربية وتعرضوا ملغريات الجاهلية الحديثة‪ .‬وهذﻩ الظواهر‬ ‫تساعد ع‪C‬ى تكوين مناعات ودفاعات أمام املغريات‪.‬‬ ‫ويجد الداعية نفسه أما تيارات فكرية ‪ .‬تتحرك وتتقلب بسرعة هائلة ‪ ،‬وتصل إ"ى ٕالانسان‬ ‫أينما كان ‪ ،‬وإن كالداعية مطالب بالوقوف ‪N‬ي وجه هذﻩ التيارات الفكرية‪ ،‬وأن يكون وقوفه‬ ‫ً‬ ‫أمامها قائما ع‪C‬ى العلم واملوضوعية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هذﻩ ٔالاعباء وغ>‪x‬ها تلح علينا أن ننقل الدعوة من ميدان املشاعر والانفعاالت والخطب‬ ‫واملقاالت إ"ى ميدان التخطيط والتنظيم وال‪xy‬مجة والتأهيل والتقعيد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وليس غريبا أن ت‪xy‬ز هذﻩ الحاجات ‪N‬ي هذﻩ ٓالاونة؛ ألن الدعوة اتسعت وتشعبت وك¨‪x‬ت‬ ‫ممارس‪*¥‬ا وتجار‪*o‬ا وأسالي©*ا‪ .‬وهذا الاتساع والتشعب ال ُيضبط إال بالكشف عن ٔالاصول‬ ‫والقواعد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ً‬ ‫وليس أمر الدعوة بدعا من أمور العلوم ٕالاسالمية ٔالاخرى‪ .‬فقد تناول املسلمون حديث‬ ‫رسول ﷲ  بالرواية والدراية ح‪ HI‬وجدوا أنفسهم بحاجة إ"ى علم أصول الحديث‬ ‫ومصطلحه‪ ،‬وكذلك الحال ‪N‬ي النحو والصرف والعقيدة والتفس>‪ x‬والتاريخ والفقه‪ ،‬فإن‬ ‫أصول العلوم وقواعدها جاءت ‪N‬ي مرحلة متأخرة ع‪*w‬ا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و‪N‬ي الوقت الذي اتجهت فيه العلوم إ"ى التأصيل والتقعيد كان علم الدعوة أقوالا مأثورة‬ ‫ً‬ ‫وشذرات منثورة ‪ ،‬ولم يكن علما باملع‪ H¢‬الاصطال«ي للعلم‪ ،‬ألن مبعث العلم الحاجة إليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ولم يكن املجتمع ٕالاسالمي مهجورا أو غريبا ‪،‬وإنما كان قائما فاعال ناشطا ‪ ،‬وأك¨‪ x‬أفرادﻩ‬ ‫يمارسون الدعوة كما يعيشون ويأكلون ويشربون وعندما دالت دولة ٕالاسالم ونقضت عرى‬ ‫ً‬ ‫ٕالايمان‪ ،‬وجد املسلم نفسه غريبا ‪N‬ي املجتمع ‪ ،‬ورجعت ّأمية العقيدة والفكر والنظم كما‬ ‫كانت ‪N‬ي عهد الجاهلية ٔالاو"ى ‪ ،‬فأخذ بعض الدعاة ع‪C‬ى عاتقهم إعادة التأسيس وشرعوا ‪N‬ي‬ ‫ž*يئة املكان والسكان الستئناف الحياة ٕالاسالمية‪ ،‬ودب ٔالامل بعد اليأس ‪ ،‬وانطلق الدعاة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شرقا وغربا عربا وعجما ‪ ،‬ودرس العلماء هذﻩ التجارب وكشفوا عن جوان©*ا ٕالايجابية‬ ‫والسلبية‪.‬‬ ‫ورغم النتائج ٕالايجابية ال‪ ‹I‬حقق‪*¥‬ا الدعوة إ"ى ﷲ ‪N‬ي جميع ٔالاقطار ‪ ،‬إال أ‪*°‬ا وكما سبق أن‬ ‫أشرت بحاجة إ"ى املزيد من توظيف الطاقات وٕالامكانيات‪ ،‬وحشد كل الجهود ‪N‬ي سبيل‬ ‫البناء‪ ،‬وال نصل إ"ى هذا التوظيف إال بإعداد ٔالافراد للعطاء ع‪C‬ى مستويات متفاوته ‪ ،‬وأن‬ ‫يكون لكل وظيفة من وظائف الدعوة إعدادها الخاص وزم‪*w‬ا املناسب ‪ ،‬وال يتحقق هذا إال‬ ‫عن طريق نظام تربوي محدد الخطوات‪ ،‬يعتمد القواعد ؤالاطر العامة دون الخوض ‪N‬ي‬ ‫الكث>‪ x‬من الدقائق والتفاصيل‪ ،‬ويقدم للداعية خالصة ُمركزة ‪N‬ي ال™‪x‬بية والتكوين والقيادة‬ ‫والتنظيم والتخطيط واملتابعة‪.‬‬ ‫والكتاب الذي أقدمه إلخواني محاولة ‪N‬ي تقعيد الدعوة وتأصيلها‪ ،‬ع‪C‬ى شكل عدد من‬ ‫القواعد‪ ،‬بعضها ‪N‬ي التصورات‪ ،‬وبعضها ‪N‬ي ٔالاساليب والوسائل‪.‬‬ ‫وفيه وجهة نظر أقدمها للدراسة والنقد‪ ،‬و]ي بداية وليست ‪*°‬اية إن شاء ﷲ تعا"ى ‪.‬‬ ‫وﷲ من وراء القصد ‪.‬‬ ‫همام عبد الرحيم سعيد‬

‫‪4‬‬

‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬ ‫مقدمة الطبعة الثانية‬ ‫إن الحمد هلل نحمدﻩ ونستعينه ونستغفرﻩ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ‪*+‬دﻩ ﷲ فالمضل له ‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬ ‫ً‬ ‫إال ﷲ وحدﻩ ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبدﻩ ورسوله‪ ،‬بلغ الرسالة وأدى ٔالامانة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونصح ٔالامة‪ ،‬فصلوات ﷲ وسالمه ع‪C‬ى هذا الن´‹ الكريم وع‪C‬ى آله وصحبه تسليما كث>‪x‬ا ‪،‬‬ ‫وبعد ‪:‬‬ ‫فهذﻩ طبعة جديدة من كتاب قواعد الدعوة إ"ى ﷲ تأتي مزيدة بعد ما يزيد ع‪C‬ى خمس‬ ‫عشرة سنة من الطبعة ٔالاو"ى ‪ ،‬فقد احتوى الكتاب ‪N‬ي طبعته ٔالاو"ى ع‪C‬ى خمس عشرة‬ ‫قاعدة ‪ ،‬وها هو اليوم يظهر مع إضافة ست قواعد أخرى ‪ .‬وقد جاء ‪N‬ي هذﻩ القواعد‬ ‫تأصيل شر‪µ‬ي لعدة جوانب من العمل ٕالاسالمي ‪ ،‬كالتأصيل للجماعة ال‪ ‹I‬ك¨‪ x‬الكالم عن‬ ‫مشروعي‪*¥‬ا وأحقي‪*¥‬ا وصفاž*ا ‪ ،‬وقد ناقشت هذﻩ القاعدة املوقف من الف™ن وطرحت مفهوم‬ ‫الاقتحام بدل مفهوم الانسحاب‪ ،‬وتناولت خطر العزلة ع‪C‬ى ٔالامة ‪N‬ي الوقت الذي تحتاج‬ ‫ٔالامة إ"ى املجاهدين العامل>ن‪.‬‬ ‫كما احتوت هذﻩ ٕالاضافة ع‪C‬ى قاعدت>ن رئيسيت>ن ‪N‬ي الفهم ‪ٔ ،‬الاو"ى تؤصل للفهم وأهميته‬ ‫وضوابطه وأركانه وأثرﻩ ع‪C‬ى املس>‪x‬ة ٕالاسالمية العامة ‪ ،‬والثانية تناقش الفهم السائد ‪N‬ي‬ ‫مقابل الفهم الواجب ‪.‬‬ ‫كما احتوت هذﻩ ٕالاضافة ع‪C‬ى قاعدت>ن رئيسيت>ن لألمر باملعروف والن·‹ عن املنكر ‪ٔ ،‬الاو"ى‬ ‫تؤصل لهذا الركن ٔالاساس من أركان الدعوة ٕالاسالمية‪ ،‬وتب>ن املجاالت ال‪ ‹I‬يعمل ف‪*j‬ا كل‬ ‫من ٔالامر باملعروف والن·‹ عن املنكر ‪ .‬والثانية تناقش بعض الاتجاهات املنحرفة ‪N‬ي فهم‬ ‫القرآن ‪ ،‬وتأتي للدفع باتجاﻩ الحركة ٕالايجابية ‪N‬ي مقابل الحركة السلبية ٕالانسحابية‬ ‫الا‪*°‬زامية ال‪ ‹I‬يلجأ إل‪*j‬ا بعض املسلم>ن‪.‬‬ ‫أما قاعدة العمل العام فقد جاءت تفصل وتؤسس وتؤصل للعمل ٕالاسالمي العام الذي‬ ‫يفتح الباب ألسلمة املجتمع وجمهورﻩ ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫وقد جاءت هذا ٕالاضافات نتيجة جهد ومعاناة ‪ ،‬ف·‹ رشحات قلب قبل أن تكون رشحات‬ ‫قلم ‪ ،‬فإن ُوفقت فمن ﷲ تعا"ى ‪ ،‬وإن أخطأت فمن نف»‪ ‹º‬ومن الشيطان ‪ ،‬وأدعو ﷲ أن ال‬ ‫يحرم‪ ‹¢‬من واعظ ناصح ‪ .‬والحمد هلل رب العامل>ن ‪.‬‬

‫الدكتور همام عبد الرحيم سعيد‬ ‫عمان ‪H‬ي ‪ 4‬جمادي ٔالاوى ‪1419‬هـ‬ ‫املوافق ‪1998/8/26‬م‬

‫‪6‬‬

‫القاعدة ٔالاوى‬ ‫الدعوة إى ﷲ سبيل النجاة ‪H‬ي الدنيا وٓالاخرة‬ ‫ع‪C‬ى الداعية أن يعلم أن ﷲ تعا"ى إنما خلق ٕالانسان لعبادته لقوله تعا"ى ‪  :‬وما خلقت‬ ‫الجن وٕالانس إال ليعبدون )‪ (1‬والعبادة ال تكون إال ع‪C‬ى بص>‪x‬ة‪ ،‬والبص>‪x‬ة ال تكون إال وفق‬ ‫منهج ﷲ الذي أنزله ع‪C‬ى رسله وأنبيائه ‪ ،‬فكان هؤالء املرسلون ؤالانبياء دعاة ‪*+‬دون إ"ى‬ ‫ً‬ ‫الحق‪ ،‬وكان هذا هو شغلهم الشاغل تحقيقا ملراد ﷲ الذي جعل آدم خليفة ‪N‬ي ٔالارض‪،‬‬ ‫يق‪ ‹ºÁ‬بقضاء ﷲ وينفذ أمر ﷲ ‪ ،‬فقال تعا"ى ‪  :‬وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫ٔالارض خليفة)‪ .(2‬فكان مراد ﷲ تعا"ى من خلق ٕالانسان أن يكون مشتغال بأمرﻩ وهو القائل‬ ‫سبحانه‪:‬وما خلقت الجن وٕالانس إال ليعبدون‬ ‫يقول الرازي ‪ " :‬ما العبادة ال‪ ‹I‬خلق الجن وٕالانس من أجلها؟ قلنا ‪ :‬التعظيم ألمر ﷲ‬ ‫والشفقة ع‪C‬ى خلق ﷲ " )‪ .(3‬ثم يقول ‪ " :‬وملا كان التعظيم الالئق بذي الجالل وٕالاكرام ال‬ ‫ُيعلم عقال‪ ،‬لزم اتباع الشرائع ف‪*j‬ا ؤالاخذ بقول الرسل عل‪*j‬م السالم‪ ،‬فقد أنعم ﷲ ع‪C‬ى‬ ‫عبادﻩ بإرسال الرسل وإيضاح السبل ‪N‬ي نو‪µ‬ي العبادة " )‪ (4‬وهذا التقسيم لوظائف العبادة‬ ‫تقسيم موجز وشامل‪.‬‬ ‫والدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى ]ي أبلغ مظهر من مظاهر تعظيمه ‪،‬والدعوة يدعو إ"ى فكرة أو هدف‬ ‫ويصرف جهدﻩ ‪N‬ي سبيله ‪ ،‬وإنما يفعل ذلك المتالئه ‪*o‬ذا الهدف أو هذﻩ الفكرة ‪ .‬ومن دعا‬ ‫إ"ى فكرة فإنه يحسب عل‪*j‬ا كما تحسب ]ي عليه كذلك‪.‬‬ ‫و‪N‬ي الدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى دليل شفقة ع‪C‬ى عباد ﷲ ‪ ،‬ألن الداعية يريد إخراج الناس من‬ ‫أوضاع التمزق والشتات تحت وطأة ٔالانظمة الوضعية ‪ ،‬إ"ى سعة الدين وآفاقه الرحيبة ‪،‬‬ ‫ونظمه الكفيلة بإسعاد البشر‪ .‬وأن يخرجهم من النار إ"ى الجنة كذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذان هدفان كريمان من أهداف العبادة‪ ،‬وهما هدفان من أهداف الدعوة إ"ى ﷲ أيضا‪.‬‬ ‫والنجاة ‪N‬ي هذين الهدف>ن ‪.‬‬

‫)‪(1‬‬

‫      ‪.56 :‬‬

‫)‪(2‬‬

‫    ‪.30 :‬‬

‫)‪(3‬‬

‫   ‪.435/28‬‬

‫)‪(4‬‬

‫!   ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ى الغاية من خلق ﷲ‬C‫ي الدعوة إليه والحفاظ ع‬N ‫م أنبياء ﷲ ورسله الكرام أمر ﷲ‬̙‫وقد ال‬ .‫ى دعوة الخلق إ"ى هذﻩ النجاة‬C‫ وحرص كل رسول كريم ع‬،‫لهم‬ ً ً ‫ولقد ﱠ‬ ‫ى نجاة الدعاة‬C‫ مؤكدا دائما ع‬. ‫قص القرآن الكريم علينا معركة ٔالانبياء مع أقوامهم‬ : ‫ى هالك الظامل>ن املعرض>ن‬C‫وع‬ Å7ù=àø9$# ’Îû …çµyè¨Β tΒuρ çµ≈uΖø‹¤fuΖsù çνθç/¤‹s3sù  : ‫*اية‬w‫ففي قصة نوح عليه السالم مع قومه كانت ال‬ .(5)

∩∠⊂∪ tÍ‘x‹ΨçRùQ$# èπt7É)≈tã tβ%x. y#ø‹x. öÝàΡ$$sù ( $uΖÏG≈tƒ$t↔Î/ (#θç/¤‹x. tÏ%©!$# $oΨø%{ øîr&uρ y#Íׯ≈n=yz óΟßγ≈uΖù=yèy_uρ

(#θãΖtΒ#u tÏ%©!$#uρ #YŠθèδ $oΨøŠ¯gwΥ $tΡâö∆r& u!%y` $£ϑs9uρ

 :‫*اية‬w‫ي قصة هود عليه السالم مع قومه كانت ال‬N‫و‬ .(6) 

šÏ%©!$#uρ $[sÎ=≈|¹ $uΖø‹¯gwΥ $tΡâö∆r& u!$y_ $£ϑn=sù :‫النتيجة‬

.(7) 

∩∈∇∪ 7áŠÎ=xî A>#x‹tã ôÏiΒ Λèι≈oΨ÷Š¯gwΥuρ $¨ΖÏiΒ 7πyϑômtÎ/ …çµyètΒ

‫ي قصة صالح عليه السالم مع قومه كانت‬N‫و‬

∩∉∉∪ Ⓝ͓yèø9$# ‘“Èθs)ø9$# uθèδ š−/u‘ ¨βÎ) 3 >‹Í≥ÏΒöθtƒ Ä“÷“Åz ôÏΒuρ $¨ΨÏiΒ 7πyϑômtÎ/ …çµyètΒ (#θãΖtΒ#u

Î$ó r'sù ( y7ø‹s9Î) (#þθè=ÅÁtƒ s9 y7În/u‘ ã≅ߙ①$¯ΡÎ) äÞθè=≈tƒ (#θä9$s% 

:‫ي قصة لوط عليه السالم كانت النتيجة‬N‫و‬

ãΝèδy‰ÏãöθtΒ ¨βÎ) 4 öΝåκu5$|¹r& !$tΒ $pκâ:6ÅÁãΒ …絯ΡÎ) ( y7s?r&zö∆$# ωÎ) î‰tnr& öΝà6ΖÏΒ ôMÏtGù=tƒ Ÿωuρ È≅ø‹©9$# zÏiΒ 8ìôÜÉ)Î/ šÏ=÷δr'Î/ ÏiΒ Zοu‘$yfÏm $yγøŠn=tã $tΡösÜøΒr&uρ $yγn=Ïù$y™ $yγuŠÎ=≈tã $oΨù=yèy_ $tΡâö∆r& u!$y_ $£ϑn=sù

∩∇⊇∪ 5=ƒÌs)Î/ ßxö6+Á9$# }§øŠs9r& 4 ßxö6+Á9$#

.(8)  $¨ΖÏiΒ 7πuΗ÷qtÎ/ …çµyètΒ (#θãΖtΒ#u tÏ%©!$#uρ $Y6ø‹yèä© $uΖøŠ¯gwΥ $tΡãøΒr& u!$y_ $£ϑs9uρ :‫قومه‬

.(9) ’Îû öΝßγ≈oΨø%tøîr'sù öΝåκ÷]ÏΒ $uΖôϑs)tFΡ$$sù

∩∇⊄∪ 7ŠθàÒΖ¨Β 9≅ŠÉdfÅ™

‫ي قصة شعيب عليه السالم مع‬N‫و‬

∩⊆∪ šÏϑÏW≈y_ öΝÏδÌ≈tƒÏŠ ’Îû (#θßst7ô¹r'sù èπysøŠ¢Á9$# (#θßϑn=sß tÏ%©!$# ÏNx‹yzr&uρ

 ‫ عليه السالم مع فرعون وقومه كانت النتيجة‬HºÒ‫ي قصة مو‬N‫و‬

šχθàyèôÒtFó¡ç„ (#θçΡ%x. šÏ%©!$# tΠöθs)ø9$# $uΖøOu‘÷ρr&uρ

∩⊇⊂∉∪ šÎ=Ï≈xî $pκ÷]tã (#θçΡ%Ÿ2uρ $uΖÏG≈tƒ$t↔Î/ (#θç/¤‹x. öΝåκ¨Ξr'Î/ ÉdΟuŠø9$#

8

.73 :  #$  

(5)

.58 :  &  

(6)

.66  : &  

(7)

.82)81  : &  

(8)

.94 :  : &  

(9)

‫‪( (#ρç$y9|¹ $yϑÎ/ Ÿ≅ƒÏℜu$ó Î) ûÍ_t/ 4’n?tã 4o_ó¡ßsø9$# šÎn/u‘ àMyϑÎ=x. ôM£ϑs?uρ ( $pκFÏù $uΖø.t≈t/ ÉL©9$# $yγt/Ì≈tótΒuρ ÇÚö‘F{$# šXÍ≈t±tΒ‬‬ ‫‪∩⊇⊂∠∪ šχθä©Ì÷ètƒ (#θçΡ$Ÿ2 $tΒuρ …çµãΒöθs%uρ ÜχöθtãöÏù ßìuΖóÁtƒ šχ%x. $tΒ $tΡö¨ΒyŠuρ‬‬

‫ )‪.(10‬‬

‫ُ‬ ‫و‪N‬ي قصة القرية ال‪ ‹I‬كانت حاضرة البحر كانت النتيجة‪  :‬فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا‬ ‫الذين ي‪*w‬ون عن ﱡ‬ ‫السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون )‪.(11‬‬ ‫كل هذﻩ ٓالايات تؤكد أن النجاة ‪N‬ي الدعوة إ"ى ﷲ ‪ .‬وهذا وعد ﷲ تعا"ى للمؤمن>ن ‪ :‬ثم نن‪Ô‬ي‬ ‫ً‬ ‫رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج املؤمن>ن)‪.(12‬‬ ‫ً‬ ‫فتكون نجاة املؤمن>ن الداع>ن إ"ى ﷲ "حقا بسبب الوعد والحكم " )‪.(13‬‬ ‫يقول سيد قطب رحمه ﷲ ‪ " :‬هذﻩ سنة ﷲ ‪N‬ي ٔالارض ‪ ،‬وهذا وعد ألوليائه ف‪*j‬ا ‪ ،‬فإذا طال‬ ‫الطريق ع‪C‬ى العصبة املؤمنة مرة فيجب أن تعلم أن هذا هو الطريق‪ ،‬وأن تستيقن أن‬ ‫العاقبة والاستخالف للمؤمن>ن ‪ ،‬وأال تستعجل وعد ﷲ ح‪ HI‬ي‪Ô‬يء و]ي ماضية ‪N‬ي الطريق‪.‬‬ ‫وﷲ ال يخدع أولياءﻩ ‪ ،‬وال يعجز عن نصرهم بقوته وال ُيسلمهم كذلك ألعدائه‪ .‬ولكنه‬ ‫يعلمهم ويدر‪*o‬م ويزودهم ـ ‪N‬ي الابتالء ـ بزاد الطريق)‪.(14‬‬ ‫ال خسارة ‪H‬ي الدعوة ‪:‬‬ ‫وليس أمر الدعوة كما يظن بعض الناس أ‪*°‬ا تعب وخسارة ونصب وألم ‪ ،‬فإ‪*°‬ا وإن كانت ال‬ ‫تخلو من املتاعب واملصاعب لك‪*w‬ا لذيذة الطعم ‪ ،‬عزيزة ع‪C‬ى القلب ‪ ،‬ولذلك فإن أصحا‪*o‬ا‬ ‫يضحون ‪N‬ي سبيلها بالغا"ي والنفيس‪ ،‬ويستعذبون العذاب ‪ ،‬ويجدون املوت حياة من أجلها ‪.‬‬ ‫وهم أسعد ‪*o‬ا من الناس بدو‪*°‬ا‪ .‬أما العاقبة ف·‹ الفوز و‪N‬ي غ>‪x‬ها الفشل و]ي الباقية‬ ‫وغ>‪x‬ها الفانية‪.‬‬ ‫دعوة محمد  أمان للبشرية ‪.‬‬ ‫ويالحظ من سياق ٓالايات الكريمة ال‪ ‹I‬تتحدث عن معركة ٔالانبياء مع أقوامهم أن املكذب>ن‬ ‫ً‬ ‫من هؤالء ٔالاقوام كانوا ُي ْستأصلون بعذاب ﷲ تعا"ى فال ُيبقى ع‪C‬ى ٔالارض م‪*w‬م ديارا ‪،‬وال‬ ‫)‪(10‬‬

‫  ‪.137)136  : , -.‬‬

‫)‪(11‬‬

‫  ‪.165  : , -.‬‬

‫)‪(12‬‬

‫  ‪.103  : #$‬‬

‫)‪(13‬‬

‫   ‪.1171/17 :‬‬

‫)‪(14‬‬

‫‪1812/3 /0  123 45‬‬ ‫‪9‬‬

‫ي™‪x‬ك ﷲ م‪*w‬م باقية‪ .‬وبم‪Ô‬يء محمد  ُرفع هذا الاستئصال العام بالطوفان والصاعقة‬ ‫ً‬ ‫والريح ‪ ،‬وذلك تكريما لهذﻩ ٔالامة ال‪ ‹I‬ال تخلو من قائم هلل بالحجة ‪ ،‬وال من الطائفة‬ ‫الظاهرة ع‪C‬ى أمر ﷲ ح‪ HI‬يأتي ﷲ بأمرﻩ‪ ،‬وهذﻩ الطائفة هم الدعاة ‪ .‬و‪*o‬م يكتب ﷲ النجاة‬ ‫لألمة من أن ž*لك بسنة عامة‪ .‬وعندما تخلو ٔالارض من هذا الصنف الكريم ع‪C‬ى ﷲ ‪ ،‬فإن‬ ‫الساعة تقوم ‪ ،‬وقد جاء هذا املع‪N H¢‬ي أحاديث كث>‪x‬ة م‪*w‬ا ‪:‬‬ ‫قال  ‪ " :‬ال تقوم الساعة إال ع‪C‬ى أشرار الناس " )‪.(15‬‬ ‫وقال  ‪ " :‬ال تقوم الساعة ع‪C‬ى أحد يقول ‪ :‬ﷲ ﷲ " )‪ .(16‬و‪N‬ي رواية ح‪ HI‬ال يقال ‪N‬ي ٔالارض ‪:‬‬ ‫ﷲﷲ‪.‬‬ ‫وقال  ‪ُ " :‬يقبض الصالحون الاول فاألول ويبقى حثالة كحثالة التمر أو الشع>‪ x‬ال يعبأ ﷲ‬ ‫ً‬ ‫‪*o‬م شيئا " )‪.(17‬‬ ‫وهذﻩ ٔالاحاديث تدل ع‪C‬ى أن قيام الساعة يق™‪x‬ن به ذهاب الدعوة والدعاة ‪ ،‬وال أع‪*o ‹¢‬ذا‬ ‫الاق™‪x‬ان اق™‪x‬ان السبب أو الشرط باملسبب أو املشروط ‪ ،‬وإنما أع‪ ‹¢‬أن ﷲ تعا"ى يكرم‬ ‫ٕالانسانية بالدعوة والدعاة ‪ ،‬وأنه ما دام الدعاة وما دامت الدعوة ‪ ،‬فإن الغاية من الخلق‬ ‫ع‪C‬ى هذﻩ ٔالارض باقية ‪ ،‬فإذا زال الدعاة والدعوة فقد خسر ٕالانسان م‪xy‬ر وجودﻩ ع‪C‬ى هذﻩ‬ ‫ٔالارض ‪ .‬وهكذا فإن ٕالانسان يقع ب>ن ‪*°‬ايت>ن‪ ،‬أو بداية و‪*°‬اية‪:‬‬ ‫ٔالاو"ى ‪  :‬وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل ‪N‬ي ٔالارض خليفة  )‪.(18‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والثانية ‪ :‬قوله  "إن ﷲ يبعث ريحا من اليمن أل>ن من الحرير ‪ ،‬فال تدع أحدا فيه مثقال‬ ‫حبة من إيمان إال قبضته " )‪.(19‬‬ ‫وأخرج ٕالامام مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه قال ‪ " :‬كنت عند مسلمة‬ ‫بن مخلد وعندﻩ عبدﷲ بن عمرو بن العاص‪ ،‬فقال عبدﷲ ‪ :‬ال تقوم الساعة إال ع‪C‬ى شرار‬ ‫الخلق‪ ،‬هم شر من أهل الجاهلية‪ ،‬ال ْيدعون ﷲ ب‪‹ºÜ‬ء إال ردﻩ ﷲ عل‪*j‬م ‪ .‬فبينما هم ع‪C‬ى‬ ‫ذلك‪ ،‬أقبل عقبة بن عامر‪ ،‬فقال مسلمة ‪ :‬يا عقبة؛ اسمع ما يقول عبدﷲ‪ .‬فقال عقبة‪ :‬هو‬ ‫أعلم ‪ ،‬وأما أنا‪ ،‬فسمعت رسول ﷲ  يقول‪ :‬ال تزال عصابة من أم‪ ‹I‬يقاتلون ع‪C‬ى أمر ﷲ‪،‬‬ ‫)‪(15‬‬

‫;‪.2268/4 67! 89 :‬‬

‫)‪(16‬‬

‫;‪.$ < = 171/1 67! 89 :‬‬

‫)‪(17‬‬

‫;‪.114/8  : 89 :‬‬

‫)‪(18‬‬

‫    ‪.30  :‬‬

‫)‪(19‬‬

‫;‪.$ < = 132/1 67! 89 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫قاهرين عدوهم‪ ،‬ال يضرهم من خالفهم ح‪ HI‬تأت‪*j‬م الساعة وهم ع‪C‬ى ذلك‪ ،‬قال عبد ﷲ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يحا كريح املسك ﱡ‬ ‫مسها ﱡ‬ ‫مس الحرير ‪ ،‬فال ت™‪x‬ك نفسا ‪N‬ي قلبه مثقال حبة من‬ ‫ثم يبعث ﷲ ر‬ ‫إيمان إال قبضته‪ ،‬ثم يبقى شرار الناس عل‪*j‬م تقوم الساعة")‪.(20‬‬ ‫ونالحظ ‪N‬ي هذﻩ الرواية التوفيق ب>ن بقاء الطائفة املؤمنة إ"ى قرب قيام الساعة‪ ،‬وقيام‬ ‫الساعة ع‪C‬ى شرار الخلق‪ .‬وعندئذ يكون مع‪ H¢‬وجود الطائفة املؤمنة إ"ى قيام الساعة يع‪‹¢‬‬ ‫ً‬ ‫إ"ى قر‪*o‬ا قيامها‪ .‬وهذا ما ذهب إليه النووي وهو يشرح حديث‪ " :‬إن ﷲ يبعث ريحا من‬ ‫اليمن ‪ " . .‬فقال ‪ " :‬وأما الحديث ٓالاخر ال تزال طائفة من أم‪ ‹I‬ظاهرين ع‪C‬ى الحق إ"ى يوم‬ ‫ً‬ ‫القيامة فليس مخالفا ألن مع‪ H¢‬هذا أ‪*°‬م ال يزالون ع‪C‬ى الحق حق تقبضهم هذﻩ الريح")‪.(21‬‬ ‫ّ‬ ‫وملا كان الداعية قد وطن نفسه ع‪C‬ى الجهاد وندب نفسه للتضحية ‪N‬ي سبيل ﷲ ‪ ،‬ودخل‬ ‫ً‬ ‫طرفا ‪N‬ي مواجهة أعداء ٕالاسالم‪ ،‬فإن هذﻩ املؤهالت تجعله أقدر ع‪C‬ى املصاولة واملجاولة‪،‬‬ ‫ناج ‪ ،‬وعدوﻩ مخذول هالك‪.‬‬ ‫وهو بإذن ﷲ منصور ٍ‬ ‫وليس املقصود بالنجاة نجاة الفرد من ٔالاذى ؤالالم ‪ ،‬وإنما املقصود نجاة الجماعة والفكرة‬ ‫‪N‬ي ال‪*w‬اية‪ ،‬وأما ‪N‬ي ٓالاخرة فإن صورة النجاة نعيم مقيم وجنة عرضها السماوات ؤالارض‪،‬‬ ‫ف‪*j‬ا ما ال ع>ن رأت وال أذن سمت وال خطر ع‪C‬ى قلب بشر‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا خ>‪ x‬لك من ُح ُمر ﱠ‬ ‫النعم (‬ ‫) ألن ‪*+‬دي ﷲ بك رجال‬ ‫هذا ما أخ‪ xy‬به رسول ﷲ  ﱠ‬ ‫ع‪C‬ي بن أبي طالب ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه عندما أعطاﻩ الراية يوم خي‪xy‬‬ ‫‪ ،‬فقال ﱡ‬ ‫ع‪C‬ي ‪ :‬عالم أقاتل الناس‪ ،‬نقاتلهم ح‪ HI‬يكونوا مثلنا ؟ فقال‪ " :‬ع‪C‬ى رسلك ح‪ HI‬ت‪ÌÞ‬ل‬ ‫ً‬ ‫بساح‪*¥‬م ثم ادعهم إ"ى ٕالاسالم‪ ،‬وأخ‪xy‬هم بما يجب عل‪*j‬م‪ ،‬فوﷲ ألن ‪*+‬دي ﷲ بك رجال‬ ‫ً‬ ‫واحدا خ>‪ x‬لك من ُح ُمر ﱠ‬ ‫النعم" )‪.(22‬‬

‫)‪(20‬‬

‫;‪.$ < = 1524/3 67! 89 :‬‬

‫)‪(21‬‬

‫= 5 )  : 89 :‬‬

‫?> !‪.133/1 $7 67‬‬

‫‪11‬‬

‫وذلك ألن هدي ﷲ هو الهدى‪ ،‬وأنه ليس بعد الهدى إال الضالل‪ ،‬وعندما يوفق ﷲ تعا"ى‬ ‫داعية من دعاة ٕالاسالم في·‹ء له من يقبل دعوته فإن نتائج هذا القبول عظيمة جليلة ‪،‬‬ ‫نذكر م‪*w‬ا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫استنقاذا لهذا املهتدي من النار‪ ،‬وصيانة له من سع>‪x‬ها ولظاها‪ ،‬وما ُ‬ ‫صرف‬ ‫أ‪ -‬أن ‪N‬ي ذلك‬ ‫عنه من النار إنما كان ـ بعد فضل ﷲ ـ بجهد الداعية وعنايته ‪ .‬واستبدال مقام خالد ‪N‬ي‬ ‫النار بمقام خالد ‪N‬ي الجنة أمر ال يدانيه ‪‹ºà‬ء من أصناف املعروف ‪ ،‬وال تصل إليه رتبة من‬ ‫ﱡ‬ ‫رتب ٕالاحسان والجود‪ ،‬فالداعية يقدم الجنة هدية للناس من حوله‪ ،‬ويدلهم ع‪C‬ى مقامات‬ ‫السعادة‪ ،‬وأي أجر ُيكتب للداعية عند ربه إال ٔالاجر الذي يليق بجالل املعطي سبحانه‬ ‫ويتناسب مع قدر العطية؟‬ ‫ب‪ -‬أن كل حركة وسكنة يتحركها املهتدي ‪ ،‬وكل تسبيحه أو تكب>‪x‬ة ينطقها وكل ركعة‬ ‫وسجدة يفعلها وكل إحسان ُيجريه ﷲ ع‪C‬ى يديه‪ ،‬فإنما كان الداعية سبب كل ذلك وطريقه‬ ‫الدال عليه‪ .‬وإن له مثل أجر فاعله لقول الن´‹  ‪ " :‬الدال ع‪C‬ى الخ>‪ x‬كفاعله" )‪ ،(23‬ولقوله‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ " :‬من ﱠ‬ ‫سن ‪N‬ي ٕالاسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل ‪*o‬ا بعدﻩ من غ>‪ x‬أن‬ ‫‬ ‫ينقص من أجورهم ‪‹ºà‬ء")‪.(24‬‬ ‫ً‬ ‫وهذا باب من ٔالاجر ال ُيغلق‪ ،‬وهو يتنامى يوما بعد يوم‪ .‬وإن ُجهد أبي بكر الصديق‪ ،‬وبالل ‪،‬‬ ‫عمار ‪ ،‬وخديجة ‪ ،‬وأسماء ‪ ،‬وغ>‪x‬هم وغ>‪x‬هن‪ ،‬إنما هو أساس ‪N‬ي إقبال كل إنسان ع‪C‬ى ﷲ‬ ‫تعا"ى إ"ى قيام الساعة‪ .‬وإن جهد املصطفى  هو مبدأ كل جهد طيب بذله مسلم أو يبذله‪.‬‬ ‫ولرسول ﷲ  ـ بعد ﷲ تعا"ى ـ ِم ﱠنة واي ِم ﱠنة ‪N‬ي عنق كل مسلم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ﱡ‬ ‫ويضم جهدﻩ‬ ‫ج‪ -‬أن من ‪*+‬تدي ع‪C‬ى يد الداعية يكون عونا للداعية ع‪C‬ى أداء رسالته‪،‬‬ ‫إلىجهد الداعية‪ .‬وهكذا فإن الدعوة ال تتكاثر إال عن طريق الدعوة وال تتقوى إال بالعناصر‬ ‫الجديدة الرافدة‪ .‬وما تغ>‪ x‬حال املسلم>ن من السر إ"ى العلن غال يوم أن دخل عمر وحمزة ‪N‬ي‬ ‫دين ﷲ‪ .‬وما تغ>‪ x‬حالهم من الجماعة إ"ى املجتمع إال يوتم أن دخل ٔالانصار ‪N‬ي دين ﷲ‬ ‫تعا"ى‪.‬‬

‫)‪(23‬‬

‫?> !‪ 346/5 C 5129 <  4; /$ . 1406/3 C 1893 <  !@ A B 67‬‬ ‫ !  < ‪.43/5 C 2674‬‬

‫)‪(24‬‬

‫?> !‪.2060/4 C 2674 <  704/2 C 1017 < 67‬‬ ‫‪12‬‬

‫د‪ .‬وأن الهداية أسلوب من أساليب النصر املادي‪ ،‬ولكنه ال يتحقق ‪N‬ي معركة ذات جرح‬ ‫وقرح وال عن طريق السيف والسهم وإنما عن طريق  ادع إ"ى سبيل ربك بالحكمة‬ ‫واملوعظة الحسنة وجادلهم بال‪] ‹I‬ي أحسن )‪.(25‬‬ ‫ُ‬ ‫هـ‪ -‬وأن من ‪*+‬ديه ﷲ ع‪C‬ى يديك أ‪*+‬ا الداعية إنما هو لبنة نزعت من بناء الجاهلية ووضعت‬ ‫‪N‬ي بناء ٕالاسالم‪ ،‬وسيكون هذا ع‪C‬ى حساب الكفر والضالل‪ ،‬وهو خسارة للشيطان وأعوانه‪،‬‬ ‫وكسب للرحمن وأنصارﻩ‪ .‬و‪N‬ي كل مرة ‪*+‬تدي ف‪*j‬ا من ‪*+‬تدي فإنما يسقط ركن من أركان‬ ‫الجاهلية‪ .‬وهكذا كان أمر الجاهلية ‪N‬ي مكة‪ ،‬ففي كل صباح لهم حديث ‪ ،‬الكفار يتكلمون‬ ‫عن الصابئ>ن املفارق>ن الخارج>ن ‪ ،‬واملسلمون يفرحون باملهتدين املؤمن>ن وكأني ببناء الكفر‬ ‫يتصدع كل يوم ويفقد من بنائه ما يفتح الثغرة تلو الثغرة فيه‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‬ ‫ٔالاجر يقع بمجرد الدعوة وال يتوقف ع‪f‬ى الاستجابة‬ ‫ً‬ ‫أ‪ -‬وهذﻩ القاعدة تعالج خطأ شائعا عند كث>‪x‬ين ‪ ،‬وهو أن ٔالاجر ي™‪x‬تب ع‪C‬ى النتيجة الدنيوية‬ ‫الظاهرية‪ .‬مش©*>ن ذلك باألعمال الدنيوية ال‪ُ ‹I‬ينظر ف‪*j‬ا إ"ى النتائج املحسوسة‪ .‬ولو كان ٔالامر‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي الدعوة كذلك لكان كث>‪ x‬من أنبياء ﷲ ـ صلوات ﷲ عل‪*j‬م ـ محكوما عليه باإلخفاق ‪،‬‬ ‫وحاشا أنبياء ﷲ أن يوصفوا ‪*o‬ذا ‪ ،‬رغم قلة املؤمن>ن بدعوž*م ‪ .‬فهذا نوح عليه السالم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يدعو قومه ويمكث ف‪*j‬م ألف سنة إال خمس>ن عاما‪ .‬قال ﷲ تعا"ى ‪  :‬ولقد أرسلنا نوحا إ"ى‬ ‫ً‬ ‫قومه فلبث ف‪*j‬م ألف سنة إال خمس>ن عاما فأخذهم الطوفان وهم ظاملون )‪ (26‬وظاهر‬ ‫سياق ٓالاية ـ كما يقول ابن كث>‪ x‬ـ أنه مكث ‪N‬ي قومه يدعوهم إ"ى ﷲ ألف سنة إال خمس>ن‬ ‫ً‬ ‫عاما)‪.(27‬‬

‫)‪(25‬‬

‫  ‪.125  : 1?$‬‬

‫)‪(26‬‬

‫  ‪.14 :  B$D‬‬

‫)‪(27‬‬

‫ ‪.413/5 EB /‬‬ ‫‪13‬‬

‫ورغم هذا املكث الطويل فإنه لم يؤمن من قومه إال قليل ‪ ،‬قال تعا"ى ‪  :‬ح‪ HI‬إذا جاء‬ ‫أمرنا وفار التنور قلنا احمل ف‪*j‬ا من كل زوج>ن اثن>ن وأهلك إال من سبق عليه القول ومن‬ ‫آمن وما آمن معه إال قليل )‪.(28‬‬ ‫ً‬ ‫ويالحظ الاستثناء ‪N‬ي ٓالاية بعد قوله ‪ ) :‬ومن آمن ( ح‪ HI‬ال ُيفهم بأن عدد املؤمن>ن كان كب>‪x‬ا‬ ‫قال ‪ ) :‬وما آمن معه إال قليل (‪.‬‬ ‫وكذلك أمر أك¨‪ٔ x‬الانبياء فإ‪*°‬م يحشرون يوم القيامة ‪ ،‬ومع بعضهم الواحد والاثنان والثالثة‬ ‫‪ ،‬وبعضهم ال يكون معه أحد من املؤمن>ن‪ .‬أخرج ال™‪x‬مذي من طريق ابن عباس ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ‬ ‫ع‪*w‬ما قال ‪ " :‬ملا أسري بالن´‹  جعل يمر بالن´‹ والنبي>ن ومعهم القوم‪ ،‬والن´‹ والنبي>ن‬ ‫ومعهم الرهط ‪ ،‬والن´‹ والنبي>ن وليس معهم أحد" )‪.(29‬‬ ‫ً‬ ‫ولذلك فقد وجه ﷲ تعا"ى رسول محمدا  إ"ى هذا املع‪ H¢‬عندما أمرﻩ بالدعوة والتبليغ ولم‬ ‫ً‬ ‫يطالبه بالنتيجة ‪ ،‬فقال ‪  :‬فإن أعرضوا فما أرسلناك عل‪*j‬م حفيظا إن عليك إال‬ ‫البالغ)‪ .(30‬وقال ‪  :‬فهل ع‪C‬ى الرسل إال البالغ املب>ن  )‪.(31‬‬ ‫وقال ‪  :‬وما ع‪C‬ى الرسول إال البالغ املب>ن  )‪.(32‬‬ ‫فأمر الهداية بيد ﷲ تعا"ى ‪ ،‬وهو القائل ‪  :‬إنك ال ž*دي من أحببت ولكن ﷲ ‪*+‬دي من‬ ‫يشاء  )‪.(33‬‬ ‫ب‪-‬ومن فقه هذﻩ القاعدة أن الداعية ال يقع تحت ٕالاحباط والضغوط النفسية الناشئة‬ ‫عن إعراض الناس وعدم استجاب‪*¥‬م‪ .‬ولقد رفع ﷲ تبارك وتعا"ى الحرج عن نبيه  ولم‬ ‫يكلفه إال بما يستطيع ‪ ،‬فقال ‪  :‬ليس عليك هداهم  )‪ (34‬وقال له ‪  :‬فلعلك باخع نفسك‬ ‫ع‪C‬ى آثارهم إن لم يؤمنوا ‪*o‬ذا الحديث أسفا  )‪ .(35‬وقال ‪ :‬فال تذهب نفسك عل‪*j‬م‬

‫)‪(28‬‬

‫  &  ‪.40 :‬‬

‫)‪(29‬‬

‫;‪/? G? : 1 F 631/4  !  89 :‬‬

‫)‪(30‬‬

‫  = ‪.48 :  H‬‬

‫)‪(31‬‬

‫  ‪.35 :  1?$‬‬

‫)‪(32‬‬

‫  ‪.54 :  $‬‬

‫)‪(33‬‬

‫   ‪.56 :  C‬‬

‫)‪(34‬‬

‫     ‪.272 :‬‬

‫)‪(35‬‬

‫  ‪.6 :  ,IB‬‬

‫?> ‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫حسرات)‪ .(36‬وقل ‪  :‬وال تحزن عل‪*j‬م  )‪ .(37‬و‪N‬ي هذﻩ ٓالايات تسلية لرسول ﷲ  حيث‬ ‫كان الحريص ع‪C‬ى إيصال الخ>‪ x‬والهداية إل‪*j‬م ولك‪*w‬م عموا ّ‬ ‫وصموا‪.‬‬ ‫والقلب الرحيم يتقطع عندما يرى الناس ي‪*¥‬افتون ‪N‬ي النار ž*افت الفراش ‪ ،‬وكذلك كان‬ ‫ً‬ ‫حال رسول ﷲ  فجاء التوجيه الرباني ‪ ) :‬فلعلك باخع نفسك؟!( أي مهلكها ً‬ ‫أ‪ HºÒ‬وأسفا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عل‪*j‬م أل‪*°‬م لم يؤمنوا بالقرآن الكريم‪ .‬قال قتادة ) لعلك قاتل نفسك غضبا وحزنا عل‪*j‬م ؟!‬ ‫ً‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬جزعا واملع‪ H¢‬متقارب ‪ ،‬أي ال تأسف عل‪*j‬م بل أبلغهم رسالة ﷲ ‪ ،‬فمن‬ ‫اهتدى فلنفسه‪ ،‬ومن ضل فإنما يضل عل‪*j‬اﻩ ( )‪.(38‬‬ ‫وكذلك ُرفع هذا الحرج عن الدعاة من أمة محمد  إن لم ‪*+‬تد الناس ولم يستجيبوا لهم‬ ‫ً‬ ‫بعد استنفاد غاية الجهد معهم؛ ألن ﷲ ال يكلف نفسا إال وسعها ‪.‬‬ ‫ج‪-‬و‪N‬ي هذﻩ القاعدة عالج ألولئك املتعجل>ن من الدعاة الذين ينتظرون النتائج الدنيوية‬ ‫ً‬ ‫الظاهرة‪ ،‬ويجعلو‪*°‬ا شرطا للمواصلة والس>‪N x‬ي طريق الدعوة‪ .‬وهذا التالزم إنما هو سوء‬ ‫فهم من جهة‪،‬ومخالفة صريحة لقواعد الدعوة ‪N‬ي القرآن والسنة من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ولقد أكد القرآن الكريم عدم التالزم ب>ن الدعوة والاستجابة‪ ،‬فقد يبذل الداعية قصارى‬ ‫جهدﻩ‪ ،‬وال يجد من املدعو سوى الاعراض ‪ ،‬وقد جعل القرآن الكريم ب>ن الدعوة‬ ‫والاستجابة مرحلة وسيطة يبدو أ‪*°‬ا ضرورية ‪ ،‬و]ي مقت‪ HºÁ‬قوله تعا"ى ‪  :‬ح‪ HI‬إذا‬ ‫ُ‬ ‫استيأس ُ‬ ‫الرسل )‪ .(39‬و]ي مرحلة  وظنوا أ‪*°‬م قد كذبوا والوصول إ"ى هذﻩ املرحلة‬ ‫وسيط ب>ن الدعوة وب>ن املرحلة الثالثةجاءهم نصرنا ‪.‬‬ ‫قال ابن كث>‪ " : x‬يذكر تعا"ى أن نصرﻩ ي‪ÌÞ‬ل ع‪C‬ى رسله صلوات ﷲ وسالمه عل‪*j‬م أجمع>ن‬ ‫عند ضيق الحال وانتظار الفرج من ﷲ ‪N‬ي أحوج ٔالاوقات غليه ‪ ،‬كقوله تعا"ى ‪ :‬وزلزلوا‬ ‫ح‪ HI‬يقول الرسلو والذين آمنوا معه م‪ HI‬نصر ﷲ )‪.(40‬‬ ‫وقد فهمت عائشة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ا أن هذا الظن إنما هو ظن ٔالاتباع ال ﱡ‬ ‫ظن الرسل أنفسهم ‪،‬‬ ‫وذلك عندما قال لها عروة ‪ :‬فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن ‪ ،‬قالت‪ :‬أجل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لعمري ‪ ،‬لقد استيقنوا بذلك ‪ ،‬فقلت لها ‪ :‬وظنوا أ‪*°‬م قد كذبوا؟ قالت ‪ :‬معاذ ﷲ لم تكن‬ ‫)‪(36‬‬

‫  ‪.8 :  J 5‬‬

‫)‪(37‬‬

‫  ‪. 127 :  1?$‬‬

‫)‪(38‬‬

‫ ‪.367/4 EB /‬‬

‫)‪(39‬‬

‫  ‪.110 :  ,‬‬

‫)‪(40‬‬

‫ ‪.160/4 EB /‬‬ ‫‪15‬‬

‫الرسل تظن ذلك بر‪*o‬ا ‪ .‬قلت فما هذﻩ ٓالاية؟ قالت ‪ :‬هم أتباع الرسل الذين آمنوا بر‪*o‬م‬ ‫وصدقوهم‪ ،‬فطال عل‪*j‬م البالء‪ ،‬واستأخر ع‪*w‬م النصر ‪،‬ح‪ HI‬إذا استيأس الرسل ممن‬ ‫كذ‪*o‬م من قومهم وظنوا أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر ﷲ عند ذلك)‪ .(41‬وذلك بناء‬ ‫ُ‬ ‫ع‪C‬ى قراءة عائشة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ا بتشديد )كذبوا( فيكون الفاعل ٔالاتباع ال الرسل)‪ .(42‬وهو‬ ‫توجيه يليق بمقام الرسل الكرام‪ .‬وإذا جعلنا الضم>‪ x‬للرسل كان ظ‪*w‬م حينئذ أن قومهم قد‬ ‫كذبوهم‪ .‬وال مانع من الجمع ب>ن املكذب>ن من أقوام الرسل وب>ن املتعجل>ن الظان>ن باهلل ظن‬ ‫السوء ‪.‬‬ ‫د‪-‬وال يع‪ H¢‬هذا أن الداعية غ>‪ x‬مطالب ببذل قصارى جهدﻩ‪ ،‬واستخدام أحسن ما يستطيع‬ ‫من ٔالاساليب والوسائل‪ ،‬وهذا ما سنذكرﻩ ‪N‬ي قاعدﻩ البالغ التالية‪.‬‬

‫القاعدة الرابعة‬ ‫ُ ّ‬ ‫ع‪f‬ى الداعية أن يصل إى رتبة امل َب ِلغ وأن يس‪q‬ى إى البالغ‬ ‫ليس أمر الدعوة إ"ى ﷲ بأقل من أمر الدعوة أو الدعاية إ"ى سلعة دنيوية ‪ .‬ونحن ع‪C‬ى يق>ن‬ ‫ً‬ ‫أن صاحب البضاعة يستخدم أقوى الوسائل وأوسعها انتشارا من أجل إيصال الجمهور إ"ى‬ ‫درجة القناعة ببضاعته ‪ ،‬ونراﻩ ‪N‬ي سبيل ذلك يستخدم الكلمة والصورة والهدية وغ>‪ x‬ذلك‬ ‫من الوسائل ‪.‬‬ ‫وقد جعل ﷲ تعا"ى مهمة رسله وأنبيائه البالغ ‪ ،‬فقال ‪  :‬فهل ع‪C‬ى الرسل إ"ى البالغ‬ ‫املب>ن)‪ .(43‬ووصف البالغ بأنه املب>ن‪ .‬وقال تعا"ى‪  : :‬الذين ُيبلغون رساالت ﷲ‬ ‫ويخشونه)‪.(44‬‬ ‫وعند إعراض الناس عن ٕالايمان كان يأتي التأكيد ع‪C‬ى وصول ٔالانبياء إ"ى رتبة البالغ‪ ،‬قال‬ ‫تعا"ى ‪  :‬فتو"ى ع‪*w‬م وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي )‪.(45‬‬ ‫)‪(41‬‬

‫ ‪.61)60/4 EB /‬‬

‫)‪(42‬‬

‫‪.16/2 K  L9 /- ,=B‬‬

‫)‪(43‬‬

‫  ‪.35 :  1?$‬‬

‫)‪(44‬‬

‫  ‪.39 :  A?.‬‬

‫)‪(45‬‬

‫  ‪.79 :  , -.‬‬ ‫‪16‬‬

‫َ‬ ‫وكلمة َبل َغ ‪ :‬تع‪ ‹¢‬وصل أو قارب ع‪C‬ى الوصول‪ ،‬يقول ابن فارس ‪ " :‬الباء والالم والغ>ن أصل‬ ‫واحد ) أي مع‪ H¢‬واحد( ‪ ،‬وهو الوصول إ"ى ال‪‹ºÜ‬ء تقول ‪ :‬بلغت املكان إذا وصلت إليه" )‪، (46‬‬ ‫ُ‬ ‫ويقول ‪ " :‬وكذلك البالغة ال‪ ‹I‬يمدح ‪*o‬ا الفصيح اللسان ألن َيبلغ ‪*o‬ا ما يريدﻩ")‪.(47‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫سمع ال بل ُغ ‪،‬‬ ‫وقال ٔالازهري ‪ " :‬والعرب تقول للخ‪ xy‬يبلغ أحدهم وال يحققونه‪ ،‬وهو يسوءهم ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أي نسمعه وال يبلغنا‪ ،‬ويجوز ‪ :‬سمعا ال بلغا " )‪.(48‬‬ ‫وهذا دليل ع‪C‬ى أن استعمال كلمة البالغ إنما كان ملا ف‪*j‬ا من طبيعة الوصول والان‪*¥‬اء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ب‪ -‬وال معذرة للداعية إذا صر ‪N‬ي البالغ ولقد نبه ﷲ تبارك وتعا"ى نبيه محمدا  إ"ى مثل‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫هذا قائال ‪  :‬يا أ‪*+‬ا الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وﷲ‬ ‫يعصمك من الناس إن ﷲ ال ‪*+‬دي القوم الكافرين )‪.(49‬‬ ‫ً‬ ‫قال القرط´‹ ‪ " :‬وهذا تأديب للن´‹  وتأديب لحملة العلم من أمته أال يكتموا شيئا من‬ ‫شريعته")‪ .(50‬وليس املقصود بالبالغ مجرد ٕالاخبار أو ٕالاعالن‪ ،‬إنما املراد أن تصل رسالته‬ ‫للناس‪.‬‬ ‫ج‪-‬ومن مقتضيات البالغ أن ي‪è‬ي الداعية ما ُيبلغه ‪ ،‬ألنه ال تبليغ بال و‪µ‬ي‪ ،‬ويستفاد هذا من‬ ‫ً‬ ‫ﱠ‬ ‫قوله  ‪َ " :‬ن ﱠ‬ ‫وبلغها‪َ ،‬‬ ‫وفر ﱠب حامل فقه إ"ى من‬ ‫ض َر ﷲ امرءا سمع مقال‪ ‹I‬فوعاها وحفظها‬ ‫َ‬ ‫هو أفقه منه ‪ ،‬ثالث ال ُيغ ّل عل‪*j‬ن قلب مسلم ‪ :‬إخالص العمل هلل ‪ ،‬ومناصحة أئمة‬ ‫املسلم>ن ‪ ،‬ولزوم جماع‪*¥‬م ‪ ،‬فإن الدعوة تحيط من وراءهم")‪.(51‬‬ ‫قال الخطابي ‪N‬ي شرحهه لهذا الحديث ‪َ " :‬ن ﱠ‬ ‫ضر ﷲ معناﻩ الدعاء له بالنضارة و]ي النعمة‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫والبهجة" )‪ .(52‬وهذﻩ النضارة من آثار التبليغ ع‪C‬ى امل ِبلغ فامل َب ِلغون أصحاب الوجوﻩ الناضرة‬ ‫‪N‬ي الدنيا وٓالاخرة‪.‬‬

‫)‪(46‬‬

‫!‪.301/1 M7 # ! 69D‬‬

‫)‪(47‬‬

‫! ‪.302/1 8$ N9‬‬

‫)‪(48‬‬

‫‪.140/8 M7 A I‬‬

‫)‪(49‬‬

‫  ! ‪.66 :  O‬‬

‫)‪(50‬‬

‫  ‪.242/6 4J‬‬

‫)‪(51‬‬

‫;‪6 !@ 89 :; 1015/2 84/1 P B 9 ! / 89 :; 34/5 -  /!  !  89 :‬‬ ‫;?! !‪.24 :!! 45 4!  89 :; 183/5 82 80/4 225/3 437/1  - /‬‬

‫)‪(52‬‬

‫!‪.187/4 /$ 6 D‬‬ ‫‪17‬‬

‫)‪(53‬‬

‫واستفاد الخطابي من هذا الحديث كراهة اختصار الحديث ملن ليس باملتنا]ي بالفقه‬ ‫وع‪C‬ى هذا فإن الو‪µ‬ي يكون بحفظ النص وأدائه كما قيل‪ .‬ويكون للفقيه بمحافظته ع‪C‬ى‬ ‫املعاني املستفادة‪ ،‬وي™‪x‬تب ع‪C‬ى هذا الحديث كل ما يتعلق بالرواية والدراية من العلوم‬ ‫والتفاصيل‪.‬‬ ‫د‪ -‬ومن مقتضيات البالغ البالغة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫والبالغة ‪N‬ي تفس>‪ x‬قوله تعا"ى ‪  :‬وقل لهم ‪N‬ي أنفسهم قوال بليغا  )‪ :(54‬أن يكون كالما حسن‬ ‫ً‬ ‫ٔالالفاظ حسن املعاني مشتمال ع‪C‬ى ال™‪x‬غيب وال™‪x‬هيب والتحذير وٕالانذار والثواب والعقاب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫فإن الكالم إذا كان هكذا َعظم وقعه ‪N‬ي القلب ‪ ،‬وإذا كان مختصرا ركيك ٔالالفاظ ركيك‬ ‫املع‪ ،H¢‬لم يؤثر البتة ‪N‬ي القلب)‪.(55‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وقال ‪N‬ي اللسان ‪ :‬رجل بليغ ‪ :‬حسن الكالم فصيحه ‪ُ ،‬ي َب ِلغ بعبارة لسانه ك ْنه ما ‪N‬ي قلبه)‪.(56‬‬ ‫وليست البالغة ‪N‬ي صعوبة ٔالالفاظ ؤالاساليب ‪ ،‬والبحث عن وح‪ ‹ºÜ‬الكالم وغريبه‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وبناء عليه فإن ع‪C‬ى امل ِبلغ أن يعلم من لغة العرب وأسالي©*م ما يعينه ع‪C‬ى البالغ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومقت‪ HºÁ‬هذا بحثواطالع ‪ ،‬واعتناء باللغة العربية‪ :‬علما وقراءة وكتابة ومحادثة‪ ،‬ونظرا ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أدب العرب ن¨‪x‬ا وشعرا ‪ ،‬و‪N‬ي نظم القرآن مب‪ H¢‬ومعن‪ .‬والدعاة اليوم هم أحوج ما يكونون‬ ‫لهذا وال ُيعذرون بالقصور فيه‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬ولقد جاء القرآن بتأكيد الفصاحة وسالمة النطق‪.‬‬ ‫وذلك عندما قال ﷲ تعا"ى ع‪C‬ى لسان مو‪ HºÒ‬عليه السالم‪ :‬واحلل عقدة من لساني يفقهو‬ ‫قو"ي)‪ .(57‬فقد علم مو‪ HºÒ‬عليه السالم أن سالمة النطق وفصاحته من أسباب البالغ‬ ‫وإقامة الحجة‪ ،‬قال الرازي ‪ " :‬اختلفوا ‪N‬ي أنه عليه السالم ِل َم طلب حل تلك العقدة ع‪C‬ى‬ ‫وجوﻩ" ‪.‬‬ ‫أحدها ‪ :‬لئال يقع ‪N‬ي أداء رسالته خلل البتة‪.‬‬

‫)‪(53‬‬

‫!  ‪.187/4 8$‬‬

‫)‪(54‬‬

‫  ‪.67  K $‬‬

‫)‪(55‬‬

‫   ‪.159/10‬‬

‫)‪(56‬‬

‫ ‪.302/10 A D /‬‬

‫)‪(57‬‬

‫  ‪.27 :  8J‬‬ ‫‪18‬‬

‫وثان‪*j‬ا ‪ :‬إلزالة التنف>‪x‬؛ ألن العقدة ‪N‬ي اللسان قد تف‪ ‹ºÁ‬إ"ى الاستخفاف بالقائل وعدم‬ ‫الالتفات إليه)‪.(58‬‬ ‫ثم قال ورابعها ‪ :‬طلب السهولة ألن إيراد مثل هذﻩ الكالم ع‪C‬ى مثل فرعون ‪N‬ي ج‪xy‬وته ِوك ْ‪xy‬ﻩ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َع ِس ﱡر جدا ‪ ،‬فإذا انضم إليه ت ﱡعقد اللسان بلغ العسر إ"ى ال‪*w‬اية‪ ،‬فسأل ربه إزالة تلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العقدة تخفيفا وتسهيال)‪.(59‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫عود نفسه ع‪C‬ى النطق الصحيح‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫ويستفاد من هذﻩ القاعدة أن ع‪C‬ى الداعية أن ي ِ‬ ‫‪N‬ي لسانه عقدة فليستعن بمن يفصح عنه ‪ ،‬ويساعدﻩ ‪N‬ي مهمته‪ ،‬وذلك كي يصل بدعوته إ"ى‬ ‫درجة البالغ والبيان‪ ،‬وهذا ما سال مو‪ HºÒ‬عليه السالم ربه سبحانه‪  :‬وأ‪é‬ي هارون هو‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫)‪ّ (60‬‬ ‫والر ْد ُء ‪:‬اسم ما يستعان به ‪ .‬قال الرازي‬ ‫أفصح م‪ ‹¢‬لسانا فأرسله م‪è‬ي ردءا يصدق‪ِ . ‹¢‬‬ ‫‪N‬ي تفس>‪ x‬هذﻩ ٓالاية ‪ ) :‬ليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له صدقت أو يقول للناس‪:‬‬ ‫صدق مو‪ ،HºÒ‬وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوﻩ الدالئل ويجيب عن الش©*ات‬ ‫ُ‬ ‫أفصح‬ ‫ويجادل به الكفار‪ ،‬فهذا هو التصديق املفيد‪ ،‬أال ترى إ"ى قوله‪  :‬وأ‪é‬ي هارون هو‬ ‫ً‬ ‫م‪ ‹¢‬لسانا فأرسله م‪è‬ي وفائدة الفصاحة تظهر فيما ذكرناﻩ ال ‪N‬ي مجرد قوله ‪ :‬صدقت( )‪.(61‬‬ ‫و‪ -‬ومما يساعد الداعية ع‪C‬ى البيان والبالغ وجود إخوانه معه إ"ى جانبه ‪ ،‬فإن وجودهم‬ ‫يشد من عضدﻩ ويلقي ‪N‬ي روعه الطمأنينة من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن وقع ذلك ع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املدعوين كب>‪ .x‬إذ عندما يرى املدعوون أن الداعية ليس وحيدا وأن معه أنصارا وأعوانا‬ ‫فإ‪*°‬م يالحظون أثر الدعوة ‪N‬ي الناس ويحملهم هذا ع‪C‬ى إمعان الفكر ‪N‬ي هذﻩ الدعوة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ﱡ‬ ‫قال تعا"ى مخاطبا مو‪ HºÒ‬عليه السالم‪  :‬سنشد عضدك بأخيك)‪ (62‬وقال ع‪C‬ى لسان‬ ‫ً‬ ‫أيضا  واجعل "ي وزي ًرا من أه‪C‬ي هارون أ‪é‬ي ُ‬ ‫اشد ْد به أزري وأشركه ‪N‬ي أمري)‪(63‬‬ ‫مو‪HºÒ‬‬ ‫قال الرازي ‪N‬ي تفس>‪x‬ﻩ لهذﻩ ٓالاية ‪ " :‬واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون ألنه خاف من نفسه‬ ‫ُ‬ ‫العجز عن القيام بذلك ٔالامر فطلب املع>ن ‪ ،‬أو ألنه رأى أن للتعاون ع‪C‬ى الدين والتظاهر‬ ‫عليه مع مخالصة ّ‬ ‫الود وزوال ال‪*¥‬مة مزية عظيمة ‪N‬ي أمر الدعاء إ"ى ﷲ‪ .‬ولذلك قال عي»‪Hº‬‬ ‫ِ‬ ‫)‪(58‬‬

‫   ‪.48/22‬‬

‫)‪(59‬‬

‫!  ‪.8$‬‬

‫)‪(60‬‬

‫   ‪.34 :  C‬‬

‫)‪(61‬‬

‫   ‪.249/24‬‬

‫)‪(62‬‬

‫   ‪.35 :  C‬‬

‫)‪(63‬‬

‫  ‪.30 :  8J‬‬ ‫‪19‬‬

‫عليه السالم‪  :‬قال ‪ :‬من أنصاري إ"ى ﷲ ؟ قال الحواريون ‪ :‬نحن أنصار ﷲ  وقال‬ ‫ملحمد‬ ‫حسبك ﷲ ومن اتبعك من املؤمن>ن)‪.(64‬‬ ‫ز‪ -‬ولكي يصل الداعية إ"ى درجة البالغ فعليه أن يستعمل الوسائل الكاشفة عن مرادﻩ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫قربة لدعوته ‪ ،‬وهذا ما يعرف بوسائل ٕالايضاح‪ ،‬والوسائل املعينة‪ .‬وع‪C‬ى الداعية أن‬ ‫امل ِ‬ ‫يخاطب الناس بالصورة والفيلم والخارطة والرسم البياني واملقطع التوضي‪ê‬ي والرحلة‬ ‫الهادفة والقصة واملثل والقسيدة ومخلوقات ﷲ تعا"ى وعجيب صنعه‪.‬‬ ‫الن´‹  يستخدم وسيلة ٕالايضاح‪:‬‬ ‫أخرج البخاري عن ابن عمر ـ ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما ـ قال ‪ " :‬كنا عند الن´‹  فأتى ُ‬ ‫بج َمار)‪ (65‬فقال‬ ‫َُ‬ ‫‪ :‬إن ‪N‬ي الشجر شجرة َمثلها كمثل املسلم‪ ،‬فأردت أن أقول‪] :‬ي النخلة فإذا أنا أصغر القوم ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فسكت ‪ ،‬فقال الن´‹  ‪] :‬ي النخلة )‪.(66‬‬ ‫فالن´‹  سأل عن شجرة يش©*ها املسلم وتش©*ه وكان عند السؤال يأكل من ّ‬ ‫الجمار‪ .‬قال‬ ‫ابن حجر‪ " :‬ملا ذكر الن´‹  املسألة عند إحضار ّ‬ ‫الجمار إليه فهم ابن عمر أن املسؤول عنه‬ ‫النخلة")‪.(67‬‬ ‫إبراهيم عليه السالم يستخدم وسائل ٕالايضاح‪:‬‬ ‫والقرآن الكريم يقص علينا كيف كان إبراهيم عليه الصالة والسالم يستخدم هذﻩ الوسائل‬ ‫املعينة عندما أراد أن يدعو قومه إ"ى عبادة ﷲ ويصرفهم عن عبادة النجوم والكواكب‪ .‬قال‬ ‫ً‬ ‫ﷲ تعا"ى‪  :‬فلما ﱠ‬ ‫ُ‬ ‫كوكبا قال هذا ربي ﱠ‬ ‫فلما أفل قال ال ُأ ﱡ‬ ‫حب ٓالافل>ن*‬ ‫الليل رأى‬ ‫جن عليه‬ ‫ً‬ ‫ﱠ َ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫ألكونن من القوم‬ ‫فلما أفل قال ‪ :‬ل‪í‬ن لم ‪*+‬دني ربي‬ ‫فلما رأى القمر بازعا قال هذا رّبي‬ ‫ﱠ‬ ‫الضال>ن ﱠ‬ ‫فلما رأى الشمس بازغة قال ‪ :‬هذا ربي هذا أك‪ xy‬ملا أفلت قال يا قوم إني بريء مما‬ ‫ً‬ ‫ُتشركون* إني ﱠ‬ ‫َ‬ ‫وج·‹ للذي فطر السماوات ؤالارض حنيفا ومآ أنا من املشرك>ن)‪.(68‬‬ ‫وجهت‬ ‫وهذا أسلوب فيه الت‪ÌÞ‬ل مع املدعو والتدرج معه ح‪ HI‬يتوصل إ"ى إبطال ُم ّدعاﻩ وإقامة‬ ‫الحجة عليه‪.‬‬ ‫)‪(64‬‬

‫   ‪.48/22‬‬

‫)‪(65‬‬

‫‪.AJ 7? 8DJ A7 /! 7:$ #; 45 !  !Q 9‬‬ ‫‪R‬‬ ‫;‪.  >5 N! 165/1  : 89 :‬‬

‫)‪(67‬‬

‫‪.165/1   >5‬‬

‫)‪(68‬‬

‫  ‪.79)76 :  6 D$.‬‬

‫)‪(66‬‬

‫‪20‬‬

‫ومعاذ ﷲ أن يكون هذا هو معتقد إبراهيم عليه السالم‪ .‬قال الرازي ‪N‬ي تفس>‪x‬ﻩ‪ ":‬إن هذﻩ‬ ‫الواقعة إنما حصلت بسبب مناظرة إبراهيم عليه السالم مع قومه‪ ،‬والدليل عليه أن ﷲ‬ ‫تعا"ى ملا ذكر هذﻩ القصة قال ‪ :‬وتلك ُح ﱠجتنا آتيناها إبراهيم ع‪C‬ى قومه ولم يقل ع‪C‬ى‬ ‫نفسه‪ ،‬فعلم أن هذﻩ املباحثة إنما جرت مع قومه ألجل أن يرشدهم إ"ى ٕالايمان‬ ‫والتوحيد")‪.(69‬‬ ‫وأما قوله ‪ :‬هذا ربي فمعناﻩ ع‪C‬ى زعمكم واعتقادكم وذلك كقول مو‪ HºÒ‬عليه السالم‬ ‫ً‬ ‫للسامري‪  :‬وانظر إ"ى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا)‪ .(70‬فإن مو‪ HºÒ‬عليه السالم لم يقرﻩ‬ ‫ع‪C‬ى مدعاﻩ وإنما حكى زعمه وادعاءﻩ‪ .‬وكذلك قول ﷲ تعا"ى ويوم يناد‪*+‬م فيقول أين‬ ‫شركائي)‪ .(71‬فالشركاء هنا ع‪C‬ى حد زعم املشرك>ن وادعا•*م‪ .‬و‪*o‬ذا يكون إبراهيم عليه‬ ‫السالم قد دحض عقيدž*م ‪N‬ي عبادة الحوادث واملتغ>‪x‬ات‪ ،‬وأثبت عقيدته ‪N‬ي عبادة الواحد‬ ‫البا‪ï‬ي‪ ،‬الذي ال يع™‪x‬يه النقص والتغ>‪.x‬‬ ‫ومثال آخر جاء ‪N‬ي قوله تعا"ى‪:‬وإن من شيعته إلبراهيم* إذ جاء ربه بقلب سليم* إذ قال‬ ‫ً‬ ‫أئفكا آلهة دون ﷲ تريدون* فما ﱡ‬ ‫ظنكم برب العامل>ن* فنظر نظرة‬ ‫ألبيه وقومه ماذا تعبدون*‬ ‫‪N‬ي النجوم* فقال إني سقيم* فتولوا عنه مدبرين* فراغ إ"ى آله‪*¥‬م فقال أال تأكلون* ما لكم‬ ‫ً‬ ‫ال تنطقون* فراغ عل‪*j‬م ضربا باليم>ن)‪.(72‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقال تعا"ى ‪ :‬فجعلهم ُجذاذا إال كب>‪x‬ا لهم لعلهم إليه يرجعون* قالوا من فعل هذا بآلهتنا‬ ‫إنه ملن الظامل>ن* قالوا سعنا ف‪ HI‬يذكرهم يقال له إبراهيم* قالوا فأتوا به ع‪C‬ى أع>ن الناس‬ ‫لعلهم يشهدون* قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم* قال بل فعله كب>‪x‬هم هذا‬ ‫فاسألوهم إن كانوا ينطقون)‪.(73‬‬ ‫ً‬ ‫ونالحظ أن إبراهيم عليه السالم استخدم أسلوبا من أسالي©*م عندما يمرضون‪ ،‬وهو املكث‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عند ٔالاصنام طلبا للشفاء‪ ،‬ونراﻩ يحطم ٔالاصنام إال صنما كب>‪x‬ا ‪ ،‬لعلهم إليه يرجعون‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫نراﻩ ينسب الفعل لهذا الكب>‪ ،x‬وتأكيدا لهذا فقد جعل الفأس ‪N‬ي رأسه‪ ،‬وهذا كله جعلهم‬ ‫يقولون ‪:‬فرجعوا إ"ى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظاملون* ثم نكسوا ع‪C‬ى رءوسهم لقد‬ ‫)‪(69‬‬

‫   ‪.48/13‬‬

‫)‪(70‬‬

‫  ‪.97 : 8J‬‬

‫)‪(71‬‬

‫   ‪.62 :  C‬‬

‫)‪(72‬‬

‫   ‪.91)83 :  5‬‬

‫)‪(73‬‬

‫  ‪.63)58 :  K $.‬‬ ‫‪21‬‬

‫علمت ما هؤالء ينطقون )‪ .(74‬و‪*o‬ذا فقد حكم املشركون ع‪C‬ى أنفسهم بالجهل والغباء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقرروا عجز آله‪*¥‬م عن حماية نفسها إو إجراء الخ>‪ x‬والضر لها فضال عن تقديمه لغ>‪x‬ها‪.‬‬ ‫ح‪-‬وللوصول إ"ى رتبة البالغ فإنه البد من تقليب ٔالاساليب وتنوعها فما ال يصل بالجهر قد‬ ‫يصل بالسر‪ ،‬وما ال يصل ‪N‬ي الليل قد يصل ‪N‬ي ال‪*w‬ار‪ ،‬وما ال يستقر ‪N‬ي القلوب مع إنشغالها‬ ‫قد يستقر ف‪*j‬ا عند فراغها‪ ،‬وما ال يؤثر ‪N‬ي الصحيح قد يؤثر ‪N‬ي املريض‪ .‬و‪N‬ي سورة نوح‬ ‫تطبيق كامل لهذا املبدأ ولهذا القاعدة قال ﷲ تعا"ى ع‪C‬ى لسان نوح ‪:‬قال رب إني دعوت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قومي ليال و‪*°‬ارا * فلم يزدهم دعائي إال قرارا* وإني كلما دعوž*م لتغفر لهم جعلوا أصابعهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي آذا‪*°‬م واستغشوا ثيا‪*o‬م وأصروا واستك‪xy‬وا استكبارا* ثم إني دعوž*م جهارا* ثم إني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا* فقلت استغفروا رﱠبكم إنه كان غفارا)‪ .(75‬قال القرط´‹‪":‬‬ ‫كل هذا مبالغة ‪N‬ي الدعاء وتلطف باالستدعاء")‪.(76‬‬ ‫وقال ابن كث>‪ ": x‬نوع عل‪*j‬م الدعوة لتكون أنجح")‪ .(77‬فدعاهم بالليل حيث السكون الدا‪µ‬ي‬ ‫إ"ى حسن الاستماع‪ ،‬وحيث النجوم الدالة ع‪C‬ى خالقها ومنش‪*ò‬ا‪ .‬ودعاهم بال‪*w‬ار حيث العمل‬ ‫واللقاء واملحاورة واملناظرة‪ .‬وكان شأ‪*°‬م التنكر له عندما يدعوهم‪ ،‬ولكنه لم يتنكر لهم‪ ،‬بل‬ ‫واصل دعوž*م ‪ ،‬وأمعنوا ‪N‬ي التنكر فوضعوا أصابعهم ‪N‬ي آذا‪*°‬م‪ ،‬ﱠ‬ ‫وتلفعوا بثيا‪*o‬م‪ ،‬فصاح‬ ‫ً‬ ‫بأع‪C‬ى صوته كي يصل إ"ى أسماعهم‪ ،‬وملا ألقوا بأسماعهم أسر لهم إسرارا‪ .‬قال القرط´‹‪" :‬‬ ‫وأسررت لهم ‪ :‬أتي‪*¥‬م ‪N‬ي منازلهم ")‪ .(78‬وهذﻩ التفاتة جيدة من القرط´‹‪ ،‬إذ أن الذهاب‬ ‫ً‬ ‫باملدعو بعيدا عن أع>ن الناس أبلغ ي التأث>‪x‬ن ‪N‬ي ح>ن أن اللقاء مع املدعو أمام أع>ن الناس‬ ‫ً‬ ‫قد يسبب حرجا له‪ ،‬باإلضافة إ"ى أنه ينبه أعداء ٕالاسالم الذين يضربون هذﻩ العالقة‬ ‫بمجرد معرف‪*¥‬م ‪*o‬ذﻩ الصلة ويحذرون املدعو‪ ،‬ويكون هذا قبل أن نتمكن الفكرة ‪N‬ي نفس‬ ‫املدعو‪ ،‬فيؤدي ذلك إ"ى عدم الاستجابة أو يؤخرها‪.‬‬ ‫ط‪-‬وللوصول إ"ى رتبة البالغ فإن ع‪C‬ى الداعية أن يخاطب املدعوين بالل>ن ال بالغلظة‬ ‫والشدة والل>ن تلطف باملدعو ورفق به‪ ،‬وتخ>‪ x‬ألحب ٔالاسماء إليه‪ ،‬وأقرب ٔالاساليب إ"ى قلبه‪.‬‬ ‫)‪(74‬‬

‫  ‪.65)64 :  K $.‬‬

‫)‪(75‬‬

‫  ‪.10)5  ن ‪N‬ي التساهل ‪N‬ي أحكام الشرع وال ‪N‬ي مجاراة أهل الباطل ع‪C‬ى باطلهم وال ‪N‬ي‬ ‫السكوت ع‪C‬ى املنكرات‪ .‬فاملؤمن ع‪C‬ى كل حال ال يخ‪ HºÜ‬إال ﷲ وال يرجو إال ثوابه‪.‬‬ ‫وإذا كان ﷲ تعا"ى قد أمر مو‪ HºÒ‬بأن يدعو فرعون بالل>ن‪ ،‬فمن باب أو"ى أن يكون الل>ن‬ ‫ً ً‬ ‫شعار كل دعوة‪ .‬قال تعا"ى‪:‬اذهبا إ"ى فرعون إنه ط‪ó‬ى* فقوال له قوال لينا لعله يتذكر أو‬ ‫يخ‪ .(79)HºÜ‬وأمر ﷲ نبيه  بأن يدعو بالحكمة واملوعظة الحسنة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والل>ن قطع من الشدة وأقدر ع‪C‬ى إيصال الكالم إ"ى القلوب‪ .‬وكث>‪x‬ا ما يجد الداعية العقبات‬ ‫‪N‬ي طريقه بسبب كلمة قالها أو تصرف أساء فيه للمدعوين‪.‬‬ ‫والدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة تجعل املدعو يقف مباشرة أمام الدعوة‪N ،‬ي ح>ن أن‬ ‫الغلظة تجعل املدعو ‪N‬ي حجاب عن الدعوة‪ .‬وكما يضع أعداء ٕالاسالم العقبات ‪N‬ي طريق‬ ‫ً‬ ‫الدعوة‪ ،‬فقد يضع املسلم ـ وهو ال يعلم ـ عقبات أيضا‪N ،‬ي طريقها‪ ،‬سب©*ا سوء صنيعه‬ ‫وضجرﻩ وسأمه وقصر نظرﻩ وضيق صدرﻩ‪ .‬والداعية الناجح هو الذي ال يفقد صوابه واتزانه‬ ‫مهما كانت الظروف‪.‬‬ ‫يقول الرازي‪" :‬واعلم أن الدعوة إ"ى املذهب واملقالة البد أن تكون مبنية ع‪C‬ى حجة وبينة‪،‬‬ ‫واملقصود من ذكر الحجة إما تقرير ذلك املذهب أو ذلك الاعتقاد ‪N‬ي قلوب املستمع>ن‪ ،‬وإما‬ ‫أن يكون املقصود إلزام الخصم وإفحامه")‪.(80‬‬ ‫والدعاة إ"ى ﷲ يبتغون إيصال الحق والهدي إ"ى قلوب الخلق وليسوا ‪N‬ي حلبة مصارعة‬ ‫يبتغون الظفر ع‪C‬ى خصومهم‪ ،‬ويريدون إثبات تفوقهم ‪N‬ي الحجة والدليل‪ .‬ويذهب الرازي إ"ى‬ ‫أ‪ ،‬الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة ]ي ال‪ ‹I‬تؤدي إ"ى كسب ٔالانصار ‪ ،‬بينما تبقى املجادلة‬ ‫بال‪] ‹I‬ي أحسن إلقامة الحجة ع‪C‬ى الخصونم‪ .‬فقال ‪ ) :‬ومن لطائف هذﻩ ٓالاية أنه قال‬ ‫‪:‬ادع إ"ى سبيل ربك بالحكمة واملوعة الحسنة  فقصر الدعوة ع‪C‬ى ذكر هذين القسم>ن‬ ‫‪ ..‬أما الجدل فليس من باب الدعوة بل املقصود منه غرض آخر مغاير للدعوة وهو ٕالالزام‬ ‫وٕالافحام‪ .‬فلهذا السبب لم يقل‪ :‬ادع إ"ى سبيل ربك بالحكمة واملوعظة الحسنة والجدل‬ ‫ً‬ ‫ٔالاحسن‪ ،‬بل قطع الجدل عن باب الدعوة تنب‪*j‬ا ع‪C‬ى أنه ال يحصل الدعوة وإنما الغرض‬ ‫منه ‪‹ºà‬ء آخر)‪.(81‬‬ ‫)‪(79‬‬

‫  ‪.44)43 : /  8J‬‬

‫)‪(80‬‬

‫   ‪.138/20‬‬

‫)‪(81‬‬

‫!  ‪.140)139/20 8$‬‬ ‫‪23‬‬

‫القاعدة الخامسة‬ ‫ع‪f‬ى الداعية أن يقدم الجهد البشري وهو يطلب املدد الرباني‬ ‫شاء ﷲ تبارك وتعا"ى أن تعمل هذﻩ الدعوة بالوسائل البشرية‪ .‬والداعية الحق هو الذي‬ ‫يستطيع أن يوظف عالم ٔالاسباب من أجل دعوته‪ ،‬وهذا رسول ﷲ يواصل ليله ب‪*w‬ارﻩ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫آخذا باألسباب ومستخدما ألساليب عصرﻩ املتاحة ولم يقل ‪ :‬بما أنه يو«ى إ"ي فإن "ي‬ ‫طريقة أخرى ‪N‬ي التماس النظر‪ .‬وإننا لنجد ‪N‬ي تفاصيل س>‪x‬ته  تطبيقات واسعة لهذا‬ ‫املبدأ‪ .‬ويوم أن خالف بعض الصحابة أمر الن´‹ وقصروا ‪N‬ي ٔالاخذ باألسباب كانت تلك‬ ‫النتيجة املفجعة ‪N‬ي معركة أحد رغم أن الرسول  ب>ن ظهران‪*j‬م‪ ،‬والو«ي يت‪ÌÞ‬ل عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و‪N‬ي قول ﷲ تعا"ى‪ :‬ال يكلف ﷲ نفسا إال وسعها)‪ .(82‬بيان شاف لهذا املبدأ‪ ،‬والتكليف هو‬ ‫والج ﱠدة‪ ،‬قال القرط´‹‪" :‬‬ ‫ٔالامر بما يشق عليه‪ .‬والتكليف هنا مرتبط بالوسع الذي هو الطاقة ِ‬ ‫نص ﷲ تعا"ى ع‪C‬ى أنه ال يكلف العباد من وقت نزول ٓالاية عبادة من أعمال القلب أو‬ ‫الجوارح إال و]ي ‪N‬ي وسع املكلف و‪N‬ي مقت‪ HºÁ‬إدراكه وبنيته‪ ،‬و‪N‬ي هذا انكشفت الكربة عن‬ ‫املسلم>ن ‪N‬ي تأويلهم أمر الخواطر")‪ (83‬أي لم يكلفهم ﷲ بما ‪N‬ي خواطر النفوس وخلجات‬ ‫القلوب‪.‬‬ ‫فهم خطأ ‪:‬‬ ‫والناس اليوم يفهمون هذﻩ ٓالاية ع‪C‬ى أن الوسع هو أدنى ما يستطيعه املرء ولذلك فإن هذا‬ ‫الوسع متقلب متغ>‪ x‬حسب الدوافع‪ .‬فقد يد‪µ‬ي املسلم أنه ال يجد سوى ساعة من فراغ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪ :‬ال يكلف ﷲ نفسا إال وسعها‪ ،‬ثم يزيد هذا الجهد إ"ى ساعت>ن قائال‪ :‬ال يكلف ﷲ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نفسا إال وسعها‪ ،‬ثم نجد وقته يتسع لثالث ساعات من العمل فيقول ‪ :‬ال يكلف ﷲ نفسا‬ ‫إال وسعها‪.‬‬ ‫وهذا التقلب والتغ>‪N x‬ي ظرف واحد وزمان واحد دليل ع‪C‬ى أن الادعاء ٔالاول لم يكن‬ ‫ً‬ ‫صحيحا ‪ ،‬وأنه لم يبذل وسعة ‪N‬ي ّ‬ ‫املرة ٔالاو"ى والثانية والثالثة‪.‬‬

‫)‪(82‬‬

‫    ‪.286  :‬‬

‫)‪(83‬‬

‫  ‪.429/3 4J‬‬ ‫‪24‬‬

‫ونظرة إ"ى الشكل أعالﻩ تب>ن أن الكؤوس أ ‪ ،‬ب ‪ ،‬ج وإن تفاوت ‪N‬ي مقدار سع‪*¥‬ا من املاء إال‬ ‫أن الكأس ) د( هو الذي استو‪N‬ى وسعه وطاقته ‪ .‬والدعاة ‪N‬ي فهمهم لهذﻩ ٓالاية كهذﻩ‬ ‫ً‬ ‫الكؤوس‪ ،‬ير‪ HºÛ‬أحدهم بتقديم ال‪ÌÞ‬ر القليل ثم يطالب بالنتائج الكبار ‪ ،‬علما بأن مهمة‬ ‫الدعوة كب>‪x‬ة واسعة‪ .‬وما ين™‪x‬ﻩ العالم من الدعاة كب>‪ x‬كاتساع دعوž*م‪ .‬هذا مع العلم بأن‬ ‫التعامل هو مع الحكيم الخب>‪ x‬الذي يعلم مقدورات النفوس‪.‬‬ ‫ونحن ال نن»‪ Hº‬أن الناس متفاوتون ‪N‬ي أصل املقدرة والجهد وأن مساحات نفوسهم متفاوتة‬ ‫ً‬ ‫كذلك‪ ،‬ولكن املطلوب أن تصل هذﻩ النفس إ"ى أك‪ xy‬عطاء لها وأن يكون جهدها م™‪Ì‬ايدا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متصاعدا كل يوم‪ ،‬وإن قدرا كب>‪x‬ا من طاقة العامل>ن والدعاة محكوم عليه بالهدر والضياع‬ ‫إن لم ُيستغل ‪N‬ي سبيل الحق والدعوة‪ .‬وإن ك¨‪x‬ة العامل>ن الذين يقدمون بعض ما‬ ‫ً‬ ‫يستطيعون يعيقون الس>‪ x‬وتزدحم ‪*o‬م الطرق‪ ،‬تماما كالعربات ال‪ ‹I‬تمأل الطريق ‪N‬ي الوقت‬ ‫الذي ال تحمل من وسعها سوى ال‪‹ºÜ‬ء القليل‪.‬‬ ‫إن ﷲ تعا"ى خلق هذا ٕالانسان وجعل ‪N‬ي وسعه الكث>‪ x‬الكث>‪ ،x‬ونحن ‪N‬ي هذﻩ الحياة نقرأ عن‬ ‫ً‬ ‫بعض املنحرف>ن ومدم‪ٕ ‹¢‬الاجرام‪ ،‬أ‪*°‬م يبذلون جهدا ‪N‬ي سبيل انحرافهم وإجرامهم ما‬ ‫ً‬ ‫يجعلهم يواصلون الليل وال‪*w‬ار‪ ،‬ويقطعون شاسع املسافات‪ ،‬ويعانون ضروبا من التحمل‬ ‫والص‪ xy‬ما يح>‪ٔ x‬الالباب‪ ،‬ويبذلون من ٔالاموا‪ ،‬ويركبون من ٔالاهوال واملخاطر ما يث>‪ x‬العجب‬ ‫العجاب‪ .‬والذي يستطيع فعل الشر فإنه يستطيع فعل الخ>‪ ،x‬ومن يركب املصاعب‬ ‫ؤالاهوال ‪N‬ي سبيل الباطل فإنه قادر ع‪C‬ى ذلك ‪N‬ي سبيل الحق والخ>‪.x‬‬ ‫الصحابة يلƒ‚مون بمعيار الوسع‪:‬‬ ‫وعندما نقرأ س>‪ٔ x‬الاول>ن من ٔالاصحاب ـ رضوان ﷲ عل‪*j‬م ـ نرى أن أك¨‪x‬هم قد مات خارج‬ ‫بلدﻩ‪ .‬فهذا " أبو أيوب ٔالانصاري " يرقد عند أسوار القسطنطينية‪ ،‬وهذﻩ " أم حرام بنت‬ ‫ملحان" ترقد ‪N‬ي جزيرة ق‪xy‬ص‪ ،‬وهذا " عقبة بن عامر " يرقد ‪N‬ي مصر ‪ ،‬وهذا " بالل " يرقد ‪N‬ي‬ ‫دمشق‪ .‬وهكذا فقد اندفع هؤالء ٔالاصحاب ‪N‬ي أصقاع ٔالارض يرفعون راية ٕالاسالم ويبذلون‬ ‫ً‬ ‫الغا"ي والنفيس ‪N‬ي سبيله‪ ،‬وهذا من منطلق إيما‪*°‬م بقول ﷲ تعا"ى‪ :‬ال ُيكلف ﷲ نفسا إ"ى‬ ‫وسعها ونراهم بعد غزوة أحد ال يلبثون ح‪ HI‬يجيبوا دا‪µ‬ي ﷲ فيلحقوا باملشرك>ن" فقال‬ ‫ً‬ ‫أسيد بن حض>‪ x‬وبه سبع جراحات يريد أن يداو‪*+‬ا‪ :‬سمعا وطاعة هلل ولرسوله‪ .‬وأخذ سالحه‬ ‫ً‬ ‫ولم يعرج ع‪C‬ى دواء‪ ،‬ولحق برسول ﷲ ‪ .‬وخرج من ب‪ ‹¢‬سلمة أربعون جريحا‪ :‬بالطفيل ابن‬ ‫‪25‬‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الصمة عشر جراحات")‪.(84‬وكان ذلك ‪N‬ي غزوة حمراء‬ ‫النعمان ثالثة عشر جرحا وبخراش بن‬ ‫ٔالاسد‪ .‬وهذا خ>‪ x‬دليل ع‪C‬ى أن ٕالارادة القوية تبذل من الجهد ما يتحدى املصاعب وٓالاالم‪.‬‬ ‫وأن ٕالارادة الضعيفة عاجزة ح‪ HI‬مع وجود الوسائل وٕالامكانيات‪.‬‬ ‫ولقد ذكر ﷲ هؤالء ٔالاصحاب ‪N‬ي قرآن ُيت‪C‬ى حيث قال ‪ :‬الذين استجابوا هلل والرسول من‬ ‫بعد ما أصا‪*o‬م القرح للذين أحسنوا م‪*w‬م واتقوا ُ‬ ‫أجر عظيم)‪.(85‬‬ ‫الاستطاعة وٕالارادة‪:‬‬ ‫والجدير بالذكر أن الاستطاعة ف‪*j‬ا جانب إرادي نف»‪ ‹º‬يدفع إل‪*j‬ا‪ ،‬ويعمل ع‪C‬ى تحقيقها بإذن‬ ‫ﷲ تعا"ى‪ .‬وإذا انعدم هذا الجانب فإن املرء يصاب بالعجز‪ .‬ومن هنا فإن الن´‹  علمنا‬ ‫بأن ندعو ﷲ قائل>ن‪ " :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأعوذ بك من الج‪y‬ن والبخل‪ ،‬وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال")‪ .(86‬وقال أيضا‪" :‬‬ ‫للمؤمن القوي خ>‪ x‬وأحب إ"ى ﷲ من املؤمن الضعيف و‪N‬ي كل خ>‪ ،x‬احرص ع‪C‬ى ما ينفعك‬ ‫واستعن باهلل وال تعجز")‪ .(87‬وإن الشعور بالعجز وعدم الاستطاعة الذي ي™‪x‬دد ع‪C‬ى ألسنة‬ ‫الدعاة ـ وقد يفعلون ذلك ويقولونه من باب التواضع ـ ليعمل ع‪C‬ى هدر الطاقات ٕالاسالمية‬ ‫وتأخ>‪ x‬ركب الدعوة‪.‬‬ ‫وما لم يزج الداعية نفسه ‪N‬ي غمار دعوته بدون خوف من الفشل‪ ،‬غ>‪ x‬عابئ بما يوجه له‬ ‫من النقد‪ ،‬فإنه لن يتقدم ولن يصل إ"ى دفة التوجيه والتغي>‪.x‬‬ ‫حدود الوسع ومعيارﻩ‪:‬‬ ‫وقد يسأل سائل ‪ :‬وما حدود الوسع والطاقة؟‬ ‫والجواب ع‪C‬ى ذلك تضمنته ٓالايات القرآنية الكريمة التالية‪:‬‬ ‫والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ‪N‬ي سبيل ﷲ والذين آووا ونصروا أولئك هم املؤمنون‬ ‫ً‬ ‫حقا)‪.(88‬‬ ‫الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ‪N‬ي سبيل ﷲ بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند ﷲ)‪.(89‬‬ ‫)‪(84‬‬

‫‪.167/1 S !. S !T‬‬

‫)‪(85‬‬

‫  ‪.172 :  / !- 10‬‬

‫)‪(86‬‬

‫;‪)49 B  A  45 67! 89 :; 231/3 !?; 89 :;  - /! L  97/8  : 89 :‬‬ ‫‪.51‬‬

‫)‪(87‬‬

‫;‪.370 366/2 $! 45 !?; 31/1 89 ! / 2052/4 67! 89 :‬‬

‫)‪(88‬‬

‫  ‪.74 :  1 $.‬‬ ‫‪26‬‬

‫إنما املؤمنون الذين آمنوا باهلل ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ‪N‬ي سبيل‬ ‫ﷲ)‪.(90‬‬ ‫ُ‬ ‫يا أ‪*+‬ا الذين آمنوا هل ُأدلكم ع‪C‬ى تجارة تنجيكم من عذاب أليم* تؤمنون باهلل ورسوله‬ ‫وتجاهدون ‪N‬ي سبيل ﷲ بأموالكم وأنفسكم)‪.(91‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انفروا خفافا وثقاال وجاهدا بأموالكم وأنفسكم ‪N‬ي سبيل ﷲ)‪.(92‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومع‪ H¢‬قوله تعا"ى ‪ :‬انفروا خفافا وثقاال أي سواء كنتم ع‪C‬ى الصفة ال‪ ‹I‬يخف عليكم‬ ‫الجهاد‪ ،‬أو ع‪C‬ى الصفة ال‪ ‹I‬يثقل ‪ ،‬وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كث>‪x‬ة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فاألو"ى‪ :‬خفافا ‪N‬ي النفور لنشاطكم ‪ ،‬وثقاال عنه ملشقته عليكم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والثاني‪ :‬خفافا لقلة عيالكم وثقاال لك¨‪*žx‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والثالث ‪ :‬خفافا من السالح وثقاال منه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والرابع ‪ :‬ركبانا ومشاة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والخامس ‪ :‬شبابا وشيوخا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والسادس ‪ :‬مهازيل وسمانا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والسابع ‪ :‬صحاحا ومر‪.HºÛ‬‬ ‫والصحيح ما ذكرناﻩ إذ الكل داخل فيه‪ ،‬ألن الوصف املذكور وصف ك‪C‬ي)‪.(93‬‬ ‫وقد فهم كث>‪ x‬من الصحابة والتابع>ن هذﻩ ٓالاية ع‪C‬ى إطالقها‪ ،‬قال مجاهد ‪ :‬إن ابا أيوب‬ ‫ً‬ ‫شهد بدرا مع رسول ﷲ ولم يتخلف عن غزوات املسلم>ن‪ .‬ويقول ‪ :‬قال ﷲ ‪ :‬انفروا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خفافا وثقاال  فال أجدني إال خفيفا أو ثقيال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعن صفوان بن عمرو قال ‪ :‬كنت واليا ع‪C‬ى حمص فلقيت شيخا قد سقط حاجباﻩ من‬ ‫أهل دمشق ع‪C‬ى راحلته يريد الغزو‪ .‬قلت ‪ :‬يا عم؛ أنت معذور عند ﷲ‪ ،‬فرفع حاجبيه وقال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ :‬يا ابن أ‪é‬ي‪ ،‬استنفرنا ﷲ خفافا وثقاال‪ ،‬أال إن من أحبه ﷲ ابتالﻩ‪.‬‬ ‫وعن الزهري ‪ :‬خرج سعيد بن املسيب إ"ى الغزوة وقد ذهبت إحدى عينيه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إنك‬ ‫عليل صاحب ضرر ‪ ،‬فقال ‪ :‬استنفر ﷲ الخفيف والثقيل‪ ،‬فإن عجزت عن الجهاد ُ‬ ‫ك¨‪x‬ت‬ ‫)‪(89‬‬

‫    ‪.20 :‬‬

‫)‪(90‬‬

‫  ?‪.15 :   9‬‬

‫)‪(91‬‬

‫   ‪.11)10  ,‬‬

‫)‪(92‬‬

‫    ‪.41‬‬

‫)‪(93‬‬

‫   ‪.70/16‬‬ ‫‪27‬‬

‫السواد‪ ،‬وحفظت املتاع‪ .‬وقيل للمقداد بن ٔالاسود وهو يريد الغزو‪ :‬أنت معذور ‪ ،‬فقال‪ :‬أنزل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﷲ علينا ‪N‬ي سورة براءة‪ :‬انفروا خفافا وثقاال)‪.(94‬‬

‫ُ‬ ‫الدعوة نفرة ‪H‬ي سبيل ﷲ‪:‬‬ ‫والنفور ‪N‬ي سبيل ﷲ ال يع‪ ‹¢‬صورة واحدة و]ي صورة القتال‪ ،‬بل هو ّ‬ ‫أعم من هذا‪،‬‬ ‫والدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى بجميع أشكالها ]ي نفرة ‪N‬ي سبيل ﷲ‪ .‬ولذلك فقد جاء ‪N‬ي سورة‬ ‫ُ‬ ‫التوبة نفسها ما يشعر ‪*o‬ذا‪ ،‬وهو قول ﷲ تعا"ى ‪  :‬فلوال َن َ‬ ‫فر من ك َل فرقة م‪*w‬م طائفة‬ ‫ليتفقهوا ‪N‬ي الدين ُ‬ ‫ولينذروا قومهم إذا رجعوا إل‪*j‬م لعلهم يحذرون)‪.(95‬‬ ‫قال الرازي ‪ :‬كان الواجب انقسام أصحاب رسول ﷲ  إ"ى قسم>ن ‪ ،‬أحد القسم>ن‬ ‫ينفرون إ"ى الغزو والجهاد‪ ،‬والثاني يكونون مقيم>ن بحضرة الرسول ‪ ،‬فالطائفة النافرة‬ ‫إ"ى الغزوة يكونون نائب>ن عن املقيم>ن ‪N‬ي الغزوة‪ ،‬والطائفة املقيمة يكونون نائب>ن عن‬ ‫النافرين ‪N‬ي التفقه‪ ،‬و‪*o‬ذا الطريق يتم أمر الدين ‪*o‬ات>ن الطائفت>ن)‪.(96‬‬ ‫الن ْف َرة للفقه ﱡ‬ ‫ونالحظ ‪N‬ي ٓالاية الربط ب>ن ﱡ‬ ‫والن ْف َرة لإلنذار‪.‬‬ ‫وبناء عليه فإن املسلم مطالب ببذل قصارى جهدﻩ‪ ،‬ومسؤول عن تكليف نفسه وسعها من‬ ‫أجل نصرة هذا ٕالاسالم بصور الجهاد املتنوعة ‪ ،‬وأولها الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان ٕالاسالم ال يطالب الضرير بتقديم ما يستطيعه البص>‪x‬؛ فإن الضرير والبص>‪ x‬كال‬ ‫ً‬ ‫م‪*w‬ما حسب استطاعته مطالب بتقديم الاستطاعة بمقت‪ٓ HºÁ‬الاية الكريمة‪ :‬انفروا خفافا‬ ‫ً‬ ‫وثقاال‪.‬‬ ‫واملؤمن يعلم بأن كل جهد يبذله ‪N‬ي مجال التقوى فإنما هو جهد يقاس بإمكانياته البشرية‬ ‫الضعيفة وال يصل هذا الجهد إ"ى الدرجة ال‪ ‹I‬تليق بجالل ﷲ سبحانه وتعا"ى‪ ،‬ومن هنا‬ ‫فهم بعض املفسرين ٓالاية الكريمة‪ :‬اتقوا ﷲ حق تقاته)‪ (97‬ع‪C‬ى أ‪*°‬ا منسوخة بقول ﷲ‬ ‫تعا"ى ‪:‬‬ ‫)‪(94‬‬

‫   ‪.70/16‬‬

‫)‪(95‬‬

‫   ‪.122  :‬‬

‫)‪(96‬‬

‫   ‪.225/16 :‬‬

‫)‪(97‬‬

‫  ‪.102 : / !- 10‬‬ ‫‪28‬‬

‫فاتقوا ﷲ ما استطعتم)‪ (98‬محتج>ن بما ورد من سبب ال‪ÌÞ‬ول؛ أنه ملا نزلت هذﻩ ٓالاية‬ ‫شق ذلك ع‪C‬ى املسلم>ن؛ ألن حق تقاته أن يطاع فال ُيع‪ Hºø‬طرفة ع>ن‪ ،‬وأن ُيشكر فال‬ ‫ُيكفر‪ ،‬وأن ُيذكر فال ُين»‪ ،Hº‬والعباد ال طاقة لهم بذلك ‪.‬‬ ‫وخ>‪ x‬من النسخ أن ُيقال ـ وﷲ أعلم ـ ‪ :‬هناك معياران للتقوى‪:‬‬ ‫معيار يليق باملعبود سبحانه‪.‬‬ ‫ومعيار يتناسب مع استطاعة العبد‪ ،‬فهو معيار شخ‪ ‹ºø‬يختلف من شخص إ"ى آخر‪ ،‬ومن‬ ‫حال إ"ى حال‪.‬‬ ‫وهذا الحدان واملعياران يكون املؤمن بي‪*w‬ما ‪N‬ي صعود باتجاﻩ ما يليق بجالل ﷲ تعا"ى‪ :‬فع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املسلم أن يكون يومه خ>‪x‬ا من أمسه‪ .‬وغدﻩ خ>‪x‬ا من يومه‪ .‬وعليه أن يزداد ‪N‬ي مدارج التقوى‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫كلما ازداد علما ‪ ،‬أو حلت به نعمة ‪ ،‬أو تقدم به السن‪.‬‬ ‫وإذا أدرك املؤمن هذا املفهوم فإنه يخ‪ HºÜ‬أن ال يكون قد بذل استطاعته‪ ،‬ويحتاط لذلك‬ ‫ً‬ ‫دائما ‪ ،‬فال ير‪ HºÛ‬عن عمله وال عن بذله وال عن جهدﻩ خشية أن يكون قد ﱠ‬ ‫قصر ‪N‬ي‬ ‫املطلوب‪ .‬وهذا شأن املؤمن>ن الذين وصفهم ﷲ تعا"ى بقوله ‪ :‬إن الذين هم من خشية‬ ‫ر‪*o‬م مشفقون* والذي¨ن هم بآيات ر‪*o‬م يؤمنون* والذين هم بر‪*o‬م ال يشركون* والذين‬ ‫ُيؤتون ما آتوا وقلو‪*o‬م وجلة أ‪*°‬م إ"ى ر‪*o‬م راجعون* أولئك يسارعون ‪N‬ي الخ>‪x‬ات وهم لها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسعا ولدينا ُ‬ ‫سابقون* وال نكلف نفسا إال‬ ‫كتاب ينطق بالحق وهم ال يظلمون)‪.(99‬‬ ‫إشفاق َو َوجل ‪:‬‬ ‫وقد ذكرت هذﻩ ٓالايات صفات للمؤمن>ن ‪ :‬م‪*w‬ا ٕالاشفاق والوجل " وٕالاشفاق يتضمن‬ ‫الخشية مع زيادة رقة وضعف " )‪ ، (100‬قال الرازي وزاد ‪ " :‬وم‪*w‬م من حمل ٕالاشفاق ع‪C‬ى‬ ‫أثرﻩ‪ ،‬وهو الدوام ‪N‬ي الطاعة‪ .‬واملع‪ : H¢‬الذين هم من خشية ر‪*o‬م دائمون ‪N‬ي طاعته‪ ،‬جادون‬ ‫‪N‬ي طلب مرضاته‪ ،‬والتحقيق أن من بلغ ‪N‬ي الخشية إ"ى حد ٕالاشفاق ‪ ،‬وهو كمال الشخية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان ‪N‬ي ‪*°‬اية الخوف من سخط ﷲ عاجال‪ ،‬ومن عقابه آجال‪ ،‬فكان ‪N‬ي ‪*°‬اية الاح™‪x‬از عن‬ ‫املعا‪ .(101)"‹ºú‬ومن كان كذلك فإنه يستجيب ألمر ﷲ ‪N‬ي الدعوة إليه والصدع بأمرﻩ و‪*°‬يه‪.‬‬ ‫وأما كو‪*°‬م يؤتون ما آتوا وقلو‪*o‬م َو ِجلة‪ " :‬معناﻩ يعطون ما أعطوا‪ ،‬فدخل فيه كل حق يلزم‬ ‫)‪(98‬‬

‫  ‪.16:  / M‬‬

‫)‪(99‬‬

‫  !‪.62)57 :  /$!U‬‬

‫)‪(100‬‬

‫   ‪.106/23‬‬

‫)‪(101‬‬

‫!  ‪.8$‬‬ ‫‪29‬‬

‫ُ‬ ‫وجل من تقص>‪x‬ﻩ وإخالله بنقصان أو غ>‪x‬ﻩ فإنه‬ ‫إيتاؤﻩ‪ . .‬ألن من يقدم ع‪C‬ى العبادة وهو ِ‬ ‫ً‬ ‫يكون ألجل ذلك الوجل مج‪*¥‬دا ‪N‬ي أن يوف‪*j‬ا حقها " )‪.(102‬‬ ‫والخوف من التقص>‪ x‬مع كون الخائف يبذل قصارى جهدﻩ ‪N‬ي الاتقاء ‪ ،‬م‪ÌÞ‬لة من منازل‬ ‫الصديق>ن ‪ ،‬وقد ب>ن ﷲ تعا"ى أن سبب هذا َ‬ ‫الو َجل علمهم بأ‪*°‬م إ"ى ر‪*o‬م راجعون‪.‬‬ ‫فيا لها من صفات سامية تحمل أصحا‪*o‬ا إ"ى املقامات العلية ‪ ،‬وتجعل نفوسهم نقية من‬ ‫الرياء والسمعة ‪ ،‬وتشحذ الهمم إ"ى أحسن العمل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبعد هذﻩ التوج‪*j‬ات الدافعة إ"ى رفع الكفاءة واملقدرة تأتي ٓالاية الكريمة‪ :‬وال نكلف نفسا‬ ‫إال وسعها ويبدو التكامل ب>ن إعطاء الفرد مسؤولية تقدير الاستطاعة وب>ن ما يعلمه ﷲ‬ ‫تعا"ى من حقيقة الاستطاعة ال‪ ‹I‬يراق©*ا ويحاسب عل‪*j‬ا‪ .‬وبلوغ الداعية درجة الخشية‬ ‫وٕالاشفاق حافز ع‪C‬ى الصدق ‪N‬ي تقدير الوسع‪.‬‬

‫القاعدة السادسة‬ ‫الداعية مرآة دعوته والنموذج املعŒ ع‹Šا‬ ‫ال ينفصل الداعية عن دعوته‪ .‬والاق™‪x‬ان ب>ن الداعية والدعوة قائم ‪N‬ي أذهان الناس‪.‬‬ ‫والداعية نفسه شهادة للدعوة ‪ ،‬وهذﻩ الشهادة قد تحمل الناس ع‪C‬ى قبل الدعوة ‪ ،‬وقد‬ ‫تحملهم ع‪C‬ى ردها ورفضها‪ .‬والذين يتعاملون مع املبادئ مباشرة قلة قليلة ‪N‬ي كل عصر‬ ‫ومكان ‪ ،‬وأما أك¨‪ x‬الناس فيتعاملون مع حملة املبادئ والناطق>ن باسمها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكلما كان املبدأ عظيما وقويا كان ال™‪Ì‬امه أشد ‪ ،‬وكان الوصول فيه إ"ى املطلوب أشق‪.‬‬ ‫وٕالاالم فيه من الواجبات والتكاليف ما يجعل املجاهدة ‪N‬ي سبيل بلوغ مقاماته دائمة ال‬ ‫تف™‪ ،x‬متصلة ال تنقطع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعندما يكون الداعية بعيدا عن الال™‪Ì‬ام بواجبات ٕالاسالم وتكاليفه فإنه يكون فتنة للناس‬ ‫يصرفهم بسلوكه عن دين ﷲ‪ ،‬ويقطع الطريق ع‪C‬ى الناس‪ ،‬فمثله كمثل قاطع الطريق‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫هو أسوأ ‪ ،‬وينب‪ó‬ي ع‪C‬ى الداعية أن يدعو دائما بقوله تعا"ى ‪ :‬ربنا ال تجعلنا فتنة للقوم‬ ‫ُ‬ ‫الظامل>ن)‪ .(103‬وقد ذكر ‪N‬ي تفس>‪ x‬هذﻩ ٓالاية‪ :‬ال تمك‪*w‬م من أن يحملونا بالظلم والقهر ع‪C‬ى أن‬ ‫)‪(102‬‬

‫   ‪.107/23‬‬

‫)‪(103‬‬

‫  ‪.85 :  #$‬‬ ‫‪30‬‬

‫ننصرف عن هذا الدين الحق الذي قبلناﻩ)‪ .(104‬وكذلك فإن الكافرين عندما يتسلطون ع‪C‬ى‬ ‫املسلم>ن فإن تسلطهم ش©*ة لهم ‪N‬ي أ‪*°‬م ع‪C‬ى الحق‪ ،‬وأن املسلم>ن ع‪C‬ى الباطل)‪ (105‬فيكون‬ ‫تسلطهم ع‪C‬ى املسلم>ن واستضعافهم للمؤمن>ن فتنة تصرف الكافرين عن ٕالايمان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُويضم إ"ى هذﻩ املعاني أن يروا سلوك الداعية مخالفا لإلسالم‪ ،‬فيصرفهم هذا السلوك عن‬ ‫ٕالايمان‪ ،‬قائل>ن لو كان هذا الدين هو الحق لظهرت أحقيته ع‪C‬ى قسمات أتباعه وتصرفاž*م‪.‬‬ ‫نماذج صادقة ‪:‬‬ ‫وقد كان أصحاب الن´‹  نماذج صادقة لدعوž*م وإسالمهم ‪ .‬يقول الحسن البصري ‪N‬ي‬ ‫صف‪*¥‬م‪ " :‬ظهرت م‪*w‬م عالمات الخ>‪N x‬ي السيماء والسمت والهدى والصدق‪ ،‬وخشونة‬ ‫مالبسهم باالقتصاد وممشاهم بالتواضع‪ ،‬ومنطقهم بالعمل‪ .‬ومطعمهم ومشر‪*o‬م بالطيب‬ ‫من الرزق‪ ،‬وخضوعهم بالطاعة لر‪*o‬م تعال‪ ،‬واستقادž*م للحق فيما أحبوا وكرهوا‪،‬‬ ‫وإعطاؤهم الحق من أنفسهم‪ ،‬ظمئت هواجرهم ونحلت أجسامهم‪ ،‬واستخفوا بسخط‬ ‫املخلوق>ن ر ً‬ ‫‪ HºÛ‬للخالق‪ ،‬شغلوا ٔالالسن بالذكر ‪ ،‬بذلوا دماءهم ح>ن استنصرهم‪ ،‬وبذلوا‬ ‫أموالهم ح>ن استقرضهم ‪ ،‬حسنت أخالقهم‪ ،‬وهانت مؤن‪*¥‬م")‪.(106‬‬ ‫ولقد أعطى الصحابة عن هذا الدين صورة مشرفة للجنس البشري‪ ،‬فثبتوا أمام الابتالء‬ ‫واملحن تارك>ن من الرخص ما يمكن أن يكون سبب فتنة لغ>‪ x‬املؤمن>ن‪.‬‬ ‫فهذا " عبد ﷲ بن حذافة السهم‹ " صاحب رسول ﷲ  يقع ‪N‬ي أسر الروم ) فقال له‬ ‫ُ‬ ‫ملك الروم‪ :‬تنصر أشركك ‪N‬ي ملكي‪ ،‬فأبى ‪ ،‬فأمر به فصلب ‪ ،‬ثم أمر برميه بالسهام فلم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يجزع‪ُ ،‬فأنزل ‪ ،‬وأمر بقدر َف ُ‬ ‫صب ف‪*j‬ا املاء‪ ،‬وأغ‪C‬ي عليه وأمر بإلقاء أس>‪ x‬ف‪*j‬ا فإذا عظامه‬ ‫تلوح‪ ،‬فأمر بإلقائ إذا لم يتنصر‪ ،‬فلما ذهبوا به بكى‪ ،‬قال‪ :‬ردوﻩ‪ ،‬فقال لم بكيت؟ قال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تمنيت أن "ي مائة نفس‪ ،‬تلقى هكذا ‪N‬ي ﷲ‪ ،‬فعجب ملك الروم( )‪.(107‬‬ ‫وعندما رأى سكان البالد املفتوحة صدق هؤالء ٔالاصحاب وثباž*م ع‪C‬ى عقيدž*م‪ ،‬وتمثلهم‬ ‫ملنهج دي‪*w‬م‪ ،‬أقبلوا ع‪C‬ى ٕالاسالم‪ .‬قال ابن قيم الجوزية‪ " :‬ولهذا ملا رأى النصارى الصحابة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وما هم عليه‪ ،‬آمن أك¨‪x‬هم اختيارا وطوعا‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما الذين صحبوا املسيح بأفضل من‬ ‫ً‬ ‫هؤالء"‪ .‬ثم يقول ابن قيم الجوزية‪ " :‬ولقد دعونا‪ ،‬نحن وغ>‪x‬نا كث>‪x‬ا من أهل الكتاب ع‪C‬ى‬ ‫)‪(104‬‬

‫   ‪.146/17‬‬

‫)‪(105‬‬

‫  ‪.370/8 4J‬‬

‫)‪(106‬‬

‫?‪.150/2 K . 7‬‬

‫)‪(107‬‬

‫@  ‪.288/2‬‬ ‫‪31‬‬

‫الغسالم فأخ‪xy‬وا أن املانع لهم ما يرون عليه املنسب>ن إ"ى ٕالاسالم"‪ .‬وكالم ابن القيم هذا ‪N‬ي‬ ‫القرن الثامن الهجري؛ فكيف لو كان يعيش ‪N‬ي عصرنا هذا‪ ،‬حيث يعطى املسلم صورة‬ ‫عكسية لإلسالمة وتعاليمه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والداعية قد يكون معروفا عند الناس وقد يكون مجهوال ‪ .‬فإذا شرع ‪N‬ي الدعوة وكان‬ ‫ً‬ ‫معروفا باالستقامة والورع فإن كالمه يصل إ"ى مجامع القلوب وكات استقامته وورعه‬ ‫تقدمة القبول والحافز عل‪*j‬ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان الداعية فق>‪x‬ا ‪N‬ي ال™‪Ì‬امه واتباعه فإن كالمه يمر فوق الرؤوس كالسهم الطائش‬ ‫الذي ال يصيب الهدف‪.‬‬ ‫خ“Œ من القول فاعله‪:‬‬ ‫يقول املاوردي ‪N‬ي أدب الدنيا والدين‪ ) :‬وقال ع‪C‬ي بن أبي طالب‪ :‬إنما زند الناس ‪N‬ي طلب‬ ‫العلم ملا يرون من قلة انتفاع َمن َع ِلم بما َع ِلم ‪ . .‬وكان يقال ُ‬ ‫خ>‪ x‬من القول فاعله‪ ،‬وخ>‪ x‬من‬ ‫الصواب قائله‪ ،‬وخ>‪ x‬من العلم ُ‬ ‫حامله‪. .‬‬ ‫وقال بعض الصلحاء ‪ :‬العلم ‪*+‬تف بالعمل ‪ ،‬فإن أجابه وإال ارتحل‪..‬‬ ‫وقال بعض البلغاء‪ ) :‬من تمام العلم استعماله ‪ ،‬من تمام العمل استقالله( )‪ .(108‬وإذا كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الداعية مجهوال عند مستمعيه فإن كالمه يبقى معلقا ال هو باملقبول وال هو باملردود ح‪HI‬‬ ‫يسألوا عنه‪ ،‬فإن عرفوا منه الاستقامة والابتاع وقع املعلق من كالمه موقع القبول والتأث>‪.x‬‬ ‫وإال فإن كالمه يخرج من اعتبارهم‪.‬‬ ‫وحياة الداعية الخاصة والعامة موضوع املالحظة ‪ ،‬وع>ن الناس عليه كاملجهر املك‪ ،xy‬وقبل‬ ‫أن يطالب الناس ب™‪x‬ك الغيبة فعليه أن يدفع الغيبة وال‪*¥‬مة عن نفسه وأن يصون حياته‬ ‫الخاصة والعامة عن كل ما يشي‪*w‬ا‪.‬‬

‫القاعدة السابعة‬ ‫خاطبوا الناس ع‪f‬ى قدر عقولهم‬ ‫الدعوة إ"ى ﷲ تقوم ع‪C‬ى الحكمة واملوعظة الحسنة‪ .‬وتظهر الحكمة ‪N‬ي معرفة املناسب من‬ ‫الدعوة لكل فئة من الناس‪ .‬والداعية الحكيم ال يقول كل ما يعرف لكل من يعرف ‪ .‬وهو‬ ‫)‪(108‬‬

‫;‪.V27F L9 /; 82 85 / $ A‬‬ ‫‪32‬‬

‫يتعامل مع العقول حسب مقدرž*ا ال حسب مقدرته ‪ ،‬وال يحملها فوق طاق‪*¥‬ا‪ .‬وقد فهم ابن‬ ‫عباس ـ ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما ـ قول ﷲ تعا"ى ولكن كونوا رباني>ن فقال ‪ :‬كونوا حلماء فقهاء‬ ‫وقال البخاري ‪ ) :‬ويقال ‪ :‬الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كبارﻩ( )‪.(109‬‬ ‫والبدء بصغار العلم مرجعه مراعاة العقول ح‪ HI‬ال تنفر من الدعوة‪ .‬قال ابن حجر‪) :‬واملراد‬ ‫بصغار العلم ما وضح من مسائله‪ ،‬وبكبا ﻩ ما ّ‬ ‫دق م‪*w‬ا( )‪ .(110‬ويشهد لهذا ٔالاصل من أصول‬ ‫ر‬ ‫الدعوة كث>‪ x‬من النصوص نذكر م‪*w‬ا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حديثا ترجم له بقوله ‪ ) :‬باب من ترك بعض الاختيار مخالفة أن ُ‬ ‫ساق البخاري‬ ‫يقصر فهم‬ ‫بعض الناس عنه فيقعوا ‪N‬ي أشد منه‪ .‬ثم أخرج من طريقه إ"ى "ٔالاسود" قال ‪ :‬قال "ي " ابن‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الزب>‪ ) : "x‬كانت عائشة ت ِس ّر إليك كث>‪x‬ا ‪ ،‬فما حدثتك ‪N‬ي الكعبة؟ قلت ‪ :‬قالت "ي ‪ :‬قال‬ ‫الن´‹‪ :‬ياعائشة ‪ ،‬لوال قومك حديث عهدهم ـ قال ابن الزب>‪ : x‬بكفر ـ لنقضت الكعبة‬ ‫فجعلت لها باب>ن باب يدخل الناس وباب يخرجون( )‪.(111‬‬ ‫قال ابن حجر رحمه ﷲ ـ ) ويستفاد منه ترك املصلحة ألمن الوقوع ‪N‬ي املفسدة( )‪.(112‬‬ ‫ً‬ ‫وقال البخاري ـ رحمه ﷲ ـ ) باب من ُخ ﱠ‬ ‫ص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا‪،‬‬ ‫َ ﱠ‬ ‫وقال" ع‪C‬ى " ‪ّ :‬‬ ‫حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن ُيكذب ﷲ ورسوله( )‪ .(113‬قال ابن حجر ـ‬ ‫رحمه ﷲ ـ ‪ ) :‬ومن كرﻩ التحديث ببعض دون بعض)‪ (114‬أحمد ومالك ‪N‬ي أحاديث الصفات ‪،‬‬ ‫وأبو يوسف ‪N‬ي الغرائب‪ ،‬ومن قبلهم أبو هريرة ‪N‬ي الجراب>ن)‪ ،(115‬وأنه كرﻩ أن يحدث بأحدهما‬ ‫‪ ،‬ونحوﻩ عن حذيفة‪ ،‬وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرني>ن؛ ألنه‬ ‫اتخذها وسيلة إ"ى ما كان يعتمدﻩ من املبالغة ‪N‬ي سفك الدماء بتأويله الوا]ي( )‪ ، (116‬وقصة‬ ‫العرني>ن ]ي قصة قم من عرينة قدموا ع‪C‬ى الن´‹  فاجتووا املدينة‪ ،‬أي لم يناس©*م‬ ‫ً‬ ‫ﱡ‬ ‫جوها‪ ،‬فأعطاهم الن´‹ إبال من إبل الصدقة يشربون ألبا‪*°‬ا ‪ ،‬ويستشفون بأبوالها‪ ،‬فقتلوا‬ ‫)‪(109‬‬ ‫)‪(110‬‬ ‫)‪(111‬‬ ‫)‪(112‬‬ ‫)‪(113‬‬

‫?> ‪.160/1   >5 /!  :‬‬ ‫‪.162/1   >5‬‬ ‫?> ‪.224/1   >5 /!  :‬‬ ‫‪.225/1   >5‬‬ ‫?> ‪.225/1   >5 /!  :‬‬

‫)‪(114‬‬

‫; ‪. 6I 4 P7 / ! D I!I W 4 G ?. XD G? L B‬‬

‫)‪(115‬‬

‫?‪/K - Z 1 /! 3? " :   & 4; 1F & (   >5 ) 216/1  : 89 :; G‬‬ ‫‪./ G ?; 8  ! .6D7  & NJ 8EE 75 : !; 8EE5 !&?; ![5‬‬

‫)‪(116‬‬

‫‪.225/1   >5‬‬ ‫‪33‬‬

‫الرعاة واستاقوا ٕالابل ‪ ،‬فلحق ‪*o‬م الن´‹  فقطع أيد‪*+‬م وأرجلهم ‪ ،‬وتركهم عط‪N HºÜ‬ي‬ ‫ﱠ‬ ‫الحرة‪ .‬ويالحظ أن تحديث " الحجاج " ‪*o‬ذا يحمله ع‪C‬ى املبالغة ‪N‬ي سفك الدماء‪ ،‬كما قال‬ ‫ابن حجر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخرج ٕالامام مسلم بسندﻩ إ"ى ابن مسعود قوله ‪ ) :‬ما أنت محدثا قوما حديثا ال تبلغه‬ ‫عقولهم إال كان لبعضهم فتنة( )‪.(117‬‬ ‫وأخرج البخاري ) إن الن´‹ قال ‪ :‬يا معاذ بن جبل قال ‪ :‬لبيك يا رسول ﷲ وسعديك‪ ،‬قال‬ ‫ً‬ ‫‪ :‬يا معاذ‪ .‬قال ‪ :‬لبيك يا رسول ﷲ وسعديك ) ثالثا( قال ‪ :‬ما من أحد يشهد أن ال إله إال ﷲ‬ ‫ً‬ ‫محمدا رسول ﷲ من قلبه إال ّ‬ ‫حرمه ﷲ ع‪C‬ى النار‪ ،‬قال يا رسول ﷲ‪ :‬أفال أخ‪ xy‬به‬ ‫وأن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الناس فيستبشرون؟ قال إذا يتكلوا‪ .‬وأخ‪*o xy‬ا معاذ عند موته تأثما( )‪.(118‬‬ ‫وذلك ألن هذا الحديث إذا سمعه الناس فإ‪*°‬م يحملونه ع‪C‬ى محمل خطأ ‪ ،‬وهو ترك العمل‬ ‫ً‬ ‫والاكتفاء باإلقرار ‪ ،‬ومع‪ H¢‬أنه أخ‪ xy‬به تأثما أي ‪ :‬أخ‪ xy‬به قبل موته مخافة ٕالاثم ح‪ HI‬يبقى‬ ‫الحديث وال ينقطع بوفاة معاذ ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪.‬‬ ‫والناس أمام هذا ٔالاصل أصناف ‪:‬‬ ‫الصنف ٔالاول ‪ :‬العوام غ>‪ x‬املتعلم>ن‪ ،‬والتعامل معهم ودعوž*م ‪N‬ي غاية الصعوبة‪ .‬وحالهم‬ ‫كحال املبتدئ ‪N‬ي تعلم القراءة والكتابة ‪ ،‬وكل صعوبة أو تعقيد قد يصرفهم عن الدعوة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وهؤالء ال تلقى عل‪*j‬م املسائل العويصة ‪ ،‬والتفاصيل الدقيقة ‪ ،‬وال‪xy‬اه>ن العقدة والنظم‬ ‫املتشعبة‪ ،‬وهذا الصنف يحتاج املتخصص ‪N‬ي فن دعوž*م ومخاطب‪*¥‬م‪ .‬وهؤالء يعتمدون ع‪C‬ى‬ ‫املحسوس أك¨‪ x‬مما يعتمدون ع‪C‬ى املجرد ‪ ،‬وحاجاž*م الخاصة وظروف حياž*م أقرب‬ ‫الوسائل إ"ى قلو‪*o‬م ‪ .‬ؤالامثلة املن™‪Ì‬عة من بيئ‪*¥‬م الخاصة ]ي ٔالامثلة املفهومة‪ .‬وهؤالء‬ ‫تحركهم العاطفة أك¨‪ x‬مما يحركهم العقل ‪ .‬ولل™‪x‬غيب وال™‪x‬هيب ‪N‬ي نفوسهم أثر كب>‪ . x‬ومما‬ ‫يشحذ هممهم قصص الصالح>ن‪ ،‬وأخبار ٔالاولياء ‪ ،‬وأحداث الس>‪x‬ة‪ ،‬ع‪C‬ى طريق السرد ع‪C‬ى‬ ‫ع‪C‬ى طريق التحليل‪.‬‬ ‫الصنف الثاني ‪ :‬املتعلمون من خري‪Ô‬ي الجامعات ‪ ،‬ومن ‪N‬ي مستواهم ‪N‬ي التقدم املعر‪N‬ي ‪،‬‬ ‫وهؤالء يبحثون عن التحليل والاستنتاج واملعنويات ودالئل ٕالاعجاز‪ ،‬وعند مخاطب‪*¥‬م فإنه‬

‫)‪(117‬‬ ‫)‪(118‬‬

‫‪.225/1   >5‬‬ ‫?> ‪.226/1 ( : >5 /! )  :‬‬ ‫‪34‬‬

‫البد من مراعاة م‪ÌÞ‬ل‪*¥‬م العلمية‪ .‬ومن يستطيع مخاطبة العوام قد ال يستطيع مخاطبة‬ ‫الخواص‪ .‬وإذا خاط©*م من هو دو‪*°‬م فقد يفت‪*w‬م ‪.‬‬ ‫الصنف الثالث‪ :‬أصحاب التخصصات العلمية‪ ،‬إذ لكل تخصص مصطلحاته ووسائله‪ ،‬ومن‬ ‫يتعرف ع‪C‬ى هذا املناخ الخاص فإنه أقدر ع‪C‬ى توج‪*j‬ه ولفت نظر أصحابه إ"ى الدالئل مما‬ ‫ب>ن أيد‪*+‬م‪ .‬فالداعية ب>ن املحام>ن يحتاج إ"ى معرفة ‪‹ºà‬ء عن القوان>ن والصالح والطالح‬ ‫ُ‬ ‫م‪*w‬ا وأما ب>ن ٔالاطباء فهو بحاجة غلىمعرفة بعض الجوانب ال‪ ‹I‬توقف الطبيب ع‪C‬ى عظمة‬ ‫ﷲ وقدرته ‪N‬ي خلق ٕالانسان ووظائف أعضائه‪ .‬وإذا كان الداعية من أهل الاختصاص‬ ‫املزودين بالعلم الشر‪µ‬ي فإن املردود يكون أعظم‪ .‬ولذا فإن ع‪C‬ى الداعية صاحب العلم‬ ‫الشر‪µ‬ي أن يأخذ نفسه بالتثقيف‪ ،‬وأن ينوع معارفه‪ ،‬وإذا كلف بالدعوة ‪N‬ي قطاع‬ ‫متخصص فاألجدر به أن يدرس هذا القطاع‪ ،‬وأن يزداد معرفة ‪*o‬ذا الجانب الثقا‪N‬ي‪.‬‬

‫القاعدة الثامنة‬ ‫الابتالء سنة ﷲ تعاى وهو السبيل ع‪f‬ى تمثل الدعوة وصياغة النفس وفق العقيدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كلما كان العمل شاقا ودقيقا ومعقدا احاج املرء إ"ى بذل جهد أك‪N xy‬ي الاعداد والتدريب لكي‬ ‫يكون ع‪C‬ى مستوى ذلك العمل‪ .‬والعمل لدين الهل تعا"ى مستمر ومتنوع وفسيح‪ .‬ومهمته ال‬ ‫تقف عند حدود أشكال معينة‪ ،‬بل تتعدى الشكل إ"ى املضمون واملحتوى‪ .‬ومسئولية العامل‬ ‫ً‬ ‫تزداد يوما بعد يوم‪ .‬ومسئوليته بعد انتصار فكرته أعظم م‪*w‬ا قبل ذلك‪.‬‬ ‫من أجل ذلك وغ>‪x‬ﻩ شاءت إرادة ﷲ سبحانه أن يخضع الدعاة لصنوف من الاختبارات‬ ‫ً‬ ‫الشاقة‪ .‬وال تصل الجماعة املؤمنة إ"ى تحقيق أهدافها إال مرورا باالبتالء‪.‬‬ ‫ومن خالل ٓالايات الكريمة ؤالاحاديث النبوية فإننا نتب>ن وظائف الابتالء ونتائجه ‪:‬‬ ‫عن أبي ه>‪x‬ة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه قال‪ ،‬قال رسول ﷲ ‪ " :‬مثل املؤمن كمثل الزرع ال تزال الريح‬ ‫تميله‪ ،‬وال يزال املؤمن يصيبه البالء‪ .‬ومثل املنافق كمثل شجرة ٔالارز ال ž*™‪ Ì‬ح‪HI‬‬ ‫ُ‬ ‫تستحصد")‪ .(119‬وهذا الحديث يكشف عن وظيفة الابتالء البنائية بالنسبة للجماعة‬ ‫املسلمة‪ ،‬فإن تعرض الزرع للحركة الدائمة يكسبه قدرة ع‪C‬ى الثبات أمام ٔالاعاص>‪N ، x‬ي‬ ‫ح>ن أن ٔالارزة اليت ال تحركها الرياح العادية فإ‪*°‬ا ال تقف أمام ٔالاعاص>‪ x‬والرياح الشديدة‪،‬‬ ‫)‪(119‬‬

‫;‪.2162/4 67! 89 :‬‬ ‫‪35‬‬

‫ولذلك فإ‪*°‬ا تتحطم‪ .‬وكذلك الدعاة فإن لد‪*+‬م قوة احتمال ع‪C‬ى مواجهة الصعاب لك¨‪x‬ة‬ ‫إجراء الابتالء عل‪*j‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والابتالء يعمل ع‪C‬ى اصطفاء العناصر القوية الصالحة‪ ،‬فال يدخل ‪N‬ي العمل من يكون عبئا‬ ‫ع‪C‬ى العامل>ن‪ ،‬وإنما يأتي إ"ى الدعوة ويثبت عل‪*j‬ا من تمكن ٕالايمان ‪N‬ي قلبه‪ ،‬ومن يبت‪ó‬ي وجه‬ ‫ﷲ والدار ٓالاخرة‪ ،‬ألن املرء إذا علم أن املغارم أك¨‪ x‬من املغانم فإنه ال يختار املغارم إال إذا‬ ‫ً‬ ‫ر‪ ‹ºÛ‬باآلجلة عوضا عن العاجلة‪.‬‬ ‫والابتالء يكشف عن صدق الصادق>ن وحقيقة انتسا‪*o‬م لإليمان‪ ،‬وهذا ما تضمنته آيات‬ ‫من سورة آل عمران و]ي ُت ﱠ‬ ‫عقب ع‪C‬ى ما أصاب املسلم>ن يوم أحد ‪ :‬إن يمسسكم قرح فقد‬ ‫مس القوم ُ‬ ‫قرح مثله‪ ،‬وتلك ٔالايام نداولها ب>ن الناس وليعلم ﷲ الذين آمنوا ‪ ،‬ويمحق‬ ‫الكافرين)‪ .(120‬يقول الرازي ‪N‬ي تفس>‪x‬ﻩ‪ ) :‬واعلم أنه ليس املراد من هذﻩ املداولة أن ﷲ تعا"ى‬ ‫ينصر الكافرين ألن نصرة ﷲ منصب شريف وإعزاز عظيم فال يليق بالكافر‪ ،‬بل املراد من‬ ‫هذﻩ املداولة أنه تارة يشدد املحنة ع‪C‬ى الكفار وأخرى ع‪C‬ى املؤمن>ن وذلك من وجوﻩ‪:‬‬ ‫ٔالاول ‪ :‬أنه تعا"ى لو شدد املحنة ع‪C‬ى الكفار ‪N‬ي جميع ٔالاوقات وأزالها عن املؤمن>ن ‪N‬ي جميع‬ ‫ٔالاوقات لحصل العلم الاضطراري بأن ٕالايمان حق وما سواﻩ باطل‪ ،‬ولو كان كذلك لبطل‬ ‫التكليف والثواب والعقاب‪ ،‬فلهذا تارة يسلط املحنة ع‪C‬ى أهل ٕالايمان وأخرى ع‪C‬ى أهل‬ ‫الكفر‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬أن املؤمن قد يقدم ع‪C‬ى بعض املعا‪ ‹ºú‬فيكون عند ﷲ تشديد املحنة عليه ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫الدنيا أدبا له( )‪.(121‬‬ ‫ً‬ ‫الثالث ‪ :‬والابتالء يعمق الهوة ب>ن املؤمن>ن والكافرين‪ ،‬فال يعود اللقاء ممكنا؛ ألن ممارسات‬ ‫الكافرين ‪N‬ي إيقاع ٔالاذى باملؤمن>ن‪ ،‬وحرص الكافرين ع‪C‬ى استئصال ٕالايمان وجندﻩ‪ ،‬كل هذا‬ ‫يجعل املعركة دائمة مستمرة ال تنت·‹ إال بخضوع الكفار ألحكام ٕالاسالم‪ .‬ولو ظهر ل>ن الكفار‬ ‫مع املؤمن>ن ‪ ،‬وسمح الكفار للمؤمن>ن بأن يدعو لإلسالم كما يشاؤون لقال ضعاف ٕالايمان‪:‬‬ ‫إن الكفر ليس تلك الصفة البالغة ‪N‬ي السوء ‪ .‬ومن هنا جاء البيان ٕالال·‹ لهذا املوقف‬ ‫َ‬ ‫املبدأي الدائم‪ :‬ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب وال املشرك>ن أن ُي‪ Þ‬ﱠ‪ُ Ì‬ل عليكم من خ>‪x‬‬

‫)‪(120‬‬

‫  ‪.141 /140 : /  / !- 10‬‬

‫)‪(121‬‬

‫   ‪.15/9‬‬ ‫‪36‬‬

‫من ربكم)‪ .(122‬وقال سبحانه وال يزالون يقاتلونكم ح‪ HI‬يردوكم عن دينكم إن‬ ‫استطاعوا)‪.(123‬‬ ‫الرابع‪ :‬والابتالء يربط ب>ن املؤمن>ن بعضهم ببعض برباط عق‪C‬ي وعاطفي‪ ،‬إذ باالبتالء تصل‬ ‫عقول املؤمن>ن إ"ى حقيقة البناء ٕالاسالمي امل™‪x‬اص ‪ ،‬وأن الابتالء يعطي هذا البناء قوة‬ ‫وصالبة‪ .‬وإن الذين يبتلون من أجل إيما‪*°‬م إنما يسهمون بأعز ما يملكون من النفس واملال‬ ‫ؤالاهل ؤالاوطان‪ .‬ﱠ‬ ‫وأما ما يحققه الابتالء من الرباط العاطفي فإن ٔالالم أد‪µ‬ى إ"ى تحقيق‬ ‫املشاركة والتعاون‪ ،‬وقد ين»‪ Hº‬املرء من شاركه ‪N‬ي مناسبة سعيدة هنيئة ‪ ،‬ولكنه لن ين»‪Hº‬‬ ‫من شاركه ‪N‬ي ٔالالم واملعاناة‪.‬‬ ‫الخامس ‪ :‬والابتالء يقدم الدليل القوي ع‪C‬ى جدارة الدعوة؛ ومن هنا فإن كث>‪x‬ين أقبلوا‬ ‫ع‪C‬ى الدعوة عندما رأوا ثبات أهلها واصطبارهم ع‪C‬ى تحمل الابتالء الذي ال تثبت له الجبال‬ ‫ُ‬ ‫الراسيات‪ .‬وتحمل الابتالء شهادة يد"ى ‪*o‬ا املبت‪C‬ى أمام الناس‪ ،‬وما زال قول الصحابي‬ ‫الجليل" خثبيب بن عدي " ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه يمأل ٔالاسماع عندما قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ولست أبا"ي ح>ن أقتل مسلما‬ ‫ع‪C‬ى أي جنب كان ‪N‬ي ﷲ مصر‪µ‬ي‬ ‫يوقول الرازي ‪ " :‬ومن املعلوم أن التبع إذا عرفوا أن املتبوع ‪N‬ي أعظم املحن بسبب املذهب‬ ‫ً‬ ‫الذي ينصرﻩ‪ ،‬ثم رأوﻩ مع ذلك مصرا ع‪C‬ى ذلك املذهب‪ ،‬كان ذلك أد‪µ‬ى لهم إ"ى اتباعه مما‬ ‫ُ‬ ‫ﱠ‬ ‫إذا رأوﻩ ُم َرفه الحال ال كلفة عليه ‪N‬ي هذا املذهب")‪.(124‬‬ ‫ً‬ ‫السادس ‪ :‬إذا علم املؤمن أنه سيبت‪C‬ى فإنه يبقى دائما ع‪C‬ى حذر وخوف من ﷲ ‪ .‬وهذا‬ ‫يدعوﻩ إ"ى إحسان العمل والحرص ع‪C‬ى توافر شروط النصر‪ ،‬والبعد عن أسباب الهزيمة‬ ‫من املعصية والعجز والتواكل‪.‬‬ ‫السابع ‪ :‬والابتالء يحقق ٕالاخالص ‪N‬ي نفس املؤمن‪ .‬قال الرازي ‪":‬إن إخالص ٕالانسان ‪N‬ي حال‬ ‫البالء ورجوعه إ"ى ﷲ تعا"ى أك¨‪ x‬من إخالصه حال إقبال الدنيا عليه")‪.(125‬‬

‫)‪(122‬‬

‫     ‪.105 :‬‬

‫)‪(123‬‬

‫     ‪.217 :‬‬

‫)‪(124‬‬

‫   ‪.150/4‬‬

‫)‪(125‬‬

‫!  ‪.8$‬‬ ‫‪37‬‬

‫وقد أخ‪ xy‬ﷲ تعا"ى عن هذﻩ ُ‬ ‫الس ﱠن ِة مع املؤمن>ن عندما قال ‪ :‬ولنبلونكم ب‪‹ºÜ‬ء من الخوف‬ ‫والجوع ونقص من ٔالاموال ؤالانفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصاب‪*¥‬م مصيبة‬ ‫قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون)‪.(126‬‬

‫القاعدة التاسعة‬ ‫مجال الدعوة واسع فليتخ“Œ الداعية لدعوته‬ ‫عندما تكون الدعوة ‪N‬ي طور التأسيس والتكوين فإن الجهد املبذول قد يقع ‪N‬ي مكانه‬ ‫ﱡ‬ ‫التخ>‪ x‬لدعوته‪.‬‬ ‫املناسب إذا را‪µ‬ى الداعية مبدأ‬ ‫فليبدأ بالقريب قبل البعيد‪ ،‬فإنه ال دا‪µ‬ي لقطع املسافات من أجل دعوة إنسان ما‪ ،‬السيما‬ ‫إذ كان ال ع‪C‬ى التعي>ن‪N ،‬ي ح>ن أن ٔالاقرب>ن واملجاورين ‪N‬ي السك‪ H¢‬أو العمل محتاجون ملثل‬ ‫هذﻩ الدعوة‪ ،‬وهؤالء ٔالاقربون معروفون عند الداعية‪ ،‬وال يحتاج إ"ى جمع املعلومات ع‪*w‬م ‪،‬‬ ‫وهم يعرفونه فال دا‪µ‬ي لكث>‪ x‬من املقدمات‪ .‬وهم يعتبون عليه إذا أهملهم وذهب إ"ى‬ ‫ٔالابعدين‪ .‬وهو يعيش بي‪*w‬م‪ ،‬فهم الع>ن الساهرة ‪N‬ي الخ>‪ x‬والشر‪ ،‬وهم الشهداء ع‪C‬ى السراء‬ ‫والضراء‪ ،‬وهو عند ﷲ مسؤول ع‪*w‬م فقد أخذ الن´‹  ع‪C‬ى قومه أ‪*°‬م ال يفقهون ج>‪x‬ا‪*°‬م‬ ‫ّ‬ ‫وال ُي َع ِلمو‪*°‬م فتوعدهم بالعقوبة وأمهلهم سنة للقيام ‪*o‬ذا التكليف)‪ .(127‬وعندما بدأ رسول‬ ‫ﷲ  بالدعوة أمرﻩ ﷲ تعا"ى أن ينذر عش>‪x‬ته ٔالاقرب>ن‪ ،‬فقال ‪  :‬وأنذر عش>‪x‬تك ٔالاقرب>ن‬ ‫ً‬ ‫ )‪ .(128‬قال الرازي ‪ ) :‬ثم أمرﻩ بدعوة ٔالاقرب فاألقرب‪ ،‬ذلك ألنه إذا تشدد ع‪C‬ى نفسه أوال‬ ‫ً‬ ‫ثم ع‪C‬ى ٔالاقرب فاألقرب ثانيا‪ ،‬لم يكن ألحد فيه مطعن البتة‪ ،‬وكان قوله أنفع وكالمه أنجع(‬ ‫)‪ .(129‬أخرج البخاري ‪N‬ي صحيحه عن ابن عباس ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما‪ :‬قال ‪ ) :‬ملا نزلت وأنذر‬ ‫عش>‪x‬تك ٔالاقرب>ن صعد الن´‹  الصفا فجعل ينادي ‪ :‬يا ب‪ِ ‹¢‬ف ْهر ‪ ،‬يا ب‪َ ‹¢‬ع ِد ّي ـ لبطون‬ ‫ً‬ ‫قريش ـ ح‪ HI‬اجتمعوا ‪ ،‬فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسوال لينظر ما هو‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫فجاء أبو لهب وقريش‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيتكم لو أخ‪xy‬تكم أن خيال بالوادي تريد أن تغ>‪ x‬عليكم‬ ‫)‪(126‬‬

‫    ‪.155/154 : /  :‬‬

‫)‪(127‬‬

‫!‪.164/1 O N!9‬‬

‫)‪(128‬‬

‫  =‪.214 : K D‬‬

‫)‪(129‬‬

‫    ‪.172/24 :‬‬ ‫‪38‬‬

‫ً‬ ‫ﱠ‬ ‫مصد‪ï‬ي؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬ما جربنا عليك إال صدقا‪ ،‬قال ‪ :‬فإني نذير لكم ب>ن يدي عذاب‬ ‫أكنتم‬ ‫شديد( )‪.(130‬‬ ‫و‪N‬ي رواية أخرى للبخاري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬قال  ‪ :‬يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوهاـ اش™‪x‬وا‬ ‫ً‬ ‫أنفسكم ‪ ،‬ال أغ‪ ‹¢‬عنكم من ﷲ شيئا ‪ ،‬يا عباس بن عبد املطلب‪ ،‬ال أغ‪ ‹¢‬عنك من ﷲ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪ ،‬يا صفية عمة رسول ﷲ  ال أغ‪ ‹¢‬عنك من ﷲ شيئا ‪ ،‬ويا فاطمة بنت محمد ‬ ‫ً‬ ‫سلي‪ ‹¢‬ما شئت من ما"ي‪ ،‬ال أغ‪ ‹¢‬عنك من ﷲ شيئا( )‪.(131‬‬ ‫يقول ابن حجر‪:‬‬ ‫) والسر ‪N‬ي ٔالامر بإنذار ٔالاقرب>ن أن الحجة إذا قامت عل‪*j‬م تعدž*م إ"ى غ>‪x‬هم وإال كانوا علة‬ ‫لألبعدين ‪N‬ي الامتناع( )‪.(132‬‬ ‫وليبدأ بالصغ>‪ x‬قبل الكب>‪ : x‬وذلك ألن الصغ>‪ x‬لم يصلب عودﻩ ع‪C‬ى فكر مع>ن أو سلوك‬ ‫مع>ن‪ ،‬والتعامل معه أسهل من التعامل مع الكب>‪ x‬الذي اختار طريقه‪ ،‬وك¨‪x‬ت ارتباطاته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومسؤولياته‪ ،‬وحقق مركزا اجتماعيا أو مكاسب دنيوية يخ‪ HºÜ‬عل‪*j‬ا‪ .‬ثم إن الصغ>‪ x‬الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُيقبل ع‪C‬ى الدعوة يدخل مباشرة ‪N‬ي الصياغة والتكوين‪ ،‬وال يبذل الداعية معه وقتا طويال‬ ‫‪N‬ي تخليته من الشوائب والعادات الجاهلية‪ ،‬وإنما ينصرف إ"ى تحليته وتعبئته بالفضائل‬ ‫والعادات ٕالاسالمية‪ .‬والصغار هم الذرية الذين من طبيع‪*¥‬م أن يكونوا أتباع الرسل‬ ‫ُ‬ ‫والدعوات‪ .‬ففي قصة مو‪ HºÒ‬عليه السالم يقول ﷲ تعا"ى‪ :‬فما آمن ملو‪ HºÒ‬إال ذرية من‬ ‫قومه ع‪C‬ى خوف من فرعون ومألهم أن يفت‪*w‬م )‪ .(133‬وال أع‪ ‹¢‬بقو"ي هذا إهمال الكبار‬ ‫‪،‬وإنما أع‪ ‹¢‬أن إقبال الصغار والناشئة ع‪C‬ى الدعوة أسرع‪ .‬وإن صغ>‪ x‬اليوم هو رجل الغد‪،‬‬ ‫والناشئة هم مستقبل ٔالامة‪.‬‬ ‫وليبدأ باملتواضع قبل املتك‪ ،xy‬ألن التواضع يدل ع‪C‬ى إمكان قبول الحق‪N ،‬ي ح>ن أن التك‪xy‬‬ ‫يدل ع‪C‬ى سفه الحق وغمط الناس‪ .‬ومن هنا وجدنا أتباع الرسل هم من فئة الشاكر‬ ‫املتواضع أو الفق>‪ x‬الصابر الضعيف‪ .‬والجهد مع هذا الصنف من الناس يؤدي ثمارﻩ ‪N‬ي‬ ‫الغالب‪ ،‬وال يع‪ ‹¢‬هذا حرمان ٔالاصناف ٔالاخرى من الدعوة‪.‬‬ ‫)‪(130‬‬

‫;‪45 67! 501/8 (  >5 )  : \ :‬‬

‫)‪(131‬‬

‫;‪.192/1 67! 501/8 (   >5 )  : 89 :‬‬

‫)‪(132‬‬

‫‪.503/8   >5‬‬

‫)‪(133‬‬

‫  ‪(83)  #$‬‬

‫??‪.193/1 8‬‬

‫‪39‬‬

‫إن كسب املواقع الجديدة القريبة السهلة املمكنة يساعد ع‪C‬ى كسب املواقع البعيدة‬ ‫الصعبة‪ ،‬ألن الانتشار الواسع يعطي الدعوة دماء جديدة وحيوية وطاقة تصرف ‪N‬ي الوصول‬ ‫إ"ى املواقع ٔالابعد‪ .‬ثم إن الفكرة عندما تشيع ويك¨‪ x‬انصارها فإن كث>‪x‬ين يراجعون موقفهم‬ ‫م‪*w‬ا ع‪C‬ى ضوء ذلك‪.‬‬ ‫وليبدأ باملثقف قبل ٔالامي‪ ،‬وذلك للدور الذي يقوم به املثقف ‪N‬ي املجتمع‪ ،‬إ"ى جانب أن‬ ‫املثقف أقدر من غ>‪x‬ﻩ ع‪C‬ى محاكمة ٓالاراء واختيار ٔالافكار‪ .‬ومن يختار الفكرة عن و‪µ‬ي فإنه‬ ‫‪N‬ي الغالب يل™‪Ì‬م ‪*o‬ا‪ ،‬ثم إن املثقف>ن هم موضوع الاختالف ب>ن أصحاب املذاهب واملادة‬ ‫املتنازع عل‪*j‬ا بي‪*w‬م‪.‬‬ ‫وليبدأ بغ>‪ x‬املنتم‹ قبل املنتم‹‪ ،‬ألن غ>‪ x‬املنتم‹ يقع ‪N‬ي مركز وسط ب>ن املذاهب والتجمعات‪،‬‬ ‫وأما املنتم‹ فقد انتقل من املركز إ"ى الطرف ٓالاخر‪ .‬والجهد املطلوب لنقله إ"ى مركز التأثر‬ ‫ً‬ ‫أضعاف الجهد املطلوب لغ>‪ x‬املنتم‹؛ علما بأن املنتم‹ إذا غ>‪ x‬انتماءﻩ عن قناعة وفكر فإنه‬ ‫سيتحول إ"ى الدعوة مع خ‪xy‬ة واسعة واستعدادات كب>‪x‬ة‪ّ ،‬‬ ‫ولكن هذا قليل‪.‬‬ ‫وليبدأ بزميله ‪N‬ي العمل أو املهنة قبل غ>‪x‬ﻩ؛ ألن أفراد كل مهنة بي‪*w‬م تعاون تلقائي‪ .‬ومجاالت‬ ‫الحديث بي‪*w‬م مهيأة‪ ،‬ونقاط الاش™‪x‬اك كث>‪x‬ة‪ .‬فالطبيب مع ٔالاطباء أقدر منه ب>ن املهندس>ن‪،‬‬ ‫واملحامي ب>ن املحام>ن أقوى منه ب>ن املعلم>ن‪ .‬وملا كان الداعية يمتاز بنظافة السلوك ـ وهذا‬ ‫متوقع ـ وبالبعد عن روح التنافس الدنيوي فإنه مؤهل لالتصال بزمالئه والتأث>‪ x‬ف‪*j‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واملفروض أن يرا‪µ‬ى التخ>‪ x‬وفقا للمرحلة ال‪ ‹I‬تمر ف‪*j‬ا الدعوة ‪ ،‬فقد تكون املرحلة مرحلة‬ ‫تجميع وسعة انتشار ‪ ،‬وقد تكون املرحلة مرحلة عمل محدد‪ ،‬تربوي أو اقتصادي أو‬ ‫ُ‬ ‫اجتما‪µ‬ي أو سيا‪ .‹ºÒ‬و‪N‬ي كل مرحلة ترا‪µ‬ى مقتضياž*ا ويكون التخ>‪ x‬وفق هذﻩ املقتضيات‪.‬‬ ‫وقد نفهم قول الن´‹  ) اللهم ّ‬ ‫أعز ٕالاسالم بأحب هذين الرجل>ن إليك‪ ،‬بأبي جهل أو بعمر‬ ‫بن الخطاب( )‪ (134‬ع‪C‬ى ضوء املرحلة ال‪ ‹I‬كانت تمر ف‪*j‬ا الدعوة ‪N‬ي مكة فقد انتشرت الدعوة‬ ‫ب>ن الضعفاء والفقراء ووصلت إ"ى مرحلة تريد أن تعلن ف‪*j‬ا عن نفسها‪ ،‬وشخصية‬ ‫كشخصية عمر تناسب املرحلة الجديدة ‪،‬وهذا ما حدث يوم أن دخل عمر ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي دين ﷲ‪ ،‬فقد دخلت الدعوة طورا جديدا هو طور العلن بعد السر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وعندما ذهب مصعب بن عم>‪ x‬ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه إ"ى املدينة جاءﻩ " أسيد بن ُحض>‪" x‬وكان‬ ‫ً‬ ‫مشركا فقال " ملصعب" و " ألسعد بن زرارة" ما جاء بكما إلينا‪ :‬تسفهان ضعفاءنا؟ وكان‬ ‫)‪(134‬‬

‫;‪.617/5  !  \ :‬‬ ‫‪40‬‬

‫أسعد قد قال ملصعب‪ :‬هذا سيد قومه قد جاءك ‪ ،‬فاصدق ﷲ فيه‪ ،‬فدعاﻩ مصعب إ"ى‬ ‫ﷲ تعا"ى‪ ،‬وقرأ عليه القرآن ‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما أحسن هذا الكالم وأجمله! كيف تصنعون إذا‬ ‫َ َ‬ ‫أردتم أن تدخلوا ‪N‬ي هذا الدين؟ قاال له ‪ :‬تغتسل ف َتط ّه ُر وتطهر ثوبيك ‪ ،‬ثم تشهد شهادة‬ ‫الحق ‪ ،‬ثم تص‪C‬ي‪ .‬فقام فاغتسل‪ ،‬وطهر ثوبيه ‪ ،‬وتشهد شهادة الحق‪ ،‬ثم ركع ركعت>ن ‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫قال لهما‪ :‬إن ورائي رجال إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه‪ ،‬وسأرسله إليكما ٓالان ‪،‬‬ ‫سعد بن معاذ‪ .‬وملا أقبل سعد عل‪*j‬ما ‪ ،‬قال أسعد بن ُزرارة‪ْ :‬‬ ‫أي مصعب جاءك وﷲ سيد‬ ‫من وراءﻩ من قومه‪ ،‬إن يتبعك ال يتخلف عنك م‪*w‬م اثنان‪ .‬وملا عرض عليه مصعب ٕالاسالم‬ ‫أسلم‪ ،‬ثم انطلق إ"ى قومه ب‪ ‹¢‬عبد ٔالاشهل فقال ‪ :‬كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا‪ :‬سيدنا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيا ‪ ،‬وأيمننا نقيبة ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن كالم رجالكم ونسائكم ّ‬ ‫ع‪C‬ي حرام ح‪HI‬‬ ‫وأوصلنا‪ ،‬وأفضلنا ر‬ ‫ً‬ ‫تؤمنوا باهلل وبرسوله‪ ،‬قاال ‪ :‬فوﷲ ما أم»‪N Hº‬ي دار ب‪ ‹¢‬عبد ٔالاشهل رجل وال امرأة إال مسلما‬ ‫ومسلمة )‪.(135‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونستفيد من هذﻩ الحادثة أمرا مهما ‪ ،‬وهو أن توجيه الدعوة إ"ى بعض مراكز القوة ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫املجتمع ُيسهم ‪N‬ي ٕالاسراع ‪N‬ي عملية التغي>‪ ،x‬وقد يغ>‪ x‬كث>‪x‬ا ‪N‬ي املعادلة لصالح الدعوة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونستفيد م‪*w‬ا أيضا مراعاة املرحلية ‪N‬ي الدعوة‪.‬‬

‫القاعدة العاشرة‬ ‫الزمن عنصر فعال من عناصر الدعوة‬ ‫ً‬ ‫كث>‪x‬ا ما يشعر الدعاة بخيبة ٔالامل عندما يدعون إ"ى ﷲ‪ ،‬ويستعملون الحجج وال‪xy‬اه>ن‪،‬‬ ‫ولكن ال يجدون استجابة كب>‪x‬ة من قبل املدعوين‪ .‬وهذا الشعور بالخيبة نا‪ ºà‬عن‬ ‫إسقاطهم لعنصر مهم من عناصر معادلة الدعوة وهو عنصر الزمن‪.‬‬ ‫أول ما يجب أن نعلمه أن الواقع الذي نتعامل معه واقع غ>‪ x‬إسالمي‪ ،‬وأنه تشكل بفعل‬ ‫عوامل كث>‪x‬ة‪ ،‬معظمها نشأ بفعل مؤثرات مادية إلحادية أو فاسدة‪ ،‬وقد سيطر هذا الواقع‬ ‫ع‪C‬ى أفراد املجتمع‪ ،‬وأصبح الداعية يتعامل مع الفرد القابع تحت هذﻩ ال™‪x‬اكمات الفكرية‬ ‫والسلوكية‪ ،‬ال‪] ‹I‬ي بمثابة الحجاب املانع من الاتصال ب>ن الداعية واملدعو‪ ،‬وبعبارة أخرى‬ ‫فإن الداعية ‪N‬ي عالم واملدعو ‪N‬ي عالم آخر‪ .‬واملدعو صاحب قيم غ>‪ x‬القيم ال‪ ‹I‬ينادي ‪*o‬ا‬ ‫)‪(135‬‬

‫  ‪.,  437)435/1 6 =& /‬‬ ‫‪41‬‬

‫الداعية‪ ،‬ولهذا كله فإن توقع الاستجابة السريعة ‪N‬ي غ>‪ x‬محله‪ ،‬وهو مخالف لطبائع‬ ‫ٔالاشياء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إن أية كلمة يقولها الداعية ال تذهب هباء منثورا ‪ ،‬وإنما تدخل ‪N‬ي مكونات املدعو ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ويخ™‪*°Ì‬ا عقله وت™‪x‬اكم خ‪xy‬اته الخ ِّ>‪x‬ة ‪ ،‬وقد يظهر أثر كلمة قيلت قبل سنوات بفعل موقف‬ ‫محرك أدى إ"ى اس™‪x‬جاع تلك الخ‪xy‬ة‪ ،‬ثم إن ما يقوله الداعية اليوم يجدﻩ داعية آخر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رصيدا بعد سن>ن‪ .‬وكث>‪x‬ا ما يحدث أنه عندما نتحدث مع إنسان ما يقول ‪ :‬هذا ‪‹ºà‬ء‬ ‫سمعته من فالن‪.‬‬ ‫وإن اختيار زمن الدعوة أمر ‪N‬ي غاية ٔالاهمية ‪ ،‬وهناك أوقات يخلو املرء ف‪*j‬ا مع نفسه‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫يكون مستعدا ف‪*j‬ا لتقبل ٔالافكار‪ .‬وإن الدعوة تتأثر بالجو العام والظرف الذي يمر فيه‬ ‫الداعية واملدعو‪ ،‬ولهذا فإن ع‪C‬ى الداعية أن يختار أنسب ٔالاوقات ال‪ ‹I‬ال إحراج ف‪*j‬ا وال‬ ‫مشقة‪ .‬يقول ابن مسعود ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪ ) :‬كان رسول ﷲ  يتخولنا باملوعظة مخافة‬ ‫السآمة علينا( )‪.(136‬‬ ‫وال ينب‪ó‬ي أن يطيل الداعية ع‪C‬ى املدعو؛ ألنه قد يضجرﻩ ويمله‪ .‬ومعيار عدم ٕالاطالة أن ي™‪x‬ك‬ ‫املدعو ‪N‬ي شوق الستكمال املوضوع‪ ،‬وأن يطلب املزيد‪.‬‬ ‫الاستعجال ع‪C‬ى املدعو قد يؤدي إ"ى نتيجة سيئة ؛ إذ أنه قد يفصل ‪N‬ي املسألة ّإما بالرفض‬ ‫وإما باالستجابة وٕالاقبال‪ .‬وكال ٔالامرين قبل أوانه خط>‪ ،x‬وهذا من قبيل سلب القرار ‪ ،‬ال من‬ ‫قبيل اختيار القرار‪.‬‬ ‫ففي حالة قرار الرفض يكون املدعو قد تعجل ‪N‬ي اتخاذ قرارﻩ قبل أن يستكمل وجوﻩ‬ ‫ً‬ ‫الدعوة ‪ ،‬وبذلك يكون قد اتخذ موقفا من الدعوة ‪ ،‬وليس من السهل أن يغ>‪ x‬موقفه؛ ألن‬ ‫املرء حريص ع‪C‬ى أن ُيعرف باملواقف الثابتة ‪ ،‬وهذﻩ النتيجة إنما كانت بفعل الداعية الذي‬ ‫أراد أن يج‪ ‹¢‬الثمرة قبل أوا‪*°‬ا‪.‬‬ ‫و‪N‬ي حالة قرار الاستجابة املستعجل يجد املدعو نفسه بعد وقت يس>‪ x‬أما تكاليف وواجبات‬ ‫ً‬ ‫لم يحسب حسا‪*o‬ا‪ ،‬ويتب>ن له أنه لو انتظر قليال ملا اختار هذا املوقف‪ ،‬ويدخل ‪N‬ي صراع ب>ن‬ ‫املوقف املعلن واملوقف املبدأي وقد يرتكب محظورات سلوكية كالكذب والنفاق وكل هذا‬ ‫بسبب الاستعجال عليه‪ ،‬ولو فتحت أمامه فرصة التفكر والتدبر التخذ املوقف املبدأي‬ ‫ٔالاصيل‪.‬‬ ‫)‪(136‬‬

‫;‪.162/1(   >5 )  : 89 :‬‬ ‫‪42‬‬

‫والطريقة املث‪C‬ى أن ال نستعجل إصدار القرار ‪ ،‬بل نطلب من املدعو أن يتمهل ‪N‬ي اتخاذ‬ ‫املواقف ‪ ،‬وأن نصارحه بالعقبات ‪N‬ي طريق الاستجابة إ"ى جانب ٕالايجابيات املبشرة وٓالامال‬ ‫املتوقعة‪.‬‬ ‫وإن ادخال الزمن كعنصر من عناصر الدعوة يخفف من حدة الدعاة ‪ ،‬ويقف أمام اليأس‬ ‫ً‬ ‫الذي يع™‪x‬ي الدعاة أحيانا‪ ،‬ويفتح لهم باب ٔالامل‪ ،‬ذلك عندما يفقهون دور الزمن‪ .‬وإن‬ ‫الطبيب ال يقول للمريض خذ العالج جرعة واحدة‪ .‬بل يقول له خذﻩ ع‪C‬ى جرعات و‪N‬ي خالل‬ ‫مدة معينة من الزمن‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫القاعدة الحادية عشرة‬ ‫الدعوة فن وقيادة و¡ي تقوم ع‪f‬ى التخطيط واملتابعة‬ ‫يظن كث>‪ x‬من الدعاة أن الدعوة تقوم ع‪C‬ى قول الكلمة الخ>‪x‬ة ‪N‬ي أي وقت و‪N‬ي أي مكان ‪،‬‬ ‫وأ‪*°‬ا تس>‪ x‬بطريق عشوائي يستوي فيه الدعاة ع‪C‬ى اختالف امكانياž*م ‪ .‬ومما الشك فيه أن‬ ‫هناك دعاة آتاهم ﷲ تعا"ى قدرة فائقة ع‪C‬ى التبليغ ‪ ،‬وتراهم يألفون ُويؤلفون ‪ ،‬وقد وضع‬ ‫ﷲ لهم القبول ‪N‬ي قلوب الخلق‪ ،‬وهناك دعاة ال يحالفهم التوفيق ‪N‬ي املنطق ؤالاسلوب‪ .‬وكال‬ ‫ً‬ ‫الفريق>ن بحاجة إ"ى مبادئ الدعوة وأسالي©*ا والتدرب عل‪*j‬ا‪ ،‬وبذلك تكون الدعوة فنا‬ ‫ُ َ‬ ‫ُيتلقى‪ ،‬وقواعد وأساليب تط ﱠور‪ ،‬ووسائل تتأثر بالتحديث واملعاصرة‪.‬‬ ‫والتخطيط الوا‪µ‬ي هو الذي ينقل الدعوة إ"ى ٕالاطار الف‪ ‹¢‬املنتج‪ .‬والتخطيط هو التصور‬ ‫النظري لس>‪ x‬الدعوة وكلما اكتمل التخطيط واستوعب عناصرﻩ أدى إ"ى النتيجة املتوقعة‬ ‫بعون ﷲ وبعد الاتكال عليه‪.‬‬ ‫وكما ُعرفت أنواع الخطط الاقتصادية والسياسية وال™‪x‬بوية فإن ع‪C‬ى الدعاة أن يتجهوا‬ ‫نحو التخطيط للدعوة‪ .‬والخطة الواعية رأسها ٔالاهداف‪ ،‬وجسمها الوسائل‪،‬والربط ب>ن‬ ‫ٔالاهداف والوسائل عن طريق ٔالاساليب‪ ،‬ومادž*ا ٕالامكانيات البشرية واملادية واملعنوية‪،‬‬ ‫وموجهها املتابعة والتقويم‪ ،‬وثمراž*ا ظهور ٔالاهداف ع‪C‬ى شكل نتائج ملموسة‪.‬‬ ‫أما ٔالاهداف ‪ :‬ف·‹ الغايات من وراء ٔالاعمال وتأتي عند ٕالاجابة ع‪C‬ى السؤال الذي يوجهه‬ ‫الداعية لنفسه ‪ :‬ملاذا أدعو؟ وماذا أريد؟ وٕالاجابة ع‪C‬ى هذا السؤال ]ي مبدأ كل عمل من‬ ‫ٔالاعمال ‪ .‬وع‪C‬ى ضوء الجواب يتحدد الجهد املطلوب والزمن الكا‪N‬ي والوسائل ؤالاساليب‬ ‫والتوقعات‪.‬‬ ‫والجدير بالذكر أن اختالف الدعاة ‪N‬ي ٕالاجابة ع‪C‬ى هذا السؤال هو الذي يجعلهم يختلفون‬ ‫‪N‬ي التجمعات والانتماءات ‪.‬‬ ‫وهناك نوعان من ٔالاهداف ‪:‬‬ ‫ٔالاول ‪ :‬الهدف ٔالاك‪ ، xy‬الذي هو الثمرة الرئيسة‪.‬‬ ‫الثاني ‪ٔ :‬الاهداف املرتبطة بأزمنة محدودة أو أمكنة معينة أو أفراد معين>ن‪ .‬أو تس‪è‬ى لتحقيق‬ ‫الوسائل وتوف>‪x‬ها‪ .‬وهذﻩ ٔالاهداف بعضها يسلم لآلخر‪ ،‬وبعضها أك‪ xy‬من بعض ‪ ،‬وكلها‬ ‫ً‬ ‫يستوع©*ا الهدف الكب>‪x‬ة والغاية العظم‪ ، H‬ويحدث أحيانا خلط ب>ن ٔالاهداف الصغرى‬

‫‪44‬‬

‫ً‬ ‫ؤالاهداف الك‪xy‬ى‪ ،‬وعندها تقل انتاجية العمل ‪ ،‬ويستنفد الدعاة جهدهم بعيدا عن‬ ‫الهدف ٔالاك‪ .xy‬فبعض الدعاة يجيب ع‪C‬ى سؤال ملاذا أدعو؟‬ ‫فيقول ‪ :‬أدعو إ"ى تزكية النفوس لقول ﷲ تعا"ى  قد أفلح من زكاها* وقد خاب من‬ ‫ً‬ ‫ﱠ‬ ‫دساها)‪ .(137‬وللوصول إ"ى هذا الهدف نجمع املريدين‪ ،‬ونطبق عل‪*j‬م نظاما يقوم ع‪C‬ى ٔالاوامر‬ ‫السلوكية ؤالاوراد ؤالاذكار ‪ .‬وينب‪ó‬ي أن ُيصرف الاهتمام كله لهذا الهدف‪.‬‬ ‫وداعية آخر يقول ‪ :‬الهدف إعانة الفقراء واملساك>ن وٕالاحسان إل‪*j‬م لقول ﷲ تعا"ى ‪  :‬ما‬ ‫سلككم ‪N‬ي سقر؟ قالوا لم نك من املصل>ن* ولم نك نطعم املسك>ن)‪ .(138‬ولتحقيق هذا‬ ‫الهدف البد من دعوة أهل الخ>‪ x‬إ"ى ٕالاحسان وبذل الصدقة وإيتاء الزكاة‪ .‬وإنشاء الجمعيات‬ ‫الخ>‪x‬ية خ>‪ x‬وسيلة لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫وداعية ثالث يقول ‪ :‬الهدف تحرير املسائل العلمية املختلف ف‪*j‬ا‪ ،‬وجمع ٔالاحاديث‬ ‫الصحيحة‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف البد من عقد حلقات العلم وإنشاء املدارس واملؤسسات‬ ‫املتخصصة وطباعة الكتب‪.‬‬ ‫وداعية رابع يقول ‪ :‬الهدف هو الوصول باملسلم>ن إ"ى درجة عالية من الو‪µ‬ي السيا‪ ‹ºÒ‬الذي‬ ‫يطلعهم ع‪C‬ى مخططات ٔالاعداء وما يستخدمونه من الوسائل لتنفيذ هذﻩ املخططات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتحقيقا لهذا الهدف فالبد من القيام بالدراسات املتخصصة العميقة‪ ،‬والاطالع ع‪C‬ى ما‬ ‫يقال وينشر عن ٕالاسالم‪.‬‬ ‫إ"ى جانب هذﻩ ٔالاهداف نجد بعض الدعاة ير‪ HºÛ‬بأهداف أصغر من ذلك‪ ،‬كأن يكون‬ ‫الهدف تشويه صورة جماعة ما باعتبارها حجر ع¨‪x‬ة ‪N‬ي طريق العمل ٕالاسالمي ‪ ،‬أو صرف‬ ‫الاهتمام نحو شخص مع>ن ُيرى أنه السبب الرئي»‪N ‹º‬ي مشاكل املسلم>ن وقضاياهم!!‬ ‫ً‬ ‫وبالرغم من أهمية بعض هذﻩ ٔالاهداف إال أن السؤال يبقى قائما‪ :‬هل هناك أهداف أك‪xy‬‬ ‫وأشمل؟ وإن نظرة سريعة إ"ى مستويات ٔالاهداف تجعلنا نقول ‪ :‬الهدف الك‪C‬ي مقدم ع‪C‬ى‬ ‫الهدف الجزئي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الهدف الذي يستغرق جميع قطاعات املجتمع مقدم ع‪C‬ى الهدف الذي يتناول فردا أو فئة‪.‬‬ ‫الهدف الدائم املستمر مقدم ع‪C‬ى الهدف املؤقت املنقطع‪.‬‬ ‫الهدف املمكن مقدم ع‪C‬ى الهدف غ>‪ x‬املمكن‪.‬‬ ‫)‪(137‬‬

‫  =!‪.10)9 : /  #‬‬

‫)‪(138‬‬

‫  !‪.44)42 :  E‬‬ ‫‪45‬‬

‫الهدف ٔالاع‪C‬ى مقدم ع‪C‬ى الهدف ٔالادنى‪.‬‬ ‫وهكذا فإنه من املمكن أن يصاغ الهدف ٔالاك‪ xy‬ع‪C‬ى الشكل التا"ي‪ :‬الهدف الك‪C‬ي ٔالاع‪C‬ى‬ ‫املمكن املستمر الذي يستغرق جميع قطاعات املجتمع‪.‬‬ ‫عبادة ﷲ أعظم ٔالاهداف ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وال يشك أحد من الدعاة ‪N‬ي أن أعظم ٔالاهداف وأشرفها هو ما قررﻩ ﷲ تعا"ى هدفا‬ ‫لإلنسان وغ>‪x‬ﻩ وهو هدف العبادة ‪ ،‬لقول ﷲ سبحانه‪  :‬وما خلقت الجن وٕالانس إال‬ ‫ليعبدون)‪ .(139‬وقد حمل املسلمون هذا الهدف‪ ،‬ومن أجله انطلقوا يع‪xy‬ون الصحاري‬ ‫والقفار ويقارعون الجبابرة‪ ،‬وقد ﱠ‬ ‫ع‪ xy‬عنه رب‪è‬ي بن عامر أمام قائد الفرس ‪ ) :‬جئنا لنخرج‬ ‫العباد من عبادﻩ العباد إ"ى عبادة ﷲ‪ ،‬ومن جور ٔالاديان إ"ى عدل ٕالاسالم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا‬ ‫إ"ى سعة الدنيا وٓالاخرة( )‪.(140‬‬ ‫العبادة هدف للفرد والجماعة والدولة‪:‬‬ ‫وبناء ع‪C‬ى هذا فإن هدف الجماعة املسلمة والفرد املسلم والدولة املسلمة هو تحقيق‬ ‫العبودية هلل رب العامل>ن ‪ ،‬وأما ٔالاهداف الخاصة ف·‹ جزئية مرحلية أو إقليمية محلية ‪ ،‬أو‬ ‫خاصة محدودة‪ .‬والعمل اليومي أو ٔالاسبو‪µ‬ي أو الشهري أو السنوي له أهدافه الخاصة ‪.‬‬ ‫والعمل ‪N‬ي القرية أو املدينة أو العش>‪x‬ة أو العمال أو الطالب أو النساء له أهدافه الخاصة‬ ‫وكل مكون من مكونات املجتمع إنما يتحقق وفق أهداف خاصة‪.‬‬ ‫الوسائل ‪:‬‬ ‫وأما الوسائل فم‪*w‬ا الوسائل املباشرة وم‪*w‬ا غ>‪ x‬املباشرة ‪ ،‬ولكل هدف جزئي وسائله الخاصة‬ ‫‪ ،‬فإذا قلنا ‪ :‬إن العبادة تتحقق من خالل العابد القوي ‪N‬ي عقله وروحه وجسدﻩ‪ ،‬فإن‬ ‫وسائل خاصة كث>‪x‬ة تتوارد من أجل هذا الهدف‪ .‬وٕالامكانيات واملعلومات تتدخل ‪N‬ي‬ ‫استخدام الوسائل‪ ،‬ولست هنا بصدد تقديم خطة دعوة إنما املقصود إعطاء صورة عن‬ ‫عناصر الخطة ومكوناž*ا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والوسائل تستخدم بأشكال مختلفة وأساليب عدة‪ ،‬ؤالاسلوب ٔالافضل يعطي من الوسيلة‬ ‫كفاءة أك‪ ، xy‬واختيار ٔالاسلوب املناسب عامل كب>‪N x‬ي نجاح العمل ‪ .‬ومن ٔالاساليب‪ :‬الل>ن‬

‫)‪(139‬‬

‫      ‪.56‬‬

‫)‪(140‬‬

‫ ‪.39/7  I$‬‬ ‫‪46‬‬

‫والشدة ‪ ،‬وال™‪x‬غيب وال™‪x‬هيب‪ ،‬والك¨‪x‬ة والقلة‪ ،‬والسر والجهر ‪ ،‬والفردي والجما‪µ‬ي ‪،‬‬ ‫والتاريي والوصفي‪ ،‬والعق‪C‬ي والعاطفي‪ ،‬ؤالالم ؤالامل ‪ ،‬ؤالاخذ والعطاء‪.‬‬ ‫جمع املعلومات أساس الخطة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وملا كانت الخطة تصورا عن عمل ‪N‬ي مكان خاص وزمان محدد ‪ ،‬وأناس محددين كان البد‬ ‫من جمع املعلومات عن البيئة ‪ ،‬سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية‪ ،‬أو مناخية‪،‬‬ ‫أو طبيعية أو فكرية‪ ،‬والبد من معرفة مراكز القوة والضعف‪ .‬والبد من التعرف ع‪C‬ى العوائق‬ ‫والحوافز‪ ،‬وبذلك تكون الدعوة إ"ى ﷲ ع‪C‬ى بص>‪x‬ة‪  :‬قل هذﻩ سبي‪C‬ي أدعو إ"ى ﷲ ع‪C‬ى‬ ‫بص>‪x‬ة)‪.(141‬‬ ‫الزمن عنصر ﱠ‬ ‫فعال ‪H‬ي الخطة‪:‬‬ ‫والزمن عنصر ّ‬ ‫فعال ‪N‬ي الخطة يدل ع‪C‬ى مدى النجاح أو الفشل‪ ،‬فما يحتاج إ"ى يوم واحد ال‬ ‫ً‬ ‫ينب‪ó‬ي أن ُيصرف فيه شهر‪ ،‬وما يحتاج شهرا من الزمن ال ينب‪ó‬ي الاسراع ‪N‬ي إنجازﻩ ‪N‬ي يوم أو‬ ‫أسبوع‪.‬‬ ‫واملراجعة والتقييم بعد ان‪*¥‬اء مدة الخطة تساعد ع‪C‬ى معرفة املمكن من غ>‪ x‬املمكن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والسهل من الصعب‪ ،‬واملراجعة تقدم هدفا أو تؤخرﻩ‪ ،‬وتحكم ع‪C‬ى فعالية الوسائل أو عدم‬ ‫فعالي‪*¥‬ا‪ .‬وتكشف عن جدوى ٔالاساليب أو عدم جدواها‪.‬‬ ‫الع“ن الساهرة ‪:‬‬ ‫واملتابعة ع>ن ساهرة وأذن صاغية ويد مؤيدة ‪ ،‬والخطة القوية قد تفشل بال متابعة‪،‬‬ ‫والخطة الضعيفة قد تنجح مع املتابعة املستمرة‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫فإذا توافرت هذﻩ العناصر فقد ُوجدت الخطة العلمية الواعية‪ ،‬ثم يوكل أمر تنفيذها إ"ى‬ ‫ً‬ ‫العناصر البشرية املدربة املنظمة‪ .‬وإلعداد املنفذين فإن علوما كث>‪x‬ة أصبحت اليوم ع‪C‬ى‬ ‫درجة من ٔالاهمية للداعية‪ .‬فالعلوم ٕالادارية‪ ،‬وعلوم الاتصال باألفراد والجماعات ‪ ،‬والعلوم‬ ‫اللغوية والبالغية ‪،‬والعلوم النفسية وال™‪x‬بوية‪ ،‬هذﻩ وغ>‪x‬ها ُت ﱡ‬ ‫عد الداعية املنفذ للخطة ‪.‬‬ ‫والداعية الناجح صاحب مبادرة وبد‪*+‬ة حاضرة وقدرة ع‪C‬ى التصرف ‪N‬ي أسوأ الظروف‪.‬‬ ‫وقبل أن يفاجأ باملواقف الصعبة فإنه يف™‪x‬ضها ‪،‬ويتصورها‪ ،‬ويلتمس لها الحلول ‪ ،‬وهكذا‬ ‫ً‬ ‫فإنه يستع>ن باملوقف الوهم‹ الذي اف™‪x‬ضه سابقا ملواجهة املوقف املفائ‪.‬‬

‫)‪(141‬‬

‫  ‪.108  ,‬‬ ‫‪47‬‬

‫القاعدة الثانية عشر‬ ‫الدعوة صورة أكيدة من صور الجهاد وتشƒŒك مع القتال ‪H‬ي الهدف والنتيجة‬ ‫لم تعد كلمة الجهاد تعطي املدلوالت ال‪ ‹I‬فهمها الصحابة والتابعون‪ ،‬وال‪ ‹I‬جاء ‪*o‬ا القرآن‬ ‫الكريم والسنة الشريفة ‪ ،‬إذا أ‪*°‬ا تع‪N ‹¢‬ي عرف بعض الدعاة القتال‪ ،‬وأنه ال جهد بال قتال‪.‬‬ ‫ونتيجة لهذا الفهم فقد ظهر ‪N‬ي العالم ٕالاسالمي أناس يريدون القتال ولو لم يحن وقته‬ ‫ً‬ ‫وتستكمل عدته‪ ،‬شعورا م‪*w‬م بأن ٕالاثم يطاردهم وهم ال يقاتلون ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتصويبا لهذا الفهم فإن علينا الرجوع إ"ى لسان الشرع ‪N‬ي كلمة الجهاد ‪ ،‬إذ أن مراجعة‬ ‫املعاني الشرعية ضرورة تعصم من الزلل والانحراف؛ قال ‪N‬ي اللسان ‪ ) :‬الجهاد محاربة‬ ‫ً‬ ‫ٔالاعداء‪ ،‬وهو املبالغة واستفراغ ما ‪N‬ي الوسع والطاقة من قول أو فعل ( )‪ .(142‬وقال أيضا‪:‬‬ ‫)والجهاد املبالغ واستفراغ ما ‪N‬ي الوسع ‪N‬ي الحرب‪ ،‬أو اللسان‪ ،‬أو ما أطاق من ‪‹ºà‬ء( )‪.(143‬‬ ‫ولبيان هذا املع‪ H¢‬العام للجهاد من سنة رسول ﷲ  نسوق قول ابن قيم الجوزية ‪ ) :‬كان‬ ‫رسول ﷲ  ‪N‬ي الذروة العليا منه فاستو"ى ع‪C‬ى أنواعه كلها‪ ،‬فجاهد ‪N‬ي ﷲ حق جهادﻩ‬ ‫بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان ( )‪ (144‬ثم يقول ‪ :‬أمرﻩ ﷲ تعا"ى بالجهاد‬ ‫ً‬ ‫من ح>ن بعثه وقال‪:‬ولو شئنا لبعثنا ‪N‬ي كل قرية نذيرا فال تطع الكافرين وجاهدهم به‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جهادا كب>‪x‬ا )‪.(145‬‬ ‫ُ‬ ‫فهذﻩ سورة مكية أمر ف‪*j‬ا بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن ‪ ،‬وكذلك جهاد‬ ‫املنافق>ن إنما هو بتبليغ الحجة وإال فهم تحت قهر أهل ٕالاسالم‪ ،‬قال تعا"ى‪  :‬يا أ‪*+‬ا الن´‹‬ ‫جاهد الكفار واملنافق>ن واغلظ عل‪*j‬م ‪ ،‬ومأواهم جهنم وبئس املص>‪ (146)x‬فجهاد املنافق>ن‬ ‫أصعب من جهاد الكفار وهو جهاهد خواص ٔالامة وورثة الرسل‪ .‬والقائمون به أفراد ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫العالم ‪ ،‬واملشاركون فيه واملعاونون عليه وإن كانوا هم ٔالاقل عددا فهم ٔالاعظم عند ﷲ‬ ‫ً ّ‬ ‫قدرا‪ .‬وملا كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة املعارض مثل أن تتكلم عند من تخاف‬ ‫سطوته وأذاﻩ كان للرسل صلوات ﷲ عل‪*j‬م من ذلك الحظ ٔالاوفر‪ .‬وكان لنبينا صلوات ﷲ‬ ‫ً‬ ‫وسالمه عليه من ذلك أكمل الجهاد وأتمه ‪ .‬وملا كان جهاد العبد ‪N‬ي الخارج فرعا ع‪C‬ى جهاد‬ ‫)‪.109/4 A D /  (142‬‬ ‫)‪.110/4 A D /  (143‬‬ ‫)‪.38/2  D!  (144‬‬ ‫)‪.52 51 /  / F    (145‬‬ ‫)‪.9  6 ?   73     (146‬‬ ‫‪48‬‬

‫العبد نفسه ‪N‬ي ذات ﷲ ‪ ،‬كما قال الن´‹  ‪ ":‬املجاهد من جاهد نفسه ‪N‬ي ذات ﷲ واملهاجر‬ ‫ً‬ ‫من هجر ما ن·‪ H‬ﷲ عنه"‪ .‬كان جهاد النفس مقدما ع‪C‬ى جهاد العدو ‪N‬ي الخارج( )‪.(147‬‬ ‫هدف الجهاد‪:‬‬ ‫ونخلص من هذا إ"ى أن الجهاد استفراغ الوسع ‪N‬ي محاربة ٔالاعداء ‪N‬ي الداخل والخارج‪،‬‬ ‫وليس الهدف منه هو القضاء ع‪C‬ى العدو‪ ،‬وإنما هو القضاء ع‪C‬ى أسباب العداوة‬ ‫والخصومة‪ ،‬فالكفر سبب العداوة ب>ن املؤمن والكافر‪ ،‬فإذا زال السبب ودخل الكفار ‪N‬ي‬ ‫ٕالاسالمخ فقد زالت العداوة‪ .‬والنفاق سبب العداوة ب>ن املؤمن واملنافق ‪ ،‬وإذا زال النفق‬ ‫زالت العداوة‪.‬‬ ‫ومآل الحرب ‪H‬ي ٕالاسالم إى أحد أمور‪:‬‬ ‫أن يخل الكافر املحارب ‪N‬ي ٕالاسالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أن يدفع الجزية ويخل ‪N‬ي دار ٕالاسالم خاضعا لثقاف‪*¥‬ا ونظامها‪.‬‬ ‫أن ُيقتل ُ‬ ‫فيق‪ HºÁ‬ع‪C‬ى كفرﻩ باستئصاله وهدر دمه‪.‬‬ ‫الدعوة ¡ي الوسيلة ٔالاوى لكسب ٔالانصار ‪:‬‬ ‫وهذا ترتيب توقيفي البد من مراعاته‪ .‬ومن خالله نرى أن الدعوة مقدمة ع‪C‬ى غ>‪x‬ها‪ ،‬و]ي‬ ‫الوسيلة ٔالاو"ى لكسب ٔالانصار ولتحويل الكفار إ"ى مؤمن>ن وهدف الدعوة باللسان واليد‬ ‫واحد‪ .‬ؤالاصل ‪N‬ي تكوين املجتمع املسلم دعوة ٔالافراد للدخول ‪N‬ي ٕالاسالم فيل™‪Ì‬مون عقيدته‬ ‫وشريعته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والدعوة إ"ى ﷲ بالحكمة واملوعظة ا لحسنة تجلب كل يوم أنصارا لإلسالمم‪ .‬وكلما أقبل‬ ‫فرد ع‪C‬ى هذﻩ الدعوة سقط مكون من مكونات الجاهلية‪ ،‬وهكذا فإن الجاهلية ‪N‬ي مكة كان‬ ‫لها ‪N‬ي كل يوم حديث عن تحول رجل أوامرأة من ساحة الشرك إ"ى ساحة ٕالايمان‪ ،‬ومن‬ ‫جند الشيطان إ"ى جند الرحمن‪.‬‬ ‫ما فقدناﻩ بسبب الغزو الفكري‬ ‫نسƒŒدﻩ عن طريق الدعوة‬ ‫إن الغزو الفكري الذي داهم بالد املسلم>ن قد استحوذ ع‪C‬ى جمهرة كب>‪x‬ة من أبنا•*ا‪،‬‬ ‫وسقط هؤالء ٔالابناء صر‪µ‬ى ‪N‬ي معركة فكرية كانت ‪N‬ي غيبة الدعاة غ>‪ x‬متكافئة‪ ،‬وما‬

‫)‪.38/2  D!  (147‬‬ ‫‪49‬‬

‫خسرناﻩ عن طريق الفكر ك¨‪ x‬مما خسرناﻩ عن طريق معارك املواجهة‪ ،‬وما نس™‪x‬دﻩ عن طريق‬ ‫الفكر بعد هذﻩ الصحوة واليقظة أك¨‪ x‬مما نس™‪x‬دﻩ عن طريق املواجهة ‪.‬‬ ‫و‪N‬ي ح>ن أن القتال يكون ب>ن مجتمع>ن ‪ :‬مجتمع ٕالايمان ومجتمع الكفر بسبب العوائق ال‪‹I‬‬ ‫يضعها الكافرون ‪N‬ي وجه الدعوة‪ ،‬فإن الدعوة بالحوار واملوعظة تبقى قائمة ‪N‬ي املجتمع‬ ‫نفسه الستقطاب ٔالافراد من هذا املجتمع أو من املجتمعات ٔالاخرى‪ .‬وأما انقسام املجتمع‬ ‫إ"ى فرقت>ن متصارعت>ن فإنه ُيل‪ó‬ي الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة‪ُ ،‬وينت·‪ H‬دور الكلمة‬ ‫الهادئة الودود‪ ،‬وعندها ال يكون أمام الدعاة من سبيل إال الفرار من املجتمع والرضا‬ ‫ً‬ ‫بشواهق الجبال أو عميق الكهوف ‪ ،‬وبذلك تتأكل الدعوة وتذوى يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫إن الفرار من املجتمع أو العزلة عنه أسلوب يدل ع‪C‬ى ضيق ٔالافق ويكشف عن جهل‬ ‫ً‬ ‫بأوليات الدعوة‪ .‬ويدل أيضا ع‪C‬ى اليأس مناملجتمع ‪،‬وع‪C‬ى فشل الداعية ‪N‬ي ٕالاصالح‪ ،‬وإن‬ ‫أعداء الفكرة ٕالاسالمية يطمعون ‪N‬ي إيصال الداعية إ"ى مثل هذﻩ القناعات‪ ،‬وإن خطر هذﻩ‬ ‫ٔالافكار أعظم ع‪C‬ى الدعوة من خطر أعدا•*ا عل‪*j‬ا‪.‬‬ ‫موقف الن¬«  من العزلة ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫لقد كان رسول ﷲ  وهو ‪N‬ي شعب أبي طالب يتشوق إ"ى اليوم الذي تمزق فيه صحيفة‬ ‫املقاطعة ليعود هو وأصحابه إ"ى املجتمع املكي يقارعونه بالحجة واملوعظة والكلمة‪ .‬وبذلك‬ ‫يكون رسول ﷲ  قد رفض العزل عن املجتمع ولم يعد وجودﻩ وأصحابه ‪N‬ي الشعب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫استقالال مباركا للحركة ٕالاسالمية عن املجتمع وذلك ألن ٕالاسالم يقرر أن للدعوة طريق>ن‪.‬‬ ‫الطريق ٔالاول ‪ :‬الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة عندما يكون املسلمون مختلط>ن بغ>‪x‬هم‬ ‫وهم قلة ‪N‬ي املجتمع‪.‬‬ ‫الطريق الثاني ‪ :‬الدعوة بكل وسائلها بما ف‪*j‬ا القتال وذلك عندما يكون للمسلم>ن مجتمع‬ ‫كتب له أسباب الحياة من حيث املوقع الاس™‪x‬اتي‪Ô‬ي والسكاني والاقتصادي‪.‬‬ ‫فهم املفسرين لهذﻩ الفكرة‪:‬‬ ‫قال ابن ك¨‪N x‬ي تفس>‪ x‬قوله تعا"ى ‪  :‬ألم َتر إ"ى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصالة‬ ‫ُ‬ ‫وآتوا الزكاة فلما كتب عل‪*j‬م القتال إذا فريق م‪*w‬م يخشون الناس كخشية ﷲ أو أشد‬ ‫خشية )‪ (148‬يقول ‪ ) :‬كان املؤمنون ‪N‬ي ابتداء ٕالاسالم وهم بمكة مأمورين بالصالة والزكاة‪،‬‬ ‫وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء م‪*w‬م‪ ،‬وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن املشكرين‬ ‫)‪.77 :  : K $   (148‬‬ ‫‪50‬‬

‫ُ‬ ‫والص‪ xy‬إ"ى ح>ن‪ .‬وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدا•*م‪ .‬ولم يكن إذ‬ ‫ً‬ ‫ذاك مناسبا ألسباب كث>‪x‬ة م‪*w‬ا‪ :‬قلة عددهم بالنسبة إ"ى ك¨‪x‬ة عدد عدوهم‪ ،‬وم‪*w‬ا كو‪*°‬م‬ ‫كانوا ‪N‬ي بلدهم وهو بلد حرام( )‪.(149‬‬ ‫تحليل ‪:‬‬ ‫فابن كث>‪ x‬ـ رحمه ﷲ ـ يستبعد استعمال القوة عند قلة العدد ‪ ،‬الذي هو مظنة عدم الغلبة‬ ‫ُ‬ ‫والعدد ع‪C‬ى الاطالق‪ ،‬وأن‬ ‫‪ ،‬وها مخالف للفهم الخطأ ‪ ،‬الذي خالصته أنه ال ع‪xy‬ة بالعدد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مائة صابرة تغلب ألفا‪ .‬علما بأن القرآن الكريم جاء يفصل هذﻩ القضية‪ .‬و‪N‬ي سورة ٔالانفال‬ ‫يقول ﷲ تعا"ى‪  :‬يأ‪*+‬ا الن´‹ ﱠ‬ ‫حرض املؤمن>ن ع‪C‬ى القتال إن يكن منكم عشرون صابرون‬ ‫ً‬ ‫يغلبوا مائت>ن وإنيكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأ‪*°‬م قوم ال يفقهون* ٓالان‬ ‫ً‬ ‫خفف ﷲ عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائت>ن وإن يكن‬ ‫منكم ألف يغلبوا ألف>ن بإذن ﷲ وﷲ مع الصابرين)‪.(150‬‬ ‫قال ابن كث>‪ : x‬عن ابن عباس ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما ‪ :‬ملانزلت ‪  :‬إن يكن منكم عشرون صابرون‬ ‫يغلبوا مائت>ن ‪‬شق ذلك ع‪C‬ى املسلم>ن‪ ،‬ح>ن فرض ﷲ ع‪*j‬م أال يفر واحد من عشرة‪ ،‬ثم‬ ‫جاء التخفيف فقل ‪ٓ  :‬الان خفف ﷲ عنكم ‪‬قال‪ :‬خفف ﷲ عنكم من العدة‪ ،‬ونقص‬ ‫منالص‪ xy‬بقدر ما خفف ع‪*w‬م‪ . .‬روى البخاري ) عن ابن عباس ـ ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما ـ ملا نزلت‬ ‫ً‬ ‫هذﻩ ٓالاية ثقل ع‪C‬ى املسلم>ن‪ ،‬وأعظموا أن يقاتل عشرون مائت>ن ‪ ،‬ومائة ألفا‪ ،‬فخفف ﷲ‬ ‫ع‪*w‬م فنسخها باآلية ٔالاخرى‪ ،‬فكانوا إذا كانوا ع‪C‬ى الشطر من عدوهم لم يسغلهم أن يفروا‬ ‫من عدوهم‪ ،‬وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عل‪*j‬م قتالهم وجاز لهم أن يتجوزوا ع‪*w‬م( )‪.(151‬‬ ‫قال الرازي‪ :‬الذي استقر حكم التكليف عليه بمقت‪ HºÁ‬هذﻩ ٓالاية كل مسلم بالغ مكلف‬ ‫ً‬ ‫وقف بإزاء مشرك>ن فالهزيمة محرما عليه ما دام معه سالح يقاتل به‪ .‬فإن لم يبق معه‬ ‫سالح فله أن ي‪*w‬زم‪ ،‬وإن قاتله ثالثة حلت له الهزيمة والص‪ xy‬أحسن)‪.(152‬‬ ‫وهذا النمط من ال™‪x‬بية يفتقر إليه كث>‪ x‬من الناس الذين يظنون أن ال‪*¥‬ور قربة إ"ى ﷲ‬ ‫تعا"ى ‪ ،‬ويظنون أن رمي ٔالالوف املؤلفة باآلحاد أسلوب مبدع من أساليب العمل ٕالاسالمي‪،‬‬ ‫)‪.329/2 EB /  (149‬‬ ‫)‪.66)65 : /  1 $   (150‬‬ ‫)‪.344/3 EB /  (151‬‬ ‫)‪.196/15    (152‬‬ ‫‪51‬‬

‫ً‬ ‫وٓالايتان السابقتان تبطالن هذاالفهم‪ .‬علما بأن أصحاب رسول ﷲ  هم ‪N‬ي الذؤوابة ‪N‬ي‬ ‫طب الفضل والسبق والتماس رضا ﷲ سبحانه وتعا"ى‪.‬‬ ‫وهناك فرق كب>‪ x‬ب>ن الرغبة ‪N‬ي تسجيل املواقف البطولية والرغبة ‪N‬ي تحقيق ٔالاهداف‪،‬‬ ‫والوصول باملسلم>ن إ"ى شاطئ السالمة ‪ ،‬والخروج ‪*o‬م من املعاناة‪.‬‬ ‫وأما قول ابن كث>‪":x‬وم‪*w‬ا كو‪*°‬م كانوا ‪N‬ي بلدهم " فيدل ع‪C‬ى فطنته وحكمته‪ ،‬فقد التفت إ"ى‬ ‫أن املسلم>ن ‪N‬ي مكة إنما يعيشون ‪N‬ي بلدهم‪ ،‬وعندما يلجأون إ"ى القوة فإن آثارها ستصيب‬ ‫ً‬ ‫أوال ‪ .‬واملسلم ُعرف باإلصالح وٕالاحسان والتنمية وال™‪Ì‬كية وصلة الرحم رغم ما يكون‬ ‫بلدهم‬ ‫عليه أعداؤﻩ من قومه من القطيعة وٕالاساءة‪.‬‬

‫سورة الفتح تؤكد هذا املع‪:H¢‬‬ ‫وقد جاءت سورة الفتح تذكر أن وجود بعض املؤمن>ن الذين يكتمون إيما‪*°‬م ‪N‬ي املجتمع‬ ‫املكي كان من ٔالاسباب ال‪ُ ‹I‬‬ ‫صرف أجلها القتال‪ ،‬فقال تعا"ى‪  :‬ولوال رجال مؤمنون ونساء‬ ‫مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم م‪*w‬م ّ‬ ‫معرة بغ>‪ x‬علم ليدخل ﷲ ‪N‬ي رحمته من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يشاء* لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا م‪*w‬م عذابا أليما)‪.(153‬‬ ‫يقول القرطي ‪N‬ي تفس>‪ x‬هذﻩ ٓالاية ‪  :‬ولوال رجال مؤمنون يع‪ ‹¢‬املستضعف>ن من املؤمن>ن‬ ‫بمكة وسط الكفار‪  ،‬لم تعلموهم أ‪*°‬م مؤمنون ‪  ،‬أن تطؤوهم  بالقتل وٕالايقاع ‬ ‫فتصيبكم م‪*w‬م ّ‬ ‫معرة بغ>‪ x‬علم  ‪ ،‬أي يقول املشركون‪ :‬قد قتلوا أهل دي‪*w‬م  لو تزيلوا لو‬ ‫زال املؤمنون من ب>ن أظهرالكفار لعذب الكفار بالسيف‪ ،‬ولكن ﷲ يدفع باملؤمن>ن عن‬ ‫الكافرين)‪ .(154‬و‪N‬ي ذلك يقول ابن كث>‪ ) :x‬ولوال أن ب>ن أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه‬ ‫م‪*w‬مخيفة ع‪C‬ى أنفسهم من قومهم‪ ،‬لكنا سلطناكم عل‪*j‬م ‪ ،‬فقتلتموهم‪ ،‬وأبدتم خضراءهم‬ ‫‪ ،‬ولكن ب>ن أفنا•*م من املؤمن>ن واملؤمنات أقوام ال تعرفو‪*°‬م حالة القتال ( )‪.(155‬‬

‫)‪.25  >   (153‬‬ ‫)‪.345/64J   (154‬‬ ‫)‪.286)285/16 EB /  (155‬‬ ‫‪52‬‬

‫نخلص من هذا إ"ى أنه ال مناص من الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة ‪N‬ي حالة اختالط‬ ‫الصالح>ن بغ>‪x‬هم واملسلم>ن بغ>‪x‬هم‪ ،‬وأناستخدام القوة مؤاﻩ خطر ع‪C‬ى الدعوة والدعاة‬ ‫لألسباب ٓالاتية‪:‬‬ ‫ستتعرض فئات املجتمع أللوان البطش وٕالارهاب وسيذهب ال‪xy‬يء مع غ>‪x‬ﻩ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ست َغ ﱠيب الدعوة بالحكمة واملوعظة والكلمة ‪ ،‬ولن يعود هناك من وسيلة للتفاهم سوى‬ ‫القوة‪.‬‬ ‫سي™‪x‬ك الدعاة أماكن التأث>‪N x‬ي املجتمع إ"ى املغاور والكهوف ؤالاماكن النائية‪.‬‬ ‫ستنفرد ٔالافكار املعادية ب™‪x‬بية املجتمع وتوج‪*j‬ه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سيواجه ٕالاسالم بالدعاية املضادة‪ ،‬واž*ام رجالهبأ‪*°‬م ال يفهمون سوى لغة القوة والبطش‪.‬‬ ‫ستخسرالدعوة من رجالها من يصعب تعويضه وسد العجز النا‪ ºà‬عن فقدﻩ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سيقف هذا ٔالامر مانعا من لحاق كث>‪ x‬من الناس بركب الدعوة‪ ،‬ألن الناس يفهمون عندها‬ ‫أن الدعوة ليس لها هدف عميق صبور طموح يعمل ـ بإذن ﷲ ـ ع‪C‬ى إيصال املجتمع إ"ى‬ ‫قبول ٕالاسالم ‪ ،‬وإنمايسود التصور القائل بأن املسلم يريد أن يموت ‪N‬ي سبيل ﷲ‪ ،‬وليست‬ ‫لديه خطة واعية ناشطة للوقوف ‪N‬ي وجه الف™ن ال‪ ‹I‬ستبقى تالحق أبناءﻩ وأقرباءﻩ وج>‪x‬انه‪.‬‬ ‫وعندما ال يضع املسلم ‪N‬ي حسبانه مقارنة قوته بقوة أعدائه فإنه ّ‬ ‫يحول العمل لإلسالم إ"ى‬ ‫ضرب من الانتحار‪ ،‬ولكنه ‪N‬ي سبيل ﷲ !!‪.‬‬ ‫وقفة ‪:‬‬ ‫وهناك خلط كب>‪ x‬ب>ن طبيعة الجماعة وطبيعة املجتمع ‪ ،‬والذين يطالبون الجماعة بما‬ ‫يطالبون به املجتمع ‪ ،‬إنما يفعلون ذلك لظ‪*w‬م بأن الجماعة مجتمع ‪.‬‬ ‫والصواب أن الجماعة أفراد من الناس التقوا ع‪C‬ى فكر مع>ن ووالء مع>ن وخهطة معينة‬ ‫ولهم تنظيم وقيادة ‪ .‬وهؤالء ٔالافراد متناثرون ب>ن فئات املجتمع ال يشكلون أك¨‪x‬ية عددية ‪،‬‬ ‫وال يملكون القوة الفاعلة ‪N‬ي أجهزة املجتمع ومؤسساته‪ ،‬وصورة املسلم>ن ‪N‬ي مكة قبل‬ ‫الهجرة تمثل حالة الجماعة‪.‬‬ ‫وأما املجتمع فهو قطاع عريض من الناس‪ ،‬يحكمهم نظام يخضعون لسلطان‪ ،‬وهذا‬ ‫القطاع له مؤسساته وأجهزته ويسيطر ع‪C‬ى هذﻩ املؤسسات ؤالاجهزة ويضع لها السياسات‪.‬‬ ‫ويقوم هذا املجتمع ع‪C‬ى أرض ال ينازعه ف‪*j‬ا أحد‪ ،‬وهذا القطاع العريض يعمل ع‪C‬ى صياغة‬ ‫ٔالافراد وفق قيمه وتطلعاته‪ .‬واملجتمع ‪N‬ي املدينة بعد الهجرة يمثل هذﻩ الصورة‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫نتيجة‪:‬‬ ‫إذا اتضح هذا فينب‪ó‬ي أن نفرق ب>ن مواجهة مجتمع ملجتمع آخر ‪ ،‬وب>ن مواجهة جماعة‬ ‫ملجتمع‪ .‬والجماعة ال تستطيع أن تواجه املجتمع‪ ،‬وذلك ألن املجتمع نسيج كامل‪ ،‬وأجهزة‬ ‫فاعلة ناشطة ال تتوقف عن العطاء والتنمية والتكاثر‪ ،‬ففي املجتمع تبقى املؤسسات‬ ‫التعليمية تعمل‪ ،‬وتبقى املؤسسات الاقتصادية تنتج‪ ،‬وتبقى الدوائر ال™‪x‬بوية تربي‪N ،‬ي ح>ن‬ ‫أن الجماعة إذا دخلت ‪N‬ي محنة القتال فإن دوائرها ال™‪x‬بوية والاقتصادية والعملية وسائر‬ ‫ُ‬ ‫ستضمر وتذوى ‪،‬وإ"ى جانب ذلك فإن‬ ‫وسائلها ستتوقف عن العمل‪ ،‬و‪N‬ي ال‪*w‬اية فإ‪*°‬ا‬ ‫ً‬ ‫املجتمع ال ‪ ̙*+‬بخسارته فردا من أفرادﻩ‪.‬‬ ‫الن´‹  ب>ن الجماعة واملجتمع ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وتطبيقا لهذا املبدأ فإن الرسول  لم يوافق بعض اأنصار ‪N‬ي بيعة العقبة عندما استأذنوﻩ‬ ‫‪N‬ي أن يميلوا ع‪C‬ى أهل م‪ H¢‬بأسيافهم‪ ،‬وذلك بعد أن فهموا أن البيعة ع‪C‬ى حرب ٔالاحمر‬ ‫ؤالاسود‪.‬‬ ‫قال ‪N‬ي إمتاع ٔالاسماع ‪ ) :‬وكانت هذﻩ البيعة ع‪C‬ى حرب ٔالاحمر ؤالاسود‪ ،‬فلماتمت بيع‪*¥‬م‬ ‫استأذنوا رسول ﷲ  أن يميلوا ع‪C‬ى أهل م‪ H¢‬بأسيافهم‪ ،‬فقال‪ " :‬لم نؤمر بذلك " ‪ .‬فرجعوا‬ ‫وعادوا إ"ى املدينة ( )‪.(156‬‬ ‫ولو كان الهدف منالدعوة مجرد الانتقام من رؤوس الشرك ألمر رسول ﷲ ـ  ـ أتباعه‬ ‫بقتلهم ‪،‬ولو كان الهدف من الدعوة أن يصل املؤمنون إ"ى مرتبة الشهادة لقاموا بذلك ‪N‬ي‬ ‫بداية أمرهم عند البيعة وهم ‪N‬ي طور الجماعة‪ ،‬وهذا عمل ال ينسجم مع ٔالاهداف واملصالح‬ ‫الكب>‪x‬ة ال‪ ‹I‬راعاها هذا الدين‪.‬‬ ‫وكذلك الحال ‪N‬ي املدينة؛ فإن أهل املدينة لم يدخلوا ‪N‬ي ٕالاسالم دفعة واحدة‪ ،‬بل بقيت‬ ‫ً‬ ‫طوائفالنفاق تعيث فسادا وتتآمر ع‪C‬ى املسلم>ن‪ ،‬إال أن رسول ﷲ  استعاض عن حرب‬ ‫التصفية الجسدية بحرب الدعوة والجدل وٕالاحسان للخصوم‪.‬‬ ‫اختالل املوازين أمام ضغط الواقع ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال شك أن للواقع الذي يعيشه املسلمون تأث>‪x‬ا كب>‪x‬ا ع‪C‬ى فكرهم وممارس‪*¥‬م‪ ،‬وأحيانا يصل‬ ‫ضغط هذا الواقع إ"ى درجة يفقد املسلم معهاﻩ قدرته ع‪C‬ى تصور الخط امل‪Ô*w‬ي ‪ ،‬ويتساءل ‪:‬‬

‫)‪.37 S !. S !T (156‬‬ ‫‪54‬‬

‫إ"ى م‪ HI‬نبقى تحت وطأة املعاناة ؟ فيقول ‪:‬أليس هناك‪‹ºÜ‬ء غ>‪ x‬الص‪ xy‬واملصابرة؟ وعندها‬ ‫يجيب املتحمسون ع‪C‬ى هذا السؤال بطلب املواجهة والانتقام ولو ع‪C‬ى حساب الدعوة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والقرآن الكريم يحذرنا م‪*w‬ذا التفك>‪ّ x‬‬ ‫الغر ويب>ن أن أك¨‪ x‬الناس حماسا وž*ورا واستعجاال هم‬ ‫الذين يصابون بخور العزيمة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بكف ٔالايدي وضبط النفس ‪ ،‬ولم يكن هذا جبنا‬ ‫ومن هنا فإن الشجاعة ‪N‬ي مكة كانت ِ‬ ‫ً‬ ‫أوخوفا ‪ ،‬والشجاعة ‪N‬ي املدينة كانت بالقتال وجهاد ٔالاعداء‪ .‬ومن لم يمتلك الشجاعة ‪N‬ي‬ ‫مكة بكف يديه وضبط نفسه نجدﻩ تخور نفسه وت‪*w‬ار عزيمته عندما طلب منه مواجهة‬ ‫الكفار ‪N‬ي ساحة املعركة‪ .‬فالتعا"ي ع‪C‬ى ٔالاذى والجراح مع شدة الدوا‪µ‬ي الباعثة ع‪C‬ى الانتقام‬ ‫هو قمة الشجاعة‪ .‬إذ أن النفس مجبولة ع‪C‬ى كرﻩ الظلم وحب الانتقام ‪ ،‬وإرغامها ع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫الص‪ xy‬حرصا ع‪C‬ى مصلحة الجماعة الناشئة يحتاج إ"ى مجاهدة ومصابرة‪ ،‬فقمة املجاهدة‬ ‫الانتصار ع‪C‬ى النفس ال الانتصار لها ‪  :‬ألم تر إ"ى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا‬ ‫الصالة وآتوا الزكاة فلماكتب عل‪*j‬م القتال إذا فريق م‪*w‬م يخشون الناس كخشية ﷲ أو‬ ‫أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنا إ"ى أجل قريب قل متاع الدنيا‬ ‫ُ‬ ‫قليل وٓالاخرة خ>‪ x‬ملن اتقى وال تظلمون فتيال)‪.(157‬‬ ‫يقول ٔالاستاذ سيد قطب رحمه ﷲ ‪ ) :‬يعجب ﷲ سبحانه من أمر هؤالء الذين كانوا‬ ‫يتدافعون حماسة إ"ى القتال ويستعجلونه وهم ‪N‬ي مكة يتلقون ٔالاذى والاضطهاد والفتنة‬ ‫ً‬ ‫من املشرك>ن ‪ ،‬ح>ن لم يكن مأذونا لهم بالقتال للحكمة ال‪ ‹I‬يريدها ﷲ ‪ ،‬فلما أن جاء‬ ‫ُ‬ ‫الوقت املناسب الذي قدرﻩ ﷲ‪ ،‬وž*يأت الظروف وكتب عل‪*j‬م القتال‪ ،‬إذا فريق م‪*w‬م شديد‬ ‫الجزع شديد الفزع()‪.(158‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويقول أيضا ‪ ) :‬إن أشد الناس حماسة واندفاعا وž*ورا ‪ ،‬قد يكونون هم أشد الناس جزعا‬ ‫وا‪*°‬يا ًا وهزيمة عندما يجد ّ‬ ‫الجد وتقع الواقعة‪ ،‬بل إن هذﻩ قد تكون القاعدة! وذلك أن‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫الاندفاع وال‪*¥‬ور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة‬ ‫التكاليف‪ ،‬ال عن شجاعة واحتمال وإصرا‪ ،‬كما أ‪*°‬ا قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال‪ ،‬قلة‬ ‫احتمال الضيق ؤالاذى والهزيمة‪ ،‬فتدفعهم قلة الاحتمال إ"ى طلب الحركة والدفع والانتصار‬ ‫بأي شكل‪ ،‬دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار‪ ،‬ح‪ HI‬إذا ووجهوا ‪*o‬ذﻩ التكاليف‬ ‫)‪.77 :  K $   (157‬‬ ‫)‪.712/2 /0  123 45 (158‬‬ ‫‪55‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كانت أثقل مما قدروا وأشق مما تصوروا‪ ،‬فكانوا أول الصف جزعا ونكوال وا‪*°‬يارا‪ .‬ع‪C‬ى ح>ن‬ ‫يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ويحتملون الضيق ؤالاذى بعض الوقت‪ ،‬ويعدون‬ ‫لألمر ُع ﱠدته( )‪.(159‬‬ ‫واجب املوجه>ن واملفكرين‪:‬‬ ‫قد يبلغ تيار الحماس من الشدة إ"ى درجة ينساق املربي واملوجه واملفكر ‪N‬ي هذا التيار‪،‬‬ ‫ويفقد هؤالء قدرž*م ع‪C‬ى السيطرة والقيادة‪ .‬وهذﻩ مجاراة خطرة وكما تكون مجاراة أهل‬ ‫املعا‪N ‹ºú‬ي معصي‪*¥‬م فإن مجاراة املتعجل>ن والتنازل عن خط الدعوة املثمر كب>‪x‬ة من‬ ‫الكبائر ‪ ،‬بالرغم مما قد يوصف به املوجه من العجز والضعف‪ .‬وإن املوجه الذي آتاﻩ ﷲ‬ ‫بص>‪x‬ة ومعرفة مسؤول عن نتائج التعجل أك¨‪ x‬من املتعجل>ن‪.‬‬ ‫الحل الصحيح‬ ‫إن ضغط الواقع ينب‪ó‬ي أن ال يسوق إ"ى الحل الخطأ ‪ ،‬ومهما طال انتظار الحل الصحيح‬ ‫فإن هذا هو الصواب ‪ ،‬وطول الزمن ال يفقد الحق أحقيته ‪ ،‬وقصر الزمن ال ُيصفى ع‪C‬ى‬ ‫الخطأ صفة الصواب‪.‬‬ ‫عود ع‪C‬ى بدء‬ ‫إن الحل الصحيح هو الدعوة مع املعاناة والص‪ xy‬ع‪C‬ى طول الطريق والتمركز ‪N‬ي املجتمع‬ ‫والتماس أسباب القوة والبحث عن هذﻩ ٔالاسباب ‪N‬ي كل مجتمعات ٔالارض‪ ،‬وحشد الطاقات‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي أك¨‪x‬ها توقعا لقبول الدعوة ‪ ،‬وهو جهد ال يعرف الكلل وال امللل ‪ ،‬وعندئذ تقوم القاعدة‬ ‫الصلبة‪ ،‬ال‪ ‹I‬يبدأ م‪*w‬ا طريق الحل الشامل‪.‬‬ ‫وقبل ذلك ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وإ"ى أن يصل املسلمون إ"ى تلك املرحلة فإنه سيدفعون الثمن غاليا من الضحايا والدماء‬ ‫ؤالاشالء‪ ،‬ولكن سيجدون بعون ﷲ تعا"ى ثمرة جهادهم وجهدهم‪ .‬وبغ>‪ x‬هذا الطريق‬ ‫ً‬ ‫سيدفعون الثمن مضاعفا مع البعد عن الهدف‪.‬‬ ‫وعندما يقبل املجتمع أن يكون ٕالاسالم نظامه وشريعته‪ ،‬وذلك من خالل مراكز القوة فيه‬ ‫ً‬ ‫فإن املجتمع يصبح إسالميا ‪ ،‬وعندئذ تتكون القاعدة القادرة ع‪C‬ى القيام بأعباء الحرب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويكون املجتمع عندئذ قادرا ع‪C‬ى استغالل طاقاته ‪ ،‬عامال ع‪C‬ى تعويض كل نقص ينشأ من‬

‫)‪.712/2 /0  123 45 (159‬‬ ‫‪56‬‬

‫جراء القتال ‪ ،‬ويصبح القتال وسيلة ممهدة للدعوة تعمل ع‪C‬ى إزالة العقبات املانعة من‬ ‫وصول الدعوة إ"ى الناس‪.‬‬ ‫فالهدف من الدعوة والقتال واحد‪ ،‬وهو إيصال الخ>‪ x‬إ"ى الناس‪ .‬والفارق بي‪*w‬ما أن الدعوة‬ ‫تكون مع احتمال ٔالاذى‪ ،‬والقتال يكون دعوة مع إزالة ٔالاذى‪.‬‬ ‫إن أعداء ٕالاسالم يطمعون ‪N‬ي أن تخرج الجماعة املؤمنة عن خطها فتستعجل النصر‬ ‫‪،‬وتحاول قطف الثمرة قبل أوا‪*°‬ا‪ .‬والشواهد كث>‪x‬ة ع‪C‬ى عمليات الاستدراجال‪ ‹I‬تنت·‹‬ ‫بالبطش والتنكيل بالعامل>ن لإلسالم ‪ ،‬إ"ى جانب النتائج السلبية ال‪ ‹I‬ي™‪x‬كها التعجل ع‪C‬ى‬ ‫الجماعة وأنصارها وخططها ومستقبلها‪.‬‬ ‫لقد آن ٔالاوان أن يفعل املسلم ما يريدﻩ ال ما ُيراد له وأن يتصرف وفق ما خطط له ‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫ينب‪ó‬ي أن ُيشغل املسلم عن هدفه مؤثرا حظ النفس ‪N‬ي العاجلة ‪ ،‬ع‪C‬ى تحقيق ٔالاهداف‬ ‫ٓالاجلة‪.‬‬ ‫إن الجماعة ٕالاسالمية لتسجيل كل يوم نتائج إيجابية تقر‪*o‬ا من الهدف ‪ ،‬وإن املراقب‬ ‫املنصف ل>‪x‬ى التحوالت الجذرية ‪N‬ي فكر كث>‪ x‬من الناس وسلوكهم ‪ ،‬ويالحظ أن ٔالامة بدأت‬ ‫تستجيب لنداء ٕالايمان ‪ ،‬وبدأت تالف ما كانت باألمس تنكرﻩ ‪ .‬وإن العمل الحثيث يصل‬ ‫باألمة إ"ى إحداث تغي>‪ x‬كب>‪N x‬ي جميع شؤون حياž*ا‪ .‬وإن العديد من املؤسسات آخذ ‪N‬ي‬ ‫الاتجاﻩ نحو ٕالاسالم‪.‬‬ ‫وهكذا فإن الدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى ]ي الوسيلة إ"ى تكوين مجتمع ٕالاسالم وقاعدته وإن القتال‬ ‫حركة اجتماعية تنبثق عن املجتمع وترتكز ع‪C‬ى القاعدة الصلبة وعندها ماذا سيقول‬ ‫املتعجلون ؟ هل يقولون ‪  :‬ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنا إ"ى أجل قريب  )‪.(160‬‬

‫القاعدة الثالثة عشرة‬ ‫ُ‬ ‫الدعوة سلعة شريفة ال تباع باألعراض‬ ‫الدنيوية ‪ ،‬ؤالاجرة الدنيوية يفسد املروءة ‪ ،‬وال ُيصلح الدعوة‬ ‫الداعية يعمل بمقت‪ HºÁ‬تكليف ﷲ تعا"ى‪ .‬ووظيف الدعوة ليست من جنس الوظائف‬ ‫الدنيوية‪ ،‬ف·‹ أسم‪ H‬وأشق‪ .‬وما من وظيفة تحتمل كل صور الهالك والا‪*°‬اك كوظيفة‬ ‫)‪.77  : K $   (160‬‬ ‫‪57‬‬

‫الدعوة‪ :‬فف‪*j‬ا توقع هالك النفس واملال‪ ،‬وف‪*j‬ا احتمال البعد عن ٔالاهل والولد ؤالاوطان‪.‬‬ ‫ووظيفة ف‪*j‬ا مثل هذا الجهد ال تعادلها الدنيا كلها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ولقد كان كل ن´‹ من أنبياء ﷲ الكرام يؤكد هذا املبدأ قائال ‪  :‬ال أسألكم عليه أجرا)‪.(161‬‬ ‫ُ‬ ‫وقد أمر رسول ﷲ  بال™‪Ì‬ام هذا النهج ‪ ،‬وعندما أعرض أهل مكة عن ٕالايمان جاءت ٓالاية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تسألهم عن سبب إعراضهم‪ ،‬وتقول ‪  :‬أم تسألهم أجرا فهم من مغرام مثقلون)‪ .(162‬علما‬ ‫ً‬ ‫بأن طالب الدنيا ال يفعلون شيئا إال بأجر دنيوي‪ .‬وإن قصة السحرة مع مو‪ HºÒ‬ـ عليه السالم‬ ‫ً‬ ‫ـ تثبت هذا عندما قالوا لفرعون ‪  :‬أئن لنا ألجرا إن كنا نحن الغالب>ن)‪ .(163‬فأكد لهم‬ ‫ً‬ ‫فرعون ذلك وقال ‪  :‬نعم وإنكم إذا ملن املقرب>ن )‪.(164‬‬ ‫قاض‬ ‫وبعد دخول ٕالايمان إ"ى قلو‪*o‬م لم ي™‪x‬كوا ٔالاجر فقط ‪ ،‬بل قالوا له ‪  :‬فأقض ما أنت ٍ‬ ‫إنما تق‪ ‹ºÁ‬هذﻩ الحياة الدنيا )‪.(165‬‬ ‫أنواع ٔالاجر الذي يت‪ÌÞ‬ﻩ عنه الداعية ‪:‬‬ ‫ؤالاجر الذي ينب‪ó‬ي أن يت‪ÌÞ‬ﻩ عنه الداعية ال يقتصر ع‪C‬ى املال ‪ ،‬وإنما يشمل كل منفعة سب©*ا‬ ‫الدعوة ‪ ،‬وينب‪ó‬ي أن ال ينتظر من الناس كلمة الشكر وال إسداء املعروف‪ .‬وكل الذي يريدﻩ‬ ‫من املعروف أن تصل الدعوة إ"ى قلوب الخلق ‪.‬‬ ‫والتأكيد ع‪C‬ى عدم طلب ٔالاجر له فوائد وحكم‪:‬‬ ‫ٔالاول ‪ :‬قد يظن املدعوون أن الداعية إنما شرع ‪N‬ي الدعوة كي يتوصل بالدعوة إ"ى الرزق‬ ‫والاكتساب‪ ،‬فرب صاحب دعوة يريد صرف وجوﻩ الناس إليه لينتفع من دعوته‪ ،‬السيما‬ ‫وأن معظم الدعاة إ"ى ﷲ فقراء‪ ،‬وع‪C‬ى رأسهم ٔالانبياء الكرام ـ صلوات ﷲ عل‪*j‬م ـ يقول‬ ‫ً‬ ‫الرازي ‪N‬ي تفس>‪ x‬قوله تعا"ى ‪  :‬ويا قوم ال أسألكم عليه ماال إن أجري إ"ى ع‪C‬ى ﷲ )‪ .(166‬كأﻩ‬ ‫ً‬ ‫عليه الصالة والسالم قال لهم ‪ :‬إنكم ملا نظرتم إ"ى ظواهر ٔالامور وجدتموني فق>‪x‬ا ‪ ،‬وظننتم‬

‫)‪.90 :  6 D$.   (161‬‬ ‫)‪.40 :  J   (162‬‬ ‫)‪. 41 : K D=   (163‬‬ ‫)‪.42 :  K D=   (164‬‬ ‫)‪.72 :  8J   (165‬‬ ‫)‪.29 :  &  (166‬‬ ‫‪58‬‬

‫أن‪ ‹¢‬إنما اشتغلت ‪*o‬ذﻩ الدعوة ألتوسل ‪*o‬ا إ"ى أخذ أموالكم ‪ ،‬وهذا الظن منكم خطأ‪ ،‬فإني‬ ‫ً‬ ‫ال أسألكم ع‪C‬ى تبليغ الرسالة أجرا)‪.(167‬‬ ‫الثانية ‪ :‬تعودت الشعوب أن تتعامل مع املشعوذين والدجال>ن من الكهنة الذين يتوصلون‬ ‫بالدين إ"ى الدنيا وملذاž*ا ‪ ،‬فجاء التأكيد ع‪C‬ى أن هذﻩ الدعوة نقية أصيلة ال يبت‪ó‬ي أهلها‬ ‫ً‬ ‫عرضا من أعراض الدنيا يتوصلون إليه بسب©*ا‪.‬‬ ‫الثالثة ‪ :‬كل عمل مأجور قد يع™‪x‬يه النقص والخلل؛ وصاحبه يس>‪x‬به حسب مقدار ٔالاجر‪.‬‬ ‫ودين ﷲ أكرم من أن ُيربط بمتاع الدنيا وتقلبه‪ .‬ومن هنا فالعمل للدعوة مرتبط‬ ‫باإلخالص‪.‬‬ ‫الرابعة ‪ :‬والعمل املأجور يتأثر بمن يدفع ٔالاجر‪ ،‬وإرادته تتدخل ‪N‬ي العمل‪ .‬وقد عرفت‬ ‫ً‬ ‫الدعوات نمطا من الناس غ>‪x‬وا وبدلوا تحت ضغط ٔالاجر الدنيوي ‪ .‬وأما ٔالانبياء الكرام‬ ‫والصالحون منالدعاة إ"ى ﷲ فقد ثبتوا ع‪C‬ى معالم دعوž*م قاطع>ن طمع كل طامع ‪N‬ي أن‬ ‫يغ>‪x‬وا ما جاءوا به أو يبدلوﻩ‪.‬‬ ‫الخامسة ‪ :‬وإذا عرف الناس أن الداعية ال يلتمس منفعة دنيوية فإ‪*°‬م يتبينون صدق‬ ‫الداعية ‪N‬ي دعوته ‪ ،‬وينجذبون إ"ى الدعوة‪ .‬ومن هنا فقد كانت دعوة رسول ﷲ  أك¨‪x‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الدعواتتأث>‪x‬ا ‪ ،‬وأعمقها أثرا ‪N‬ي نفوس ٔالاتباع‪ .‬قال الحسن البصري ‪ :‬ال تزال كريما ع‪C‬ى‬ ‫الناس ما لم تعاط ما ‪N‬ي أيد‪*+‬م ‪ ،‬فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك‬ ‫وأبغضوك)‪.(168‬‬ ‫ومن لوازم غ‪ H¢‬الداعية عن الناس أن يكون ذا كسب من تجارة أو زراعة أو عمل أو وحرفة‪.‬‬ ‫كان أيوب السختياني يقول ألصحابه ‪ :‬الزموا السوق فإن العاقبة ‪N‬ي الغ‪ .(169)H¢‬وقد ُعرف‬ ‫أصحاب رسول ﷲ  والسلف الصالح بغناهم عن الناس‪ ،‬وذلك ملا كانوا عليه من‬ ‫الكسب‪ ،‬وما اتصفوا به من القناعة‪ .‬ولكن ينب‪ó‬ي أن ال يقود الكسب ـ كحاجة ـ إ"ى الحرص‪،‬‬ ‫وال إ"ى تضييع العمر ‪N‬ي جمع املال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قبوال عند الناس ُ‬ ‫فيع‪xy‬ون عن محب‪*¥‬م له بالهبات والصالت والخدمات‬ ‫وقد يجد الداعية‬ ‫والدعوات‪ ،‬وقبول الداعية ملثل هذﻩ ٔالامور يحط من دعوته ‪N‬ي أنظارالناس ‪ ،‬ف‪*j‬ون عل‪*j‬م ‪،‬‬ ‫)‪.215/17    (167‬‬ ‫)‪.20/3 K . 7? (168‬‬ ‫)‪.10/3 K . 7? (169‬‬ ‫‪59‬‬

‫ويصبحالداعية مرذول الطريقة مذموم الس>‪x‬ة‪ .‬والصادقون من الدعاة يعطون وال يأخذون‪،‬‬ ‫وهم أصحاب ٔالايدي العالية والنفوس الكب>‪x‬ة‪ ،‬ويدخل هذا تحت املروءة ال‪] ‹I‬ي عنصر من‬ ‫عناصر الشخصية املسلمة ن ُومكون من ُمكونات الثقة‪ .‬يقول املاوردي ‪ :‬واملروءة ]ي حلية‬ ‫النفوس وزينة الهمم)‪ .(170‬وال تكون املروءة إال ‪N‬ي العفة وال‪ÌÞ‬اهة والصيانة‪ .‬والعفة البعد عن‬ ‫املحارم واملآثم‪ .‬وال‪ÌÞ‬اهة البعد عن املطامع الذاتية‪ ،‬واملواقف املريبة‪ .‬وأما الصيانة فتكون‬ ‫بصيانة النفس عن تحمل امل‪Þ‬ن والاس™‪x‬سال ‪N‬ي الاستعانة بالخلق)‪.(171‬‬ ‫َ‬ ‫يقول املاوردي‪ :‬واملحتاج إلىالناس ك ﱡل ُمهتضم وذليل ُمستثقل)‪.(172‬‬ ‫ومما يجب أن يلتفت إليه أن الوظائف ال‪ُ ‹I‬يحبس عل‪*j‬ا صاح©*ا كالتعليم وٕالامامة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والخطابة إنما يأخذ ٔالاجر لكونه مشغوال ‪*o‬ا عن الاح™‪x‬اف والاكتساب وهذا جائز شرعا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويدخلفي ذلك أيضا مسئولية ٕالامامة العامة ووالية القضاء وكل ما كان من جنس هذﻩ‬ ‫ً‬ ‫الاعمال وكان محبوسا عل‪*j‬ا ‪.‬‬

‫القاعدة الرابعة عشر‬ ‫ّ‬ ‫املدعو عامل أساس ‪H‬ي كسبه‬ ‫التعرف ع‪f‬ى‬ ‫ليست الدعوة كما يظن بعد الدعاة أ‪*°‬ا كلمة تقال من أجل إبالغ العذر وإقامة الحجة؛‬ ‫ُويتوصل إل‪*j‬ا بأن ُيقال كل ‪‹ºà‬ء ‪N‬ي كل مكان و‪N‬ي أي زمان وألي إنسان‪ ،‬مهما كان ظرفه ‪،‬‬ ‫وال فرق ‪N‬ي ذلك ب>ن محزون ومسرور ومريض ومشغول وغ>‪x‬ﻩ‪ .‬وكأن الغاية ]ي إلقاء العبء‬ ‫وزرع البذر كيفهما اتفق ‪ ،‬والتوفيق بيد ﷲ تعا"ى‪ .‬وبالرغم من كون هذا ٔالامر دعوة ؛ إال أ‪*°‬ا‬ ‫دعوة ع‪C‬ى غ>‪ x‬بص>‪x‬ة ‪ ،‬والداعية مطاب بالبص>‪x‬ة مع الدعوة ‪ ،‬لقول ﷲ تعا"ى ‪  :‬قل هذﻩ‬ ‫سبي‪C‬ي أدعو إ"ى ﷲ ع‪C‬ى بص>‪x‬ة أنا ومن اتبع‪ .(173)  ‹¢‬ويقول ٕالامام الرازي ‪N‬ي تفس>‪x‬ﻩ ‪ :‬وهذا‬ ‫يدل ع‪C‬ى أن الدعاة إ"ى ﷲ تعا"ى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط‪ ،‬وهو أن يكون ع‪C‬ى‬ ‫بص>‪x‬ة مما يقول‪ ،‬وع‪C‬ى هدي ويق>ن)‪.(174‬‬ ‫)‪.306 / $ A; (170‬‬ ‫)‪.316/306 ,  / $ A; (171‬‬ ‫)‪.316 / $ A; (172‬‬ ‫)‪.108 :  ,   (173‬‬ ‫)‪.225/18    (174‬‬ ‫‪60‬‬

‫وهذﻩ البص>‪x‬ة تظهر ع‪C‬ى شكل أنواع من السلوك‪ ،‬وألوان من التصرف والتعامل ‪ ،‬وطرائق‬ ‫من الاختيار‪ ،‬تتقرر بعد معرفة املدعوين وإدراك أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية‬ ‫والفكرية والنفسية‪ ،‬ومما ال شك فيه أن التعامل مع املجهول شاق وصعب ‪N ،‬ي ح>ن أن‬ ‫التعامل مع املعروف يوفر الكث>‪ x‬من الجهد‪.‬‬ ‫وأول ما ينب‪ó‬ي معرفته أسماء املدعوين وكناهم وألقا‪*o‬م‪ ،‬وأن يخاط©*م الداعية بأحب‬ ‫ٔالاسماء إل‪*j‬م‪ ،‬وأن يتجنب ما يسوؤهم من ٔالالقاب والك‪ .H¢‬والداعية الناجح يعمل جهدﻩ‬ ‫ع‪C‬ى أن يذكر أسماء املدعوين‪ ،‬وإذا لم يرزق الذاكرة الحافظة فإن عليه أن يستحفظ‬ ‫ٔالاسماء‪ ،‬وقد يجد املدعو ‪N‬ي نفسه إذا تكرر نسيان الداعية السمه‪N ،‬ي ح>ن أن املدعو‬ ‫يفاجأ إذا خاطبه الداعية باسمه ويشعر باالهتمام والتقدير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإن معرفة ما يحبه املدعو وما يكرهه تجعل الداعية فق‪*j‬ا بلغة املدعو الخاصة‪ ،‬فهذا‬ ‫رسول ﷲ  ما أن يعلم حب أبي سفيان للفخر ح‪ HI‬يقول ‪" :‬من دخل دار أبي سفيان فهو‬ ‫آمن")‪ .(175‬وإذا بزعيم مكة الذي خرج للدفاع عن قاعدة الشرك يرجع ليحولها قاعدة‬ ‫َُ‬ ‫الحل ْيس بن علقمة ‪،‬‬ ‫لإلسالم‪ .‬و‪N‬ي صلح الحديبية يأمر الن´‹  بأن ُيعرض الهدي ‪N‬ي وجه‬ ‫سيد ٔالاحابيش ‪ ،‬الذي أرسلته قريش إ"ى رسول ﷲ ـ  ـ يقول ابن هشام ‪ ) :‬ثم بعثوا إليه‬ ‫َُ‬ ‫الحل ْيس بن علقمة ‪ ،‬وكان يومئذ سيد ٔالاحابيش ‪ ،‬فلما رآﻩ الن´‹  قال ‪ " :‬إن هذا من قوم‬ ‫يتألهون ـ أي يتعبدون ـ فأبعثوا الهدي ‪N‬ي وجهه ح‪ HI‬يراﻩ " فلما رأى الهدي يسيل عليه من‬ ‫عرض الوادي ‪N‬ي قالئدﻩ‪ ،‬وقد أكل أوبارﻩ من طول الحبس عن محله رجع إ"ى قريش ولم‬ ‫ً‬ ‫يصل إ"ى الرسول ﷲ  إعظاما ملا رأى ‪ ،‬فقال لهم ذلك ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬اجلس فإنما أنت‬ ‫أعرابي ال علم لك‪ ،‬فغضب عند ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬والهل ما ع‪C‬ى هذا‬ ‫ً‬ ‫حالفناكم ‪ ،‬وال ع‪C‬ى هذا عاقدناكم ‪ُ ،‬أي ﱡ‬ ‫صد عن بيت ﷲ من جاء معظما له ( )‪.(176‬‬ ‫وهاتان الحادثتان وغ>‪x‬هما كث>‪N x‬ي س>‪x‬ة الن´‹  شواهد ع‪C‬ى البص>‪x‬ة ال‪ ‹I‬جاء هذا الدين‬ ‫يؤكدها ‪N‬ي كل جزئياته‪ ،‬ويستطيع الداعية إذا أوتي مثل هذﻩ البص>‪x‬ة أن يكسب قلوب‬ ‫الناس‪ ،‬وأن يستفيد من طاقاž*م وجهودهم‪.‬‬ ‫والداعية الناجح يتعرف ع‪C‬ى أحوال الناس وأوضاعهم‪ ،‬وال تغيب عنه كث>‪ x‬من أمورهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفكرية والاجتماعية والنفسية ‪ ،‬ويعرف م‪ HI‬يكون املدعو مشغوال وم‪ HI‬يكون خاليا ‪ ،‬وهذﻩ‬ ‫)‪(175‬‬ ‫)‪(176‬‬ ‫‪61‬‬

‫املعرفة تأتي من خالل املعايشة والنشاط الاجتما‪µ‬ي ‪ ،‬فالداعية ال يضيع أية فرصة يمكنه‬ ‫من خاللها التعرف ع‪C‬ى املدعوين‪ ،‬ويجب أن تتم هذﻩ املعرفة بطريقة ال تث>‪ x‬انتباههم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن جوانب املعرفة الضرورية واملفيدة معرفة أوضاع املدعو الاقتصادية‪ ،‬فإن كان فق>‪x‬ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معوزا كانت مساعدته من أهم القضايا ال‪*ž ‹I‬م الداعية ‪ ،‬وإن كان مريضا كانت مواساته‬ ‫وإرشادﻩ إ"ى الطبيب املسلم من وظائف الداعية‪.‬‬ ‫وإن كان ‪N‬ي نزاع مع أقربائه أو ج>‪x‬انه أو زوجته كان الاصالح وجمع الشمل من اهتمامات‬ ‫الداعية‪ .‬وإن كان قد ُهضم حقه ‪N‬ي وظيفة أو عمل كان انصافه ونصرﻩ من طموحات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الداعية‪ .‬وإن كان مس™‪x‬شدا أو طالبا لنصيحة ‪N‬ي دين أو دنيا كان الداعية حاضرا لكل إرشاد‬ ‫ونصيحة ممكنة ‪ ،‬وإذا عجز عن ذلك فلن يحرم الداعية من نص>‪ x‬من إخوانه يسد العجز ‪،‬‬ ‫ويفرج الكربة‪.‬‬ ‫وحضور الداعية ‪N‬ي املناسبات من ٔالافراح ؤالاتراح ؤالاعياد يفتح له ميادين الدعوة‪ ،‬ويقدم‬ ‫ً‬ ‫له فرصا طبيعية لالتصال بالناس وكسب ُو ِ ّدهم‪ .‬وكم من سؤال عن الولد املريض جعل‬ ‫الوالد يفتح قلبه ويلقي بسمعه ويمد يدﻩ‪ .‬وكم من همسة ž*نئة بولد ُرزقه أو فوز حققه‬ ‫ً‬ ‫كانت سببا ‪N‬ي تحويل اتجاﻩ وتغي>‪ x‬قرار‪ .‬وال يعدم الداعية البص>‪ x‬من وسائل كث>‪x‬ة تساعدﻩ‬ ‫ع‪C‬ى كسب القلوب وتكث>‪ٔ x‬الانصار‪.‬‬

‫القاعدة الخامسة عشر‬ ‫املعاصرة ومعرفة البيئة العامة من أسباب نجاح الدعوة‬ ‫كلما تقدم الزمن ‪ ،‬واتسعت الحياة وتعقدت‪ ،‬كان الداعية أحوج إ"ى مزيد من املعارف‪.‬‬ ‫ويصبح من الضروري أن يتعرف الداعية ع‪C‬ى البيئة العامة‪ :‬الاجتماعية والاقتصادية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والسكانية والسياسية‪ .‬والداعية ٔالاوسع اطالعا هو ٔالاقوى أثرا ‪N‬ي الغالب وملا كان الداعية‬ ‫يقوم بدور قيادي ‪N‬ي املجتمع فإن أفراد هذا املجتمع يتوقعون أن يجدوا عند الداعية ثقافة‬ ‫واسعة‪ ،‬ومعارف متنوعة املستوى املح‪C‬ي والعالم‹ ‪.‬‬ ‫ومعرفة البيئة العامة تساعدالداعية ع‪C‬ى الاستفادة من فرص البيئة‪ ،‬وتساعدﻩ كذلك ع‪C‬ى‬ ‫الاستفادة من البيئة املحلية والعاملية؛ فها هو رسول ﷲ  ينظر ‪N‬ي الدول املعاصرة فيجد‬ ‫ٔالامن والطمأنينة عند النجا‪N ‹ºà‬ي الحبشة‪ ،‬وإن كان ذلك بو«ي من ﷲ تعا"ى‪ ،‬فإن ع‪C‬ى‬ ‫‪62‬‬

‫الداعية أن يبذل جهدﻩ ملعرفة معطيات الزمان واملكان والسكان‪ .‬ومما ال شك فيه أن كل‬ ‫بيئة لها مم>‪Ì‬اž*ا ومتطلباž*ا‪ .‬فالبيئة الصحراوية غ>‪ x‬البيئة القروية‪ ،‬والبيئة القروية غ>‪x‬‬ ‫البيئة الحضرية‪ ،‬والبيئة التجارية غ>‪ x‬الصناعية والزراعية‪.‬‬ ‫والداعية اليوم يعيش ‪N‬ي عالم إسالمي م™‪x‬امي ٔالاطراف‪ ،‬وال يخلو قطر من أقطارﻩ من‬ ‫مشكلة مزمنة‪ ،‬و‪N‬ي نفس الوقت فإنه ال يخلو قطر من أسباب القوة واملنعة لإلسالم‬ ‫واملسلم>ن‪ .‬ثم إن العمل ٕالاسالمي ‪N‬ي هذﻩ ٔالارجاء املتباعدة أخذ يتجه إ"ى الوحدة والتعاون‪،‬‬ ‫ومن أجل ذلك فالبد من املعرفة الواسعة ‪*o‬ذا العالم‪.‬‬ ‫والداعية يعيش ‪N‬ي عالم مقسم ب>ن مراكز النفوذ الدو"ي إ"ى مناطق امتياز‪ ،‬ويؤثر هذا ٔالامر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ع‪C‬ى العالم ٕالاسالمي وع‪C‬ى الدعوة ٕالاسالمية سلبا وإيجابا‪ ،‬ولذلك فالبد من معرفة كيف‬ ‫يدور الصراع وكيف يقسم النفوذ ب>ن الدول‪.‬‬ ‫والداعية يعيش ‪N‬ي عالم تتصارع فيه ٔالافكار والتيارات والفلسفات‪ ،‬ؤالافكار فيه سريعة‬ ‫التقلب والتغ>‪ .x‬والعالم ٕالاسالمي يتلقى عن الغرب والشرق بال اح™‪x‬اس‪ ،‬و‪N‬ي ‪*°‬اية املطاف‬ ‫يجد الداعية نفسه أمام هذﻩ ٔالافكار‪ .‬وما كان يمكن تجاهله ‪N‬ي عصر صعوبة الحركة‬ ‫والانتقال‪ ،‬أصبح ال يمكن تجاهله ‪N‬ي عصر املحطات الفضائية ؤالاقمار الصناعية‪.‬‬ ‫والداعية يعيش ‪N‬ي عصر املخ™‪x‬عات العلمية املتطورة‪ ،‬وم‪*w‬ا ما يفيدﻩ ‪N‬ي دعوته وم‪*w‬ا ما‬ ‫يعوق دعوته‪ .‬والداعية الناجح يكتسب من مخ™‪x‬عات عصرﻩ ما ينفعه ‪ ،‬ويتقي ما يضرﻩ‪.‬‬ ‫وال يقف الداعية مكتوف اليدين أمام الطبيعة‪ ،‬بل يعت‪xy‬ها مسخرة من ﷲ لخدمته‬ ‫ولنصرة دعوته‪ ،‬وهذﻩ النصرة ال تأتي إال بعد معرفة هذﻩ الطبيعة عن كثب‪ ،‬من حيث‬ ‫بحارها وأ‪*°‬ارها وجبالها وترا‪*o‬ا وماؤها ّ‬ ‫وحرها وبردها‪.‬‬ ‫والداعية يعيش وسط كتلة بشرية ذات مذاهب ش‪ ،HI‬م‪*w‬ا البعيد وم‪*w‬ا القريب‪ ،‬وم‪*w‬ا‬ ‫املعادي وم‪*w‬ا املسالم ‪ ،‬لذا كان البد من معرفة هذﻩ الفرق معرفة علمية موضوعية‪ ،‬توقف‬ ‫الداعية ع‪C‬ى حجم كل مذهب وتأث>‪x‬ﻩ‪ ،‬وتوقفه ع‪C‬ى تاريخ نشوئه وأهافه ووسائله‪.‬‬ ‫ٔالامر الذي يوصل الداعية إ"ى بر ٔالامان والسالمة والنجاح له ولدعوته‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫القاعدة السادسة عشر‬ ‫‪H‬ي الفرق والفƒن والعزلة والجماعة‬ ‫إن من أعظم العقبات ‪N‬ي طريق الدعوة والدعاة أن تختلط ٕالافهام وتغيب الحقائق أمام‬ ‫النصوص املتعارضة والتأويالت املختلفة واملفاهيم املتناقضة‪ ،‬فيتيه املسلم ب>ن الفرقة‬ ‫ُ‬ ‫الهالكة والناجية‪ ،‬وب>ن العزلة والخلطة‪ ،‬وب>ن الفتنة ال‪ ‹I‬يفرد م‪*w‬ا والفتنة ال‪ ‹I‬يبادرها‬ ‫بالهجوم واملقاومةن وب>ن العمل الفردي والعمل الجما‪µ‬ي‪ ،‬وي™‪x‬تب ع‪C‬ى كل فهم من هذﻩ‬ ‫املفاهيم أعمال ومناهج‪ .‬ولتخليص هذﻩ املفاهيم من التعارض والاختالط كانت هذﻩ‬ ‫القاعدة وأدعو القارئ الكريم إ"ى تأملها ‪.‬‬ ‫إن الناظر ‪N‬ي تاريخ هذﻩ ٔالامة يجدها قد مرت ‪N‬ي حال>ن عظيم>ن ‪:‬‬ ‫حال الانتصار والتمك>ن‪:‬‬ ‫حيث وقفت هذﻩ ٔالامة ‪N‬ي مواجهة أعدا•*ا مجتمع>ن ومتفرق>ن‪ ،‬وكانت تخرج من كل معركة‬ ‫منتصرة ظافرة‪ ،‬وعدوها مدحور مقهور‪.‬‬ ‫حال الهزيمة والا‪*°‬يار‪:‬‬ ‫ﱠ‬ ‫وكان هذا الحال يوم ا‪*°‬ارت حصوننا من الداخل‪ ،‬وتغلب ع‪C‬ى ٔالامة نفر من أبنا•*ا مقوا‬ ‫كيا‪*°‬ا الداخ‪C‬ي ونظامها الخاري ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يقوض وحدة‬ ‫وقد أخ‪xy‬نا الن´‹  عن هذا الخطر الداهم‪ ،‬وجعله السبب ٔالاعظم الذي ِ‬ ‫ٔالامة وكيا‪*°‬ا‪ ،‬فعن ثوبان ـ ري ﷲ عنه ـ قال‪ :‬قال رسول ﷲ  " إن ﷲ زوى "ي ٔالارض‬ ‫فرأيت مشارقها ومغار‪*o‬ا‪ ،‬وإن أم‪ ‹I‬سيبلغ ملكها ما ُزوي "ي م‪*w‬ا‪ ،‬وأعطيت الك‪ÌÞ‬ين ٔالاحمر‬ ‫ً‬ ‫ؤالابيض‪ ،‬وإن سألت ربي ألم‪ ‹I‬أن ال ‪*+‬لكها ِب َس َن ٍة عامة‪ ،‬وأن ال ُيسلط عل‪*j‬م عدوا من‬ ‫ً‬ ‫قضاء فإنه ال يرد‪،‬‬ ‫سوى أنفسهم فيستبيح بيض‪*¥‬م‪ ،‬وإن ربي قال‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إني إذا قضيت‬ ‫ً‬ ‫وإني أعطيتك ألمتك أن ال أهلكهم ِب َس َن ٍة عامة‪ ،‬وأن ال أسلط عل‪*j‬م عدوا من سوى‬ ‫أنفسهم‪ ،‬يستبيح بيض‪*¥‬م ‪ ،‬ولو اجتمع عل‪*j‬م من بأقطارهاـ أو قال من ب>ن أقطارهاـ ح‪HI‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يكون بعضهم ُ‪*+‬لك بعضا‪ ،‬ويس´‹ بعضهم بعضا " )‪ .(177‬و‪N‬ي رواية ابن حبان‪ " :‬وسألته أن ال‬ ‫ً‬ ‫يلبسنا شيعا فمنعن‪*j‬ا")‪.(178‬‬ ‫)‪(177‬‬

‫?> !‪(2215/4) 67‬‬

‫)‪.(453 C ) 4!EI7 / ? / O ]T /^!J  ! (178‬‬ ‫‪64‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعند ابن ماجة رواية أتم‪ " :‬وإني سألت ﷲ عز وجل ثالثا‪ :‬أن ال يسلط ع‪C‬ى أم‪ ‹I‬جوعا‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫قضيت‬ ‫ف‪*j‬لكهم به عامة‪ ،‬وأن ال يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض‪ ،‬وإنه قيل "ي ‪ :‬إذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قضاء فال مرد له‪ ،‬وإني لن أسلط ع‪C‬ى أمتك جوعا ف‪*j‬لكهم فيه‪ ،‬ولن أجمع عل‪*j‬م من ب>ن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أقطارها ح‪ُ HI‬يف‪ ‹¢‬بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا‪ .‬وإذا وضع السيف ‪N‬ي أم‪ ‹I‬فلن يرفع‬ ‫ع‪*w‬م إ"ى يوم القيامة‪ .‬وإن مما أتخوف ع‪C‬ى أم‪ ‹I‬أئمة مضل>ن‪ .‬وستعبد قبائل من أم‪‹I‬‬ ‫ً‬ ‫ٔالاوائل‪ .‬وستلحق قبائل من أم‪ ‹I‬باملشرك>ن‪ ،‬وإن ب>ن يدي الساعة دجال>ن كذاب>ن قريبا من‬ ‫ثالث>ن كلهم يزعم أنه ن´‹‪ ،‬ولن تزال طائفة من أم‪ ‹I‬ع‪C‬ى الحق منصورين ال يضرهم من‬ ‫خالفهم ح‪ HI‬يأتي أمر ﷲ عز وجل")‪.(179‬‬ ‫وكانت الفرقة ال‪ ‹I‬فصل الن´‹ ص‪C‬ى ﷲ عليه وسلم أخبارها أعظم ما ابتليت به ٔالامة وامللة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فأصبحت ٔالامة أمما وامللة ملال‪.‬‬ ‫ولقد كشفت السنة جوانب كث>‪x‬ة من مستقبل ٔالامة من باب ٕالاخبار والتحذير وبيان الداء‬ ‫والدواء ‪ ،‬وهذا فتح من الغيب أكرم ﷲ تعا"ى به نبيه  زيادة ‪N‬ي ٔالاعذار لألمة وٕالاشفاق‬ ‫عل‪*j‬ا‪ .‬وملا كانت هذﻩ ٔالاخبار جملة غ>‪ x‬مفرقة ع‪C‬ى ٔالاحداث والعصور فقد رأيت ‪N‬ي ضوء‬ ‫النسق التاريي والواقع البشري أن أحاول نظمها من جهة ‪ ،‬وفهم مصطلحاž*ا من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وسأتناول أحاديث الفرق ؤالاهواء مبينا معاني الفتنة والعزلة والجماعة‪:‬‬ ‫وإن أجمع حديث ‪N‬ي هذا الباب ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان‬ ‫ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه قال ‪ :‬كان الناس يسألون رسول ﷲ ص‪C‬ى عن الخ>‪ ، x‬وكنت أسأله عن الشر‬ ‫مخافة أن ُيدرك‪ ،‹¢‬فقلت‪ :‬يا رسول ﷲ‪ ،‬إنا كنا ‪N‬ي جاهلية وشر فجاءنا ﷲ ‪*o‬ذا الخ>‪ ،x‬فهل‬ ‫َ‬ ‫بعد هذا الخ>‪ x‬من شر؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت ‪ :‬وهل بعد ذلك من خ>‪x‬؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وفيه دخن‪.‬‬ ‫قلت‪:‬وما دخنه قال ‪ :‬قوم ‪*+‬دن بغ>‪ x‬هديي‪ ،‬تعرف م‪*w‬م وتنكر‪ ،‬قلت ‪ :‬فهل بعد ذلك الخ>‪x‬‬ ‫من شر؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬دعاة ع‪C‬ى أبواب جهنم من أجا‪*o‬م إل‪*j‬ا قذفوﻩ ف‪*j‬ا‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ﷲ‬ ‫‪ ،‬صفهم لنا‪ ،‬قال ‪ :‬هم من جلدتنا‪ ،‬ويتكلمون بألسنتنا‪ ،‬قلت‪ :‬فما تأمرني إن أدرك‪ ‹¢‬ذلك؟‬ ‫قال‪ :‬تلزم جماعة املسلم>ن وإمامهم‪ .‬قلت ‪ :‬فإن لم يكن لهم جماعة وال إمام؟ قال ‪ :‬فاع™‪Ì‬ل‬ ‫تلك الفرق كلها‪ ،‬ولو أن تعض بأصل شجرة ح‪ HI‬يدركك املوت وأنت ع‪C‬ى ذلك)‪.(180‬‬ ‫)‪.(1304/2) 9 ! / /$ (179‬‬ ‫)‪(180‬‬

‫?> ‪.(35/13)   >5 /!  :‬‬ ‫‪65‬‬

‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وروي هذا املع‪ H¢‬مفصال ‪N‬ي حديث آخر ‪ ،‬فعن أبي عامر عبد ﷲ بن ل‪ê‬ي قال‪ :‬حججنا مع‬ ‫معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام ح>ن ص‪C‬ى صالة الظهر‪ ،‬فقال ‪ :‬إن رسول ﷲ‬ ‫ قال‪ :‬إن أهل الكتاب اف™‪x‬قوا ‪N‬ي دي‪*w‬م ع‪C‬ى اثنت>ن وسبع>ن ملة ـ يع‪N ‹¢‬ي ٔالاهواء ـ كلها ‪N‬ي‬ ‫النار إال واحدة‪ ،‬و]ي الجماعة ‪ .‬وإنه سيخرج ‪N‬ي أم‪ ‹I‬أقوام تجارى ‪*o‬م تلك ٔالاهواء كما‬ ‫ََ‬ ‫يتجارى الكل ُب بصاحبه‪ ،‬ال يبقى منه عرق وال مفصل إال دخله ‪ ،‬وﷲ يا معشر العرب ل‪í‬ن‬ ‫لم تقوموا بما جاء به نبيكم لغ>‪x‬كم من الناس أحرى أن ال يقوم به)‪.(181‬‬ ‫و ُروي ‪N‬ي مع‪ H¢‬هذا الحديث من طريق أبي هريرة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه قال ‪ " :‬اف™‪x‬قت ال‪*j‬ود ع‪C‬ى‬ ‫إحدى أو اثنت>ن وسبع>ن فرقة‪ ،‬وتفرقت النصارى ع‪C‬ى إحدى أو اثنت>ن وسبع>ن فرقة‪،‬‬ ‫وتف™‪x‬ق أم‪ ‹I‬ع‪C‬ى ثالث وسبع>ن فرقة" رواﻩ أبو داود)‪ ،(182‬وأخرجه ال™‪x‬مذي وقال ‪ :‬حسن‬ ‫صحيح)‪.(183‬‬ ‫ويستفاد من هذﻩ ٔالاحاديث وما يؤيدها من ٔالاحاديث‪ :‬التحذير من وقوع ٔالامة ‪N‬ي حبائل‬ ‫الفرقة والشتات‪ ،‬والسيما إذا كانت الفرقة ناشئة عن اختالف العقائد ؤالاصول‪ ،‬فهذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫بصلة‪.‬‬ ‫النوع من الفرقة ين‪ِ ºÜ‬ملال وأديانا‪ ،‬ويخرج من ٔالامة الواحدة أمما ال تمت إ"ى سلفها ِ‬ ‫وال يدخل ‪N‬ي الفرقة ذلك الاختالف ‪N‬ي الفروع وتعدد الاج‪*¥‬ادات‪ .‬وال تدخل ‪N‬ي ذلك مذاهب‬ ‫الفقه ما دام أصحا‪*o‬ا يتحرون الدليل ويتفقون ع‪C‬ى ٔالاصول‪.‬‬ ‫وال يقال وال ينب‪ó‬ي أن ُيقال‪ ،‬إن أصحاب املذاهب ٔالاربعة ‪ ،‬أو غ>‪x‬هم‪ ،‬ع‪C‬ى الحق ومن‬ ‫عداهم ع‪C‬ى الباطل ‪ ،‬وإ‪*°‬م ناجون وغ>‪x‬هم هالك‪ .‬والضابط ‪N‬ي هذا ما ذكرﻩ البغدادي ‪N‬ي‬ ‫كتاب الفرق ب>ن الفرق ‪ ) :‬إن أمة ٕالاسالم تجمع املقرين بحدوث العالم‪ ،‬وتوحيد صانعه‪،‬‬ ‫وصفاته‪ ،‬وعدله‪ ،‬وحكمته‪ ،‬ونفي التشبيه عنه‪ ،‬وبنبوة محمد  ورسالته إ"ى الكافة ‪،‬‬ ‫وبتأييد شريعته‪ ،‬وبأن كل ما جاء به حق‪ ،‬وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة ‪ ،‬وأن الكعبة‬ ‫ُ‬ ‫]ي القبلة ال‪ ‹I‬تجب الصالة إل‪*j‬ا‪ ،‬فكل من اقر بذلك ولم َيش ْب ُه ببدعة تؤدي إ"ى الكفر فهو‬ ‫الس‪ ‹¢‬املوحد( )‪.(184‬‬ ‫قال ٕالامام ابن تيمية‪ :‬فأما من كان ‪N‬ي قلبه ٕالايمان بالرسول ما جاء به‪ .‬وقد غلط ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫بعض ما تأويله من البدع فهذا ليس بكافر أصال‪ ،‬والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة‬ ‫)‪(102/4) !?; 6 !@ $! (181‬‬ ‫)‪.(4/5)  4; /$ (182‬‬ ‫)‪.(25/5)  ! 7 >?  N! 9 (183‬‬ ‫)‪_ /   (184‬‬ ‫  ‪.(13C) M &  D‬‬ ‫‪66‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقتاال لألمة وتكف>‪x‬ا لها‪ ،‬ولم يكن ‪N‬ي الصحابة من يكفرهم ال ع‪C‬ي بن أبي طالب وال غ>‪x‬ﻩ‪،‬‬ ‫بل حكموا ف‪*j‬م بحكمهم ‪N‬ي املسلم>ن الظامل>ن‪ .‬ثم قال ‪ :‬ومن قال‪ :‬إن الثنت>ن والسبع>ن‬ ‫ً‬ ‫فرقة كل واحد م‪*w‬م يكفر كفرا ينقل عن امللة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة‬ ‫ـ رضوان ﷲ عل‪*j‬م ـ بل وإجماع ٔالائمة ٔالاربعة وغ>‪ٔ x‬الاربعة)‪.(185‬‬ ‫وجاء ‪N‬ي العقيدة الطحاوية وشرحها‪ ) :‬ونسم‹ أهل قبلتنا مسلم>ن مؤمن>ن ما داموا بما جاء‬ ‫به الن´‹ مع™‪x‬ف>ن ‪ ،‬وله بكل ما قاله وأخ‪ xy‬مصدق>ن‪ .‬ثم قال الشارح‪ :‬املراد بقوله أهل‬ ‫قبلتنا‪ :‬من يد‪µ‬ي ٕالاسالم ويستقبل الكعبة‪ ،‬وإن كان من أهل ٔالاهواء‪ ،‬أو من أهل املعا‪(‹ºú‬‬ ‫)‪.(186‬‬ ‫وما ذهب إليه ابن حجر من القول ‪ ) :‬والدعاة ع‪C‬ى أبواب جهنم من قام ‪N‬ي طلب امللك من‬ ‫الخوارج وغ>‪x‬هم( )‪ .(187‬أمر غ>‪ x‬مسلم ‪ ،‬فالخوارج واملع™‪Ì‬لة واملرجئة وأمثالهم متأولون‪ ،‬أق‪Hºø‬‬ ‫ما يوصفون به أ‪*°‬م مبتدعة ولم ُيخرجهم علماؤنا من امللة ‪ ،‬ولم يقولوا ‪ :‬إ‪*°‬م من أهل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫النار‪ ،‬فيما عدا أولئك الغالة الذين أحلوا املحرمات‪ ،‬أو عبدوا عليا أو اتخذوا لهم نبيا غ>‪x‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫محمد  ‪ ،‬كما فعلت القاديانية‪ ،‬أو جعلوا لهم كتابا غ>‪ x‬القرآن الكريم‪ ،‬أو أنكروا معلوما‬ ‫من الدين بالضرورة)‪.(188‬‬ ‫وإنما املقصود تلك املذاهب الضالة ال‪ ‹I‬هدمت أركان ٕالايمان وقوضت دعائم ٕالاسالم‪،‬‬ ‫وخربت عقائدﻩ ونظمه‪ ،‬وتبنت ٕالالحاد ودعت الناس إليه‪ ،‬وأطلقت ع‪C‬ى املنكرات أسماء‬ ‫براقة لتجعلها مألوفة‪ ،‬وأحلت ما ﱠ‬ ‫حرم ﷲ تعا"ى‪ ،‬وحرمت ما أحل‪ ،‬وعطلت أكام القرآن‬ ‫ً‬ ‫الكريم وسنة الن´‹  وأعلنت ع‪C‬ى أهل ٕالايمان حربا شعواء‪ ،‬ورمت كل مؤمن ب‪*¥‬مة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الجمود والرجعية‪ ،‬واتخذت لها أصوال يرفضها ٕالاسالم جملة وتفصيال ‪ ،‬وتراها توقر ما‬ ‫حقرﻩ ﷲ تعا"ى ‪ ،‬وتحقر ما وقرﻩ‪ ،‬فتعت‪ٔ xy‬الاسود العن»‪ ‹º‬املتن´ الكذاب رجل ثورة وإصالح‪،‬‬ ‫وتجعل من القرامطة والحشاش>ن والزنج وأتباع بابك حركات تقدم وتحرير‪.‬‬ ‫وهذﻩ املذاهب م‪*w‬ا القديم ‪ ،‬وكث>‪ x‬م‪*w‬ا حديث ‪ ،‬فالسبأية والقرامطة وٕالاسماعيلية فرق‬ ‫ً‬ ‫ضالة عاثت ‪N‬ي ٔالارض ٕالاسالمية فسادا‪ ،‬ونقضت ]ي وأمثالها ٕالاسالم من أصوله‪،‬وادعت‬ ‫إلهية البشر من دون ﷲ تعا"ى‪ .‬ثم ظهرت البابية والقاديانية وال©*ائية‪ ،‬ولكل واحدة من هذﻩ‬ ‫)‪.(217/7) ! / H 5 (185‬‬ ‫)‪.(313C)  ?J D < = (186‬‬ ‫)‪.(36/13) 9? /W   >5 (187‬‬ ‫)‪.(114/2) 6? /W 1?$ 17! 45 1  (188‬‬ ‫‪67‬‬

‫الفرق كتاب غ>‪ x‬القرآن الكريم ون´‹ غ>‪ x‬محمد ‪ .‬ثم ظهرت فرق إلحادية ال تؤمن بدين‬ ‫كالشيوعية واملاسونية وما تفرع ع‪*w‬ما من املذاهب والاتجاهات‪.‬‬ ‫وأخطر من هذا كله استالم بعض الفرق الضالة الزعامة السياسية والفكرية فقد أشار‬ ‫الحديث الذي رواﻩ حذيفة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه إ"ى حالت>ن‪:‬‬ ‫الحالة ٔالاو"ى‪:‬‬ ‫خ>‪ x‬وفيه دخن‪ .‬قلت ‪ :‬وما دخنه؟ فقال ‪ :‬قوم ‪*+‬دون بغ>‪ x‬هديي تعرف م‪*w‬م وتنكر‪ .‬وإن‬ ‫الناظر ‪N‬ي تاريخ املسلم>ن ل>‪x‬ى هذﻩ املراحل ال‪ ‹I‬تتم>‪ Ì‬كل مرحلة م‪*w‬ا ع‪C‬ى سابق‪*¥‬ا والحق‪*¥‬ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فقد بدأ ٕالاسالم غريبا ‪N‬ي مكة‪ ،‬ثم عم خ>‪x‬ﻩ وعلت كلمته ‪N‬ي عهد النبوة والخالفة الراشدة‪،‬‬ ‫ثم وقعت الفتنة ‪ ،‬ثم استقر ٔالامر لب‪ ‹¢‬أمية ‪ ،‬واستقرت الدولة‪ ،‬وامتدت الفتوح‪ ،‬وانتشر‬ ‫ُ‬ ‫واستمدت ٔالاحكام من شريعته‪ ،‬وهذا الخ>‪x‬‬ ‫ٕالاسالم‪ ،‬وقامت سياسة الدولة ع‪C‬ى ٕالاسالم‪،‬‬ ‫فيه دخن ) والدخن الكدورة إ"ى السواد‪ ،‬فالدخن ‪N‬ي الدابة عندما ال يصفو لو‪*°‬ا بل يكدرﻩ‬ ‫‪‹ºà‬ء من السواد‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬تكون القلوب هكذا‪ ،‬ال يصفو لو‪*°‬ا بل يكدرﻩ ‪‹ºà‬ء من‬ ‫)‪(189‬‬ ‫السوادـ وقال أبو عبيدة ‪ :‬تكون القلوب هكذا ‪ ،‬ال يصفو بعضها لبعض وال ينصع ح©*ا(‬ ‫فأما الخ>‪ x‬فهو عودة ٔالامة إ"ى وحدž*ا‪ ،‬واستمرار روح الجهاد‪ ،‬والاحتكام للشريعة ‪N‬ي‬ ‫الشؤون املختلفة‪ ،‬والدخن الذي خالط هذا الخ>‪ x‬ما كان عليه الحكم من تعطيل ملبدأ‬ ‫الشورى‪ ،‬وتبديد للمال وٕالاسراف فيه‪ ،‬وما كان يصيب ٔالامة من املظالم وسفك الدماء‬ ‫بسبب املذهب واملعتقد‪ .‬وبقي حال املسلم>ن ع‪C‬ى هذا النحو‪ ،‬خ>‪ x‬وفيه دخن‪ ،‬إ"ى أن دالت‬ ‫دولة ٕالاسالم‪ ،‬وقامت دول علمانية أو قريبة من العلمانية‪ ،‬وكانت أحكام ٕالاسالم قبل ذلك‬ ‫سائدة رغم ظهور بعض املنكرات ال‪ ‹I‬لم تصبغ املجتمع بصبغ‪*¥‬ا‪ ،‬وكان ٔالامر باملعروف‬ ‫والن·‹ عن املنكر يؤدي دورﻩ ‪N‬ي املجتمع‪.‬‬ ‫الحالة الثانية ‪:‬‬ ‫دخل املسلمون ‪N‬ي ش‪ HI‬بالدهم ‪N‬ي مرحلة جديدة سيطرت ف‪*j‬ا ثقافة الغرب وأخالقه‬ ‫ُ‬ ‫وانتشرت التيارات ٕالالحادية‪ ،‬وغزت مؤسسات الدولة‪ُ ،‬وبدلت الثقافة‪،‬وغ ِّ>‪x‬ت مفاهيم‬ ‫الحياة‪ .‬وكان دعاة هذا التغي>‪ x‬من أبناء ٔالامة يتكلمون بلغ‪*¥‬ا‪ ،‬وينتسبون إل‪*j‬ا‪ .‬وقدانقسم‬ ‫هؤالء الدعاة إ"ى شيع وأحزاب وملل ش‪ .HI‬وهذا ما أشار إليه حديث حذيفة‪ :‬قلت‪ :‬فهل بعد‬

‫)‪.(17/6) 3$! /W A D /  (189‬‬ ‫‪68‬‬

‫ذلك الخ>‪ x‬من شر؟ قال‪ :‬نعم دعاة ع‪C‬ى أبواب جهنم ‪ ،‬من أجا‪*o‬م إل‪*j‬ا قذفوﻩ ف‪*j‬ا‪ .‬قلت‪ :‬يا‬ ‫رسول ﷲ‪ ،‬صفهم لنا‪ ،‬قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا‪.‬‬ ‫قال ابن حجر‪ ) :‬أي من قومنا ‪ ،‬ومن أهل لساننا وملتنا إشارة إ"ى أ‪*°‬م العرب ( )‪ .(190‬وهذا‬ ‫من أعالم النبوة ومعجزاž*ا‪ ،‬حيث أخ‪ xy‬الحديث عن ظهور هذﻩ الفرق‪ ،‬وفيه إشارة إ"ى‬ ‫القوميات ال‪ ‹I‬انتشرت ‪N‬ي العالم ٕالاسالمي‪ ،‬واتخذت من العرق واللغة أساس>ن للتجمع‬ ‫والانتماء‪.‬‬ ‫ووصل ٔالامر ‪N‬ي كث>‪ x‬من ٔالاقطار إ"ى أن تمتطي هذﻩ ٔالاهواء جماه>‪ x‬الشعوب‪ ،‬مدعية أن‬ ‫الشعوب ]ي ال‪ ‹I‬تختار طريقها‪ ،‬وظهرت مصطلحات‪ :‬الجماه>‪ ،x‬والطبقة الكادحة‪ ،‬وٕالارادة‬ ‫الشعبية‪ ،‬ونفذت سياسات ضرب القيم ٕالاسالمية ‪*o‬ذا الطريق‪ .‬وهذﻩ أشد الف™ن وأعتاها‬ ‫حيث استطاع دعاة الباطل أن يتس™‪x‬وا باإلرادة الشعبية‪ ،‬ولعل هذﻩ الفتنة وأعتاها حيث‬ ‫استطاع دعاة الباطل أن يتس™‪x‬وا باإلرادة الشعبية‪ ،‬ولعل هذﻩ الفتنة ]ي فتنة الدهماء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال‪ ‹I‬ذكرت ‪N‬ي الحديث الذي أخرجه أبو داد وذكر فيه فتنا أربعا‪ ،‬ومنه‪ " :‬ثم فتنة الدهيماء‬ ‫ً‬ ‫ال تدع أحدا من هذﻩ ٔالامة إال لطمته لطمة‪ ،‬فإذا قيل انقضت تمادت ‪ ،‬يصبح الرجل ف‪*j‬ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤمنا ويم»‪ ‹º‬كافرا ‪ ،‬ثم يص>‪ x‬الناس إ"ى فسطاط>ن ‪ :‬فسطاط إيمان ال نفاق فيه‪،‬‬ ‫وفسطاط نفاق ال إيمان فيه")‪.(191‬‬ ‫وقد تغلغلت هذﻩ ٔالاهواء بأصحا‪*o‬ا كما أخ‪ xy‬الحديث الذي يرويه معاوية ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪" :‬‬ ‫تجاري ‪*o‬م تلك ٔالاهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ال يبقى منه عرق وال مفصل إال دخله "‬ ‫قال الشاط´‹ ‪ ) ،‬ت ‪ ) : (790‬مع‪ H¢‬هذﻩ الرواية أنه عليه الصالة والسالم أخ‪ xy‬بما يكون ‪N‬ي‬ ‫ُ‬ ‫أمته من هذﻩ ٔالاهواء ال‪ ‹I‬اف™‪x‬قوا ف‪*j‬ا إ"ى تلك الفرق‪ ،‬وأنه يكون ف‪*j‬م أقوام تداخل تلك‬ ‫ٔالاهواء قلو‪*o‬م ح‪ HI‬ال يمكن ‪N‬ي العادة انفصالهم ع‪*w‬ا وتوب‪*¥‬م م‪*w‬ا‪ ،‬ع‪C‬ى حد ما يداخل داء‬ ‫ََ‬ ‫الكلب جسم صاحبه ال يبقى من ذلك الجسم جزء من أجزائه وال مفصل وال غ>‪x‬هما إال‬ ‫دخله ذلك الداء ‪ ،‬وهو جرييان ال يقبل العالج وال ينفع فيه الدواء( )‪.(192‬‬ ‫أما إحصاء هذﻩ الفرق وامللل‪ ،‬فقد حاول بعض العلماء حصرها كما فعل البغدادي )ت‬ ‫‪ 429‬هـ ‪1038 /‬م( ‪N‬ي كتاب الفرق فقال ‪ ) :‬فهذﻩ الجملة ال‪ ‹I‬ذكرناها تشتمل ع‪C‬ى ثنت>ن‬ ‫)‪.(36/13) 9? /W   >5 (190‬‬ ‫)‪.(443/5)  4; /$ (191‬‬ ‫)‪.(154/2) 4J =7 6 -W (192‬‬ ‫‪69‬‬

‫وسبع>ن فرقة ‪ ،‬م‪*w‬ا عرون روافض‪ ،‬وعشرون خوارج‪ ،‬وعشرون قدرية ‪ ،‬وعشرون مرجئة‪،‬‬ ‫وثالث نجارية ‪ ،‬وبكرية ‪ ،‬وضرارية‪ ،‬وجهمية ‪ ،‬وكرامية ‪ ،‬فهذﻩ اثنتان وسبعون فرقة( )‪.(193‬‬ ‫ولكن هذا ٕالاحصاء ال يسلم ‪ ،‬وعليه مآخذ‪:‬‬ ‫ٔالاو"ى‪ :‬أنه خلط ب>ن الفرق الخارجة عن ٕالاسالم وب>ن الداخة فيه‪.‬‬ ‫الثاني ‪:‬أنه يتكلم عن الفرق ح‪ HI‬عصرﻩ‪ ،‬وكأن عجلة الزمن قد توقفت ولم تنشأ فرق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدة‪ ،‬علما بأن فرقا كث>‪x‬ة نشأت بعد البغدادي ولو عايشها ألدخلها ‪N‬ي حسابه ‪ .‬وينب‪ó‬ي‬ ‫ً‬ ‫أن ي™‪x‬ك الشراح واملفسرون نصيباص كب>‪x‬ا لألحداث الواقعية ال‪ ‹I‬تفسر النص وتشريحه‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنه ذكر ما يزيد عن تسع>ن فرقة‪ ،‬ثم قال فهذﻩ ثنتان وسبعون فرقة‪.‬‬

‫)‪.F 5 95 ]T 1  $& D /; 3?2 (25 C) M  &  D   /   (193‬‬ ‫‪70‬‬

‫موقف املسلم من هذﻩ الفرق ‪:‬‬ ‫أما موقف املسلم من هذﻩ الفرق فذو شق>ن سل´‹ وإيجابي‪ .‬أما السل´‹ فعليه أن يع™‪Ì‬ل هذﻩ‬ ‫الفرق الضالة ح‪ HI‬ال يصيبه الداء الذي أصاب أهله؛ وألن مخالط‪*¥‬م مخالطة أهل النار‬ ‫ودعاž*ا‪ .‬وأما ٕالايجابي فالبحث عن جماعة املسملون والاعتصام ‪*o‬ا‪.‬‬ ‫وليست العزلة عزلة الخروج من املجتمع إ"ى ال‪xy‬اري والقفار وقمم الجبال؛ ألن هذا النوع‬ ‫من العزلة يعطي الفرصة ألصحاب ٔالاهواء كي يعمموها ويشيعوها ‪N‬ي املجتمع ‪ ،‬ويستأثروا‬ ‫بالتوجيه والقيادة ‪ ،‬و‪N‬ي ذلك خذالن للحق وأهله‪ .‬وال بد من التنبيه ع‪C‬ى أمر خط>‪ x‬هو ذلك‬ ‫الخطأ النا‪ ºà‬عن تعميم املصطلحات ع‪C‬ى الحاالت املتناقضة املتباينة ‪ ،‬وأن ال يقدر لكل‬ ‫حالة قدرها‪ ،‬وأن ال تؤخذ كل كلمة ‪N‬ي إطارها املناسب‪ ،‬كأن نأخذ مفهوم العزلة عند سلف‬ ‫ٔالامة فنعمة ع‪C‬ى جميع الظروف ؤالاحوال‪ ،‬فيقال إن ابن عمر ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه وسعد بن أبي‬ ‫وقاص وأبا بكرة قد اع™‪Ì‬لوا الفتنة‪ ،‬و ِف ْع ُل هؤالء ٔالاصحاب دليل يشهد ملن عزم ع‪C‬ى ترك‬ ‫املجتمع‪ ،‬ونجد ٕالامام البخاري ي™‪x‬جم لهذا بباب خاص يقول‪ " :‬التعرب ‪N‬ي الفتنة ‪ :‬أي‬ ‫اللحاق باألعراب والبادية عند فشو الف™ن"‪.‬‬ ‫وقد أخرج ) عن سلمة بن ٔالاكوع ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه أنه دخل ع‪C‬ى الحجاج فقال‪ :‬يا ابن ٔالاكوع‬ ‫أرتددت ع‪C‬ى عقبيك ‪ ،‬تعربت ؟ قال ‪ :‬ال‪ ،‬ولكن رسول ﷲ أذن "ي ‪N‬ي البدو(‪ .‬قال ابن‬ ‫حجر‪ ) :‬التعرب أي السك‪ H¢‬مع ٔالاعراب ‪ ،‬وهو أن ينتقل املهاجر من البلد ال‪ ‹I‬هاجر إل‪*j‬ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فيسكن البدو‪ ،‬ف>‪x‬جع بعد هجرته أعرابيا‪ ،‬وكان إذ ذاك محرما إال إن أذن له الشارع ‪N‬ي‬ ‫ذلك()‪ .(194‬فاألصل إذن منع املهاجر من العزلة ‪N‬ي ال‪xy‬اري والقفار أو اللحاق بالبادية‪.‬‬ ‫وإننا إذا نظرنا إ"ى الحكمة ‪N‬ي منهج املهاجر من التعرب وجدنا أن الهجرة إنما شرعت لنصرة‬ ‫ٕالاسالم واملسلم>ن‪ ،‬ولدفع الكفر والنفاق عن املجتمع‪ ،‬فإذا ترك املسلم املجتمع تحت وطأة‬ ‫أصحاب الف™ن فإنه يكون قد أسهم ‪N‬ي هذا املنكر وساعد ع‪C‬ى استحكامه‪ .‬قال ابن حجر‪:‬‬ ‫"وقيل يمنع ) أي التعرب ( ‪N‬ي زمن الفتنة ملا فيه من خذالن أهل الحق")‪.(195‬‬ ‫ومن رغب ‪N‬ي العزلة‪ ‬من سلف ٔالامة فإنه ع‪ H¢‬عدم الاستكثار من ٔالاصحاب واملبالغة ‪N‬ي‬ ‫مألوف العادات‪ ،‬وٕالاسراف ‪N‬ي ٔالاسمار واملباحات‪ .‬قال ٕالامام أبو سليمان الخطابي‪ ) :‬ولسنا‬ ‫نريد ‪*o‬ذﻩ العزلة ال‪ ‹I‬نختارها مفارقة الناس ‪N‬ي الجماعات والجمعات‪ ،‬وترك حقوقهم ‪N‬ي‬ ‫)‪(194‬‬

‫?> ‪.(40/13)   >5 /!  :‬‬

‫)‪.(40/13)   >5 (195‬‬ ‫‪71‬‬

‫العبادات‪ ،‬وإفشاء السالم ورد التحيات‪ ،‬وما جرى مجراها من الحقوق الواجبة لهم‪،‬‬ ‫وصنائع الس‪Þ‬ن والعادات املستحسنة فيما بي‪*w‬م فإ‪*°‬ا مستثناة بشرائطها‪ ،‬جارية ع‪C‬ى سبلها‪،‬‬ ‫ما لم يحل دو‪*°‬ا حائل شغل ‪ ،‬وال يمنع ع‪*w‬ا مانع عذر‪ ،‬إنما نريد بالعزلة ترك فضول‬ ‫الصحبة‪ ،‬ونبذ الزيادة م‪*w‬ا ‪ ،‬وحط العالوة ال‪ ‹I‬ال حاجة ‪*o‬ا إل‪*j‬ا( )‪.(196‬‬ ‫ارتباط العزلة بنوع الفتنة‪:‬‬ ‫وهناك مسألة البد من بيا‪*°‬ا قبل الفراغ من موضوع العزلة‪ ،‬و]ي تحديد نوع الفتنة‬ ‫الداعية إ"ى ترك املجتمع واع™‪Ì‬اله وعدم املشاركة ‪N‬ي أحداثه‪ ،‬أو الداعية إ"ى الثبات ‪N‬ي‬ ‫مواقع التأث>‪ x‬ملقاومة الف™ن ومجا‪*¥*o‬ا‪.‬‬ ‫فتنة التنافس ع‪C‬ى امللك ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫فقد أخ‪ xy‬الن´‹ عن وقوع الف™ن وتكاثرها ح‪ HI‬كأ‪*°‬ا القطر ال ي™‪x‬ك موضعا إال أصابه‪ ،‬فقد‬ ‫أخرج البخاري ) عن أسامة بن زيد قال ‪ :‬أشرف الن´‹  ع‪C‬ى أطم من آطام املدينة فقال ‪:‬‬ ‫هل ترون ما أرى؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬ف‪ ‹¢‬ألرى الف™ن تقع خالل بيوتكم كموقع القطر( )‪.(197‬‬ ‫وكان مقتل عثمان ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه أول فتنة وقعت‪ ،‬وتالها القتال ب>ن ع‪C‬ي وعائشة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ‬ ‫ع‪*w‬ما‪ ،‬ثم صف>ن ‪ ،‬وقداختلفت اج‪*¥‬ادات الصحابة ‪N‬ي ترجيح صاحب الحق‪ ،‬وإن كان‬ ‫ً‬ ‫ٔالاك¨‪x‬ون ع‪C‬ى أن عليا ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه هو صاحب ٔالامر‪ ،‬وأن معاوية مج‪*¥‬د مخطئ له أجر‬ ‫واحد‪ .‬ثم وقعت ف™ن بعد ذلك كان الباعث عل‪*j‬ا التنافس ع‪C‬ى الحكم والسلطان وهذامن‬ ‫ً‬ ‫قبيل ٔالاثرة ال‪ ‹I‬أخ‪ xy‬ع‪*w‬ا الن´‹ ‪ ،‬فقد أخرج البخاري عن أسيد بن حض>‪ ) x‬أن رجال أتى‬ ‫ً‬ ‫الن´‹ ‪ ،‬فقال يا رسول ﷲ استعملت فالنا ولم تستعمل‪ ،‹¢‬قال ‪ :‬إنكم س™‪x‬ون بعدي أثرة‬ ‫‪ ،‬فاص‪xy‬وا ح‪ HI‬تلقوني ( )‪ .(198‬وقد جاء معظم الخلفاء العباسي>ن وسالط‪ ‹¢‬املماليك وغ>‪x‬هم‬ ‫إ"ى الحكم عن طريق هذﻩ ٔالاثرة‪ .‬وهذا علم من أعالم النبوة‪ .‬إال أن هذﻩ الف™ن لم تخرج‬ ‫املجتمع من ٕالاسالم‪ ،‬وبقي استمداد ٔالاحكام الشرعية من الكتاب والسنة‪ ،‬ويمكننا حمل ما‬ ‫أخرجه البخاري ع‪C‬ى هذا حيث قال ‪) :‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ﷲ ‪ :‬ستكون ف™ن‬ ‫القاعدة ف‪*j‬ا خ>‪ x‬من القائم‪ ،‬والقائم ف‪*j‬ا خ>‪ x‬من املا‪ ،‹ºà‬واملا‪ ‹ºà‬ف‪*j‬ا خ>‪ x‬من السا‪µ‬ي‪ ،‬من‬

‫)‪.6 C 4 J:7 D (196‬‬ ‫)‪(197‬‬

‫?> ‪.(11/13) (  >5 /! )  :‬‬

‫)‪(198‬‬

‫?> ‪.(5/13) (  >5 /! )  :‬‬ ‫‪72‬‬

‫ً‬ ‫تشرف لها تستشرفه‪ ،‬فمن وجد ف‪*j‬ا ملجأ أو معاذا فليعذ به( )‪ .(199‬و‪N‬ي رواية مسلم لهذا‬ ‫الحديث‪) :‬فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله‪ ،‬ومن كان له غنم فليلحق‬ ‫بغنمه‪ ،‬ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬يا رسول ﷲ إن لم يكن له إبل وال‬ ‫غنم وال أرض؟ قال ‪ :‬يعمد إ"ى سيفه فيدق ع‪C‬ى حدﻩ بحجر‪ ،‬ثم لينج إن استطاع النجاﻩ‪،‬‬ ‫ََ‬ ‫اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ فقال رجل ‪ :‬يا رسول ﷲ أرأيت إن أكرهت ح‪ُ HI‬ينطل َق‬ ‫بي إ"ى أحد الصف>ن‪ ،‬أو إحدى الفئت>ن‪ ،‬فضرب‪ ‹¢‬رجل بسيفه‪ ،‬أوي‪Ô‬يء سهم فيقتل‪‹¢‬؟قال ‪:‬‬ ‫يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار( )‪.(200‬‬ ‫وهو ما ذهب إليه ابن حجر ‪N‬ي حمل هذﻩ الفتنة ع‪C‬ى الاختالف ‪N‬ي طلب امللك حيث ال يعلم‬ ‫ً‬ ‫املحق من املبطل‪ .‬ونقل ابن حجر كالما للط‪xy‬ي يقول فيه‪ :‬والصواب أن ُيقال إن الفتنة‬ ‫أصلها الابتالء ‪ ،‬وإنكار املنكر واجب ع‪C‬ى كل من قدر عليه‪ ،‬فمن أعان املحق أصاب‪ ،‬ومن‬ ‫أعان املخطئ أخطأ‪ ،‬وإن أشكل ٔالامر ف·‹ الحالة ال‪ ‹I‬ورد الن·‹ عن القتال ف‪*j‬ا‪.‬‬ ‫ومن الحديث الذي رواﻩ أبو بكرة نعلم أن الفرار من الفتنة عندما تكون ب>ن صف>ن من‬ ‫املسلم>ن حيث يشتبه الحق بالباطل‪ ،‬وال ُيعرف املحق من املبطل ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد جاء هذا الفهم صريحا عن أبي برزة ٔالاسلم‹ ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪ ،‬فقد أخرج البخاري‪ ) :‬عن‬ ‫أبي امل‪*w‬ال‪ ،‬قال ‪ :‬ملا كان ابن زياد ومروان وثب ابن الزب>‪ x‬بمكة‪ ،‬ووثب القراء بالبصرة‪،‬‬ ‫ﱠ‬ ‫فانطلقت مع أبي إ"ى أبي برزة ٔالاسلم‹ ح‪ HI‬دخلنا عليه ‪N‬ي دارﻩ وهو جالس ‪N‬ي ظل ِعلية له‬ ‫من قصب‪ ،‬فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا برزة أال ترى ما وقع‬ ‫ً‬ ‫فيه الناس؟ فأول ‪‹ºà‬ء سمعته تكلم به‪ :‬إني احتسبت عند ﷲ أني أصبحت ساخطا ع‪C‬ى‬ ‫أحياء قريش‪ ،‬إنكم يا معشر العرب كنتم ع‪C‬ى الحال الذي علمتم من الذلة والقلة الضاللة‬ ‫وإن ﷲ أنقذكم باإلسالم‪ ،‬وبمحمد عليه الصالة والسالم‪ ،‬ح‪ HI‬بلغ بكم ما ترون ‪،‬وهذﻩ‬ ‫الدنيا ال‪ ‹I‬أفسدت بينكم‪ ،‬إن ذاك الذي بالشام وﷲ إن يقاتل إال ع‪C‬ى الدنيا‪ ،‬وإن هؤالء‬ ‫الذين ب>ن أظهركم وﷲ إن ٌيقاتلوا إال ع‪C‬ى الدنيا‪ ،‬وإن ذاك الذي بمكة وﷲ إن ُيقاتل إال‬ ‫علىالدنيا( )‪.(201‬‬

‫)‪.(5/13)   N9 ! (199‬‬ ‫)‪(200‬‬

‫?> !‪.(2213/4) 67‬‬

‫)‪(201‬‬

‫?> ‪.(68/13) (  >5 /! )  :‬‬ ‫‪73‬‬

‫ويبدو من هذا النص أن أبا برزة ر‪ ‹ºÛ‬اللهعنه كان يرى اع™‪Ì‬ال الفتنة؛ ألنه ال يوجد صاحب‬ ‫ٔالامر املحق ‪ ،‬وكان ابن عمر ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما قد سلك مثل هذاالسلوك عندما اع™‪Ì‬ل ما‬ ‫حدث ب>ن عبد امللك بن مروان وابن الزب>‪، x‬فقد أخرج البخاري عن سعيد بن جب>‪ x‬قال‪) :‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خرج علينا عبدﷲ بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا ‪ ،‬قال ‪:‬فبادرنا إليه رجل فقال ‪:‬‬ ‫يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال ‪N‬ي الفتنة‪ ،‬وﷲ يقول ‪ :‬وقاتلوهم ح‪ HI‬ال تكون‬ ‫فتنة‪ ،‬فقال ‪ :‬هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد  يقاتل املشرك>ن‪ ،‬وكان‬ ‫الدخول ‪N‬ي دي‪*w‬م فتنة‪ ،‬وليس كقتالكم ع‪C‬ى امللك( )‪ ،(202‬و‪N‬ي روايةأخرى‪ ) :‬فكان الرجل ُيف™ن‬ ‫عن دينه إما قتلوﻩ وإما يعذبونه ح‪ HI‬ك¨‪ٕ x‬الاسالم‪ ،‬فلم تكن فتنة( )‪ ،(203‬أي لم يبق فتنة من‬ ‫أحد من الكفار ألحد من املؤمن>ن‪.‬‬ ‫وأخرج البخاري ) عن ابن عمر ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما أتاﻩ رجالن ‪N‬ي فتنة ابن الزب>‪ x‬فقاال ‪ :‬إن‬ ‫الناس قد ُ‬ ‫ض ِّيعوا وأنت ابن عمر صاحب رسول ﷲ فما يمنعك أن تخرج؟ فقال‪ :‬يمنع‪‹¢‬‬ ‫أن ﷲ حرم دم أ‪é‬ي ‪ ،‬فقاال‪ :‬ألم يقل ﷲ ‪ :‬وقاتلوهم ح‪ HI‬ال تكون فتنة؟ فقال ‪ :‬قاتلنا‬ ‫ح‪ HI‬لم تكن فتنة‪ ،‬وكان الدين هلل ‪ ،‬وأنتم تريدون أن تقالتوا ح‪ HI‬تكون فتنة ‪ ،‬ويكون‬ ‫الدين لغ>‪ x‬ﷲ( )‪.(204‬‬ ‫ومن خالل هذﻩ الروايات نتعرف ع‪C‬ى نوع>ن منالف™ن‪ .‬والبد من ال™‪x‬ك>‪ Ì‬ع‪C‬ى الفتنة الك‪xy‬ى‬ ‫ال‪ ‹I‬تجتاح الدين وž*دد ٕالايمان‪ ،‬و]ي ال‪ ‹I‬ال مهادنة معها‪.‬‬ ‫الفتنة بمع‪ H¢‬الكفر‪:‬‬ ‫و]ي الفتنة ال‪ ‹I‬يكون هدفها القضاء ع‪C‬ى ٕالاسالم وٕالايمان‪ ،‬و]ي أشد أنواع الف™ن وأوالدها‬ ‫بالدفع واملقاومة‪ ،‬وال يجوز للمؤمن أن ‪*+‬اد‪*°‬ا أو يجار‪*+‬ا‪ ،‬و]ي الفتنة الواردة ‪N‬ي قوله تعا"ى ‪:‬‬ ‫وقاتلوهم ح‪ HI‬ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل)‪.(205‬‬ ‫ً‬ ‫قال الرازي ‪N‬ي تفس>‪x‬ﻩ ) املراد بالفتنة ههنا وجوها‪ :‬أحدها أ‪*°‬ا الشرك والكفر‪ ،‬قالوا‪ :‬كانت‬ ‫فتن‪*¥‬م أ‪*°‬م كانوا يضربون ويؤذون أصحاب الن´‹  بمكة ح‪ HI‬ذهبوا إ"ى الحبشة‪ ،‬ثم‬ ‫)‪(202‬‬

‫?> ‪.(45/13) (  >5 /! )  :‬‬

‫)‪.(184/18)  N9 ! (203‬‬ ‫)‪.(183/8)  N9 ! (204‬‬ ‫)‪.(193)    (205‬‬ ‫‪74‬‬

‫واظبوا ع‪C‬ى ذلك ٕالايذاء ح‪ HI‬ذهبوا إ"ى املدينة‪ .‬وكان غرضهم من إثارة تلك الفتنة أن ي™‪x‬كوا‬ ‫دي‪*w‬م ويرجعوا كفاراص ‪،‬فأنزل ﷲ تعا"ى هذﻩ ٓالاية ‪ .‬واملع‪ : H¢‬قاتلوهم ح‪ HI‬تظهروا عل‪*j‬م‬ ‫فال يفتنونكم عن دينم فال تقعوا ‪N‬ي الشرك( )‪.(206‬‬ ‫ً‬ ‫وهذﻩ الفتنة أك‪ xy‬جرما من القتل؛ أل‪*°‬ا فساد ‪N‬ي ٔالارض يؤدي إ"ى الظلم والقتل‪ ،‬يقول‬ ‫الرازي ‪ ) :‬وإنما جعل الكفر أعظم من القتل ؛ ألن الكفر ذنب يستحق صاحبه به العقاب‬ ‫الدائم ‪ ،‬والقتل ليس كذلك‪ ،‬والكفر يخرج صاحبه من امللة ‪ ،‬والقتل ليس كذلك( )‪.(207‬‬ ‫والقران الكريم يحدد الحالة ال‪ ‹I‬تنت·‹ الفتنة ‪*o‬ا و]ي استقرار أمر الدين واستمرارﻩ‪ ،‬وكونه‬ ‫كله هلل تعا"ىويكون الدين هلل‪ ،‬وهذﻩ غاية شريفة ال يتوقف الجهاد دو‪*°‬ا‪ ،‬يقول الرازي‪) :‬‬ ‫ليس ب>ن الشرك وب>ن أن يكون الدين كله هلل واسطة‪ ،‬فصار التقدير‪ :‬فقاتلوهم ح‪ HI‬يزول‬ ‫الكفر ويثبت ٕالاسالم( )‪.(208‬‬ ‫وقد وقع هذا النوع من الف™ن‪ ،‬ووصل الحال باملسلم>ن ‪N‬ي كث>‪ x‬من أقطارهم إ"ى اختيار‬ ‫مناهج ونظم ال تمت إ"ى ٕالاسالم بصلة‪ ،‬بل تخالفه كل املخالفة‪ ،‬وأقيمت شؤون الحياة ع‪C‬ى‬ ‫مبادئ مستوردة‪ ،‬وأمسك بعض امللحدين والعلماني>ن بدفة القيادة والتوجيه‪ ،‬وانتكست‬ ‫بعض فئات ٔالامة فارتدت ع‪C‬ى أعقا‪*o‬ا‪ ،‬وعملت ع‪C‬ى إقصاء ٕالاسالم عن سائر شؤون الحياة‬ ‫ً‬ ‫وأعلنت حربا ع‪C‬ى كل مسلم‪ .‬وما حذر منه الن´‹ أصبح حقيقة واقعة ‪N‬ي بعض بالد‬ ‫ً‬ ‫املسلم>ن‪ ،‬وذلك قوله‪) :‬ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض( )‪.(209‬‬ ‫ومثل هذﻩ الف™ن تالحق املسلم وال تدعه يسلم من شرها سواء ﱠ‬ ‫فر إ"ى شواهق الجبال أو إ"ى‬ ‫أعماق الكهوف ‪ ،‬وال يدفعها الخروج من املجتمع‪ ،‬والاعتكاف ‪N‬ي املساجد‪.‬‬ ‫املوقف ٕالايجابي من هذﻩ الف™ن‪:‬‬ ‫وأما املوقف ٕالايجابي فهو البحث عن الجماعة املؤمنة والطائفة الظاهرة وإعطاؤها ثمرة‬ ‫الجهد وصادق الانتماء‪ .‬وهذا أمر ال خيار للمؤمن فيه‪ ،‬وهو قول الن´‹  لحذيفة )تلزم‬ ‫جماعة املسلم>ن وإمامهم( قال ابن حجر‪ :‬وورد ٔالامر بلزوم الجماعة ‪N‬ي هذﻩ أحاديث م‪*w‬ا ما‬ ‫أخرجه ال™‪x‬مذي مصححاص وفيه ‪ :‬وأنا آمركم بخمس أمرني ﷲ ‪*o‬ن‪ :‬السمع والطاعة‬ ‫والجهاد والهجرة والجماعة‪ ،‬فإن من فارق الجماعة قيد ش‪ xy‬فقد خلع ربقة ٕالاسالم من‬ ‫)‪.(132/5)  7 B  (206‬‬ ‫)‪.(130/5)   N9 ! (207‬‬ ‫)‪.(133/5 )   N9 ! (208‬‬ ‫)‪(209‬‬

‫?> ‪.(23/13 (  >5 /! )  :‬‬ ‫‪75‬‬

‫علقه‪ .‬و‪N‬ي خطبة عمر املشهورة ال‪ ‹I‬خط©*ا بالجابية ‪ :‬فإن عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة‪،‬‬ ‫فإن الشيطان مع الواحد‪ ،‬وهو من الاثن>ن أبعد)‪.(210‬‬ ‫وقد يتساءل القارئ عن وجود هذﻩ الجماعة‪ .‬وقد يتبادر إ"ى ٔالاذهان خلو املجتمع من مثل‬ ‫هذﻩ الجماعة‪ ،‬والجواب ع‪C‬ى ذلك خ‪ xy‬الصادق املصدوق  الذي قال‪ ) :‬ال يزال من أم‪‹I‬‬ ‫أمة قائمة بأمر ﷲ ‪ ،‬ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم ح‪ HI‬يأت‪*j‬م أمر ﷲ وهم ع‪C‬ى‬ ‫ذلك()‪.(211‬‬ ‫و‪N‬ي رواية أخرى ) ح‪ HI‬يأتي أمر ﷲ وهم ظاهرون ع‪C‬ى الناس(‪ .‬و‪N‬ي رواية املغ>‪x‬ة بن شعبة‬ ‫ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪ ) :‬لن يزال ّ‬ ‫قوم من أم‪ ‹I‬ظاهرين ع‪C‬ى الناس ح‪ HI‬يأت‪*j‬م أمر ﷲ وهم‬ ‫ظاهرون( )‪.(212‬‬ ‫وروايات هذا الحديث كث>‪x‬ة‪ ،‬وألفاظه متقاربة ولها بمجموعها دالالت‪ ،‬م‪*w‬ا‪:‬‬ ‫أن هذﻩ ٔالامة لن تخلو من فئة قائمة بأمر ﷲ تعا"ى وفق ما جاء به محمد  ‪ ،‬وهذﻩ الفئة‬ ‫يحفظ ﷲ ‪*o‬ا الذكر‪ ،‬ويحقق ‪*o‬ا إقامة الحجة ع‪C‬ى الخلق ويزيل ‪*o‬ا العذر‪ ،‬وين>‪*o x‬ا طريق‬ ‫الهداية والرشاد‪ ،‬قال ابن حزم‪َ ) :‬ف َ‬ ‫ص َح أن أهل كل عصر ال يجوز أن يخلوا من أن يكون‬ ‫ف‪*j‬م قائل بالحق( )‪.(213‬‬ ‫و‪N‬ي الوقت ذاته تكون فئات كث>‪x‬ة قد تخلت عن دين ﷲ‪ ،‬ويكون هذا التخ‪C‬ي إما‬ ‫باإلنصراف عنه إ"ى ٔالاهواء الضالة واملبادئ املنحرفة‪ ،‬وهذا شأن املخالف>ن الذين يكيدون‬ ‫لكل جماعة مؤمنة ‪ .‬وقد يكون التخ‪C‬ي بإشغال الحياة ‪N‬ي طلب املتاع الزائل‪ ،‬وبالبحث عن‬ ‫وسائل الراحة والا‪*°‬ماك ‪N‬ي الشهوات‪ ،‬وهذا شأن القطاع ٔالا‪:‬بر من الناس الذين ال يتجاوز‬ ‫تفك>‪x‬هم حدود مصالحهم الشخصية‪ .‬وهكذا فإن الجماعة املؤمنة تقع ب>ن املخالف>ن‬ ‫والخاذل>ن‪.‬‬ ‫ج( وإن الجماعة املؤمنة تكون ظاهرة ع‪C‬ى من عاداها وناوأها وخذلها‪ ،‬و]ي املؤيدة بنصر ﷲ‬ ‫تعا"ى ال يضرها أحد من أعدا•*ا‪ .‬ومع‪ H¢‬قول الن´‹  ) وهم ظاهرون ( ‪ :‬قال ابن حجر ‪ ) :‬أي‬ ‫غالبون‪ ،‬أو املراد بالظهور أ‪*°‬م غ>‪ x‬مست™‪x‬ين بل مشهورون‪ .‬ثم قال ابن حجر‪ :‬ؤالاول أو"ى (‬ ‫)‪.(316/13) 9? /W   >5 (210‬‬ ‫)‪(211‬‬

‫?> ‪.(632/6) (  >5 /! )  :‬‬

‫)‪(212‬‬

‫?> !‪.(1523/3) 67‬‬

‫)‪.(47/1) 6? /W 47?! (213‬‬ ‫‪76‬‬

‫)‪ ،(214‬ويبدو أن الثاني أو"ى‪ ،‬وأن الظهور هو ظهور وجود واش‪*¥‬ار وإصرار ع‪C‬ى الحق وثبات‬ ‫ً‬ ‫عليه ‪ ،‬ويشهد لهذا املع‪ H¢‬الرواية ال‪ ‹I‬أخرجها البخاري ‪ ) :‬ولن يزال أمر هذﻩ ٔالامة مستقيما‬ ‫ح‪ HI‬تقوم الساعة‪ ،‬أو ح‪ HI‬يأتي أمر ﷲ( )‪ ،(215‬وال يلزم من الاستقامة الغلبة بالقوة املادية‪،‬‬ ‫بل تكون الاستقامة ولو كانت الجماعة مستضعفة مضطهدة‪.‬‬ ‫ولعل ابن حجر رجح مع‪ H¢‬الغلبة ملا رأى من غلبة بعض أهل الحق ع‪C‬ى قطر أو ناحية من‬ ‫ُ‬ ‫زمن الن´‹  إ"ى زمانه‪ .‬ولو عاش ‪N‬ي العصور املتأخرة لرأى كيف غلب أهل الحق من قبل‬ ‫أهل الباطل‪ ،‬ولكن أهل الحق مصرون ع‪C‬ى حقهم ‪ ،‬ثابتون عليه‪ ،‬معروفون به‪ ،‬وال تقوى‬ ‫ٔالاهواء ع‪C‬ى اقتالعهم من فكرهم‪ ،‬وال يض>‪x‬هم ما يجدون من الصعاب والعقبات وصنوف‬ ‫ٔالاذى وألوان الاž*امات‪ ،‬بل يواصلون س>‪x‬هم‪ ،‬ويراهم الناس قائم>ن بأمر ﷲ تعا"ى‪ .‬قال‬ ‫النووي‪ ) :‬ال يزالون ع‪C‬ى الحق ح‪ HI‬تقبضهم هذﻩ الريح اللينة قرب القيامة( )‪ .(216‬لقد كان‬ ‫رسول ﷲ  وأصحابه ظاهرين ع‪C‬ى أهل مكة من املشرك>ن رغم ما كانوا يالقونه من ٔالاذى‬ ‫واملطاردة‪ ،‬وكذلك حال الجماعة املؤمنة القائمة بأمر ﷲ ف·‹ ظاهرة وإن لم تكن لها‬ ‫السيادة السياسية والاجتماعية‪.‬‬ ‫تعي>ن الجماعة وهل ]ي واحدة؟‬ ‫ال خالف ‪N‬ي أن جماعة املسلم>ن ‪N‬ي عهد الن´‹  وخلفائه الراشدين ]ي السواد ٔالاعظم من‬ ‫ٔالامة الذي يحكم بشرع ﷲ تعا"ى‪ .‬وظلت ٔالامة ‪N‬ي مرحلة الجماعة ال‪ ‹I‬تمثلها دولة إسالمية‬ ‫قوية إ"ى أن دالت دولة ٕالاسالم‪ ،‬فانفرط بذلك عقد ٔالامة الواحدة‪ ،‬ونشأت ف‪*j‬ا جماعات‬ ‫ش‪.HI‬‬ ‫ويبدو أن بعض العلماء قد نظروا إ"ى خصوص النص بفئة‪ ،‬ح‪ HI‬ولو كانت ٔالامة ‪N‬ي خ>‪x‬‬ ‫قرو‪*°‬ا‪ ،‬وهاهو ٕالامام أحمد وع‪C‬ي بن املدي‪ ‹¢‬وأبو عبدﷲ الحاكم يحملون النص ع‪C‬ى أن‬ ‫املقصود هم أهل الحديث‪ .‬وقد نقل الحاكم عن ٕالامام أحمد قوله‪ ) .‬إن لم يكونوا أصحاب‬ ‫الحديث فال أدري من هم(‪ ،‬وقال الحاكم‪ ) :‬فلقد أحسن أحمد بن حنبل ‪N‬ي تفس>‪ x‬هذا‬ ‫الخ‪ xy‬أن الطائفة املنصورة ال‪ُ ‹I‬يرفع الخذالن ع‪*w‬م إ"ى قيامة الساعة هم أصحاب‬ ‫الحديث( )‪.(217‬‬ ‫)‪.(294/13) 9? /W   >5 (214‬‬ ‫)‪(215‬‬

‫?> ‪.(293/13) (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪.(132/2)$7 67! < = 45 \ I$! (216‬‬ ‫)‪.(2 C) 6B ?7 G? 67- 5 D! (217‬‬ ‫‪77‬‬

‫ورغم الدور العظيم الذي قام به املحدثون ‪N‬ي خدمة السنة النبوية وصيان‪*¥‬ا‪ ،‬وإال أننا ال‬ ‫نستطيع القول بأن هذﻩ الطائفة مستمرة إ"ى قيام الساعة ‪ ،‬وفقد توقف عطاؤها‬ ‫واج‪*¥‬ادهاـ فيما عدا أفراد قالئل ـ كما توقف عطاء غ>‪x‬ها منذ مئات السن>ن‪ ،‬ؤالاصل ‪N‬ي‬ ‫نص الحديث الاستمرار‪ ،‬وبقاء الطائفة ح‪ HI‬قبيل الساعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أما ٕالامام محمد عبدﻩ فقد ذهب مذهبا بعيدا عندما استعرض حديث الفرق ثم قال) إن‬ ‫هذا الحديث قد أفادنا أنه يكون ‪N‬ي ٔالامة فرق متفرقة‪ ،‬وأن الناي م‪*w‬م واحدة‪ ،‬وكون ٔالامة‬ ‫قد حصل ف‪*j‬ا اف™‪x‬اق ع‪C‬ى فرق ش‪ ،HI‬تبلغ العدد املذكور أو ال تبلغه ثابت‪ ،‬وقد وقع ال‬ ‫ً‬ ‫محالة‪ ،‬وكون الناي م‪*w‬م واحدة أيضا حق ال كالم فيه‪ . .‬ثم قال‪ّ :‬أما تعي>ن أي فرقة ]ي‬ ‫الفرقة الناحية أي ال‪ ‹I‬تكون ع‪C‬ى ما الن´‹ عليه وأصحابه فلم يتب>ن "ي إ"ى ٓالان‪ ،‬فإن كل‬ ‫طائفة ممن يذعن لنبينا بالرسالة تذهب تجعل نفسها ع‪C‬ى ما الن´‹ عليه وأصحابه( )‪.(218‬‬ ‫وقد اع™‪x‬ض الشيخ رشيد رضا ع‪C‬ى أستاذﻩ ‪N‬ي هذا املذاهب‪ ،‬وعزاﻩ إ"ى تأثر أستاذﻩ باآلراء‬ ‫الفلسفية والكالمية‪ ،‬وإ"ى حرصه ع‪C‬ى جمع كلمة املسلم>ن‪ ،‬وأنه كان ينقصه سعة الاطالع‬ ‫ع‪C‬ى كتب الحديث‪ .‬ثم عقب ع‪C‬ى مذهب أستاذﻩ‪ ،‬بأن أهل الحديث وعلماء ٔالاثر املهتدين‬ ‫‪*o‬دي السلف هم هذﻩ الطائفة‪ ،‬وأ‪*°‬م ثلة من ٔالاول>ن وقليل من ٓالاخرين‪ ،‬وأ‪*°‬م ال يمكن أن‬ ‫يكونوا أتباع أحد من علماء الكالم املبتدع‪ ،‬سواء م‪*w‬م من ضر ومن نفع‪ ،‬وال من املقلدين‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي الفروع أيضا)‪.(219‬‬ ‫وذهب صاحب زاد املسلم إ"ى أن هذﻩ الطائفة ]ي الفئة املجاهدة ‪N‬ي فلسط>ن‪ ،‬وذلك ‪N‬ي‬ ‫زمان املؤلف)‪.(220‬‬ ‫ً‬ ‫مذهبا ﱠ‬ ‫أعم من كل ما سبق فقال‪ ) :‬إن هذﻩ الطائفة مفرقة ب>ن أنواع‬ ‫أما النووي فقد ذهب‬ ‫املؤمن>ن م‪*w‬م شجعان مقاتلون ‪،‬وم‪*w‬م محدثون ‪ ،‬وم‪*w‬م زهاد آمرون باملعروف وناهون عن‬ ‫املنكر‪ ،‬وم‪*w‬م أهل أنواع أخرى من الخ>‪ ،x‬وال يلزم أن يكونوا مجتمع>ن بل قد يكونون‬ ‫متفرق>ن ‪N‬ي أقطار ٔالارض( )‪.(221‬‬ ‫والذي يظهر "ي أن هذﻩ ٔالاقوال محصورة بأزمان قائل‪*j‬ا‪ ،‬ففي زمن ٕالامام أحمد كان‬ ‫املحدثون حملة السنة واملنافح>ن ع‪*w‬ا أمام الفلسفة اليونانية والهندية‪ ،‬وأمام الفرق‬ ‫)‪.(5C) L- !?! `D O D < = (218‬‬ ‫)‪.(222/6) ` = !?! $!  (219‬‬ ‫)‪.(193/5) 4J$=7 67!  : 87-  !5 67!  (220‬‬ ‫)‪.(132/2)$7 67! < = 45 \ I$! (221‬‬ ‫‪78‬‬

‫الباطنية‪ ،‬وقاموا بجهد هائل ‪N‬ي جمع الحديث وتصنيفه وتمي>‪ Ì‬صحيحه من سقيمه‪ .‬ولكن‬ ‫هذا الدور الريادي للمحدث>ن توقف أو كاد أن يتوقف مع ظهور الكتب املصنفة ‪N‬ي ٔالابواب‬ ‫واملسانيد واملعاجم وال™‪x‬اجم والتواريخ‪ ،‬وساد التقليد ‪N‬ي العصور املتأخرة كما هو الحال ‪N‬ي‬ ‫سائر أبواب املعارف ٕالاسالمية‪ ،‬وال يمكننا أن نقول أن فئة املحدث>ن ]ي الفئة الظاهرة إ"ى‬ ‫أن يأتي ﷲ بأمرﻩ أي قبيل يوم القيامة‪ ،‬ووجود أفراد قالئل من املحدث>ن ال يع‪ ‹¢‬وجود‬ ‫طائفة فاعلة ‪N‬ي املجتمع‪ ،‬وال بأس أن ُيقال إن املحدث>ن كانوا يشكلون بعض هذﻩ الطائفة‬ ‫‪N‬ي وقت سابق‪.‬‬ ‫وإذا قال قائل إن الصوفية ]ي الطائفة الظاهرة‪ ،‬فإن قوله ُيحمل ع‪C‬ى الزمان الذي كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فيه هذﻩ الفئة فاعلة ‪N‬ي املجتمع‪ ،‬فقد أدت الصوفية دورا رياديا زمن الحروب الصليبية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك كان دورها رياديا ‪N‬ي إفريقيا‪ ،‬عندما وقفت ‪N‬ي وجه الوثنية ثم ‪N‬ي وجه الحضارة‬ ‫الغربية‪ ،‬وكانت الربط والزوايا قواعد انطالق‪ ،‬انطلق م‪*w‬ا ٕالاسالم إ"ى قلب إفريقيا‪.‬‬ ‫وإذا قيل‪ :‬إن املجاهدين الفلسطيني>ن الذين وقفوا ‪N‬ي وجه ٕالانجل>‪ Ì‬وال‪*j‬ود هم هذﻩ الطائفة‬ ‫فإن ذلك ممكن ‪N‬ي ذلك الزمان عندما ألف الشنقيطي كتابه زاد املسلم‪ ،‬فيكونون من هذﻩ‬ ‫الطائفة‪ ،‬ويمكن أن ُيقال ذلك ‪N‬ي كل من حمل راية جهاد ‪N‬ي سبيل ﷲ ‪N‬ي فلسط>ن و‪N‬ي‬ ‫غ>‪x‬ها من بالد املسلم>ن‪.‬‬ ‫والذي يحل هذا ٕالاشكال هو البحث عن طائفة متنوعة ‪N‬ي الكفاءات والطاقات وٕالامكانات‬ ‫ؤالافراد ‪ ،‬متحدة ‪N‬ي الغاية والهدف‪ .‬وما ذهب إليه النووي قريب من هذا‪ ،‬وينقص عبارته‬ ‫عنصر التعميم الزماني‪.‬‬ ‫وقوله ‪ ) :‬أنواع من املؤمن>ن م‪*w‬م شجعان مقاتلون‪ ،‬وم‪*w‬م فقهاء‪ ،‬وم‪*w‬م محدثون‪ ،‬وم‪*w‬م‬ ‫زهاد آمرون باملعروف وناهون عن املنكر( بيان لهذا التنوع‪ ،‬بل فتح الباب ألنواع أخرى‬ ‫عندما قال‪ ) :‬وم‪*w‬م أهل أنواع أخرى من الخ>‪.(x‬‬ ‫وإذا أدخلنا ‪N‬ي حسابنا ٔالاحوال ال‪ ‹I‬تعيشها ٔالامة منذ قرن من الزمان فإننا نجد ٔالامة قد‬ ‫ابتعدت ‪N‬ي الثقافة والفكر و‪N‬ي النظم والتشريع عن ٕالاسالم وانقسمت ٔالامة إ"ى فئات ثالث‪:‬‬ ‫فئة تحارب ٕالاسالم‪ ،‬وتستع>ن بحربه بجميع التيارات الوافدة ؤالافكار املنحرفة‪ .‬وفئة تنافح‬ ‫عن ٕالاسالم وتطالب بتحكيم القرآن الكريم وسنة الن´‹  ‪N‬ي حياة ٔالامة‪ .‬وفئة صرفت‬ ‫جهدها إ"ى هم املعاش وتلبية الحاجات ‪ ،‬وال تعت‪ ‹¢‬بالصراع ب>ن الحق والباطل‪ ،‬إال إذا‬ ‫تعرضت مصالحها للتوقف‪.‬‬ ‫‪79‬‬

‫ويمكننا أن نقول بكل ثقة إن هذﻩ الفئة املنافحة عن ٕالاسالم الداعية إ"ى تحكيم شريعته ‪،‬‬ ‫القائمة بأمر ﷲ تعا"ى ]ي الطائفة الظاهرة‪ ،‬و]ي متنوعة ‪N‬ي الطاقات وٕالامكانات‪ ،‬متحدة‬ ‫‪N‬ي ٔالاهداف والغايات‪ ،‬وال تكون هذﻩ الطائفة ع‪C‬ى املستوى املطلوب إال بالعلم والفقه الذي‬ ‫يساعد هذﻩ الطائفة ع‪C‬ى فهم أحكام الشريعة ومعرفة عقيدة ٕالاسالم ونظمه وكيفية‬ ‫الدعوة إليه‪ .‬وال تكون الجماعة جماعة إال إذا وجد الوالء ب>ن أفرادها‪ ،‬وال تكون جماعة إال‬ ‫إذا قامت ع‪C‬ى السمع والطاعة والال™‪Ì‬ام‪.‬‬ ‫فالعلم الشر‪µ‬ي شرط من شروطها‪ ،‬والعمل الشر‪µ‬ي شرط كذلك‪ ،‬والوالء والال™‪Ì‬ام صفتان‬ ‫الزمتان لها‪ .‬وقد جاءت بعض روايات الحديث ال‪ ‹I‬يفهم م‪*w‬ا شرط العلم والفقه كالرواية‬ ‫ً‬ ‫ال‪ ‹I‬أخرجها البخاري وجاء ف‪*j‬ا‪ ) :‬من يرد ﷲ به خ>‪x‬ا يفقهه ‪N‬ي الدين‪ ،‬وإنما أنا قاسم وﷲ‬ ‫يعطي‪ ،‬ولن تزال هذﻩ ٔالامة قائمة ع‪C‬ى أمر ر‪*o‬ا‪ ،‬ال يضرهم من خالفهم ح‪ HI‬يأتي أمر ﷲ(‬ ‫ً‬ ‫)‪ .(222‬و‪N‬ي رواية أخرى‪) :‬ولن يزال أمر هذﻩ ٔالامة مستقيما ح‪ HI‬تقوم الساعة أو ح‪ HI‬يأتي أمر‬ ‫ﷲ()‪ .(223‬وقد فهم الكرماني من هذﻩ الرواية أن من جملة الاستقامة التفقه؛ ألنه ٔالاصل ‪،‬‬ ‫ثم قال ‪ :‬و‪*o‬ذا ترتبط ٔالاخبار املذكورة)‪.(224‬‬ ‫ً‬ ‫وقد ترجم ٕالامام البخاري لباب من أبواب كتابه فقال‪ ) :‬باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا ‪،‬‬ ‫وما أمر الن´‹  من لزوم الجماعة وهم أهل العلم( )‪.(225‬‬ ‫قال ابن حجر‪ ) :‬فعرف أن املراد بالوصف املذكور أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهم أهل العلم‬ ‫الشر‪µ‬ي‪ ،‬ومن سواهم ولو نسب إ"ى العلم ف·‹ نسبة صورية ال حقيقية( )‪.(226‬‬ ‫وبقي أن ُيقال إن عامة الناس ال تدخل ‪N‬ي هذﻩ الطائفة إال إذا تفاعلت مع ٕالاسالم‬ ‫وأحكامه‪ ،‬ودخلت ‪N‬ي حلبة الصراع لنصرة الحق وأهله‪ ،‬وإذا قيل‪ :‬ما املراد من قوله عليه‬ ‫الصالة والسالم "فعليكم بالسواد ٔالاعظم"؟ وهل املراد عامة الناس وجمهورهم؟ أم فئة‬ ‫من الناس وخاص‪*¥‬م؟‪.‬‬ ‫فيجيب ع‪C‬ى هذا ٕالامام الشاط´‹ ‪N‬ي كتابه الاعتصام حيث يقول ‪ :‬روي أبو نعيم عن محمد‬ ‫بن القاسم الطو‪ ‹ºÒ‬قال‪ :‬سمعت إسحاق بن راهوية‪ ،‬وذكر ‪N‬ي حديث رفعه إ"ى الن´‹  قال‬ ‫)‪(222‬‬

‫?> ‪.(164/1) (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(223‬‬

‫?> ‪.(293/13) (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪.(293/13)   >5 (224‬‬ ‫)‪(225‬‬

‫?> ‪.(316/13) (  >5 /! )  :‬‬

‫)‪.(316/13 )   >5 (226‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪ :‬إن ﷲ لم يكن ليجمع أمة محمد ع‪C‬ى ضاللة‪ ،‬فإذا رأيتم الاختالف فعليكم بالسواد‬ ‫ٔالاعظم‪ .‬فقال رجل‪ :‬يا أبا يعقوب ‪ ،‬من السواد ٔالاعظم ؟ فقال‪ :‬محمد بن أسلم وأصحابه‬ ‫ومن تبعهم‪ ،‬ثم قال ‪ :‬سأل رجل ابن املبارك‪ :‬من السواد ٔالاعظم؟ قال ‪ :‬أبو حمزة السكري‪.‬‬ ‫ثم قال‪N :‬ي ذلك الزمان ) يع‪ ‹¢‬أبا حمزة( و‪N‬ي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه‪ ،‬ثم قال‬ ‫إسحاق‪ :‬لو سألت الجهال عن السواد ٔالاعظم‪ ،‬لقالوا جماعة الناس‪ ،‬وال يعلمون أن‬ ‫الجماعة عالم متمسك بأثر الن´‹  وطريقه‪ ،‬فما كان معه وتبعه فهو الجماعة‪ .‬ثم قال‬ ‫الشاط´‹‪ :‬فانظر ‪N‬ي حكايته تتب>ن غلط من ظن أن الجماعة ]ي جماعة الناس‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫ﱠ‬ ‫ف‪*j‬م عالم ‪ .‬وهو وهم العوام‪ ،‬ال فهم العلماء فليثبت املوفق ‪N‬ي هذﻩ املزلة قدمه)‪.(227‬‬ ‫وما ذهب إليه إسحاق بن راهويه فهم عميق لدور الجماعة املسلمة والطائفة الظاهرة ال‪‹I‬‬ ‫تتمتع بدرجة من الو‪µ‬ي تجعلها تستوعب شريعة ٕالاسالم وسنة الن´‹  وتقف ‪N‬ي وجه‬ ‫التحديثات الثقافية والاجتماعية والسياسية‪ .‬وال يخرج املسلمون من حالة الغثاء إ"ى‬ ‫مجتمع الفتح والنصر إال عن طريق هذﻩ الجماعة املؤمنة والطائفة املل™‪Ì‬مة بما عليه الن´‹‬ ‫ وأصحابه‪.‬‬ ‫القاعدة السابعة عشرة‬ ‫الفهم الصحيح سبيل العمل الصحيح‬ ‫الفهم لغة‪:‬‬ ‫ب>ن صاحب لسان العرب مع‪ H¢‬كلمة الفهم فقال ‪:‬‬ ‫معرفتك ال‪‹ºÜ‬ء بالقلب)‪ .(228‬وعندما تعرض صاحب‬ ‫ً‬ ‫اللسان لكلمة ) علم (‪ :‬علمت ال‪‹ºÜ‬ء‪ ،‬أعلمه ‪ ،‬علما‪:‬‬ ‫عرفته)‪.(229‬‬ ‫وهذا يع‪ ‹¢‬أن كلمة ) الفهم ( ف‪*j‬ا مع‪ H¢‬زائد ع‪C‬ى كلمة )العلم(‪ ،‬فالعلم إدراك يقل عن‬ ‫الفهم الذي هو إدراك القلب‪ ،‬وهذا يع‪ ‹¢‬أن كلمة الفهم تشارك كلمة العلم ‪N‬ي موضوع‬ ‫)‪.(153/2) 4J =7 6 -W (227‬‬ ‫)‪(228‬‬

‫ ‪.(357/15) A D /‬‬

‫)‪(229‬‬

‫ ‪.(311/15) A D /‬‬ ‫‪81‬‬

‫املعرفة وتزيد عل‪*j‬ا فيأمر إقامة نوع عالقة مع ٔالاشياء‪ ،‬من خالل الواقع وممارسة املعارف‪،‬‬ ‫مع إدراك أبعادها وعالقاž*ا‪ ،‬لتصبح بعد هذﻩ املمارسة كأ‪*°‬ا جزء من الذات‪.‬‬ ‫وقد اعتدنا ع‪C‬ى أن ال نستخدم كلمة ) فهمت( إال بعد استقرار املعلتومات والوصول إ"ى‬ ‫تصور كامل لها‪ ،‬وتطبيقها لالطالع ع‪C‬ى جوانب ال نصل إل‪*j‬ا بمجر املعرفة‪ ،‬فالطالب ال يفهم‬ ‫املعادلة الكيماوية بمجرد إدراك رموزها ولو ذكر املعلم نتائج التفاعل‪ ،‬ما لم يذهب إ"ى‬ ‫املخت‪ xy‬ليشاهد بنفسه تلك املعادلة ع‪C‬ى شكل مواد تتفاعل‪ ،‬وتنتج مواد جديدة يراها‬ ‫ً‬ ‫الطالب بعينيه ‪ ،‬ويسمع أصواتا جديدة يسمعها بأذنيه ويشم روائح جديدة ‪ ،‬وعندئذ‬ ‫تتحول قراءته للمعادلة إ"ى قراءة جديدة و]ي قراءة فهم؛ ألنه يدرك بوجدانه وقلبه أشياء‬ ‫كث>‪x‬ة ال يتم تسجيلها أو التعب>‪ x‬ع‪*w‬ا بالرموز‪ ،‬وعندما تتعدد الوسائل املدركة وتك¨‪ x‬فإ‪*°‬ا‬ ‫تحتاج إ"ى معرفة بأفرادها‪ ،‬وإ"ى معرفة أخرى بالعالقات فيما بي‪*w‬ا‪.‬‬ ‫فإذا اقتصر ع‪C‬ى النوع ٔالاول من املعرفة فإ‪*°‬ا تكون معرفة تحليلية جزئية‪ ،‬واملعرفة‬ ‫التحليلية الجزئية ]ي سبب من أسباب تخلف الفهم‪ ،‬فقد ابت‪C‬ى املسلم املعاصر ‪*o‬ذا النوع‬ ‫من املعرفة الذي قد يظهر ف‪*j‬ا العلم ‪N‬ي أع‪C‬ى صورﻩ‪ ،‬إ"ى جانب الجهل ‪N‬ي أدنى صورﻩ‪ .‬فقد‬ ‫رأينا فقهاء وعلماء لهم حظ كب>‪ x‬من العلم ‪N‬ي تخصصاž*م ولك‪*w‬م ال يستوعبون حركة هذا‬ ‫التخصص ضمن مجموعة املعارف‪ ،‬وال يركزون ع‪C‬ى مكان هذا التخصص ضمن ٔالامكنة‬ ‫ٔالاخرى‪ ،‬وال يبحثون عن العالقات والروابط ب>ن هذا التخصص والتخصصات ٔالاخرى‪ ،‬وال‬ ‫يعيشون بتخصصهم ‪N‬ي البناء املتكامل لقضايا ٕالاسالم‪.‬‬ ‫وتكمن خطورة هذا النوع من املعرفة ‪N‬ي ظهور مرض نستطيع أن نسميه تضخم الفهم"‬ ‫وهو مرض البد أن ينتج باملقابل ضمور الفهم‪ ،‬فهذا املسلم املستغرق بنشاط واحد ونوع‬ ‫واحد من املعارف ٕالاسالمية‪ ،‬يصاب باستيالء هذا النوع عليه ‪ ،‬فيظن أن ٔالامور كلها مبنية‬ ‫ً‬ ‫عليه ومستمدة منه‪ ،‬وليس هذا الضرب من الخلل أو املرض حديثا ع‪C‬ى ٔالامة بل هو قديم‪،‬‬ ‫حيث كان بعض العلماء يرى العلم كله ‪N‬ي الفقه وآخرون يرون العلم كله ‪N‬ي الحديث ‪،‬‬ ‫وغ>‪x‬هم يرون العلم كله ‪N‬ي التفس>‪ ، x‬ونشأت مذاهب جديدة‪ ،‬بعضها يرى الحل كله ‪N‬ي‬ ‫ال™‪x‬بية الخلقية وال‪*¥‬ذيب‪ ،‬وبعضها يرى الخلل كله ‪N‬ي التفك>‪ x‬السيا‪ ،‹ºÒ‬وبعضها يرى الحل‬ ‫كله ‪N‬ي العمل العسكري‪ ،‬إ"ى غ>‪ x‬ذلك من مظاهر تضخم الفهم وضمورﻩ‪.‬‬ ‫أركان الفهم‪:‬‬

‫‪82‬‬

‫ً‬ ‫وخروجا من أزمات الفهم وأمراضه البد من تحليل منطقي ألركان الفهم كي نتجاوز مرحلة‬ ‫املعرفة الجزئية إ"ى مرحلة املعرفة الكلية‪ ،‬وكي نخرج من املرحلة الذرية ال‪ ‹I‬تظهر ف‪*j‬ا‬ ‫املعارف ع‪C‬ى شكل ذرات متناثرة‪ ،‬و]ي الحالة ال‪ ‹I‬يعاني م‪*w‬ا املسلمون ‪N‬ي الفكر و‪N‬ي السلوك‬ ‫ع‪C‬ى السواء‪ ،‬وهذا يساعدنا ع‪C‬ى عالج املظاهر الاجتماعية والسلوكية بعد معالجة ٔالاساس‬ ‫النظري والفكري‪ ،‬و‪N‬ي ضوء هذا التحليل يمكننا أن نضع العالج ملا كان ُيشار إليه من‬ ‫ً‬ ‫ٔالامراض‪ ،‬كما كان ُينسب إ"ى الشيخ محمد عبدﻩ قوله‪ ) :‬ما أقوى املسلم>ن أفرادا وأضعفهم‬ ‫جماعة‪ ،‬وما أعظم ٕالاسالم وأضعف املسلم>ن(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وهذا املرض البد أن يكون ناشئا عن خلل ‪N‬ي معادلة الفهم بأن يكون ٕالاسالم بوضعه‬ ‫النظري املفرق ال بوضعه النظري املركب هو السائد ‪N‬ي العقول والنفوس‪.‬‬ ‫وإنه ملن الضروري أن أش>‪ x‬إ"ى ضرورة فرز مرحلة التفهم السقيم من مرحلة الفهم السليم‬ ‫‪N‬ي التاريخ ٕالاسالمي ‪ ،‬وإن كانت الحاجة ماسة اليوم إ"ى استنباط الفهم السليم؛ ألن هذا‬ ‫الفرز يساعدنا ع‪C‬ى فهم التاريخ ٕالاسالمي ومعرفة أسرار القوة والضعف فيه‪ ،‬إذ لم يعد‬ ‫يجدي أن ُيكتفى بالقول إن عصر النبوة والخالفة الراشدة هو عصر قوة ونشاط‪ ،‬والعصور‬ ‫التالية عصور ّ‬ ‫قل ف‪*j‬ا النشاط إ"ى أن وصل الحال إ"ى ما ُيسم‪ H‬بعصر الانحطاط‪ ،‬فالبد من‬ ‫تحليل الفهم واستحداث معاي>‪ x‬لهذا الفهم كي نتمكن من تجاوز عصور الانحطاط إ"ى‬ ‫عصور العمل والنشاط‪ ،‬وبذلك فقط نستطيع أن نتجاوز تلك الهوة السحيقة ب>ن العصور‬ ‫ٔالاو"ى والعصر الحديث‪.‬‬ ‫خارطة الفهم‪:‬‬ ‫ولفهم أركان الفهم فإننا نصور الفهم بخارطة جغرافية البد أن تجتمع ف‪*j‬ا أركان ثالثة‪:‬‬ ‫الركن ٔالاول‪:‬‬ ‫اشتمال هذﻩ الخارطة ع‪C‬ى جميع ٔالاجزاء من املدن والقرى والتضاريس والطرق والجبال‬ ‫ؤالا‪*°‬ار ‪ ،‬وتكون هذﻩ الخارطة مع‪xy‬ة عما ترمز إليه بمقدار اشتمالها ع‪C‬ى مكونات ما ترمز‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫وخارطة الفهم ٕالاسالمي البد أن تشتمل ع‪C‬ى مكونات ٕالاسالم ‪ ،‬فإذا كانت هذﻩ الخارجة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متكاملة كان الفهم متكامال ‪ ،‬وبمقدار نقصها يكون الفهم ناقصا‪ .‬والجدير بالذكر أن نقص‬ ‫الفهم يؤدي إ"ى نقص ‪N‬ي اللوك والعمل ‪ ،‬بل و‪N‬ي التصور‪ ،‬ويقود بالتا"ي إ"ى فهم آخر ُيخرج‬ ‫صاحبه عن الصراط املستقيم‪ ،‬فال يصل صاحب هذا الفهم الناقص إ"ى ٔالاهداف املتوخاة‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫إن بعض العامل>ن لإلسالم يعانون من فشل نا‪ ºà‬عن نقص خارطة فهمهم ‪ ،‬فعندما يطرح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسلم ما فكرﻩ ٕالاسالمي خاليا من تصور الحكم والسياسة‪ ،‬أو خاليا من تربية النفس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتزكية الروح ‪ ،‬أو خاليا من تربية العقل وتنشيط الفكر‪ ،‬أو خاليا من تربية البدن وتقوية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔالاجساد‪ ،‬أو مركزا ع‪C‬ى صالح الفرد بعيدا عن صالح املجتمع فإن مثل هؤالء جميعا‬ ‫يشكلون أزمة فهم ال تسبب تأخ>‪ x‬املس>‪x‬ة فقط بل قد تؤدي إ"ى جنوح املس>‪x‬ة وشطط‬ ‫يخرج عن الصراط السوي‪.‬‬ ‫إن شمولية ٕالاسالم ليست موضع اج‪*¥‬اد بل ]ي شمولية نصية ال يجوز بحال من ٔالاحوال‬ ‫تجاوزها‪ ،‬والذي يريد أن ُيخرج بعض مشتمالت ٕالاسالم منه تحت ضغط واقع مع>ن يحمله‬ ‫ع‪C‬ى حذف ‪‹ºà‬ء من ٕالاسالم فإنه يرتكب بذلك كب>‪x‬ة ‪N‬ي الوقت الذي يظن فيه أنه يحسن‬ ‫ً‬ ‫عمال ‪ ،‬وسيؤدي فعله هذا إ"ى تكوين عقول يتطاول عل‪*j‬ا ٔالامد وتتصلب ع‪C‬ى هذا الفهم‬ ‫السقيم‪.‬‬ ‫لقد آن ٔالاوان للمسلم>ن أن ينظروا إ"ى نقص الفهم واج™‪Ì‬ائه بالدرجة نفسها ال‪ ‹I‬ينظرون‬ ‫ف‪*j‬ا إ"ى نقص ٕالاخالص‪.‬‬ ‫إن النتيجة ٔالارضية ال‪ ‹I‬ينتجها نقص الفهم ونقص ٕالاخالص واحدة و]ي الفشل‪ .‬وال‬ ‫نتعرض للنتيجة ٔالاخروية؛ ألننا ننظر إ"ى املسألة نظرة عملية‪ ،‬وال ينب‪ó‬ي أن ‪*°‬مل فكرة‬ ‫نجاح العمل ‪N‬ي الدنيا ملا ي™‪x‬تب عليه من ظهور الحق وزهوق الباطل‪ ،‬و]ي نتيجة تتحقق‬ ‫معها جدية ٕالاسالم‪ ،‬وتظهر من خاللها أحقيته لكل ذي عين>ن‪.‬‬ ‫الركن الثاني‪:‬‬ ‫ولفهم خارطة الفهم البد من تصور الخارطة الجغرافية املشتملة ع‪C‬ى جميع ٔالاجزاء‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخذت أجزاؤها ٔالاحجام الطبيعية‪ ،‬ال تختل هذﻩ ٔالاحجام ال تصغ>‪x‬ا وال تكب>‪x‬ا‪ ،‬وعندما‬ ‫تختل ٔالاحجام تكون الخارطة خادعة‪ ،‬وكذلك فإن خارطة الفهم تكون خادعة ألصحا‪*o‬ا‬ ‫ُ ّ‬ ‫عندما ُي ّ‬ ‫صغرون أجزاء فهمهم‪.‬‬ ‫ك‪xy‬ون وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن من يضع ع‪C‬ى عينيه عدسة مك‪xy‬ة أو ينظر من خالل املجهر البد أن يضع ‪N‬ي اعتبارﻩ أن‬ ‫ً‬ ‫ما يراﻩ من ٔالاحجام واملسافات ليس حقيقيا‪ ،‬فإذا تصور هذا ٔالاشياء حقيقة فسيتصرف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تصرفا خاطئا ؛ ألنه سيظن أن الجسم الذي رآﻩ عن طريق املنظار ع‪C‬ى مسافة أمتار منه‬ ‫وهو ‪N‬ي الواقع بعيد‪ ،‬وسيتصرو أن الذرة الصغيةر جسم كب>‪ x‬يحتاج إ"ى قوة كب>‪x‬ة‪ ،‬و]ي ‪N‬ي‬ ‫الحقيقة ال تقع تحت اللمس أو تحت الحركة‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫وقد أصيب بعض املسلم>ن ‪*o‬ذا النوع من التضخم ‪N‬ي فهمهم ألمور ٕالاسالم وقضاياﻩ‪.‬‬ ‫فالكالم ‪N‬ي موضوع الخالفة والعمل من أجلها ضروري للفهم الصحيح‪ ،‬ولكن أن يستغرق‬ ‫الكالم عن الخالفة مساحة ٕالاسالم إ"ى درجة تصغر معها ٔالاجزاء ٔالاخرى ح‪ HI‬تكاد تخرج‬ ‫عن الاهتمام هو أمر يق‪ ‹ºÁ‬ع‪C‬ى الخالفة نفسها‪ ،‬والنظر إ"ى تربية الروح وتزكي‪*¥‬ا نظرة‬ ‫استغراق تخضع جميع أنواع النشاط لسيطرž*ا وهيمن‪*¥‬ا بحيث تصغر أمور ٕالاسالم ٔالاخرى‬ ‫هو أمر يق‪ ‹ºÁ‬ع‪C‬ى الروح نفسها؛ ألنه ال يقول عاقل بأن التضخم حالة صحية ‪ ،‬بل هو‬ ‫حالة مرضية ‪ ،‬وكذلك تضخم الفهم‪.‬‬ ‫لقد أصيب بعض العامل>ن للغسالم بمثل هذا التضخم إ"ى درجة أ‪*°‬م ثبتوا اهتمامهم ‪N‬ي‬ ‫زاوية من الزوايا ولم يخطر ع‪C‬ى بالهم سوى هذﻩ الزاوية‪ ،‬فأصبحت حال‪*¥‬م حال املريض‬ ‫الذي أصيب ‪*o‬ذيان فال تسمع منه سوى كلمة وانحدة يرددها‪ ،‬وكلما حاولت أن تعيدﻩ إ"ى‬ ‫التوازن ضجر بمحاولتك ليعود إ"ى هذيانه‪.‬‬ ‫إن تصور ٔالاحجام املناسبة لعناصر الفهم شرط أساس للعمل ‪ ،‬فإذا اختلت ٔالاحجام فإنه‬ ‫البد أن يعود خللها ع‪C‬ى الخطة والفهم ‪ ،‬وبالتا"ي ع‪C‬ى النتائج والثمرات‪ .‬وإن الانحرافات‬ ‫الكب>‪x‬ة ‪N‬ي تاريخ البشرية كانت ترجع ‪N‬ي كث>‪ x‬من ٔالاحيان إ"ى الخلل ‪N‬ي مساحات الفهم‬ ‫وأحجامه‪ ،‬فال‪*j‬ود الذين ال يعرفوا من دي‪*w‬م إال أ‪*°‬م شعب ﷲ املختار جعلهم فهمهم هذا‬ ‫يتجاوزون حدودهم إ"ى درجة يتصورون معها تفوق عرقهم ع‪C‬ى كل عرق‪ ،‬وطالبوا بإخضاع‬ ‫كل ‪‹ºà‬ء لطموحات هذا العرق ورغباته ح‪ HI‬ﷲ تعا"ى ‪ ،‬فقد صورت لهم أنفسهم تفوقهم‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك النصارى الذين رثوا لحال عي»‪ Hº‬عليه السالم فلم يجدوا تعب>‪x‬ا يناسب هذا الرثاء‬ ‫ً‬ ‫إال نعته بنعوت التأليه والتعظيم ليصبح فيما بعد إلها ع‪C‬ى حد زعمهم ‪ ،‬لقد اختلطت‬ ‫العظمة باأللوهية ولم يعد من السهل تمي>‪Ì‬ها فانحرفوا وضلوا‪.‬‬ ‫وكذلك أمر مشركي العرب الذين كانوا يعظمون بعض رجالهم‪ ،‬ثم انتقل التعظيم إ"ى ٓالاثار‬ ‫ال‪ ‹I‬عاش الرجال ع‪C‬ى مقربة م‪*w‬ا‪ ،‬ثم نسوا أولئك الرجال لتحل ٔالاصنام محلهم وتستو"ي‬ ‫ع‪C‬ى عقولهم وقلو‪*o‬م‪ ،‬وهكذا فلو أننا سرنا مع شعوب ٔالارض لوجدنا أن هذﻩ الشعوب قد‬ ‫أصيبت ‪N‬ي فهمها أك¨‪ x‬مما أصيبت ‪N‬ي إخالصها للمعتقدات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وليس أمر كث>‪ x‬من املسلم>ن بعيدا عن هذا‪ ،‬ومع أن املسلم يبقى ‪N‬ي دائرة ٕالاسالم ‪N‬ي كث>‪x‬‬ ‫من ٔالاحيان مع تضخم فهمه‪ ،‬لكنه لن يصل إ"ى النتائج ال‪ ‹I‬يطمح للوصول إل‪*j‬ا‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫إن الفرق ٕالاسالمية ]ي تعب>‪ x‬عن تضخم الفهم وخلله‪ ،‬فالقدرية الذين أنكروا القدر قوم‬ ‫متصفون بالصالح والتقى‪ ،‬ولك‪*w‬م وقعوا ‪N‬ي أزمة فهم جعل‪*¥‬م ينفون القدر ويتصورون أن‬ ‫ً‬ ‫علم ﷲ تعا"ى ليس أزليا بل هو علم حادث يكون بعد حدوث ٔالاشياء‪ .‬لقد أرادوا ت‪ÌÞ‬يه ﷲ‬ ‫تعا"ى عن الظلم‪ ،‬وتضخم هذا الجانب ‪N‬ي نفوسهم وبالغوا فيه ح‪ HI‬أوقعهم بوصف ﷲ‬ ‫تعا"ى باجلهل ‪ ،‬فخرجوا عن قاعدة الت‪ÌÞ‬يه وهم يريدون الت‪ÌÞ‬يه‪ ،‬ونجد هذا ‪N‬ي الحديث الذي‬ ‫أخرجه ٕالامام مسلم)‪ .(230‬عن ابن عمر عندما جاء يح ‪ H‬بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن‬ ‫ً‬ ‫الحم>‪x‬ي فقاال له ‪ :‬إن قبلنا أناسا يقرؤون القرآن ويتقفرون )‪ (231‬العلم وذكروان من شأ‪*°‬م‬ ‫ُُ‬ ‫‪ ،‬أي من زهدهم وعبادž*م‪ ،‬وأ‪*°‬م يقولون ‪ :‬ال قدر‪ ،‬وأن ٔالامر أنف ) أي مستأنف ( ال يعلمه‬ ‫ً‬ ‫ابتداء ‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬إذا لقيت أولئك فأخ‪xy‬هم أني بريء م‪*w‬م وأ‪*°‬م برءاء م‪، ‹¢‬‬ ‫ﷲ‬ ‫ً‬ ‫فوالذي يحلف به عبدﷲ بن عمر لو أن ألحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما تقبل منه إال أن‬ ‫يؤمن‬ ‫بالقدر ‪ ،‬ثم ساق الحديث الذي يتناول قصة م‪Ô‬يء ج‪xy‬يل عليه السالم إ"ى الن´‹  وفيه‬ ‫بيان أركان ٕالايمان‪.‬‬ ‫وقد وصل ٔالامر ببعض دعاة الت‪ÌÞ‬يه إ"ى درجة نفوا معها الصفات بحجة توحيد ﷲ تعا"ى‬ ‫مخلص>ن فيما ذهبوا إليه ‪N‬ي التعطيل‪ ،‬واملش©*ة واملعطلة سواء ‪N‬ي النتيجة ‪ ،‬وال ينب‪ó‬ي أن‬ ‫توصف فئة م‪*w‬م بالعبقرية والتم>‪ Ì‬كما حاول املستشرقون وتالمذž*م أن يصفوا املع™‪Ì‬لة‬ ‫بأصحاب الفكر الحر والعقل الن>‪ x‬وهم ‪N‬ي الحقيقة أناس جنحوا ‪N‬ي فهمهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك ٔالامر بالنسبة للشيعة الذين أحبوا عليا ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه وآله ‪ ،‬ورثوا ملا أصا‪*o‬م‪،‬‬ ‫فأخرجهم هذا الرثاء عن جادة الفهم حيث تضخم جانب الحب واملوالاة‪ ،‬وسيطر ع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فهمهم ووجه حرك‪*¥‬م ع‪ xy‬التاريخ توج‪*j‬ا خاطئا ‪ ،‬وكان ينب‪ó‬ي أن يعلموا أنه ال يلزم من حب‬ ‫إنسان أن نخرجه عن ٔالاطوار البشرية‪ ،‬ونرتب جميع ٔالاوراق التاريخية السابقة والالحقة‬ ‫ً‬ ‫تبعا لهذا الجانب‪.‬‬ ‫وأما الخوارج فهم فئة تم>‪Ì‬ت بجهادها وثباž*ا وصالب‪*¥‬ا وإقبالها ع‪C‬ى العبادة وقراءة القرآن ‪،‬‬ ‫وهم كما ُوصفوا ) أنضاء عبادة واطالح سهر ( )‪ (232‬ولك‪*w‬م أصيبوا بتضخم الفهم عندما‬ ‫)‪(230‬‬

‫?> !‪. 1< 37/1 / !@ A B 67‬‬

‫)‪(231‬‬

‫‪.8$D!9 8$7J‬‬

‫)‪(232‬‬

‫;‪.L -; ]$D! >7J /! : ن كون املسلم عاصيا وكونه مؤمنا ‪N‬ي وقت واحد‪ ،‬فحملهم طلب‬ ‫وضوح املوقف وتحديدﻩ من املعصية ع‪C‬ى تكف>‪ x‬املسلم>ن فوقعوا ‪N‬ي معصية أك‪ ، xy‬لقد‬ ‫غاب ع‪*w‬م أن النصوص الشرعية لها أصول تفهم من خاللها ‪ ،‬وأن التعارض فيما بي‪*w‬ا هو‬ ‫تعارض ظاهري يزول بالعلم والرؤية الواسعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعند فقدان ٔالاصول والعلم يصبح التعارض شبحا ثقيال ع‪C‬ى العقل‪ ،‬فيحمل املسلم ع‪C‬ى‬ ‫اختيار نص وطرح نص آخر‪ ،‬وهو ‪N‬ي الوقت الذي يريد تحكيم شريعة ﷲ من خالل شعار )‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إن الحكم إال هلل ( يكون قد رفض شريعة ﷲ برفضه نصا من النصوص أو حكما من‬ ‫ٔالاحكام‪ ،‬ولبيان هذا ٔالامر ملا له من ٔالاهمية نمثل بنص>ن يبدو ف‪*j‬ما التعارض ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫النص ٔالاول ‪ :‬أخرج ٕالامام البخاري ومسلم حديثا جاء فيه ) من قتل نفسه بحديدة فهو ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نار ج‪*w‬م يتوجأ بحديدته خالدا مخلدا ف‪*j‬ا ‪ ،‬ومن تجرع سما فهو ‪N‬ي نار جهنم يتجرعه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خالدا مخلدا ف‪*j‬ا( )‪.(233‬‬ ‫وظاهر هذا النص يفيد أن من قتل نفسه فهو خالد ‪N‬ي النار ‪ ،‬والخلود ‪N‬ي النار جزاء الكفار‪،‬‬ ‫وعليه فقتل النفس كب>‪x‬ة يخلد صاح©*ا ‪N‬ي النار‪.‬‬ ‫النص الثاني ‪ :‬أخرج ٕالامام مسلم ‪N‬ي صحيحه من طريق جابر أن الطفيل بن عمرو الدو‪‹ºÒ‬‬ ‫أتى الن´‹  فقال ‪ :‬هل لك ‪N‬ي حص>ن حص>ن ومنعة‪ ،‬قال حصن كان لدوس ‪N‬ي الجاهلية‪،‬‬ ‫فأبى ذلك الن´‹  للذي ذخر ﷲ لألنصار فلما هاجر الن´‹  إ"ى املدينة هاجر إل‪*j‬ا الطفيل‬ ‫بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا)‪ (234‬املدينة ‪ ،‬فمرض فجزع فأخذ‬ ‫مشاقص)‪ (235‬له فقط ‪*o‬ا براجيمه)‪ (236‬فشخبت يداﻩ ح‪ HI‬مات ‪ ،‬فرآﻩ الطفيل ‪N‬ي منامه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وهيئته حسنة ‪ ،‬ورآﻩ مغطيا يديه ‪ ،‬فقال له ما صنع بك ربك ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬غفر "ي بهجرتي إ"ى‬ ‫ً‬ ‫نبيه  فقال ‪ :‬ما"ي أراك مغطيا يديك ‪ ،‬قال ‪ :‬قيل "ي لن نصلح منك ما أفسدت ‪ ،‬فقصها‬ ‫الطفيل ع‪C‬ى رسول ﷲ  فقال رسول ﷲ  ‪ ) :‬اللهم وليديه فاغفر( )‪.(237‬‬

‫)‪(233‬‬

‫?> ‪.5778 < 247/10 7 J (   >5 0  :‬‬

‫?> !‪ 103/1 / !@ A B 67‬‬

‫< ‪.175‬‬ ‫)‪(234‬‬

‫‪.(6 I5 6I ; ) ,9 A  K H9 /! 87 ; : 4 J: 1 F $! 9 5‬‬

‫)‪(235‬‬

‫!= ‪.N5 1 $ 85 6I C=! N!9 : CF‬‬

‫)‪(236‬‬

‫ !‪.N @ 1 ! : 9‬‬

‫)‪(237‬‬

‫?> !‪.184 < 109/1 / !@ A B 67‬‬ ‫‪87‬‬

‫ً‬ ‫وهذا النص يفيد أن قاتل نفسه ليس مخلدا ‪N‬ي النار بل هو ‪N‬ي الجنة كما أخ‪ xy‬الن´‹ ‬ ‫بإقرارﻩ رؤيا الطفيل‪ ،‬ودعائه لقاتل نفسه باملغفرة‪.‬‬ ‫ويبدو التعارض الظاهري ب>ن هذين النص>ن‪ ،‬ولكن علماء العقيدة أزالوا هذا التعارض من‬ ‫خالل فهمهم امل™‪Ì‬ن ‪ ،‬فحملوا النص ٔالاول ع‪C‬ى أن من قتل نفسه وهو مستحل لهذا الفعل‬ ‫ً‬ ‫أي معتقدا حله‪ ،‬ومن اعتقد حل ‪‹ºà‬ء حرمه ﷲ فهو كافر خالد مخلد ‪N‬ي النار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأما النص الثاني‪ :‬فقد كان الفعل ناتجا عن ضجر وسأم ال عن استحالل ما حرم ﷲ‪ ،‬فلم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يكن قاتل نفسه كافرا وال خالدا مخلدا ‪N‬ي النار ‪ ،‬بل هو مق™‪x‬ف ملعصية مع بقاء أصل‬ ‫ٕالايمان ‪N‬ي نفسه‪ ،‬ويبقى ‪N‬ي دائرة وزن ٔالاعمال وعرضها ع‪C‬ى ﷲ ال ‪N‬ي دائرة حبوط ٔالاعمال‬ ‫وركمها ‪N‬ي جهنم‪ ،‬وإذا دخل املؤمن النار عقوبة ع‪C‬ى معصية فعلها فسيخرج م‪*w‬ا بعد أن‬ ‫ينال جزاءﻩ إذ ال خلود ألهل ٕالايمان ‪N‬ي النار‪.‬‬ ‫وأما ‪N‬ي العصر الحديث فقد أصيب بعض الدعاة بمثل هذﻩ ٔالازمة ‪N‬ي الفهم فنظروا إ"ى‬ ‫ً‬ ‫العصاة والجالدين نظرة جعل‪*¥‬م يحكمون عل‪*j‬م بالكفر والخلود ‪N‬ي النار ‪ ،‬ظنا أ‪*°‬م ال‬ ‫يستطيعون تعبئة الرأي العام ضدهم‪ ،‬وال يمك‪*w‬م إقناع الناس بفساد هؤالء إال إذا‬ ‫استندوا إ"ى نصوص تحكم عل‪*j‬م بالكفر والخلود‪.‬‬ ‫وهذﻩ الفئة يمكن أن ُيقال ف‪*j‬ا إن فكرها قد انحرف ‪N‬ي ظل الفتنة ‪ ،‬وكان ينب‪ó‬ي أن يحافظ‬ ‫الفكر ع‪C‬ى طبيعته ومنهجه ح‪N HI‬ي ظل الفتنة ‪ ،‬بل نحن أحوج إ"ى الفكر امل™‪Ì‬ن ‪N‬ي الفتنة‬ ‫أك¨‪ x‬منه خارجها‪.‬‬ ‫فالفكر ال يتعرض لالنحراف ‪N‬ي ٔالاحوال العادية ‪ ،‬وإنما يتعرض لالنحراف ‪N‬ي املنعطفات‬ ‫الحادة‪ ،‬فإذا وقعت ٔالاجساد اس>‪x‬ة آلالم السياط فال ينب‪ó‬ي لألفكار أن تلتوي كما تتلوي‬ ‫ٔالاجساد‪.‬‬ ‫إن قساوة قلب السجان ‪ ،‬وانحراف فطرة الجالد هما مظهران من مظاهر السوء ودليالن‬ ‫ع‪C‬ى فساد القلوب ‪ ،‬ولكننا نضعهما ‪N‬ي مكا‪*°‬ما ‪N‬ي مقاييس الشر ‪ ،‬والبد أن ُيقتص من كل‬ ‫ظالم‪ ،‬ولكن ال ينب‪ó‬ي أن يصل ٔالامر إ"ى درجة التكف>‪ x‬؛ ألن التكف>‪ x‬ال يكون إذا إذا أنكر‬ ‫ً‬ ‫املسلم معلوما من الدين بالضرورة ‪ ،‬باإلقرار ع‪C‬ى نفسه بالكفر أو إنكار آية من كتاب ﷲ ‪،‬‬ ‫أو باستحالل ما حرم ﷲ أو بتحريم ما أحل ﷲ ‪.‬‬ ‫إن الفهم امل™‪Ì‬ن يجعلنا نستطيع أن ندرك هذﻩ املعادلة ‪ ،‬ويمكن عندئذ أن يحكم الرجل‬ ‫ع‪C‬ى جالدﻩ باملعصية ال بالكفر‪N ،‬ي ح>ن يحكم بالكفر ع‪C‬ى رجل رثى لحاله ومسح ع‪C‬ى‬ ‫‪88‬‬

‫جراحه ووافاﻩ بطعامه وشرابه‪ ،‬ولكنه همس همسة واحدة قال ف‪*j‬ا إن ال‪‹ºÜ‬ء الفالني‬ ‫ً‬ ‫الذي حرمه ﷲ كان أو"ى أن يكون حالال ‪ ،‬أو إن ال‪‹ºÜ‬ء الفالني الذي أحله ﷲ كان ٔالاو"ى‬ ‫ً‬ ‫أن يكون حراما‪ .‬ونحن ح>ن نرى شارب الخمر ال يجوز أن نحكم عليه بالكفر‪ ،‬وقد نرى آخر‬ ‫ً‬ ‫ال يشر‪*o‬ا ويعافها ولكننا نحكم عليه بالكفر عندما يقول ‪ :‬ما ينب‪ó‬ي أن تكون الخمر حراما‪.‬‬ ‫الركن الثالث‪:‬‬ ‫أن تأخذ عناصر الفهم أماك‪*w‬ا الطبيعية فال تتبدل مواقعها ‪ ،‬بل يظهر كل عنصر ‪N‬ي مكانه‬ ‫الطبي‪è‬ي ضمن سلسلة ٔالاولويات؛ وذلك ألن طريقة ترتيب ٔالاولويات تسهم ‪N‬ي تغي>‪ x‬املنهج‬ ‫وطريقة التفك>‪ ، x‬فيكون الاختالف ب>ن جماعت>ن ليس ‪N‬ي وجود عناصر الفهم‪ ،‬ولكن ‪N‬ي‬ ‫ترتيب هذﻩ العناصر ‪ ،‬كما أن البدء ‪N‬ي املرحلة قبل أوا‪*°‬ا يق‪ ‹ºÁ‬ع‪C‬ى املرحلة نفسها‪ ،‬ولقد‬ ‫رأينا صنع أعداء ٕالاسالم وهم يحاولون ‪N‬ي كث>‪ x‬من ٔالاحيان أن يجروا العمل ٕالاسالمي إ"ى‬ ‫مرحلة لم ُيعد العدة لها ‪ ،‬ولم يستوعب شروطها ومقوماž*ا ‪ ،‬وكان هذا يؤدي باستمرار إ"ى‬ ‫إجهاض العمل ٕالاسالمي باستخدام هذﻩ ٔالامصال القاتلة‪.‬‬ ‫فممارسة القتال هو ذروة سنام ٕالاسالم ‪ ،‬ومكون من مكونات ٕالاسالم ‪*+‬دف إ"ى مقارعة‬ ‫الفتنة والقضاء عل‪*j‬ا ‪ ،‬وتمهيد الطريق النتشار الدعوة ووصولها إ"ى كل مكان وإزاحة‬ ‫العقبات من طريقها ‪ ،‬والبد أن تحتوي عليه خارطة الفهم‪ ،‬ومن يطالب بإلغاء الجهاد من‬ ‫الفهم فإنه يكفر ويخرج من امللة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فقد كفرت القاديانية عندما عطلت هذﻩ الشع>‪x‬ة ع‪C‬ى املستوى النظري وحذف‪*¥‬ا ‪*°‬ائيا من‬ ‫خارطة فهمها ‪ ،‬وصور لها دجالها أن ٕالاسالم يمكن أن يتم ويكمل بغ>‪ x‬جهاد‪ .‬ومع أن للجهاد‬ ‫ً‬ ‫هذها ألهمية وهو فريضة من فرائض الدين إال أن له شروطا ومقدمات البد من اكتمالها‪،‬‬ ‫ح‪ HI‬نصل إ"ى مكان القتال وفق ترتيبه ‪N‬ي سلم ٔالاولويات ‪ ،‬وقدوتنا ‪N‬ي هذا سيد املجاهدين‬ ‫ً‬ ‫الن´‹ محمد  ‪ ،‬الذي لم يأذن ألصحابه بالقتال إال بعد هجرž*م للمدينة‪ ،‬علما بأن‬ ‫ٔالاسباب الداعية للقتال كانت موجودة قبل ذلك ‪ ،‬ولكن الشروط الضرورية للقتال لم تكن‬ ‫موجودة‪.‬‬ ‫ونحن ‪N‬ي هذﻩ ٔالايام نواجه أزمة فكرية عند بعض العامل>ن لإلسالم الذين يظنون أن توافر‬ ‫ٔالاسباب وغزارž*ا يغ‪ ‹¢‬عن توافر الشروط‪ ،‬فهم يريدون القتال ع‪C‬ى أي حال ‪ ،‬وهذﻩ معادلة‬ ‫ُ‬ ‫ذات شق واحد‪ ،‬تؤدي إ"ى نتيجة عكسية ‪ ،‬وقد آن ٔالاوان الذي تعتمد فيه القيادة‬ ‫الراشدة‪ ،‬صاحبة املنهج والفهم‪ ،‬كما آن ٔالاوان للمتعجل>ن أن يدركوا ضرورة هذا الرشد ‪،‬‬ ‫‪89‬‬

‫ومع‪ H¢‬بعد النظر‪ ،‬واتباع قاعدة ٔالاولويات‪ ،‬ح‪ HI‬ال يقع العمل ٕالاسالمي ‪N‬ي املصيدة ال‪‹I‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ينص©*اﻩ له أعداؤﻩ‪ ،‬وقد تب>ن بما ال يدع مجاال للشك أن مثل هذﻩ املمارسات كانت عامال‬ ‫‪N‬ي تجريد املجتمع من القوة ٕالاسالمية‪.‬‬ ‫مراجعة الفهم‪:‬‬ ‫وللمحافظة ع‪C‬ى هذا الفهم ‪N‬ي حدود أركانه البد من استحضار العناصر ؤالاولويات ‪ ،‬وأن ال‬ ‫تغيب هذﻩ ٔالامور عن العامل>ن لإلسالم‪ .‬كما ينب‪ó‬ي أن ال يصرفنا الا‪*°‬ماك ‪N‬ي مرحلة من‬ ‫املراحل عن استحضار التصور الذه‪ ‹¢‬والنظر لجميع املراحل ‪ ،‬وهذا شرط الستقرار املنهج‬ ‫وسالمة التفك>‪ ، x‬وإن أسباب التسرب ‪N‬ي العمل ٕالاسالمي ترجع ‪N‬ي كث>‪ x‬من ٔالاحيان إ"ى عدم‬ ‫استحضار هذﻩ ٔالامور أو إ"ى نشاط مبالغ فيه ضمن جزئية من هذﻩ الجزئيات ‪ ،‬ومن أجل‬ ‫ذلك نجد بعض الدعاة ليسوا قادرين ع‪C‬ى مواكبة الدعوة‪ ،‬وقد يس>‪x‬ون ف‪*j‬ا بأجسادهم‬ ‫أك¨‪ x‬مما يس>‪x‬ون معها بالئحة فهمهم املتكاملة‪ ،‬ومثل هؤالء لد‪*+‬م قابلية التسرب‪ ،‬وعالج‬ ‫هذﻩ القابلية يكون بمراجعة الفهم والوصول إ"ى قناعات حول أركانه‪.‬‬ ‫واملتتبع لسنة الن´‹  يجد أنه كان باستمرار يعيد ع‪C‬ى الصحابة عناصر فهمهم لإلسالم‪،‬‬ ‫فلو نظرنا ‪N‬ي حديث ج‪xy‬يل عليه السالم الذي كان ‪N‬ي آخر عهد النبوة ‪ ،‬حيث ذكرت فيه‬ ‫حقائق إسالمية لم تكن مجهولة عند الصحابة بل كانت معلومة‪ ،‬وقد يقول قائل ما الدا‪µ‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إ"ى إعادž*ا وترتي©*ا؟ علما بأن الحصابة رضوان ﷲ عل‪*j‬م كانوا قد سمعوا كث>‪x‬ا عن الصالة‬ ‫والزكاة والصيام والحج وٕالايمان وٕالاحسان والساعة‪ ،‬ولكن منهج هذا الدين يقوم ع‪C‬ى‬ ‫طريقه تربوية تعتمد ع‪C‬ى إدخال املعلومة الجديدة ‪N‬ي ظل معلومات سابقة مرتبة ‪،‬لتكون‬ ‫العملية الذهنية متكاملة‪ ،‬وإن أفضل طريقة ملراجعة الفهم ]ي معرفة أهداف ٕالاسالم‬ ‫الك‪xy‬ى ومقاصدﻩ العظم‪ ، H‬واستحضار هذﻩ ٔالاهداف واملقاصد ‪N‬ي حالة و‪µ‬ي ال تعرف‬ ‫الهذيان وال التجزئه ‪ ،‬واملنهج السديد ت™‪x‬كز فيه أهداف ٕالاسالم ومقاصدﻩ و]ي أركان الفهم‪.‬‬ ‫والبد من معرفة هذﻩ ٔالاهداف وشرحها للعامل>ن ومعاودة الرح والدراسة لتبقي حية ‪N‬ي‬ ‫النفوس ‪ ،‬صيانة لها من الغفلة والنسيان ‪ ،‬وهما أخو الجهل والضالل ‪.‬‬ ‫إن استعراض ٔالاهداف يعطي الداعية قناعة بأن دعوته كلية ال جزئية ‪ ،‬وأ‪*°‬ا متنوعة‬ ‫املراحل‪ ،‬ويوقفه ع‪C‬ى اتساع حقول الدعوة‪ ،‬ويكشف له عن عظيم الجهد املطلوب لتحقيق‬ ‫هذﻩ ٔالاهداف ‪ ،‬ويساعدﻩ ع‪C‬ى قياس الجهد املبذول‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫إن ٕالادراك الوا‪µ‬ي لفرق الجهد ب>ن املطلوب واملبذول يدفع الداعية إ"ى مرا‪ï‬ي الجهد‬ ‫املطلوب‪ ،‬ويشعرﻩ بالتقص>‪ x‬وبأسباب عدم بلوغ الغاية ‪ ،‬وهذا جزء مهم من عالج حالة‬ ‫ٕالاحباط ‪N‬ي نفوس الدعاة‪ .‬فكث>‪ x‬من الدعاة تصي©*م الح>‪x‬ة لعدم وصولهم إ"ى أهدافهم‪،‬‬ ‫ﱠ‬ ‫ظان>ن أ‪*°‬م وفوا ما عل‪*j‬م وأبرءوا ذم‪*¥‬م ‪ .‬وهذا يجعلهم ي‪*¥‬مون دعوž*م بالقصور‪ ،‬أو‬ ‫ُيصابون باإلحباط‪ ،‬والاž*ام بالقصور وٕالاحباط سببان رئيسان يخرجان الداعية عن‬ ‫مسارﻩ‪.‬‬ ‫وزيادة ‪N‬ي إيضاح هذﻩ الفكرة نقول ‪ :‬إن الجهد املطلوب جهد موضو‪µ‬ي‪ ،‬مثاله أن نقل مائة‬ ‫كيلو غرام يحتاج إ"ى قوة حمل تساوي مائة كيلو غرام ‪ 100 ،‬كغم وزن = ‪ 100‬كغم قوة‪.‬‬ ‫إن ‪ 90‬كغم قوة ال يمكن أن ترفع وزن ‪ 100‬كغم‪.‬‬ ‫إن الجهد املطلوب يبينه قول الل تعا"ى ‪  :‬يا أ‪*+‬ا الذين آمنوا اتقوا ﷲ حق تقاته وال تموتن‬ ‫إال وأنتم مسلون  )‪ ،(238‬ويبينه حديث ال‪ٕ " :  ‹¢‬الايمان بضع وستون أو بضع وسبعون‬ ‫شعبة‪ ،‬أعالها ال إله إال ﷲ ‪ ،‬وأدناها إماطة ٔالاذى عن الطريق‪ ،‬والحياة شعبة من ٕالايمان"‬ ‫متفق عليه)‪.(239‬‬ ‫)‪(240‬‬ ‫وأما الجهد املبذول فيدل عليه قول ﷲ تعا"ى  فال تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى‬ ‫ٓالاية ‪ ،‬وقوله وما أصابكم من ُمصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كث>‪ٓx‬الاية )‪.(241‬‬

‫)‪(238‬‬ ‫)‪(239‬‬

‫‪.102 / !- 10‬‬ ‫?> ‪.58 57 < 63/1 67! >?  . 9 < 51/1 C (   >5 )  :‬‬

‫)‪(240‬‬

‫‪.32 69$‬‬

‫)‪(241‬‬

‫= ‪.30 H‬‬ ‫‪91‬‬

‫القاعدة الثامنة عشر‬ ‫الفهم السائد والفهم الواجب‬ ‫لقد وقع كث>‪ x‬من املسلم>ن ‪N‬ي مشكلة عدم فهم القرآن الكريم ‪ ،‬وهذﻩ ٔالازمة أشد عل‪*j‬م‬ ‫ً‬ ‫وأفتك ‪*o‬م من عدوهم‪ .‬فلقد أنتج الفهم الخطأ فرقا وطوائف مزقت ٔالامة وأتت ع‪C‬ى كلم‪*¥‬ا‬ ‫ووحدž*ا‪ .‬ونحن ‪N‬ي هذﻩ القواعد نقف ع‪C‬ى الفهم السائد ‪N‬ي مقابل الفهم الواجب‪ .‬فقد ساد‬ ‫‪N‬ي ٔالامة فهم أناني فردي يتس™‪ x‬بستار النفعية وهو الضرر بعينه ع‪C‬ى الفرد والجماعة‪ ،‬حيث‬ ‫نجد أك¨‪ x‬الناس يدورون حول ذواž*م ويشعرون بالسلبية القاتلة عندما يظهور إلحاح‬ ‫املصلحة العامة‪ .‬ونجد الدعوة إ"ى الانكباب ع‪C‬ى الذات أو الدائرة الصغرى‪ ،‬ولسان حال‬ ‫أحدهم ٓالاية الكريمة‪ :‬يا أ‪*+‬ا الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذ اهتديتم‬ ‫)‪ ،(242‬ويفهمون من ٓالاية أن يعت‪ٕ ‹¢‬الانسان بشئون الخاصة ويقطع صلته مع الناس‪ ،‬مع‬ ‫تكرار كلمات وشعارات مثل ‪ :‬نحن ‪N‬ي آخر الزمان‪ ،‬وما شابه ذلك من عبارات اليأس‬ ‫والقنوط‪ .‬وهذا الفهم مخالف ألهداف القرآن ومقاصه‪ ،‬فقد جاء القرآن الكريم رحمة‬ ‫للعامل>ن إلصالح الفرد والجماعة‪ ،‬وطالب املسلم بأن ينفرد للدعوة والجهاد وأن ال يكون مع‬ ‫الخوالف‪ ،‬وأن ال يقعد مع القاعدين‪ .‬والقرآن ال تتضارب آياته وال تتناقض مقاصدﻩ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وليست العوائق والعقبات أسبابا كافية لصرف هذﻩ املقاصد عن بلوغ غاي‪*¥‬ا‪ ،‬ولوال ذلك ملا‬ ‫ُ‬ ‫شرع الجهاد بجميع صورﻩ وأشكاله‪ ،‬وقد ندب ﷲ املؤمن>ن ملكافحة الف™ن أنى كانت‪.‬‬ ‫ولقد التفت أبو بكر إ"ى خطورة هذا الفهم السل´‹ العك»‪ ،‹º‬فقد أخرج ٕالامام أحمد ‪N‬ي‬ ‫مسندﻩ وال™‪x‬مذي ‪N‬ي الجامع من طريق التاب‪è‬ي الجليل قيس بن أبي حازم قال‪ :‬قام أبو بكر‬ ‫ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه فحمد ﷲ وأث‪ H¢‬عليه ثم قال‪ :‬أ‪*+‬ا الناس‪ ،‬إنكم تقرءون هذﻩ ٓالاية ‪  :‬يا أ‪*+‬ا‬ ‫الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم وإنكم تضعو‪*°‬ا ع‪C‬ى غ>‪x‬‬ ‫موضعها‪ ،‬وإني سمعت رسول ﷲ  يقول ‪" :‬إن الناس إذا رأو املنكر فلم يغ>‪x‬وﻩ أوشك ﷲ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عز وجل أن يعمهم بعقابه")‪ ،(243‬ولو فهم أبو بكر هذﻩ ٓالاية فهما سلبيا ملا أصر ع‪C‬ى مقاتلة‬ ‫مان‪è‬ي الزكاة‪ ،‬ول™‪x‬ك املرتدين يعودون بالعرب إ"ى جاهلي‪*¥‬م الجهالء‪.‬‬ ‫)‪(242‬‬

‫! ‪.205 :  O‬‬

‫)‪(243‬‬

‫!‪/; P=; 8 ]7-  :[ 675 V ! 3    T # $ /T ) 83(257/5)  !  (2/1) !?; $‬‬ ‫‪/? : 1 F (A D Z 6I!D‬‬

‫?> ‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫وقد أخرج ٕالامام أبو عي»‪ Hº‬ال™‪x‬مذي صاحب الجامع‪ ،‬بسندﻩ عن أبي أمية الشعباني قال ‪:‬‬ ‫أتيت أبا ثعلبة الخش‪ ‹¢‬فقلت له ‪ :‬كيف تصنع ‪*o‬ذﻩ ٓالاية؟ قال‪ّ :‬أية آية؟ قلت ‪ :‬قول ﷲ‬ ‫تعا"ى ‪ :‬يا أ‪*+‬ا الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم‪ ،‬قال‪ :‬أما وﷲ‬ ‫ً‬ ‫لقد سالت ع‪*w‬ا خب>‪x‬ا‪ ،‬سألت رسول ﷲ  فقال ‪" :‬بل ائتمروا باملعروف وتناهوا عن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املنكر‪ ،‬ح‪ HI‬إذا رأيت شحا ُمطاعا وهو ًى متبعا ودنيا مؤثرة‪ ،‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه‬ ‫ً‬ ‫فعليك بخاصة نفسك‪ ،‬ودع العوام‪ ،‬فإن من ورائكم أياما للص‪ xy‬ف‪*j‬ن مثل القبض ع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫الجمر‪ ،‬للعامل ف‪*j‬ن مثل أجر خمس>ن رجال يعملون كعملكم")‪.(244‬‬ ‫و‪*o‬ذا يكون أبو ثعلبة قد فسر ٓالاية‪ ،‬وحملها ع‪C‬ى الوقت الذي تكون فيه صفات الناس كما‬ ‫ذكر من الشح املطاع‪ .‬والشح أعم من البخل غذ هو ‪N‬ي املال وغ>‪x‬ﻩ‪ ،‬فيصبح الشح هو‬ ‫ً‬ ‫القاعدة العامة املتبعة‪ ،‬والهوى متبعا وهو رغبة النفس‪ُ ،‬ويعجب كل صاحب رأي برأيه فال‬ ‫شورى وال اتفاق‪ .‬وقد يقول قائل‪ :‬إن هذﻩ الصفات تنطبق ع‪C‬ى مجتمعاتنا‪ ،‬أال ترى الشح‬ ‫املطاع والهوى املتبع إ"ى آخر هذﻩ الصفات؟ وبذلك تكون ٓالاية منطبقة ع‪C‬ى زماننا‪ ،‬ونحن‬ ‫املخاطبون ‪*o‬ا! والحق أن هذﻩ الصفات املذكورة ]ي الصفات ال‪ ‹I‬تصبح سائدة عامة فال‬ ‫يخرج أحد ‪N‬ي املجتمع ع‪*w‬ا‪ ،‬وما زال ‪N‬ي املجتمع خ>‪ x‬كث>‪ ،x‬هنالك الصالحون ٔالاتقياء والكرام‬ ‫ٔالاسخياء‪ ،‬وطالب ٓالاخرة ٔالاولياء‪ ،‬والباحثون عن الدليل من الكتاب والسنة ‪ ،‬وليس املراد‬ ‫أان يكون بعض الناس ع‪C‬ى هذﻩ الصفات السيئة‪ ،‬فوجود الشحيح أمر متحقق ‪N‬ي كل عصر‬ ‫و‪N‬ي كل مكان ‪ ،‬ووجود املعجب برأيه املعتد بخطئه واملع™‪ Ì‬بخطيئته ممكن ‪N‬ي كل دهر‪ .‬وقد‬ ‫مدع أن هذا موجود ح‪N HI‬ي عصر الصحابة الكرام و‪N‬ي عصر التابع>ن ٔالابرار‪ ،‬و هو ما‬ ‫يد‪µ‬ي ٍ‬ ‫أشكل ع‪C‬ى بعض الصحابة ح‪ HI‬قام أبو بكر ينفي هذا ٕالاشكال‪ ،‬وما اختلط ع‪C‬ى أبي أمية‬ ‫الشعباني فقام يسأل أبا ثعلبة الخش‪ ‹¢‬ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪ ،‬فصرف أبو ثعلبة زمن تحققها عن‬ ‫زمان الصحابة الكرام‪ ،‬وقيد وجودها بالصفات املذكورة ع‪C‬ى وجه ٕالاحكام‪.‬‬ ‫ونحن نقول‪ :‬إن الزمان الذي تصل فيه ٔالامور إ"ى هذا الحد من الشح والهوى والدنيا املؤثرة‬ ‫ُ‬ ‫لم يأت بعد‪ ،‬ويكون ذلك قبيل يوم القيامة؛ ألن القيامة ال تقوم إال ع‪C‬ى شرار الخلق‬ ‫وأبغضهم إ"ى ﷲ تعا"ى‪ .‬وإن استغراق هذﻩ الصفات الذميمة ألبناء الجنس البشري يجعل‬ ‫الحياة عديمة الجدوى بال هدف‪ ،‬وعندئذ يكون القدر املقدور ‪N‬ي تدم>‪ x‬هذا الكون املعمور‪.‬‬

‫)‪(244‬‬

‫ !  )‪.(257/5‬‬ ‫‪93‬‬

‫ً‬ ‫ونقول أيضا‪ :‬إن هذﻩ الصفات تع‪ ‹¢‬فساد الفطرة ٕالانسانية وتنك©*ا عن الخ>‪ x‬وتمحضها‬ ‫ُ‬ ‫للشر‪ .‬وقد أخ‪xy‬نا الن´‹  عن زمان ال تقبل فيه توبة‪ ،‬وأخ‪xy‬نا القرآن الكريم عن وقت ال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ينفع فيه نفسا إيما‪*°‬ا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت ‪N‬ي إيما‪*°‬ا خ>‪x‬ا‪ .‬قال عليه الصالة‬ ‫والسالم‪" :‬ال تنقطع الهجرة ح‪ HI‬تنقطع التوبة‪ ،‬وال تنقطع التوبة ح‪ HI‬تخرج الشمس من‬ ‫مغر‪*o‬ا")‪ ،(245‬فباب التوبة مفتوح ع‪C‬ى مصراعيه‪ ،‬والتوبة مبذولة لجميع البشر‪ ،‬وي™‪x‬تب ع‪C‬ى‬ ‫ذلك ٔالامر باملعروف والن·‹ عن املنكر ‪ ،‬وعدم اليأس من النسا ‪ ،‬والقيام بواجب ٕالانذار‬ ‫والبالغ‪ ،‬ولكن عندما تنقطع التوبة ُويغلق با‪*o‬ا بظهور العالمات الك‪xy‬ى ال‪ ‹I‬ال ينفع ٕالايمان‬ ‫فعندئذ ال يفيد ٕالانذار والبالغ إال صاح©*ما ‪N‬ي حصوله ع‪C‬ى أجرهما وثوا‪*o‬ما‪ .‬وهذا ما‬ ‫بعدها‬ ‫ٍ‬ ‫جعل ابن مسعود يرى أن بعض آيات القرآن الكريم جاء تفس>‪x‬ها‪ ،‬وبعضها لم يأت‬ ‫تفس>‪x‬ها‪.‬‬ ‫ثم إن مما تفيدﻩ ٓالاية ت حص>ن النفس ووقاي‪*¥‬ا من عوامل الشر بأن يقوم املسلم بعمل>ن‬ ‫متالزم>ن‪ٔ :‬الاول ‪ :‬إصالح الذات‪ ،‬والثاني‪ٕ :‬الاصالح خارجها‪ .‬والخطر ع‪C‬ى الذات يكون من‬ ‫داخلها‪ ،‬ويكون من خارجها‪ ،‬فإذا تركت الذات دون تحص>ن وحفظ تسربت إل‪*j‬ا العوادي‬ ‫الخارجية فأفسدž*ا‪ .‬وٓالاية تأمر املؤمن>ن بأن يحافظوا ع‪C‬ى أنفسهم من هذﻩ العوادي كما‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي قوله تعا"ى‪ :‬يا أ‪*+‬ا الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودهها الناس‬ ‫والحجارة)‪.(246‬‬ ‫وقد جاء ‪N‬ي تفس>‪ٓ x‬الاية أن مع‪ H¢‬أنفسكم ‪ :‬قومكم وأمتكم ‪ ،‬كما ‪N‬ي قوله تعا"ى فسلموا‬ ‫ع‪C‬ى أنفسكم )‪ ، (247‬وكما ‪N‬ي قوله  وال تلمزوا أنفسكم )‪ (248‬ويكون املع‪ H¢‬احرصوا ع‪C‬ى‬ ‫أمتكم وع‪C‬ى أهل دينكم‪.‬‬ ‫ونخلص من كل هذا إ"ى أن ٓالاية ف‪*j‬ا دافعية عظيمة للعمل والحرص ع‪C‬ى مصلحة ٔالامة‪،‬‬ ‫وليست سلبية عدمية تدعو إ"ى ٕالانكباب ع‪C‬ى الذات فقط‪ ،‬أو ع‪C‬ى املصلحة الخاصة‬ ‫فحسب‪.‬‬

‫)‪(245‬‬

‫‪.(7/3)  4; /$‬‬

‫)‪(246‬‬

‫? ‪.6 :  6‬‬

‫)‪(247‬‬

‫‪.61 :  $‬‬

‫)‪(248‬‬

‫?‪.11:   9‬‬ ‫‪94‬‬

‫القاعدة التاسعة عشرة‬ ‫ٔالامر باملعروف والن‪ «°‬عن املنكر فرض من فروض ٔالامة‬ ‫ٔالامر باملعروف والن·‹ عن املنكر أبرز خصائص ٔالامة املسلمة ‪ ،‬وعالمة خ>‪x‬ي‪*¥‬ا ‪ ،‬قال تعا"ى ‪:‬‬ ‫ كنتم خ>‪ x‬أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وت‪*w‬ون عن املنكر وتؤمنون باهلل )‪.(249‬‬ ‫ولتحقيق هذﻩ املزية والصفة الشريفة جاء ٔالامر القرآني بذلك‪  :‬ولتكن منكم أمة يدعون‬ ‫إ"ى الخ>‪ x‬ويأمرون باملعروف وي‪*w‬ون عن املنكر)‪.(250‬‬ ‫فاألمر باملعروف والن·‹ عن املنكر دليل ع‪C‬ى حياة ٕالايمان ‪N‬ي القلب‪ ،‬وبرهان ع‪C‬ى قيام‬ ‫الرابطة الحقيقية ب>ن هذا املسلم ٓالامر النا]ي وب>ن دينه‪،‬وأنه ينطلق ‪*o‬ذا الدين بجد‬ ‫وعزيمة‪.‬‬ ‫املعروف واملنكر ‪N‬ي اللغة والاصطالح‪:‬‬ ‫املعروف ‪N‬ي اللغة ما عرفه الناس واعتادوﻩ ‪ ،‬واملنكر ما أنكروﻩ ومقتوﻩ‪.‬‬ ‫وأما ‪N‬ي الشرع فاملعروف ما عرفه الناس واعتادوﻩ مما جاء به الشرع‪ ،‬واملنكر ماأنكروﻩ‬ ‫ً‬ ‫ومقتوﻩ مما ن·‪ H‬عنه الشرع‪ .‬فقد يكون العروف عند الناس منكرا ‪N‬ي الشرع‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ً‬ ‫املنكر عند الناس معروفا ‪N‬ي الشرع‪ .‬ففي غياب شرع ﷲ تعا"ى عن املجتمعات تنشأ أعراف‬ ‫جاهلية تبدل املوازين ؤالاذواق ؤالاخالق‪ ،‬وها نحن نجد الكث>‪ x‬من مجتمعاتنا ٕالاسالمية‬ ‫ً‬ ‫تجعل من املنكرات معروفا يحظى بالدعم املادي واملعنوي ‪،‬وتحميه ٔالانظمة والقوان>ن ‪،‬‬ ‫وهذا من الثمامر الخبيثة ال‪ ‹I‬أنتج‪*¥‬ا سلبية ٓالاباء ؤالاجداد ‪ ،‬وموادع‪*¥‬م للمنكر وأهله ‪،‬‬ ‫وفسح املجال لدعاة السوء ‪N‬ي مختلف املجاالت ‪.‬‬ ‫مسئولية ٔالامر باملعروف والن·‹ عن املنكر عامة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وليس ٔالامر باملعروف والن·‹ عن املنكر شأنا خاصا ملسلم دون آخر بل ]ي مسئولية عامة‬ ‫ً‬ ‫مصدرها التكليف الشر‪µ‬ي العام‪ ":‬من رأى منكم منكرا فليغ>‪x‬ﻩ"‪ ،‬وكلمة "من" من ألفاظ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العموم‪ ،‬فكل مسلم آمن باهلل ربا وباإلسالم دينا مكلف شرعا باألمر باملعروف والن·‹ عن‬ ‫املنكر‪ .‬وال يستحق والية ﷲ ورسوله والذين آمنوا إال إذا قام ‪*o‬ذا الواجب‪ :‬واملؤمنون‬ ‫واملؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون باملعروف وي‪*w‬ون عن املنكر)‪.(251‬‬ ‫)‪(249‬‬

‫‪.110  : / !- 10‬‬

‫)‪(250‬‬

‫‪.104  : / !- 10‬‬

‫)‪(251‬‬

‫  ‪.71 :‬‬ ‫‪95‬‬

‫والقيام ‪*o‬ذا الواجب فريضة شرعية ‪ ،‬بل هو أصل الفرائض الشرعية‪ ،‬وهو مطلوب ‪N‬ي كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حال ‪ ،‬و‪N‬ي كل وقت‪ ،‬سواء أكان املسلم غنيا أو فق>‪x‬ا ‪ ،‬قويا أو ضعيفا‪ ،‬فردا أوجماعة‪ ،‬كث>‪x‬‬ ‫العلم أو قليله‪ .‬والذي يتنوع ويختلف إنما هو املنازل والدرجات‪ ،‬فهذﻩ تختلف حسب‬ ‫ٔالاحوال ؤالاوضاع‪ ،‬فأع‪C‬ى درجات إنكار املنكر التغي>‪ x‬باليد‪ ،‬وأدناﻩ التغي>‪ x‬بالقلب‪.‬‬ ‫بأ‪*+‬ما نبدأ‪:‬‬ ‫اق™‪x‬ن ذكر ٔالامر باملعروف بالن·‹ عن املنكر ‪N‬ي أك¨‪ٓ x‬الايات ؤالاحاديث ال‪ ‹I‬تحض ع‪C‬ى القيام‬ ‫‪*o‬ذﻩ الفريضة‪ ،‬وجاء ذكر الن·‹ عن املنكر وحدﻩ ‪N‬ي مواضع أخرى‪ ،‬وذلك مثل قوله تعا"ى‬ ‫ُ‬ ‫عن ب‪ ‹¢‬إسرائيل‪  :‬لعن الذين كفروا من ب‪ ‹¢‬إسرائيل ع‪C‬ى لسان داود وعي»‪ Hº‬بن مريم‪،‬‬ ‫ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون* كانوا ال يتناهون عن ُمنكر فعلوﻩ لبئس ماكانوا‬ ‫يفعلون)‪.(252‬‬ ‫ً‬ ‫وجاء إفراد الن·‹ عن املنكر ‪N‬ي الحديث‪ " :‬من رأى منكم منكرا فليغ>‪x‬ﻩ بيدﻩ‪ ،‬فإن لم‬ ‫يستطيع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف ٕالايمان")‪.(253‬‬ ‫ً‬ ‫وهذا التنويع ‪N‬ي ذكر ٔالامر باملعروف والن·‹ عن املنكر يدل ع‪C‬ى أن كال م‪*w‬ما قد يطلب ‪N‬ي‬ ‫ظروف أو أحوال معينة ‪ ،‬وأ‪*°‬ما قد يجتمعان أو ينفردان‪ .‬والذي يقرر دون كل واحد م‪*w‬ما‬ ‫تمكن أحدهما ‪N‬ي املجتمع‪ ،‬فإذا تمكن املنكر كما كان الحال ‪N‬ي مكة قبل الهجرة‪ ،‬أوكما هو‬ ‫‪N‬ي بعض املجتمعات ٕالاسالمية املعاصرة فإن ٔالامر باملعروف ي‪xy‬ز ويأخذ دورﻩ ‪N‬ي عملية‬ ‫التغي>‪ ، x‬فإذا تمكن املعروف وهيمن ع‪C‬ى املجتمع فإن الن·‹ عن املنكر ي‪xy‬ز ويأخذ دورﻩ‬ ‫ملعالجه الظواهر الشاذة ‪ ،‬كما كان الحال بعد الهجرة إ"ى املدينة‪ ،‬وقيام املجتمع املسلم ف‪*j‬ا‬ ‫‪ ،‬وكما هو الحال ‪N‬ي مؤسسة إسالمية‪ ،‬أو جماعة من الناس رضيت بحكم ٕالاسالم ف‪*j‬ا‪.‬‬

‫  ‬

‫ٔالامر باملعروف‬

‫    ‬

‫الن·‹ عن املنكر‬

‫)‪(252‬‬

‫! ‪.(78،79) /  O‬‬

‫)‪(253‬‬

‫;‪DJ (677/1) ; 47? 4  ]J ! DJ (469/4)  !  (69/1)67! 89 :‬‬ ‫ ?‪U5 !?! ? 47? ]- DJ (406/1)9 ! / # - ? C!? G‬‬ ‫  ‪.4F‬‬‫‪96‬‬

‫) دور إصالح وترميم (‬

‫) دور تأسيس وبناء(‬ ‫طبيعة ٔالامر باملعروف ‪:‬‬ ‫تتصف طبيعة ٔالامر باملعروف بالحكمة واملودة والرحمة وال‪، xy‬والنظر إ"ى الجانب ٕالايجابي ‪N‬ي‬ ‫الشخصية وتنمية هذا الجانب ‪ ،‬وي‪xy‬ز دور القدوة الصالحة‪،‬إذا ال يكون ٔالامر باملعروف إال‬ ‫من أهل املعروف الذين يظهر عل‪*j‬م معروفهم فتكون الدعوة إليه بلسان الحال قبل لسان‬ ‫املقال‪.‬‬ ‫طبيعة الن·‹ عن املنكر‪:‬‬ ‫تتصف طبيعة الن·‹ عن املنكر باملقاومة واملغالبة وروح التحدي وٕالاثارة‪ ،‬فهو يتضمن‬ ‫تسفيه ٔالاحالم وتخطئه ٔالاقوال والتصرفات‪ ،‬ومقاومة العادات والرغبات‪.‬‬ ‫ومن هنا كان الن·‹ عن املنكر أخطر وأشق من ٔالامر باملعروف‪.‬‬ ‫عملية التغي>‪ x‬من خالل ٔالامر باملعروف‪:‬‬ ‫يبدأ ٔالامر باملعروف بكلمة ودود‪ ،‬ليس ف‪*j‬ا إثارة أو مغاضبة‪ ،‬وليس ف‪*j‬ا مقاومة أو معاندة‬ ‫‪،‬وتكون الكلمة منطقية ذات حجة قوية‪ ،‬وبذلك تبدأ عملية التغي>‪N x‬ي املجتمع من خالل‬ ‫مراحل عدة ‪:‬‬ ‫املرحلة ٔالاو"ى‪:‬‬ ‫عندما ُيلقى قول املعروف أو فعله ‪N‬ي مجتمع املنكر يلقى هذا القول أو الفعل الاستهجان‬ ‫والسخرية ‪،‬وهذﻩ ]ي املرحلة ٔالاو"ى؛ ألن عيون أهل املنكر وآذا‪*°‬م وأذواقهم لم تتعود ع‪C‬ى‬ ‫مثل هذا القول أو الفعل فيقابل بالسخرية والاس‪*¥‬زاء والاستهجان‪ ،‬كما هو الشأن ‪N‬ي كل‬ ‫جديد‪ .‬فلقد أثارت صالة الن´‹  استهجان أهل مكة وسخري‪*¥‬م ‪N‬ي أول ٔالامر‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية‪:‬‬ ‫فإذا واصل أهل املعروف معروفهم فإن مرحلة جديدة تبدأ و]ي مرحلة عدم الرضا واملقت‬ ‫مع الحوار والجدل ‪ .‬وهنا تبدأ مرحلة الدفاع عن املعروف‪ ،‬واملحافظة عليه‪ ،‬وإدامة‬ ‫ً‬ ‫زراعته‪ ،‬وحياطة بذرته بالرعاية الالزمة‪ .‬والجدير بالذكر أن املعروف يصبح مألوفا عند أهل‬ ‫املنكر‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة‪:‬‬

‫‪97‬‬

‫فإذا واصل أهل املعروف مهم‪*¥‬م ‪N‬ي تأسيسه وتأكيدﻩ‪ ،‬وتثبيت شعاراته‪ ،‬وإبراز محاسنه ‪،‬‬ ‫وص‪xy‬وا ع‪C‬ى ذلك‪ ،‬واحتملوا ٔالاذى ‪N‬ي سبيله‪ ،‬وأحسنوا العرض والتأييد ‪ ،‬انتقل أمر‬ ‫املعروف إ"ى عدم القبول أو ال™‪x‬ك‪.‬‬ ‫املرحلة الرابعة ‪:‬‬ ‫ومن خالل املواصلة ‪N‬ي قول املعروف وفعله ينتقل ٔالامر إ"ى املساملة واملوادعة‪ ،‬حيث يصبح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصيال ‪N‬ي املجتمع ثابتا فيه‪ ،‬ومع العمل املتواصل ينتقل املعروف إ"ى مرحلة القبول‬ ‫املعروف‬ ‫والرضا‪.‬‬ ‫املرحلة الخامسة‪:‬‬ ‫ثم تأتي مرحلة ٕالايمان والحماس والنصر والتأييد‪.‬‬

‫‬ ‫ ‬

‫‬

‫‬

‫‬

‫‬

‫‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫)‪(1‬‬

‫)‪(2‬‬

‫)‪(3‬‬

‫)‪(4‬‬

‫)‪(5‬‬

‫إن هذﻩ الخطوات ]ي الخطوات املنطقية لعملية إرساء املعروف ‪N‬ي النفس واملجتمع‪ ،‬وإن‬ ‫الانتقال من خطوة إ"ى ال‪ ‹I‬تل‪*j‬ا هو عمل إيجابي‪ ،‬كما أن التحول املطلوب ال يتحقق بسرعة‬ ‫‪ ،‬وال يتحقق من خالل مرحلة واحدة ‪،‬وال يقاس النجاح والفشل بحدوث الانقالب املفائ‬ ‫ً‬ ‫أو عدم حدوثه‪ ،‬لذا فإن فتح مكة ودخول أهلها ‪N‬ي دين ﷲ أفواجا لم يأت فجأة ‪ ،‬بل من‬ ‫خالل عمل متواصل بدأ من أول أيام البعثة املباركة‪.‬‬ ‫وبعكس هذﻩ الخطوات تس>‪ x‬عملية املنكر ‪N‬ي املجتمع؛ إذ أن أهل املنكر يرضون باليس>‪ x‬من‬ ‫التغي>‪ x‬املرح‪C‬ي‪ ،‬ح‪ HI‬يصلوا بمنكرهم إ"ى مرحلة الهيمنة والتحكم‪.‬‬ ‫عملية إنكار املنكر‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عندما يكون املنكر مهيمنا ع‪C‬ى مجتمع ما فالبد من أخذ ٔالامور التالية باالعتبار‪:‬‬ ‫رسوخ املنكر ‪N‬ي النفس واملجتمع‪ ،‬وقيام مؤسسات قوية لحمايته والدفاع عنه‪.‬‬ ‫فساد ٔالاذواق والقيم والعادات ؤالاعراف‪.‬‬ ‫يظهر أهل املنكر بمظهر أصحاب الحق املشروع والنظام املؤيد بالقانون‪ ،‬ويظهر النا]ي عن‬ ‫املنكر بمظهر الشاذ الخارج عن النظام والقانون‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫إن استخدام اليد ) القوة ( ملواجهة املنكر الاجتما‪µ‬ي املتمكن ضرب من الانتحار‪ ،‬وإهدار‬ ‫للطاقات دون جدوى‪ ،‬وسيستخدم املنكر جميع مراكز القوة فيه ملقاومة النا]ي وتشويه‬ ‫صورته ‪ ،‬والعمل ع‪C‬ى استئصاله‪ ،‬وسيعد عمله ثورة غ>‪ x‬مشروعة يلقى صاح©*ا ألوان‬ ‫التنكيل والبطش‪ .‬وال تستخدم اليد إال ‪N‬ي إحدى حالت>ن‪:‬‬ ‫ٔالاو"ى ‪ :‬من قبل الدولة املسلمة ؤالام>‪ x‬املسلم‪.‬‬ ‫الثانية ‪ :‬من قبل الفرد املسلم ‪N‬ي املجتمع املسلم ‪N‬ي بعض الحاالت‪ ،‬فله أن يكسر قارورة‬ ‫الخمر وأن يريقه‪ ،‬وله أن يقتل الخ‪ÌÞ‬ير‪ ،‬وذلك إذاكان الخمر والخ‪ÌÞ‬ير بيد املسلم ‪ ،‬وليس له‬ ‫أن يقتل فاعل املنكر بل يحيل أمرﻩ إ"ى الدولة‪.‬‬ ‫كيف ننكر املنكر ‪N‬ي مجتمعاتنا‪:‬‬ ‫وإذا لم ننكر املنكر باليد فليس مع‪ H¢‬ذلك تعطيل هذﻩ الفريضة ‪ ،‬بل نقوم ‪*o‬ا باللسان‪،‬‬ ‫وإذا لم يمكن ذلك فإننا نقوم ‪*o‬ا بالقلب ‪ ،‬وذلك أضعف ٕالايمان‪.‬‬ ‫أما إنكار املنكر باللسان فله ضوابط‪ ،‬م‪*w‬ا ‪-:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال ـ أن نتدرج ‪N‬ي هذا ٕالانكار فنستخدم من ٔالالفاظ والعبارات ما نظن أنه يحقق النتيجة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فنبدأ بالكلمة الرقيقة الودود‪ ،‬واستعمال صيغ العموم دون ذكر اسم صاحب املنكر ابتاعا‬ ‫للسنة وأنفع للعالج ‪ ،‬وما ُيدفع باألدنى ال ُيلجأ فيه إ"ى ٔالاع‪C‬ى ؤالاشد‪ ،‬وقد يكون ٕالاسرار‬ ‫باإلنكار أو"ى من ٕالاشهار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا ‪ :‬أن يبتعد النا]ي عن املنكر عن ذكر ٔالاسماء ؤالاشخاص والهيئات؛ ألن التسمية‬ ‫والتخصيص قد يتعرض معهما النا]ي للعقوبات والجزاءات ال‪ ‹I‬تفرضها القوان>ن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثالثا ‪ :‬هنالك منكرات ‪N‬ي املجتمع ثبت منكرها عند الناس جميعا ‪ ،‬والن·‹ ع‪*w‬ا مقبول لدى‬ ‫قطاع عريض من الناس ‪ ،‬وذلك مثل الزنا والخمر واملخدرات والاختالط‪ ،‬فمثل هذﻩ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املنكرات لو رفعنا صوتنا بإنكارها فسنجد معنا كث>‪x‬ا من الناس الذين يمقتو‪*°‬ا ويتمنون‬ ‫إزال‪*¥‬ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا ‪ :‬وإن جمع ٕالاحصائيات والبيانات ؤالاخبار والتقارير حول بعض املنكرات تجعل الحجة‬ ‫‪N‬ي املقاومة أقوى وأوسع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا ‪ :‬إن التحري الدقيق لصدق املعلومات أساس ‪N‬ي إصابة الهدف‪ ،‬واملبالغة والكذب‬ ‫يحرمان الداعية من صالبة املوقف وصدق الدعوة‪.‬‬ ‫تغي>‪ x‬املنكر بالقلب ‪:‬‬ ‫‪99‬‬

‫وقد ذكر الن´‹  التغي>‪ x‬بالقلب فجعله رتبة معت‪xy‬ة‪ ،‬ومن لم ينكر املنكر بقلبه فليس ‪N‬ي‬ ‫قلبه ‪‹ºà‬ء من ٕالايمان ؛ إذ أن إنكار املنكر بالقلب هو القاعدة ٔالاساس‪ ،‬وهذﻩ القاعدة‬ ‫ً‬ ‫مش™‪x‬كة ب>ن جميع املراتب ‪ ،‬فمن أنكر بيدﻩ فالبد أن يكون منكرا بقلبه‪ ،‬ومن أنكر بلسانه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فالبد أن يكون منكرا بقلبه أيضا‪ ،‬وٕالانكار بالقلب معناﻩ مقت املنكر وكرهه والاشم‪Ìí‬از منه‬ ‫ً‬ ‫‪ ،‬ومن كرﻩ شيئا وعاداﻩ بقلبه فالبد أن تتحول هذﻩ الكراهية إ"ى عمل إيجابي يظهر ‪N‬ي‬ ‫كلماته وحركاته وسكناته‪ ،‬فالعاطفة املتأججة ]ي مصدر الحركة والفعل‪ ،‬وهذﻩ الرتبة رتبة‬ ‫عامة يقدر عل‪*j‬ا كل مسلم ‪N‬ي كل زمان ومكان‪ ،‬وشرطها عدم الرضا والشعور بالسخط ع‪C‬ى‬ ‫املنكر وأهل املنكر‪ ،‬وأدنى درجات هذﻩ الرتبة اع™‪Ì‬ال املنكر والابتعاد عنه‪.‬‬ ‫ترك>‪ Ì‬الجهود‪:‬‬ ‫وإن أجدى ٔالاعمال ؤالاقوال وأوالها ما توجه إ"ى إرساء املعروف ٔالاك‪ ،xy‬وهو تحكيم شرع‬ ‫ﷲ تعا"ى ورفع لواء دينه‪ ،‬وينب‪ó‬ي أن يكون هذا التوجه شغل املسلم الشاغل ‪N‬ي ليله و‪*°‬ارﻩ‪،‬‬ ‫فإذا تركزت الجهود نحو هذا الهدف أوشكت أن تثمر فيجد املسلم عندئذ أك‪ xy‬العون ‪N‬ي‬ ‫إنكار املنكر ؤالامر باملعروف ‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫القاعدة العشرون‬ ‫أشد من هجران القرآن مخالفة مقصودﻩ ومناقضة أهدافه‬ ‫لقد أنزل ﷲ تعا"ى القرآن الكريم كتاب هداية يح ‪ H‬به موات النفوس‪ ،‬وينظم الحياة‪،‬‬ ‫ويأخذ بأيدي البشر إ"ى أقوم السبل‪ ،‬ويحقق السعادت>ن الدنيوية ؤالاخروية‪ ،‬ولقد حقق‬ ‫القرآن الكريم هذا الدور ‪N‬ي حياة الصحابة والتابع>ن وأتباع التابع>ن‪ ،‬وأحدث أعظم حركة‬ ‫تغي>‪x‬ية شهدها التاريخ‪ ،‬وقد نتساءل ملاذا ال يحقق القرآن الكريم هذا الدور ‪N‬ي حياة‬ ‫البشرية اليوم؟ أليس القرآن هو القرآن الذي أنزل ع‪C‬ى محمد  ؟ أليس هو هو بسورﻩ‬ ‫وآياته وحروفه ؟ ب‪C‬ى‪ ،‬إنه الكتاب الذي حفظه ﷲ تعا"ى من التبديل والتغي>‪ ، x‬وهو أصدق‬ ‫وثيقة عرفها تاريخ ٕالانسان‪ ،‬والحق أن فهم القرآن الكريم هو الذي تعرض للخلل‪ ،‬فلم يعد‬ ‫أك¨‪ x‬املسلم>ن يفهمون القرآن كما أنزل ‪ ،‬ولم يعودوا يتعاملون مع ٓالاية من خالل رصيدها‬ ‫الحقيقي من املعاني ‪ ،‬وأصبح املسلم يستعمل ٓالاية ‪N‬ي غ>‪ x‬ما أنزلت له‪،‬‬ ‫ﱠ‬ ‫ولكن ﷲ ‪*+‬دي من يشاء)‪ ،(254‬وهذﻩ آية ال‬ ‫ومن ذلك قوله تعا"ى‪  :‬ليس عليك هداهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تغيب عن املسلم ‪ ،‬سواء كان متعلما أو أميا ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬وأغل©*م يستشهد ‪*o‬ذﻩ ٓالاية‬ ‫إما لحسم الخالف ‪N‬ي موضوع ما‪ ،‬أو ملطالبة من يدعو إ"ى ﷲ بدعوة مقنعة أن يقلع عن‬ ‫دعوته بحجة أن ٓالاذان ‪N‬ي صمم‪ ،‬والناس ال يستجيبون إ"ى الخ>‪ x‬وقد ذهب الزمان الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان املرء يجد فيه أعوانا ع‪C‬ى الهدى واملعروف ‪ ،‬وتستخدم أيضا إلعطاء املعاند واملكابر‬ ‫م‪xy‬ر ٕالاصرار ع‪C‬ى عنادﻩ وك‪xy‬ﻩ ‪ ،‬فيقول املراقب الخا"ي الطرف من أعباء الحق ‪ ) :‬أترك يا‬ ‫شيخ ‪ ،‬ليس عليك هداهم (‪.‬‬ ‫وهذا ٔالاسلوب من الاستدالل باآليات الكريمة يناقض مقاصدها وأهدافها‪ ،‬ويجعلها تعمل‬ ‫‪N‬ي غ>‪ x‬ميدا‪*°‬ا‪ ،‬وأشد من هجران القرآن مخالفة مقصودﻩ ومناقضة أهدافه‪ ،‬واستخدام‬ ‫آياته لت‪xy‬ير القعود والكسل وتعطيل العمل‪.‬‬ ‫وإذا تأملنا ٓالاية وما ﱠ‬ ‫حفها من القرائن وما سبقها ولحقها من ٓالايات فسيتب>ن لنا الدور‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العظيم الذي تؤديه ‪N‬ي إيقاظ الهمم ‪ ،‬وإحياء النشاط‪ ،‬وإثارة الجهد ‪ ،‬جهادا وثباتا ودعوة‬ ‫إ"ى ﷲ تعا"ى‪.‬‬

‫)‪(254‬‬

‫     ‪.272 :‬‬ ‫‪101‬‬

‫ً‬ ‫ومنه أيضا قوله تعا"ى ‪  :‬إنك ال ž*دي من أحببت ولكن ﷲ ‪*+‬دي من يشاء وهو أعلم‬ ‫باملهتدين)‪.(255‬‬ ‫فقد جاءت هذﻩ ٓالاية ‪N‬ي سياق سورة القصص‪ ،‬بعد الكالم عن قصة مو‪ HºÒ‬عليه السالم‬ ‫وفرعون‪ ،‬وبيان ما ‪N‬ي القصة من أع‪C‬ى وجوﻩ البالغ وأقواها ‪N‬ي مواجهة أشرس صور العناد‬ ‫والجحود والاستكبار ‪ ،‬ورغم سوق الشواهد والدالئل وال‪xy‬اه>ن‪ ،‬كل ذلك مؤيدة باملعجزة‪،‬‬ ‫رغم كل هذا فقد أصم فرعون أذنيه عن سماع الحق ‪ ،‬فالهدي مبذول ‪N‬ي أقوى صورﻩ‬ ‫وأوضحها ‪ ،‬ولكن فرعون ومألﻩ أخذوا ع‪C‬ى أنفسهم إغالق جميع املنافذ ‪ ،‬وحجبوا بعنادهم‬ ‫قلو‪*o‬م عن الهدى‪.‬‬ ‫وهذا ٔالامر يتكرر ع‪ xy‬التاريخ‪ ،‬فهذا محمد  يمكث ي مكة ثالث عشرة سنة ال ي™‪x‬ك قومه‬ ‫‪N‬ي ليل وال ‪*°‬ار إال ويأت‪*j‬م بأروع صور البيان وأجالها‪ ،‬وبأيسر ٔالاساليب وأرفق الوسائل‪ ،‬مع‬ ‫التحبب والتودد ُ‬ ‫فجمع له  ‪ :‬البيان العجز والشرف العظيم والقلب الرحيم والحب‬ ‫الخالص‪ ،‬وبصورة أخرى فقد كانت جميع الدوا‪µ‬ي والظروف مناسبة لإليمان بدعوته‪،‬‬ ‫ورغم كل هذا لم يملك هذا الن´‹ الكريم أن يلزم عمه الحبيب وهو النص>‪ x‬الشفيق‬ ‫باإليمان بدعوته والاهتداء ‪*o‬ديه‪.‬‬ ‫أخرج الشيخان)‪ (256‬بسند‪*+‬ما ‪ :‬ملا حضرت أبا طالب الوفاة جاءﻩ رسول ﷲ  فوجد عندﻩ‬ ‫أبا جهل وعبد ﷲ بن أبي أمية بن املغ>‪x‬ة‪ ،‬فقال رسول ﷲ ‪ :‬يا عم ‪ ،‬قل ‪ :‬ال إله إال ﷲ‪،‬‬ ‫كلمة أشهد لك ‪*o‬ا عند ﷲ ‪ ،‬فقال أبو جهل وعبد ﷲ أبي أمية‪ :‬يا أبا طالب ‪ ،‬أترغب عن‬ ‫ملة عبد املطلب ؟ فلم يزل رسول ﷲ  يعرضها عليه‪ ،‬ويعيد له تلك املقالة ح‪ HI‬قال أبو‬ ‫طالب آخر ما كلمهم ‪ :‬هو ع‪C‬ى ملة عبد املطلب ‪ ،‬وأبي أن يقول ‪ :‬ال إله إال ﷲ ‪ ،‬فقال رسول‬ ‫ْ‬ ‫ﷲ  ‪ :‬وﷲ ألستغفرن لك ما لم أنه عنك ‪ .‬فأنزل ﷲ عز وجل ‪  :‬ما كان للن´‹ والذين‬ ‫ُ‬ ‫آمنوا أن يستغفروا للمشرك>ن ولو كانوا أو"ي قربى من بعد ما تب>ن لهم أ‪*°‬م أصحاب‬ ‫الجحيم)‪ ،(257‬وأنزل ﷲ تعا"ى ‪N‬ي أبي طالب‪ ،‬فقال لرسول ﷲ  ‪  :‬إنك ال ž*دي من‬ ‫أحببت ولكن ﷲ ‪*+‬دي من يشاء وهو أعلم باملهتدين ‪.‬‬ ‫)‪(255‬‬

‫   ‪.56  C‬‬

‫)‪(256‬‬

‫;‪.54/1 67! .222/3(  >5 /!) 0  : \ :‬‬

‫)‪(257‬‬

‫    ‪.113 :‬‬ ‫‪102‬‬

‫إنه ملن أعجب العجب ﱠأن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن أحد زعماء مكة وصناديدها‬ ‫وأعداء ٕالاسالم ف‪*j‬ا يدخل ٕالايمان قلبه‪ ،‬وأبو طالب عم الن´‹ الحبيب  ونص>‪x‬ﻩ وباذل‬ ‫املال والنفس ‪N‬ي سبيل الدفاع عنه‪ ،‬الذي يقول ابن كث>‪ x‬فيه‪ :‬كان يحوطه وينصرﻩ ويقوم ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صفه ويحبه حبا شديدا طبيعيا ال شرعيا ‪ ،‬ومع هذا يموت ع‪C‬ى غ>‪ٕ x‬الايمان!‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أين العقدة إذا ؟ وهل شاء ﷲ تعا"ى ألبي حذيفة ٕالايمان ولم يشأ البي طالب؟ وهل مع‪H¢‬‬ ‫قوله ‪  :‬ولكن ﷲ ‪*+‬دي من يشاء أن ﷲ تعا"ى يصرف ٕالايمان عن أحد من خلقه ويمنحه‬ ‫ً‬ ‫آلخر؟ وهذا فهم ج‪xy‬ي يتعارض مع رحمة ﷲ تعا"ى لخلقه وال يظلم ربك أحدا)‪ ،(258‬ولم‬ ‫تسق ٓالاية لهذا املع‪ ، H¢‬وإنما سيقت لبيان عظمة ﷲ ‪ ،‬وتمام قدرته‪ ،‬فهو وحدﻩ القادر ع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫حمل الناس جميعا ع‪C‬ى دين واحد‪ ،‬أو ع‪C‬ى مذهب واحد‪ ،‬لو شاء جعلهم مؤمن>ن ‪ ،‬ولو شاء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جعلهم كفارا ‪ ،‬ولو شاء لجعلهم أمة واحدة ‪ ،‬ولو شاء ألماž*م جميعا‪ .‬وهذا كالم عن املشيئة‬ ‫ً‬ ‫والقدرة ‪ ،‬وليس كالما عن فعله ‪N‬ي خلقه ‪ ،‬فنحن عندما نقول ع‪C‬ى سبيل املثال ـ وهلل املثل‬ ‫ٔالاع‪C‬ى ـ يستطيع الرئيس أن يعزل جميع املوظف>ن ‪ ،‬ويستطيع أن يبدل وظائفهم‪ ،‬فهل يع‪‹¢‬‬ ‫ذلك أن يقوم الرئيس بمثل هذا العمل ملجرد أنه يستطيعه‪ ،‬أو أنه من خصائصه؟‬ ‫والجواب ‪ :‬إن الكالم عن الخصائص والصفات غ>‪ x‬الكالم عن ٔالاعمال واملمارسات وال يتم‬ ‫ٕالايمان باهلل تعا"ى إال إذا اعتقد املؤمن أن ﷲ وحدﻩ واهب الحياة وخالق ٔالاحياء وسائر‬ ‫املوجودات وأنه وحدﻩ بيدﻩ الهدى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لقد كان الكالم ‪N‬ي معرض حرص الن´‹  ع‪C‬ى عمه ‪ ،‬وقد حزن عليه حزنا شديدا وكأنه‬ ‫يقول ‪ :‬كيف مات هذا العم العزيز الحبيب هكذا ولم يؤمن؟ ‪ ،‬فكان الجواب ‪ :‬إنك يا محمد‬ ‫عبد من عبيد ﷲ مأمور بالبالغ والتبي>ن ‪ ،‬وال سلطان لك ع‪C‬ى قلوب الخلق‪ ،‬إنك تملك أن‬ ‫تب>ن حجتك ‪ ،‬وتقرأ القرآن الكريم ع‪C‬ى الناس من حولك‪ ،‬ولكنك ال تملك تحويل القلوب‬ ‫إليك وال زج ٕالايمان ‪N‬ي سويدا•*ا‪ .‬وإن مقام العبودية يقت‪ ‹ºÁ‬أن تعلم بأنك ال ž*دي من‬ ‫أحببت ح‪ HI‬لو كان عمك الحبيب ‪ ،‬إن ع‪C‬ى البشر أن يعلموا أنه ال سلطان ألحد ع‪C‬ى أحد‬ ‫وأن الحكم كله هلل تعا"ى‪ ،‬وال يتحقق التوحيد إال ‪*o‬ذﻩ املعرفة  وهلل الاسماء الحس‪H¢‬‬

‫)‪(258‬‬

‫  ‪.49 :  ,IB‬‬ ‫‪103‬‬

‫فادعوﻩ ‪*o‬ا)‪ ،(259‬وله الصفات العليا‪ ،‬وع‪C‬ى هذا املنوال نفهم كل آية جاء ف‪*j‬ا فإن ﷲ‬ ‫يضل من يشاء و‪*+‬دي من يشاء)‪ ،(260‬فاهلل وحدﻩ صاحب ٔالامر والقدرة املطلقة‪ .‬ومن لوازم‬ ‫هذا ٔالامر حبه وعبادته والاستعانة به سبحانه‪ ،‬وليس من لوازمه أن يقع املرء تحت مطارق‬ ‫الج‪xy‬ية القاتلة ال‪ ‹I‬تسلب اللبيب لبه والعبد اختيارﻩ السامي لعقيدته ودينه‪.‬‬ ‫ومفهوم آخر البد من وعيه وهو أن هذﻩ ٓالاية تكا‪N‬ئ العامل ع‪C‬ى عمله‪ ،‬ح‪ HI‬ال يقول قائل‪:‬‬ ‫هاهو رسول ﷲ  يعمل تسع سنوات ع‪C‬ى إقناع عمه بدعوته ثم ال يؤمن ‪*o‬ا‪ ،‬وقد يتصور‬ ‫ً‬ ‫واد أو نفخة ‪N‬ي رماد‪ ،‬وح‪ HI‬ال‬ ‫السذج أن دعوته ذهبت هباء منثورا وضاعت كصيحة ‪N‬ي ٍ‬ ‫يكون مثل هذا التصور يب>ن ﷲ تعا"ى لنبيه  أنه قد بلغ ما عليه وأن ٕالايمان ال ُيفرض‬ ‫ً‬ ‫فرضا وال يج‪ xy‬عليه الناس؛ ألن ٕالايمان هو تصديق القلب من داخله‪ ،‬وهذا التصديق سر‬ ‫ال يطلع أحد عليه إال ﷲ تعا"ى ‪ ،‬وال يملك أحد أن يتدخل ‪N‬ي قرار الفرد واختيارﻩ‪ ،‬والذي‬ ‫ً‬ ‫يزعم أنه يملك ذلك فقد نصب نفسه إلها ع‪C‬ى الناس‪ ،‬وما ذكرناﻩ ال يتعارض مع علم ﷲ‬ ‫القديم منذ ٔالازل بما يص>‪ x‬إليه كل مخلوق ‪ ،‬والعلم الكامل من صفات ﷲ سبحانه وتعا"ى‪،‬‬ ‫وهذا يقت‪ ‹ºÁ‬أن يعلم ال‪‹ºÜ‬ء قبل كونه‪ ،‬والعلم بالهدى أو الضالل ‪‹ºà‬ء ‪ ،‬وإحداث الهدى‬ ‫والضالل ‪‹ºà‬ء آخر‪ ،‬وهو أعلم باملهتدين‪.‬‬ ‫وهكذا فإن دور املسلم هو العمل الجاد بدأب ونشاط دون أن يستسلم لليأس أو للزعم‬ ‫القدري بأن ﷲ أراد كذا أو كذا‪ .‬وما أحوج أمتنا اليوم ألن تخلع ع‪*w‬ا هذﻩ ٔالاغالل الج‪xy‬ية‬ ‫وأن ال تخلط ب>ن املعرفة التوحيدية الخالصة والسلوك الج‪xy‬ي العاجز‪.‬‬

‫القاعدة الحادية والعشرون‬ ‫العمل العام أساس العمل الخاص ورافدﻩ‬

‫ً‬ ‫أرسل ﷲ تعا"ى محمدا  للناس كافة‪ ،‬فجعل من الناس كافة أينما كانوا أمة دعوة ‪،‬‬ ‫وجعل ﷲ تعا"ى أمانة التبليغ ‪N‬ي أعناق الدعاة‪ ،‬فهم الذين ورثوا مهمة الرسل ؤالانبياء ‪.‬‬ ‫ويلزم من هذا أن يتحرك الداعية ب>ن جماه>‪ x‬الناس ألن هؤالء الجماه>‪ x‬هم روافد الدعوة‬ ‫‪ ،‬وبمقدار الصلة ‪*o‬ا تتوسع القاعدة ‪ ،‬ويتحقق للدعوة الكسب املادي واملعنوي‪.‬‬ ‫)‪(259‬‬

‫‪.180 :  , -.‬‬

‫)‪(260‬‬

‫‪.8 : J 5‬‬ ‫‪104‬‬

‫وقد أدرك أعداء ٕالاسالم خطورة اتصال الدعوة بالجماه>‪ ، x‬وأدركوا دور الجماه>‪N x‬ي نصرة‬ ‫الدعوة وتأييدها‪ ،‬فعلموا بكل ما أوتوا من جهد ع‪C‬ى عزل الدعاة عن هذﻩ الجماه>‪x‬‬ ‫ُ‬ ‫باإلشاعات املغرضة وال‪*¥‬م امللفقة ‪ ،‬وصوروا للجماه>‪ x‬أن هؤالء الدعاة إرهابيون متطرفون‪،‬‬ ‫غرضهم ٕالاساءة لعامة الناس‪ ،‬وهذا كله لتظهر الدعوة ٕالاسالمية بمظهر الطائفة املفارقة‬ ‫لعامة املسلم>ن‪ ،‬فيتحقق بذلك الفصل ب>ن الدعاة وب>ن ٔالامة ‪N‬ي ٓالامال وٓالاالم‪.‬‬ ‫رد الفعل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وقد يعمل الدعاة أحيانا تحت ضغط ظرف ما ع‪C‬ى تكريس هذﻩ الفعل وتأكيدﻩ‪ ،‬فينظرون‬ ‫إ"ى الجماه>‪ x‬نظرة تقلل من شأ‪*°‬م وأثرهم ‪N‬ي ٔالاحداث‪ ،‬وقد يستعمل بعض الدعاة كلمات‬ ‫تع‪ xy‬عن هذﻩ النظرة ‪ ،‬مثل ‪ :‬القطيع ‪ ،‬والغوغاء‪ ،‬والدهماء‪ ،‬والغثاء؛ ومردود هذﻩ الكلمات‬ ‫خسران ‪N‬ي جانب الدعوة والدعاة ‪ ،‬وكسب ألعدا•*م من أصحاب ٔالافكار الهدامة والنحل‬ ‫املنحرفة‪.‬‬ ‫تصويب‪:‬‬ ‫وإذا أدركنا أن الدعاة قوم لم يأتوا من خارج هذﻩ ٔالارض ‪ ،‬ولم تلدهم أمهاž*م دعاة‪ ،‬وإنما‬ ‫هم جزء من هذﻩ الجماه>‪ ، x‬وقبل أن يكونوا دعاة ربما كان ُينظر إل‪*j‬م بذلك املنظار الاسود‬ ‫‪ ،‬ثم تبدل حالهم وحسن مآلهم‪ ،‬ورزقا من العلم والفهم ما ينب‪ó‬ي أن يقر‪*o‬م من الناس ‪ ،‬ال‬ ‫ما يفضلهم ع‪C‬ى الناس قال تعا"ى‪  :‬كذلك ُكنتم من ُ‬ ‫قبل فمن ﷲ عليكم )‪ .(261‬وكو‪*°‬م‬ ‫كانوا من عامة الناس ثم صاروا من الدعاة يلزم منه أن يدركوا أن جماه>‪ٔ x‬الامة ]ي رافد‬ ‫الدعوة‪ ،‬وأن الخ>‪ x‬ال ينقطع وال يتوقف‪.‬‬ ‫وأما صيغ التعميم الحاكمة ع‪C‬ى أهل بلدة ‪ ،‬أو مدينة ‪ ،‬أو عش>‪x‬ة بالسوء والفساد ف·‹ ع>ن‬ ‫السوء والفساد‪ ،‬وال ينب‪ó‬ي أن ُيقال‪ :‬أهل مدينة كذا سيئون أو فئة كذا سيئة ‪ ،‬وهذﻩ‬ ‫ً‬ ‫الصيغ ُ‬ ‫ابت‪C‬ي ‪*o‬ا عامة الناس ح‪ HI‬ما نكاد نجد أحدا إال وهو ينسب التقص>‪ x‬والفساد إ"ى‬ ‫أهل بلدة أو مدينة‪ .‬وقد تنتقل هذﻩ الصيغ مع ٕالانسان من مرحلة ما قبل الدعوة إ"ى مرحلة‬ ‫ما بعد الدعوة‪.‬‬ ‫أهلك الناس‬

‫)‪(261‬‬

‫‪.94 :  K $‬‬ ‫‪105‬‬

‫ً‬ ‫وهذا رسول ﷲ  يعلمنا كيف نفتح قلوبنا للخلق بعيدا عن ٔالاحكام الجائرة والاطالقات‬ ‫العامة‪ ،‬فيقول ‪ " :‬إذا قال الرجل ‪ :‬هلك الناس فهو أهلكهم")‪ ، (262‬قال أبو إسحاق ـ أحد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الرواةـ ‪ :‬ال أدري أهلكهم بانلصب ‪ ،‬أو أهلكهم بالرفع ‪ .‬وأخرجه أبو نعيم ‪N‬ي حلية ٔالاولياء‪،‬‬ ‫وفيه ‪ " :‬فهو أهلكهم " ‪ ،‬وأخرجه أحمد من رواية أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ﷲ  ‪ " :‬إذا‬ ‫ً‬ ‫سمعتم رجال يقول ‪ :‬هلك الناس فهو أهلكهم ‪ ،‬يقول ﷲ ‪ :‬إنه هو هالك")‪ .(263‬وسواء كان‬ ‫املع‪ H¢‬أن القائل هو سبب هالك الناس؛ ألنه لم يقم بواجبه ‪N‬ي النصح لهم والحرص عل‪*j‬م‬ ‫ً‬ ‫‪ ،‬والص‪ xy‬ع‪C‬ى جاهلهم ومسي‪*ò‬م؛ أو أن يكون أك¨‪ x‬الناس هالكا‪ ،‬وهو ‪*o‬ذﻩ الكلمة يع‪ xy‬عن‬ ‫هالكه هو وعن عجزﻩ‪.‬‬ ‫دعوة ﷲ س‪è‬ى لصالح الناس‪:‬‬ ‫و‪N‬ي الوقت الذي تتنافس فيه الدعوات ؤالافكار ع‪C‬ى الجمهور‪ ،‬وكل يحاول أن يحتوي هذا‬ ‫الجمهور لصالحه ويوظفه ‪N‬ي صفه‪ ،‬فإن دعوة ﷲ وحدها تعمل لخ>‪ x‬الجمهور‪ ،‬وال تريد من‬ ‫ً‬ ‫الجمهور أن يكون بقرة حلوبا لصالح فرد أو فئة أو ِحزب‪ ،‬ودعوة ﷲ وحدها تعطي من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يؤمن باهلل ربا‪ ،‬وباإلسالم دينا وم‪*w‬اج حياة أيا كان لونه وجنسه ولغته أرفع الرتب البشرية‬ ‫واملقامات العلية‪ .‬والبد أن ُيع´ الدعاة قلو‪*o‬م بمحبة الناس‪ ،‬ح‪ HI‬يتغلغل هذا الحب ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫أعماق القلب‪ ،‬وأن تتحول هذا التعبئة سلوكا يشيع منه الرفق والتواد وال™‪x‬احم ‪ ،‬ح‪HI‬‬ ‫ُيعرف الداعية من ب>ن سائر الناس بمحبته للناس وحرصه عل‪*j‬م وتفانيه ‪N‬ي خدم‪*¥‬م وسهرﻩ‬ ‫ع‪C‬ى صيان‪*¥‬م من آفات ٔالافكار املنحرفة وشرورها‪ .‬فهذا رسول اله  يدخل مكة ‪ ،‬ويعاين‬ ‫ف‪*j‬ا أولئك الذي أخرجوﻩ وعذبوا أصحابه وقاتلوﻩ وقتلوا أحب الناس إليه حمزة ‪ ،‬فما زاد‬ ‫ع‪C‬ى أن قال لهم ‪ :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء‪.‬‬ ‫املوقف السابق‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والداعية ال ينطلق ب>ن الجماه>‪ x‬وهو يحمل موقفا سابقا ‪ ،‬كونه من خالل العالقات‬ ‫ٔالاسرية املشوبة بالتحامل ؤالاحقاد؛ إذ أن أك¨‪ x‬الناس يحتفظون ‪N‬ي عقولهم وقلو‪*o‬م بكل‬ ‫تصرف سل´‹ كان قد تصرفه أحد الناس‪ ،‬ح‪ HI‬تجمعت هذﻩ التصرفات ع‪C‬ى شكل ذكريات‬ ‫ً‬ ‫مؤملة ينقلها الخلف عن السلف‪ ،‬ويتوا‪ Hºú‬الناس كابرا عن كابر بالقطيعة ومقابلة ٕالاساءة‬ ‫)‪(262‬‬

‫;‪.(2024/4) : 67! 89 :‬‬

‫)‪(263‬‬

‫;‪.(141/7) 7? 45 6D$ ; 89 :‬‬ ‫‪106‬‬

‫ً‬ ‫باإلساءة؛ وذلك أل‪*°‬م نشأوا بعيدا عن هيمنة ٕالاسالم ع‪C‬ى النفوس والعقول‪ ،‬فأصحبت‬ ‫املشاحنات العصبية وٕالاقليمية ]ي ﱠ‬ ‫املوجة لكث>‪ x‬من الناس‪ ،‬وأصبح الفرد ينطلق من هذا‬ ‫الركام من العالقات غ>‪ٕ x‬الاسالمية‪ ،‬ومن أوجب الواجبات ع‪C‬ى الداعية أن يعلم الناس‬ ‫كيف يستطيعون تجاوز الذكريات السلبية‪ .‬وقد يجد الداعية مقاومة من أقرب الناس إليه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إذا الحظوا عليه عدم اك™‪x‬اثه ‪*o‬ذﻩ ٔالاحقاد ال‪ ‹I‬قد تعت‪ xy‬رصيدا عزيزا عند أصحا‪*o‬ا‪ ،‬وعليه‬ ‫أن يص‪ xy‬ع‪C‬ى هذﻩ املقاومة‪.‬‬ ‫العمل ٕالايجابي‪:‬‬ ‫والعمل ٕالايجابي ب>ن الجماه>‪ x‬يقوم ع‪C‬ى عنصرين رئيس>ن ‪ :‬املعرفة والسلوك‪.‬‬ ‫وميادين العرفة كث>‪x‬ة‪ ،‬وميادين السلوك كث>‪x‬ة كذلك‪ .‬وال بد من مراعاة التخطيط وال‪xy‬مجة‬ ‫‪N‬ي التنفيذ كي يصل الداعية إ"ى نتائج إيجابية‪.‬‬ ‫واملعرفة مقدمة ع‪C‬ى العمل؛ أل‪*°‬ا البص>‪x‬ة الواعية ال‪ ‹I‬تكشف مجاالت العمل‪ ،‬وهذﻩ‬ ‫املعرفة يمكن تحديدها ع‪C‬ى النحو التا"ي ‪:‬‬ ‫جمع املعلومات‪:‬‬ ‫وأول شرط ‪ :‬ينب‪ó‬ي للداعية أن يقوم به هو معرفة الجمهور الذي يتعامل معه‪ ،‬سواء كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا الجمهور صغ>‪x‬ا ع‪C‬ى مستوى املؤسسة أو الدائرة‪ ،‬أو كب>‪x‬ا ع‪C‬ى مستوى البلدة أو‬ ‫القطر‪ ،‬وتأتي هذﻩ املعرفة من خالل جمع املعلومات‪ ،‬وأول شروط جمع املعلومات مراعاة‬ ‫الحذر واليقظة ح‪ HI‬ال يرتاب أحد بالداعية الذي ال يريد من عمله هذا كشف أسرار الناس‬ ‫وٕالاطالع ع‪C‬ى عوراž*م‪ ،‬وإنما يريد التعرف ع‪C‬ى مراكز النفوذ الاجتما‪µ‬ي والاتجا]ي الفكرية‬ ‫وأصناف الناس‪ ،‬ومدى قر‪*o‬م أو بعدهم عن الدعوة‪.‬‬ ‫والشرط الثاني‪ :‬هو مراعاة املوضوعية ‪N‬ي جمع املعلومات وتحليلها‪ ،‬إذ أن كل مبالغة ‪N‬ي‬ ‫حكم من ٔالاحكام قد تؤدي إ"ى أخطاء فادحة‪ ،‬ناتجة عن سوء التقدير‪ .‬وقد يصنف‬ ‫ً‬ ‫الداعية إنسانا ما ‪N‬ي دائرة أعدائه بسبب تصرف الحظه‪ ،‬فجعله هذا التصرف يتعامل مع‬ ‫هذا ٕالانسان ع‪C‬ى أنه صاحب فكر مضاد أو اتجاﻩ معاد ‪ ،‬فيكون سوء التقدير والتسرع ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫الحكم سببا ‪N‬ي استكثار ٔالاعداء‪ .‬وليس كل سلوك مفرد أو تصرف جزئي يدل ع‪C‬ى صيغة‬ ‫ً‬ ‫فكرية أو منهجية‪ ،‬فليس كل من تكلم عن العرب والعروبة قوميا ‪ ،‬وليس كل من تكلم عن‬ ‫ً‬ ‫التأميم اش™‪x‬اكيا‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫والشرط الثالث ‪ :‬مراعاة منهجية النقل ‪ ،‬فال نأخذ ٔالاخبار واملعلومات إال عن الصادق>ن‬ ‫الضابط>ن ملا ينقلون‪ ،‬والبد من مالحظة أن بعض الصادق>ن ال يتحرون الدقة ‪N‬ي نقلهم‬ ‫وأخبارهم؛ ألن ٓالافة ‪N‬ي الذين أخ‪xy‬وهم وزودوهم باملعلومات‪ .‬وإذا أهملت هذﻩ املنهجية فإن‬ ‫ٔالاحكام ستكون جائزة غ>‪ x‬عادلة‪.‬‬ ‫والشرط الرابع‪ :‬مراجتة املعلومات حول من يتخذهم الداعية أعداء فكري>ن للتخلص من‬ ‫آثار املبالغة وسوء التقدير‪ ،‬ومراعاة ملا يطرأ ع‪C‬ى أصحاب ٔالافكار واملذاهب من تغي>‪ x‬سل´‹‬ ‫أو إيجابي‪.‬‬ ‫استدراك‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وال تقف املعرفة عند حدود الاتجاهات واملذاهب والنشاطات الاجتماعية‪ ،‬بل تتناول أيضا‬ ‫التعرف ع‪C‬ى أفراد الجمهور وأمزج‪*¥‬م واحتياجاž*م وما يسرهم وما يحز‪*°‬م‪ ،‬وينب‪ó‬ي أن ال‬ ‫يغيب عن الداعية ما يصيب أفراد املجتمع من السراء والضراء‪ ،‬فإذا رزق أحدهم بولد‬ ‫كان الداعية أول املهنئ>ن الذين يذكرون الوالد بنعمة ﷲ عليه‪ ،‬وإذا نجح ولد أحدهم ‪N‬ي‬ ‫مدرسة أو جامعة كان أول املع‪xy‬ين عن سرورﻩ ‪*o‬ذﻩ املناسبة باعتبارها مناسبة عزيزة ‪*+‬تم‬ ‫ً‬ ‫‪*o‬ا كما لو أنه صاح©*ا‪ .‬وإذا فقد أحدهم عزيزا أو حل به مرض أو نزلت به مصيبة كان أول‬ ‫املواس>ن الذين يمدون أيد‪*+‬م ويفتحون قلو‪*o‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظرا التساع دائرة املعلومات ال‪ ‹I‬يحتاج إل‪*j‬ا الداعية فقد يتبادر إ"ى ٔالاذهان ما يجدﻩ‬ ‫الداعية من صعوبة ومشقة ‪N‬ي ٕالاحاطة بكل هذﻩ الجوانب‪ ،‬ولكن هذﻩ الصعوبة تزول‬ ‫عندما نقسم املجتمع إ"ى دوائر صغ>‪x‬ة ع‪C‬ى شكل أحياء‪ ،‬أو مؤسسات‪ ،‬ثم يتخصص كل‬ ‫داعية بدائرة محدودة تتناسب مع قدرته وإمكاناته ويستطيع استيفاء املعلومات حول‬ ‫جمهورها‪.‬‬ ‫‪ -2‬التصنيف‪:‬‬ ‫وتأتي هذﻩ املرحلة بعد جمع املعلومات فيقوم الداعية بتصنيف أفراد الجمهور إ"ى أصناف‪.‬‬ ‫الصنف ٔالاول ‪ٔ :‬الانصار واملحبون ؤالاقرباء ؤالارحام‪ ،‬وهؤالء يسرون بسرور الداعية‪ ،‬وال‬ ‫يبخلون عليه ‪N‬ي تقديم ما يحتاج إليه لتسهيل مهمته‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫الصنف الثاني ‪ٔ :‬الاعداء الفكريون‪ ،‬وهؤالء يحملون عقائد معادية‪ ،‬ويعملون ع‪C‬ى نشرها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويعت‪xy‬ون الداعية عقبة ‪N‬ي طريقهم‪ ،‬وذكاء الداعية يظهر ‪N‬ي قدرته ع‪C‬ى ترتي©*م تبعا لسلم‬ ‫عداوž*م‪ ،‬وتأث>‪x‬هم ‪N‬ي املجتمع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الصنف الثالث‪ :‬املحايدون الذين ال يناصرون طرفا ع‪C‬ى طرف ‪ ،‬وينب‪ó‬ي أن يعت‪xy‬هم الداعية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من فئة ٔالانصار؛ لكو‪*°‬م مسلم>ن ال يحملون فكرا آخر‪ ،‬وال يتبنون مذهبا معاديا لإلسالم‬ ‫وأهله‪.‬‬ ‫مبادئ عامة ‪N‬ي السلوك والتعامل مع الجمهور‪:‬‬ ‫ليس من السهل حصر جميع املبادئ العامة ال‪ ‹I‬تساعد الداعية ع‪C‬ى تحقيق أهدافه ‪N‬ي‬ ‫ّ‬ ‫يكون هذﻩ املبادئ ؤالاخالق‪ ،‬وسنذكر بع املبادئ ال‪‹I‬‬ ‫امليدان الجماه>‪x‬ي؛ ألن ٕالاسالم كله ِ‬ ‫نرى أ‪*°‬ا جديرة باالهتمام الختصاصها ٔالاكيد ‪*o‬ذا امليدان الدعوي‪.‬‬ ‫‪ -1‬الاحتفاظ باملعلومات‪:‬‬ ‫فاملعلومات ال‪ ‹I‬يجمعها الداعية ليوظفها ‪N‬ي تعامله مع الجمهور ليست للنشر والتشه>‪.x‬‬ ‫والداعية الوا‪µ‬ي يحتفظ ‪*o‬ا لنفسه دون إشاع‪*¥‬ا‪ ،‬وهو يستطيع أن يخفى ‪N‬ي عميق صدرﻩ‬ ‫جميع ما يعلمه‪ ،‬دون أن يظهر ‪N‬ي فلتات لسانه أو يبدو ع‪C‬ى قسمات وجهه‪ .‬وهو بذلك‬ ‫يحافظ ع‪C‬ى مستوى من الحياء لدى عامة الناس‪ .‬ويستطيع أن يتعامل مع الناس دون أن‬ ‫يتحفظوا منه أو ينعزلوا عنه‪.‬‬ ‫‪ -2‬املدارة‪:‬‬ ‫ولكي يتحرك الداعية ‪N‬ي املجتمع حركة مجدية دون أن تقف ‪N‬ي وجهه العقبات والعوائق‬ ‫فإن عليه أن يعرف كيف يداري هؤالء الناس ويجاملهم‪ ،‬وهذﻩ املداراة سنة حميدة س‪*w‬ا لنا‬ ‫رسول ﷲ  فعن عائشة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ا أنه استأذن ع‪C‬ى الن´‹  رجل فقال‪ " :‬ائذنوا له‪،‬‬ ‫فبئس ابن العش>‪x‬ة‪ ،‬أو بئس أخو العش>‪x‬ة‪ ،‬فلما دخل أالن له الكالم‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا رسول‬ ‫ﷲ ‪ :‬قلت ما قلت‪ ،‬ثم ألنت له ‪N‬ي القول فقال‪ :‬أي عائشة إن شر الناس م‪ÌÞ‬لة عند ﷲ من‬ ‫تركه الناس اتقاء فحشه")‪ .(264‬و‪N‬ي رواية " إنه منافق أداريه عن نفاقه‪ ،‬وأخ‪ HºÜ‬أن ُيفسد‬ ‫ﱠ‬ ‫ع‪C‬ي غ>‪x‬ﻩ"‪.‬‬ ‫ونستفيد من هذا الحديث أن الن´‹  كان يعلم من سوء أخالق ذلك الرجل ما جعله‬ ‫يذمه ويذكرﻩ بما فيه‪ ،‬ولكنه أالن له الحديث وهش له‪ .‬ولم يصارحه بما يعلمه منه ألن‬ ‫)‪(264‬‬

‫ ‪.(528/10) (   >5 /! )  : L‬‬ ‫‪109‬‬

‫ً‬ ‫وعداء‪ .‬وال يعود ٕالاصالح‬ ‫املصارحة ‪N‬ي مثل هذا املوقف فحش‪ ،‬وال تكون ثمرž*ا إال قطيعة‬ ‫ً‬ ‫ممكنا‪ ،‬بل تستشري نار الفساد‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وهذا ما ع‪ xy‬عنه الصحابي الجليل أبو الدرداء عندما قال‪ " :‬إنا َلنك ِشر ‪N‬ي وجوﻩ أقوام وإن‬ ‫َ ْ‬ ‫قلوبنا لتلع‪*w‬م")‪ .(265‬والكشر أك¨‪ x‬ما يطلق ع‪C‬ى الضحك‪ ،‬و‪N‬ي رواية أخرى‪ " :‬ونضحك"‪.‬‬ ‫وقد فهم علماؤنا ٔالاجالء هذا املبدأ من مبادئ التعامل فنجد ع‪C‬ي بن خلف بن بطال أحد‬ ‫شراح البخاري املتو‪N‬ي سنة ‪449‬هـ‪ ،‬يقول ‪ :‬املداراة من أخالق املؤمن>ن‪ ،‬و]ي خفض الجناح‬ ‫للناس‪ ،‬ول>ن الكالم‪ ،‬وترك ٕالاغالظ لهم بالقول‪ ،‬وذلك من أقوى أسباب ٔالالفة)‪.(266‬‬ ‫ً‬ ‫الفرق ب>ن املداهنة واملداراة‪ :‬وقد يتبادر إ"ى ٔالاذهان أن املداراة املذكور آنفا ]ي نوع من‬ ‫ً‬ ‫املداهنة والنفاق‪ ،‬وقد يأباها كث>‪ x‬من الدعاة أخذا بمبدأ الوضوح واملصارحة ‪N‬ي قول كلمة‬ ‫الحق وٕالاشارة إ"ى عوج كل ذي عوج ‪،‬وكأ‪*°‬م فهموا أن هذا ٔالاسلوب هو من باب كلمة الحق‬ ‫عند سلطان جائر‪ .‬وهذا ‪N‬ي غ>‪ x‬موضعه؛ يقول ٕالامام ابن حجر ‪N‬ي شرحه لصحيح البخاري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نقال عن القا‪ ‹ºÛ‬عياض ‪N‬ي كالمه ع‪C‬ى الحديث السابق‪:‬‬ ‫ً‬ ‫والفرق ب>ن املداراة واملداهنة أن املداراة بذل الدنيا لصالح الدنيا أو الدين‪ ،‬أو هما معا ‪،‬‬ ‫و]ي مباحة‪ ،‬وربما استحبت ‪ ،‬واملداهنة ترك الدين لصالح الدنيا‪ ،‬والن´‹  إنما بذل له‬ ‫من دنياﻩ حسن عشرته والرفق ‪N‬ي مكاملته‪ ،‬ومع ذلك فلم يمدحه بقول‪ ،‬فلم يناقض قوله‬ ‫فيه فعله‪ ،‬فإن قوله فيه قول حق‪ ،‬وفعله معه حسن عشرة‪ ،‬ف>‪Ì‬ول مع هذا التقرير‬ ‫ٕالاشكال بحمد ﷲ تعا"ى")‪.(267‬‬ ‫ونخلص من هذا إ"ى أن املداهنة معاشرة الفاسق وإظهار الر‪ HºÛ‬بما هو عليه واستحسان‬ ‫مذهبه من غ>‪ x‬إنكار‪ ،‬فيكون املداهن قد بذل دينه من أجل دنياﻩ ‪N‬ي ر‪ HºÛ‬الناس عنه‪ .‬وأما‬ ‫ً‬ ‫أن يبذل الداعية شيئا من الدنيا ألي إنسان فهذا أمر محمود‪ ،‬فنحن نجود بدنيانا ونبخل‬ ‫بديننا‪ .‬وبناء عليه فإن من الجائز‪ ،‬بل من املندوب أن نكرم من ال نر‪ HºÛ‬دينه وعقيدته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تألفا لقلبه‪ .‬وهذا مع‪ H¢‬العبارة املنقولة آنفا عن القا‪ ‹ºÛ‬عياض‪ :‬املداراةت بذل الدنيا‬ ‫ً‬ ‫لصالح الدنيا أو الدين‪ ،‬أو ُهما معا"‪.‬‬

‫)‪(265‬‬

‫‪.(527/10) (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(266‬‬

‫‪.(528/10)   >5‬‬

‫)‪(267‬‬

‫‪. =D :; #O : 8 1 F   19   ! .(545/10)   >5‬‬ ‫‪110‬‬

‫فما أحوج الداعية إ"ى فهم هذا املبدأ‪ ،‬وبتطبيقه يستطيع جذب قلوب الناس إليه فهو يج‪xy‬‬ ‫وال يكسر ؛ ألن كسر القلوب ال يعتود ع‪C‬ى الدعوة إال بالخسران‪ ،‬والقلب الكس>‪ x‬ال يج‪ xy‬إال‬ ‫بمشقة‪ ،‬وإن الرابط النف»‪ ‹º‬ال يوصل إذا انقطع إال بعد جهد كب>‪.x‬‬ ‫‪ -3‬إفشاء السالم‪:‬‬ ‫والسالم أول الوسائل وأفضلها إلقامة اتصال ب>ن الاعية وب>ن جمهورﻩ‪،‬و‪*o‬ذا السالم يدخل‬ ‫الداعية إ"ى قلوب الخلق بما تشيعه هذﻩ الكلمة من ظالل املحبة والوفاء وٕالاخالص‪ .‬وقد‬ ‫شاء ﷲ تعا"ى أن يجعل وسائل الاتصال الجماه>‪x‬ية عبادات يتقرب ‪*o‬ا املؤمن إ"ى ﷲ‪،‬‬ ‫وجعلت هذﻩ الوسائل من شبع ٕالايمان وخصاله؛ ولنسمع لنبينا العظيم وهو يقول وقد‬ ‫َ‬ ‫سأله رجل‪ :‬ﱡ‬ ‫أي ٕالاسالم خ>‪x‬؟ فقال‪ " :‬تطعم الطعام وت ْقرأ السالم ع‪C‬ى من عرفت ومن لم‬ ‫تعرف")‪ .(268‬وهذا الحديث نص ‪N‬ي أهمية السالم وبذله لجميع املسلم>ن‪ ،‬قال النووي ‪" :‬‬ ‫وفيه بذل السالم ملن عرفت ‪ ،‬وملن لم تعرف‪ ،‬وإخالص العمل فيه هلل تعا"ى ال مصانعة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وال ملقا‪ ،‬وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع‪ ،‬وإفشاء شعار هذﻩ ٔالامة")‪ .(269‬ويقول ابن‬ ‫ً‬ ‫ﱡ ً‬ ‫ﱡ ً‬ ‫ً‬ ‫تصنعا ‪ ،‬بل تعظيما لشعار ٕالاسالم‪،‬‬ ‫تك‪xy‬ا أو‬ ‫حجر رحمه ﷲ‪ " :‬أي ال تخص به أحدا ‪،‬‬ ‫ومراعاة ألخوة املسلم")‪.(270‬‬ ‫والسالم من الحقوق الثابتة للمسلم‪ ،‬قال رسول ﷲ ‪ " :‬حق املسلم ع‪C‬ى املسلم خمس‪،‬‬ ‫رد السالم‪ ،‬وتشميت العاطس‪،‬وإجابة الدعوة‪ ،‬و عيادة املريض ‪،‬واتباع الجنائز")‪.(271‬‬ ‫وما دام السالم شعار ٕالاسالم فإن ع‪C‬ى الداعية أن يعمم هذا الشعار يلقيه ع‪C‬ى كل أحد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دون ملل أو سأم‪ ،‬وتكرار إلقاء السالم البد أن يثمر تعارفا ثم تتوثق العالقة‪ ،‬وتنتقل إ"ى ما‬ ‫وراء الكلمة من السلوك والعمل املش™‪x‬ك‪.‬‬ ‫وقد يظن بعض الدعاة أن السالم ال يليق ببعض الناس ملا هم عليه من خلق أو سلوك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهذا الظن تنعكس سلبياته ع‪C‬ى الدعوة‪ ،‬إذ ت‪*¥‬م بالطبقية‪ ،‬وأ‪*°‬ا تربي أبناءها ع‪C‬ى العزلة‬ ‫والانفصال عن املجتمع‪ ،‬ويوصف الداعية بالتك‪ xy‬والتعا"ي‪.‬‬ ‫وال يقتصر الداعية ع‪C‬ى الكبار فيخصهم بالسالم‪ ،‬بل يلقي السالم ع‪C‬ى الصغار‪ ،‬وإلقاء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السالم ع‪C‬ى الصبيان ي™‪x‬ك أثرا حسنا ‪N‬ي نفوسهم‪ ،‬ألن هؤالء محرومون من التقدير‬ ‫)‪(268‬‬

‫;‪.(82/1  >5 a! I )  : 89 :; 9/2 $ < = 3$ 67! 89 :‬‬

‫)‪(269‬‬

‫= < !‪.(11/2) $7 67‬‬

‫)‪(270‬‬

‫‪.(56/1)   >5‬‬

‫)‪(271‬‬

‫;‪.(143/14 ) ( $ /! ) 67! 89 :‬‬ ‫‪111‬‬

‫والاح™‪x‬ام فمن يح™‪x‬مهم ويقدرهم هو الذي يكس©*م لصفه‪ ،‬أخرج ٕالامام مسلم‪ ،‬عن سيار‬ ‫قال‪ ":‬كنت أم‪ ‹ºÜ‬مع ثابت ُ‬ ‫البناني فمر بصبيان فسلم عل‪*j‬م‪ ،‬وحدث ثابت أنه كان يم‪‹ºÜ‬‬ ‫مع أنس فمر بصبيان فسلم عل‪*j‬م‪ ،‬وحدث أنه ) أنس ( كان يم‪ ‹ºÜ‬مع رسول ﷲ  فمر‬ ‫بصبيان فسلم عل‪*j‬م")‪.(272‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فالداعية الناجح ال ين»‪ Hº‬هدفه ‪N‬ي الوصول إ"ى قلوب الناس كبارا أو صغارا‪ ،‬وهو يق™‪x‬ب كل‬ ‫يوم من هدفه‪ ،‬وإذا كان الناس ‪N‬ي غفلة عن هذﻩ ٔالاهداف الكب>‪x‬ة وتشغلهم ٔالاهداف‬ ‫الشخصية القريبة‪ ،‬فإن الداعية دائم الفكر دائب العمل مستمر التخطيط ليصل إ"ى‬ ‫أهدافه الكب>‪x‬ة‪ ،‬ويرى ‪N‬ي الطفل الصغ>‪ x‬رجل املستقبل‪ ،‬و‪N‬ي العامل الفق>‪ x‬املسؤول الكب>‪،x‬‬ ‫فالقليل يك¨‪ x‬والصغ>‪ x‬يك‪ ،xy‬والكسب ملن سبق وص‪ xy‬وأحسن‪.‬‬ ‫‪ -4‬تألف الناس ‪- :‬‬ ‫والداعية يألف ويؤلف‪ ،‬وذلك بسبب تكوينه الذه‪ ‹¢‬والسلوكي‪ ،‬وملا يتمتع به من رؤية‬ ‫ً‬ ‫واسعة ُوبعد نظر‪ ،‬وهو يزيد من قوة ارتباطه بالناس يوما بعد يوم‪ .‬ويلتقي عليه عدد كب>‪x‬‬ ‫من الناس؛ أل‪*°‬م يشعرون بحرصه عل‪*j‬م‪ ،‬ورفقه ‪*o‬م‪ ،‬فهو قوة جامعة ال قوة طاردة‪.‬‬ ‫وتبدأ ٔالالفة من القلب بالنية الصالحة وترك الغلظة‪ ،‬وتشرب الرقة والرحمة والرفق‪ .‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ما علمه ﷲ تعا"ى لنبيه  ليجذب قلوب الخلق إليه‪ ،‬فقال ‪  :‬ولو كنت فظا غليظ القلب‬ ‫النفضوا من حولك فاعف عنه واستغفر لهم وشاورهم ‪N‬ي ٔالامر)‪ ،(273‬أما الفظ فهو‬ ‫الغليظ الجانب الس  الخلق‪ .‬والغليظ القلب الذي ال يتأثر قلبه عن ‪‹ºà‬ء‪ ،‬فقد ال يكون‬ ‫ً‬ ‫س  الخلق وال يؤذي أحدا ‪ ،‬ولكنه ال يرق لهم وال يرحمهم)‪.(274‬‬ ‫وإذا كان صاحب بضاعة ما يفهم أن تسويق هذﻩ البضاعة ال يتم إال إذا توافر ٔالاساس‬ ‫ُ‬ ‫النف»‪ ،‹º‬فإن الخلق الرفيع ول>ن الجانب من أسباب إقبال الناس ع‪C‬ى الشراء من التاجر‪،‬‬ ‫فكذلك أمر الداعية الذي يعرض سلعة ٕالايمان‪ .‬يقول الرازي‪" :‬إن املقصود من البعثة أن‬ ‫يبلغ الرسول تكاليف ﷲ إ"ى الخلق؛ وهذا املقصود ال يتم إال إذا مالت قلو‪*o‬م إليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسكنت نفوسهم لديه‪ .‬وهذا املقصود ال يتم إال إذا كان رحيما كريما‪ ،‬يتجاوز عن ذن©*م‬ ‫ويعفو عن إساءž*م‪ ،‬ويخصهم بوجوﻩ ال‪ xy‬واملكرمة والشفقة‪ ،‬فلهذﻩ ٔالاسباب وجب أن يكون‬ ‫)‪(272‬‬

‫;‪.(149/14) ( $ /! ) 67! 89 :‬‬

‫)‪(273‬‬

‫ ‪./ !- 10   /! 159 :‬‬

‫)‪(274‬‬

‫ ‪.(64)63/9)  7 B‬‬ ‫‪112‬‬

‫الرسول ُم َ‪xّ y‬أ من سوء الخلق‪ .‬وكما يكون كذلك وجب أن يكون غ>‪ x‬غليظ القلب ‪ ،‬بل يكون‬ ‫كث>‪ x‬امليل إ"ى إعانة الضعفاء‪ ،‬كث>‪ x‬القيام بإعانة الفقراء‪ ،‬كث>‪ x‬التجاوز عن السيئات")‪.(275‬‬ ‫وملكان ٔالالفة ‪N‬ي دين ﷲ تعا"ى اعت‪xy‬ت فريضة من فرائضه؛ قال القا‪ ‹ºÛ‬عياض‪" :‬ؤالالفة‬ ‫إحدى فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل ٕالاسالم")‪ .(276‬ومن أسباب حصول ٔالالفة‬ ‫الورع وصدق السريرة وٕالاخالص‪ ،‬ولذلك جاء الربط ب>ن إفشاء السالم وب>ن الصالة بالليل‬ ‫والناس نيام‪ " ،‬عن عبدﷲ بن سالم ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪ ،‬قال‪ :‬ملا قدم الن´‹  انجفل الناس‬ ‫عليه‪ ،‬فكنت فيمن انجفل‪ ،‬فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب‪ ،‬فكان أول‬ ‫ﱡ‬ ‫‪‹ºà‬ء سمعته يقول‪ " :‬أفشوا السالم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا باألرحام‪ ،‬وصلوا والناس‬ ‫نيام‪ ،‬تدخلوا الجنة بسالم")‪.(277‬‬ ‫فالصالة ‪N‬ي الليل تربط العبد بخالقه ف>‪ HºÛx‬عنه‪ ،‬وإذا ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ تعا"ى عن العبد أر‪HºÛ‬‬ ‫العباد عنه‪ .‬و‪N‬ي الحديث عن أبي هريرة ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‪ ،‬عن الن´‹  قال‪ " :‬إذا أحب ﷲ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عبدا نادى ج‪xy‬يل إن ﷲ ُيحب فالنا فأحبه فيحبه ج‪xy‬يل‪ ،‬فينادي ج‪xy‬يل ‪N‬ي أهل السماء‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إن ﷲ يحب فالنا فأحبوﻩ‪ ،‬فيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يوضع له القبول ‪N‬ي أهل ٔالارض")‪.(278‬‬ ‫ومهما كان الداعية قوي ُ‬ ‫الحجة حاضر البد‪*+‬ة‪ ،‬فإن حجته وبد‪*+‬ته تعجز أمام عدم‬ ‫التوفيق والرضا منه سبحانه وتعا"ى‪.‬‬ ‫ومن أسباب ٕالالف عدم منازعة الناس ‪N‬ي دنياهم‪ ،‬أو منافس‪*¥‬م ‪N‬ي املناصب‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الزهد النافع‪ ،‬أي الزهد بما ‪N‬ي أيدي الناس‪ .‬وأك¨‪ x‬من ذلك فإن الداعية يؤثر الناس ع‪C‬ى‬ ‫نفسه ولو كان به خصاصة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن اسبابه كذلك بذل املعروف‪ ،‬فالداعية يفكر دائما بإسعاد الناس وإيصال الخ>‪ x‬إل‪*j‬م‬ ‫ولو بالكلمة الطيبة‪ ،‬ومن كان هذا شأنه فإنه ال يعرف الشر وال ٔالاذى‪.‬‬ ‫ومن أسبابه إطعام الطعام ملا فيه من أثر بالغ ع‪C‬ى النفس البشرية‪ ،‬ولذلك ورد ‪N‬ي‬ ‫الحديث‪":‬أطعموا الطعام"‪ .‬وعن عبد ﷲ بن عمرو ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬ما‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ﷲ‬ ‫ً‬ ‫‪ ":‬إن الجنة لغرفا ُيرى ظاهرها من باط‪*w‬ا وباط‪*w‬ا من ظاهرها‪ ،‬فقال أبو مو‪ٔ HºÒ‬الاشعري‪:‬‬ ‫)‪(275‬‬

‫ ‪.(64/9)  7 B‬‬

‫)‪(276‬‬

‫‪.(11/2) 67! ]7- $‬‬

‫)‪(277‬‬

‫;‪/? G? : 1 F (652/4)  !  (451/5) L$! 45 !?; 6 !@ 89 :‬‬ ‫‪./- ! 8T & : # $ 19$‬‬

‫)‪(278‬‬

‫;‪.(461/10) (   >5 /! )  : 89 :‬‬ ‫‪113‬‬

‫?> !‪]$D‬‬

‫ً‬ ‫ملن ]ي يا رسول ﷲ ‪ ،‬قال ك ملن أالن الكالم وأطعم الطعام وبات ﷲ قائما والناس‬ ‫نيام")‪ .(279‬وكان صهيب ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه يطعم الطعام الكث>‪ x‬فراجعه عمر ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه ‪N‬ي‬ ‫ذلك فقال‪ّ :‬أما قولك ‪N‬ي الطعام فإن رسول ﷲ  كان يقول‪ " :‬خياركم من أطعم الطعام‬ ‫ورد السالم")‪.(280‬‬ ‫ومن أسباب ٕالالف ال‪*¥‬ادي‪ ،‬فللهدية سحر خاص يصل الداعية بقلوب الناس‪ ،‬وهذﻩ الهدية‬ ‫ً‬ ‫دليل ع‪C‬ى حب الداعية للمهدي إليه وتقديرﻩ له‪ .‬وإذا كان ال‪*¥‬ادي جائزا ب>ن املسلم>ن‬ ‫واملشرك>ن واملحارب>ن فهو أو"ى ب>ن املسلم>ن‪ ،‬وقد جاء ‪N‬ي الصحيح أن عمر ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه‬ ‫رأى حلة تباع‪ ،‬فقال للن´‹ ‪ :‬ابتع هذﻩ الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد‪ ،‬فقال‬ ‫ُ‬ ‫‪ :‬إنما يلبس هذﻩ من ال خالق له ‪N‬ي ٓالاخرة ـ وكانت من الحرير ـ فأتي رسول ﷲ  م‪*w‬ا بحلل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فأرسل إ"ى عمر م‪*w‬ا بحلة‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬كيف ألبسها وقد قلت ف‪*j‬ا ما قلت؟ قال‪ :‬إني لم‬ ‫أكسكها لتلبسها‪ ،‬تبيعها أو تكسوها‪ ،‬فأرسل ‪*o‬ا عمر إ"ى أخ له من أهل مكة قبل أن‬ ‫يسلم")‪" .(281‬وقد كان الن´‹  يقبل الهدية ويثيب عل‪*j‬ا")‪.(282‬‬ ‫وكم وصلت الهدية من الحبال املنقطعة؟ ‪ ،‬وكم غ>‪x‬ت من املواقف؟ وكل إنسان يعلم أثر‬ ‫الهدية ‪N‬ي تحقيق املودة واملحبة‪ .‬والداعية أو"ى الناس باستخدام هذﻩ الوسيلة الفعالة من‬ ‫وسائل الاتصال الجماه>‪x‬ي‪.‬‬ ‫‪ -5‬الداعية يخالط الناس ويص‪ xy‬ع‪C‬ى أذاهم‪:‬‬ ‫والداعية يتوقع ٕالاساءة قبل ٕالاحسان ويعذر الناس ‪N‬ي س  ٔالاخالق وغليظ الطباع؛ أل‪*°‬م‬ ‫ً‬ ‫حرموا ردحا من الزمن من توجيه ٕالاسالم وتربيته‪ ،‬ففسدت جوانب مهمة من جوانب‬ ‫تركي©*م النف»‪ ‹º‬والاجتما‪µ‬ي‪ ،‬وأصبح دأ‪*o‬م الغيبة والنميمة والهمز اللمز‪ .‬والداعية الحكيم‬ ‫يتعامل معهم كما يتعامل الطبيب الرحيم مع مرضاﻩ‪ ،‬ولهذا فإن الداعية مأمور بالص‪xy‬‬ ‫والاصطبار وانتظار النتائج دونما يأس أو كلل وشعارﻩ ‪N‬ي ذلك قول الن´‹  ‪" :‬املؤمن الذي‬ ‫يخالط الناس ويص‪ xy‬ع‪C‬ى أذاهم خ>‪ x‬من الذي ال يخالط الناس وال يص‪ xy‬ع‪C‬ى أذاهم")‪.(283‬‬ ‫وعندما يصل الدعاة إ"ى هذا املستوى الرفيع من إعذار الناس ومسامح‪*¥‬م ع‪C‬ى زالž*م‪،‬‬ ‫)‪(279‬‬

‫;‪.(156/1)(173/2) !?; (354/4)  !  89 :‬‬

‫)‪(280‬‬

‫;‪.(16/5) !?; 6 !@ 89 :‬‬

‫)‪(281‬‬

‫‪.(232/5)   >5 /!  :‬‬

‫)‪(282‬‬

‫;‪.(394/3)  ; 89 :‬‬

‫)‪(283‬‬

‫‪(102)  ! A.‬‬ ‫‪114‬‬

‫فإ‪*°‬م يزيلون عوائق كث>‪x‬ة سب©*ا الحنق والغضب والرغبة باملعاملة باملثل‪ .‬وقدوة الداعية ‪N‬ي‬ ‫ذلك رسول ﷲ  الذي ُعرف بسعة صدرﻩ وكظم غيظه‪ ،‬قال عبدﷲ بن مسعود‪ :‬قسم‬ ‫الن´‹  قسمة ـ كبعض ما كان يقسم ـ فقال رجل من ٔالانصار‪ :‬وﷲ إ‪*°‬ا لقسمة ما أريد ‪*o‬ا‬ ‫وجه ﷲ عز وجل‪ .‬قلت أنا‪ :‬ألقولن للن´‹  ـ فأتيته وهو ‪N‬ي أصحابه ـ فساررته‪ ،‬فشق ذلك‬ ‫عليه‪ ،‬وتغ>‪ x‬وجهه‪ ،‬وغضب ح‪ HI‬وددت إني لم أكن أخ‪xy‬ته‪ ،‬ثم قال‪ ":‬قد أوذي مو‪ HºÒ‬بأك¨‪x‬‬ ‫من ذلك فص‪.(284)"xy‬‬ ‫‪ -6‬الداعية ال يغمط الناس حقهم‪ ،‬وال ينكر ألحد فضله‪:‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وذلك ﱠ‬ ‫ألن سفه الحق وغ ْمط الناس من صفات املتك‪xy‬ين‪ ،‬الذين ال يروق لهم أن يروا أحدا‬ ‫فوقهم‪ ،‬ويحملهم الحسد والتنافس ع‪C‬ى إخفاء فضل الفضالء وعلم العلماء‪ .‬وأما الداعية‬ ‫فهو بريء من هذا العيب‪ ،‬وهو يع™‪x‬ف لكل صاحب فضل بفضله‪ ،‬ويتصف باملوضوعية ‪N‬ي‬ ‫تعامله‪ ،‬ويقتدي بسنة الن´‹  الذي يقول‪ " :‬ال يدخل الجنة من كان ‪N‬ي قلبه مثقال ذرة من‬ ‫ً‬ ‫ك‪ ،xy‬قال رجل ‪ :‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ‪ ،‬ونعله حسنة ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ﷲ جميل‬ ‫يحب الجميل‪ ،‬الك‪ xy‬بطر الحق وغمط الناس")‪.(285‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومع‪ H¢‬بطر الحق‪ :‬دفعه وإنكارﻩ ترفعا وتج‪xy‬ا‪ ،‬ومع‪ H¢‬غمط الناس‪ :‬احتقارهم‪ .‬وهذا املوقف‬ ‫من الداعية يحقق السالم بينه وب>ن سائر الناس ويمهد له الطريق إ"ى قلو‪*o‬م‪ ،‬ويقيم‬ ‫أفضل وسائل الاتصال معهم‪.‬‬ ‫‪-7‬صلة الرحم‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويتصف الداعية بحرصه ع‪C‬ى صلة رحمه‪ ،‬قياما بفريضة من فرائض الدين‪ .‬وتطبيقا لسنة‬ ‫من سننه‪ ،‬وصلة ا لرحم تحقق الاتصال الحيوي بجماعة كب>‪x‬ة من الناس يرتبط الداعية‬ ‫ً‬ ‫‪*o‬م رباط القربى‪ ،‬ويف™‪x‬ض هؤالء الناس أن يكون الداعية وصوال لهم‪ .‬ولذا فإ‪*°‬م ينكرون‬ ‫ُ ّ‬ ‫حملونه من املسئولية أك¨‪ x‬من غ>‪x‬ﻩ‪ .‬والداعية الذكي يتوجه‬ ‫ع‪C‬ى الداعية عندما يقطعهم‪ ،‬وي ِ‬ ‫إ"ى هؤالء من خالل الصلة املعروفة ليقدم إل‪*j‬م دعوته بعد أن يقدم إل‪*j‬م ﱠبرﻩ‪ .‬ولقد أمرنا‬ ‫رسول ﷲ  بالتعرف ع‪C‬ى أنسابنا ال من أجل عصبية جاهلية ولكن منأجل تأدية الواجب‬ ‫نحو هؤالء ٔالارحام‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬تعلموا من أنسابكم ما تصلون به‬

‫)‪(284‬‬ ‫)‪(285‬‬

‫?> ‪.103  ! A. 45 (512/10)  :‬‬ ‫;‪.(93/1) 67! 89 :‬‬ ‫‪115‬‬

‫ْ‬ ‫أرحامكم فإن صلة الرحم محبة ‪N‬ي ٔالاهل‪ ،‬م¨‪x‬اة ‪N‬ي املال‪ ،‬منسأة ‪N‬ي ٔالاجل‪ ،‬مرضاة‬ ‫للرب")‪.(286‬‬ ‫ً‬ ‫وقد اختار ﷲ نبيه محمدا  وله ‪N‬ي كل بيت من بيوت العرب رحم‪ ،‬وقامت ٔالادلة ع‪C‬ى‬ ‫ً‬ ‫تبعا ُ‬ ‫لسلم مرات©*م‪ ،‬وقد ناقش‬ ‫ضرورة معرفة ٔالانساب ؤالارحام‪ ،‬وذلك ألداء الحقوق إل‪*j‬م‬ ‫ابن حزم ‪N‬ي كتابه" جمهرة أنساب العرب" قول من قال ‪ ) :‬إن علم النسب علم ال ينفع‬ ‫وجهالة ال تضر‪ .‬ثم قال‪ :‬وضح أنه بخالف هذا وأنه علم ينفع ‪ ،‬وجهل يضر‪ .‬وكان من ب>ن‬ ‫أصحاب الن´‹  من يتقن علم النسب كابي بكر الصديق وأبي الجهم بن حذيفة وجب>‪ x‬بن‬ ‫ً‬ ‫مطعم ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ ع‪*w‬م‪ .‬وكان أبو بكر أشدهم رسوخا ‪N‬ي العلم بجميع أنساب العرب‪ ،‬وقد أمر‬ ‫الن´‹  حسان بن ثابت أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبي بكر‬ ‫الصديق( )‪.(287‬‬ ‫ً‬ ‫وكث>‪ x‬من الدعاة ‪*+‬ملون البحث ‪N‬ي أنسا‪*o‬م ظنا م‪*w‬م أن ذلك من أمر الجاهلية‪ .‬والجاهلية‬ ‫]ي الفخر والخيالء والعصبية‪ ،‬ومن الجاهلية القطيعة وإهمال ٔالارحام‪ .‬وقد جعل القرآن‬ ‫ً‬ ‫الكريم تقطيع ٔالارحام قرينا لإلفساد ‪N‬ي ٔالارض‪ ،‬فقال تعا"ى ‪  :‬فهل عسيتم إن توليتم أن‬ ‫ُ‬ ‫تفسدوا ‪N‬ي ٔالارض وتقطعوا أرحامكم )‪ .(288‬وقد بلغ من حرص هذا الدين ع‪C‬ى صلة الرحم‬ ‫أن أمر بصلة الرحم املشركة‪ ،‬فجاء عن الن´‹  أﻩ قال ‪ " :‬إن آل أبي فالن ليسوا بأوليائي‬ ‫ﱡ‬ ‫إنما ول ‹ ﷲ وصالح املؤمن>ن‪ ،‬ولكن لهم رحم أبلها بباللها‪ ،‬أي أصلها بصل‪*¥‬ا")‪.(289‬‬ ‫ُ‬ ‫والرحم سواء كانت مؤمنة أو غ>‪ x‬مؤمنة قريبة أو بعيدة‪ ،‬ف·‹ ش ْجنة من الرحمن كما أخ‪xy‬نا‬ ‫ُ‬ ‫الن´‹  " إن الرحم ش ْج َنة من الرحمن‪ ،‬فقال ﷲ‪ :‬من وصلك وصلته‪ ،‬ومن قطعك‬ ‫قطعته")‪ ،(290‬والشجنة عرق منعروق الشجرة املشتبكة‪ ،‬ومع‪ H¢‬الحديث أن الرحم اشتق‬ ‫اسمها من اسم الرحمن فلها به ُعلقة‪.‬‬ ‫وقد حرم ﷲ ع‪C‬ى قاطع الرحم دخول الجنة‪ ،‬قال الن´‹ ‪ " :‬ال يدخل الجنة قاطع")‪.(291‬‬

‫)‪(286‬‬

‫;‪.(374/2) !?; (351/4)  !  \ :‬‬

‫)‪(287‬‬

‫‪. ,  5)3 A D A $;  I!9‬‬

‫)‪(288‬‬

‫ ‪.!?!   /! 22‬‬

‫)‪(289‬‬

‫‪.419/10 (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(290‬‬

‫‪.417/10(   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(291‬‬

‫‪.415/10 (  >5 /! )  :‬‬ ‫‪116‬‬

‫وباملقابل فإن صلة الرحم بركة ‪N‬ي الرزق ؤالاثر‪ ،‬لقوله عليه الصالة والسالم‪ ) :‬من أحب أن‬ ‫يبسط له ‪N‬ي رزقه‪ُ ،‬وينسأ له ‪N‬ي أثرﻩ فليصل رحمه( )‪.(292‬‬ ‫وتكون صلة الرحم باملال للقادر عليه‪ ،‬بالعون ع‪C‬ى الحاجة‪ ،‬وبدفع الضرر‪ ،‬وبطالقه الوجه‪،‬‬ ‫وبالدعاء‪ .‬واملع‪ H¢‬الجامع‪ :‬إيصال ما أمكن من الخ>‪ ،x‬ودفع ما أمكن من الشر بحسب‬ ‫الطاقة)‪.(293‬‬ ‫ولقد شاع التقاطع ‪N‬ي زماننا هذا‪ ،‬ح‪ HI‬أصبح كل إنسان يميل إ"ى ٔالابعدين عنه‪ ،‬وال يرغب‬ ‫بصلة ٔالاقرب>ن ملا يجد من إساءاž*م وقطيع‪*¥‬م‪ ،‬وإذا كان هذا التصرف له ما ي‪xy‬رﻩ عند‬ ‫جمهور الناس‪ ،‬فإن الداعية مأمور بإحياء هذﻩ الصالت والحض عل‪*j‬ا‪ ،‬وال تتم عبادته هلل‬ ‫تبارك وتعا"ى إال ‪*o‬ا‪ .‬وقد أخ‪ xy‬الن´‹  أن الواصل ال يكون املكا‪N‬ئ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ليس الواصل‬ ‫ُ‬ ‫باملكا‪N‬ئ‪ ،‬ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها")‪ .(294‬ومع‪ H¢‬الحديث أن صلة الرحم‬ ‫ً‬ ‫ال يش™‪x‬ط ف‪*j‬ا التبادل‪ ،‬بل ]ي واجبة ح‪ HI‬مع القطيعة‪ ،‬فمن أراد أن يكون واصال فالبد أن‬ ‫يبدأ هو بوصل من قطعه‪ ،‬والبد أن يعطى من منعه‪ .‬وأن يقابل ٕالاساءة باإلحسان‪ .‬وأما إذا‬ ‫ً‬ ‫انتظر الصلة من الجانب ٓالاخر فإنه ال يكون واصال‪.‬‬ ‫ؤالارحام مراتب حسب قر‪*o‬ا وبعدها من النسب‪ ،‬ودرجات حسب قر‪*o‬ا وبعدها عن الدين‪.‬‬ ‫وصلة الرحم تبدأ باألقرب ح‪ HI‬تصل إ"ى ٔالابعد‪ .‬وال‪ xy‬واجب ع‪C‬ى كل حال‪ ،‬والوالية تفارقه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪N‬ي حال كون الرحم فاسقا أو كافرا أو عدوا‪ ،‬لقول ﷲ تعا"ى‪  :‬ال ي‪*w‬اكم ﷲ عن الذين لم‬ ‫ُ‬ ‫يقاتلوكم ‪N‬ي الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن ت‪xy‬وهم وتقسطوا إل‪*j‬م‪ ،‬إن ﷲ ُيحب‬ ‫املقسط>ن* إنما ي‪*w‬اكم ﷲ عن الذين قاتلتوكم ‪N‬ي الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا‬ ‫ع‪C‬ى إخراجكم أن تولوهم ‪،‬ومن يتولهم فأولئك هم الظاملون)‪.(295‬‬ ‫ويالحظ قوله ‪N‬ي ٓالاية ٔالاو"ى‪ :‬أن ت‪xy‬وهم‪ ،‬و‪N‬ي الثانية ‪ :‬أن تولوهم‪ ،‬ومع‪ H¢‬ذلك أن الن·‹ عن‬ ‫تو"ي هؤالء لشدة عداوž*م‪ ،‬قال الرازي ‪N‬ي تفس>‪x‬ﻩ‪" :‬هذﻩ ٓالاية تدل عن جواز ال‪ xy‬ب>ن‬ ‫املشرك>ن واملسلم>ن‪ ،‬وإن كانت املوالاة منقطعة")‪ ،(296‬فإذا علم الداعية كل هذا كانت صلة‬ ‫)‪(292‬‬

‫‪.415/10(   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(293‬‬

‫‪.418/10   >5‬‬

‫)‪(294‬‬

‫‪.423/10 (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(295‬‬

‫ ‪.$?!!   /! 9)8 /‬‬

‫)‪(296‬‬

‫ ‪.(304/29) B‬‬ ‫‪117‬‬

‫ً ً‬ ‫الرحم ميدانا رحبا لدعوته‪ ،‬تصله بجماه>‪ x‬من الناس‪ .‬ويكون عندئذ قطاع كب>‪ x‬من هؤالء‬ ‫الناس ع‪C‬ى صلة بجماعة الدعاة‪ ،‬وهو كسب للدعوة والدعاة‪.‬‬ ‫‪ -8‬الرفق‪:‬‬ ‫والبد أن يتصف الداعية بالرفق مع سائر الناس‪ .‬والرفق ل>ن الجانب بالقول والفعل‪ .‬ؤالاخذ‬ ‫باألسهل ؤالايسر ‪ ،‬وهو ضد العنف ‪ ،‬وقد روى ٕالامام مسلم ‪N‬ي صحيحه عن الن´‹  أنه‬ ‫قال ‪ " :‬إن ﷲ رفيق يحب الرفق ‪ ،‬ويعطي ع‪C‬ى الرفق ما ال يعطي ع‪C‬ى العنف " )‪ .(297‬ومن‬ ‫خالل الرفق يستطيع الداعية أن يفكر ‪N‬ي ٔالامور وأن يتخذ املواقف الصحيحة‪ ،‬وال يمكن‬ ‫ذلك من خالل العنف والتسرع‪ .‬ورب كلمة يندفع الداعية إ"ى قولها ثم يتب>ن أن لها من‬ ‫ٓالاثار السلبية ما يجعل جماعة كاملة تبذل وق‪*¥‬ا وجهدها من أجل إصالح ما أفسدﻩ عدم‬ ‫الرفق‪ ،‬ورب تصرف أهوج من إنسان محسوب ع‪C‬ى الدعوة والدعاة يؤخر مس>‪x‬ة الدعوة‬ ‫والدعاة‪ .‬ولعل من أشد ٔالامراض الفتاكة بالدعوة والدعاة أن يكون ف‪*j‬ا من يربي غ>‪x‬ﻩ ع‪C‬ى‬ ‫العنف ويطالبه باستعمال القوة وإنزال العقوبة ع‪C‬ى كل مخالف‪ .‬وهذا السلوك يسلب‬ ‫الدعوة أهم مقوماž*ا وعناصر وجودها‪ .‬وهذا ما يس‪è‬ى أعداء ٕالاسالم ليل ‪*°‬ار إليقاع الدعاة‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وكان دأب الن´‹  الرفق مع الناس كلهم؛ أخرج البخاري ‪N‬ي صحيحه عن أنس بن مالك‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ر‪ ‹ºÛ‬ﷲ عنه" ﱠأن أعرابيا بال ‪N‬ي املسجد فقاموا إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال ت ْز ِرموﻩ‪ ،‬ثم دعا بدلو من‬ ‫ماء‪َ ،‬ف ُ‬ ‫ص ﱠب عليه" ‪ .‬ومع‪ " H¢‬ال تزرموﻩ" ‪ :‬ال تقطعوا عليه بوله‪ .‬و‪N‬ي رواية ال™‪x‬مذي‪" :‬دخل‬ ‫ً‬ ‫أعرابي املسجد والن´‹  جالس‪ ،‬فص‪C‬ى فلما فرغ قال ‪ :‬اللهم ارحم‪ ‹¢‬ومحمدا وال ترحم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معنا أحدا‪ ،‬فالتفت إليه الن´‹ ‪ ،‬فقال‪ :‬لقد تحجرت واسعا ‪ ،‬فلم يلبث أن بال ‪N‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املسجد‪ ،‬فأسرع إليه الناس‪ ،‬فقال الن´‹  ‪ :‬أهريقوا عليه سجال من ماء‪ ،‬أودلوا من ماء ‪،‬‬ ‫ثم قال ‪ :‬إنما ُبعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين")‪.(298‬‬ ‫و‪N‬ي هذﻩ الحادثة كمال رفقه  ‪ ،‬وما أجمل أن يتأ‪ HºÒ‬الدعاة ‪*o‬ذا الخلق الكامل‪.‬‬ ‫والبد أن يضع الداعية ‪N‬ي ع>ن الاعتبار طبائع الناس وأمزج‪*¥‬م‪ ،‬وأ‪*°‬م ال يتصرفون بطريقة‬ ‫واحدة‪ .‬وهم أنواع وأصناف ‪ ،‬والبد من مراعاة كل هذا‪ ،‬فالجاهل له طبيعة ومزاج ‪،‬‬ ‫والبدوي له طبيعة ومزاج‪ ،‬والحضري له طبيعة ومزاج‪.‬‬ ‫)‪(297‬‬

‫;‪. 2004/4 67! 89 :‬‬

‫)‪(298‬‬

‫‪.(276/1)  !  /$‬‬ ‫‪118‬‬

‫وتختلف الطباع ؤالامزجة مع اختالف البالد‪ ،‬وقد يغلب ع‪C‬ى أهل قطر ما روح الدعابة‬ ‫واملرح‪ ،‬وع‪C‬ى أهل قطر آخر روح الجد والحزم‪ .‬ويتصف شعب ما بقدرته ع‪C‬ى املجاملة ول>ن‬ ‫الكالم‪ ،‬ويتصف غ>‪x‬ﻩ بحدة املزاج وخشونة التعامل‪ .‬والداعية الناجح يستوعب هذﻩ‬ ‫الطبائع ؤالامزجة‪.‬‬ ‫ومن ُحرم الرفق فقد ُحرم الخ>‪ x‬كله)‪ ،(299‬كما جاء ‪N‬ي الحديث الشريف ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومن لوازم الرفق أن ال يكون الداعية فاحشا وال متفاحشا‪ .‬والفحش كل ما خرج عن‬ ‫مقدارﻩ ح‪ HI‬يستقبح‪ ،‬فالداعية ال يفحش ‪N‬ي كالمه‪ ،‬وال يجيب ع‪C‬ى الفحش بالفحش‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﱠ ً‬ ‫ﱠ ً‬ ‫يكون‬ ‫لعانا‪ .‬وكل هذا من جهة كون الداعية أوسع قلبا وأعمق نظرا وأبعد هدفا‬ ‫سبابا وال‬ ‫من غ>‪x‬ﻩ‪ .‬فإذا كان الناس يتصفون بسرعة الاستجابة لدوا‪µ‬ي الغضب وال‪ÌÞ‬ق فما ذلك إال‬ ‫لقصر ‪N‬ي أهدافهم‪ ،‬ومالحقة لسفاسف ٔالامور وصغائرها‪ .‬والداعية ال يكون كذلك‪ ،‬بل هو‬ ‫يعمل ع‪C‬ى ترويض الطباع الشاردة وتربية ٔالاخالق القاسية‪ ،‬ومستلزمات هذﻩ الوظيفة‬ ‫كب>‪x‬ة‪.‬‬ ‫‪ -9‬مراعاة ذوي الهيئات والوجهاء‪:‬‬ ‫وال ‪*+‬مل الداعية وجوﻩ الناس وذوي النفوذ ف‪*j‬م‪ ،‬بل يقبل عل‪*j‬م ويستطيع بحسن إدارته‬ ‫وثاقب بص>‪x‬ته أن يوظف الكث>‪ x‬من هؤالء لنصرة دعوته‪ .‬وما يشيع ع‪C‬ى ألسنة الدعاة‬ ‫ً‬ ‫أحيانا من كلمات تدعو إ"ى إهمال هذﻩ الفئة هو مخالف لسنة الن´‹  ‪N‬ي تعامله مع‬ ‫ً‬ ‫الوجهاء والزعماء‪ .‬كما جعل لهم القرآن الكريم سهما من الزكاة وهو سهم املؤلفة قلو‪*o‬م‪،‬‬ ‫وذلك ألن هؤالء هم أناس تتحرك بحرك‪*¥‬م فئات كب>‪x‬ة من الناس ‪ ،‬فرا‪µ‬ى ٕالاسالم ما لهم‬ ‫من نفوذ ‪N‬ي اتباعهم فاستمال قلو‪*o‬م لكي ال يقفوا ‪N‬ي طريق أتباعهم الراغب>ن ‪N‬ي دين ﷲ‬ ‫تعا"ى‪.‬‬ ‫وهؤالء الوجهاء م‪*w‬م العقالء الحلماء الحكماء‪ ،‬وهؤالء ترا‪µ‬ى مكان‪*¥‬م ويستفاد من صفاž*م‬ ‫ومزاياهم‪ ،‬فقد قال الن´‹  ألشج عبد القيس‪ " :‬إن فيك خصلت>ن يح©*ما ﷲ ورسوله‪:‬‬ ‫الحلم ؤالاناة")‪ .(300‬وقد يكون م‪*w‬م ٔالاحمق املطاع ومثل هذا يتقى شرﻩ وتستل سخيمة‬ ‫صدرﻩ ب‪‹ºÜ‬ء من املداراة والل>ن من غ>‪ x‬مداهنة أو وصفه بما ليس فيه‪ .‬ويشهد لهذا ما رواﻩ‬ ‫ً‬ ‫عروة عن عائشة" أن رجال استأذن ع‪C‬ى الن´‹  فلما رآﻩ قال ‪ :‬بئس أخو العش>‪x‬ة‪ ،‬أو ابن‬ ‫)‪(299‬‬

‫ ‪. 2003/4 67! L‬‬

‫)‪(300‬‬

‫;‪.192/1($ < = ) 67! 6 !@ 89 :‬‬ ‫‪119‬‬

‫العش>‪x‬ة‪ ،‬فلما جلس تطلق الن´‹  ‪N‬ي وجهه وانبسط إليه‪ ،‬فلما انطلق الرجل قالت له‬ ‫عائشة‪ :‬يا رسول ﷲ‪ ،‬ح>ن رأيت الرجل قلت كذا وكذا‪ ،‬ثم تطلقت ‪N‬ي وجهه وانبسطت‬ ‫ً‬ ‫إليه‪ ،‬فقال رسول ﷲ ‪ :‬يا عائشة‪ ،‬م‪ HI‬عهدت‪ ‹¢‬فاحشا‪ ،‬إن شر الناس عند ﷲ م‪ÌÞ‬لة يوم‬ ‫القيامة من تركه الناس اتقاء شرﻩ")‪.(301‬‬ ‫وهذا الرجل هو عيينة بن حصن الفزاري‪ ،‬وقد وصفه الن´‹  أنه " أحمق مطاع" وذلك‬ ‫عندما جاء إ"ى الن´‹  وعندﻩ عائشة ـ وكان ذلك قبل الحجاب ـ فقال ‪ :‬من هذﻩ ؟ قال‪ :‬أم‬ ‫املؤمن>ن ‪ ،‬قال‪ :‬الا أنزل لك عن أجمل م‪*w‬ا‪ ،‬فغضبت عائشة‪ ،‬وقالت ‪ :‬من هذا؟ قال ‪ :‬هذا‬ ‫أحمق)‪.(302‬‬ ‫وإكرام هؤالء الوجهاء إكرام ألقوامهم‪ ،‬وينعكس هذا ٕالاكرام ع‪C‬ى الدعوة والدعاة‪ .‬وإذا‬ ‫تعرض أحدهم ألزمة ما فإن ع‪C‬ى الداعية أن يقيل ع¨‪x‬ته وأن يرحمه ‪N‬ي موقف الذل‪ ،‬بذلك‬ ‫أمر الن´‹  عندما قال‪ " :‬أقيلوا ذوي الهيئات ع¨‪x‬اž*م")‪.(303‬‬ ‫‪ -10‬الس‪è‬ي ‪N‬ي حوائج الناس وحل مشكالž*م‪:‬‬ ‫والداعية الناجح يس‪è‬ى ‪N‬ي حوائج الناس‪ ،‬ويحمل ع‪*w‬م همومهم‪ ،‬ويشاركهم ‪N‬ي آالمهم‬ ‫ً‬ ‫وأفراحهم‪ ،‬ويعي‪*w‬م ع‪C‬ى نوائب الحق‪ .‬فهو ال يدخر وسعا ‪N‬ي تقديم كل عون ممكن لهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وهذا ما وصف به رسول ﷲ  يوم أن ذهب يرجف فؤادﻩ إ"ى خديجة‪ ،‬فقالت له‪":‬كال‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وﷲ ما يخزيك ﷲ أبدا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الك َل‪ ،‬وتكسب املعدوم‪ ،‬وتقري‬ ‫الضيف‪ ،‬وتع>ن ع‪C‬ى نوائب الحق")‪.(304‬‬ ‫ً‬ ‫قال ابن حجر‪ " :‬استدلت ع‪C‬ى ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدا بأمر استقرائي‪ ،‬وصفته‬ ‫بأصول مكارم ٔالاخالق؛ ألن ٕالاحسان إما إ"ى ٔالاقارب‪ ،‬أو إ"ى ٔالاجانب‪ ،‬وإما بالبدن‪ ،‬أو باملال‪،‬‬ ‫وإما ع‪C‬ى من يستقل بأمرﻩ‪ ،‬أو من ال يستقل ‪ ،‬وذلك كله مجموع فيما وصفته به")‪،(305‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك فقد وصف ابن الدغنة أبا بكر عندما خرج مهاجرا ‪ ،‬فقال له‪ ":‬فوﷲ‪ ،‬إنك ل™‪Ì‬ين‬ ‫العش>‪x‬ة‪ ،‬وتع>ن ع‪C‬ى النوائب‪ ،‬وتفعل املعروف ‪ ،‬وتكسب املعدوم‪ ،‬ارجع فأنت ‪N‬ي‬ ‫)‪(301‬‬

‫;‪.452/10 (  >5 /! )  : 89 :‬‬

‫)‪(302‬‬

‫‪.452/1 (  $! / D  /! )   >5‬‬

‫)‪(303‬‬

‫!‪.181/6 !?; 6 !@ $‬‬

‫)‪(304‬‬

‫‪.22/1 (   >5 /! )  :‬‬

‫)‪(305‬‬

‫‪.24/1   >5‬‬ ‫‪120‬‬

‫جواري")‪ .(306‬وهذﻩ الحادثة تب>ن لنا بصورة جلية كيف يكون الداعية مع الناس ‪ ،‬وكيف‬ ‫يجد الداعية تقدير الناس ‪N‬ي ٔالازمات وامللمات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والداعية ال يمل من فعل الخ>‪ ،x‬ويبذل ‪N‬ي سبيل ذلك قصارى جهدﻩ‪ ،‬ويشتد ساقه مع‬ ‫ً‬ ‫امللهوف‪ ،‬ويجيب من يستنصرﻩ ويستصرخه‪ ،‬وخالفا ملا يعتقدﻩ بعض الناس من أن‬ ‫التدخل ‪N‬ي شئون الناس لحل خصوماž*م شغل بما ال يع‪ ‹¢‬فإن الن´‹  قد جعل العدل‬ ‫ب>ن الاثن>ن صدقة وإغاثة امللهوف صدقة فقال ‪" :‬كل ُسالمى من الناس عليه صدقة‪ ،‬كل‬ ‫يوم تطلع فيه الشمس‪ ،‬تعدل ب>ن اثن>ن صدقة‪ ،‬والكلمة الطيبة صدقة")‪ .(307‬و‪N‬ي رواية‬ ‫أخرى‪ " :‬ع‪C‬ى كل مسلم صدقة‪ ،‬قالوا ‪ :‬فإن لم يجد؟ قال ‪ :‬فيعمل بيدﻩ فينفع نفسه‬ ‫ويتصدق‪ ،‬قالوا ‪ :‬فإن لم يستطع أو لم يفعل‪ ،‬قال‪ :‬يع>ن ذا الحاجة امللهوف")‪.(308‬‬ ‫والداعية الناجح ال يبخل ع‪C‬ى أحد ببذل شفاعته ووساطته‪ ،‬فإذا طلب إليه أحد الناس أن‬ ‫ً‬ ‫يس‪è‬ى معه وأن يع‪ xy‬له عن حاجته سار مسرعا إ"ى ذلك‪ .‬والشفاعة سنة محمودة س‪*w‬ا الن´‹‬ ‫ عندما قال ‪ " :‬اشفعوا ﱠ‬ ‫إ"ي ولتؤجروا وليقض ﷲ ع‪C‬ى لسان نبيه ما شاء "‪ .‬وهذﻩ‬ ‫الشفاعة ال تبدل الحقوق وال تسقط الواجبات‪ ،‬وإنما توصل الحق إ"ى صاحب الحق ويعود‬ ‫خ>‪x‬ها ع‪C‬ى كل حال ع‪C‬ى الدعوة والداعية‪.‬‬ ‫صناعة القيادات الجماه>‪x‬ية‪:‬‬ ‫وينب‪ó‬ي أن ال تكون الدعوة زاهدة ‪N‬ي قيادة الجماه>‪x‬؛ ألن هذا الزهد يدفع غ>‪x‬ها إ"ى قيادة‬ ‫ً‬ ‫الجماه>‪ x‬وتوج‪*j‬ها‪ ،‬وينب‪ó‬ي أن ال تكون بعض سلبيات العمل الجماه>‪x‬ي سببا ‪N‬ي نسيان‬ ‫إيجابياته الكث>‪x‬ة‪ ،‬فقد يرد من ب>ن سلبياته ما يتعرض له القائد من الغرور وحب الجاﻩ‬ ‫والفردية واحتمال تكوين املحاور مما يربط ٔالافراد بالشخص ال بالفكرة‪ ،‬وجميع هذﻩ‬ ‫السلبيات احتمالية أمام ما يمكن تحقيقه بعون ﷲ من نصر لدعوة ﷲ عن طريق هذﻩ‬ ‫القيادات‪.‬‬ ‫ولتكوين القيادات الجماه>‪x‬ية ال بأس من مراعاة الوسط الاجتما‪µ‬ي باختيار العناصر‬ ‫املرشحة للقيادة من الدعاة ذوي املكانة الاجتماعية العائلية أو العلمية أو املالية إذا أمكن؛‬ ‫)‪(306‬‬ ‫)‪(307‬‬ ‫)‪(308‬‬ ‫‪121‬‬

‫ألن العائلة والرتبة واملال ]ي مرتكزات القيادة ‪N‬ي العالم املعاصر ‪ ،‬وستبقى هذﻩ املرتكزات‬ ‫معت‪xy‬ة تشد الناس إل‪*j‬ا إ"ى أن ‪*+‬يمن ٕالاسالم ع‪C‬ى املجتمع ‪N‬ي العقيدة والسلوك والنظم‪،‬‬ ‫والناس معادن خيارهم ‪N‬ي الجاهلية خيارهم ‪N‬ي ٕالاسالم إذا فقهوا‪.‬‬ ‫وللقيادة تكاليفها الكث>‪x‬ة ومن يرشح لهذﻩ املهمة البد أن يعان عل‪*j‬ا ليقوم بمطال©*ا سواء‬ ‫كانت هذﻩ املطالب معنوية ‪ ،‬أو مادية ‪ ،‬أما املعنوية فأن يحيطه إخوانه ب‪‹ºÜ‬ء من العناية‬ ‫والاهتمام للفت أنظار الناس إ"ى مكانته ‪ ،‬وأن يذكروﻩ بالخ>‪ x‬وٕالاجالل والتوق>‪ ،x‬وأما املادية‬ ‫فالتوسعة عليه ‪N‬ي دارﻩ ومعيشته وتحمل املغارم عنه‪.‬‬ ‫والبد من تربية واعية لهذﻩ القيادات بأن تدرس الرأي العام وصناعته ومكوناته‪ ،‬وتتعرف‬ ‫ع‪C‬ى علم نفس الجهور‪ ،‬والتيارات السائدة ‪N‬ي املجتمع‪ ،‬وأن تتعلم الكث>‪ x‬عن عادات املجتمع‬ ‫وأعرافه‪ ،‬وأن تطلع ع‪C‬ى ٔالانظمة والقوان>ن بقر يجعل حرك‪*¥‬ا الاجتماعية واعية‪ ،‬ألن هذﻩ‬ ‫القيادات تتعامل مع ٔالاجهزة املختلفة‪.‬‬ ‫القيادات الجماه>‪x‬ية قيادات متخصصة ‪:‬‬ ‫وال يتحقق كل ما سبق إال إذا كانت القيادات الجماه>‪x‬ية متخصصة ‪N‬ي ميدا‪*°‬ا بأن تكون‬ ‫وظيفة القيادة الاجتماعية غ>‪ x‬الوظيفة ال™‪x‬بوية والتنظيمية ‪ .‬ونحن نعيش ‪N‬ي زمن‬ ‫التخصص القائم ع‪C‬ى اتساع ميادين املعرفة وع‪C‬ى تعقيد شئون الحياة‪ ،‬فالعمل الاجتما‪µ‬ي‬ ‫له ميادينه وتدريباته‪ ،‬والعمل ال™‪x‬بوي له ميادينه وتدريباته‪ ،‬وكذلك العمل التنظيم‹‪،‬‬ ‫فالقائد الجماه>‪x‬ي يعيش ب>ن الجماه>‪ x‬ويق‪ ‹ºÁ‬ليله و‪*°‬ارﻩ ‪N‬ي حل مشكالž*م والتعرف‬ ‫عل‪*j‬م‪ .‬وعندما يقوم املربي أو املنظم ‪*o‬ذا العمل فسيكون إما ع‪C‬ى حساب ال™‪x‬بية أو‬ ‫التنظيم‪.‬‬ ‫ضرورة العمل النقابي‪:‬‬ ‫وقد أصبحت النقابات املهنية مراكز ثقل اجتما‪µ‬ي ‪ ،‬وتدخلت هذﻩ النقابات ‪N‬ي كث>‪ x‬من بالد‬ ‫العالم ‪N‬ي اختيار ال‪xy‬امج السياسية والاقتصادية‪ ،‬وأثرت ‪N‬ي امليادين التشريعية‪ ،‬وتكونت‬ ‫النقابات ‪N‬ي بالد العالم ٕالاسالمي وسيطر عل‪*j‬ا ‪N‬ي باية نشأž*ا أصحاب املذاهب الهدامة‬ ‫ؤالافكار املستوردة ‪ ،‬وذلك لبعد العنصر ٕالاسالمي املتحرك ع‪*w‬ا ‪ ،‬وكان الظن السائد أن‬ ‫العمل النقابي ال يمكن أن ينسجم مع ٕالاسالم‪ ،‬أو أنه صورة من صور ال™‪x‬قيع للواقع‪ .‬ولكن‬ ‫تب>ن خطأ هذا الظن عندما قامت أنظمة ودول من خالل هذا العمل النقابي ‪ ،‬وذاق‬ ‫ً‬ ‫املسلمون ـ أحيانا ـ ع‪C‬ى أيدي هذﻩ النقابات الويالت ‪ ،‬والنقابات تشكل بمجموعها قوة‬ ‫‪122‬‬

‫اجتماعية جماه>‪x‬ية‪ ،‬إن لم تكن للدعوة ف·‹ عل‪*j‬ا‪ .‬وإن لم تجد من يأخذها ‪N‬ي طريق‬ ‫الهداية فستؤخذ ‪N‬ي طريق الضالل وٕالاضالل‪.‬‬ ‫أما القول بأن العمل النقابي ال ينسجم مع عقيدة ٕالاسالم وشريعته فهذا قول مردود؛ ألن‬ ‫املجتمع املسلم عرف مثل هذﻩ التجمعات النقابية ‪ ،‬وما زال لقب شيخ النجارين وشيخ‬ ‫ً‬ ‫الحدادين معروفا ‪N‬ي بعض البالد ٕالاسالمية‪ ،‬وقد نظم املسلمون أصحاب كل فئة بطريقة‬ ‫تحدد حقوقهم وواجباž*م‪ .‬وإذا كانت القوان>ن ؤالانظمة النقابية ال تنسجم مع ٕالاسالم فهذا‬ ‫ألن املتنفذين ‪N‬ي النقابات صاغوا أنظم‪*¥‬ا وفق مباد•*م وأفكارهم‪ .‬واملسلم مطالب بالعمل‬ ‫ع‪C‬ى تغي>‪ x‬كل قانون يتعارض مع قانون ٕالاسالم وشريعته‪.‬‬ ‫ﱠ‬ ‫وأما القول بأن العمل النقابي صورة من صور ال™‪x‬قيع‪ ،‬فغ>‪ُ x‬م َسلم ألن تكوين املجتمع‬ ‫املسلم ال يأتي من الفراغ وال يأتي من فوق‪ ،‬بل يتكون املجتمع من خالل اتجاﻩ أفرادﻩ‬ ‫وتجمعاته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان اتجاﻩ ٔالافراد والجماعات مخالفا لالتجاﻩ ٕالاسالمي فإن املحصلة مجتمع ال‬ ‫إسالمي‪ ،‬وإذا كان اتجاﻩ ٔالافراد والجماعات ‪N‬ي املسار ٕالاسالمي فاملحصلة مجتمع مسلم‪ .‬ولو‬ ‫قبلنا قول دعاة ٕالاصالح الجذري الذين ينتظرون قوة سحرية خارجية تغ>‪ x‬كل ‪‹ºà‬ء لعاش‬ ‫املسلمون ‪N‬ي مآس فكرية وسلوكية أك‪ xy‬بكث>‪ x‬مما يجدونه ‪ .‬وما دامت الحياة ال تتوقف بل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫]ي سائرة والبد أن يعيش املسلم ف‪*j‬ا واقعا معينا فإن عليه أن ُيدخل ‪N‬ي الواقع ما يستطيع‬ ‫ً‬ ‫من نظم ٕالاسالم وأحكامه‪ ،‬فإذا قصر ‪N‬ي بعض ٔالامور انتظارا للكل فهو آثم‪ ،‬ويكون قد‬ ‫أعطى بعض ٔالاحكام املخالفة إذن وجودها وهو قادر ع‪C‬ى إزال‪*¥‬ا‪ .‬وال يقول عاقل ب™‪x‬ك نقابة‬ ‫ما أل‪*°‬ا تتعامل بالربا؛ بحجة أن العمل ع‪C‬ى إزالة الربا ترقيع ال تزول بإزالته جميع‬ ‫املخالفات‪ .‬وإذا استطاع مسلم أن يكون له نفوذ ‪N‬ي نقابة فيحارب موائد الخمر أو أبواق‬ ‫الدعاية لألفكار ٕالالحادية والعلمانية ‪ ،‬ثم تخلف عن هذا فهو غاش هلل تعا"ى ولرسوله ‬ ‫ولجماعة املسلم>ن‪.‬‬

‫‪Proofed dan aturhuruf oleh KITA (Bru) Publication, B.D.S, © 2010‬‬

‫‪123‬‬