Altarbawia N84 [PDF]

‫تعنى بشؤون التربية والتكوين واملجتمع تصدر بشراكة مع التضامن اجلامعي املغربي‬ ‫> مدير النشر‪ :‬ابراهيم الباعمراني > العد

19 0 5MB

Report DMCA / Copyright

DOWNLOAD PDF FILE

Papiere empfehlen

Altarbawia N84 [PDF]

  • 0 0 0
  • Gefällt Ihnen dieses papier und der download? Sie können Ihre eigene PDF-Datei in wenigen Minuten kostenlos online veröffentlichen! Anmelden
Datei wird geladen, bitte warten...
Zitiervorschau

‫تعنى بشؤون التربية والتكوين واملجتمع تصدر بشراكة مع التضامن اجلامعي املغربي‬ ‫> مدير النشر‪ :‬ابراهيم الباعمراني > العدد ‪ > 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫> الثمن‪ 5 :‬دراهم‬

‫منظومة التربية والتكوين ما بعد جائحة‬ ‫كورونا‪ :‬أي هوية للمدرسة املغربية؟‬

‫مرحلي وليس خيار ًا تربوي ًا‬ ‫«< الت ّعليم عن بعد‪ٌ :‬‬ ‫تدبير ٌ‬ ‫‪--------------‬‬

‫< الدراسة عن بعد والتكنولوجيا الرقمية‬ ‫‪-------------‬‬‫< التعليم عن بعد‬ ‫‪-------------‬‬‫نحو تأسيس فلسفة للتعليم والتعلم عن بعد باملغرب‬ ‫‪-------------‬‬‫التعلم والتعليم عن بعد عبر األلعاب اإللكترونية‬

‫ص‪19‬‬

‫ص‪20‬‬ ‫ص‪22‬‬ ‫ص‪23‬‬ ‫ص‪24‬‬

‫‪-------------‬‬‫< كرونولوجيا إصالح املنظومة التعليمية في زمن الكورونا‬ ‫< تطور التعليم عن بعد‬ ‫ص‪25‬‬ ‫‪-------------‬‬‫< فاعلية التعليم عن بعد وخصائصه‬ ‫< واقع املنظومة التربوية وحتمية تنزيل القانون اإلطار مابعد جائحة كورونا‬ ‫ص‪26‬‬ ‫‪--------------‬‬

‫< بالغ التضامن اجلامعي املغربي حول التعليم عن بعد‬ ‫< إصالح التعليم رهان وطني ومطلب مجتمعي‬ ‫ص‪2‬‬ ‫‪--------------‬‬

‫‪-------------‬‬‫< إمكانية التعلم ما بعد السياق املدرسي ‪ :‬رهينة بظروف‬ ‫إمناء كفاية التعلم الذاتي‬ ‫ص‪9‬‬ ‫‪-------------‬‬‫< املدرسة وصناعة املتعلم «ة»‪ :‬نحو رؤية مستقبلية‬ ‫ص‪10‬‬ ‫‪-------------‬‬‫< التعليم عن بعد وسؤال التربية‬

‫< حملات تاريخية حول إصالح التعليم باملغرب منذ‬ ‫االستقالل إلى الرؤية االستراتيجية‬ ‫ص‪6‬‬

‫‪-------------‬‬‫< هل يصبح التعليم رقميا ؟‬

‫‪--------------‬‬

‫< التكوين املهني ضرورة اجتماعية واقتصادية ملسايرة‬ ‫حتديات النموذج التنموي‬

‫ص‪14‬‬ ‫‪--------------‬‬

‫< في زمن كورونا ‪:‬الالمركزية والالمتركز ‪...‬عالج ووقاية‬ ‫من احلجر التربوي‬

‫ص‪16‬‬ ‫ص‪12‬‬

‫‪--------------‬‬

‫< املنظومةالتعليمية باملغرب‪ :‬ثنائية الرغبة واالنتظار‪.‬‬ ‫ص‪13‬‬

‫ص‪18‬‬ ‫‪--------------‬‬

‫< كفايات مفهوم التدبير‪ :‬من التدبير الدراسي إلى تدبير احلياة‬ ‫ص‪27‬‬ ‫‪-------------‬‬‫< املهارات احلياتية رهان على وظيفية التعلمات‬ ‫ص‪29‬‬ ‫‪-------------‬‬‫املغربي‬ ‫الدراسي‬ ‫< إشكاالت تدريس املسرح في الفصل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ص‪32‬‬

‫‪-------------‬‬‫< استشارات قانونية‬ ‫< اجتهادات قضائية‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫رأي‬

‫أخبار‬

‫إصالح التعليم رهان وطني‬ ‫ومطلب مجتمعي‬

‫تواجه منظومتنا التربوية والتعليمية‬ ‫حتديات تفرض نفسها بسبب أزمة كورونا‬ ‫التي امتدت تداعياتها لتشمل املجاالت‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والصحية‬ ‫والتعليمية والقيمية ‪ ،‬مما يستدعي التفكير‬ ‫في االختيارات االستراتيجية املستقبلية إلصالح‬ ‫التعليم في سياق هذه التحوالت للمضي نحو‬ ‫معاجلة جذرية لنظامنا التعليمي ‪،‬و تأهيله‬ ‫ملواجهة مختلف التحديات انطالقا من الرؤية‬ ‫االستراتيجية لإلصالح التي ميتلكها املغرب‪،‬‬ ‫واملجسدة في القانون اإلطار العقد التربوي‬ ‫الذي يلزم الدولة بتفعيله ‪،‬و يتطلب تعبئة‬ ‫وطني ًة حقيقية مجتمعية ينخرط فيها اجلميع‬ ‫ونقابات‬ ‫وأحزاب‬ ‫حكومة‬ ‫بدون استثناء‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأطر تربوية و إدارية معنية بتنفيذ اإلصالح‬ ‫ونسيج ُأ َس ِري‬ ‫ومجتمع مدني‬ ‫‪،‬وقطاع خاص‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫باعتبار أن إصالح منظومة التربية والتكوين‬ ‫رهان وطني ‪ ،‬ينبغي أن يوضع في صلب‬ ‫النموذج التنموي اجلديد‪ ،‬إذ ال تنمية حقيقية‬ ‫بدون إصالح التعليم الذي هو منطلق كل‬ ‫اإلصالحات في امليادين االجتماعية واالقتصادية‬ ‫والسياسية ‪ ،‬والتنمية بدون ايالء البحث‬ ‫العلمي مكانة متييزية لكونه القاطرة الفعلية‬ ‫للتنمية االقتصادية والصناعية واالجتماعية‬ ‫والثقافية للمجتمع‪ ،‬لذا فاملدرسة اليوم‪ ،‬في‬ ‫جتديد عميق وشامل في ُر ِ‬ ‫وحها‬ ‫حاجة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأدائها ومناهجها وم َق َّرراتِ ها و َت َع ُّلماتِ ها في ظل‬ ‫حتوالت العصر‪ ،‬والتغيرات السوسيولوجية‬ ‫والثقافية والعلمية والتكنولوجية احلديثة‪،‬‬ ‫في أفق ِإرساء مدرسة مغربية جديدة‪ ،‬مفتوحة‬ ‫أمام اجلميع‪ ،‬ومنفتحة على العصر احلديث‬ ‫ومنجزاته العلمية والتقنية‪ ،‬ومس َت ْوعِ بة للثقافة‬ ‫اإلنسانية وروح االبتكار وا ِإلبداع ‪.‬‬ ‫لقد واجهت منظومة التربية والتكوين اليوم‬ ‫‪،‬حتدي التعليم عن بعد بسبب إغالق املؤسسات‬ ‫املدرسية واجلامعية الذي فرضته أزمة كورونا‬ ‫على العالم وضمنه املغرب ‪،‬وهي جتربة‬ ‫انخرطت فيها املنظومة باملغرب ‪،‬وبذلت فيها‬ ‫األطر التربوية واإلدارية جهودا قيمة بالرغم‬ ‫من نقص في اإلمكانيات وفي التكوين في‬ ‫مجال التعليم االلكتروني‪ ،‬إال أن واقع ممارسة‬ ‫التعليم عن بعد في جتربتة اجلديدة بايجابياته‬ ‫وسلبياته يطرح على منظومة التربية والتكوين‬ ‫ببالدنا ضرورة إدماج تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالتصاالت في النهوض بجودة التعلمات‬ ‫وحتسني مردوديتها‪ ،‬وتنمیة وتطویر التعليم‬ ‫عن بعد ‪،‬والتدبير اإلداري الرقمي بتأهيل األطر‬ ‫التربوية اإلدارية اعتمادا على التكوين األساس‬ ‫واملستمر ‪،‬لكون التعليم عن بعد والتدبير‬ ‫اإلداري التربوي الرقمي أصبحا ضرورة‬ ‫ملحة وليس ترفا‪ ،‬واحلاجة إليه ملحة سواء‬ ‫في األوضاع العادية أو في حاالت الظروف‬ ‫االستثنائية والقوة القاهرة التي متنع التالميذ‬ ‫والطالب من التعليم احلضوري ‪ ،‬وحتول دون‬ ‫أداء اإلدارة التربوية الورقية مهامها‪.‬‬ ‫إن من بني األهداف الرئيسية التي تروم‬ ‫حتقي َقها الرؤية االستراتيجية ‪- 2030‬‬ ‫‪2015‬للمجلس األعلى للتربية والتكوين‬ ‫ُ‬ ‫هدف جعل املدرسة املغربية‬ ‫والبحث العلمي‪،‬‬

‫مدير النشر و التحرير‪:‬‬ ‫إبراهيم الباعمراني‬

‫مدرسة لإلنصاف وتكافؤ الفرص‪،‬لكن الظروف‬ ‫االستثنائية التي يعيشها املغرب بسبب جائحة‬ ‫كورونا ب ّينت‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أن هذه الغاية لم‬ ‫تتحقق خاصة في العالم القروي‪ .‬إذ لم تتمكن‬ ‫نسبة هامة من تلميذات وتالميذ وطلبة سكان‬ ‫القرى واملناطق النائية من متابعة الدراسة عن‬ ‫بعد بسبب‪ ،‬عدم توفر متعلمي املناطق النائية‬ ‫في املغرب على إمكانية التواصل في غياب‬ ‫الربط باالنترنيت و احلواسيب والهواتف‬ ‫الذكية واللوحات االلكترونية‪ ،‬وهذا يعكس‬ ‫الوضعية املتردية للتعليم في الوسط القروي‬ ‫الذي مازال يعاني من التهميش والتشتت‬ ‫والعزلة والهدر املدرسي وضعف التحصيل‬ ‫وغياب التجهيزات الضرورية والبنيات‬ ‫الرياضية والتثقيفية ‪،‬وغياب نظام خاص‬ ‫لتحفيز وتشجيع األطر التربوية واإلدارية على‬ ‫ممارسة مهامها باألوساط القروية واملناطق‬ ‫ذات اخلصاص‪ ،‬مما يتطلب تخويل إصالح‬ ‫التعليم بالوسط القروي متييزا إيجابيا‪،‬‬ ‫واعتباره أولوية وطنية تتطلب إصالحا جذريا‬ ‫‪،‬وتعبئة كافة القطاعات ملعاجلة اختالالته‬ ‫البنيوية‪ ،‬و تعزيز وتعميم برامج للدعم املادي‬ ‫واالجتماعي والنفسي املشروط لألسر املعوزة‬ ‫قصد متكني أبنائها وبناتها من االستمرار في‬ ‫متابعة الدراسة ‪،‬وحتسني جودة التعلمات ‪.‬‬ ‫وأمام تشتت املساكن القروية ‪،‬وتشتت املدارس‬ ‫الفرعية املعزولة وكثرة األقسام املشتركة يبقى‬ ‫البديل التربوي للنهوض بالتعليم بالوسط‬ ‫القروي‪ ،‬وجتاوز معيقات التمدرس ‪ ،‬هو توسيع‬ ‫نطاق جتربة املدارس اجلماعاتية في مناطق‬ ‫تتوفر فيها كل الشروط احلياتية الضرورية‪،‬‬ ‫مؤسسة تتوفر على كل املرافق الصحية‬ ‫واحلجرات الدراسية وداخلية تؤمن الشروط‬ ‫املالئمة للتمدرس‪.،‬وقد دعا القانون اإلطار إلى‬ ‫تطوير ودعم املدارس اجلماعاتية‪ ،‬والرفع من‬ ‫أدائها في إطار اتفاقيات للشراكة بني الدولة‬ ‫واجلماعات الترابية واملؤسسات العمومية‬ ‫وجمعيات املجتمع املدني‪.‬‬ ‫إن اإلجماع القائم اليوم حول تشخيص أزمة‬ ‫التعليم وحول حجم التحديات التي تواجهه‬ ‫والبدائل املجسدة في القانون اإلطار يحتاج‬ ‫إلى وعي مشترك بالرهانات املستقبلية ألي‬ ‫إصالح أو حتديث لهذه املنظومة والوعي بان‬ ‫اإلصالح الشامل والعميق ملنظومتنا التربوية‬ ‫والتعليمية من خالل مالءمة التربية والتكوين‬ ‫مع الطلب املجتمعي ‪،‬وحاجات التنمية‬ ‫االقتصادية واالجتماعية هو األساس لتكوين‬ ‫مواطن مجتمع الغد‪ ،‬املتشبع بقيم املواطنة و‬ ‫مبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬واملؤهل لولوج مجتمع‬ ‫املعرفة واالتصال واالندماج في سوق الشغل‪،‬‬ ‫وفي اإلنتاج واالبتكار في عَ ا َل ٍم شديدِ التعقيدِ‬ ‫التحوالت املجتمعيةُ‬ ‫ُ‬ ‫والتوتر حيث تتسارع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مجتمعات املعرفة‪ ،‬وحيث يغدو التحكم في‬ ‫نحو‬ ‫العلوم والتقنيات واللغات من املفاتيح الكبرى‬ ‫العا َلم واالستفادة من‬ ‫لالندماج اإليجابي في َ‬ ‫املكتسبات وا ِإلمكانات الكونية املتاحة و حتقيق‬ ‫التنمية الشاملة املنشودة‪.‬‬

‫@‪elbaamranibrahim‬‬ ‫‪menara.ma‬‬ ‫الهاتف‪:‬‬ ‫‪0661195479‬‬

‫«الجريدة التربوية»‬ ‫هيئة التحرير‪:‬‬ ‫د‪.‬محمد عزيز الوكيلي‬ ‫عبداجلليل باحدو‬

‫بالغ التضامن اجلامعي املغربي حول التعليم عن بعد‬ ‫دعوة الهيئة التعليمية إلى مواصلة التعبئة واالنخراط الفعال لدعم الطلبة والتالميذ عن بعد‬ ‫في اطار تتبع اثار الوضعية الوبائية ببالدنا على منظومة التربية‬ ‫والتكوين‪،‬وارتباطا بتدابير وزارة التربية الوطنية لضمان االستمرارية البيداغوجية‬ ‫لفائدة املتعلمني واملتعلمات ‪ ،‬اصدر املكتب الوطني للتضامن اجلامعي املغربي‬ ‫بالغا ضمنه خالصة نقاشه عن بعد‪ ،‬للوضعية البيداغوجية احلالية وفيما يلي‬ ‫نص البالغ ‪:‬‬ ‫“في سياق مواصلة منظمة التضامن اجلامعي املغرب تتبع الوضعية الوبائية‬ ‫ببالدنا‪ ،‬وآثارها على منظومة التربية والتكوين‪ ،‬تداول املكتب الوطني للمنظمة‪،‬‬ ‫في اجتماعه عن بعد‪ ،‬املنعقد يوم السبت ‪ 09‬ماي ‪ ،2020‬اإلجراءات التي اعتمدتها‬ ‫احلكومة لتجاوز هذه األزمة‪ ،‬والتدابير التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية‬ ‫والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي لضمان االستمرارية البيداغوجية‬ ‫لفائدة املتعلمني واملتعلمات‪.‬‬ ‫وخلص االجتماع إلى ما يأتي‪:‬‬ ‫> يثمن عاليا مجهودات األطر التربوية واإلدارية على مختلف مستويات املنظومة‬ ‫التربوية‪ :‬مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا‪ ،‬التي انخرطت بكل مسؤولية وساهمت‬ ‫مبا توفر لديها من إمكانات‪ ،‬لضمان استمرارية الدراسة عن بعد‪.‬‬ ‫> يسجل التفاوتات االجتماعية واملجالية وتأثيرها على عملية التعلم عن بعد‪،‬‬ ‫وخاصة في املناطق النائية‪.‬‬ ‫> يحث الهيئة التعليمية على مواصلة التعبئة واالنخراط الفعال لدعم الطلبة‬ ‫والتالميذ عن بعد‪ ،‬وتوجيههم إلى موارد التعلم الرقمية التي تعدها الوزارة الستدراك‬ ‫ما فاتهم‪ ،‬أو لتجاوز تعثراتهم‪ ،‬إلى حني احلسم في مآل املوسم الدراسي‪.‬‬ ‫> يهيب بوزارة التربية الوطنية إلى احلسم في مآل السنة الدراسية لطمأنة‬ ‫الطلبة والتالميذ واآلباء واألمهات واألسرة التعليمية والرأي العام الوطني‪.‬‬ ‫> يثمن عمل اجلريدة التربوية باعتبارها منبرا شريكا للتضامن اجلامعي‬ ‫املغربي في مواكبتها للتطورات احلالية في عالقتها مبنظومة التربية والتعليم‪،‬‬ ‫من خالل انخراطها في إجناز ملفات خاصة بالتعلم عن بعد‪ ،‬مبساهمة أساتذة‬ ‫وباحثني من املنظمة‪.‬‬ ‫> يدعو املكاتب اإلقليمية للتضامن اجلامعي املغربي لتجديد التواصل باملديريات‬ ‫اإلقليمية واألكادمييات اجلهوية للتربية والتكوين‪ ،‬لتأكيد استعداد املنظمة مركزيا‬ ‫وإقليميا لوضع كل إمكاناتها رهن إشارة الوزارة لضمان حق التالميذ والطلبة في‬ ‫التعلم والدراسة‪ ،‬وتدارس اإلمكانات املتاحة لتحقيق ذلك‪.‬‬

‫التعلم عن بُعد في مواجهة «كورونا املستجد»‬ ‫اليونسكو» حتذر من تهديد ‪ 500‬مليون طالب حول العالم بسبب تعليق الدراسة‪..‬‬ ‫مثلما اجتاح وباء كورونا املستجد «كوفيد ‪ »19‬حواجز الزمان واملكان‪ ،‬جاءت‬ ‫دعوات «التعلم عن بعد» –التي صاحبت انتشار الفيروس‪ -‬لتجتاح هي األخرى‬ ‫حواجز املكان والزمان‪.‬‬ ‫اجتياح مكاني جعل من غياب احلواجز املكانية الثابتة مثا ًرا لالرتقاء إلى‬ ‫عوالم مختلفة عن طريق شبكات اإلنترنت الفسيحة‪ ،‬واجتياح زماني امتلك‬ ‫أدوات التخلص من روتني الذهاب واإلياب ومزاحمة اآلخرين بح ًثا عن سرعة‬ ‫الوصول إلى حيز مكاني رمبا كان أضيق مما حتتمله رحابة العقول‪.‬‬ ‫فتحت عنوان «اضطراب التعليم بسبب فيروس كورونا اجلديد والتصدي‬ ‫رقما قياس ًّيا لألطفال‬ ‫له»‪ ،‬ذكر تقرير لـ»اليونسكو» أن «انتشار الفيروس سجل ً‬ ‫والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى املدرسة أو اجلامعة‪ .‬وحتى تاريخ‬ ‫‪ 12‬مارس‪ ،‬أعلن ‪ 61‬بلدًا في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق األوسط وأمريكا‬ ‫الشمالية وأمريكا اجلنوبية عن إغالق املدارس واجلامعات‪ ،‬أو قام بتنفيذ‬ ‫اإلغالق؛ إذ أغلق ‪ 39‬بلدًا املدارس في جميع أنحائه‪ ،‬مما أثر على أكثر من‬ ‫‪ 421.4‬مليون طفل وشاب‪ ،‬كما قام ‪ 14‬بلدًا إضاف ًّيا بإغالق املدارس في بعض‬ ‫املناطق ملنع انتشار الفيروس أو الحتوائه‪ .‬وإذا ما جلأت هذه البلدان إلى‬ ‫إغالق املدارس واجلامعات على الصعيد الوطني‪ ،‬فسيضطرب تعليم أكثر من‬ ‫‪ 500‬مليون طفل وشاب آخرين‪ ،‬وفق املنظمة‪.‬‬ ‫عزيز التجيتي‬

‫ملف الصحافة‪:‬‬

‫د‪ .‬رشيد شاكري‬

‫‪49‬ص‪06‬‬

‫محمد مكسي‬

‫رقم اإليداع القانوني‪:‬‬

‫امبارك مبركي‬

‫‪2007/0048‬‬

‫مطبعة‪:‬‬ ‫إيكوبرانت‬ ‫ ‪ECOPRINT‬‬‫توزيع‪:‬‬ ‫سابريس‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ندوة دولية‪:‬‬

‫التعليم عن بعد في الدول‬ ‫اإلفريقية‪ :‬الواقع واملعيقات…‬

‫إدريس سالك‪..‬‬

‫نظم معهد الفرنكوفونية للتربية والتعليم ‪ IFEF‬يوم اخلميس ‪ 7‬ماي ‪2020‬‬ ‫ابتداء من الساعة العاشرة صباحا ندوة عن بعد عبر األنترنيت ‪WEBINAIRE‬‬ ‫انطالقا من عاصمة السينغال بدكار من تنشيط رئيس الشبكة الفرنكوفونية‬ ‫للتربية والتكوين ‪ CSFEF‬الرفيق جان هيرفي كوهن ‪JEAN HERVE COHN‬‬ ‫وهو أستاذ الرياضيات بالثانوي بفرنسا في موضوع‪:‬‬ ‫“التعليم عن بعد… دليل ميداني”‬ ‫“‪”L’enseignement à distance… à l’épreuve du terrain‬‬ ‫شارك في هذه الندوة أكثر من خمسني تنظيما نقابيا من مختلف الدول‬ ‫الفرنكوفونية املنخرطة في الشبكة‪ ،‬منها النقابة الوطنية للتعليم (ف‪.‬د‪.‬ش)‬ ‫في شخص األخ إدريس سالك عضو املجلس الوطني للنقابة املكلف بالشبكة‬ ‫الفرنكوفونية للتربية والتكوين‪..‬‬ ‫ومما جاء في أرضية الندوة أن اإلغالق املفاجئ للمؤسسات التعليمية بسبب‬ ‫انتشار وباء فيروس كورونا املستجد أزعج كثيرا املنظومة التربوية في مجموعة‬ ‫من البلدان‪ .‬وإن األساتذة وتالميذهم استجابوا بسرعة لتحدي االستمرارية‬ ‫التربوية وتبنيهم أدوات جديدة في حني كانوا غير مستعدين لذلك…‬ ‫إن املجموعة املدرسية والتي حتاول التغلب على املصاعب ملختلف التجهيزات‬ ‫ملجموعة من البلدان وأن األدوات الرقمية لم تعمل بشكل صحيح في جميع‬ ‫الدعامات التعليمية مثل التلفزة والراديو…‬ ‫إنها وجهة نظر األساتذة واآلباء التي تتمنى من هذه الندوة عبر األنترنيت أن‬ ‫جتسد أمثلة حقيقية ونقاشا حقيقيا مع املشاركات واملشاركني في هذه الندوة‬ ‫وتبادل التجارب في املوضوع…‬ ‫في البداية أعطى رئيس الشبكة الفرنكوفونية للتربية والتعليم موجزا‬ ‫عن الشبكة والتي تعتبر مجموعة من النقابات التعليمية واملهنية للبلدان‬ ‫الفرنكوفونية وتأسست سنة ‪ 1987‬عبر قرار جماعي ل ‪ 32‬نقابة من ‪ 22‬بلدا في‬ ‫التأسيس بكبيك في كندا في ثاني قمة للبلدان الفرنكوفونية‪.‬‬ ‫ولقد تبنت الشبكة ميثاقا من طرف ‪ 40‬نقابة تعليمية ومهنية عضو في الشبكة‬ ‫في اجتماع الشبكة بأوتاوا بكندا سنة ‪ 1993‬وذلك من أجل الدفاع عن املدرسة‬ ‫العمومية وعن مصالح الشغيلة التعليمية وعن إصالح املنظومة التربوية وتكوين‬ ‫املسؤولني النقابيني وتبادل التجارب ودعم النقابات في الفضاء الفرنكفوني…‬ ‫وأضاف رئيس الشبكة أن نتيجة انتشار اجلائحة كوفيد ‪ 19‬في أغلب الدول‬ ‫وعلى رأسها الفضاء الفرنكفوني‪ ،‬بحيث مت إغالق املؤسسات التعليمية ومت‬ ‫تبني التعليم عن بعد باالعتماد على مسطحات وعلى القنوات التلفزية وعلى‬ ‫جهاز الراديو‪ ،‬ويختلف ذلك من بلد إلى بلد في الدول اإلفريقية حسب إمكانيات‬ ‫وقدرات كل بلد‪ .‬واعتمد التالميذ على أدوات رقمية مختلفة منها‪ :‬الهاتف الذكي‬ ‫باالعتماد على الواتساب وعلى اللوحات اإللكترونية وقنوات التلفزة والراديو‪،‬‬ ‫واالعتماد على األنترنيت وعلى اجليل الرابع‪ .‬بحيث خصصت القنوات التلفزية‬ ‫ما بني ساعة وساعة ونصف في الثانوي ونصف ساعة إلى ‪ 40‬دقيقة في‬ ‫االبتدائي‪ ،‬كما مت التركيز على األقسام اإلشهادية مرتني في اليوم‪.‬‬ ‫وقف رئيس الشبكة مطوال على جتارب إفريقية منها‪ :‬ساحل العاج والسينغال‬ ‫وغينيا واملغرب وتونس وأن جتارب هذه الدول مختلفة حسب وضعية كل بلد‪،‬‬ ‫بحيث أن تونس شاركت النقابات والقطاع اخلاص في إعداد الدروس وأن غينيا‬ ‫دخلت متأخرة في ‪ 27‬أبريل ‪ 2020‬بإمكانيات ضعيفة وأن السينغال وساحل العاج‬ ‫بدورها أشركت النقابات على الرغم من ضعف انتشار التلفزيون والكهرباء‪ ،‬في‬ ‫حني أشاد الرئيس بالتجربة املغربية والتي لها جتربة في املوضوع قبل انتشار‬ ‫اجلائحة ووضعت رقما أخضرا خاصا بالتعليم عن بعد…‬ ‫إن النقابات التعليمية واآلباء وأولياء التالميذ واملجتمع املدني لهم دور كبير‬ ‫في إجناح التعليم عن بعد من خالل حتفيز التالميذ وإشراكهم وتوزيع التوقيت‬ ‫على التالميذ من أجل اللعب والترفيه والقراءة والدراسة…‬ ‫واختتم رئيس الشبكة بالوقوف على املعيقات اخلاصة بالتعليم عن بعد‪ ،‬وهي‬ ‫بنيوية منها‪:‬‬ ‫‪ 75‬في املائة من البلدان اإلفريقية في جنوب الصحراء غير مرتبطة بالكهرباء‬ ‫وعدم تعميم جهاز التلفزة وغياب األنترنيت والويفي وعدم توفر التالميذ‬ ‫على األدوات الرقمية وغياب تكوين األساتذة حول تلك األدوات وأخيرا غياب‬ ‫اإلمكانيات املادية‪ .‬وأخيرا أعطى مجموعة من االقتراحات للرفع من مستوى‬ ‫التعليم عن بعد بالدول اإلفريقية‪..‬‬

‫أخبار‬

‫وزارة التربية الوطنية تطلق استطالع‬ ‫رأي لتقييم عملية التعليم عن بعد‬ ‫أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين‬ ‫املهني والتعليم العالي والبحث العلمي‬ ‫–قطاع التربية الوطنية‪ ،‬مساء األحد‪ ،‬أنها‬ ‫أطلقت “استطالع رأي” يهم التلميذات‬ ‫والتالميذ واآلباء واألمهات واألستاذات‬ ‫واألساتذة‪ ،‬وذلك بغية الوقوف على‬ ‫تقييمهم لعملية “التعليم عن بعد”‪.‬‬ ‫وذكرت الوزارة في بالغ أنه من‬ ‫املنتظر أن متكن نتائج هذا االستطالع‬ ‫من التعرف على كيفية تعامل املتعلمني‬ ‫واملتعلمات وأولياء أمورهم وأساتذتهم‬ ‫مع هذا املستجد‪ ،‬الذي مت خالله تعويض‬ ‫التمدرس احلضوري بصفة مؤقتة‪.‬‬ ‫وستتيح هذه النتائج‪ ،‬حسب الوزارة‪،‬‬ ‫الوقوف على مكامن القوة والضعف‬ ‫في هذه العملية‪ ،‬وذلك من أجل ترصيد‬ ‫املكتسبات التي حتققت من خالل‬ ‫العرض التربوي املقدم وجتويده أكثر‬ ‫خالل الفترة املتبقية‪ ،‬واالرتقاء مستقبال‬ ‫مبختلف آليات “التعليم عن بعد” ‪.‬‬ ‫وأضاف البالغ أن االستبيان يشمل‬ ‫مجموعة من احملاور‪ ،‬يضم كل منها‬ ‫مجموعة من األسئلة متكن من استقراء‬ ‫جتربة املستجوبات واملستجوبني‬ ‫مع الدراسة عن بعد‪ ،‬ورأيهم حول‬ ‫اخلدمات املقدمة عبر مختلف املنصات‬

‫واالفتراضية‬ ‫الرقمية‬ ‫التربوية‬ ‫ومضامينها والقنوات التلفزية‪ ،‬واإلدالء‬ ‫مبقترحات لتجويدها وتطويرها‪.‬‬ ‫وأفادت الوزارة بأنه من أجل املشاركة‬ ‫في هذه العملية‪ ،‬ميكن الولوج‬ ‫إلى االستبيانات من خالل البوابة‬ ‫الرسمية للوزارة” “‪www.men.gov.‬‬ ‫‪ ” ma‬واملنصتني التاليتني‪www.“ :‬‬ ‫‪ ” taalimtice.maa‬و ‪https://telm‬‬ ‫‪””midtice.men.gov. ma/Home ‬‬ ‫يذكر أن الوزارة كانت قد أطلقت‬ ‫مجموعة من اإلجراءات والعمليات منذ‬ ‫‪ 16‬مارس ‪ ،2020‬مباشرة بعد تعليق‬ ‫الدراسة بجميع املؤسسات التعليمية‪،‬‬ ‫متثلت باألساس في اإلنتاج املكثف‬ ‫للدروس اخلاصة بهذه املرحلة من‬ ‫البرامج الدراسية وبثها عبر القنوات‬ ‫التلفزية الوطنية (القناة “الثقافية”‪،‬‬ ‫قناة “العيون”‪ ،‬قناة “األمازيغية”)‪،‬‬ ‫ونشرها وتقاسمها على منصتها‬ ‫الرقمية املوجهة للتلميذ “تلميذ تيس”‪.‬‬ ‫ومت أيضا تفعيل منصات األقسام‬ ‫االفتراضية‪ ،‬لتمكني األطر التربوية‬ ‫من خلق جسور تواصلية تفاعلية مع‬ ‫املتعلمني لضمان التحصيل الدراسي‬ ‫ومواكبة تعلماتهم عن بعد‪.‬‬

‫انطالق عملية الكترونية لتسجيل‬ ‫التالميذ اجلدد باالبتدائي‬ ‫أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين‬ ‫املهني والتعليم العالي والبحث العلمي‪،‬‬ ‫قطاع التربية الوطنية‪ ،‬عن انطالق عملية‬ ‫التسجيل القبلي بالسنة أولى من سلك‬ ‫التعليم االبتدائي‪ ،‬برسم املوسم الدراسي‬ ‫‪ ،2021 2020‬بجميع مؤسسات التعليم‬‫االبتدائي‪ ،‬وذلك حصريا عبر “منظومة‬ ‫مسار” للتدبير املدرسي‪.‬‬ ‫وأوضحت الوزارة‪ ،‬في بالغ لها‪ ،‬أن‬ ‫هذا اإلجراء يندرج في إطار التدابير‬ ‫االحترازية التي اعتمدتها الوزارة للوقاية‬ ‫واحلد من تفشي جائحة كورونا ” كوفيد‬ ‫‪ ،19″‬وذلك من خالل تفادي تنقل اآلباء‬ ‫واألمهات وأولياء األمور إلى املؤسسات‬ ‫التعليمية حرصا على صحتهم وصحة‬ ‫جميع املواطنات واملواطنني‪.‬‬ ‫كما يأتي اعتماد الوزارة لهذه اآللية‬ ‫اإللكترونية في تدبير التسجيالت‬ ‫املدرسية اجلديدة‪ ،‬تفعيال للبرنامج‬ ‫احلكومي الهادف إلى تطوير اإلدارة‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬وكذا تنزيال لبرنامج عمل‬ ‫الوزارة املتعلق بتطوير منظومة مسار‬

‫للتدبير املدرسي واخلدمات اإللكترونية‬ ‫اخلاصة بها‪ ،‬وكذا من أجل حتضير جيد‬ ‫ومحكم للدخول املدرسي املقبل‪.‬‬ ‫وأهابت الوزارة بآباء وأمهات األطفال‬ ‫الذين استوفوا سن التمدرس املبادرة‬ ‫إلى التسجيل األولي ألبنائهم وبناتهم‬ ‫وذلك عبر الولوج إلى املوقع اإللكتروني‬ ‫‪https://www.men.gov.‬‬ ‫للوزارة‬ ‫‪ ،ma‬ومسك املعطيات والبيانات املتعلقة‬ ‫باملعلومات الشخصية وبيانات احلالة‬ ‫املدنية اخلاصة بالتلميذ أو التلميذة‪،‬‬ ‫إضافة إلى املعطيات اخلاصة باألب واألم‬ ‫وولي األمر وكذا اإلخوة واألخوات دون‬ ‫سن التمدرس‪ ،‬فضال عن اختيار املؤسسة‬ ‫التعليمية التابعة ملنطقة السكنى‪.‬‬ ‫وأشار البالغ إلى أنه سيتم إشعار‬ ‫اآلباء واألمهات وأولياء األمور‪ ،‬عبر‬ ‫بريدهم اإللكتروني أو عبر رسائل نصية‬ ‫قصيرة‪ ،‬بوضعية طلباتهم إلكترونيا‪،‬‬ ‫سواء في حالتي املصادقة عليها أو‬ ‫رفضها مع تعليل أسباب الرفض‪.‬‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫منظومة التربية والتكوين ما بعد جائحة كورونا‪ :‬أي هوية للمدرسة املغربية؟‬

‫د ‪/‬سعيد العالم*‬

‫يعرف العالم حتوالت عميقة ستمس جوهر القيم االنسانية وتوازنات النظام العاملي (قيم العوملة)‪ ،‬وهو ما يعني أن‬ ‫العالم سيعرف أزمة هوية‪ ،‬يؤكدها االجتاه العام الذي طبع سلوك الدول جتاه جائحة كرونا بسيادة النزعة احلمائية‬ ‫واالنكفاء الثقافي(الدولة الوطنية)‪ ،‬مما سيعيد طرح إشكالية الهوية من جديد كأفق ملا بعد العوملة‪ ،‬أي العودة إلى‬ ‫اخلصوصيات الثقافية إلعادة بناء القيم الوطنية(ثنائية اخلصوصية‪/‬الكونية)‪.‬‬

‫إن هذا التحول سيجعل املدرسة في واجهة التحديات التي‬ ‫ستعرفها أزمة الهوية‪ ،‬وهو ما يستدعي مراجعات عميقة ألسس‬ ‫منظومة التربية والتكوين‪ ،‬سواء تعلق االمر باجلانب املرتبط‬ ‫مبرجعيات االصالح وتصور وظائف وغايات املدرسة‪ ،‬أو من‬ ‫حيث السياسات التربوية بإعادة النظر في الرهانات واألولويات‬ ‫االستراتيجية‪ ،‬فضال عن التحديات االجتماعية (الرهان‬ ‫على مدرسة املجتمع) ‪ ،‬أو ما يرتبط باملقاربات واالختيارات‬ ‫البيداغوجية (مدرسة املستقبل)‪.‬‬

‫املدرسة في افق التحوالت اجليو‪-‬سياسية‬ ‫(‪)Géopolitique‬‬

‫ال شك أن التحوالت اجليو‪-‬سياسية التي سيعرفها العالم‬ ‫ستخفف الضغط على الفاعل السياسي‪ ،‬وتتيح له فرصة مراجعة‬ ‫االختيارات االستراتيجية‪ ،‬كلحظة تأمل ومراجعة للذات من‬ ‫أجل إعادة النظر في مرجعيات االصالح ورهانات السياسات‬ ‫التربوية‪ .‬ولعل أهم هذه التحوالت هو التراجع الذي ستعرفه‬ ‫االيديولوجية النيولبيرالية(‪ )Néolibéralisme‬التي ما فتأت‬ ‫ترهن سياساتنا التعليمية مببادئها املغرضة التي شكلت مرجعية‬ ‫أساسية لبناء تصوراتنا لهوية املدرسة؛ هذا التراجع سيعيد‬ ‫النظر في العديد من الرهانات التي أطرت اختيارات اصالح‬ ‫منظومة التربية والتكوين‪ .‬إن من أهم مالمح جتليات احلضور‬ ‫النيوليبيرالية ضمن االصالحات التي عرفتها املنظومة‪ ،‬ارتهان‬ ‫املدرسة بالسوق عبر صيرورة امتدت من امليثاق الوطني املفعم‬ ‫بروح (اجماع واشنطن)‪ ،‬الذي روج ملفاهيم السوق ضمن السياق‬ ‫البيداغوجي (اجلودة‪ ،‬االنتاجية‪ ،‬الفعالية‪ ،‬الرأسمال البشري‪،)...‬‬ ‫فضال عن حتويل احملتوى االيديولوجي لليبرالية اجلديدة إلى‬ ‫محتوى بيداغوجي ضمن ما سمي املقاربة بالكفايات‪ .‬كما امتد‬ ‫هذا احلضور النيولبيرالي مع املخطط االستعجالي ليس كمسار‬ ‫لتصحيح اختيارات االصالح‪ ،‬بل مجرد إنقاذ لسيرورة تشكل‬ ‫املدرسة اخلادمة للسوق‪ ،‬فكان االصالح متجها نحو اجلواب‬ ‫عن فرضية خاطئة‪ ،‬اختزلت االصالح في جتاوز اإلكراهات‬ ‫البنيوية وليس معاجلة االختيارات االستراتيجية‪ ،‬فضال عن‬ ‫تكريس التوجه نحو السوق باعتماد بيداغوجيا االدماج كاختيار‬ ‫بيداغوجي‪ .‬لقد حاولت الرؤية االستراتيجية ‪2015-2030‬‬ ‫التوجه نحو االختيار القيمي من خالل استحضار املرتكزات‬ ‫القيمية (مدرسة املساواة واإلنصاف) دون اخلروج عن النسق‬ ‫العام للتوجه الليبرالي (مدرسة اجلودة)‪ ،‬من خالل اعتماد (إعالن‬ ‫إإنشيون ‪ -‬التعليم بحلول عام ‪ )2030‬كمرجعية لإلصالح‪ ،‬إن‬ ‫صيرورة االصالح املرتهنة بإجماع واشنطن و إعالن انشيون‪،‬‬ ‫عرفت تيها في بناء تصور خاص‪ ،‬يعكس التجربة املغربية‬ ‫املرتبطة بخصوصية املجتمع املغربي‪ ،‬وبرهاناته املستقبلية‪.‬‬ ‫يبدو أن مسار االصالح لم يطرح األسئلة اجلوهرية والتفكير في‬ ‫ربط املدرسة باملجتمع وتلبية املتطلبات واحلاجات االساسية‬ ‫دون اختزالها في متطلبات السوق‪ .‬ولعل الفرصة مؤاتية اآلن‬ ‫ملراجعات امالءات املؤسسات املالية واالرتهان بالقرار اخلارجي‬ ‫لبناء هوية جديدة للمدرسة املغربية مع التراجع املرتقب لهذه‬ ‫االيديولوجية‪ ،‬التي أعلنت عن افالس قيمها التي انتجت وهم‬ ‫عوملة النموذج التنموي القائم على أوهامها الثالث‪ :‬أوال‪ :‬وهم‬ ‫دولة احلد االدنى أو السياسات التقشفية التي تعتبر التعليم‬ ‫والصحة والقطاعات االجتماعية غير منتجة‪ ،‬وأن العدالة‬ ‫االجتماعية مجرد وهم (أطروحة هايك‪ /‬ونويزك‪ /‬وفريدمان)‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬وهم الشراكة خاص‪/‬عام‪ ،‬ألنها دعوة ال تخرج عن نطاق‬ ‫الربحية وانتهازية الرأسمالية؛ فليس مستبعدا أن نشهد أزمة‬

‫هذا النموذج (ريادة القطاع اخلاص) باعتباره منوذجا ارشاديا‬ ‫حلكامة التدبير العمومي بفرض واقع التعليم اخلصوصي‪ ،‬الذي‬ ‫حول املدرسة إلى مقاولة ربحية‪ ،‬وأنتج كائنات انتهازية تقتات‬ ‫من الريع التربوي( قضية مساعدات صندوق جائحة كرونا‬ ‫كمثال)‪ .‬ثالثا‪ :‬وهم تبخيس السياسي والنقابي والفعل العمومي‬ ‫(املدرسة العمومية)‪ ،‬باإلجهاز على الطبقة الوسطى‪ ،‬وخلق‬ ‫التفاوت االجتماعي‪ ،‬وتوسيع هامش الفقر والتهميش واالذالل‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫إن من أهم التحديات التي انتجتها التحوالت اجليو‪-‬سياسية مع‬ ‫أزمة االيديولوجية النيولبيرالية‪ ،‬هو نهاية وهم دولة احلد االدنى‬ ‫والسياسات التقشفية؛ فقد اثبتت جائحة كرونا حاجة املجتمعات‬ ‫إلى السياسات االجتماعية (التعليم والصحة) كضمان أساسي‬ ‫لتحقيق االمن القومي واالستقرار االجتماعي‪ ،‬مما يستدعي إعادة‬ ‫ترتيب أولويات االنفاق العام (عودة مفهوم االختيار االجتماعي‬ ‫للدولة)‪ .‬كما أبرزت اجلائحة احلاجة املاسة إلى انخراط اجلامعة‬ ‫واملدرسة في املجتمع‪ ،‬بدل شعار االنخراط في السوق‪ .‬فاملجتمع‬ ‫يحتاج اليوم إلى البحث العلمي وإلى قيادة علمائه ومثقفيه‬ ‫كقوة توجيهية ارشادية لسياساته العمومية‪ ،‬كما أنه بحاجة إلى‬ ‫ادماج أفراده في املجتمع واالنخراط في قضاياه احليوية‪ ،‬بدل‬ ‫االرتهان بايدولوجيا االدماج في السوق‪ ،‬والتي يعتبر التعليم‬ ‫اخلصوصي أحد مظاهرها(الشراكة خاص‪/‬عام)‪ .‬إن منظومتنا‬ ‫التربوية في حاجة إلى تعليم فعال ممتد نحو املجتمع‪ ،‬قادر‬ ‫على تلبية حاجات املجتمع احليوية (سياسات حيوية)؛ وليس‬ ‫مجرد فبريكات لصناعة اليد العاملة‪ ،‬حتول املدرسة واجلامعة‬ ‫إلى بروليتاريا خادمة للمقاولة (تشييء الفعل التربوي)‪ .‬كما‬ ‫تشكلت قناعة عامة لدى اجلميع حكاما ومحكومني‪ ،‬أن املستقبل‬ ‫رهني بتعليم ناجع قادر على رفع حتدي مواجهة املستقبل املنفتح‬ ‫على املجهول‪.‬‬ ‫ولعل التخلص من ربقة هذا االستعمار اجلديد (املنظمات املالية‬ ‫الدولية) رهني بتحقيق السيادة على الوطن ومقدراته‪ ،‬وذلك‬ ‫باإلصغاء لصوت الشعب‪ ،‬والتماهي مع تطلعاته وتلبية حاجاته‪،‬‬ ‫وال مناص في ذلك من إعادة بناء التعاقد االجتماعي الذي سيعيد‬ ‫الثقة للمؤسسات‪ ،‬ويخلق سلما اجتماعيا قد ُي َح ِّص ُننا ضد إرادة‬ ‫التحكم في الشعوب‪ ،‬التي تخدم أجندات الدول املهيمنة والشركات‬ ‫املتعددة اجلنسية التي تتطلع ملقدرات الوطن وتتربص به‪.‬‬

‫حتدي املواطنة‪ :‬رهان االمكان البشري‬

‫لقد أثبت املجتمعات التي راهنت على بناء االنسان‪ ،‬والعمل‬ ‫على ارتقاء القيم الفردية واالجتماعية‪ُ ،‬قدرة هائلة على مواجهة‬ ‫الشدائد مهما كان حجمها ونوعها (كوارث طبيعية‪ ،‬أزمات مالية‪،‬‬ ‫أوبئة‪)...‬؛ ألن وعي األفراد َي ْس َم ُح بتوسيع اختيارات الدول‪،‬‬ ‫ويعزز قدرتها على التنظيم والتخطيط ملواجهة املخاطر واآلفات‪.‬‬ ‫إن شرطية املواطنة كحقيقة دالة على وجود الدولة‪ ،‬وضامنة‬ ‫الستمراريتها‪ ،‬تتأسس على بناء اإلمكان البشري (‪Capabilité‬‬ ‫‪ ، )humaine‬الذي ُيحدد الفِ عل االنساني ضمن نطاق الغايات‪،‬‬ ‫و َيجعل الفرد قادرا على أن ُيحدد اختياراته‪ ،‬و َيستثمر املوارد‬ ‫املادية والرمزية املتاحة ضمن املجتمع‪ ،‬فالقدرات هي امكانية‬ ‫استثمار املوارد‪ ،‬وليس ضمان الولوج إليها صوريا (قانونيا)‬ ‫واع‬ ‫فحسب؛ أي بناء مواطن ُمدرك ل ُقدراته املعرفية واألخالقية‪ٍ ،‬‬ ‫ومتفاعل مع القضايا‬ ‫بكينونته االجتماعية‪ ،‬ممُ ْ َتد نحو املجتمع‪ُ ،‬‬ ‫الوطنية واإلنسانية‪.‬‬ ‫إن الكائنات الفاقدة للمعنى التي أنتجتها أجهزة الدولة‬ ‫االيديولوجية (نظم تربوية‪ ،‬إعالم‪ ،‬سياسات ثقافية‪ ،)...‬ال تصلح‬

‫لبناء مشروع مجتمعي وال حتقيق نهضة منشودة‪ ،‬بل تعكس‬ ‫أزمة الدولة احلديثة بأنساقها السياسية التقليدية‪ ،‬القائمة‬ ‫على أساس تبرير االستبداد واألبوية السياسية‪ .‬إن شرطية‬ ‫املواطنة تفترض عالقات اجتماعية قائمة على إدراك ال َت َم ْف ُصلِ‬ ‫احلاصلِ بني احلق والواجب واقتران احلرية باملسؤولية‪ ،‬بدل‬ ‫االبتذال الليبرالي القائم على الفردانية االستئثارية (الكائنات‬ ‫املستهلكة)؛ كما تفترض ُن ْك َرانَ الذات و احلافزية على املشاركة‬ ‫في انتاج اخلير العام للمجتمع‪ ،‬بدل أشكال االستالب التي ال‬ ‫تصلح سوى لتبرير وجود السلطة احلاكمة‪.‬‬ ‫لقد تأ ّكد عَ م ِل ًّيا‪ ،‬من خالل تدابير مواجهة جائحة كرونا‪ ،‬احلاجة‬ ‫إلى فِ ْع ٍل تواصلي بني أفراد املجتمع وأجهزة الدولة‪ ،‬يعكس‬ ‫صانِ َّية األفراد و وعيهم االجتماعي في مواجهة األزمات‪.‬‬ ‫َش ْخ َ‬ ‫إن االعتبارات اخلاصة التي متيز األفراد داخل املجتمع‪ ،‬وتبرز‬ ‫التمايزات على مستوى االنتماء االجتماعي‪ ،‬هو ما يحدد شرطية‬ ‫املواطنة‪ ،‬وشرعية التعاقد االجتماعي بني مختلف مكوناته‪ .‬لقد‬ ‫خلقت السياسات التعليمية كائنات اتكال َّية ُم ْش َب َعة بثقافة اإلحباط‬ ‫و ا ْزدِ َراءِ ال ّذات‪ ،‬غير قادرة على حتديد ُأ ُف ٍق اجتماعي النتظاراتها‪،‬‬ ‫ُتع ّبر عن أزمة انتماء حادَّة لكل ما هو مشترك‪.‬‬ ‫لقد آن األوان لسياساتنا التربوية أن تتجاوز منطق ال َرعِ َّية‬ ‫الذي ُي ْنتِ ُج ثقافة ال َق ِطيع‪ ،‬و ُيك ِّرس كل أشكال الوصاية واال ْزدِ راء‬ ‫االجتماعي‪ .‬ال مناص من بناء جسور الثقة داخل املجتمع‪،‬‬ ‫دركة‬ ‫بالرهان على خلق كائنات اجتماعية واعية بك ْي ُنو َنتِ ها‪ُ ،‬م ِ‬ ‫حلدود امكانياتها في حتديد اختياراتها السياسية؛ و تِ ْلك هي‬ ‫الع ْينِ ّي ملفهوم املواطن‪.‬‬ ‫حدود املواطنة وال َت َح ُّقق َ‬ ‫إن املجتمعات التي ُتع ِّزز في أفرادها عن طريق املؤسسات‬ ‫التربوية َم َل َك َة املسؤولية‪ ،‬وال ُقدرة على تمَ َ ُّلك الفضاء واحترام‬ ‫املجال العام؛ تستطيع اقتحام املجهول مهما كانت مخاطره‬ ‫وآفاته؛ َو ِ‬ ‫التج ِهيل وصناعة الرداءة‬ ‫اه ٌم من يعتقد أن سياسات‬ ‫ْ‬ ‫وخلق كائنات ُمستهلكة‪ ،‬وسيلة لتدجني املجتمعات والتحكم فيها‪.‬‬ ‫لله َم ِم العالية التي ترفع من شأن مواطنيها‪ ،‬و‬ ‫املستقبل َمرهُ ونٌ ِ‬ ‫حصنُ مبشروعية اال ْمتِ داد نحو املجتمع‪.‬‬ ‫َت َت َّ‬ ‫يحتاج املغرب إلى إعادة النظر في سياساته التربوية‪ ،‬ببناء‬ ‫منظومة تربوية تستوعب حتمية التغيير املضطرد الذي يعرفه‬ ‫العالم‪ ،‬أو بتعبير «إدغار موران»‪« :‬اإلعالء من موهبة فهم التعقيد‬ ‫االنساني ودراسته‪ ،‬تلك التي تربط بني املعرفة والوعي بالشروط‬ ‫الوجودية املشتركة لكل البشر»( املعارف السبع الضرورية‬ ‫لتربية‪ ‬املستقبل)؛ كما حتتاج بالدنا إلى سياسات ثقافية َت ْر َتقِ ي‬ ‫بال ّذوق العام‪ ،‬و ُترسخ قيم جمالية ُته ِّذب السلوك االجتماعي‪ ،‬بدل‬ ‫الرداءة في الذوق والقبح املُ َع َّمم‪ ،‬وصناعة مناذج مبتذلة للفن‬ ‫(برامج صناعة النجوم‪ ،‬وكائنات اإلنستغرام‪.)...Instagram /‬‬ ‫له َمة ألجيال‬ ‫إن املنظومة التربوية ينبغي أن تتطلع إلى مناذج ُم ِ‬ ‫املستقبل‪ ،‬تحُ ِّفز القيم اجلمالية‪ ،‬وترفع من شأن العلم والعلماء‬ ‫واملثقفني؛ إنها دعوة لالرتقاء بقيم املجتمع األخالقية واجلمالية‬ ‫والوجدانية؛ تنمي في األفراد َم َل َكة تقدير الذات واحترام اآلخر‪،‬‬ ‫املشاركة في تنمية اخلير العام واحترام املشترك االجتماعي‪.‬‬ ‫ال مناص من استشراف املستقبل بكائنات واعية‪ ،‬وتعاقدات‬ ‫جديدة بني مواطنني متساوين في احلقوق والواجبات‪ ،‬أحرار‬ ‫في االختيارات‪ُ ،‬ن َظرا َء في املسؤوليات‪ُ ،‬متكافِ ئني في املشاركة في‬ ‫صنع القرارات‪.‬‬ ‫إن اللحظة السياسية حتتاج إلى شرطية املواطنة كعماد لبناء‬ ‫مجتمع متماسك‪ ،‬ودولة ممتدة نحو املجتمع (دولة املجتمع)‪،‬‬ ‫باحة الكرامة‪ ،‬تذهب مع الريح‪ ،‬وتهتِ ف‬ ‫بدل شعوب منقادة ُم ْس َت َ‬ ‫ملن يُسوِّ ق نفسه أفضل (مجتمع الدولة)‪ .‬لِوا ُء املستقبل معقود‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫مبدرسة وطنية رهانها االساس هو بناء كائنات اجتماعية قادرة‬ ‫على مواجهة حتديات املستقبل املنفتحة على املجهول‪.‬‬

‫التحديات االجتماعية‪ :‬من أجل مدرسة‬ ‫املجتمع‬

‫لقد كشفت جائحة كرونا عن مفارقات عديدة في العالقات‬ ‫التربوية بني مختلف الفاعلني االجتماعيني (ادارة تربوية‪ ،‬اسرة‪،‬‬ ‫هيئة تربوية)‪ ،‬كما ابرزت احلاجة إلى مدرسة املجتمع املنفتحة‬ ‫على املستقبل‪ .‬لعل الالفت للنظر في هذه األزمة هو حضور االسرة‬ ‫وأهميتها في سيرورة التعلم‪ ،‬حيث تبث بامللموس أن املدرسة‬ ‫امتداد للبيت واألسرة‪ ،‬ومن ثمة يصعب بناء تصور لإلصالح‬ ‫في ظل واقع استقالة األسرة وعدم انخراطها في مسارات التعلم‬ ‫وسياقات التربية‪ .‬لقد انتجت أزمة «كرونا» مظاهر عديدة حلضور‬ ‫األسرة تتراوح بني مساهمتها املباشرة والصريحة‪ ،‬إما عبر‬ ‫املشاركة في التربية والتعليم داخل البيت كفضاء مكمل للمدرسة‪،‬‬ ‫وهذا ما انكشف مع جائحة «كرونا» من خالل عمليات املراقبة‬ ‫والتتبع واملواكبة ملسار التلميذ عبر التكوين عن بعد‪ ،‬مما مكن‬ ‫األسر من املشاركة بشكل مباشر في تقييم ومراقبة مسار التعلمات‬ ‫ومحتويات ومكونات العملية التعليمية التعلمية‪ .‬كما مكنت‬ ‫االزمة االسر من االنخراط غير املباشر في الرقابة املعنوية للقيم‬ ‫التي تنتجها املدرسة عبر اكتشاف املضامني املناهج التربوية‪ .‬لقد‬ ‫أبانت اجلائحة عن أهمية األسرة كشريك حقيقي للمدرسة‪ ،‬بعيدا‬ ‫عن األشكال الكاريكاتورية التي تنتجها منظومتنا التربوية (‬ ‫مجالس التدبير الشكلية احملنطة التي تقابل بالعزوف والتغيب)‪.‬‬ ‫فالشراكة تعني االنخراط في كل املسارات والصيرورات التي‬ ‫تطبع الفعل التربوي‪ ،‬والتفاعل مع ايقاعات احلياة املدرسية؛ وكل‬ ‫ذلك ينطلق من الرغبة في املشاركة التي تولدها الثقة في املدرسة‬ ‫كمؤسسة اجتماعية‪ ،‬تصلح الستيعاب املطلب االجتماعي وحاجة‬ ‫األسرة املادية (التعليم والتكوين)‪ ،‬والقيمية الرمزية (التربية)‪ .‬إن‬ ‫املدرسة كفضاء عمومي قادرة على خلق نقاش عمومي فعال يحدد‬ ‫معالم مدرسة املستقبل املنفتحة على املجتمع‪ ،‬وتشارك فيه كل‬ ‫القوى املتدخلة في عملية التربية (مثقفني‪ ،‬منتخبني‪ ،‬أسرة‪ ،‬أطر‬ ‫تربوية‪ ،‬أطر اإلدارة التربوية‪ ،‬تالميذ وطالب‪ ،‬شركاء اقتصاديني‬ ‫واجتماعيني‪.)...‬‬ ‫إن املؤكد من التحدي االجتماعي الذي فرضته جائحة كرونا‬ ‫‪ ،‬هو أنها أزمة اجتماعية بالدرجة األولى‪ ،‬مبعنى أبرزت‬ ‫الوجه احلقيقي ملفهوم الشراكة خاص‪/‬عام أو ظاهرة التعليم‬ ‫اخلصوصي‪ ،‬التي برهنت أن الرهان احلقيقي لهذه الشراكة لم‬ ‫يكن رهانا تربويا‪/‬بيداغوجيا‪ ،‬وال مساهمة من القطاع اخلاص‬ ‫في االرتقاء باملنظومة أو انتاج اخلير العام (املنفعة العامة)؛ إن‬ ‫هذه الشراكة ال تخرج عن نطاق الربحية وانتهازية الرأسمالية‪.‬‬ ‫فليس مستبعدا أن نشهد أزمة هذا النموذج (ريادة القطاع‬ ‫اخلاص) بالتوجه نحو رأسمالية الدولة‪ ،‬وبالتالي التفكير بجدية‬ ‫في إعادة االعتبار للتعليم العمومي‪ ،‬باعتباره االمتداد الطبيعي‬ ‫لللمجتمع برمزيته املتعالية عن الربحية والتشييئية (‪Réificat‬‬ ‫‪ )tion‬التي تفقد االنسان معنى وجوده ككائن غائي إلى مجرد‬ ‫إنسان بضاعة بتعبير «لوكاتش»‪ .‬فاحلاجة إلى االرتقاء بالفرد‬ ‫قيميا لن تكون بالتأكيد وظيفة للتعليم اخلصوصي‪ ،‬بل إنها‬ ‫تحَ َ ُّقق عيني ملفهوم املشروع املجتمعي‪ .‬والذي أبانت جائحة‬ ‫«كرونا» حاجتنا إلى وعي جمعي‪ ،‬وقيم اجتماعية كلية أكثر‬ ‫انسانية‪ ،‬مبنطق التضامن ليس في بعده احمللي وحسب بل‬ ‫االقليمي و العاملي‪ .‬وما من مدخل أصدق من بناء مدرسة املجتمع‬ ‫بعيدا عن السوق والريع االقتصادي الذي ميثله القطاع اخلاص‬ ‫في مجال التربية؛ إن زيادة االنفاق العام في التربية والرهان على‬ ‫اجلانب االنساني (التربوي) سيعيد النقاش من جديد حول جدوى‬ ‫التعليم اخلصوصي‪ ،‬أوال كقناعة لدى االسر التي تكشف أمامها‬ ‫الوجه احلقيقي للتعليم اخلصوصي‪ ،‬أو القناعة التي وصلت‬ ‫إليها الدولة من خالل االنتهازية واجلشع الذي أبداه هذا القطاع‬ ‫في خضم األزمة‪ ،‬وهو ما يعني زيف ووهم الشراكة خاص‪/‬عام‪،‬‬ ‫وفصل املقال ما بني «البزيس» والتربية من اتصال‪.‬‬ ‫إننا أمام حلظة تاريخية كشفت عنها جائحة «كرونا»‪ ،‬من‬ ‫أجل تدارك أزمة وشيكة ملنظومتنا التربوية‪ ،‬من خالل مراجعة‬ ‫أولويات ورهانات املنظومة بتجاوز التوجه النيوليبيرالي في‬ ‫السياسات التربوية‪ ،‬وإعادة االعتبار للمدرسة العمومية الوطنية‪،‬‬ ‫القادرة على مواجهات التحديات االجتماعية التي قد تفرزها‬ ‫جائحة كرونا‪ ،‬جراء األزمات املالية واالقتصادية في املستقبل‪،‬‬ ‫والتي ستؤدي إلى ازدياد عبء االسر في االنفاق على التعليم‪،‬‬

‫ملف‬ ‫والتفاوتات التي من املمكن أن تخلقها انتهازية االستثمار في‬ ‫مجال التربية والتكوين‪.‬‬ ‫من املظاهر النفس –اجتماعية(‪ )Psycho-sociale‬الدالة التي‬ ‫كشفت عنها اجلائحة‪ ،‬استعادة الذاكرة اجلماعية لرمزية حضور‬ ‫املثقفني والعلماء في ريادة املجتمع‪ ،‬ساهم هذا احلضور املميز‬ ‫في االعالء من شأن املربي‪ ،‬واستعادة املكانة الالئقة به في‬ ‫وعي وضمير االمة‪ .‬إن الوعي اجلمعي أدرك زيف الصور التي‬ ‫تسوقها ايدولوجيا الرداءة والقبح (جنوم الفن الهابط‪ ،‬و دعارة‬ ‫االنستغرام‪ ،‬وجنوم كرة القدم‪ ،)...‬لتحل محلها صورة الطبيب‬ ‫واملعلم والعالم كواجهة حقيقية للمجتمع‪ ،‬لتتوج املدرسة حاضنة‬ ‫لروح االمة‪ ،‬ومالذا آمنا للشعوب من عبث املجهول الذي يتربص‬ ‫باإلنسانية جراء حروب املستقبل ذات الطبيعة املعرفية (حرب‬ ‫البيولوجيا والتكنولوجيا احليوية‪ .)...‬إن عودة الروح لوجدان‬ ‫االمة‪ ،‬رهني مبا تقدمه من مناذج ملهمة ألجيال املستقبل‪ ،‬تعيد‬ ‫بناء صورة املعلم والعالم واملثقف في املخيال اجلمعي‪ ،‬ضمن‬ ‫ثقافة االعتراف بالكفاءة والتميز (بيداغوجيا القدوة) حتفيزا‬ ‫لشبابنا‪ ،‬وتشجيعا لهم على االبداع واالبتكار والتميز في درب‬ ‫العلم واملعرفة‪ ،‬بدل سياسات التجهيل اجلماعي والتسويق‬ ‫للرداءة والقبح‪.‬‬

‫التحديات البيداغوجية‪ :‬من أجل مدرسة‬ ‫للمستقبل‬

‫إن من أهم االكراهات التي اعترضت عملية مواجهة جائحة‬ ‫كرونا في بعدها البيداغوجي‪ ،‬هو عجز النموذج البيداغوجي‬ ‫عن استيعاب حجم التحول التي ستحدث جراء األزمة‪ ،‬والتفكير‬ ‫في مقاربات بيداغوجية جديدة‪ُ ،‬تساعد األفراد على التك ُّي ِف مع‬ ‫صيرورة التحوالت‪ ،‬وأمناط ُمع ِّز َزة لمِ َ َل ِ‬ ‫كات ال َتع ُّلم الذاتي‪.‬‬ ‫إن الرهان البيداغوجي احلالي القائم على الكفايات ال يخدم‬ ‫حتديات املستقبل املتسمة بالتغيير املضطرد والسريع‪ .‬فضال عن‬ ‫قدرة هذا النموذج على مواكبة ما أسماه «أولريش بيك» مجتمع‬ ‫املخاطر املفتوح على املجهول‪ .‬لذا فاحلاجة الى بيداغوجيا‬ ‫للمستقبل تنبع من قدرة املنظومة على بناء كائنات لها القدرة‬ ‫على التكيف مع حتديات املستقبل (بيداغوجيا التكيف)‪ ،‬التي‬ ‫من مالمحها تغيير مرفولوجيا املدرسة (واقعية‪/‬افتراضية)‪،‬‬ ‫وتغيير ايقاعات التعلم (تعليم حضوري‪/‬تعليم عن بعد)‪ ،‬وتغيير‬ ‫في مناهجها التربوية (تثوير املناهج‪ :‬املضامني‪/‬طرائق التعليم)‪.‬‬ ‫كل هذه التحديات جتعلنا منفتحني على مدرسة املستقبل (مدرسة‬ ‫ما بعد جائحة «كرونا»)‪ .‬إن هذا املدخل يحيلنا إلى نقاش‬ ‫ابستمولوجي يحدد اختياراتنا املعرفية‪ ،‬فمستقبل املدرسة رهني‬ ‫بالتحوالت التقنية الهائلة التي حولت املعرفة من العالم املادي‬ ‫إلى عوالم افتراضية قد تتالشى معها املدرسة كفضاء مادي‪ ،‬كما‬ ‫أن هذا الوضع يطرح إشكاليات ابستمولوجية مرتبطة بتشكل‬ ‫مجتمع املخاطر (احلرب البيولوجية‪/‬املعضلة البيئية‪ ،)...‬مما‬ ‫يستدعي البحث عن أنساق بيداغوجية مرتبطة بتحوالت أمناط‬ ‫املعرفة املواكبة للتحوالت التقنية‪ .‬إن هذه التحوالت التقنية‬ ‫جعلت املتعلم يعيش مفارقات بيداغوجية‪/‬ديداكتيكية‪ ،‬بني نظام‬ ‫معرفي متخلف ال يساير التحوالت التقنية كي يتمكن من إدماج‬ ‫التلميذ في صيرورة التعلم التي ينخرط فيها ضمن أنساق‬ ‫موازية للمدرسة فرضها جائحة كرونا (فضاءات االنترنيت‪ ،‬مواقع‬ ‫التواصل االجتماعي ‪ )...‬أمام االزدواجية الوظيفية للمدرسة‪،‬‬ ‫التعليم والتكوين من جهة والتربية من جهة أخرى؛ و بني واقع‬ ‫افتراضي يعيشه التلميذ‪ ،‬قد يعيد النظر في املدرسة مبعناها‬ ‫املادي ( مدرسة اجلدران) ليؤسس ملدرسة افتراضية تغيب املكان‬ ‫والزمان‪ .‬في هذا السياق املتطور لتصور املعرفة (افتراضية‪/‬‬ ‫واقعية) نعتبر أن إمكانية الفصل بني الوظيفتني (تربية‪/‬تكوين)‬ ‫ممكنة في سياق إدماج التقنية بيداغوجيا‪ ،‬فيمكن ملدرسة املستقبل‬ ‫أن تكون افتراضية حينما يتعلق األمر بالتعلم والتكوين‪ ،‬في حني‬ ‫ال ميكن إال أن تكون واقعية حينما يتعلق االمر بوظيفة املدرسة‬ ‫التربوية‪ ،‬ألن فعل التربية يفترض أنساقا قيمية معيارية مرتبطة‬ ‫بالسلوك االجتماعي لألفراد‪ ،‬عكس األنساق التقنية الالاجتماعية‪.‬‬ ‫فالتعليم عن بعد يعزل املتعلم عن سياقات التعلم‪ ،‬ويفقده القدرة‬ ‫على التواصل والتفاعل مع محيطه‪ ،‬وتختزله في بعد أحادي‬ ‫االجتاه ( البعد السبيرنتيكي) الذي يغيب لديه ملكات متعددة‬ ‫متيزه ككائن متفرد ( عاطفة‪ ،‬تواصل‪ . )...‬فمدرسة املجتمع هي‬ ‫الضامن الوحيد الستمرار منظومة القيم‪ ،‬مما يجعل واقعيتها‬ ‫حصانة ضد أشكال االستالب الثقافي املمكنة‪ ،‬والناجتة عن‬ ‫االنفتاح التقني الكاسح واملغيب للوعي بالذات‪ .‬فاإلنسان‬

‫معرفيا متعدد األبعاد‪ ،‬يحتاج إلى طاقة اجتماعية دافعة‪ ،‬تنمي‬ ‫لديه ملكات متعددة‪ :‬عاطفية وجدانية‪ ،‬تواصلية‪ ،‬جمالية‪ ...‬وهو‬ ‫بهذا املعنى قابل للتشكل وفق كل منط معرفي تختاره اجلماعة‪،‬‬ ‫وحريته هي اخلاصية الوحيدة التي حتافظ على بعده التعددي‪.‬‬ ‫لذا فمدرسة املستقبل مهمتها إمناء شخصية املتعلم‪ ،‬وإعداده‬ ‫للتحكم في التحوالت التي يعرفها العالم‪ ،‬بدل أن تتحكم فيه‪.‬‬ ‫فمدرستنا مدعوة للتفكير في استراتيجية معرفية ال تنساق كلية‬ ‫مع التحوالت في أمناط املعرفة التقنية (التكوين عن بعد)‪ ،‬بل هي‬ ‫مدعوة للبحث عن أمناط معرفية متعددة‪ :‬كانخراط االسرة في‬ ‫سيرورة التعلم (االسرة املربية)‪ ،‬أو املدرسة املندمجة في املجتمع‬ ‫(مدرسة احلياة)‪ ،‬حيث ميكن اختزال زمن التعلم وفضاءاته بني‬ ‫ثالث مكونات بيداغوجية (املدرسة‪ ،‬االسرة‪ ،‬املجتمع)‪.‬‬ ‫إن أزمة جائحة «كرونا» أبانت بامللموس عن حقيقة مخجلة‪،‬‬ ‫كشفت عن عورة السياسات التربوية وكل شعاراتها‪ ،‬وأماطت‬ ‫اللتام عن عجز وقصور رؤية النخب املدبرة للقطاع في تدبير‬ ‫االزمة‪ .‬إن خطابات العصرنة والرقمنة واالنخراط في مجتمع‬ ‫املعرفة(مشروع إدماج تكنولوجيا اإلعالم ‪ )E1.P10 :‬كمثال‬ ‫وغيره من املشاريع‪ ،‬انكشفت أمام محدودية استراتيجية تدبير‬ ‫األزمة وارجتاليتها‪ .‬فرغم الكثير من املشاريع واملوارد املالية‬ ‫والبشرية التي انفقت في االرتقاء باملنظومة تقنيا (رقمنة‬ ‫املوارد البيداغوجية)‪ ،‬لم يستطع الفاعلون بلورة استراتيجية‬ ‫بديلة للتكوين‪ ،‬ولم تستطع تطوير مواردها البيداغوجية‬ ‫والديداكتيكية للتفاعل مع أزمة «كرونا»‪ .‬وهو ما يؤشر على أزمة‬ ‫منظومة ارتهنت في اصالحها باحلاضر الذي يتالشى في كل‬ ‫حلظة‪ ،‬وأغفلت التفكير في استراتيجية استشرافية للمستقبل‪،‬‬ ‫تدرك و حتدد ماهية وحجم التحول الذي سيعرفه العالم في أفق‬ ‫‪ 2030‬املشرف على نظام عاملي جديد سيتغير فيه كل شيء التاريخ‬ ‫واجلغرافيا واإلنسان‪.‬‬

‫على سبيل اخلتم‪ :‬توصيات مستوحاة من‬ ‫درس كورونا‬

‫قد تكون هذه دعوة إلى صناع القرار‪ ،‬بإعادة النظر في‬ ‫اختياراتهم السياسية في مجال منظومة التربية والتكوين‪ ،‬لذا‬ ‫سأكون مختصرا وأعتبر أن جائحة «كرونا» درس تاريخي ينبغي‬ ‫أن نأخذ منه العبر قبل فوات االوان‪ ،‬والتي أخلصها في التالي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬مراجعة االختيارات االستراتيجية التي حتاول جعل‬ ‫املدرسة خادمة للسوق‪ ،‬والكف عن اعتبار املنظومة التربوية‬ ‫مجرد ريع اقتصادي يخدم املقاولة والسوق االقتصادي‪ .‬بل اعتبار‬ ‫املدرسة مؤسسة اجتماعية ممتدة نحو املجتمع مستجيبة للمطلب‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وظيفتها هو بناء (االنسان) أو ما أسميه «االمكان‬ ‫البشري» بدل الرأسمال البشري ذو احلمولة االقتصادوية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االهتمام أكثر بالبحث العلمي وجعله أولوية حيوية‬ ‫للمجتمع‪ ،‬ألن املستقبل في بعده املرتبط باألمن القومي‪ ،‬رهني‬ ‫بانخراط اجلامعة واملدرسة في القدرة على حتصني الذات من‬ ‫اآلفات واخلطر احملدق (مجتمع املخاطر)؛ وحتقيق االكتفاء‬ ‫الذاتي في القدرات احليوية (غداء‪ ،‬مواد طبية‪ ،‬تكنولوجيا‪،)...‬‬ ‫لقد بات االمن القومي مرتهن بسياسات تعليمية ناجعة‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬إعادة النظر في املقاربات البيداغوجية وفلسفة التربية‪،‬‬ ‫باالجتاه نحو تنمية الوعي واالرتقاء بأفراد املجتمع‪ ،‬بدل اجلهد‬ ‫الكلي في التنمية االقتصادية‪ .‬فأزمة «كرونا» أبانت أن الشعوب‬ ‫الواعية واملجتمعات املنضبطة قيميا هي القادرة على تخطي‬ ‫األزمات‪ ،‬وليس املجتمعات املتقدمة اقتصاديا والفقيرة قيميا‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬إن أزمة كرورونا أنتجت خطابا حمائيا‪ ،‬وأبانت عن‬ ‫نزعات َت َو ُّحدِ ية لألمم‪ ،‬وهذا يعني التعويل على الذات‪ ،‬ورفع‬ ‫االنتاجية واالكتفاء الذاتي‪ .‬كما أبانت عن فاعلية الدول القادرة‬ ‫على االبداع واالبتكار والتكيف‪ ،‬وهو ما يعني التفكير في‬ ‫استراتيجيات للتحفيز وسياسات لتشجيع االبتكار باالستثمار‬ ‫في العنصر البشري‪ ،‬واملدرسة العمومية هي القادرة على خلق‬ ‫هذه القيم والنهوض بهذه املهمة‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬إعادة النظر في تصور املدرسة‪ ،‬واستيعاب التحول‬ ‫وسيرورة التغيير الذي يعرفه العالم‪ ،‬بالتوجه نحو مدرسة جديدة‬ ‫تدمج التعلم عن بعد‪ ،‬وتعتمد وسائل ديداكتيكية جديدة‪ .‬فالتجديد‬ ‫البيداغوجي بات ضرورة حيوية‪ ،‬ورمبا يؤسس ملدرسة املستقبل‬ ‫التي ستتجاوز مفهومي الفضاء الصفي وزمن التمدرس‪.‬‬ ‫*استاذ بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫حملات تاريخية حول إصالح التعليم باملغرب منذ االستقالل إلى الرؤية االستراتيجية‬

‫ذ‪/‬المصطفى تكاني*‬

‫ال يجادل أحد في أن التحوالت التي تعيشها املجتمعات؛ إن على املستوى االقتصادي‪ ،‬أو االجتماعي‪ ،‬أو السياسي؛‬ ‫هي صورة تعكس تطور الوعي الثقافي والتربوي لألفراد واجلماعات املشكلة للبنية البشرية لهذا املجتمع أو ذاك‪.‬‬ ‫إن التربية ‪ ،‬بصفة عامة ‪ ،‬بدءا من عناصرها املعنوية املتمثلة في األفكار والنظريات ‪ ،‬وفي الغايات واألهداف ‪ ،‬إلى‬ ‫عناصرها املادية املتمثلة في السلوك واإلجراءات والتصرفات ‪ُ ،‬تـكوِّ ن ؛ في مجملها ؛ العنصر األساس في تقومي حياة‬ ‫األفراد واملجتمعات؛ وهي ؛ بذلك ؛ إما أن تساهم في تطورها وتقدمها ‪ ،‬أو أنها ؛ على العكس من ذلك ؛ تكبح انطالقها‬ ‫نحو امتالك آفاق املستقبل ‪ ،‬وازدهار شعوبها ‪.‬‬

‫صراع املجتمعات اليوم ليس صراعا عسكريا‪ ،‬أو‬ ‫سياسيا‪ ،‬أو اقتصاديا فحسب؛ بل هو كذلك صراع ثقافي‬ ‫وتربوي وقيمي ‪ .‬وبقدر ما يتسم سلوك الفرد واجلماعة‬ ‫بسمات القيم اإلنسانية الشمولية في أبعادها الكونية‬ ‫املرتبطة أساسا باستضمار قيم املواطنة‪ ،‬والسلم‪،‬‬ ‫واحترام الرأي والرأي املخالف‪ ،‬ونبذ االنغالق والعنف‬ ‫والتطرف‪ ،‬وعدم إهدار حق اآلخرين في احلياة؛ بقدر ما‬ ‫تتأصل هذه القيم اإلنسانية احلقة في سلوك اإلنسان‬ ‫فكرا وممارسة ‪.‬‬ ‫وال يبدو غريبا عن أي متتبع‪ ،‬أو باحث‪ ،‬أو دارس‬ ‫ملسار وتطور أي نظام تربوي أن عمليات إصالحه ترتكز‬ ‫وتبتدئ أساسا من مدخالت التمدرس في مراحلــه‬ ‫األولى األساسية‪ ،‬بالتعليم األولي واالبتدائي؛ لبناء‬ ‫مراحل التعليم الثانوي اإلعدادي والتأهيلي واجلامعي‪،‬‬ ‫أوال‪ ،‬وللحكم على فعالية وجدوى مخرجاته في ارتباطها‬ ‫مبدى توافقها مع احمليط االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ثانيا‬ ‫‪ .‬وفي مدى إقدارها املواطن على تلبية حاجاته املتنوعة‬ ‫االجتماعية واالقتصادية والثقافية املعيشة في عالقتها‬ ‫مبساهمته في بناء مجتمعه والنهوض به لبلوغ مدارج‬ ‫التقدم والنماء‪ ،‬أخيرا ‪.‬‬

‫أسس بناء مشروع التنمية البشرية‬ ‫املستدامة ‪:‬‬

‫إن بناء مشروع التنمية البشرية املستدامة مدخل أساس‬ ‫للبناء االقتصادي واالجتماعي والثقافي في أي بلد‪ ،‬وال‬ ‫شك أن إصالح التعليم يعتبر مجال اختبار حقيقي‬ ‫يؤمــن لألفراد واملؤسسات املسار‬ ‫ألي مجتمع يريد أن‬ ‫ِّ‬ ‫الصحيح في بناء مشروع التنمية البشرية املستدامة‪،‬‬ ‫وأن يبني مناهجه التربوية مبا يسمح له بوضع لبنات‬ ‫التنمية الشاملة للبلد‪ ،‬بكيفية سليمة؛ مثلما هو األمر؛‬ ‫في مجاالت التربية والتكوين‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬وفي الصحة‪،‬‬ ‫والعدل‪ ،‬واألمن‪ ،‬وتأمني العيش الكرمي ‪.‬‬ ‫إن ضخامة املشاكل احلالية في التعليم؛ ببلدنا؛ ال ميكن‬ ‫اختزالها في اخلطاب السائد الرامي إلى حماية بيضة‬ ‫اجلماعة‪ ،‬بل البحث عن السبيل لتحقيق التنمية البشرية‬ ‫املستدامة واملصاحلة مع املدرسة املغربية أساسا ‪.‬‬ ‫إن التمسك مبا يسعى إلى تقوية عالقة املؤسسة مع‬ ‫محيطها املجتمعي هو األساس املساهم في االرتقاء‬ ‫بجودة التعليم‪ ،‬وإقرار التميز‪ ،‬وتعزيز قيم املواطنة‬ ‫والسلوك املدني‪.‬‬

‫عالقة التربية بالهوية الوطنية‬ ‫خالل فترة االستعمار ‪:‬‬

‫ساد في فترة التطلع إلى السيادة الوطنية إبان فترة‬ ‫االستعمار الصراع حول إثبات هوية املدرسة املغربية‪،‬‬ ‫وما قبيل االستقالل‪ ،‬وكانت تتجاذب التربية والتكوين‬ ‫فيها قوى اقتصادية واجتماعية وسياسية حول خيارات‬ ‫ناظمة للقيم التربوية ‪ :‬في بناء البرامج التعليمية‬

‫وكتبها املدرسية‪ ،‬وطرائق التدريس وأساليبها‪،‬‬ ‫ووسائلها التعليمية ‪ ،‬خالل معركة زمن يستبيح فيه‬ ‫املسؤولون؛ عن التعليم كما هو الشأن في باقي املجاالت؛‬ ‫احتكار توجيه دفة تيارات التربية إلى أجواء محميات‬ ‫اإلمبراطورية التي جنحت في فعل أثرها في نفوس‬ ‫وأهواء األسر االرستقراطية والبرجوازية وأشباهها؛‬ ‫سعيا من االستعمار إلى بناء مدرسة ال صفة للمغربية‬ ‫منها إال موقعها ضمن خريطة املدن املغربية ‪.‬‬ ‫كما عرفت املدرسة املغربية؛ في فترة االستعمار وما‬ ‫بعيدها؛ عملية تغريب ( من الغرب األوربي‪ ،‬ومن التغريب‬ ‫واالستالب) استطاعت أن جتعل املدرسة املغربية هشة‬ ‫يسهل كسر عودها‪ ،‬وإضعاف قوتها في وجه تيارات‬ ‫استالب (‪ )aliénation‬قشور احلضارة الغربية؛‬ ‫التي فعلت فعلتها في ركـوب أمناط النماذج التربوية‬ ‫املـنـقــولة عـن “ كل من هب ودب “ من منظري املدارس‬ ‫التربوية الغربية؛ فسلخت عن املدرسة املغربية هـويتها‪،‬‬ ‫وعززت وقوت محنتها ‪ .‬وقد أثرت املمارسات االعتباطية‬ ‫فيها على مستوى اتخاذ القرار غياب تخطيط تربوي‬ ‫مستقبلي مرتبط مبشروع تربوي شامل مستدمي‪ ،‬وغلبت‬ ‫على مسارها تيارات سياسية حلظية متغيرة ‪ .‬مما يطرح‬ ‫السؤال اجلوهري املرتبط مبدى فعالية املنهاج التربوي‬ ‫في توافقه مع حاجات البلد؛ بصفة عامة ‪.‬‬ ‫وتعتبر املسألة التعليمية؛ سواء خالل فترة االستعمار‬ ‫أو خالل سنوات االستقالل وإلى اآلن؛ رهانا حضاريا‬ ‫دون منازع‪ ،‬ويشكل باألساس مدخال من مداخل التنمية‬ ‫البشرية املستدامة ‪ .‬لقد أورد محمد ملوك؛ في السياق‬ ‫نفسه؛ نقال عن رفاعة الطهطاوي في االستدالل في مقـال‬ ‫‪ [ :‬الدولة والتحديث ‪ :‬أية رهانات حملمد ملوك ‪ /‬ص ‪.‬‬ ‫‪ 158‬من كتاب ‪ :‬مشروع التحديث في املجتمع املغربي‬ ‫‪ /‬منشورات الشعلة ] خالصة مفادها ‪ “ :‬إنه إذا كان‬ ‫التمدن يرجع إلى التعليم واملنافع العمومية‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ولي األمر هو الذي يصنع التعليم واملنافع العمومية‪،‬‬ ‫فإن ولي األمر‪ ،‬إذن‪ ،‬هو الذي يصنع التمدن “ ‪.‬‬ ‫وإذا حاولنا ربط ذلك؛ بصفة خاصة؛ مبا ساد في‬ ‫الفترة االستعمارية في املغرب جنمل القول بأن “ دخول‬ ‫االستعمار بهياكله الرأسمالية خلق بنية مركبة ‪ .‬فعلى‬ ‫املستوى االقتصادي هناك اقتصاد رأسمالي استعماري‪،‬‬ ‫هناك اقتصاد وطني رأسمالي‪ ،‬هناك اقتصاد تقليدي ‪.‬‬ ‫كذلك على مستوى الفئات أو الطبقات االجتماعية فلقد‬ ‫خلق طبقات جديدة؛ مثل البروليتاريا – البورجوازية‬ ‫– الرأسمالية األجنبية ‪ .‬فنحن أمام فئات وصراع‬ ‫اجتماعي مركب‪ ،‬وأيضا على املستوى الثقافي ظهرت‬ ‫قيم ثقافية أجنبية حديثة‪ ،‬كما تشكلت بفضل اجلدلية‬ ‫االجتماعية والنضال الوطني معالم لثقافة وطنية ‪( ”..‬‬ ‫أنظر مقال “ إشكالية تشكل املجتمع املدني “ ص ‪151 .‬‬ ‫محمد عياد ‪ /‬مشروع التحديث في املجتمع املغربي ‪/‬‬ ‫منشورات الشعلة ) ‪.‬‬ ‫وانطالقا من ذلك ميكن التأكيد أن هذه البنية االقتصادية‬ ‫والسياسية واالجتماعية شكلت بنيات تعليمية متباينة‬

‫وفق أنظمة تربوية مختلفة كذلك ‪ :‬مدارس األعيان وفرت‬ ‫متدرسا لطبقة االستعمار والرأسمالية األجنبية مع‬ ‫طبقة االقتصاد الرأسمالي الوطني البورجوازي‪ ،‬في‬ ‫مقابل االقتصاد التقليدي مع البروليتاريا شكل نوعية‬ ‫املؤسسات التعليمية احلرة التي مت إحداثها من قبل‬ ‫الوطنيني األحرار الذين تبنوا هذه املدارس باحلواضر‬ ‫الكبرى ‪ .‬في املقابل اآلخر الكتاتيب القرآنية‪ ،‬واملدارس‬ ‫العتيقة‪ ،‬والزوايا في القرى و املدن الصغرى ‪ “ .‬ومن‬ ‫غريب املفارقات أن هذه النخبة االجتماعية التي قادت‬ ‫احلركة الوطنية أو انتسبت إليها كانت‪ ،‬بقدر ما حتتج‬ ‫على ال قومية التعليم في املغرب‪ ،‬مبقدار ما تدفع بأبنائها‬ ‫نحو املدارس األوربية “ ( ص ‪ 45‬من كتاب “ أضواء على‬ ‫مشكل املغرب “ ‪ /‬د‪ .‬محمد عابد اجلابري ‪ /‬نشر دار‬ ‫النشر املغربية ) ‪.‬‬ ‫يقول بيير فيرموريني في كتابه “ تاريخ املغرب منذ‬ ‫االستقالل ‪ /‬ترجمة عبد الرحيم حزل ‪ /‬طبعة أفريقيا‬ ‫الشرق ص ‪ ... “ 10 .‬غير أن املغرب‪ ،‬وإن بدا عليه ذلك‬ ‫الهدوء‪ ،‬فقد مر في زمنه احلديث‪ ،‬بأوقات عصيبة‪ .‬فبعد‬ ‫تلك النهاية الغامضة للحماية فيه‪ ،‬وذلك التفاوض العجول‬ ‫على استقالله‪ ،‬بسبب من حرب اجلزائر‪ ،‬إذا اململكة‬ ‫املغربية جتد نفسها‪ ،‬سنة ‪ ،1956‬في مواجهة نفسها ‪.‬‬ ‫واحلال أن الفترة القصيرة التي عمرتها احلماية ( فلم‬ ‫تزد عن أربع وأربعني سنة ) قد خلفت عوامل حتديثية‬ ‫اقتصادية وسياسية متصارعة‪ ،‬لم يقيض لها االنصهار‬ ‫وال االندغام في بعضها ‪ .‬وظل املجتمع املغربي‪ ،‬في‬ ‫معظمه‪ ،‬مجتمعا قبليا‪ ،‬قرويا‪ ،‬متمردا على سلطة مركزية‬ ‫لم يفلح نظام احلماية في حمل املغاربة على احترامها‬ ‫إال بالقوة والغصب ‪ .‬ثم صارت البورجوازية االقتصادية‬ ‫متلهفة على احتالل مواقع املعمرين ‪”...‬‬ ‫“ ‪ ...‬تعود التوترات احلادة التي اندلعت بعد االستقالل‪،‬‬ ‫بأصولها إلى ميراث القرن التاسع عشر ‪ .‬وقد ظهرت تلك‬ ‫التوترات قوية صارخة‪ ،‬ما جعل نظام احلماية يتستر‬ ‫عليها‪ ،‬بفرض سلم إجباري على اجلميع ‪”...‬‬ ‫“ استمدت الوطنية املغربية أصولها من مصدرين‬ ‫أساسني في القرن العشرين ‪ .‬فأما أول هذين املصدرين‬ ‫فقد خرج من املساجد؛ تلك هي اإلديولوجية السلفية (‬ ‫التي تنشد العودة إلى ينابيع اإلسالم‪ ،‬إلحياء العالم‬ ‫اإلسالمي الذي تراه صار إلى انحطاط ) ‪ .‬وهذا مذهب‬ ‫وافد من اإلصالحيني في املشرق العربي؛ أمثال محمد‬ ‫عبده‪ ،‬قيض له االنتشار في املغرب على يد الشيخ أبي‬ ‫شعيب الدكالي ‪ .‬وسوف يكون لهذا املذهب‪ ،‬مع مبتدأ‬ ‫العشرينيات‪ ،‬تأثير على طلبة القرويني؛ أمثال عالل‬ ‫الفاسي واملختار السوسي ( املفكرون املغاربيون‪)1993 ،‬‬ ‫‪ .‬وأمـا املصدر الثاني للوطنية املغربية فهو املتمثل في‬ ‫تيار الشبيبة املغربية ‪ .‬وهو تيار قـام على منوال سميـه‬ ‫“ الشبـيبـة التركية “ ( ش‪ .‬أ‪.‬ج وليان ‪ ،) 1978‬ينشد‬ ‫استعمال أسلحة احملتل ومبادئه املسماة “ عاملية “‬ ‫ومحاربته بها ‪ .‬وكان لهذا التيار الثاني تأثير على‬ ‫الطلبة املتعلمني في مدارس احلماية‪ ،‬وال سيما مجموعة‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫طلبة باريس الصغيرة؛ أمثال أحمد بالفريج وبن احلسن‬ ‫الوزاني ( فيرمورين ‪ . ) 2002‬وقد كانت أحداث العام‬ ‫‪ 1930‬سببا في التئام التيارين “ ( ص‪ 21 .‬املرجع‬ ‫السابق نفسه ) ‪.‬‬

‫تطورات املسألة التربوية من خالل‬ ‫محطات اإلصالح بعد االستقالل ‪:‬‬

‫لقد طبع ميدان التربية والتعليم إبان فترة االستعمار‬ ‫وبداية عهد االستقالل سمات أساسية ميكن إجمالها في‬ ‫اإلشارات التي سلف ذكرها؛ لضيق املجال؛ إلى أهمية‬ ‫الدور الذي لعبته املدارس املغربية احلرة في متنيع‬ ‫التلميذات والتالميذ والطلبة املغاربة وحتصينهم‬ ‫ضد التيارات االستالبية للهوية املغربية اإلسالمية‪،‬‬ ‫وما ساعد على ذلك اشتغال األساتذة املغاربة في هذه‬ ‫املدارس بروح وطنية متميزة‪ ،‬وإرادة قوية في تكوين‬ ‫أجيال بناء مرحلة االستقالل ‪ُ .‬‬ ‫وطرحت بقوة في هذه‬ ‫املرحلة َت َع ُّقــ ُد النظر إلى املسألة اللغوية داخل املنظومة‬ ‫التعليمية املغربية‪ ،‬وتجَ ا ُذ ُب الرأي حول مدى صالحية‬ ‫اللغة العربية الفصحى في قدرتها على احتواء العلوم‬ ‫واملعارف‪ ،‬وتيسير التدريس بها ‪ .‬وارتبط التعليم‪ ،‬في‬ ‫هــــذه الفترة وما بعدها‪ ،‬بصراعات قوية معلنة وخفية‬ ‫حول عالقة املسألة اللغوية في عالقتها باملجاالت‬ ‫االقتصادية واالجتماعية وغيرها ‪ .‬إال أن‬ ‫ما مييز هذه املراحل ما جعل العالقة بني‬ ‫املدرسة وترسيخ قيم املواطنة والسلوك‬ ‫املدني تأخذ أبعادا ومنطلقات جماعية ‪/‬‬ ‫أهلية مشتركة‪ ،‬وإقبال كبير على التمدرس‬ ‫من قبل فئات املجتمع في جو من احلماس‬ ‫واالندفاع العاطفي ‪.‬‬ ‫يصعب تفصيل احلديث عن مختلف‬ ‫مضامني محطات اإلصالح‪ ،‬في هذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬ألن ملجال التدقيـق غيـر ذلك في‬ ‫هذا املقام؛ وسيتم في هذا املقال؛ تركيز‬ ‫محطات مسار إصالح منظومة التربية‬ ‫والتعليم ( في الفترة ما بعد االستقـالل‬ ‫إلى ما بعد وضع امليثاق الوطني للتربية‬ ‫والتكوين) في التذكير مبالمح عامة لهذه‬ ‫احملطات‪ ،‬بـدءا مـن اإلشارة إلى إصالح‬ ‫سنة ‪ ( 1957‬اللجنة العليا إلصالح‬ ‫التعليم )؛ الذي انطلق من تثبيت املبادئ‬ ‫األربعة ( التوحيد ‪ /‬التعريب ‪ /‬املغربة ‪/‬‬ ‫التعميم )‪ ،‬إال إنـه لـم يتـم توفيـر الظروف‬ ‫البشرية إلقرارها وفق املراد‪ ،‬العتبارات‬ ‫عديدة؛ حيث إن اللجنة التي نادت إلى‬ ‫تعريب التعليم االبتدائي قررت بعد ذلك‬ ‫التراجع عن تدريس مادة احلساب والعلوم سنة ‪1958‬‬ ‫‪ .‬وحاول “ معهد الدراسات واألبحاث للتعريب “ ( الذي‬ ‫مت إحداثه سنة ‪ ) 1958‬إقرار تعريب املواد العلمية في‬ ‫التعليم االبتدائي‪ ،‬إال أنها محاولة ُوئ َدت سنة ‪. 1962‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى أن “ املجلس األعلى للتربية‬ ‫والتكوين “ الذي مت إحداثه من جديد سنة ‪ ( 1961‬سبق‬ ‫أن مت إحداث مجالس مماثلة له خالل فترة االستعمار‬ ‫)‪ ،‬لم يتمكن من إثبات ذاته كقوة استشارية في عمليات‬ ‫اإلصالح‪ ،‬الذي كان من مهامه “ أن يستشار لزوما في‬ ‫مشاريع اإلصالح التي تهم جميع أصناف التعليم‪ ،‬ويبدي‬ ‫رأيه في جميع املسائل ذات املصلحة الوطنية الراجعة‬ ‫للتعليم أو التربية أية كانت الوزارة تهمها “ (ص‪ 5‬من‬ ‫كتاب” رجل التعليم”‪ /‬ميسوم صبيح ‪ /‬ط ‪/ 1963 - 1‬‬ ‫نشر دار السلمي ) ‪.‬‬ ‫وحاولت مناظرة املعمورة ( أبريل ‪ ) 1964‬االتفاق‬ ‫بشأن وضع توصيات حول حدود األسالك التعليمية‬ ‫وهيـكلتها وطبيعتها‪ ،‬وتعريب موادها الدراسية‪ ،‬إال أن‬ ‫املناظرة انفضت عن اجلمع بسبب ما عرفته من مشـادات‬ ‫كالمية بني الوزارة والنـقـابات واألحزاب‪ ،‬ولـم تتوصل‬

‫ملف‬ ‫إلى إقرار تطبيقها؛ لقـلـة األطـر التربوية الالزمة‪ ،‬وبسبب‬ ‫ارتفـاع نسب التمـدرس ( ‪ % 55‬قيـاسا إلى ما سبق ) ‪.‬‬ ‫ومتت العودة إلى االزدواجية في لغة التدريس بالتعليم‬ ‫االبتدائي سنة ‪1966‬؛ إال أن احملاولة ‪ /‬النكسة مت خاللها‬ ‫التراجع مرة أخرى عن التعريب سنة ‪. 1967‬‬ ‫عجزت الدولة على حتقيق مضامني “ املبادئ األربعة‬ ‫“؛ فعلى مستوى “ التوحيد “ لم تستطع وزارة التربية‬ ‫الوطنية حتقيقه؛ أورد د‪ .‬محمد عابد اجلابري ‪ /‬ص ‪73‬‬ ‫في كتابه “ أضواء على مشكل التعليم “ ما يلي ‪ “ :‬لقد‬ ‫كان املقصود من توحيد التعليم ‪ -‬وما يزال ‪ -‬هو إنشاء‬ ‫“ مدرسة وطنية مغربية “‪ ،‬مدرسة واحدة تذوب فيها‬ ‫مختلف أنواع التعليم التي تواجدت خالل عهد احلماية‪،‬‬ ‫وتعكس في آن واحد إرادة االحتفاظ باملاضي ( املقومات‬ ‫احلضارية العربية واإلسالمية ) والتطلع إلى املستقبل (‬ ‫تلبية حاجيات التنمية من األطر املختصة واالنفتاح على‬ ‫ثقافة العصر ‪ .‬إن “ املدرسة الوطنية املغربية “ وفقا لهذا‬ ‫التصور ال ميكن أن تكون إال معربة “ ‪.‬‬ ‫أما على مستوى “ التعريب “ فقد متت اإلشارة إلى أهم‬ ‫اخلالصات حول هذا املوضوع في ما ورد الفقرات السالفة‬ ‫‪.‬‬ ‫وبالنسبة ملبـــدإ “ املغربــة “ أشار د‪ .‬محمد عابد‬ ‫اجلابري ‪ /‬ص ‪ 64‬و ‪ 65‬في كتابه “ أضــواء على مشكل‬ ‫التعليم “ إلى أن وزارة التعـليم ( عمدت إلى توظيف كل‬

‫من “ يحسن “ القراءة والكتابة بالعربية والفرنسية‪،‬‬ ‫صغارا كانوا أو كبارا‪ ،‬عاطلني كانوا أو محترفني ملختلف‬ ‫املهن احلرة ‪ .‬لقد كان كل من يحمل الشهادة االبتدائية‪،‬‬ ‫أو يأنس من نفسه أنه في مستواها يلتحق كـ “ معلم‬ ‫“ في املدارس احلكومية ‪ .‬وقد أحدثت دورات تكوينية‬ ‫لهؤالء قصد تزويدهم بشيء من من املعلومات العامة‬ ‫و” األساليب البيداغوجية “ في إطار ما كان يسمى بـ “‬ ‫التكوين السريع “ ) ‪.‬‬ ‫وظل “ التعميم “ بعيد املنال‪ ،‬ويكفي إيراد ما قدمه وزير‬ ‫التربية الوطنية د‪ .‬محمد بنهيمة في خطاب يوم ‪ 6‬أبريل‬ ‫‪ “ 1966‬مذهبا جديدا “ ( أنظروا كتاب “ اإلصالح التعليمي‬ ‫باملغرب “ ‪ / 1994 – 1956‬املكي املروني منشورات‬ ‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط ‪ /‬سلسلة بحوث‬ ‫ودراسات رقم ‪ 17‬للمزيد من التوضيح ) ؛ وما أورده د‪.‬‬ ‫محمد عابد اجلابري ‪ /‬ص ‪ 99‬في كتابه “ أضواء على‬ ‫مشكل التعليم “ بالقول ‪ ( :‬لقد اتضح آنذاك أن الدولة‬ ‫لم تعد تستطيع متابعة “ تعميم “ التعليم بنفس الوتائر‬ ‫السابقة ‪ .‬وهكذا وقع اإلحلاح باخلصوص على استحالة‬ ‫تعميم التعليم ألن ذلك “ سيتطلب ميزانية لن تلبث أن‬

‫تصبح معادلة لضعفي الدخل القومي اإلجمالي “ ؟ ‪...‬‬ ‫والتصريح بأن “ الثقافة العليا حلية للفكر وال موجب‬ ‫لنشرها في الوقت الراهن “ )‪.‬‬ ‫وإجماال ميكن القول بأن ( ما سمي فيما بعد بـ “‬ ‫االختيارات “ األساسية لـ “ سياستنا “ التعليمية‪،‬‬ ‫واملعبر عنها بـ “ املبادئ األربعة “ ‪ :‬التعميم‪ ،‬التوحيد‪،‬‬ ‫التعريب‪ ،‬مغربة األطر‪ ،‬هي في احلقيقة “ اختيارات “‬ ‫فرضها الواقع قبل أن تقرر بكيفية رسمية ) من كتاب د‪.‬‬ ‫محمد عابد اجلابري “ أضواء على مشكل التعليم “ ص‪.‬‬ ‫‪ 65‬و ‪. 66‬‬ ‫كما عرفت املخططات اخلماسية ( ‪) 1977 – 1968‬‬ ‫تراجعت خاللها “ مناظـــرة إيـفــــران األولــى ‪( “ 1970‬‬ ‫بدأت في إيفـران‪ ،‬وواصلت أشغالها في مقر الوزارة بباب‬ ‫الرواح بعد انسحاب مجموعة من املشاركني منهم رئيس‬ ‫االحتاد الوطني لطلبة املغرب السيد محمد اخلصاصي؛‬ ‫وبقاء السيد محمد الـوفــا الذي كان رئيس االحتاد‬ ‫العام لطلبة املغرب في الفترة ما بني ‪ 1969‬و ‪) 1972‬‬ ‫عن بعض القرارات؛ من بينها تعريب احلساب تعريب‬ ‫احلساب في التعليم االبتدائي‪ ،‬ودعت إلى إقرار تعريب‬ ‫تدريس التاريخ واجلغرافيا (ما بني سنة ‪ 1970‬إلى‬ ‫‪ ،) 1976‬وإقرار تعريب تدريس الفلسفة ( ‪1973 – 1970‬‬ ‫) بعد صدور بيان لبعض املثقفني باملغرب ‪ .‬وتلت تلك‬ ‫املخططات توترات أهمها ما سمي “ السنوات البيضاء‬ ‫“‪ ،‬والتراجع عن تعميم التعليم بالوسط‬ ‫القروي ‪ .‬مما دفع وزير التربية الوطنية‬ ‫سنة ‪ 1977‬إلى اإلقرار بأن االزدواجية في‬ ‫تدريس املواد سبب انخفاض املردودية‬ ‫التعليمية ‪ .‬وتدخل املرحوم جاللة امللك‬ ‫احلسن الثاني سنة ‪ 1978‬لإلبقاء على‬ ‫االزدواجية في تدريس املواد الدراسية ‪.‬‬ ‫مت تكوين “ اللجنة الوطنية إلصالح‬ ‫التعليم “ عقب األيام الدراسية للتربية‬ ‫الوطنية ( إيفران ‪ ،) 1981‬إال أن مشروع‬ ‫إصالح التعليم لم ير النور نظرا‪ ،‬كذلك‪،‬‬ ‫للخالفات احلادة التي طبعت أعمال‬ ‫األيام الدراسية ‪ .‬وعـرفـت الفترة؛ من جهة‬ ‫أخرى؛ إحداث األكادمييات (‪ ) 1987‬في‬ ‫شكلها السابق ( أنظروا املرسوم احملدث‬ ‫لألكادمييات سنة ‪. ) 1987‬‬ ‫وما ميز فترة الثمانينيات والتسعينيات‬ ‫تعريب تدريس املواد العلمية في االبتدائي‬ ‫واإلعدادي والثانوي ( االنطالق مرة أخرى‬ ‫سنة ‪ 1980‬في تعريب املواد العلمية‬ ‫بالتعليم االبتدائي ومغربة أطرها؛ الذي‬ ‫توقف تعريبها عند مستوى البكالوريا‬ ‫إلى حدود سنة ‪ ،1990‬واإلبقاء على عدم تعريب التعليم‬ ‫العالي ‪.‬‬ ‫ولإلشارة فإن هذه اللجنة الوطنية التي شكلت سنة‬ ‫‪ 1994‬مت تكوينها من أعضاء مجلس النواب‪ ،‬وممثلي‬ ‫اإلدارات التعليمية‪ ،‬والفعاليات االجتماعية واالقتصادية‬ ‫والنقابية‪ ... ،‬و» نظمت سلسلة من اجللسات خالل الفترة‬ ‫املمتدة من ‪ 5‬ماي ‪ 1995‬إلى ‪ 9‬يونيو ‪ ،1995‬واستطاعت‬ ‫إجناز تقرير مفصل في ‪ 25‬يونيو‪ 1995‬يعرف بوثيقة‬ ‫املبادئ األساسية‪ ،‬والتي حاولت مالمسة مكمن اخللل‬ ‫في نظامنا التعليمي‪ ،‬وحاولت طرح بعض احللول‬ ‫املمكنة لتجاوز هذه الوضعية ‪ « ...‬على» اعتبار قضية‬ ‫التعليم ذات طابع استراتيجي ووطني‪ ،‬وربطت اإلصالح‬ ‫باملؤسسة ال باألفراد ‪ .‬حيث «يكتسي موضوع التربية‬ ‫والتعليم في عصرنا احلاضر أهمية استراتيجية بل‬ ‫ومصيرية في تاريخ الشعوب والدول‪ ،‬وهو يعتبر قضية‬ ‫وطنية تهم اجلميع مما يحتم احلوار والتوافق عليها‬ ‫من خالل مؤسسات قارة ودستورية وقانونية»‪ (،‬كما هو‬ ‫وارد في وثيقة املبادئ األساسية)‪ « ،‬التي دعت إلى ما‬ ‫يلي ‪ :‬ترسيخ القيم الروحية لإلسالم ‪ /‬تعميم التعليم ‪/‬‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫إقرار إلزامية التعليم للفئة العمرية ‪ 6-16‬سنة ‪ /‬اعتبار‬ ‫املجانية نتيجة حتمية ألوضاع األسر املغربية ‪ /‬اعتبار‬ ‫اللغة العربية محورا أساسيا للتعليم ‪ /‬ضرورة محو‬ ‫األمية ‪ /‬توحيد التعليم وتعريب املجاالت االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية والسياسية ‪ ...‬في غشت مت رفض‬ ‫نتائج اللجنة وبالتالي إقبارها ‪ ...‬على إثر صدور تقرير‬ ‫البنك الدولي حول األوضاع باملغرب ودعوته إلى مراجعة‬ ‫مبدإ املجانية ‪ [ ». 1997‬نقل عن مقالة « التعليم من‬ ‫سياسة التعريب إلى سياسة التغريب « جريدة النهار‬ ‫املغربية نشر يوم ‪ 18‬يناير ‪. ] 2012‬‬ ‫و تال ذلك اهتمام حكومة التناوب في أواخر التسعينيات‬ ‫من القرن املاضي تعميم التعليم‪ ،‬وخفض سن القبول في‬ ‫التعليم االبتدائي من ‪ 7‬سنوات إلى ‪ 6‬سنوات ‪.‬‬ ‫حاول امليثاق الوطني للتربية والتكوين إعــداد مشروع‬ ‫تربوي متكامل متوافق عليه إلصالح نظام التربية‬ ‫والتكوين‪ ،‬وإرساء مدرسة مغربية‪ .‬ومت بذل مجهودات‬ ‫لتفعيل املشروع وأجرأة دعاماته‪ ،‬واستدراك ما تراكم من‬ ‫عثرات وثغرات وتأخير خالل العقود املاضية ‪.‬‬ ‫وأكد املجلس األعلى للتعليم في توصياته األخيرة‬ ‫التمسك بإقرار اإلصالح‪ ،‬واستدراك ما عرفه من نقص‬ ‫حول بلورة رؤية شمولية ملجموعة من العناصر األساس‬ ‫ألجرأة مختلف العمليات ضمن البرنامج االستعجالي‬ ‫(‪ ،) 2012 / 2009‬وهمت مشاريع البرنامج توفير املدد‬ ‫املالي لإلصالح البيداغوجي‪،‬وحتفيز املوارد البشرية‪،‬‬ ‫وحتسني التدبير اإلداري واملادي‪ ،‬وتطوير مؤشرات‬ ‫التمدرس‪ ،‬التوجيه واالستشارة‪ ،‬وخلق دينامية للتواصل‬ ‫بني املدرسة واألسرة ‪.‬‬ ‫وبقراءة بسيطة للبرنامج احلكومي ( يناير ‪) 2012‬‬ ‫يتبني أن أهم ما ورد فيه هو إعادة تركيز احلديث عن‬ ‫االهتمام بالتعليم والتكوين األساس واملستمر‪ ،‬بالصيغ‬ ‫نفسها الواردة في البرنامج االستعجالي‪ ،‬وجعل‬ ‫املؤسسة التعليمية في صلب االهتمام بالنظام التربوي‪،‬‬ ‫واالرتقاء مبهام املدرسة الوطنية وأدوارها؛ حملاولة إعادة‬ ‫الثقة في املدرسة املغربية‪ .‬مع اإلشارة إلى أن البرنامج‬ ‫احلكومي في ص ‪ 64‬و‪ 65‬نص على أن احلكومة ستعمل‬ ‫على « منح املؤسسة التعليمية سلطة فعلية في القرار‪،‬‬ ‫واستقاللية فاعلة في التدبير‪ ،‬وستوفر لها الوسائل‬ ‫الضرورية واملؤهالت املناسبة لالضطالع مبهامها‬ ‫وأدوارها التربوية‪ ،‬مما سيجعل األطر التربوية واإلدارية‬ ‫للمؤسسات منخرطة ومعبأة ومسؤولة اجتاه النتائج‬ ‫احملصل عليها ‪.‬‬ ‫ومن أجل بلوغ هذا املبتغى قام هذا اإلصالح على خمسة‬ ‫مبادئ في إطار الالمركزية التربوية ‪:‬‬ ‫‪ . 1‬االستقاللية في التدبير وهو عامل أساس للتعزيز‬ ‫الفعلي للقدرة على اتخاذ املبادرات والقرارات املتصلة‬ ‫بامليادين التربوية واملالية واإلدارية مع التنزيل املتدرج‬ ‫لذلك ‪.‬‬ ‫‪ . 2‬التقييم املنتظم ملنتوج وأداء املؤسسات التعليمية‬ ‫ملواكبة مبدأ الالمركزية وربط املسؤولية باحملاسبة مبا‬ ‫يسمح بقياس النتائج واإلجنازات‪ ،‬ويساعد على قيادة‬ ‫النظام التربوي ‪.‬‬ ‫‪ . 3‬االنفتاح املؤسساتي مبا ميكن املؤسسة التعليمية من‬ ‫تقوية عالقاتها مع محيطها التربوي واإلداري واملجتمعي‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ . 4‬دعم القدرات التدبيرية للمؤسسة‪ ،‬بالنظر لألدوار‬ ‫املتعددة املسندة إلدارتها؛‬ ‫‪ . 5‬وضع كل مؤسسة لبرنامج تربوي ألجرأة األهداف‬ ‫الوطنية ومراعاة اخلصوصيات احمللية‪ ،‬ويسهم في‬ ‫إحداث دينامية جديدة لالرتقاء بجودة التعليم؛‬ ‫‪ . 6‬التصدي بحزم لظواهر مشينة انتشرت داخل‬ ‫املؤسسات ومحيطها كالعنف وتناول املخدرات والتحرش‬ ‫اجلنسي ‪ ( ».‬أنظروا ص‪ 63 .‬وما بعدها من البرنامج‬ ‫احلكومي يناير ‪. ) 2012‬‬ ‫إال أن املالحظة املسجلة؛ أوال؛ هي أن ما اعتبره تقرير‬ ‫البرنامج احلكومي مبادئ في إطار الالمركزية التربوية‬

‫ملف‬ ‫( ستة مبادئ عـددا‪ ،‬وخمسة مبــادئ تقدميا لفظا في‬ ‫التصدير لهذه الفقرة ) ال ميكن اعتبار املبادئ التي يقــوم‬ ‫عليـها اإلصـــــــالح ( االستقاللية ‪ /‬التقييم املنتظر ملنتـوج‬ ‫وأداء املؤسسات ‪ /‬االنفتاح املؤسساتي ‪ /‬دعم القدرات‬ ‫التدبيـرية ‪ /‬وضع كل مؤسسة لبرنامج ألجـرأة األهداف‬ ‫الوطنية ‪ /‬التصدي بحزم لظواهر مشينة ) مبادئ‬ ‫باملفهوم القيمي؛ ألن صياغتها أوردت ما ميكن اعتباره‬ ‫مستجدا لإلصالح‪ ،‬في حني ليس إال إعادة إلنتاج صيغ‬ ‫ملا ورد في مشاريع البرنامج االستعجالي ( الذي انتهي‬ ‫مع السنة ‪ . ) 2012‬وما يرتبط؛ مبالحظة أخرى؛ أن‬ ‫كل ما كنا نخاف منه قد حصل‪ ،‬وقد يتمدد االستعجال‬ ‫املطلوب للعالج من املرض الذي يصيب النظام التربوي‬ ‫بعد إصابته بنكسة تصعب معها فعالية العالج‪ ،‬إذا‬ ‫متكنت « فيروسات املرض « منه ‪ ،‬واستفحلت ما يستدعيه‬ ‫األمر معها بتر األجزاء املصابة‪ ،‬وقد عجزت بعض النوايا‬ ‫الصادقة في إقرار اإلصالح املطلوب للمدرسة املغربية‪،‬‬ ‫وخلفت امليعاد مرة أخرى مع» اإلصالح املنشود « ‪.‬‬ ‫و ورد في وثيقة « الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪2015‬‬ ‫– ‪ / 2030‬الفصل الرابع ‪ :‬من أجل ريادة ناجعة وتدبير‬ ‫جديد للتغيير( ص ‪ 65‬وما بعدها ) – الرافعة الثانية‬ ‫والعشرون ‪ :‬تعبئة مجتمعية مستدامة « ما يلي ‪:‬‬ ‫« ‪ . 112‬يتم إعـــالن ‪ 2030 – 2015‬مدى زمنيا للتعبئة‬ ‫الوطنية من أجل جتديد املدرسة املغربية‪ ،‬وحتسني‬ ‫جودتها ومردوديتها‪ ،‬ومن ثم جعلها حتظى بعناية‬ ‫قصوى كأسبقية وطنية‪ ،‬من أجـــل الدولة واجلماعات‬ ‫الترابية‪ ،‬ومؤسسات التربية والتكوين والبحث‪،‬‬ ‫واملنظمات النقابية‪ ،‬والقطاع اخلاص واألسر واملجتمع‬ ‫املدني‪ ،‬واملثقفني والفعاليات الفنية‪ ،‬واإلعالم ‪.‬‬ ‫غير أن هذه التعبئة ال ميكن أن تبقى مجرد خطاب عام‪،‬‬ ‫وإمنا يتعني أن تصبح نسقا منظما‪ ،‬ببعد التقائي يرسخ‬ ‫مسؤولية الفاعلني املباشرين في املدرسة‪ ،‬ومحيطها‬ ‫وشركائها‪ ،‬ويؤمن متلكهم ألهداف اإلصالح وانخراطهم‬ ‫في تطبيقه وتتبعه‪ ،‬مما سيمكن من توسيع قنوات‬ ‫التعبئة‪ ،‬التي من املفروض أن توفرها املدرسة املغربية‪،‬‬ ‫السيما مشروع املؤسسة الذي بات من الالزم توسيعه‪،‬‬ ‫مفهوما‪ ،‬ومنهجا‪ ،‬وممارسة‪ ،‬إلى أقصى حد ميكن من‬ ‫استيعاب ضرورات اإلصالح ومتطلباته ‪...« .‬‬

‫خـــالصـة عــامــــة ‪:‬‬

‫لقد سجل أغلب املهتمني بالشأن التربوي؛ بكيفية عامة؛‬ ‫أن أغلب الدراسات التربوية املنجزة في املغرب ذات‬ ‫طابع نظري منقول عن بعض األنظمة التربوية في الدول‬ ‫الغربية‪ ،‬ألن املنقول « دبلجة « لصيغة إلى لغة التعبير‬ ‫باملنطق املغربي‪ ،‬وال تنطلق احلاجة إلى إصالح الشأن‬ ‫التربوي من الدراسات امليدانية ذات الطابع املغربي‬ ‫املميز لهويتها‪ ،‬لتجاوز ما تشكوه املنظومة التربوية في‬ ‫املغرب من اختالالت وسلبيات؛ كما هو الشأن في العديد‬ ‫من األنظمة الشبيهة بها ‪.‬‬ ‫و ميكن إجمال املالحظات العامة في ما يلي ‪:‬‬ ‫> أهم خالصة أن مسار التعليم باملغرب كان يعمل منذ‬ ‫االستقالل؛ عن قصد أو دون قصد؛ مبنطق « اإلقصاء‬ ‫« من مدخلني اثنني ‪ :‬اللغة‪ ،‬أو االمتحان‪ ،‬أو هما معا‪،‬‬ ‫نظرا لتنافس اللغات في تدريس املواد العلمية يتجاذبها‬ ‫منطق « اإلقصاء « بحمولته االجتماعية ‪ ،‬ويتحكم في «‬ ‫التنافس اإلقصائي « معيار االنتقال من مستوى إلى آخر‪،‬‬ ‫ومن سلك إلى سلك أعلى في عالقته مع معدالت النجاح‬ ‫في املراحل اإلشهادية ( نهاية التعليم االبتدائي ‪ /‬نهاية‬ ‫السلك اإلعدادي ‪ /‬وشهادة البكالوريا )‪ ،‬مما ال يتحقق معه‬ ‫مطلب اإلنصاف املستهدف في النظام التربوي باملغرب؛‬ ‫> عدم قدرة املقررات والكتب املدرسية على التخلص‬ ‫من طول البرامج‪ ،‬وتعدد املواد التعليمية‪ ،‬وتكرار املعارف‬ ‫بني املستويات الدراسية؛‬ ‫> عدم وجود متاسك مفصلي بني املواد املتكاملة‬ ‫مبا يسمح بتمرير املعارف والعلوم واملهارات وامتالك‬ ‫الكفايات املستهدفة بكيفية متناسقة مع سير املقررات‬

‫والبرامج وبناء كتبها املدرسية؛‬ ‫> ضعف امتالك اللغة العربية والفرنسية على السواء‬ ‫مبا يجعل املتعلم قادرا على اكتساب الكفايات التواصلية‬ ‫الكتابية والشفهية لهذه اللغات بيسر المتالك املعرفة‬ ‫واملهارات في املواد األدبية والعلمية‪ ،‬وعلى السواء؛‬ ‫والظاهر أن تعريب تدريس املواد العلمية في التعليم‬ ‫الثانوي اإلعدادي والثانوي التأهيلي أجهز على امتالك‬ ‫اللغتني العربية والفرنسية‪ ،‬مما خلق هوة تواصل‬ ‫بينهما وبني التعليم العالي؛ من جهة؛ وبينهما واحلياة‬ ‫االقتصادية وغيرها؛ من جهة أخرى؛‬ ‫> غياب اعتماد التجريب العلمي في املواد العلمية‬ ‫( علوم احلياة واألرض ‪ /‬الفيزياء والكيمياء ‪ ،)...‬غلب‬ ‫اجلانب النظري في تدريسها‪ ،‬لقلة أطر الدعم التربوي (‬ ‫احملضرون )‪ ،‬واالكتظاظ‪ ،‬وقلة أدوات املختبرات‪ ،‬وعدم‬ ‫توفرها بالقدر املنسجم مع تطورات وتنامي املقررات‬ ‫الدراسية وتنوعها ؛‬ ‫> تقليص احلصص الدراسية في بعض املواد‬ ‫الدراسية؛ كما هو الشأن في مواد اللغة العربية والفرنسة‬ ‫في التعليم الثانوي اإلعدادي والتأهيلي ‪ .‬أو إضافة‬ ‫مستويات دراسية في التعليم االبتدائي ( ‪ 6‬سنوات بدل‬ ‫‪ 5‬سنوات في التعليم االبتدائي على حساب اخلصاص‬ ‫من املوارد البشرية لتغطية احلاجات إلى تعليم كاف‬ ‫لتصريف الكفايات املستهدفة في البرامج واملقررات‬ ‫الدراسية ‪ .‬أو إثبات مواد دراسية في التعليم الثانوي‬ ‫التأهيلي ( الكتاب األبيض ‪ /‬احلصص الدراسية املقررة‬ ‫في التعليم الثانوي التأهيلي ) لم تتوفر لها األساتذة‬ ‫املؤهلني لتدريسها من مثل مادة التوثيق والثقافة ‪...‬‬ ‫> ضعف التكوين األساس واملستمر لألطر التربوية‬ ‫واإلدارية والتقنية ملواكبة املستجدات التخصصية وفق‬ ‫احلاجات واألولويات امللحة لتحقيق احلكامة اجليدة‬ ‫للتدبير اإلداري والتربوي املطلوبني في هذا القطاع‪،‬‬ ‫وبدا وكأن التكوينات قدمت املستجدات التربوية بكيفية‬ ‫مبتسرة‪ ،‬أو محنطة‪ ،‬ألنها ابتعدت عن حاجات الفئات‬ ‫املستهدفة؛‬ ‫> لم تستطع أساليب التقومي قياس درجة حصول‬ ‫التعلمات لدى مجموعة من التالميذ؛ وبالتالي العجز في‬ ‫التمييز بني الفروق الفردية بني املتمدرسني مبا يسمح‬ ‫بإجناز الدعم الفعال الهادف واملصاحبة الشخصية‪،‬‬ ‫واملشروع الذاتي للتلميذ (ة) إلى تدارك الثغرات الفردية‪،‬‬ ‫وإصالح اخللل‪ ،‬وحتقيق التميز الدراسي؛‬ ‫> قلة وضوح مالمح التوجيه لدى العديد من التالميذ‬ ‫إلى الشعب واالختيارات املالئمة ملخرجات التعلم‪ ،‬املوافقة‬ ‫ملتطلبات علم املعرفة والبحث العلمي للمساهمة في بناء‬ ‫تنمية رأس مال املوارد البشرية القادرة على امتالك آفاق‬ ‫املستقبل‪ ،‬وازدهار شعوبها‪.‬‬ ‫> ظهور ممارسات سلبية أثرت في مسار متدرس بعض‬ ‫التلميذات والتالميذ في بحثهم عن النجاح بأساليب غير‬ ‫تربوية‪ ،‬كما أثرت هذه املمارسات السلبية على العالقات‬ ‫التفاعلية بني التلميذ(ة) واألستاذ(ة)؛ وما ترتب عن ذلك‬ ‫من البحث عن النجاح من قبل ِهؤالء « املنحرفني تربويا «‬ ‫بااللتجاء إلى « أساليب دنيئة «؛‬ ‫> التخلي التدريجي لآلباء واألمهات عن مسؤولياتهم‬ ‫في تربية أبنائهم وتتبع مسارهم الدراسي‪ ،‬وحتميل‬ ‫املسؤولية للمدرسة‪ ،‬أو العكس‪ ،‬وتفتقد معه املصاحلة‬ ‫مع املدرسة املغربية للقيام بأدوارها التربوية األساس؛‬ ‫وهو ما يستدعي من املسؤولني عن الشأن التربوي‬ ‫إجناز اإلصالح التربوي بكيفية ممنهجة وفق مشروع‬ ‫وطني متماسك‪ ،‬ومتكامل‪ ،‬إلقرار التنمية البشرية‬ ‫املستدامة‪ ،‬سعيا إلى سلك أجنع السبل لتحقيق النماء‬ ‫االجتماعي‪ ،‬بإشراك كل املعنيني في بناء الوطن اآلن وفي‬ ‫املستقبل‪ ،‬وبالتالي سعيا إلى حتصني البناء الدميقراطي‬ ‫والسياسي باعتباره مدخال أساسيا لتقوية املجاالت‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية وحتقيق مصاحلة‬ ‫املجتمعات مع الذات واجلماعات ‪.‬‬

‫*باحث تربوي‬

‫‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫إمكانية التعلم ما بعد السياق املدرسي رهينة بظروف إمناء كفاية التعلم الذاتي‪.‬‬

‫ذ‪ .‬أحمد البوعزاوي*‬

‫راهنية هذا املوضوع قد ال جندها من منظورنافي حتديد دالالت “التعلم الذاتي” باعتباره مقاربة نوعية أساسية‬ ‫ينبغي أن يفسح لها املجال بشكل أكبر ملا لها من أثر على التحصيل الدراسي بشكل عام؛ أو حتى من باب اخلوض في‬ ‫تبيان الغرض من تسخير “مشروع الوحدة الديداكتيكية”‪ ،‬باملرحلة االبتدائية حتديدا‪،‬كنشاط ينمي لدى املتعلمات‬ ‫واملتعلمني القدرة على تعلم التعلم‪،‬بقدر ما نود أن نعود لقراءة في موضوع االستمرارية البيداغوجية عبر آلية التعلم‬ ‫عن بعد‪ ،‬والتي جاءت عقب قرار اإلعالن عن تعليق الدراسة بالعديد من البلدان بالعالم‪.‬‬

‫بعد أن علق التعليم الفصلي‬ ‫احلضوري الذي يكتمل عادة بتواجد‬ ‫مكوناته األساس؛ أال وهي لزوم‬ ‫التزامن احلضوري لكل من األستاذ‬ ‫واملتعلم بالفصل مقابل “املعرفة”‬ ‫ومختلف أشكال حتصيلها بناء‬ ‫على ما يتم اللجوء إليه من طرائق‬ ‫مختلفة‬ ‫وأساليب‬ ‫بيداغوجية‬ ‫للتدريس‪.‬‬ ‫ليخوض املتعلم (ة) بعدها مباشرة‬ ‫شكال آخر من أشكال التحصيل‬ ‫الدراسي لم يسبق له ان اعتاد عليه‪،‬‬ ‫مما سيضعه أمام وضعيات تقتضي‬ ‫منه التفاعل والتجاوب في غياب‬ ‫حضور توجيهي فعلي ومباشر‬ ‫لألستاذ كسابق عهده به‪ .‬فإذا ما‬ ‫اعتبرنا فيما سبق أن مقاربة إرساء‬ ‫املضامني عمدت إلى إكسابه املعلومات‬ ‫واملعارف املطلوب استرجاعها الحقا‪،‬‬ ‫فقد ال تسعفه في العمل علىاالكتساب‬ ‫الذاتي والذي لم يكن له بد منه حاليا‪.‬‬ ‫فإلى أي حد سيكونبإمكاننا التطلع‬ ‫لفرضية إقداره على التحول من التعلم‬ ‫إلى منطق القدرة على التعلممن خالل‬ ‫مشاركته فيإجنازاملشروع املبرمج‬ ‫باملجال الديداكتيكي املدروس باعتباره‬ ‫مساحة تسمح للمتعلم باستثمار‬ ‫وتوظيف العديد من املكتسبات فرديا‬ ‫مهما سامه األمر‪ ،‬لكونه سيكون‬ ‫مطالبا بضم عمله ملنتوج املجموعة‪.‬‬ ‫غير أن منهجيات تنزيل املشروعمن‬ ‫املفروض أن تختلفكييخرج تدبير‬ ‫حصصه عن منطية الدروس االعتيادية‬ ‫ويتجاوزها إلى إنتاج متمركز على‬ ‫البحث والتعاون التشاركي داخل‬ ‫جماعة الفصل الدراسي‪،‬على أساس‬ ‫أنيستكمل بعدها بامتدادات تتباين‬ ‫بحسب الفروقات الفردية للمتعلمني‬ ‫وميوالتهم‪،‬‬ ‫اهتماماتهم‬ ‫وكذا‬ ‫تفريدهالتصير‬ ‫املمكن‬ ‫ومن‬ ‫مشروعابيداغوجياخاصا‪ .‬يبدو األمر‬ ‫شبيها متاما مبا سبق ودعا له جون‬ ‫ديوي‪John Dewey‬الذي اعتبر أن‬ ‫املعارف ينبغي لها أن تتوطن بتجارب‬ ‫وخبرات املتعلمني وتتمظهر بالتالي‬

‫في تصرفاتهم‪ ،‬مستحضرا حينذاك‬ ‫تداخل كل من البعد اجليني‪ ،‬البعد‬ ‫الوظيفي والبعد االجتماعي‪.‬‬ ‫فبالكاد‪ ،‬وبعد تعليق الدراسة‪ ،‬ساد‬ ‫هاجس ضمان استدامة االتصال‬ ‫البيداغوجي بني املتعلم واملدرسة؛‬ ‫وهو األمر الذي قد يتعذر على‬ ‫الكثيرين نظرا لظروف مرتبطة‬ ‫بتوافر وسائل االتصال من أجهزة‬ ‫رقمية وكذا حصول للربط بالشبكة‬ ‫املعلوماتية‪ ،‬مبا من شأنه أن ينعكس‬ ‫على حتقق تكافؤ الفرص أمام اجلميع‬ ‫وبالتالي يسهم في تعميق فارق‬ ‫التحصيل الدراسي لديهم‪،‬والذي‬ ‫سينضاف بدوره إلى عوامل الفوارق‬ ‫االجتماعيةالتي لطاملا ساهمت بال شك‬ ‫في تطعيم تناميه‪ ،‬ليس على مستوى‬ ‫ما يعوز األسر من باب اإلمكانيات‬ ‫فحسب‪ ،‬بل أيضا من حيث ضرورة‬ ‫التواجد أو االنخراط على اعتبار‬ ‫األدوار املوكولة لألسر واألولياء‪ .‬فكل‬ ‫ما بدل من مجهودات من قبل أطر‬ ‫التدريس باملرحلة االبتدائية حتديدا‬ ‫على مستوى إنتاج املقاطع والدروس‬ ‫الرقمية من أجل تقدميها عن بعد؛‬ ‫بات متوقفا على املصاحبة الفعلية‬ ‫لألولياء والقدرة على التعلم الذاتي‬ ‫التي من الالزم أن يظهرها املتعلم من‬ ‫جهته‪ .‬واحلال أن املمارسة الصفية لم‬ ‫تكن مهيأة وقادرة رمبا على حتقيق‬ ‫التكافؤحتى في ظل تعليم حضوري‬ ‫جماعي منطي‪ ،‬باعتبارهغالبا‬ ‫محطة متراوحة بني تلقي املضامني‬ ‫والدروس وبينجاهزية استرجاعها‬ ‫الحقا حلظة كل تقومي‪ ،‬دون مالمسة‬ ‫معاني التعلم الذاتي‪ ،‬بحيث نرى أننا‬ ‫الزلنا في حاجة ماسة ملزيد من إعطاء‬ ‫معنى للتعلمات بشكل عام‪.‬‬ ‫< ”التعلم الذاتي”والذي أصبح‬ ‫ضرورة بسبب حتوالت إمكانيات‬ ‫حصول وحتقق املعارف التي لم تعد‬ ‫حكرا على املضامني الورقية والكتب‬ ‫املدرسية‪ ،‬بل تعدتها إلى املوارد‬ ‫الرقمية التي أتاحتها ثورة املعلومات‬ ‫بغاية متكني املتعلم من “حتسني‬

‫أدائه وتفعيل مشاركته”‪ .‬وهو‬ ‫السياق الذي رمبا سبق ودفع فيليب‬ ‫ميريو‪ Philipe Meirieu‬للحديث‬ ‫عن معنى آخر للبيداغوجيا بعيدا‬ ‫عن مجموع خطاطات الدروس‪ ‬والتي‬ ‫سيكون متأت لنا‪ ،‬بعد إعدادها ذهنيا‬ ‫وماديا‪ ،‬تصريف مضامينها وجعلها‬ ‫رهن إشارة املتعلمات واملتعلمني‪ .‬بل‬ ‫سيتجاوز ذلك إلى ضرورة متكينهم‬ ‫من القدرة على التفاعل فيما بينهم‬ ‫وكذا االستحضار األمثل واالستعانة‬ ‫الفضلى بتوجيهات مدرسيهم بشكل‬ ‫يساعدهم تدريجيا على حتقيق‬ ‫االستقاللية‪.‬‬ ‫وفي هذه احلالة‪ ،‬نتساءل‬ ‫أكانسيتأتى للمتعلم حتويل كل ما‬ ‫تلقاه حضوريا من معارف ومضامني‬ ‫وبالتالي مواجهته ذاتياملهمات مركبة‬ ‫تترجم حينها استقالليته وتعزز‬ ‫مكانة وظيفية تعلماته؛ إذ ذاك سيكون‬ ‫بإمكانه أن يصل لتحقيقهخارج‬ ‫السياقات املدرسية‪ ،‬فليس كل تطبيق‬ ‫أومترين بدال على بلوغ الكفاية‪.‬‬ ‫فمن هنا تتضح ضرورة العمل‬ ‫بصيغة املشاريع‪ ،‬ليس باعتبارها‬ ‫مرادفات للمجالت التي ما فتئت تنقل‬ ‫للمتعلم موارد كمية قد ال يجد لها‬ ‫جاهدا صيغة جتميعها ككفاية‪ .‬كما‬ ‫ينبغي عدم حصر “مشروع املجال”‬ ‫في خانة أنشطة الكتابة‪ ،‬لينضاف‬ ‫ملكونات املادة وتشمله تدريسيتها‬ ‫دون جتاوزها لتوليف متعدد تفرضه‬ ‫وضعيات مركبة دالة وسياقات‬ ‫تواصلية واجتماعية‪.‬‬ ‫فالرهان اليوم على البيداغوجيا‬ ‫أصبح من باب ضرورة متكني الفهم‬ ‫مرورا بالتفاعل إلى القدرة على‬ ‫الفعل والتصرف وذلك مالم نكف عن‬ ‫اعتباره أساسيا لكون فعل التعلم‬ ‫أصبحا رهينا اليوم بامتالك العديد‬ ‫من املهارات والقدرات التي ستكون‬ ‫مبثابة استجابات تفاعلية على‬ ‫رأسها القدرة على الفهم واالستثمار‬ ‫والتحليل في سياق تنمية املعارف‬ ‫سواء كانت مكتسبة أو في طور‬

‫االكتساب من أجل بلورتها في‬ ‫سياقات املشاريع املتنوعة املنتقاة‬ ‫داخل املجال التعلمي لتكون مدخال‬ ‫لتعلم التعلم ودافعا ملواصلته في‬ ‫سياق أنشطة ما بعد املدرسة‪.‬‬ ‫< “منطق القدرة على التعلم” أو‬ ‫“تعلم التعلم” نراه أيضا في العمل‬ ‫على متكني املتعلم من الفهم والقول‬ ‫والفعل بإعمال القدرة على التفاعل‬ ‫والتعاون واملشاركة في سياق‬ ‫“املشروع” الذي سيضمن وظيفية‬ ‫مكتسبات راكمها كل فرد أثناء مسار‬ ‫تعلمه‪ .‬هذا الواقع كما سبق وأشار‬ ‫إليه األستاذ “عبد الرحيم الهروشي”‬ ‫والذي اعتبر أن نهاية مسار التعلم‬ ‫تتحققبتوظيف حقيقي للمكتسبات‬ ‫املعرفية إلى جانب التمكن من إظهار‬ ‫القدرات واملواقف‪.‬‬ ‫< “مشروع الوحدة” وفق وثيقة‬ ‫مستجدات املنهاج الدراسي للسنوات‬ ‫األولى والثانية والثالثة والرابعة من‬ ‫السلك االبتدائي التي وردت شهر ماي‬ ‫‪2019‬عن مديرية املناهج‪ ،‬معتبرة‬ ‫إياه مبثابة اختيار حاضن ملجموعة‬ ‫من املهمات ذات صلة مبحيط املتعلم‬ ‫ومنفتحة على واقعه على أساس أن‬ ‫تتضح له غاية التعلمات‪ ،‬فقد حتدثت‬ ‫الوثيقة عن عدد من األفعال اإلجرائية‬ ‫“كالقول والفعل والتصرف” ناهيك‬ ‫عن قدرة املتعلم على التعاون واتخاد‬ ‫القرار مبرزا بذلك كفاياته التواصلية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫جتربة التعلم عن بعد قد تدعو ملزيد‬ ‫اهتمامبالتعلم الذاتي كشكل من‬ ‫أشكال التحصيل التي على املتعلم‬ ‫أن يخوضها باستقاللية عبر التعلم‬ ‫االلكتروني والتكنولوجي‪ ،‬التعلم‬ ‫باالستقصاء واالستكشاف أوكذلك‬ ‫عبر اعتماد أسلوب حل املشكالت‪...‬‬ ‫ليتمدد زمن التعلم ليس في صيغة‬ ‫إجناز واجبات مدرسية فحسب بل‬ ‫بهدف إمناء كفايات ممتدة‪.‬‬ ‫* مفتش تربوي‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫املدرسة وصناعة املتعلم «ة» ‪ ..‬نحو رؤية مستقبلية‬

‫امحمد عليلوش*‬

‫إذا كانت صناعة املدرسة بشكل عام‪ ،‬عمال ذكيا بامتياز وحدثا تاريخيا ال ميكن نسيانه‪ ،‬فان الرهان على هذه‬ ‫املؤسسة في ضمان استمرارية املجتمعات البشرية يبقى في الوقت الراهن‪ ،‬وفي ظل العوملة والتقدم السريع وفي‬ ‫عصر الثورة الرقمية وسيطرة الشاشة والصورة‪ ،‬أمرا مهما جدا وبالتالي ضرورة التفكير في كيفية استمرار الوظيفة‬ ‫األساسية لهذه املؤسسة بشكل يضمن للمجتمعات اإلنسانية االستمرارية في تنشئة أفرادها وتكوينهم وفق حاجات‬ ‫احلياة اليومية‪.‬‬

‫ان املجتمع الذي ال يراهن على املدرسة‬ ‫كمؤسسة ضامنة لبقائه وتطويرهوجتديده‬ ‫برعاية ناشئته وتوريثها املعارف وأمناط‬ ‫احلياة‪ ،‬فانه باألساس سيواجه بالفعل أزمات‬ ‫في شتى املجاالت من بينها التباين في مستوى‬ ‫مؤسساته وبني أفراده من حيث الكفايات بشتى‬ ‫أنواعها وبالتالي عدم االنسجام االجتماعي‬ ‫وغياب التفكير املنطقي الواحد ملستقبل هذا‬ ‫املجتمع‪ ....‬مما سيسهل األمر لكل التيارات‬ ‫االديولوجية والسياسية واالستعمارية األجنبية‬ ‫لغرض التحكم والسيطرة على مستقبل مثل هذه‬ ‫املجتمعات‪ ،‬فكل املشاكل والظواهر املجتمعية‬ ‫التي تعاني منها الدول اليوم لها صلة مباشرة‬ ‫مبستوى املدرسة وبدورها في إعداد األفراد‪ ،‬وكذا‬ ‫بدور االسرة وعالقتها بالتنشئة االجتماعية‪...‬‬ ‫و أمام هذا الدور االستراتيجي للمدرسة بشكل‬ ‫عام فإننا اليوم‪ ،‬كفاعلني تربويني وكممارسني‬ ‫ومتتبعني ملجريات التعليم‪ ،‬نطرح مجموعة من‬ ‫األسئلة اجلوهرية والتي تشكل محاور احلديث‬ ‫اليومي لكل متتبع للشأن التربوي والتعليمي في‬ ‫دول العالم الثالث أفرادا وجماعات مؤسسات‬ ‫وإدارات وهي‪ :‬ما هي مكانة املدرسة اليوم؟‬ ‫وملاذا تراجع دورها في التعليم والتعلم ؟وما‬ ‫هي االسباب احلقيقية لفشل التعليم في صناعة‬ ‫االفراد؟ أليس من الالزم التفكير في حل إلنقاذها‬ ‫من التدهور الذي أصبحت تعاني منه وبالتالي‬ ‫إنقاذ املجتمع ومستقبله برمته؟‬ ‫إنها فعال أسئلة محيرة وتبقى واقعية‬ ‫ومشروعة نظرا ملا تعكسه من حقيقة مرة للواقع‬ ‫وملكانة املدرسة‪ ،‬هذه األخيرة التي حتتاج إلى‬ ‫حلول واقعية وجذرية تعتمد على التعبئة‬ ‫الوطنية و املشاركة اجلماعية ملختلف الفاعلني‬ ‫على جميع املستويات والطبقات‪.‬كيف ذلك؟‬

‫أوال‪ :‬دور املدرسة في صناعة‬ ‫املتعلم‪.‬‬

‫للمدرسة دور كبير في اعداد وتكوين الطفل‬ ‫وتربيته‪ ،‬ويزداد هذا الدور أهمية في املجتمعات‬ ‫الثالثية‪ ،‬إذ أن املهمة التي ُتلقى على عاتق‬ ‫املدرسة تكون أشد حيوية‪ ،‬فهي مؤسسة نظامية‬ ‫تستطيع أن تسد العجز في استقالة وتراجع دور‬ ‫بعض املؤسسات التقليدية التي كانت تساهم في‬ ‫صناعة الطفل منها االسرة التي أصبحت تعاني‬ ‫اليوممن ظالل املعرفة‪  ‬احملدودة لديها في عصر‬ ‫تدفق املعلومات‪ ،‬أو في ضحالة ما تقدمه للطفل‬ ‫من معرفة وثقافة‪ ،‬نتيجة انشغالها عنه ألسباب‬ ‫عدة ‪ ،‬ومن هنا يتضاعف الدور الذي ُيلقى على‬ ‫عاتق املدرسة‪ ،‬إذ عليها أن تسد هذا العجز مبا‬ ‫تقدمه من معارف وخبرات منوعة ومنظمة‪،‬‬ ‫كل ذلك يكون وفق فلسفة محدودة تتمشى مع‬ ‫فلسفة الدولة وأهدافها‪ ،‬ومع متطلبات العصر‬ ‫احلديث‪ ،‬وأن تلبي املناهج الدراسية حاجات‬ ‫الطفل املعرفية والثقافية‪.‬‬ ‫‪        ‬وتكمن أهمية املدرسة أيض ًا في كونها‬

‫احللقة الوسط بني الطفولة املبكرة التي يقضيها‬ ‫الطفل في منزله‪ ،‬وبني مرحلة اكتمال منوه التي‬ ‫يتهيأ فيها الطفل للقيام بدوره داخل املجتمع‪،‬‬ ‫ولهذا يجب أن يكون هناك اتصال وثيق بني‬ ‫احللقات الثالث املنزل واملدرسة و الشارع‪ .‬وال‬ ‫يقتصر دور املدرسة على التلقني النظري فقط‬ ‫‪ ،‬وإمنا ينبغي أن تتكامل املعرفة واالنفعال‬ ‫واملمارسة‪ ،‬ألن االقتصار على اجلانب النظري‬ ‫يؤدي في كثير من األحيان إلى االنفصام ما بني‬ ‫القول والعمل أو تسبب له قصور تربوي في‬ ‫مستقبل حياته فأصبح من الضروري اآلن حق‬ ‫الطفل في تربية تناسب عصره وثقافة تؤهله‬ ‫للعيش والتعايش مع مستوى العالم اجلديد‬ ‫الذي أصبح قرية صغيرة ‪.‬‬ ‫‪        ‬ولكي تؤدي املدرسة دورها املنوط بها‬ ‫على الوجه األكمل‪ ،‬البد أن تتوافر لها أركان‬ ‫أساسية‪ ،‬تلك التي تتمثل في املربي(املدرس‬ ‫املوسوعة)‪ ،‬واملادة املقدمة للطفل (املادة‬ ‫املستقبلية)‪ ،‬وطرق توصيلها له (الطرق‬ ‫اإلبداعية واملتجددة)‪ ،‬وأمناط السلوك املتوافرة‬ ‫في البيئة املدرسية‪ ،‬ومتابعة ومواجهة مشكالت‬ ‫التالميذ‪ ،‬والتعليم املوازي‪ .‬هذا في الوقت‬ ‫الذي يجب التفكير في كون صناعة املتعلم‬ ‫يحتاج الى فهم نوع الصناعة التي تقدمها‬ ‫املدرسة اليوم وفي املستقبل وأن نحدد بالضبط‬ ‫مختلف التحوالت(‪(les transformations‬و‬ ‫التعديالت(‪ )les changements‬التي يجب‬ ‫احداثها في املادة األولية(املتعلم) وبالتالي‬ ‫التفكير في مواصفات (التخرج) املنتوج النهائي‬ ‫مع استحضار متطلبات الزبون والسوق وبالتالي‬ ‫العمل على توفير جميع الظروف األساسية في‬ ‫معمل اإلنتاج (املدرسة)‪...‬دون أن ننسى أن هذه‬ ‫الصناعة التي تبدو استثنائية وال يتطابق‬ ‫عليها ما وصل اليه علم االقتصاد و السوق‪،‬‬ ‫لكونها حتتاج الى دراية و علوم إنسانية تأخذ‬ ‫بعني االعتبار خصوصيات شخصية املتعلم‬ ‫االنسان التي هي شخصية معقدة و حتتاج الى‬ ‫معرفة دقيقة ملكوناتها النفسية والوجدانية و‬ ‫احلسركية والفيزيولوجية والعاطفية وكذا‬ ‫االجتماعية‪...‬كما أن ضرورة استحضار عالقة‬ ‫التنظيم اخلارجي والداخلي لبناء وصناعة هذا‬ ‫املتعلم يحتاج الى ربط وضبط هذه العالقة‪.‬‬ ‫لكن الغريب في هذه املعادلة التي تبدو بلغة‬ ‫االقتصاد سهلة فهي معقدة جدا وما يزيد هذا‬ ‫التعقيد هو أن كل املتدخلني في هذه الصناعة‬ ‫أي صناعة املتعلم هم عبارة عن منتوجات‬ ‫سابقة بسبب صناعات متعددة ووفق ظروف‬ ‫معينة كما أن هذه املادة األولية هي ليست بنفس‬ ‫املوصفات (الدخول) مثل معدن واحد أو منتوج‬ ‫فالحي واحد ويكفي فقط أن مير عبر سلسلة‬ ‫إنتاجية فنحصل على منتوج واحد و بنفس‬ ‫املخرجات‪ .‬زد على ذلك كله أن مستويات املناهج‬ ‫الدراسية املعتمدة في صناعة أطفال العالم متر‬ ‫عبر مستويات مختلفة ومتعددة ومتباينة من‬

‫املناهج اخلفية(‪ )curriculum caché‬التي‬ ‫يحددها أصحاب القرار النهائي في تسيير كوكب‬ ‫األرض الى املناهج املصرحة((‪curriculum‬‬ ‫‪ déclaré‬بها للشعوب عبر الوثائق الرسمية‬ ‫والتي تشكل السياسة التعليمية والتربوية‬ ‫للكل بلد‪ ،‬ثم املناهج املطبقة(‪curriculum app‬‬ ‫‪ (pliqué‬والتي يتم تطبيقها داخل الفصول‬ ‫الدراسية باملدرسة من طرف املعلمني واألساتذة‪،‬‬ ‫الى املناهج املكتسبة(‪)curriculum acquis‬‬ ‫من طرف املتعلمني واملتعلمات‪ ،‬ثم أخيرا‬ ‫املناهج املمارسة أي التي تصبح سلوكات‬ ‫وتصرفات عند املتعلمني في حياتهم اليومية‬ ‫والتي ميارسونها بشكل فعلي والتي تتحول‬ ‫الى تربية‪ .‬فعبر هذه املسارات واملستويات التي‬ ‫متر فيها صناعة املتعلم ميكن أن تقع و حتدث‬ ‫اختالالت وكذا تاثيرات سلبية قد جتعل املنتوج‬ ‫يتعرض لتحوالت غير مرغوبة وغير صاحلة‬ ‫ملستقبل البشرية وخصوصا اذا استحضرنا أن‬ ‫صناعة املتعلم وعبر هذه املناهج املختلفة هناك‬ ‫استمرارية وامتداد لهذه الصناعة عبر مواقع و‬ ‫أماكن أخرى غير املدرسة (املصنع األساسي) من‬ ‫اسرة وبيت واعالم وشارع و مؤسسات املجتمع‬ ‫املدني واملؤسسات الدينية‪...‬‬

‫ثانيا‪ :‬دور املدرسة في تنمية‬ ‫التفكير النقدي عند املتعلم‪.‬‬

‫لعل أهم قدرة ميكن بها مساعدة املتعلم على‬ ‫فرض ذاته وبالتالي قدرته على بناء مستقبله‬ ‫ومستقبل مجتمعه‪ ،‬هي القدرة على التفكير(‬ ‫وليس التكفير)‪ ...‬أي أن نولي األهمية القصوى‬ ‫لتعليم وتدريس التفكير(من الفكر) واعتبار‬ ‫الهدف األول واألساسي للتربية بشكل عام هو‬ ‫تعليم األطفال والتالميذ والطلبة كيف يفكرون‬ ‫عند مختلف املراحل واألعمار أي كيفية استخدام‬ ‫العقل في فهم األمور وليس فقط احلفظ اآللي‬ ‫للمادة املعرفية‪ .‬وألن استخدام العقل يجعل‬ ‫الطفل يبني معلوماته وتعلمه وبالتالي يترسخ‬ ‫في دهنه ويتمكن بذلك من توظيفه متى شاء كما‬ ‫ميكنه نقذه وتعديله‪...‬‬ ‫فأغلب املتخصصني في علم نفس النمو وعلم‬ ‫النفس التربوي والتربية يؤكدون اليوم على‬ ‫األهمية القصوى لتعليم األطفال كيف يفكرون‬ ‫ويعتبرون أن الهدف األول واألسمى واألساسي‬ ‫لكافة جهود التربية هو تعليم التفكير لألطفال‬ ‫عند مختلف املراحل واألعمار‪ .‬أي ان استراتيجية‬ ‫التعلم خير من التعلم ذاته وبالتالي نعلمه كيف‬ ‫يتعلم اي ان ال نعطيه السمكة بل ان نعلمه‬ ‫كيف يصطاد السمكة وكيف يتم تصويرها بلغة‬ ‫السينما و تسويقها بلغة االقتصاد‪.‬‬ ‫و نتيجة لذلك يؤكد جميع هؤالء املتخصصني‬ ‫على األهمية الكبرى لتضمني ما ينمي عمليات‬ ‫ومهارات وأبعاد التفكير ضمن املناهج‬ ‫الدراسية‪ ،‬بل إن الصعيد األعظم من املربني‬ ‫واملتخصصني يعتقدون أن مكونات التفكير من‬

‫مهارات وعمليات وأبعاد ينبغي أن تكون نقطة‬ ‫البداية الصحيحة التي تركز عليها كافة البرامج‬ ‫واملناهج واخلبرات واألنشطة التي تقدم لألطفال‬ ‫عند مختلف املراحل واألعمار‪.‬‬

‫املدرسة و إبداعات املتعلم‪:‬‬

‫تريد املدرسة من التالميذوصف األشياء‬ ‫فقط‪ ،‬وليس فهمها‪ .‬وهكذا فبقدر ما تفصل بني‬ ‫الوصف والفهم‪ ،‬تسيء إلى وعيالتالميذ‪ .‬فهم ال‬ ‫يتجاوزون سطح الواقع‪ ،‬وال ينفذون إلى عمقه‬ ‫إال بواسطة فهم عميقلما يجعل الواقع على ما‬ ‫هو عليه‪ .‬وربط املدرسة باالبداع رهني باملنهاج‬ ‫املعتمد و بالنموذج البيداغوجي وكذا باملوارد‬ ‫البشرية التي تلج املدرسة‪ ...‬فالطفل في االصل‬ ‫مبثابة طاقة ابداعية تتجلى اساسا في ميوالته‬ ‫للعب و فرض الذات و كثرة احلركة‪ .‬فكلما حاولت‬ ‫املدرسة استغالل هذه الطاقة الزائدة وتوفير‬ ‫اجلو املناسب لتوجيه االطفال نحو املجاالت‬ ‫املناسبة الكتشاف هذه املواهب و صقلها‪ ،‬فهي‬ ‫حتاول دعم ابداعات املتعلمني‪.‬كيف ذلك؟‬ ‫فاذا كانت املعرفة اليوم ال حتتاج الى السفر‬ ‫الى الصني والى حتمل أعباء السفر‪ ،‬فان طريقة‬ ‫واستراتيجية اختيار املعرفة املناسبة هي‬ ‫العقبة الكبيرة التي يجب على الفرد تعلمها و‬ ‫اكتساب الياتها‪ ،‬كما ان كفاية البحث و إعادة‬ ‫تنظيم املعرفة املناسبة هي كذلك اهم من املعرفة‬ ‫بذاتها‪ ...‬فاستراتيجية املعرفة أحسن من املعرفة‬ ‫بكاملها‪ .‬لكن الى أي حد استطاعت املدرسة‬ ‫اليوم‪ ،‬ان تساعد األطفال‪ ،‬و خاصة ما يسمى‬ ‫باجليل الرقمي وفي ظل عصر الصورة وعصر‬ ‫األلوان وعصر العالم االفتراضي‪ ،‬على استغالل‬ ‫طاقته اإلبداعية في مجال املعرفة اجلديدة؟‬ ‫وكيف ميكن أن نعلم الطفل كيف يفكر وكيف يتم‬ ‫توظيف العقل للوصول الى حل املشكالت؟ ثم‬ ‫كيف ميكن متلكه استراتيجيات التفكير املنطقي‬ ‫املبني على النقد وعلى اإلنتاج؟‬

‫الفكر أهم من اللغة عند املتعلم‪:‬‬

‫من بني األفكار التي تبدو خاطئة اليوم وهي‬ ‫أولوية اللغة واهميتها في تربية وتعليم‬ ‫األطفال وبالتالي خلق صراع فكري حول‬ ‫ضرورة تعلم اللغات وخاصة اللغات العلمية(‬ ‫لست ادري ما املقصود باللغة العلمية) حيث‬ ‫جند اإلباء واالمهات يتسابقون لتعليم أطفالهم‬ ‫اللغات األجنبية و يحملون أطفالهم ثقل كبير‬ ‫في اكتساب وتعلم مزيد من اللغات ليقع‬ ‫اجلميع في كون اكتساب اللغة وتعلمها هو‬ ‫األصل‪ ،‬في الوقت الذي يفتقد هذا الطفل الى‬ ‫أفكار و الى استراتيجيات التي تشكل املولد‬ ‫األساسي واحملرك الكبير لدينامية وحياة اللغة‬ ‫فهل من متة لغة دون فكر‪ ...‬قد يشير البعض‬ ‫الى ان عبر اللغة نتعلم الفكر‪ ،‬فعال صحيح لكن‬ ‫هاجس التواصل والتعبير وهاجس اكساب‬ ‫الطفل اللغة قد يجعل الفكر محدود في أمور‬ ‫بسيطة وهي التي جتعل اللغة وظيفية في أمور‬

‫‪11‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫تواصلية فقط‪ .‬لكن الذي ينمي الفكر والتفكير‬ ‫ليس مزيد من اللغات األخرى يكفي فقط وبفضل‬ ‫اللغة االم أن ننمي عند الطفل مهارات التفكير‬ ‫املنطقي والتفكير النقدي واالعتماد على طرح‬ ‫السؤال؟ وهذا لن يتحقق عبر نصوص و مقاربة‬ ‫منهجية بسيطة تعتمد على التلقني وعلى إعادة‬ ‫انتاج نفس اخلطاب‪ .‬فالتجربة أظهرت بان‬ ‫اللغات التي ال جتعل من الفكر والتفكير الهدف‬ ‫االسمى تبقى فقط سطحية وغير هادفة‪...‬‬ ‫فغياب النصوص الفلسفية والنصوص‬ ‫الشعرية و القصص والروايات و احلكايات‬ ‫واالمثال واحلكم وكذا الوضعيات العلمية‬ ‫احلقيقية‪ ،‬في املنهاج الدراسي يجعل من اللغة‬ ‫تلك السلطة التي جتعل الفكر والتفكير ملجم‬ ‫و سجني وبالتالي العودة واللجوء الى التفكير‬ ‫الداخلي عبر الصمت والقيام مبحاضرات و‬ ‫نقاشات عميقة لكن داخليا وفي صمت حتى‬ ‫يقع االنطفاء‪ .‬لسبب بسيط فقط هو أن لغة‬ ‫املدرسة ولغة التدريس تفرض على املتعلمني‬ ‫تعبيرا و تفكيرا سطحيا و مفبركا وبعيد عن‬ ‫الواقع وعن النمو الذي يحتاجه الفكر البشري‬ ‫الثوري واملستقبلي‪ .‬و آلن اللغة كأداة ابتدعها‬ ‫االنسان ليس لتفرض عليه قواعدها و سلطتها‬ ‫فينساق وراءها ‪ ،‬بل صنعها لكي تساعده على‬ ‫فهم ذاته و واقعه وكذا تنمية فكره عبر السؤال‪.‬‬ ‫وبها يستطيع أن يتقاسم أفكاره وجتاربه وكذا‬ ‫ميوالته و طموحاته و وجوده مع االخر‪ .‬فمثال‬ ‫هل املنطق الرياضي والفيزيائي وبشكل عام‬ ‫الفكر هو األساس أم اللغة التي ندرس بها‬ ‫هذه العلوم‪...‬فأطفالنا وكذا اساتذتنا اليوم‬ ‫منشغلون على فهم اللغة التي يدرس بها هذه‬ ‫العلوم أكثر من األفكار و التفكير الذي قد‬ ‫حتمله هذه العلوم‪ .‬فنبقى جنتر اللغة و نعيد‬ ‫فهم تركيبتها عبر إعادة انتاج نفس الوضعيات‬ ‫التعليمية وبالتالي نضع املتعلمني في قفص‬ ‫ونطلب منهم الطيران و توظيف االجنحة‪.‬‬ ‫وهكذا فان تعلم التفكير بشكل عام ومبختلف‬ ‫انواعه والتفكير النقدي بشكل خاص هو‬ ‫أحد أهم املهارات التي يحتاج إليها أطفال‬ ‫اليوم للنجاح في املستقبل؛ لكون هذا النمط‬ ‫من التفكير مبثابة البوابة التي تفتح لهم‬ ‫العالم على مصراعيه‪ ،‬وتنمي قدراتهم على‬ ‫االستكشاف‪ ،‬وحل املشكالت‪ ،‬وتساعدهم على‬ ‫تفهم وجهات النظر األخرى وتقبل االختالف‪،‬‬ ‫كما أنها تساعدهم على النجاح في املدرسة‪،‬‬ ‫وفي حياتهم املهنية أي النجاح في املجتمع‪(.‬‬ ‫و الن اليوم جند من جنحو في املدرسة ولكن‬ ‫فشلوا في املجتمع أو العكس و الن الهدف هو‬ ‫النجاح في املدرسة واملجتمع معا)‬ ‫األطفال في ظل حتديات هذا العصر‪ :‬يحتاجون‬ ‫ألن ميتلكوا العديد من املهارات‪ ،‬وال يكونوا‬ ‫مجرد بغبغاوات يرددون ما ميليه االخرون‬ ‫عليهم من معلومات؛ يجب أن يكونوا مفكرين‬ ‫ناقدين‪ ،‬ميكنهم فهم املعلومات والتحليل‬ ‫واملقارنة‪ ،‬وتقدمي االستدالالت وتوليد مهارات‬ ‫التفكير العليا‪ .‬لذلك يجب على املدرسة وعلى‬ ‫جميع من لهم عالقة باألطفال من اباء و معلمني‬ ‫وأساتذة أن يجعلوا من التفكير الناقد هدفا‬ ‫اسمى لغرسه في األطفال منذ صغرهم‪ .‬وبالتالي‬ ‫استحضار أن العقل البشري هو مبثابة عضلة‬ ‫حتتاج الى التمرين والرياضة الفكرية لتنمو‬ ‫منو صحيحا وليس كوعاء منأله فقط بالسلعة‬ ‫املعرفية دون البناء املنطقي واالستداللي‪.‬‬ ‫فتنمية مهارة السؤال وخاصة السؤال املفتوح‬ ‫ثم االعتماد على االلغاز واملسائل والوضعيات‬ ‫املعقدة والنصوص األدبية الصحيحة وليس‬ ‫الوظيفية وعلى تنمية الفرضيات والتحقق‬

‫منها وكذا مهارة التلخيص و استخراج‬ ‫األفكار و التعود على اإلنتاج والنقد‪ ،‬من‬ ‫بني الطرق املمكنة اعتمادها ضمن املناهج‬ ‫الدراسيةلصناعة املتعلم و التي بفضلها‬ ‫ميكن تنمية مهارة التفكير النقدي للمتعلمني‪.‬‬ ‫وبالتالي اسحضار صناعة املتعلم عن طريق‬ ‫املدرسة وليس متعلم الصناعة التي تفكر فيه‬ ‫املدرسة اليوم أي محاولة إعادة انتاج متعلمني‬ ‫وفق الوظائف التي حتددها الثورة الصناعية‬ ‫والتكنولوجية خلدمة الشركات العمالقة والتي‬ ‫تسعى وراء الربح املادي بالدرجة األولى و‬ ‫ال تفكر في مستقبل العالم الذي هو رهني‬ ‫بالتربية املستقبلية والصناعة احلقيقية ألطفال‬ ‫العالم(انهم خلقوا لزمن غير زمانكم)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬صناعة املتعلم (الطفل)‬ ‫بني مستقبل املدرسة و مدرسة‬ ‫املستقبل‪:‬‬

‫و نحن نتحدث عن صناعة الطفل واملستقبل‪،‬‬ ‫يظهر لنا من األمر أن نشير هنا إلى طبيعة‬ ‫املدرسة التي سيلجها الطفل مستقبال من حيث‬ ‫ما يخطط لها في يومنا هذا من لدن صناع القرار‬ ‫في الوقت الراهن‪ ،‬ثم ما ميكن التنبؤ به وفي ظل‬ ‫قراءتنا ملا ميكن أن يحدثه التغير االجتماعي‬ ‫واحلتمية التاريخية‪...‬وإميانا منا بأن املستقبل‬ ‫هو الشغل الشاغل لعلماء الدراسات املستقبلية‪،‬‬ ‫وأن هؤالء يتباينون في قراءاتهم ملا سيشاهده‬ ‫العالم مستقبال‪ ،‬فإن األمر الواقعي والذي ال‬ ‫ميكن أن يختلف عليه إثنان هو أن التغيير‬ ‫وارد ومحتوم وبالتالي هنا تبرز ضرورة إعداد‬ ‫أطفالنا لهذا التغيير الذي سيقع وخاصة على‬ ‫املستوى التربوي والتنشئة االجتماعية فماذا‬ ‫عن مدرسة املستقبل؟ وهل هي مدرسة الكترونية‬ ‫محضة؟ وما هو مصير املدرسة التقليدية؟‬ ‫من بني اهم ما يجب أن ترتكز عليه مدرسة‬ ‫املستقبل في صناعة املتعلم و من اجل االحتفاظ‬ ‫وصون مستقبل هذه املدرسة التي بدأت تستقل‬ ‫في وظائفها التي صنعت من اجلها من طرف‬ ‫املجتمع جند أنه من الضروري استحضار‬ ‫النقط التالية ‪:‬‬ ‫< االهتمام بالتعليم الزراعي و الفالحي‬ ‫ألن املشكلة التي سيواجهها العالم مستقبال‬ ‫ستكون مشكلة الغذاء والقوت اليومي وبالتالي‬ ‫االمن الغذائي‪.‬‬ ‫< االهتمام بالتربية البيئية وخاصة ما‬ ‫يتعلق باملاء ألن من بني املشاكل املطروحة‬ ‫مستقبال مشكلة املاء ومشكلة التلوث الصناعي‬ ‫وزيادة التسممات واالمراض‪.‬‬ ‫< التربية على األخالق وعلى القيم ‪....‬‬ ‫مستقبال سيزداد العنف واجلرمية بشكل كبير‬ ‫جدا وخاصة مع تزايد وسائل الرفاه وكذلك‬ ‫الفوارق الطبقية واملادية املتوحشة‪.‬‬ ‫< التربية الدينيةأي االهتمام بالدين بغض‬ ‫النظر عن نوعه‪ ..‬وألن اإلنسان جسد وروح‬ ‫وعقل فإذا وصل اإلنسان اليوم إلى أعلى‬ ‫مستويات إلشباع اجلسد بكل ما يحتاج إليه‬ ‫من ملذات الدنيا فإن مستقبال سيواجه أطفالنا‬ ‫مشكلة التوازن النفسي وتوازن الشخصية إذ‬ ‫سيطغى اجلانب اجلسديالبهائمي على الروحي‬ ‫و العقلي بالتالي تبقى قيمة احلياة غير صاحلة‬ ‫وهنا ستظهر تصرفات غير إنسانية كاللجوء‬ ‫إلى االنتحار أو إلى االنفجار أو حاالت مرضية‬ ‫نفسية مستعصية سببها غياب مفهوم احلاجة‬ ‫عند الفرد والتي هي أساس وقيمة احلياة‬ ‫البشرية ‪.‬فما قيمة احلياة عند طفل وفر له كل ما‬ ‫يحتاجه من نقود ومن جميع التجهيزات ومن‬ ‫كل ما يحتاجه ماديا‪.‬فنهاية احلياة بالنسبة له‬

‫ملف‬ ‫قد وصلت وسيتساءل ملاذا جاء إلى هذا العالم‬ ‫و ما دوره إذن؟‬ ‫< التربية الصحية وبشكل كبير جدا ألن‬ ‫املشاكل الصحية ستتفاقم مستقبال وستزداد‬ ‫األمراض بشكل كبير ورمبا قد تظهر أمراض‬ ‫خطيرة وذلك يسبب الثلوت الصناعي والفكري‬ ‫والنفسي والديني ‪.‬املتزايدة اليوم وبشكل‬ ‫ملفت للنظر وألن الهاجس املادي جعل كل هذه‬ ‫املتلوثات تتزايد‪.‬‬ ‫< اإلهتمام بالعلم النافع والصالح وتغدية‬ ‫العقول وتنويرها لبناء املجتمعات وليس ذلك‬ ‫العلم اإليديولوجي املبني على سياسة فرض‬ ‫الوجود ولو بالقوة وما يساعد على خلقها‬ ‫من أسلحة ومنتجات تخريبية للحضارة‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫< العودة إلى الكتاب املدرسي وليس القرص‬ ‫املدرسي وال احلقيبة االلكترونية التي يتجه‬ ‫إليها العالم اليوم ومع االنفجار املعلوماتي‬ ‫والثورة اإللكترونية ‪.‬‬ ‫< ضرورة التخطيط واالستعداد لثورة‬ ‫بعد الثورة التكنولوجية والتي تهتم بالتربية‬ ‫والتعليم أو ما ميكن أن نسميه بالثورة التربوية‬ ‫أو ثورة التربية‪.‬‬ ‫< التربية على العدالة االجتماعية واملساواة‬ ‫اإلنسانية والكرامة وعلى احلرية وبالتالي‬ ‫محاولة التخلي على تلك الطبقية املفرطة التي‬ ‫أصبحت اليوم عنوان الليبرالية املتوحشة‬ ‫والتي اتخذت العوملة شعارا لها‪.‬فعوض العوملة‬ ‫ننادي باألنسنة و باملساواة البشرية أو ما‬ ‫ميكن نعته باآلدمية نسبة إلى أصلنا الواحد‬ ‫وأبونا آدم عليه السالم‪.‬‬ ‫< النظر إلى اإلنسان كإنسان وليس كآلة‬ ‫أو شيء ميكن التحكم فيه أو ميكن صنعه‬ ‫عن طريق االستالب‪ .‬وبالتالي مثل منتوج(في‬ ‫ضرورة مواجهة علم السبرنيطيقا)‪.‬‬ ‫< ضرورة إعادة النظر في مفهوم العلم بشكل‬ ‫عام والنافع بشكل خاص‪ :‬ألن العلم وكما نعلم‬ ‫كان ومازال وسيبقى السر الكامن وراء تقدم‬ ‫البشرية وتفوقها لكن شريطة أن يتحول هذا‬ ‫العلم إلى ثقافة كما أكد على ذلك روني ماهو‬ ‫(مدير سابق لليونسكو) عندما قال بأن “ التقدم‬ ‫هو العلم الذي يتحول إلى ثقافة” والثقافة ال‬ ‫تكتسب إال عن طريق التربية وبالتالي يجب‬ ‫اقتران العلم بالتربية وخاصة في عالم اليوم‬ ‫الذي هو عالم الصورة والتقنية‪ ،‬وفي املستقبل‬ ‫الذي سيزداد أكثر تعقيدا نظر لتعدد مصادر‬ ‫املعرفة والعلم‪.‬واالميان بثقافة العلم التي هي‬ ‫ثقافة التغيير أي تغيير العالم عن وعي وعن‬ ‫ارادة وليس مجرد فهمه او تأمله او فك طالمسه‬ ‫او النظر الى الظواهر باعتبارها اعجازا‪...‬‬ ‫كما ان ثقافة العلم هي ثقافة االميان بقيمة‬ ‫االنسانية‪.‬‬ ‫< االنطالق من مبدأ املصاحلة مع الذات‬ ‫االنسانية أوال ثم التفكير في املستقبل و كيفية‬ ‫تفاعل الذات مع العالم اخلارجي و استحضار‬ ‫أن صناعة األطفال حتتاج الى تنظيم خارجي‬ ‫محكم ومحدد لكي يتم التنظيم الداخلي للذات‬ ‫التي ستتفاعل مع االخر‪.‬‬ ‫< اعتبار مرحلة الطفولة مرحلة قائمة الذات‬ ‫وليست مرحلة عابرة وبالتالي يتحكم فيها‬ ‫الراشد حسب فلسفته وحسب سياسته‪ ،‬فهل‬ ‫فعال نترك لألطفال ليعيشوا مرحلتهم ولهم‬ ‫القرار ام البد من الوصاية ونفكر ونقرر في‬ ‫مكانهم وبالتالي نحتاج فعال الى صناعتهم‬ ‫كما نريد‪.‬‬ ‫وخالصة القول ميكن التأكيد على ضرورة‬ ‫اإلهتمام بالتربية اإلنسانية واملدنية والتي‬

‫تركز على استعمال العقل من أجل التفكير‬ ‫والتعليم وبالتالي العمل بشكل جماعي خلدمة‬ ‫املبادئ اإلنسانية التي هي باألساس قانون كل‬ ‫الشعوب ‪...‬‬

‫على سبيل اخلتم‪:‬‬

‫علينا جميعا ان نعي اوال بان خطأ الطبيب‬ ‫يدفن حتت االرض وخطأ املهندس يقع على‬ ‫االرض بينما خطأ املدرس ميشي على االرض‬ ‫وبالتالي فكل سياسة تربوية تعليمية ال تقدر‬ ‫حجم االخطاء التي تلج املدرسة وبالتالي صناعة‬ ‫املتعلم في جميع املجتمعات التي تقدر نفسها و‬ ‫حتترم التزاماتها أمام التاريخ وأمام شعوبها‪،‬‬ ‫فهي ستكون ال محالة في سلة مهمالت التاريخ‬ ‫وبالتالي ضياع اجلهد وضياع الوقت‪.‬و ليس‬ ‫بسيطا ان نكتب ونفكر للطفولة‪ ،‬ليس ألنها كما‬ ‫أشرت سابقا‪ ،‬هي مستقبل البشرية فقط لكن ألنه‬ ‫يصعب أن نتقمص دور الطفل ونحاول ان نفكر‬ ‫كما يفكر وان نحس كما يحس‪...‬ولهذا فصعوبة‬ ‫ان نكون أطفاال فيزيولوجيا وان نرجع الزمن‬ ‫الى الصفر ونبدأ من جديد‪ ،‬مثل صعوبة ان‬ ‫نحدد بدقة ماذا يريد األطفال بالضبط‪ ...‬فدور‬ ‫املدرسة في صناعة املتعلمنود من خاللها ان‬ ‫نبني اهم اخلالصات التي توصلنا اليها ونحن‬ ‫نستحضر الرؤية املستقبلية لتربية واعداد‬ ‫األطفال في هذا العالم وبالتالي محاولة اجلمع‬ ‫بني جميع الصفات املمكنة لنا كراشدين والتي‬ ‫تقربنا بشكل كبير جدا الى ان نكون أطفاال ولو‬ ‫حلظة واحدة‪ .‬فهي قد تكون حلظة تفكير في‬ ‫طفولتنا او في أبنائنا أو في تالمذتنا آو في‬ ‫إخواننا‪...‬و بشكل اكثر دقة هي حلظة التفكير‬ ‫في مستقبل البشرية ومستقبل االنسانية‬ ‫ومستقبل العالم برمته‪ .‬وهل فعال تلعب املدرسة‬ ‫دورا رياديا في صناعة املتعلم الطفل ام هي فقط‬ ‫تسعى الى متعلم للصناعة؟ ثم ما نوع الصناعة‬ ‫التي نحن بصددها؟ وهل صناعة العالم الثالث‬ ‫هي نفس صناعة الدول التي توصف باملتقدمة؟‬ ‫أم ان االمر محسوم عن طريق تقسيم االدوار‬ ‫و بالتالي جعل املدرسة فقط كبوابة لصناعة‬ ‫متعلمني خلدمة مصالح النخبة التي تسير‬ ‫العالم أي العمل على خلق مناهج وبرامج‬ ‫تبدو ظاهريا بانها في خدمة التعليم ولكن في‬ ‫االساس هي خلدمة ضمان استمرارية العربة‬ ‫واحلصان‪ .‬أم أن القدر والطبيعة حتتاج الى‬ ‫الثنائية في جميع االمور حتى في صناعة‬ ‫البشر واعداد الرأسمال البشري‪.‬‬ ‫فاذا كان شعار مرحلة التنوير أو عصر األنوار‬ ‫في القرن ‪ 17‬و ‪ 18‬في أوروبا هو استعمال‬ ‫العقل بفضل املعرفة‪« :‬لتجرأ على املعرفة ‪ ،‬ولتكن‬ ‫لديك الشجاعة على إعمال عقلك اخلاص» فإننا‬ ‫اليوم في دول العالم الثالث نحتاج إلى فترة‬ ‫أكثر بكثير من عصر األنوار وأن يكون شعارها‬ ‫‪ »:‬اعتمد على نفسك وعلى عقلك وليكن العلم‬ ‫واملعرفة سالحك‪ ،‬فالعقل أوال والعقل أخيرا»‪.‬‬ ‫وهذا من أجل خلق مجتمعات تساير بالدرجة‬ ‫األولى ما وصلت وما تصل اليه املجتمعات‬ ‫املتقدمة‪ ،‬وأن تخرج بدورها من منطق اإلستهالك‬ ‫والتفرج واالنطواء على النفس وتغذية اجلسد‬ ‫فقط في غياب تغذية الروح والعقل‪.‬ومن موقف‬ ‫التعجب واالستغراب؛ الى مرحلة اعمال العقل‬ ‫واالهتمام باملدرسة و اصالح التعليم والعناية‬ ‫بتنمية الشخصية والتفكير في كيفية صناعة‬ ‫املتعلم داخل حجرة الدروس‪...‬‬

‫(‪ - Iyider‬النقوب)‪ /‬ورزازات‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫التعليم عن بعد وسؤال التربية‬

‫ذ‪/‬محمد الريفي*‬

‫لعله من نافلة القول‪،‬التأكيد على أن املدرسة ببعدها املكاني واالعتباري تأخذ حيزا تربويا كبيرا في حياة‬ ‫األبناء‪،‬فهي املكان الذي يتعامل فيه املتعلم مع أقران يشابهونه في العمر واالهتمامات والثقافة والسلوكيات‪،‬وكل‬ ‫هذه عوامل مؤثرة وصانعة في شخصية الطفل املراهق‪،‬إضافة إلى تعامل املتعلم مع املدرس باعتباره مصدرا‬ ‫للمعلومة أوميسرا للوصول إليها‪،‬كل هذا يترك أثره في شخصية الطفل ‪.‬‬

‫إن واقع احلالة الوبائية التي يعرفها‬ ‫العالم بسبب انتشار وباء فيروس كورونا‬ ‫«كوفيد‪»-19‬عجل برياح التغيير‪ ،‬و وضع‬ ‫باليني البشر حول العالم وجهً ا لوجه‬ ‫أمام منظومة «التعليم عن بعد»‪.‬وفرض‬ ‫ضرورة سلك منعطفات أخرى ‪ ،‬وتبني‬ ‫استراتيجيات و أساليب كانت باألمس‬ ‫القريب من باب التشهي البيداغوجي‬ ‫والفضول الرقمي فأصبحت من أوليات‬ ‫املسالك لضمان استمرارية بيداغوجية‪.‬‬ ‫ال مراء في أن التعليم عن بعد له‬ ‫إيجابيات عديدة و فضائل محمودة كما‬ ‫ونوعا‪ ،‬ومن ثم كان من السذاجة رده و‬ ‫اإلعراض عنه ‪ ،‬لكن في املقابل ال ينبغي‬ ‫أخذه على عالته وهناته ‪ ،‬من هنا تنبري‬ ‫مجموعة من األسئلة ‪ ،‬من قبيل‪:‬‬ ‫هل النجاح في التعليم عن بعد هو‬ ‫جناح في التربية ؟‬ ‫هل التعليم عن بعد مسعف في اكتساب‬ ‫املتعلم للقيم الشرعية واحلقوقية‬ ‫والكونية لإلنسان؟‬ ‫بلغة األرقام ‪ ،‬كيف سيقضي املتعلم ‪-‬‬ ‫املغربي مثال‪ -‬حوالي ألف ساعة تقريبا‬ ‫التي كانت مجاال تداوليا و فضا ًء رحبا‬ ‫لكثير من التفاعالت السوسيولوجية‬ ‫والسيكولوجية و السيكو بيداغوجية‬ ‫التي أسست جلملة من القيم األخالقية‬ ‫وحقوق اإلنسان؟‬ ‫هل األسرة قادرة على تعويض هذا‬ ‫الفراغ؟‬ ‫أليس التركيز فقط على املعارف ‪-‬وهو‬ ‫الغالب في مجال التعليم عن بعد‪-‬هو‬ ‫انحدار نحو بناء اإلنسان اآللة بدل‬ ‫اإلنسان اإلنسان ؟‬ ‫طبعا ليس القصد من إثارة تلكم‬ ‫األسئلة دعوة إلى التيئيس و تثبيط‬ ‫العزائم والدعة عن املبادرة والفعل ‪ ،‬بل‬ ‫هي إملاعات يراد لها أن تكون بساطا‬ ‫للتداول وأرضية للتعزيز واإلغناء‪ .‬حتى‬ ‫ال نقع في الداء ونحن نريد الدواء‪.‬‬ ‫قبل الدلف إلى حيثيات املوضوع و‬ ‫تفاصيله ‪ ،‬والتزاما باملنهجية العلمية‬ ‫‪،‬البد من جتلية مفردات املقالة ‪ ،‬ذلكم أن‬ ‫احلكم على الشيء فرع عن تصوره‪.‬‬

‫التعليم عن بعد‬

‫التعليم عن بعد ‪Distance Learning‬‬ ‫هو أحد طرق التعلم العصرية ويعتمد‬ ‫أساسا على قيام املدرس بإلقاء دروسه‬

‫من الفصل االفتراضي‪ ،‬ويستقبل املتعلم‬ ‫الدرس وهو في بيته أو في مدينته‪ ،‬أو‬ ‫في أي مكان من العالم‪ ،‬ويفتح الفصل‬ ‫االفتراضي أمام اجلميع للمناقشة‬ ‫التفاعلية واملشاركة الفصلية بشكل‬ ‫يحقق الفائدة لكل الطالب من أي مكان‬ ‫في العالم‪)1(.‬‬

‫التربية‬

‫تتعدد تعاريف الفالسفة وعلماء‬ ‫النفس التربوي ملصطلح التربية بتعدد‬ ‫زوايا النظر إليها‪ ،‬لكنها في محصلتها‬ ‫منو الفرد في جميع‬ ‫تقود إلى ضرورة‬ ‫ّ‬ ‫جوانب شخص ّيته‪،‬وتسيربه نحو كمال‬ ‫وظائفه عن طريق التك ّيف مع مايحيط‬ ‫به‪،‬ومن حيث ما حتتاجه هذه الوظائف‬ ‫من أمناط سلوك وقدرات‪.‬‬ ‫يحددها دور كهامي بقوله‪ :‬هي الفعل‬ ‫الذي متارسه األجيال الراشدة على‬ ‫األجيال الراشدة على األجيال الصغيرة‬ ‫التي لم تصبح بعد ناضجة ومؤهلة‬ ‫للحياة االجتماعية‪2.‬‬ ‫من جهة أخرى ‪ ،‬يعرفها اإلمام الغزالي‬ ‫في كتابه أيها الولد‪،‬حيث بني أن التربية‬ ‫هي الفارق والفاصل بني اإلنسان‬ ‫واحليوان‪،‬فهي األساس واملنطلق‬ ‫والضرورة في صالح الفرد وفي صالح‬ ‫املجتمع‪،‬والسبيل إلى حتقيق التمدن‬ ‫والسعادة لإلنسان واالرتقاء من‬ ‫احليوانية إلى اإلنسانية‪)3( .‬‬ ‫يفهم من ذلكم ‪ ،‬أن التربية مشروع‬ ‫مجتمعي‪ ‬و استثمار تنمويي خدم الفرد‬ ‫واملجتمع ‪ ،‬وال سبيل إليه إال مبحددات‬ ‫ومعايير تشمل شخصية املتعلم في‬ ‫أبعاده املختلفة معرفيا ونفسيا ومنهجيا‬ ‫وقيميا وسلوكا‪.‬‬ ‫التربية والتعليم عن بعد‪ ...‬أية عالقة؟‬ ‫إن أزمة القيم التي تنخر جسد املجتمع‬ ‫املغربي خاصة هي في أحد أسبابها‬ ‫راجعة باألساس إلى حالة اإلفراط‬ ‫والتمادي في إشباع منابع اإلنسان‬ ‫املادية على حساب باقي اجلوانب‬ ‫األخرى‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى حالة من‬ ‫عدم التوازن بني مكونات الشخصية‬ ‫اإلنسانية ‪ ،‬فتبرز تبعا لذلك ظواهر‬ ‫اجتماعية مدمرة ‪ ،‬كالسرقات والغش‬ ‫ومظاهر الفساد بأنواعه‪ .‬وإذا كان هذا‬ ‫مفتقر في التعليم احلضوري بخصائصه‬ ‫التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية‪،‬‬

‫فهو من باب أولى في التعليم عن بعد‬ ‫‪ ،‬الذي يتم التركيز فيه بالدرجة األولى‬ ‫على املعارف النظرية التي يصعب معها‬ ‫وبها صناعة اإلنسان املواطن الصالح‬ ‫القادر على االرتقاء بذاته أوال وحتقيق‬ ‫البعد التنموي ملجتمعه ثانيا‪.‬‬ ‫يقول فتح الله كولن في كتابه «ونحن‬ ‫نبني احلضارة»‪ :‬التكنولوجيا ليست‬ ‫نورا وضياء جلميع املجتمعات «‪،4‬‬ ‫مبعنى أن عمليات التنزيل والتفعيل‬ ‫لكل مشروع إصالحي ال سيما ما كان‬ ‫له وشيج تعلق بالفكر والثقافة ‪ ،‬ينبغي‬ ‫أن تسبقه حالة من االستعداد و القابلية‬ ‫لذلكم وإال كان وباال على األمة‪،‬‬ ‫ومن جهة أخرى ‪ ،‬ينبغي أن نكون‬ ‫صرحاء مع أنفسنا ‪ ،‬ونقرر بالضبط‬ ‫ماذا نريد من املنظومة التعليمية سواء‬ ‫احلضورية أو عن بعد؟ هل نريد تعليما‬ ‫معرفيا وعلميا وتقنيا تأهيال لسوق‬ ‫الشغل ويكون هذا من أولياته؟ أم أننا‬ ‫نريد فضال على ذلكم تكوين « الشخص‬ ‫املواطن» املتشبع بقيم الفضيلة والكرامة‬ ‫واحلرية احملصن ضد االستالب الفكري‬ ‫والغزو الثقافي‪.‬‬ ‫من هذين املنطلقني‪،‬نحتاج لتوازن كبير‬ ‫بني التربية والتعليم من حيث الكمية‬ ‫والنوعية‪،‬ونحتاج لنظم تعمل على‬ ‫التمازج الدقيق بينهما‪،‬ليكون اإلنسان‬ ‫لدينا نتاج متازج متوازن‪.‬‬ ‫إن االنحياز للنتاج األحادي على الرغم‬ ‫من أهميته ‪ ،‬إال أنه منزع خطير‪،‬فإن‬ ‫املعرفة والعلم والتقنية مهما بلغت من‬ ‫اإلتقان والعبقرية‪،‬من دون نتاج تربوي‬ ‫أو بنتاج تربوي سيئ‪،‬مآله كثير من الع‬ ‫نصرية‪،‬واالحتقار‪،‬والشعور باالستعالء‬ ‫وما ينتج عن كل هذا من تصرفات‬ ‫وقوانني ونظم‪،‬ستؤدي إلى دمار كبير‬ ‫على البشرية كلها‪،‬فالتربية هي واحدة‬ ‫من ضمانات احترام اإلنسان ألخيه‬ ‫اإلنسان‪.‬‬ ‫علينا أن نصل إذا إلى جتسير الوثاقة‬ ‫بني التربية والتعليم ‪ ،‬بني املعرفة‬ ‫والقيم‪ ،‬بني اإلنسان واآللة‪ ،‬الن األولى‬ ‫باخلصوصيات‬ ‫االحتفاظ‬ ‫تضمن‬ ‫الثقافية والقيمية ‪ ،‬وعدم االغتراب في‬ ‫األنساق الثقافية الوافدة ‪ ،‬والثانية‬ ‫تؤمن السياقات العلمية واملنهجية‬ ‫ملواكبة مستجدات العصر و تغيراته‪،‬‬ ‫استمدادا وإمدادا‪.‬‬

‫من اجل ذلك‪ ،‬هذه بعض املقترحات‬ ‫حول سبل مد الصلة بني التعليم عن بعد‬ ‫وبني املقومات التربوية والقيمية‪:‬‬ ‫< تعزيز النموذج البيداغوجي املعتمد‬ ‫وتكييفه مع اخلصائص التربوية‬ ‫والبيداغوجية للتعليم عن بعد‪.‬؛‬ ‫< توسيع اخلريطة املعرفية للبرامج‬ ‫واملقررات التعليم والتكوينية بإدماج‬ ‫البرمجيات التربوية اإللكترونية ‪،‬‬ ‫وتعزيز التعلمات املستندة إلى البرامج‬ ‫الرقمية ؛(‪)5‬‬ ‫< إدماج املقاربة القيمية واحلقوقية‬ ‫في صلب املناهج وبرامج التعليم عن‬ ‫بعد؛‬ ‫< احلرص على حتقيق التوازن بني‬ ‫مختلف أبعاد الشخصية اإلنسانية؛‬ ‫< التفكير في صيغ عن بعد لترسيخ‬ ‫البعد التربوي والقيمي إلى جانب‬ ‫التعليمي واملعرفي؛‬ ‫< إحداث مراصد وطنية وجهوية تطلع‬ ‫برصد وتتبع قضايا السلوك املدني‬ ‫داخل منصات التعليم عن بعد‪ ،‬ومواكبة‬ ‫مناهج وبرامج التربية القيمية‪ ،‬وتقييم‬ ‫آثارها على مستوى الفاعلني التربويني‬ ‫واملتعلمني وشركائهم‬ ‫< تقوية الروابط املباشرة والتواصل‬ ‫املنتظم مع األسر ومؤسسات املجتمع‬ ‫املدني‪ ،‬وإشراكهم في الفعل الثقافي‬ ‫التدبيري ؛‬ ‫< إدماج تكوينات جديدة للفاعلني‬ ‫التربويني في مجال تدبير التربية‬ ‫القيمية واملدنية وحقوق اإلنسان؛‬ ‫< التفكير في صيغ أخرى للتقومي عن‬ ‫بعد ال سيما املتعلق بالقيم‪.‬‬ ‫*أستاذ العليم الثانوي‬ ‫التأهيلي‬

‫الئحة املصادر واملراجع‪:‬‬

‫محمد حسن العمايرة (‪ ،)1999‬التربية‬ ‫(‪ )1‬‬ ‫والتعليم في األردن منذ العهد العثماني حتى عام‬ ‫‪( 1977‬الطبعة األولى)‪ ،‬األردن‪ :‬دار املسيرة للنشر‬ ‫والتوزيع والطباعة‪ ،‬صفحة ‪.43‬‬ ‫(‪)2‬عبد الكرمي غريب‪ :‬املنهل التربوي ‪،‬‬ ‫معجم موسوعي في املصطلحات البيداغوجية‬ ‫والديداكتيكية والسيكولوجية ص ‪.845‬‬ ‫(‪ )4‬محمد فتح الله كولن‪ :‬ونحن نبني احلضارة»‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية ‪ ،‬دار النيل للطباعة والنشر ‪2011 ،‬م‬ ‫‪،‬ص ‪.7‬‬ ‫(‪ )3‬أبو حامد الغزالي(‪505‬ه)‪« ،‬أيهالولد»‪ ،‬الطبعة‬ ‫الرابعة ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية ‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫(‪ )5‬الرؤية االستراتيجية إلصالح املدرسة املغربية‬ ‫‪ ،2015-2030‬ص ‪.57‬‬

‫‪13‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫هل يصبح التعليم رقميا ؟‬

‫ملف‬

‫يعتبر التعليم ‪ ،‬من أهم القطاعات التي تأثرت بأزمة كورونا ‪ .‬لذلك كان لزاما مواجهة املرحلة ‪ ،‬بأقل األضرار‬ ‫‪ .‬وعليه اعتمدت السلطات التعليمية املركزية مجموعة تدابير ‪ ،‬إلنقاذ السنة الدراسية ‪ ،‬وتفادي توسع إصابات‬ ‫الفيروس ‪ ،‬حتت يافطة التعليم الرقمي (التعليم عن بعد) ‪.‬‬ ‫ذ ‪ .‬خليل غول*‬ ‫أزمة كورونا إذن‪ ،‬جعلت التعليم الرقمي في‬ ‫الواجهة‪ ،‬كخيار استراتيجي ال بديل عنه‪ .‬رغم‬ ‫غياب العدة الكافية له‪ ،‬وما حصل فيه من ارتباكات‪،‬‬ ‫على مستوى التواصل بني مختلف الفاعلني‬ ‫التربويني‪ .‬يعني أن هذا النموذج‪ ،‬عمل على‬ ‫حتقيق االستمرارية البيداغوجية‪ ،‬بأشكال متنوعة‬ ‫في سيرورتها و مواقعها والياتها ومعارفها‪...‬‬ ‫هذا الوباء‪ ،‬بفجائيته وشراسته‪ ،‬جعل العالم‬ ‫يعتمد إجراءات احترازية‪ ،‬على مختلف األصعدة‪.‬‬ ‫خصوصا الصحية منها والتعليمية‪ .‬جعل أيضا‪،‬‬ ‫البشر متساوين‪ ،‬من حيث احلذر والتخوف واحلجر‬ ‫املنزلي‪ ،‬والتداعيات الصحية والسيكولوجية‪،‬‬ ‫وسلطة املؤسسات االجتماعية‪ .‬أصبح مبوجبه‬ ‫ترقب الواقع اليومي‪ ،‬ملتابعة مستجدات الوباء‬ ‫على مستوى اإلصابات‪ ،‬الشفاء‪ ،‬الوفيات‪ .‬ترقب‬ ‫انفتح أيضا على العالم‪ .‬وأصبحنا مبوجبه نشعر‬ ‫بأننا ننتمي – بالفعل – إلى مجتمع إنساني‬ ‫واحد‪ .‬سادت فيه قيم اإلخاء والتضامن واملساواة‪.‬‬ ‫أمام هذا القدر أو احملنة‪ ،‬ال سابق لها‪...‬‬ ‫املرحلة طرحت معها إشكاالت‪ ،‬على املستوى‬ ‫التعليمي التربوي‪ ،‬وسبل اخلروج من نفق األزمة‪،‬‬ ‫إلنقاذ السنة الدراسية‪ .‬لذلك اعتمدت الوزارة‬ ‫الوصية على إبعاد كل تفكير‪ ،‬في سنة بيضاء‪.‬‬ ‫اعتبارا للنسبة املتقدمة في إجناز املقررات‪ ،‬التي‬ ‫تراوحت بني ‪ 60‬و ‪ ،75%‬الى حدود يوم ‪ 16‬مارس‬ ‫‪( .2020‬هي نسب تباينت من حيث طبيعة املواد أو‬ ‫األساتذة أو املؤسسات )‪.‬‬ ‫إن أزمة وباء كورونا‪ ،‬ستمهد الطريق للتحول‬ ‫في مسار التعليم والياته‪ .‬فهل سيكون هو نفسه‪،‬‬ ‫بكل مقوماته كما هو عليه‪ ،‬بعد اخلروج من املرحلة‬ ‫الوبائية ؟ ونفس السؤال ينسحب على قطاعات‬ ‫أخرى‪ .‬مبعنى آخر هل كورونا ستجعلنا أمام‬ ‫قطيعة ابستيمولوجية‪ ،‬بني ما قبلها وما بعدها ؟‪.‬‬ ‫جند أنفسنا أمام رهانات‪ ،‬يطبعها االستفهام‬ ‫والتساؤل‪ ،‬ملا سيؤول إليه الوضع بعد مرحلة‬ ‫كورونا‪ .‬ما الذي سوف يتغير‪ ،‬وكيف؟‬ ‫نقر مبدئيا أن التغيير سيطال جوانب ال حصر‬ ‫لها من مكون الدولة‪ ،‬من حيث استراتيجياتها‬ ‫التدبيرية وأنظمة هياكلها وفلسفتها‪ ،‬وعلى‬ ‫املستوى الفردي‪ ،‬اإلنسان الفرد من حيث كينونته‬ ‫النفسية و املجتمعية‪ .‬السوسيو‪-‬اقتصادية‪،‬‬ ‫والسياسية‪ .‬قد ال يختلف اثنان‪ ،‬في أن اخلروج من‬ ‫باب األزمة يجب أن يتوجه صوب مداخل العلم من‬ ‫حيث التخطيط والتدبير احملكم‪ ،‬ملختلف املجاالت‪.‬‬ ‫من اجل كسب املناعة‪ ،‬ورهان ركب التنمية‬ ‫الصحيح‪.‬‬ ‫إن التعليم الرقمي‪ ،‬سيصبح واقعا‪ .‬وستفرض‬ ‫كورونا مستقبال جديدا‪ ،‬سيتم االندماج فيه‬ ‫قسرا‪ .‬متاشيا مع متطلبات العصر التقنية حتى‬ ‫ال يتخلف عن الركب‪ .‬ستهيمن التكنولوجيا على‬ ‫ثقافة التعليم‪ .‬على كثير من األشغال‪ ،‬اإلدارية‪،‬‬ ‫والتربوية‪ .‬وستحتضنها كل البيوت‪.‬‬ ‫ستكون التكنولوجيا – بهذا املعنى –و في‬ ‫املستقبل القريب‪ ،‬من املستلزمات األساسية‬ ‫للتعليم‪ .‬وستكون آليات التواصل التقني بدائل‬ ‫عن األدوات التقليدية التي تتأثث بها العملية‬ ‫التعليمية‪ ،‬من ‪ :‬السبورة‪ ،‬الصور والكتاب‪،‬‬ ‫ومختلف وسائل اإليضاح‪ ...‬سيحل محلها‪ ،‬الهاتف‬

‫الذكي واحلاسوب واملسطحات (‪.)tablettes‬‬ ‫املرحلة إذن‪ ،‬ستتطلب أستاذا ملما‪ ،‬وخبيرا‬ ‫مبجال التكنولوجيا الرقمية‪ .‬حتى يتسنى له تقدمي‬ ‫الدرس بالتقنيات اجلديدة‪ .‬لذلك فتكوين األستاذ‬ ‫وتأهيله‪ ،‬مسألة ال مناص منها‪.‬هاته الديباجة‬ ‫لألستاذ‪ ،‬ال تنسينا النظر الى التعليم‪ ،‬في كليته‬ ‫بفلسفة جديدة‪ .‬تعلق األمر باملقررات‪ ،‬أو باملناهج‬ ‫أو مبراجعة املواثيق و املخططات السابقة‪،‬‬ ‫لتحيينها في اجتاه ينسجم مع املد التكنولوجي‬ ‫الرقمي والعلمي‪ .‬عملية التحديث هاته يجب أن‬ ‫تتم وفق رؤية شمولية‪،‬وطنية‪ .‬تعمل فيها الوزارة‬ ‫على مأسسة حوار جاد مع شركائها‪ ،‬من جمعيات‬ ‫أمهات وآباء وأولياء التالميذ ونقابات‪ ،‬و مسؤولي‬ ‫القطاع واملتخصصني وجمعيات املجتمع املدني‪.‬‬ ‫ومع كل من لهم عالقة بالتعليم كهيئات‪ ...‬لبلورة‬ ‫رؤية وطنية حديثة‪ ،‬واضحة‪ ،‬جامعة ومسؤولة‪.‬‬ ‫في انسجام مع ما يتطلبه املجال التكنولوجي‬ ‫الرقمي املعاصر و افاق التنمية املنشودة‪ .‬ال بد‬ ‫وان تأخذ بعني االعتبار‪ ،‬ومن أجل جناح هذا‬ ‫املشروع‪ ،‬االشتغال على إقرار تكافؤ الفرص‪ ،‬بني‬ ‫كل املتعلمني‪ ،‬حتى ال يصبح األمر عائقا‪ ،‬أمام هذا‬ ‫املسار اجلديد‪ .‬إلى جانب االقتناع بان التعليم‪،‬‬ ‫رافعة أساسية مستقبلية‪ ،‬للتنمية‪ ،‬وال قيمة‬ ‫تسعيرية أو نفقات دون مردودية‪.‬‬ ‫ما من شك‪ ،‬أن جل دول العالم تتسابق بقوة‪،‬‬ ‫للخروج من أزمة الوباء ومخلفاته‪ .‬أو على األقل‬ ‫اخلروج بأقل األضرار‪ .‬مستفيدة من ثغراتها‬ ‫وأخطائها‪،‬لتؤسس أو تغني صرح مسارها‪ ،‬الذي‬ ‫ال خيار لها عنه‪ ،‬في اجتاه العلم والتكنولوجيا‪.‬‬ ‫على الرغم مما ستعرفه جل الدول من الكساد‬ ‫العابر‪ ،‬مباشرة بعد انتهاء األزمة‪.‬‬ ‫إن التحول في أساليب ومضامني التعليم‪ ،‬هو‬ ‫بداية للمستقبل القريب‪ ،‬ملا بعد كورونا ‪ .‬األمر‬ ‫الذي ستنهجه جل دول املعمور‪ .‬إذ سيفرض‬ ‫نفسه بإحلاح‪ ،‬وسيتصدر املشهد املجتمعي‪ .‬إن‬ ‫فيروس كورونا لن يترك العالم كما كان عليه من‬ ‫قبل‪ .‬وبالتالي فاألمن القومي للدول‪ ،‬سيتمثل في‬ ‫التسلح بالتكنولوجيا الرقمية واالستثمار فيها‬ ‫كطوق للنجاة من التخلف أو التقهقر احلضاري‪.‬‬ ‫وستصبح التكنولوجيا ضرورة وقاعدة لكل‬ ‫األفراد‪ ،‬وال مسألة استثنائية‪.‬‬ ‫املرحلة تتطلب تأهيال واضحا وجامعا‪ ،‬من حيث‬ ‫االستراتيجيات واآلفاق‪ .‬إن ما يحدث اآلن‪ ،‬البد وان‬ ‫يترك صداه وبصماته العميقة على مسار الفكر‪،‬‬ ‫على مراجعة مجموعة من مفاهيمه ومسلماته‪ .‬فال‬ ‫ننكر بأن األزمة – الصدمة ‪ ،-‬ضربت كيان الكوكب‬ ‫من أقصاه إلى أقصاه‪ .‬هزمتنا في زماننا ومكاننا‪،‬‬ ‫في مشاريعنا وطموحنا وتواصلنا‪ ،‬ومعيشنا‬ ‫اليومي التقليدي‪.‬‬ ‫إن استقبال عالم أفضل يبقى طموح مشروع‪،‬‬ ‫أمام كتامة احلاضر وماسيه و أحزانه‪ ،‬وكل صوره‬ ‫الكابوسية املفزعة‪ .‬جتربة سيسجلها التاريخ‪،‬‬ ‫بأنها باغتت اإلنسان وهزمته‪ .‬أرغمته على‬ ‫املكوث في قفص البيت‪ ،‬كطير مكسور األجنحة‪.‬‬ ‫جتربة أربكت دواليب كل الدول واملجتمعات‪ .‬مبا‬ ‫فيها الدول العظمى‪ .‬إنها صدمة كوكبية‪ ،‬سقطت‬ ‫وانتشرت بسرعة مهولة‪.‬‬ ‫بعد االنفراج‪ ،‬فالتعليم ال يجب أن يعود إلى‬

‫املرحلة املا قبل كورونية‪ .‬وعليه فإننا نعتبر أن‬ ‫األزمة الوبائية‪ ،‬قد جعلتنا امام فرصة وحافز ينشد‬ ‫التغير‪ ،‬لبلورة ثقافة تعليمية حتديثية‪ ،‬مستنيرة‪.‬‬ ‫تروم تكوين واعداد املواطن العاملي الرقمي‪.‬‬ ‫املنفتح على عالم التكنولوجيا‪ .‬واملتواصل مع كل‬ ‫زوايا اإلنسان في هذا املعمور‪.‬‬ ‫املسألة إذن‪ ،‬هي إقرار بعوملة تكنولوجية‪ .‬البد‬ ‫من فتح مغالقها‪ ،‬وانخراط فيها وبها‪ .‬بغية تشكيل‬ ‫أفضل للتفاعل البني ‪ -‬إنساني ‪ ،-‬مع كل الثقافات‬ ‫واحلضارات البشرية‪ .‬إن مسلك التكنولوجيا‬ ‫الرقمية‪،‬ال بد وان يتسيد في املنظومة التعليمية‪،‬‬ ‫التي كشفت األزمة الكورونية خللها‪ ،‬وغياب‬ ‫مناعتها‪ ،‬وضعفها الذي لم يرق إلى التجاوب‬ ‫املنشود‪ .‬ولكن هناك اعتبارات موضوعية‪ ،‬تبرر‬ ‫فجائية الصدمة‪ ،‬تتمثل في قوتها ومباغتتها‪.‬‬ ‫هي‪ ،‬حتوالت مفصلية تأثرت بأزمة الوباء‪.‬‬ ‫حاولت الدولة أن تدبرها بصرامة واستباقية‪.‬وقد‬ ‫يكون التعليم اخذ نصيبه األوفر من هذا االهتمام‪.‬‬ ‫بعد أنشاء منصات تفاعلية‪ ،‬تلقى فيها الدروس‬ ‫و احملاضرات اجلامعية‪ .‬حرصا على إنقاذ السنة‬ ‫التعليمية‪ .‬ولعل ذلك ما حصل بعد مجموعة‬ ‫تدخالت وإجراءات من طرف الوزرة الوصية لكن‬ ‫بقي الهاجس األكبر‪ ،‬هاجس االمتحانات‪ ،‬الذي ظل‬ ‫يؤرق الوزارة ومعها اإلباء والتالميذ‪ ،‬بل و األطقم‬ ‫اإلدارية والتربوية‪ .‬فالوزارة في بداية األمر لم تكن‬ ‫لتستند على رؤى شمولية‪ ،‬واضحة وإجرائية‪.‬‬ ‫لتخرج فيما بعد‪ ،‬بقرارات تؤكد من خاللها‪ ،‬عملها‬ ‫على إنقاذ السنة وإجراء االمتحانات‪ ،‬اخدة بعني‬ ‫االعتبار التدابير‪ ،‬التي تتجنب وقوع اإلصابات بني‬ ‫جموع التالميذ كي ال تظهر حاالت جديدة للوباء‪.‬‬ ‫إن ما مت إقراره‪ ،‬هو التأكيد على امتحاني‬ ‫اجلهوي والبكالوريا‪ .‬في مواقيت خارج زمانهما‬ ‫املعتادين‪ .‬مع احلرص على احترام مسافة التباعد‬ ‫القانونية‪ ،‬بني التالميذ‪ ،‬داخل احلجرات‪ .‬مع‬ ‫احلرص على تنظيم إجراءات الدخول واخلروج‪.‬‬ ‫وتفادي أي اكتظاظ‪ .‬إلى جانب تعقيم كل فضاءات‬ ‫املؤسسة‪ ...‬و التفويض‪ ،‬ملجالس األقسام‪ ،‬صالحية‬ ‫احلسم‪ ،‬في عمليات النجاح‪ ،‬أو الرسوب‪ ،‬بالنسبة‬ ‫للمستويات واألسالك املتبقية‪ .‬اعتمادا على نقط‬ ‫املراقبة املستمرة‪.‬‬ ‫تكون الوزارة الوصية بهذه اإلجراءات‪ ،‬قد‬ ‫وضعت استراتيجية تدبيرية لالمتحانات‪ ،‬خارج‬ ‫املقرر الدراسي للسنة‪ .‬لذلك فهي اآلن جتد نفسها‬ ‫ملزمة بتحيني هذا املقرر‪ ،‬وإصدار مقرر وزاري‬ ‫تعديلي لتنظيم ما تبقى من السنة الدراسية من‬ ‫حيث مواعيد االمتحانات واملداوالت وما يرتبط‬ ‫بهما‪.‬‬ ‫هذه إذن‪ ،‬إجراءات جزئية مقتضبة‪ ،‬إلنقاذ السنة‬ ‫الدراسية‪ .‬لكن‪ ،‬البد من التفكير‪ ،‬من اآلن لوضع‬ ‫خطة طريق‪ ،‬صوب املستقبل التعليمي‪ ،‬لتكييفه مع‬ ‫واقع احلال‪ .‬الذي ستفرضه مرحلة ما بعد اخلروج‬ ‫من األزمة‪ .‬استعدادا ألي طارئ مباغت‪ .‬فهذا الوباء‬ ‫ميكن أن يحضر من جديد‪ ،‬أو يظهر فيروس اخرر‬ ‫مشابه‪ ،‬اقل أو أكثر فتكا‪ ،‬أو قد يقع جراء خطأ‬ ‫في تسرب اشعاعات نووية او تسربات جرثومية‬ ‫خطيرة القدر الله‪.‬‬ ‫يبدو األمر اآلن مناسبا و أكثر فاعلية من أي وقت‬ ‫مضى‪ ،‬لوضع قطيعة ابستمولوجية مع التعليم‬

‫التقليدي‪ ،‬الذي ظل في مجمله يستند على احلفظ‬ ‫والتلقني‪ ،‬والسبورة والكتاب و وسائل اإليضاح‬ ‫الكالسيكية ‪ .‬قطيعة تدريجية ‪ -‬طبعا ‪ -‬في‬ ‫اجتاه بلورة تعليم تكنولوجي رقمي‪ ،‬راقي‪ ،‬يتوق‬ ‫املستقبل وهو يتسلح بالعلم واحلداثة‪.‬يتجاوز‬ ‫املعارف املاضوية العقيمة‪ .‬التي ال تنسجم مع‬ ‫العقل أو املنطق‪ ،‬أو القيم األخالقية‪ ،‬في بعدها‬ ‫اإلنساني الكوني‪.‬‬ ‫إن إمكانية اعتماد التعليم الرقمي‪ ،‬متليه‬ ‫الضرورة البراكماتية‪ .‬والدولة في هذا الصدد‬ ‫البد‪ ،‬من أن تتجه في هذا املنحى خاصة أمام ما‬ ‫لقيته من تشجيعات‪ ،‬من طرف االحتاد األوروبي‪،‬‬ ‫عبر املنحة التي قدمها لدعم جهودها من ناحية‪.‬‬ ‫ولتدبير االزمة من جانب آخر‪.‬ولتيسير الولوج‬ ‫للتعليم عن بعد‪ .‬وبذلك يكون االحتاد األوروبي‪،‬‬ ‫قد التزم منذ ‪ 27‬مارس ‪ 2020‬بتخصيص ميزانية‬ ‫هامة لفائدة املغرب‪ ،‬لدعم قطاع التربية والتكوين‬ ‫املهني‪ ،‬واحتياجاته املستعجلة‪ ،‬ملواجهة وباء‬ ‫كورونا‪ .‬لذلك فما هو مطلوب من الوزارة الوصية‪،‬‬ ‫هو العمل على معاجلة االختالالت‪ ،‬التي ظلت‬ ‫تنخر املنظومة التعليمية‪ ،‬من تسرب وهدر‬ ‫واكتظاظ‪ ،‬وكثافة املقررات‪ ،‬وكثرة املواد‪ ،‬ونوعية‬ ‫املضامني‪،‬االلتحاق املتأخر للتالميذ في بداية‬ ‫السنة الدراسية‪ ،‬االنصراف قبل بداية العطلة‪ ،‬عقم‬ ‫بعد املواد ومضامينها املاضوية املتحجرة‪ .‬غياب‬ ‫سياسية واضحة‪ ،‬تربط التعليم بالتنمية‪.‬أيضا‬ ‫التفاوت الصارخ من حيث معامل املواد‪ ،‬بني ما‬ ‫هي أساسية وغير أساسية‪ .‬غلبة الطابع النظري‪،‬‬ ‫سيادة التلقني و احلفظ‪ ،‬دون التحليل أو التركيب‬ ‫أو االستدالل او احملاجة واالشكلة‪...‬‬ ‫ال بد من مراعاة تواجد التلميذ باملؤسسة وتقدير‬ ‫املرحلة التي يجتازها‪ .‬انه اليشكل فاعال تربويا‬ ‫فحسب‪ ،‬بقدر ما ينسج فيها عالقات وجدانية‬ ‫واجتماعية‪ .‬وهو أمر البد من صقله‪ ،‬وتاطير‬ ‫تواصله مع اقرانه‪ .‬وتوجهه نحو تنمية مهاراته‬ ‫االجتماعية واألخالقية واإلنسانية‪...‬‬ ‫إن عدم التوجه نحو حتديث التعليم‪ ،‬في اجتاه‬ ‫الرقمنة‪ ،‬يسجل بكل تأكيد‪ ،‬اختالالت على مستوى‬ ‫التنمية املستقبلية‪ .‬التي ستجد نفسها غير مؤهلة‬ ‫لالنسجام مع متطلبات مجتمع الغد القريب‪.‬‬ ‫وهو ما ستكون له حتما انعكاسات سلبية‪ ،‬على‬ ‫احلاضر واملستقبل‪.‬‬ ‫إن إقرار التعليم الرقمي تفرضه املرحلة‪ .‬لذلك‬ ‫فال بد من تأطيره وتنزيله قبل أن يفوت الركب‪.‬‬ ‫وعليه ال بد من تأهيل شمولي للمنظومة التعليمية‬ ‫و مكوناتها النظرية والتطبيقية‪ ،‬وكل فاعليها‬ ‫قارب املستقبل‬ ‫التربويني‪ ،‬ليركب تعليمنا‬ ‫والنجاة بأمان وثبات‪ .‬وبالتالي سيصمد‪ ،‬أمام‬ ‫كل العواصف الهوجاء‪ .‬وسيجعلنا أقوى‪ ،‬وفي‬ ‫قلب اللحظة اإليجابية‪ ،‬وما تتطلبه من مواكبة‬ ‫وانسجام‪.‬‬ ‫أذا كان التعليم الرقمي وسيلة حداثية‪ ،‬فال بد بأن‬ ‫ميتزج بغايات ومضامني علمية وفلسفية‪ ،‬موازية‬ ‫له‪ .‬جتعل التلميذ املغربي‪ ،‬ومعه املجتمع في قلب‬ ‫العالم املعاصر‪ ،‬وما يفرضه من قيم كونية إنسانية‬ ‫حضارية‪ ،‬توجب االنخراط‪ ،‬لبناء حضارة إنسانية‬ ‫مشتركة‪.‬‬

‫*باحث تربوي‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫التكوين املهني ضرورة اجتماعية واقتصادية ملسايرة حتديات النموذج التنموي‬

‫*ذ‪ /‬محمد بادرة*‬

‫ال نظن أننا في حاجة إلى التدليل على أن التعليم نظام حياتي أي انه ممتد بامتداد احلياة سواء بالنسبة للمجتمع أو‬ ‫الفرد ‪ ،‬ومن هنا فهو ليس مشروعا محددا في الزمان واملكان ‪ ،‬ميكن تنفيذه أو تعديله وفق مخططات إصالحية قصيرة‬ ‫األمد بل هو نظام شامل له تاريخه وحاضره ومستقبله املمتد والبعيد ‪ ،‬ومن هنا تأتي احلاجة إلى إطار استراتيجي‬ ‫يوجه مسار التعليم وتطوره مع ربطه بخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية والبيئية‬

‫إن التوجه إلى إصالح املنظومة التربوية هو توجه إلى‬ ‫إصالح املجتمع باعتبار املنظومة التربوية النواة الرئيسية‬ ‫في املجتمع ‪ ،‬وعليه فان التربية والتكوين (املهني بالذات‬ ‫) يشكالن إحدى الرهانات األساسية في التنمية الشاملة ‪،‬‬ ‫وإحدى الدعامات األساسية في القطاع االقتصادي ‪ ،‬وهي من‬ ‫املرتكزات الضرورية الكتساب الكفاءات املهنية في االقتصاديات‬ ‫املتطورة ‪.‬‬ ‫أصبح من الضروري اليوم االجتاه نحو ربط محتوى التعليم‬ ‫باإلنتاج والتنمية االقتصادية واالجتماعية إزاء التغيرات‬ ‫املنتظرة أو احلاصلة في اقتصادنا وتنظيمنا االجتماعي ‪،‬‬ ‫لذا من احملتم أن يتغير محتوى التعليم ومناهجه بحيث يزود‬ ‫الفرد باملعارف واملهارات والتقنيات التي متكنه من القيام‬ ‫بدور إنتاجي واجتماعي ‪ ،‬ويجب ربط تعليمنا بالتكنولوجيا‬ ‫احلديثة في جميع أطواره ومستوياته حتى تختفي احلواجز‬ ‫والفوارق بني التعليم العام والتكوين املهني ‪.‬‬ ‫انه لم يعد من املسموح به رؤية أي قطاع من قطاعات التربية‬ ‫والتكوين مستقال بذاته ولذاته ‪ ،‬فالنظام التعليمي بكل أطواره‬ ‫وأنواعه كل ال يتجزأ والتكوين املهني من خالل هذا املنظور‬ ‫الكلي للنظام التعليمي ما هو إال نظام فرعي له يخضع لشروطه‬ ‫ويعتبر محصلة عوامله ‪.‬‬ ‫ولقد ازدادت أهمية التكوين املهني والتعليم التقني في العقود‬ ‫األخيرة ولذا يحتاجان إلى إستراتيجية وطنية للنهوض بهما‬ ‫قصد حتقيق التنمية املستدامة بأبعادها البشرية والبيئية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية ‪...‬‬ ‫وانه رغم اجلهود التي بدلت في العقود األخيرة لتطوير هذا‬ ‫التعليم أو التكوين كما ونوعا والعمل على زيادة قدرته على‬ ‫اجتذاب أعداد اكبر ونوعيات أكثر مالءمة إال أن هذا الصنف من‬ ‫التعليم التكويني املهني ما يزال يحتل شريطا ضعيفا ونسبة‬ ‫مائوية هزيلة إذا ما قورن بالتعليم العام في بلد تتوقف حركة‬ ‫التنمية فيها على توافر اطر وكفاءات ويد عاملة فنية – مهنية‬ ‫ مدربة ‪ .‬وكشف عبد اللطيف ميراوي عضو املجلس األعلى‬‫للتربية والتكوين والبحث العلمي (محدودية ولوج خريجي‬ ‫مراكز التكوين املهني إلى سوق الشغل رغم التطور املطرد‬ ‫للطاقة االستيعابية التي بلغت ألفي مؤسسة وفضاء للتكوين‬ ‫بالقطاعني العام واخلاص تستقطب أزيد من ‪ 400‬ألف متدرب‬ ‫وتنويع مسالك التكوين ‪ ...‬إال انه ال يلج سوق الشغل سوى‬ ‫‪ 60‬في املائة من اخلريجني مما يعني أن ‪ 40‬في املائة منهم‬ ‫يظلون عاطلني)‪.‬‬ ‫وخلص نفس الشخص إلى وجود اختالالت بنيوية متعددة‬ ‫تعيق بلوغ األهداف املتوخاة من التكوين املهني ‪ ،‬أهمها أن‬ ‫منوذج التكوين يفتقر إلى (االنسجام وااللتقائية ‪ ،‬ويتسم‬ ‫بتداخل عدة أنواع وأمناط ومقاربات لعمليات التكوين )‪.‬‬ ‫وإننا حني ننظر إلى نسب توزيع التخصصات املختلفة في‬ ‫هذا الصنف من التكوين جند أن التعليم أو التكوين في امليدان‬ ‫التجاري وأخلدماتي والسياحي يحتل املساحة األكبر ويليه‬ ‫التكوين في امليدان الصناعي والصناعة التقليدية ثم امليدان‬ ‫الزراعي والصحي والصيد البحري ‪,,‬ويقف املرء حائرا أمام‬ ‫هذا التوزيع حني نرى نسبة التعليم التقني الزراعي ال تعكس‬ ‫صورة بلد يسوق على انه بلد زراعي بامتياز ‪.‬‬ ‫إن البرامج اإلصالحية املتتالية التي انطلقت منذ بداية األلفية‬ ‫الثالثة وخاصة مشروع اإلصالح التربوي الشامل حتت قيادة‬ ‫حكومة التناوب التوافقي ( امليثاق الوطني للتربية والتكوين‬

‫) مت البرنامج أالستعجالي إلى مشروع الرؤية اإلستراتيجية‬ ‫لإلصالح ‪... 2015/2030‬كانت كلها مسارات متسلسلة تسعى‬ ‫لتجاوز معيقات تطور التكوين املهني وتقترح حتقيق سالسة‬ ‫اكبر في املمرات بني األسالك واملستويات وتوفير إمكانات‬ ‫التوجيه وإعادة التوجيه نحو الشعب التقنية والتكوين املهني‬ ‫استجابة مليوالت املتعلمني ‪ ...‬مما أعطى دفعة قوية لقطاع‬ ‫التكوين املهني باستقباله لعشرات اآلالف من التالميذ والطلبة‬ ‫اغلبهم وان كان بسبب الفشل في متابعة الدراسة أو االنقطاع‬ ‫ألسباب اجتماعية‪ ...‬لكن يبقى قطاع التكوين املهني غير قادر‬ ‫على تلبية رغبات الكثيرين مما وضع هذا القطاع بني حتديني‬ ‫‪ :‬أي بني إعادة تأهيل هذه اجليوش من التالميذ‪ ،‬وبني حتسني‬ ‫قابليتهم للتشغيل في سوق العمل في ظل النقص الكبير في‬ ‫التنمية والتنظيم الذي يعاني منه هذا القطاع ‪.‬‬ ‫وعزا السيد عبد اللطيف ميراوي هذا الوضع املختل إلى عدم‬ ‫مالءمة التكوينات املقترحة حلاجيات سوق الشغل أساسا‬ ‫والى جانب ضعف مستوى اخلريجني ‪...‬إضافة إلى ضعف‬ ‫عقلنة استعمال املوارد املرصودة واستثمارها األمثل ‪.‬‬ ‫إذن ما هو واقع التكوين املهني في بلدنا ؟ ما هو اثر‬ ‫اإلصالحات التربوية املتتالية على هذا القطاع ؟ ما هي‬ ‫التحديات التي يواجهها التكوين املهني في ظل االحتياجات‬ ‫املتزايدة لالقتصاد الوطني ؟‬

‫مدخالت التكوين املهني‪:‬‬ ‫الكم الذي ال يالئم الكيف‬

‫منذ إنشاء مراكز التكوين املهني تقوم هذه األخيرة باستقبال‬ ‫التالميذ والطلبة الذين انهوا دراساتهم بنجاح أو توقفوا أو‬ ‫انقطعوا عن الدراسة على اختالف شعبهم ومستوياتهم‪ ،‬إال أن‬ ‫السمة الغالبة على هذا الصنف من التعليم أو التكوين هي أن‬ ‫مدخالته تكاد تكون مقتصرة على ذوي املعدالت املنخفضة ممن‬ ‫لم يسعفهم احلظ بااللتحاق بالتعليم اجلامعي أو التعليم التقني‬ ‫العالي أو االستمرار في نظام التعليم العام ‪ ،‬ولذا يبقى هو املالذ‬ ‫األخير للمضطر الكاره في اغلب األحيان ‪.‬‬ ‫أ‪ -‬إننا ال نتوفر على ما يكفي من الدراسات إالحصائية الدقيقة‬ ‫والبحوث العلمية امليدانية عن املواد الدراسية التي أدت إلى تدني‬ ‫معدالت التالميذ الذين جلئوا إلى التكوين املهني ‪ ،‬كما ال نتوفر‬ ‫على ما يكفي من الدراسات السوسيو اقتصادية وثقافية التي‬ ‫ميكنها أن تفسر وتعدد أسباب االنقطاع والهذر املدرسي في هذا‬ ‫التعليم بالرسوب والتسرب ‪ ،‬إال أن املالحظة املتكررة والظاهرة‬ ‫البارزة عن أسباب تدني معدالت هؤالء املتعلمني من ضحايا‬ ‫الهدر املدرسي ‪ ،‬هي أن موادا مثل اللغة الفرنسية ‪ ،‬والرياضيات‬ ‫‪ ،‬والعلوم ‪ ،‬هي من املواد التي تسبب في الرسوب والتسرب مع‬ ‫العلم أن هذه املواد ذاتها هي املواد األساسية في أي نظام تعليمي‬ ‫وفي التكوين ذي الطابع التكنولوجي أو املهني مما قد يشير إلى‬ ‫عدم مالءمة مدخالت هذا التكوين ملتطلباته ‪ ،‬حيث أن التكوين‬ ‫املهني مبستوياته وتخصصاته يعتمد على هذه املواد ( الفرنسية‬ ‫– الرياضيات – العلوم التطبيقية ‪ ),,‬أكثر ما يعتمد على املواد‬ ‫األخرى ذات الطبيعة الثقافية أو األدبية ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬إننا – كذلك ‪ -‬ال نتوفر على دراسات وبحوث ميدانية كافية‬ ‫تتناول خلفيات التالميذ الذين يلجون هذا الصنف من التكوين‬ ‫حتى نلقي الضوء على املستوى االجتماعي واالقتصادي للتالميذ‬ ‫امللتحقني بهذا الصنف من التكوين أو باملستوى التعليمي لآلباء‬

‫واألسر وتوزعهم بني القرى واملدن حتى تتوافر لدينا رؤية أعمق‬ ‫لعوامل اجلذب لهذا التكوين ‪ .‬وهذا ال يعني أن التكوين املهني ال‬ ‫يجدب تالميذا وطالبا على مستوى أكادميي متميز ولكنها حاالت‬ ‫نادرة ال تغير الصورة الكلية ‪.‬‬ ‫في دراسة « لليونيسكو « عن آفاق وتطورات التعليم التقني‬ ‫والتكوين املهني ترى هذه األخيرة أن العديد من املشكالت املتأصلة‬ ‫في التعليم التقني هي مشكالت مشتركة على الرغم من االختالفات‬ ‫الكبيرة بني البلدان ‪...‬وترجع هذه الدراسة ظاهرة العزوف عن‬ ‫االلتحاق بالتعليم التقني والتكوين املهني إلى ‪:‬‬ ‫< أنظمة التعليم التقليدية ‪.‬‬ ‫< مواقف املربني والعامة التي تنزل التعليم املهني إلى مرتبة‬ ‫دنيا رغم التحسينات واإلصالحات التي دخلت إلى هذا التعليم‬ ‫(فاآلباء وأطفالهم يفضلون الدراسات ذات الطبيعة األكادميية‬ ‫التي ميكن أن تؤدي إلى املهن ذات املرتبة العليا ‪ ،‬الن التعليم‬ ‫املهني طريق مسدود ال يقود لدراسة أعلى مما يقتل الطموح ‪ ،‬ومن‬ ‫هنا يصبح التعليم املهني تعليما من املرتبة الثانية للطالب األقل‬ ‫قدرة أكثر منه خيارا عمليا ألكثرية الناشئة )‬ ‫اليونيسكو – التطورات في التعليم التقني واملهني – باريس‬ ‫‪1985‬‬ ‫وبالرجوع إلى واقع البرامج التكوينية في بلدنا ميكن القول‬ ‫بان التكوين املهني رغم النتائج احملققة إال انه ما يزال يعاني من‬ ‫معيقات أثرت على فعالية املجهودات املبذولة واألهداف املوضوعة‬ ‫من اجل جتسيد التنمية املستدامة ‪.‬‬ ‫ومن أهم معيقات تطور قطاع التكوين املهني الذي يعول عليه‬ ‫لتحقيق االرتقاء االجتماعي ‪:‬‬ ‫< أ‪ -‬النظام التربوي احلالي وما يتسم به من جمود وانغالق‬ ‫متمثل أساسا في إتباع سياسة (الباب املغلق) أمام خريجي هذا‬ ‫النظام التكويني لالنتقال بصورة أفقية بني مسارات التعليم‬ ‫املختلفة وضيق آفاق متابعة املسار الدراسي بالنسبة لألشخاص‬ ‫الراغبني في ذلك ‪ ،‬وضعف التكامل بني التكوين املهني والتعليم‬ ‫العام ‪ ،‬وارتباط هذا النظام التكويني وتوزعه بني وزارات وهيئات‬ ‫مختلفة ( مكتب التكوين املهني وإنعاش الشغل – الفالحة –‬ ‫الصناعة التقليدية – الصيد البحري – السياحة ‪ )... -‬مما يحرمه‬ ‫من التخطيط الشمولي والتنسيق الكافي ‪ ،‬عالوة على التباينات‬ ‫املجالية ومحدودية مقاعد التكوين في عدد من اجلهات واملدن‪.‬‬ ‫< ب ‪ -‬جوانب بيئية واجتماعية ‪:‬‬ ‫ويأتي في مقدمتها نظرة املجتمع السلبية نحو العمل اليدوي‬ ‫واستمرار التصور السلبي عن التكوين املهني باعتبار انه ال يشكل‬ ‫دائما اختيارا لبناء املشروع الشخصي للمتعلم وغياب املهارات‬ ‫اليدوية والعملية في برامج التعليم العام وما ترسب في األذهان‬ ‫من ضرورة إكمال الدراسة اجلامعية والتعليم العالي لكل من ينهي‬ ‫مستوى التعليم الثانوي ‪ ،‬ثم النظر إلى املتعلم املهني كفاشل لم‬ ‫يكمل التعليم إلى جوار نظرة العائلة إلى التكوين املهني باعتباره‬ ‫طريقا لعمل يدوي ال يتناسب ومركز العائلة ‪.‬‬ ‫وأن متركز اغلب مراكز التكوين املهني في املدن الرئيسية يشكل‬ ‫عائقا أمام سكان املناطق البعيدة والقرى لاللتحاق بهذا التكوين‬ ‫‪.‬‬ ‫كما أن ضعف حجم وتأثير التنظيمات االجتماعية املهنية‬ ‫(اجلمعيات – االحتادات ‪ -‬النقابات املهنية ‪ ) ......‬لألطر املهنية‬ ‫يحرم هذا التكوين املهني من قوة مؤثرة ترعى شؤونه وتوثق‬ ‫العالقات بني خريجيه وتبرز مكانتهم االجتماعية أسوة بالنقابات‬ ‫اخلاصة بالتعليم والصحة واجلماعات احمللية‪... ..‬‬

‫‪15‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫< ج‪ -‬ضعف اإلعالم والتوجيه املهني ‪:‬‬ ‫إن ضعف التوجيه املهني أو اإلعالم املهني في املراحل الدراسية‬ ‫التي تسبق مرحلة التعليم الثانوي أو اإلعدادي يحرم املتعلمني‬ ‫من التعرف على بنية املهن في مجتمعهم وفرص العمل املتاحة‬ ‫وأولوياتها كما أن عدم ممارستهم خلبرات ومهارات يدوية في‬ ‫التعليم العام ال يسهم في توكيد قيمة العمل واحترامه لذي‬ ‫املتعلمني ‪.‬‬ ‫< د‪ -‬احلوافز واملستقبل الوظيفي‬ ‫في تقرير للمجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يشير‬ ‫إلى أن سوق الشغل ال يلجها سوى ‪ 60‬في املائة من اخلريجني مما‬ ‫يعني أن ‪ 40‬في املائة منهم يظلون عاطلني ‪ ،‬ومتثل قلة احلوافز‬ ‫املهنية واملادية أمام خريجي هذا التكوين عائقا يحول دون‬ ‫التشجيع لإلقبال عليه نتيجة التمييز الواضح في هيكل األجور‬ ‫ونظم الترقيات ‪.‬‬

‫من اجل تطوير التعليم والتكوين املهني لضمان‬ ‫االندماج املهني في سوق الشغل‬

‫في عاملنا اليوم الذي يشهد ثورة معرفية ورقمية غير مسبوقة‬ ‫في التاريخ اإلنساني هو عالم تتنافس فيه اقتصاديات الدول‬ ‫على عنصر اجلودة في تكوين الرأسمال البشري باعتباره أساس‬ ‫التنمية في أبعادها االقتصادية واالجتماعية والبيئية ‪.‬‬ ‫ومن اجل مواكبة هذه التطورات احلاصلة في العالم أدرك اجلميع‬ ‫بان كل من أصناف التكوين والتعليم املدرسي واجلامعي واملهني‬ ‫هي األدوات الفعلية لالستثمار في املوارد البشرية التي سوف‬ ‫متكنها مستقبال من كسب رهان التنمية املستدامة ‪.‬‬ ‫و دعت منظمة اليونيسكو في تقاريرها وتوصياتها لتطوير‬ ‫املنظومة التربوية والتكوينية وتنميتهما وذلك على أساس أن ‪:‬‬ ‫< يكون التكوين املهني والتقني جزءا ال يتجزأ من التعليم العام‬ ‫‪.‬‬ ‫< ويكون وجها من أوجه التربية املستدمية ‪.‬‬ ‫< وسبيال لاللتحاق بقطاع مهني ‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق دعت توصيات « اليونيسكو» إلى إقامة عالقة‬ ‫جديدة بني التربية واحلياة العاملة واملجتمع بعامة وان يصمم‬ ‫هذا التعليم لكسب رهان التنمية‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار جاءت اإلستراتيجية الوطنية للنهوض بقطاع‬ ‫التكوين املهني حني مت تقدمي برنامج ضخم أمام جاللة امللك يوم‬ ‫‪ 4‬ابريل ‪ 2019‬بلغت تكلفة استثماره ‪ 3,6‬ماليير درهم الجناز ‪12‬‬ ‫مدينة للمهن والكفاءات على مستوى مختلف جهات اململكة ‪ ،‬وتعد‬ ‫مبثابة منصات متعددة األقطاب والتخصصات للتكوين املهني‬ ‫وستستقبل كل سنة ‪ 34‬ألف متدرب وسيدشدن هذا البرنامج‬ ‫جيال جديدا من مؤسسات التكوين املهني ‪ ،‬توفر تكوينا مهنيا ذي‬ ‫جودة عالية قادر على تلبية حاجيات سوق الشغل من الكفاءات ‪،‬‬ ‫كما ميكن من تعزيز قابلية تشغيل الشباب ‪.‬‬ ‫يتمحور تصور مدن املهن والكفاءات حول ثالث ركائز أساسية‬ ‫تهم توفير عرض تكويني محني ‪ -‬فضاءات بيداغوجية حديثة ‪-‬‬ ‫وتثمني الرأسمال البشري ‪.‬‬ ‫هذه اإلستراتيجية اجلديدة حتمل في طياتها نظرة استشرافية‬ ‫لهذا القطاع احليوي والضروري لتحقيق التنمية املستدامة ‪،‬‬ ‫وإلجناح البد من القيام بإجراءات إصالحية موازية من قبيل ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬حوكمة قطاع التكوين املهني‬ ‫تعتبر حوكمة هذا القطاع أول ركائز النهوض بهذا القطاع‬ ‫االستراتيجي‪:‬‬ ‫< أ‪ -‬تقوم احلوكمة على عنصر اجلودة في وضع التخصصات‬ ‫والبرامج وتوفير مختلف الوسائل البيداغوجية الالزمة من اجل‬ ‫توسيع خيارات املتكون وتنمية قدراته االبتكار ية ‪.‬‬ ‫< ب‪ -‬تقوم حوكمة قطاع التكوين املهني على ضرورة انفتاح هذا‬ ‫القطاع على مختلف الشركاء االقتصاديني واالجتماعيني وبصفة‬ ‫خاصة تعزيز الروابط العلمية والبحثية مع مختبرات البحث‬ ‫العلمي في اجلامعات واملعاهد الوطنية نظرا لوجود العديد من‬ ‫الروابط املشتركة بني هذين القطاعني املتقاربني جدا على مستوى‬ ‫االبتكار والبحث واالعتماد على التكنولوجيا ‪.‬‬ ‫< ج‪ -‬تقوم احلوكمة في هذا العصر التكنولوجي على ضرورة‬ ‫انفتاح قطاع التكوين املهني على املهن والتخصصات اجلديدة‬ ‫وعدم االقتصار في كل سنة على نفس احلرف واملهن وذلك من اجل‬

‫ملف‬ ‫مواكبة اقتصادنا لألسواق العاملية والصناعات املتطورة التي‬ ‫أصبحنا نتناول منتجاتها وتطبيقاتها الذكية ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إشراك القطاع االقتصادي في التمويل‬ ‫< يعتمد هذا التكوين في موارد متويله على التمويل احلكومي‬ ‫سواء من امليزانية العامة للدولة أو من امليزانية املخصصة للتربية‬ ‫والتكوين أو ميزانية اجلماعات احمللية واجلهات ‪ ،‬ويالحظ أن‬ ‫املستعمل واملستفيد النهائي من مخرجات التكوين املهني هو‬ ‫القطاع االقتصادي ومؤسساته التي متثل سوق العمل وهذا القطاع‬ ‫ال يسهم في متويل مؤسسات التكوين املهني إال بشكل ضئيل وال‬ ‫تقدم شيئا ذا بال لتطوير وتنمية قطاع التكوين والتعليم املهنيني‬ ‫من مواردهم املتاحة ‪.‬‬ ‫< إن مساهمة كل القطاعات االقتصادية في التمويل يعني شيئا‬ ‫اكبر من مجرد تقدمي األموال‪ ،‬انه يعني االهتمام واملشاركة واملتابعة‬ ‫وإحكام الصلة بني مراكز التكوين ومواقع العمل واإلنتاج ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إلغاء احلواجز القائمة بني مختلف مستويات التعليم‬ ‫ومجاالته وبني التعليم والتكوين والشغل‪ ،‬وبني املدرسة واملجتمع‬ ‫وذلك ‪:‬‬ ‫< بدمج التكوين املهني في كافة مسالك التعليم بعد التعليم‬ ‫االبتدائي وإنشاء بني تربوية مفتوحة ومرنة‪.‬‬ ‫< مراعاة احتياجات األفراد التعليمية والتكوينية وتطور املهن‬ ‫والوظائف ‪.‬‬ ‫< أن يكون التكوين املهني جزءا ال يتجزأ من التعليم األساسي‬ ‫عبر تعزيز وتوظيف التكنولوجيا البيداغوجية والعمل على‬ ‫إدخال الوسائل التقنية واملهارات اليدوية في التعليم العام‬ ‫لكسر احلدة النظرية لهذا التعليم وإعادة التوازن بني جوانبه‬ ‫النظرية والتطبيقية وتدريب التالميذ على بعض املهارات العملية‬ ‫التي تعينهم على التعامل الذكي مع منجزات التكنولوجيا التي‬ ‫يستخدمونها في حياتهم اليومية والتعرف على بنية املهن في‬ ‫مجتمعهم كما ميكن تعرفهم على إمكاناتهم وقدراتهم واملهن‬ ‫املالئمة لهم ليؤدي ذلك كله إلى تكوين اجتاهات ايجابية نحو‬ ‫العمل املهني واحترامه واعتباره قيمة كبرى في حياة الفرد‬ ‫واملجتمع‪.‬‬ ‫‪ 4‬تنويع التخصصات مع االعتماد على املقاربة البيئية‬‫ترتبط التنمية املستدامة بشكل كبير على اجلوانب البيئية ‪،‬‬ ‫وفي هذا الشأن أصبح املغرب كغيره من دول العالم يعاني من‬ ‫مخاطر التهديدات البيئية على غرار التلوث بأشكاله ‪ ،‬ومن زحف‬ ‫الرمال والتصحر وتلوث املياه ‪ ،‬وضعف معاجلة املياه العادمة ‪،‬‬ ‫وارتفاع درجة احلرارة‪...‬وغيرها من التهديدات البيئية مما يتطلب‬ ‫وضع سياسات وقائية وبرامج تربوية وتكوينية مالئمة ومواتية‬ ‫ملثل هذه الظواهر البيئية ومن ذلك إدراج االعتبارات البيئية‬ ‫في تخصصات وشعب التكوين املهني‪ ،‬تخصصات تعمل على‬ ‫احملافظة على البيئة عبر التحكم في تكنولوجيا الطاقات املتجددة‬ ‫( الشمسية – الريحية –املائية ‪)...‬‬ ‫ومن شان ذلك أن يساهم في ربط هذا القطاع بركب الثورة‬ ‫التكنولوجيا في جانبها التطبيقي ولنا في االقتصاديات العمالقة‬ ‫لدول جنوب شرق آسيا أحسن األمثلة‪ ،‬فهي اقتصاديات استطاعت‬ ‫كسب رهان التنمية من خالل التحكم في التكنولوجيا وتطبيقاتها‬ ‫الذكية والطاقات املتجددة‪.‬‬ ‫من هنا نصل إلى القول بان قطاع التكوين املهني قطاع واعد‬ ‫من اجل حتقيق التنمية املستدامة بابعاها البشرية واالقتصادية‬ ‫والبيئية وإدراكا منها بأهمية هذا القطاع االستراتيجي في حاضر‬ ‫ومستقبل الوطن أقرت الدولة في اآلونة األخيرة برنامجا ضخما‬ ‫قدم أمام جاللة امللك في ‪ 4‬ابريل ‪ 2019‬وبغالف مالي استثماري‬ ‫بقيمة ‪ 3,6‬ماليير درهم عبر اجناز ‪ 12‬مدينة للمهن والكفاءات على‬ ‫مستوى مختلف جهات اململكة ‪.‬‬ ‫كما أن املشاريع التربوية اإلصالحية وخصوصا وثيقة الرؤية‬ ‫اإلستراتيجية ‪ 2030 /2015‬قدمت مقترحات ألجل توسيع عرض‬ ‫التكوين املهني من قبيل ‪:‬‬ ‫< الرفع من الطاقة االستيعابية للتكوين املهني بإحداث‬ ‫مؤسسات جديدة مع إعادة هيكلة املؤسسات احلالية ‪.‬‬ ‫< تقوية اجلسور بني التكوين املهني والنسيج االقتصادي وبني‬ ‫التكوين املهني واجلامعة وجتديد التكوينات ومالءمتها بانتظام‬ ‫‪.‬‬ ‫< تشجيع املقاوالت واجلمعيات واملجموعات املهنية على توفير‬ ‫التموين املهني داخل مؤسساتها ‪.‬‬

‫< تعزيز التكوين املهني جهويا وباألوساط القروية واملناطق‬ ‫النائية‬ ‫< إحداث مسار التعليم املهني ينطلق من اإلعدادي ميكن‬ ‫املتعلمني الراغبني في ذلك وذوي امليول من التوجه نحو مسلك‬ ‫مهني بالثانوي التاهيلي يتوج ببكالوريا مهنية ‪.‬‬ ‫< تطوير التكوين املهني التاهيلي املوجه خلريجي اجلامعات‬ ‫وحاملي الشهادات العليا والباحثني عن الشغل ‪.‬‬ ‫( الفصل األول – «من اجل مدرسة اإلنصاف وتكافؤ الفرص»‬ ‫– الرافعة اخلامسة)‬

‫تطوير التكوين املهني رهني بتطوير‬ ‫مؤهالت وقدرات املوارد البشرية وحتسني‬ ‫أوضاعها‬

‫إذا كنا قد استطعنا أن نحقق ارتفاعا ملحوظا في اإلقبال على‬ ‫هذا الصنف من التكوين فذلك راجع إلى تطور النشاط االقتصادي‬ ‫وتزايد فرص العمل املتاحة للخريجني واخلريجات من مراكز‬ ‫التكوين املهني وما اتخذ من إجراءات إلزالة الفوارق بني خريجي‬ ‫التعليم العام وخريجي التكوين املهني ‪ ،‬كما كان لإلصالحات‬ ‫التي أجريت بزيادة االهتمام بالتوجيه املهني ‪ ،‬كل ذلك ساعد‬ ‫على النهوض بهذا القطاع ‪ ،‬لكن الزال هناك الكثير من اإلجراءات‬ ‫واإلصالحات تنتظر هذا القطاع لينطلق بسرعة ‪ ،‬اذ علينا (القيام‬ ‫بجهد مخطط ومنظم وعلى نطاق واسع لنمكن كل فرد في املجتمع‬ ‫على اختالف مطامحه وقدراته بعد أن ينهي التعليم اإللزامي أن‬ ‫يجد فرصة للتعلم في املكان املناسب له وفي الوقت الذي يتفق‬ ‫وظروفه وباألسلوب الذي يساير أوضاعه )‪.‬‬ ‫إننا ما نزال نرى املستوى العلمي والتربوي واملادي للمكون‬ ‫املهني (املؤطرون واملدرسون واملتعاقدون واملتعاونون ‪ )....‬في‬ ‫طور االنتظار لرفع مستواهم العلمي والتربوي واملادي ‪.‬‬ ‫وتفتقد البرامج احلالية ملخططات في إعداد املؤطر واملكون‬ ‫املهني وإكسابه خبرة ميدانية كافية تتيح له أن يكون قد مارس‬ ‫اإلنتاج في مواقعه واكتسب اخلبرة باملمارسة احلية على خط‬ ‫اإلنتاج وفي مواقعه وعاش مشكالت الشغل وسوق العمل وال‬ ‫يجب فقط االقتصار على اإلعداد العملي احلالي على متارين‬ ‫ودروس تطبيقية تؤدى في ورش ومختبرات املراكز أو في زيارات‬ ‫وتدريبات قصيرة ‪.‬‬ ‫لقد أشارت نشرة « اليونيسكو « لسنة ‪ 1988‬وفي صفحتها‬ ‫األولى إلى هذه املشكلة فذكرت أن قضية املدرس أو املكون في‬ ‫التكوين املهني ال بد أن يكون على مستوى عال من التأهيل‬ ‫ليستطيع أن ميارس أدواره كمنظم ومخطط لعمله في اتساق تام‬ ‫مع التطورات االقتصادية في مجتمعه كما أشارت ذات النشرة إلى‬ ‫انخفاض رواتب املكونني عن نظرائهم الذين يشتغلون في التعليم‬ ‫العام وهذا ما ميكن أن يودي إلى حرمان هذا القطاع من الكفاءات‬ ‫املتميزة الالزمة له‪.‬‬ ‫كما أن سياسة التوجيه في هذا القطاع البد من إعادة النظر فيها‬ ‫فالتوجيه ما يزال يفتقر إلى اطر متخصصة وأدوات علمية ميكن‬ ‫الوثوق بها تعني على تعرف املتعلم على ميوله وقدراته بالنسبة‬ ‫للمهن والتخصصات املختلفة ليكون التوجيه مؤديا لدوره العلمي‬ ‫احلق في زيادة قدرة الفرد على تعرف قدراته وإمكاناته وعالم‬ ‫الشغل وفرصه ومطالبه مبا ميكنه من االختيار الناجح ملستقبله‬ ‫املهني حتى ال يصبح التوجيه مجرد عملية دفع املتعلمني وفقا‬ ‫ملعدالتهم نحو التكوين املهني فننتقل بذلك من حالة العزوف‬ ‫عن التكوين املهني إلى إغراقه بدوي املعدالت العلمية الضعيفة‬ ‫واالستعدادات والقدرات غير املالئمة له مما يؤثر في مدى إقبالهم‬ ‫على الدراسة والتكوين وإبداعهم فيها ‪.‬‬ ‫ليس الهدف أن ننجح في حشد أعداد كبيرة من املتعلمني على‬ ‫أبواب التعليم التقني واملهني وإمنا املهم أن يفدوا إلى هذا التعليم‬ ‫التقني واملهني ولديهم الرغبة وميلكون القدرة ليتخرجوا منه‬ ‫وقد اكتسبوا الكفايات التي ينتظرها سوق العمل من اخلريجني‬ ‫‪(.‬يوسف عبد املعطي)‬

‫*باحث تربوي ‪/‬الدشيرة الجهادية‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫في زمن كورونا‪ :‬الالمركزية والالمتركز ‪...‬عالج ووقاية من احلجر التربوي‬

‫ذ‪ /‬محمد بادرة*‬

‫يعيش العالم اليوم في حالة طوارئ وحجر صحي شامل على وقع اجتياح وباء كورونا املستجد « كوفيد ‪ »19‬وهو‬ ‫اجتياح بل اعصار وبائي يهدد وجود االنسان ‪ ،‬يفتك بجسمه وعقله واحساسه كما انه يهدد حاضره ومستقبله ‪...‬‬ ‫فقد اسقط عشرات االالف من الضحايا ومئات املاليني من احملتجزين في بيوتهم او في املشافي ‪ ،‬وشل احلياة وحركة‬ ‫املجتمعات ‪ ،‬وحاصر االفراد واجلماعات وحال بني تواصل الدول واالمم ‪ ،‬كما انه صاحبه زلزال عاملي من الهلع‬ ‫واخلوف ضرب كل ارجاء االرض مما حول هذا العالم الى كرة تاجية موبوءة تصيب كل شبر وكل منطقة باملوت‬ ‫واجلمود والعطالة واحلجر‪ ..‬من قبيل تعطيل املدارس واجلامعات واملطارات واملراكز الرياضية واحلدائق واملطاعم‬ ‫وأماكن العبادة وغيرها من املرافق احليوية في محاولة للحد من انتشار الوباء والتحكم فيه ومواجهته ‪.‬‬

‫عملت كل دول العالم باستنفار كامل لطواقمها‬ ‫البشرية وطاقاتها املادية حلماية مواطنيها من وباء‬ ‫كورونا املستجد ‪ ،‬وفي نفس اآلن عملت على تفادى‬ ‫الشلل االقتصادي واالجتماعي والتربوي ومحاولة‬ ‫التنفس – ولو اصطناعيا ‪ -‬حتت وطأ ةالفيروس‬ ‫لإلبقاء على روح املقاومة واستمرارية احلياة‬ ‫وتالفيا للشلل التام الذي قد يصيب بعض املرافق‬ ‫احليوية ومبوازاة مع مواجهة الفيروس قامت‬ ‫وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين‬ ‫املهني والبحث العلمي بإطالق منصات الكترونية و‬ ‫استغالل وتوظيف القنوات التلفزيونية الستئناف‬ ‫الدروس عن بعد ‪،‬في محاولة منها إلكمال املوسم‬ ‫الدراسي رغم ظروف اجلائحة ‪.‬‬ ‫اذا كانت الوزارة قد وظفت كل ما لديها من موارد‬ ‫سمعية وبصرية ومنصات الكترونية وشاركها‬ ‫االالف من املدرسني في هذه العملية باستعمال‬ ‫الوسائط التقنية احلديثة(مقاطع الفيديو‪-‬‬ ‫التسجيالت الصوتية‪ -‬االقسام االفتراضية عبر‬ ‫‪ )...Microsoft Teams‬فتحول التعليم عن بعد‬ ‫من اسلوب « التلقني « الى اسلوب « تفاعلي «‬ ‫مصحوب مبؤثرات بصرية وسمعية جتعل من‬ ‫العملية التعليمية « اجلامدة « عملية اكثر جذبا‬ ‫تساعد التالميذ على الدخول الى احملتوى دون‬ ‫التوقف عند حتريك صفحات االوراق ‪.‬‬ ‫اذا كانت هذه االستراتيجية القائمة على التعلم عبر‬ ‫االنترنيت تستنزف الكثير من اجلهد والتحديات‬ ‫واالمكانات التي تواجه املدرسني واالباء واولياء‬ ‫االمور ‪ ،‬لكنها ال حتقق االنصاف حيث انعدام تكافؤ‬ ‫الفرص يبلغ حدا غير مقبول ‪ ،‬ويزداد تفاقما في‬ ‫املناطق النائية حيث وسائل التواصل غير موجودة‬ ‫او ضعيفة ‪ ،‬وكذا لذى الشرائح االجتماعية الفقيرة‬ ‫اذ العديد من هؤالء االطفال ال ميلكون مقومات‬ ‫الدراسة فضال عن صعوبة اتصالهم باألنترنيت او‬ ‫عدم امتالكهم للحواسيب احملمولة او الثابتة بل‬ ‫منهم من ال يجد اي مساندة من وسطهم االجتماعي‬ ‫والعائلي وال من اجلهات الوصية على النحو‬ ‫املأمول في حني يحظى االخرون بكل ما سبق لذا‬ ‫يتعني تفادي اتساع هذه الفوارق او تقليلها ‪.‬‬ ‫ان امام نظامنا التعليمي مهمة واحدة وهي التغلب‬ ‫على ازمة التعليم والتعلم التي اصابتها اجلائحة‬ ‫بسكتة تربوية – توقف نبض الدروس احلضورية‬ ‫ مما يتطلب منا جميعا التصدي اوال للجائحة‬‫حماية حلياة اطفالنا وشبابنا ومواطنينا ‪ ,‬ثم‬ ‫احلد من االثار السلبية لهذه اجلائحة على التعلم‬ ‫والتعليم املدرسي ما امكن ‪ ،‬وبعدها االستفادة‬ ‫من هذه التجربة للعودة الى مسار حتسني التعلم‬ ‫بوتيرة اسرع ‪.‬‬

‫يجب على نظامنا التعليمي مثلما يفكر في التصدي‬ ‫لهذه االزمة ان يفكر ايضا في كيفية اخلروج منها‬ ‫وهي اقوى من ذي قبل وبشعور متجدد للمسؤولية‬ ‫من جانب جميع االطراف الفاعلة فيها وبادراك‬ ‫واضح ملدى احلاجة الى سد الفجوات في فرص‬ ‫التعليم وضمان حصول جميع التالميذ على فرص‬ ‫تعليم جيدة ومتساوية ‪.‬‬ ‫ان التعليم عن بعد الذي فرضته اجلائحة هو‬ ‫نسق اعقد من التعليم التقليدي ‪ ،‬فهو يحتاج الى‬ ‫نظام تعليمي اكثر كفاءة وادارة تربوية ومدرسية‬ ‫متحررة ومستقلة بقراراتها ‪ .‬واملعروف ان االدارة‬ ‫املدرسية التقليدية في نظامنا التعليمي متيل الى‬ ‫املركزية واجلمود بينما يكمن جناح التعليم عن بعد‬ ‫في الالمركزية والالمتركز واملرونة واالستقاللية‬ ‫الالزمني لتكامل عديد من املكونات املتباينة في‬ ‫نسق متكامل يسعى الى بلوغ غاية مشتركة ‪.‬‬ ‫فعند تبني التعليم عن بعد يصبح مطلوبا مرونة‬ ‫القيادات التعليمية وهي في العادة اكثر جمودا‬ ‫ومتسكا بالسلطة واغترابا عن التعليم عن بعد‬ ‫ومحتواه التقني ‪.‬‬ ‫ومن باب استخالص النتائج االولية للتعليم عن‬ ‫بعد ‪ ،‬بعد اكثر من شهرين ‪،‬الحظنا عدة صعوبات‬ ‫ونقائص في التعليم عن بعد من قبيل ‪:‬‬ ‫ حاجة املدرسني الى التدريب على استخدام‬‫االنترنيت والبرمجيات‪.‬‬ ‫ حاجة املؤسسات الى توفير بنية تكنولوجية‬‫حتتية مالئمة ‪.‬‬ ‫ حاجة مستخدمي االنترنيت الى التوفر على‬‫سرعة عالية لنقل وتوصيل املعلومات –(التواصل‬ ‫مع االقسام االفتراضية يحتاج الى مستخدم‬ ‫االنترنيت بسرعة عالية دون تقطع في الصوت او‬ ‫الصورة )‬ ‫ احلاجة الى البرمجيات والتقنيات اخلاصة‬‫باألمن ألنه – على سبيل املثال ال احلصر ‪ -‬خالل‬ ‫اداء االمتحانات االلكترونية ‪ Line quizzes‬ال‬ ‫يضمن االستاذ ان من يقوم بأداء االمتحان هو‬ ‫التلميذ نفسه وليس شخصا غيره ‪.‬‬ ‫ التكلفة املالية الباهظة لألجهزة واالدوات‬‫املستخدمة في نظام التعليم عن بعد‪.‬‬ ‫ان اثار التعليم عن بعد اكثر تشتتا من اثار التعليم‬ ‫التقليدي‪ ،‬ومن مت فهي اصعب في التقومي وتزداد‬ ‫هذه الصعوبة في البلدان التي يضعف فيها موضوع‬ ‫التقومي واالمتحانات وتقل فيها مصداقية جهود‬ ‫التقومي‪ .‬فالتقومي في هذا الصنف من التعليم امر‬ ‫صعب ومركب لذلك يجب ان يتم التقومي من خالل‬ ‫فرق متكاملة تضم تربويني وخبراء في املوضوعات‬ ‫وفي التقنيات ووسائل االتصال احلديثة والقياس‬

‫وهو امر مكلف ماديا وتقنيا وبشريا ‪.‬‬ ‫ان تعدد القنوات في التعليم عن بعد ليس كالتعليم‬ ‫العادي ‪ ،‬فبدال من مجرد « الثنائي « املدرس والتلميذ‬ ‫يقوم التعليم عن بعد على « الثالوث « مدرس عن‬ ‫بعد – مدرس االستوديو‪ -‬ومتعلم عن بعد وميسر‬ ‫املوقع الذي يتعامل فيه املتعلم عن بعد بجوانب‬ ‫العملية التعليمية عن بعد ‪ .‬فهل منتلك في منظومتنا‬ ‫التعليمية كل هذه املوارد والتجهيزات واالمكانات‬ ‫والطواقم التقنية وهل نقدر على حتسني شروط‬ ‫التعليم عن بعد؟‬ ‫اذا كان هناك من درس نستفيده من دروس كورونا‬ ‫املستجد هو انه أن االوان لتحقيق اصالح تربوي‬ ‫تعليمي شامل عبر اعادة هيكلة االدارة على اساس‬ ‫الالمركزية والالتركيز او الالمتركز وذلك من خالل‬ ‫نقل جل االختصاصات من املركز الى االكادمييات‬ ‫واملديريات االقليمية واملؤسسات التعليمية مما قد‬ ‫يساعد على السرعة في التقرير والبث والتقييم‬ ‫والتنفيذ املطلوبة في كل العمليات االصالحية‬ ‫وهذاما سيرفع االدارة التربوية لتكتسب صفات‬ ‫العقالنية واحلداثة ‪.‬‬ ‫كم من الوقت انتظرنا للبحث عن سيناريوهات‬ ‫إلنهاء املوسم الدراسي بسبب قانون الطوارئ‬ ‫واحلجر املنزلي وتوقيف الدروس احلضورية؟‬ ‫اليس هناك من يقدر على ابداع صيغ بديلة في‬ ‫جهات واقاليم اململكة وبالذات في املناطق التي لم‬ ‫تتعرض النتشار الوباء او قل فيها انتشار الوباء؟‬ ‫اليس بإمكان جهات مثل الداخلة والعيون وكلميم‬ ‫وسوس ماسة وتادلة بني مالل ‪...‬ان تبرمج‬ ‫دروسا حضورية او تنظم امتحانات بكيفية من‬ ‫الكيفيات؟‬ ‫ان جائحة الوباء قد حكمت علينا اليوم بان نتأهب‬ ‫ملواجهة حتديات ما بعد كورونا وحتديات العوملة‬ ‫« الوبائية « والعولة االقتصادية وهذا التحدي‬ ‫املزدوج ال يرحم كل من تهاون او تخاذل في االعداد‬ ‫الستراتيجية بديلة تواجه كل هذه التحديات ‪ ،‬ولقد‬ ‫صار لزاما علينا نحن ابناء مجتمعات العالم الثالث‬ ‫ان نعي بعمق بان مواجهة كل االخطار البيئية‬ ‫والوبائية واالجتماعية واالقتصادية تتأسس في‬ ‫املقام االول على ارساء منظومة تربوية وتكوينية‬ ‫تنشد لدى افرادها الكفايات االساسية التي تفرضها‬ ‫متطلبات التنمية الثقافية والسياسية واالقتصادية‬ ‫مع ضرورة ارساء النموذج التنظيمي الالمركزي‬ ‫الذي باستطاعته ان يحدث التغييرات النوعية‬ ‫املنشودة ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬احلاجة الى التحرر من ارث التسيير املركزي‬ ‫الى نظام الالمركزية والالتركيز‬ ‫طبقا ملقتضيات الدستور والقوانني املنظمة‬

‫‪17‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫للجهات واعتبارا لضرورة مالءمة التربية والتكوين‬ ‫للحاجات والظروف اجلهوية واحمللية قامت‬ ‫سلطات التربية والتكوين بإقرار الالمركزية و‬ ‫الال تركيز في قطاع التربية والتكوين‪ ،‬كما ورد ذلك‬ ‫في (الدعامة اخلامسة عشرة من امليثاق الوطني‬ ‫للتربية والتكوين ) وتكرر ورودها في الفقرة ‪132‬‬ ‫من الرؤية االستراتيجية لإلصالح ‪2015/2030‬‬ ‫هذه االخيرة أكدت على (توطيد الالمركزية و‬ ‫الال تركيز والتدبير بالنتائج وعلى أساس التكامل‬ ‫والتجاوب مع الدور الفعال للسلطات املركزية في‬ ‫بلورة االستراتيجيات والتوجهات الوطنية الكبرى‬ ‫‪)..‬‬ ‫هذا التوجه نحو الالمركزية و الال تركيز اإلداري‬ ‫هو سعي من املشرع اإلداري والتربوي لتأصيل‬ ‫ثقافة اإلشراك في التسيير والتنفيذ وتوسيع‬ ‫دائرتهما محليا وإقليميا و جهويا رغم انه مت إبقاء‬ ‫الصلة قائمة ومستمرة وقوية مع اإلدارة املركزية في‬ ‫جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية‬ ‫‪ ,‬وهذا ما يكرس ممارسة غير متجانسة وسليمة مع‬ ‫الشأن التربوي سواء تعلق األمر باجلانب املعرفي‬ ‫والديداكتيكي أو اجلانب القانوني والتنظيمي‪.‬‬ ‫وإذا كنا نرى جهودا قد بدلت من اجل حتديث‬ ‫املنظومة التعليمية وجهودا متواصلة لتكريس‬ ‫الالمركزية و الالمتركز فانه على مستوى اإلدارة‬ ‫التربوية واإلدارة املدرسية لم يبدل جهد كبير‬ ‫على املستوى التشريعي والتنظيمي رغم أن هيئة‬ ‫اإلدارة التربوية تشكل الركيزة األساس لتنفيذ‬ ‫السياسات التعليمية بخططها وبرامجها ‪ ،‬فبقيت‬ ‫اإلدارة املدرسية و اإلدارة التربوية عموما على‬ ‫هامش املبادرات اإلصالحية وهامش التحفيز‬ ‫املادي واملعنوي سواء فيما يتعلق بإيجاد إطار‬ ‫مالئم للعاملني في اإلدارة التربوية شانهم في‬ ‫ذلك شان نظرائهم في القطاعات اإلدارية األخرى‬ ‫آو اإلنصاف في التعويض عن األتعاب واألشغال‬ ‫اإلدارية والتربوية ‪ ،‬كما أن هناك غياب في وضع‬ ‫سياسة محددة للتكوين املستمر‪ ,‬وهو الشيء‬ ‫الذي يؤثر سلبا على وضعية العاملني في اإلدارة‬ ‫املدرسية ويحدث عطبا إنسانيا و تقنيا وإداريا‬ ‫و بيداغوجيا داخل اآللة احملركة للجسم التربوي‬ ‫العام ‪ ,‬فبقيت إدارتنا التعليمية تعاني من أعراض‬ ‫متنعها من املساهمة الفعالة في تطوير التعليم ‪.‬‬ ‫ومن ابرز هذه األعراض املزمنة التي ما تزال تنهكك‬ ‫اجلسم اإلداري والتربوي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬املركزية املطلقة حيث القرارات الكبيرة‬ ‫والصغيرة تؤخذ على مستوى اإلدارة املركزية‬ ‫مما ساهم في ترسيخ نزعة تقديس النصوص‬ ‫وشخصنة السلطة وطاعة املوظفني لألوامر وتنفيذ‬ ‫التعليمات ‪ ,‬فنجم عن ذلك تنامي االنحرافات في‬ ‫التسيير مما يثير الشك حول وجود ارادة سياسية‬ ‫وتربوية حقيقية إلصالح االدارة كتوطئة ومدخل‬ ‫ألجل اصالح التعليم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عدم حصر او حتديد املهام اجلديدة لإلدارة‬ ‫املركزية بعد صدور قانون إحداث األكادمييات‬ ‫اجلهوية للتربية والتكوين وحتديد مهامها‬ ‫واختصاصاتها وهو ما لم يرد في امليثاق الوطني‬ ‫للتربية والتكوين (وان كانت اإلشارة فيها أن‬ ‫األكادمييات متارس ما يزيد عن ‪ 12‬اختصاصا‬ ‫حسب املادة ‪ ، 162‬مع اختصاصات أخرى إضافية‬ ‫جديدة ‪ )....‬مما يتطلب الكشف عن املهام اجلديدة‬

‫ملف‬ ‫لإلدارة املركزية في إطار التحول املتجه إلى تطبيق‬ ‫الالمركزية ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تطبيق الالمركزية على املستوى اجلهوي‬ ‫ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يتم تشخيصها‬ ‫بالكامل وخاصة تقومي خبرات الفاعلني ‪ ،‬عالوة‬ ‫على القطائع املكرسة بني الفاعلني في مختلف‬ ‫املجاالت االقتصادية واالجتماعية والتعليمية مما‬ ‫يجعل التنسيق بني هذه املجاالت والقطاعات عملية‬ ‫صعبة‪-( .‬محمد فاوبار‪)-‬‬ ‫‪ - 4‬انعزالية القرارات حيث التواصل يكاد ينعدم‬ ‫بني املصالح اإلدارية إن عموديا أو أفقيا وبني اإلدارة‬ ‫واملعنيني املباشرين بالقرار‪:‬‬ ‫فعموديا يتخذ القرار بدون استشارة القاعدة أو‬ ‫احللقات اإلدارية الوسيطة وال يهتم قط مبشاركة‬ ‫املعنيني بالقرار خارج اإلدارة الشيء الذي يترتب‬ ‫عنه عدم االهتمام والسلبية واالتكالية‪.‬‬ ‫ان اصالح االدارة التربوية في نفس مستوى‬ ‫اصالح املناهج والبرامج الدراسية ( فجهاز االدارة‬ ‫هو املصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تقطيع‬ ‫وتنظيم انتقال املعلومات واملقررات التربوية من‬ ‫االعلى الى االدنى ضمن اطر محددة متر عبر سلسلة‬ ‫من املستويات االدارية ) – محمد فاوبار‪.‬‬ ‫وانطالقا من اهمية دور الفاعلني في االدارة‬ ‫التربوية في اجناح اي مشروع اصالحي اكد‬ ‫امليثاق الوطني للتربية والتكوين ومشروع الرؤية‬ ‫االستراتيجية ‪ 15/30‬على اختيار الالمركزية‬ ‫والالمتركز كنهج اداري استراتيجي إلصالح االدارة‬ ‫التربوية ذلك الن‪:‬‬ ‫< الالمتركز اصبح يفرض نفسه كأسلوب ناجع‬ ‫في االدارة التربوية وليس مجرد رغبة في التخفيف‬ ‫من اعباء االدارة املركزية ‪ ،‬وهذه االخيرة تعمل من‬ ‫سنة الى اخرى في تفويض بعض االختصاصات‬ ‫للمديرين اجلهويني واالقليميني لتخفيف العبء‬ ‫عن موظفيها ومستخدميها او رمبا بسبب تقلص‬ ‫املوارد البشرية في االدارة املركزية بعد « الهجرة‬ ‫اجلماعية « نحو التقاعد واملعاش التي فتحتها‬ ‫املغادرة الطوعية فأفرغت املكاتب االدارية والفصول‬ ‫الدراسية من االطر االدارية والتربوية مما يوحي‬ ‫ان عملية تفويض بعض االختصاصات ماهي اال‬ ‫تنازل وعطاء لتخفيف العبء على االدارة املركزية‬ ‫وليس وفق استراتيجية وتنظيم اداري مقصود‬ ‫لذاته مما يجعلنا امام وجه اخر للمركزية التي‬ ‫حتتفظ باملهام االساسية وتفوض ما هو شكلي‬ ‫وتنفيذي ‪.‬‬ ‫< ان مبدا الالمتركز يقتضي تفويض الصالحيات‬ ‫والسماح باتخاذ املبادرات املسؤولة وفي مجاالت‬ ‫معينة ومحددة حتى ال يسود التخبط واالضطراب‬ ‫في املسؤولية وفي املهام وحتى ال يحدث االنقسام‬ ‫بني املصالح املركزية من جهة واالدارات واملؤسسات‬ ‫واملصالح واملديريات اجلهوية واالقليمية من جهة‬ ‫اخرى‬ ‫< ان مبدا الالمتركز يقتضي تخويل مهام ذات‬ ‫الشأن املصيري الى املصالح اخلارجية اجلهوية‬ ‫واالقليمية حتى ال تبقى هذه االخيرة مجرد اداة‬ ‫منفذة للتعليمات او للقرارات الصادرة من املركز‬ ‫خصوصا وان هذه االدارات االقليمية او اجلهوية‬ ‫اصبحت تراكم اخلبرات والتجارب سنة بعد اخرى‬ ‫وتتابع وتعايش باستمرار كل االوضاع واملستجدات‬ ‫التعليمية وهي دائما تواكب هذه االوضاع وتبحث‬

‫لها عن حلول مرضية او مؤقتة اما بتنسيق مع‬ ‫االدارة املدرسية او مع السلطات احمللية او مع‬ ‫املؤسسات التمثيلية احمللية او مع الفروع النقابية‬ ‫وجمعيات االباء وجمعيات املجتمع املدني وهذا‬ ‫ما اكسبها من اخلبرة والنضج والدراية ما يعينها‬ ‫لتجاوز كل الصعاب والتحديات ويسمح لها بتحمل‬ ‫اختصاصات جديدة في مستوى التفكير والتخطيط‬ ‫والتنفيذ‬ ‫< ان من مبادئ الالمتركز تسهيل العمل وتبسيط‬ ‫املساطر واعطاء الصالحيات الضرورية ملن تناط‬ ‫بهم مهمة تنفيذ السياسة التعليمية من مديرين‬ ‫جهويني واقليميني ورؤساء املؤسسات ورؤساء‬ ‫املصالح واملكاتب مع توفير الوسائل واملوارد‬ ‫واالمكانات للتنفيذ وضمان النجاح لكل القرارات‬ ‫واملخططات واملشاريع ‪.‬‬ ‫< ان الالمتركز يفرض تفهما اوسع وتصورا‬ ‫اشمل ملفهوم التخطيط االستراتيجي والسياسة‬ ‫التربوية عامة اذ من شان هذا الفهم اجلديد في‬ ‫تدبير الشأن التربوي ان يساعد على توزيع عادل‬ ‫للمهام مع حتمل املسؤولية والقيام بتنفيذها كما‬ ‫يفرضها اسلوب الالمتركز‬ ‫وانه وان حاولت االدارة املركزية نقل الكثير من‬ ‫املهام او تفويضها للمديرين االقليميني واجلهويني‬ ‫اال انه يالحظ اعتماد اشكال وسلوكات متباينة‬ ‫او متناقضة في التسيير والتدبير واالشراف‬ ‫تبعا «الجتهادات» وانطباعات تغلب عليها الذاتية‬ ‫واخلصوصية تارة او تقوم بتدخالت ادارية‬ ‫عشوائية و قد تنبطح او تنحني وتستسلم امام‬ ‫قوة هذا اللون النقابي او ذاك وامام هذا املسؤول‬ ‫او ذاك ‪ ،‬اضافة الى نوعية املوظفني الذين يعينون‬ ‫او يكلفون بتسيير املكاتب واملصالح وفي غياب‬ ‫التجهيزات والوسائل واملوارد الالزمة ‪ ...‬لذا ال‬ ‫بد إلجناح وانطالق الالمتركز القيام اوال بتقومي‬ ‫االساليب املتبعة في التسيير االداري والتربوي‬ ‫ومدى صالحية الكفاءات املعتمدة واملوجودة‪.‬‬ ‫< ان الالمتركز االداري يتطلب وضع استراتيجية‬ ‫شاملة محصنة بقوانني ومساطر تساعد املسؤولني‬ ‫اجلهويني واإلقليميني ورؤساء املؤسسات وتدعمهم‬ ‫مركزيا من كل املؤثرات اخلارجية التي قد حتد‬ ‫من مبادراتهم وصالحياتهم وجتاوز االجراءات‬ ‫والقوانني املعتمدة مركزيا ‪.‬‬ ‫واجماال ميكن القول ان االطار التشريعي‬ ‫والتنظيمي في مجال التسيير والتدبير الالممركز‬ ‫قطع اشواطا ال باس بها ‪ ،‬لكن هذا املجهود‬ ‫التشريعي والتنظيمي يحتاج الى تأهيل متعدد‬ ‫املستويات لإلدارة العمومية كلها ‪ ،‬والى اصالح‬ ‫بنية املؤسسات العمومية ذاتها ـ االمر الذي يقتضي‬ ‫حربا ثقافية على النزعة التسلطية في االساليب‬ ‫االدارية وتغييرا مستمرا في اساليب القيادة في‬ ‫التنظيمات االدارية ‪ ...‬والالمركزية هي االلية‬ ‫واالداة السياسية الكفيلة بتفكيك متركز السلطة‬ ‫التربوية وتوزيعها على اجلهات واالقليم وكل‬ ‫الوحدات االجتماعية والتربوية احمللية والصغرى‬ ‫‪...‬فهل زمن ما بعد كورنا كفيل بتسريع وبلورة نهج‬ ‫الالمركزية والالتركيز في قطاع التربية والتكوين؟‬ ‫*باحث تربوي‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫املنظومة التعليمية باملغرب‪ :‬ثنائية الرغبة واالنتظار‪.‬‬

‫سليمان بنعدي*‬

‫الأحد يجادل في أهمية التعليم كرافد من روافد التنمية عامة‪ ،‬التنمية البشرية على اخلصوص‪،‬كما الأحد يختلف حول‬ ‫اجلهود التي ُبذلت‪،‬على األق ملنذ استقالل املغرب‪،‬من أجل تأسيس وتطويراملنظومة التعليمية والتربوية بالبالد‪،‬واعتبارها‬ ‫الرهان الثاني بعد الوحدة الترابية‪ .‬لكن واقع هذه املنظومة ‪،‬اليشفي غليال لكثيرين بالنظر لإلمكانات الهامة التي‬ ‫ُرصدت لهذا القطاع‪،‬املجهودات التنظيمية والتأطيرية والعلمية التي بذلت للرفع من جودة املنظومة وجعلها تساير‬ ‫حاجيات التطورواعتبارالتعليم كرهان ملواجهة حتديات احلاضرواملستقبل‪ ..‬لكن هذه اجلهود سرعان ماتنطفئ جذوتها‬ ‫وتخبو أنوارها‪ ،‬لتتم محاولة إضاءة جديدة في كون لها نفس املصير‬

‫إن تعدد محاوالت اإلصالح التي عرفتها املنظومة التربوية‬ ‫منذ االستقالل‪ ،‬منها محاوالت البناء ومحاوالت التطوير‪،‬‬ ‫لدليل على أهمية التعليم والتربية من جهة ‪،‬وأيضا كأداة‬ ‫توازن وحتكم من جهة أخرى‪ .‬فاملبادئ التأسيسية األربعة‬ ‫للمنظومة واملتمثلة في التوحيد‪ ،‬التعميم‪،‬ا لتعريب واملغربة‬ ‫(‪،)1‬وحتصينا لتعليم بوضع أجهزة تنظيمية وتوجيهية‬ ‫كالوزارة واملجلس األعلى للتعليم‪ ،‬فأصبحت املدرسة كأداة‬ ‫لالندماج االجتماعي ومشروع لبناء اإلنسان واملجتمع‪ .‬إال أن‬ ‫هذا التوجه سيتعرض ملراجعات أكدت مع مرورالزمن أن املبادئ‬ ‫التي قامت عليها املنظومة كانت توافقية فيبعدها السياسيبني‬ ‫القوى السياسية ُبعيدا الستقاللك محاولة للهروب إلى األمام‪،‬‬ ‫وليست نابعة عن بعد تعاقدي يضمن االستمرارية (‪ .)2‬هكذا‬ ‫بدأ يتأكد التعليم كمجال للتدافع االجتماع يواإليديولوجي‬ ‫منذ نهاية السبعينات من القرن العشرين‪،‬وبدأت محاوالت‬ ‫اإلصالح تسير في اجتاه واحد‪ ،‬وهومحاولة التحكم في‬ ‫التعليم جلعله أداة إلعادة اإلنتاج وتشديد املراقبة عليه‪،‬‬ ‫من خالل مجموعة من التدخالت منذ ‪1965‬م مرورا مبناظرتي‬ ‫إفران وسلسلة االحتجاجات ووضع قانون أساسي لوزارة‬ ‫التربية الوطنية (‪ ،)3()1985‬وسلسلة التدخالت البيداغوجية‬ ‫كتقليص حصص الفلسفة وإحداث شعبة لدراسات اإلسالمية‬ ‫في التعليم اجلامعي‪ ،‬ومسلسل التعريب‪.‬‬ ‫لقد شهد قطاع التعليم عدة جتاذبات ومحاوالت إصالحية ‪،‬‬ ‫وبقدر وجود إرادة قوية لوضع التعليم على السكة الصحيحة‬ ‫‪ ،‬ورصد ميزانيات ضخمة تطلبتها التدخالت اإلصالحية‪ ،‬لكن‬ ‫سرعان ما يتم التخلي عن تلك املجهودات وذوبانها كما يذوب‬ ‫امللح في املاء‪ ،‬دون عملية تقييم‪ ،‬لنعود الى نقطة االنطالق مع‬ ‫استمرار تدحرج كرة الثلج التي تلتحق بها التطورات اجلديدة‬ ‫لتنضم إلى التراكمات القدمية فتستمر كرة الثلج في االمتالء‪.‬‬ ‫من أجل توضيح املشهد سنعمل على توظيف ثالث محطات‬ ‫تبرزما ذهب إليه التحليل‪ ،‬من انطالق اإلصالح لتكسراجلهود‬ ‫وتستنزف املوارد‪.‬‬

‫املحطة أ‬ ‫الوىل‪:‬‬

‫عند بداية العقد األخير من القرن العشرين‪،‬وفي إطارالتنظيم‬ ‫اجلهوي الذي تبناه املغرب على خلفية التطورات التي عرفتها‬ ‫قضية الوحدة الترابية والعالقات الدولية وخاصة انهيارنظام‬ ‫احلرب الباردة وبداية مالمح «نظام عاملي جديد» الذي استقرت‬ ‫تسميته بالعوملة ‪.‬في هذه الظروف‪ ،‬اقترح امللك الراحل احلسن‬ ‫الثاني إصالح ابيداغوجيات مثل تأهم إشاراته في إدخال مادة‬ ‫تعليمية جديدة أسندت ألساتذة التاريخ واجلغرافيا بالتعليم‬ ‫الثانوي‪ ،‬وهي»مادة الشأن احمللي»‪،‬لقد مثلت هذه املادة ثورة‬ ‫بيداغوجية حقيقية كان باإلمكان أن تخلق اندماجا ملواد‬ ‫االجتماعيات وتصورا استباقيا ملقاربة التدريس بالكفايات‬ ‫التي سيعتمدها املغرب بع دأكثر من عقد من الزمن‪ ،‬بعدما تبني‬ ‫قصورومحدودية املقاربة باألهداف‪ .‬لقد جتلت مظاهرالثورة‬ ‫البيداغوجية ملادة «الشأن احمللي» في اآلتي»‪:‬‬ ‫ برنامج الشأن احمللي كان دامجا ملختلف مستويات الكفايات‬‫التي تضمن النموالعقلي والنفسي واحلركي واالجتماعي‬ ‫للمتعلم‪.‬‬ ‫ جمعت املادة بني البعد النظري والتطبيقي واإلجرائي في‬‫تكوين املتعلم‪ ،‬عبراالشتغال ب»املشروع»‪ ،‬فبعد التأطيرالنظري‬ ‫للمحاور‪ ،‬يتم االنتقال إلى العمل امليداني في شكل ملفات‬ ‫تتطلب تأطيرا نظريا للمتعلمني وشقا عمليا وميدانيا يفرض‬ ‫إجناز مجموعة من املهام كتجميع املعطيات‪ ،‬إجراء مقابالت‬ ‫معاجلهات املعنية‪ ،‬مثال‪ ،‬محور «ميزانيات اجلماعات احمللية‬

‫« كان ُيطل مبن التالميذ مقابلة رئيس اجلماعة الترابية‬ ‫واحملاسب اجلماعي‪ ،‬للتعرف على كيفية إعداد امليزانية‬ ‫اجلماعية‪ ،‬املوارد‪ ،‬النفقات‪ ،‬خانات اإلنفاق‪ ،‬مما كان يشكل‬ ‫«حرجا» للكثيرممن لم يكونوا متعودين على هذا النوع من‬ ‫التواصل‪ ،‬ويعتبرون الزيارات مبثابة مراقبة غيرمشروعة ‪،‬في‬ ‫حني أن العملية كانت تدخل في صميم تكوين املواطن‪ ،‬وبناء‬ ‫الدميقراطية احمللية والتعود على ربط املسؤولية باحملاسبة ‪.‬‬ ‫ما قيل عن هذا احملور‪ ،‬يقال عن محاورأخرى‪ ،‬تهم التجهيزات‪،‬‬ ‫البنيات التحتية‪ ،‬األنشطة االقتصادية‪ ،‬الهجرة ‪.‬‬ ‫ كانت املادة فرصة لتهذيب وتوجيه التواصل التربوي سواء‬‫داخل الفصول الدراسية أو التواصل اخلارجي مع مختلف‬ ‫اإلدارات واملصالح واملنتجني‪ ،‬مع مايتطلب ذلك من إعداد قبلي‬ ‫كتهييئ أسئلة املقابالت‪ ،‬استمارات‪ ،‬رخص خرجات إلجراء‬ ‫زيارة أو مقابلة ‪...‬‬ ‫ كانت املادة تقيس مختلف الذكاءات‪ ،‬وأتذكر في‬‫إطارتدبيراحلصص‪ ،‬تبني لي أن بعض التالميذ أثناء املناقشة‬ ‫كانوا يقومون بالتعبيرعن الظواهراملدروسة بوسائل مختلفة‬ ‫كالكاريكاتور والرسومات‪ ،‬فشجعتهم عل ىذلك‪ ،‬وكنت‬ ‫أختارأحسن اإلنتاجات وأعلقهاعلى جدران قاعة االجتماعيات‪،‬‬ ‫وفي نهاية السنة حتولت القاعة إلى معرض جميل‪ .‬كما‬ ‫تعلم التالميذ االحتكاك بالطبيعة في إطارمسح املوارد‬ ‫احمللية ‪ ،‬فتجمعت الكثيرمن ألبومات وعينات الصخور‪،‬‬ ‫األعشاب‪ ،‬األشجار‪ ،‬احليوانات‪ ...‬مذيلة بتعاليق وشروحات‪.‬‬ ‫ متكني املتعلمني من كفايات التواصل عبر إجناز ملفات‬‫ومناقشتها وبالتالي اكتساب قدرات احلوار وماتتطلبه من‬ ‫تدبيراالختالف‪ ...‬واعتماد أساليب احلجاج واإلقناع ‪،‬ومتكني‬ ‫املتعلمني من تسييراحلوارات وتقنياتكتابة التقارير‪.‬‬ ‫لقد كانت عدة مؤشرات تدل على تفاعل التالميذ مع املادة‪،‬‬ ‫عبر حضور جميع التالميذ حلصص التقدمي واملناقشة ‪ ،‬بل‬ ‫كان يسجل حضور تالميذ من أقسام أخرى في متلئ القسم‬ ‫عن آخره مع التزام تام بالهدوء واحلرص على املشاركة‬ ‫والتنافس في إعداد املشاريع وامللفات‪ ،‬وأصبحت املادة محببة‬ ‫لكل الشعب (املسالك كما ستسمى الحقا)‪ .‬لكن بشكل مفاجئ‬ ‫حذفت املادة ‪ ،‬ثم حرمان السنة الثانية بكالوريا علوم من مادة‬ ‫االجتماعيات نهائيا‪.‬‬

‫املحطة الثانية ‪:‬‬

‫وتتعلق باإلعداد حلاجيات التكوين املستمر في نهاية عقد‬ ‫التسعينيات من القرن العشرين بعد التأكيد على ضرورة‬ ‫االهتمام بالتكوين املستمر ملختلف األطر التربوية‪ ،‬وكان‬ ‫توزعت على األساتذة حتت إشراف‬ ‫اإلعداد جيدا عبر استمارا ُ‬ ‫املفتشني التربويني‪ ،‬ومت تفريغ االستمارات وحتديد األولوية‬ ‫النسبية حملاورالتكوين املستمر‪ ،‬ومت اإلخباربالنتائج‪ ،‬لكن كما‬ ‫العادة غاب كل شيء إلى اليوم‪ .‬وبعدصدورامليثاق الوطني‬ ‫للتربية والتكوين سنة ‪2000‬م (‪ ،)4‬ومحاولة تنزيله‪ ،‬ومنوذج‬ ‫العمل مبشروع املؤسسة ‪ ،‬واملقاربة بالكفايات واإلدماج وتوج‬ ‫املسلسل ب «برنامج جيني» (‪ )5‬و «املخطط االستعجالي‬ ‫(‪2009‬ـ ‪ ... )6( »)2012‬متذ لك بحماس شديد‪ ،‬وانطلقت أوراش‬ ‫للتواصل محلية ‪ ،‬إقليمية وجهوية حتت اإلشراف الفعلي‬ ‫ملديري األكادمييات اجلهوية للتربية والتكوين‪ ،‬لكن تبخركل‬ ‫شيء دون أن نعرف مآل اجلهود املبذولة ‪ ،‬ونتائج اللقاءات‬ ‫والنقاشات احلماسية ‪ .‬ذاب كل شيء‪.‬‬

‫املحطة الثالثة ‪:‬‬

‫تتعلقب إدماج تكنولوجيا املعلومات واالتصال في التعليم‪،‬‬ ‫وجهزت من أجل ذلك‬ ‫انطالق «برنامج جيني» منذ ‪2006‬م‪ُ ،‬‬

‫قاعات سميت ب»القاعات املتعددة الوسائط»‪ ،‬وانطلقت دورات‬ ‫التكوين محليا وإقليميا وجهويا‪ ،‬لكن املجهود بدأ يتالشى‬ ‫شيئا فشيئا‪ ،‬وتوقفت القاعات عن االشتغال نظرا لعدم وجود‬ ‫منهجية لتشغيلها‪ ،‬ومم انعات متعددة من طرف األساتذة‬ ‫واملشرفني‪ ،‬وبدأت التجهيزات يعلوها الغبار‪ ،‬في ظل ضعف‬ ‫التشغيل والصيانة ‪ .‬وبعد أكثرمن عقد من الزمن‪ ،‬تعود احملاولة‬ ‫من جديد في إطارما يسمى مشروع «إنتاج املوارد الرقمية «‬ ‫وكيفية إدماجها في التدريس في إطار «الرؤية االستراتيجية‬ ‫لإلصالح‪ )7( « 2030 2015-‬و»القانون اإلطار‪،)8(« 51/17‬‬ ‫ثم «التعليم عن بعد» الذي فرض نفسه نتيجة ظروف جائحة‬ ‫كورونا الناجتة عن فيروس»كوفيد‪ ،»19‬واحلجرالصحي وحالة‬ ‫الطوارئ الصحية التي فرضت توقفا لتعليم احلضوري ابتداء‬ ‫من ‪ 16‬مارس ‪2020‬م‪ ،‬واعتماد التعليم عن بعد باستعمال البث‬ ‫عبربعض قنوات الشركة الوطنية لإلذاعة والتلفزة ‪ ،‬أواعتماد‬ ‫مختلف وسائل التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫إن االنفتاح على التكنولوجيات احلديثة في ميدان التعليم‪،‬‬ ‫كانت حاضرة في الكثير من مواد التدريس مثل املواد العمية‬ ‫ومادة االجتماعيات منذ القدمي كمعينات ديداكتيكية ‪ ،‬لكن‬ ‫استعمال هذه التكنولوجيات في اللحظة احلالية بدأ يأخذ‬ ‫بعدا بنيويا ليشمل مختلف العمليات التدبيرية للمنظومة‬ ‫التربوية في شقها اإلداري واملراقباتي والتوجيهي والتعليمي‪،‬‬ ‫ورغم أن هذا التعميم أصبح يفرض نفسه وله انعكاسات‬ ‫إيجابية في الرفع من جودة التعليم وتيسير إجناز مختلف‬ ‫العمليات بالكفاءة والسرعة املطلوبتني‪ ،‬إال أن هذا االنفتاح‬ ‫يختلف في بعده اإلداري عنه في البعد التعليمي‪ ،‬حيث يبقى‬ ‫التعليم احلضوري إلى حدود البكالوريا أمرا ال مندوحة عنه‪،‬‬ ‫وستبقى األدوات التكنولوجية وسيلة لتيسير وجتويد التعليم‬ ‫ليس إال‪ .‬كما أن جتربة التعليم عن بعد أكدت التباينات التي‬ ‫يشهدها ميدان التعليم على مستوى التجهيزات والوضعية‬ ‫االجتماعية للمتعلمني‪ ،‬هذه التباينات لوحظت داخل املجاالت‬ ‫احلضرية وتتعمق أكثر بني املجاالت احلضرية والقروية ‪.‬‬ ‫ورغم أن املطلع على وثائق املشاريع اإلصالحية والتطويرية ‪،‬‬ ‫وآخرها الرؤية االستراتيجية والقانون اإلطار‪ ،51/17‬يجدها‬ ‫على مستوى الطموحات‪ ،‬جد مشجعة ‪ ،‬لكن على املستوى‬ ‫العملي ال زالت املناهج حتتاج إلى جرأة كبيرة جلعل التعليم‬ ‫رافعة أساسية للتنمية البشرية ‪ ،‬يقوم على التكوين األساسي‬ ‫الصلب واجلودة وتكافئ الفرص‪.‬‬ ‫نخلص إذن إلى أن الوضعية التعليمية باملغرب شهدت عدة‬ ‫تطورات‪ ،‬حتققت من خاللها عدة إجنازات‪ ،‬لكن تنازع ميدان‬ ‫التعليمبينالقطاعينالعموميواخلصوصي‪ ،‬والتنازعا التعليم‬ ‫بني ليحول مشاريع اإلصالح التي غ ّلبت التوجه العام للدولة‬ ‫املتجه نحو رفع يدها عن التعليم ولو بشكل تدريجي‪ ،‬لصالح‬ ‫القطاع اخلاص‪ ،‬مما عرض الكثير من املجهودات إلى اإلجهاض‬ ‫واستنزاف موارد مالية باهظة ‪ ،‬بالنظر لالرتباك الذي صاحب‬ ‫التدخالت ومحدودية النتائج‪ .‬كما أن غياب التقاطع بني اإلرادة‬ ‫السياسية والرغبة في إصالح املنظومة التعليمية ‪،‬غ ّلب‬ ‫الطابع االرجتالي على محاوالت اإلصالح وخضوعها لظرفيات‬ ‫خارجية ‪ ،‬أكثرمنها ضرورة سياقية ‪ ،‬وطبعا حملاوالت مبنطق‬ ‫التجاوز دون االحتكام للتقييم والتراكم‪.‬‬

‫*أستاذ سابق التعليم الثانوي التأهيلي‬ ‫لمادة االجتماعيات‬ ‫ـ عضو جمعية أساتذة االجتماعيات‬

‫‪19‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫مرحلي وليس خيار ًا تربوي ًا‬ ‫تدبير‬ ‫التّعليم عن بعد‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ذ‪/‬عبد المجيد تنداوي*‬

‫ّ‬ ‫وتفشيها‪ ،‬وا ّلتي أدّت‬ ‫في ظل األزمة التي يشهدها العالم بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا املستجد (كوفيد‪،)19‬‬ ‫الصحية؛ فأغلقت الدّول حدودها‪ ،‬و ُأغلقت بعدها املساجد‪ ،‬واملدارس‪ ،‬واملعاهد‪ ،‬واجلامعات‪.‬‬ ‫إلى إعالن حالة الطوارئ ّ‬ ‫جلأ املغرب‪ ،‬كغيره من الدّول التي اخترق هذا الوباء حدودها‪ ،‬إلى اتخاذ تدابير احترازية حملاصرته‪ ،‬واحلد من‬ ‫انتشاره‪.‬‬

‫كان «التعليم عن بعد» إحدى‬ ‫تلك ال ّتدابير امل ّتخذة من قبل‬ ‫الوزارة الوص ّية على القطاع‪،‬‬ ‫الذي رأت فيه بديال ولو مرحليا‪،‬‬ ‫عن ال ّتعليم احلضوري‪ ،‬حفظا‬ ‫ألنفس التالميذ‪ ،‬وعدم تع ّرض‬ ‫وضمانا‬ ‫للخطر‪،‬‬ ‫حياتهم‬ ‫لالستمرارية البيداغوجية‪.‬‬ ‫هذا القرار ‪ -‬تعليق الدّ روس‬ ‫واستبدالها‬ ‫احلضورية‪،‬‬ ‫ضجة‬ ‫بدروس عن بعد‪ -‬أحدث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعب املغربي‪،‬‬ ‫في أوساط‬ ‫فتضاربت اآلراء والتعاليق‪،‬‬ ‫بني واصف لإلجراء بكونه غير‬ ‫ورحب بهبديال‬ ‫وثمنه‪،‬‬ ‫مسبوق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ناجعا‪ ،‬وبني من رأى القرار‬ ‫متس ّرعا وراءه ما وراءه‪ ،‬ورفض‬ ‫البديل الذي قدّ مته الوزارة رفضا‬ ‫تاما‪ ،‬موعزين رفضهم إلى ما‬ ‫سيخلقه هذا البديل من ضرب‬ ‫واضح ملبدأ تكافؤ الفرص بني‬ ‫املتع ّلمني من أبناء هذا الوطن‬ ‫احلبيب‪.‬‬ ‫وسأحاول في هذه األسطر‪،‬‬ ‫أن أبسط وجهة نظري في‬ ‫املوضوع من خالل إثارة سؤال‪،‬‬ ‫ومحاولة اإلجابة عنه‪ .‬والسؤال‬ ‫ّ‬ ‫عما قيل من ردود‬ ‫الذي‬ ‫يتمخض ّ‬ ‫أفعال حول هذا ال ّتدبير املرحلي‬ ‫«التعليم عن بعد» هو‪ :‬هل كان‬ ‫املغرب مم ّثال في وزارة التربية‬ ‫الوطنية والتكوين املهني‬ ‫وتكوين األطر والبحث العلمي‪،‬‬ ‫يراهن على استبدال التعليم‬ ‫احلضوري‪ ،‬بال ّتعليم عن بعد؟‬ ‫إناالرتباك الذي أحدثه هذا القرار‬ ‫داخل الوزارة‪ ،‬من خالل توالي‬ ‫ّ‬ ‫واملذكرات‪،...‬وتأجيل‬ ‫البالغات‬ ‫العطلة الربيعية إلى وقت غير‬ ‫ّ‬ ‫يدل على أ ّنه تدبير‬ ‫معلوم‪،‬‬ ‫احترازي فرضته املرحلة‪ ،‬بهدف‬ ‫إلزام املتع ّلمني بيو َتهم‪ ،‬وعدم‬ ‫أخذ املسألة مبحمل الهزل‪،‬‬

‫واعتبارها عطلة استثنائية‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وغيره إذن‪ ،‬كفيل باإلجابة‬ ‫السؤال الذي طرحناه‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ّ‬ ‫ويؤكد‪ ،‬مبا ال يدع مجاال‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫للشك‪ ،‬بأنّ «التعليم عن بعد»‬ ‫لم يكن رهان الدّ ولة‪ ،‬وال بديال‬ ‫عن ال ّتعليم احلضوري‪ ،‬وإنمّ ا‬ ‫حملته سحابة الوباء معها مع ما‬ ‫ّ‬ ‫يؤكد‬ ‫حملته من مصائب‪ ،‬ومما‬

‫هذا ال ّنمط من التعليم واحتوائه‪،‬‬ ‫إذ ا ّتضح بامللموس ضعف‬ ‫الوزارة في كل ما يتعلق بهذا‬ ‫اجلانب‪ ،‬وتقليدية القطاع على‬ ‫جميع األصعدة واملستويات‪،‬‬ ‫الرقمية‪،‬‬ ‫املوارد‬ ‫وضعف‬ ‫املخصصة‬ ‫وغياب التكوينات‬ ‫ّ‬ ‫لهذا اجلانب‪ ،‬وغياب شبه تام‬ ‫للموارد ال ّرقمية‪...‬‬

‫هذا‪ ،‬أيضا‪ ،‬خروج وزير التربية‬ ‫السيد «سعيد أمزازي»‬ ‫الوطنية ّ‬ ‫بتصريح في مقابلة تليفزيونية‬ ‫له على إحدى القنوات املغربية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤكد من خاللها؛أنّ «التعليم عن‬ ‫بعد»‪ ،‬ال ميكن أن يكون بديال‬ ‫للتعليم احلضوري بتاتا‪.‬‬ ‫ومما يجعلنا نستبعد رهان‬ ‫الدّ ولة على «ال ّتعليم عن بعد»‪،‬‬ ‫هو عدم استعدادها املادي‪،‬‬ ‫شبهالتاملوسائل‬ ‫والغياب‬ ‫التكنولوجيا احلديثة في‬ ‫املؤسسات ال ّتعليميةالستقبال‬ ‫ّ‬

‫سولت لنا أنفسنا‬ ‫ح ّتى وإن‬ ‫ّ‬ ‫اعتماد هذا ال ّلون ال ّتعليمي‬ ‫احلديث‪« ،‬ال ّتعليم عن بعد»‪ ،‬فإن‬ ‫اإلمكانيات املادية ستعوزنا في‬ ‫ذلك‪ ،‬وحتول دون حتقيقه‪،‬رغم‬ ‫أنّ هذا ال ّلون ا ّلذي نعدّ ه حديثا‬ ‫ما هو إ ّال منوذج أصبح في‬ ‫الدّ ول املتقدّ مة شبه متجاوز‪،‬‬ ‫أو منطا عاديا من أمناط‬ ‫ال ّتعليم احلديث؛ فقدظهر بشكل‬ ‫رسمي سنة ‪1982‬م‪ ،‬عندما‬ ‫حاولت هيئة اليونسكو تفسير‬ ‫اسم الهيئة العلمية لل ّتربية‬

‫باملراسلة(‪ )ICCE‬إلى اسم‬ ‫جديد هو الهيئة العاملية لل ّتربية‬ ‫عن بعد(‪ ،)ICCDE‬حسب ما‬ ‫جاء في كتاب‪« :‬ال ّتعليم عن بعد‬ ‫وال ّتعليم املفتوح»‪.‬وإذا أردنا‬ ‫أن ند ّقق أكثر‪ ،‬فإن هذا ال ّنوع‬ ‫من ال ّتعليم‪ ،‬قد كان ممارسة‬ ‫شائعة في أربعينيات القرن‬ ‫ال ّتاسع عشر‪ ،‬رغم كونه كان‬ ‫بسيطا‪ ،‬وتقليديا‪،‬آنذاك‪ ،‬إال أ ّنه‬ ‫كان مبثابة إرهاصات مهّ دت‬ ‫ّ‬ ‫لظهورهبالشكل ا ّلذي نراه‬ ‫عليه اليوم‪.‬فقد ع ّبروا عنهفي‬ ‫تلك الفترةمبصطلحات كثيرة‬ ‫أذكر منها على سبيل املثال ال‬ ‫احلصر؛ «التعليم باملراسلة»‪،‬‬ ‫و»ال ّتعليم املفتوح»‪...‬‬ ‫في مقابل هذا فإن هذه األزمة‬ ‫كشفت جملة من احلقائق‪،‬‬ ‫وقدّمت إلينا الكثير من الدّ روس‪.‬‬ ‫خاصة ما يتع ّلق باملسؤولية‬ ‫التي حت ّلى بها رجال ال ّتعليم‬ ‫ّ‬ ‫الذات الذي‬ ‫ونساؤه‪ ،‬ونكران‬ ‫أبانوا عنه خدمة لهذا الوطن‪،‬‬ ‫وأبناء شعبه‪ ،‬وانخراطهم‬ ‫اإليجابي في تقدمي الدّ روس عن‬ ‫بعد؛ رغم ضعف االمكانات‪،...‬‬ ‫إذ سرعان ما ل ّبى رجال ال ّتعليم‬ ‫نداء الوطن‪ ،‬وانخرطوا في‬ ‫إنتاج املوارد ال ّرقمية‪ ،‬في املنازل‬ ‫ملن تو ّفرت لديه اإلمكانية‪ ،‬أو‬ ‫بال ّتنقل إلى العاصمة غير آبهني‬ ‫بخطورة الوضع‪.‬‬ ‫بنا ًء على ما سبق‪ ،‬ميكن القول‬ ‫إنّ «ال ّتعليم عن بعد» ما هو إال‬ ‫تدبير من ال ّتدابير املرحلية‬ ‫ا ّلتي اتخذتها الدّ ولة لتدبير‬ ‫األزمة التي تشهدها بسبب‬ ‫ّ‬ ‫تفشي «جائحة فيروس كورونا‬ ‫املستجد (كوفيد‪ ،»)19‬ولم يكن‬ ‫خيارا تربويا سعت الدّ ولة إلى‬ ‫تنزيله‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫الدراسة عن بعد والتكنولوجيا الرقمية‬

‫ذ‪/‬محمد مزاني*‬

‫لقد أدت األزمة الصحية التي تسبب فيها انتشار جائحة (كوفيد ‪ )COVID-19‬وتداعياتها‪ ،‬باملغرب إلى إغالق حدوده‪ ،‬و‬ ‫إعالن حالة الطوارئ الصحية‪ .‬وبالتالي دخل في مرحلة مختلفة وجديدة من التخطيط االستراتيجي‪ ،‬ومن التدبير والتسيير‬ ‫االستثنائي في جميع املجاالت والقطاعات‪ .‬ففي قطاع التربية و التعليم‪ ،‬سارع إلى إغالق مؤسسات التربية والتكوين‪ ،‬وعمدت‬ ‫وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي‪ ،‬إلى تبني خطة استعجالية لضمان سير الدراسة‬ ‫ومواكبة املتعلمني تعلماتهم عن بعد في‪  ‬املنازل‪.‬‬

‫ان اخلطة التي اعتمدت على التكنولوجيا‪،‬‬ ‫أثمرت إنتاجا مكثفا للدروس اخلاصة بهذه‬ ‫املرحلة من البرامج الدراسية للمتعلمات‬ ‫واملتعلمني وبثها عبر القنوات التلفزية الوطنية‬ ‫(القناة الثقافية‪ ،‬قناة العيون‪ ،‬قناة األمازيغية)‪،‬‬ ‫ونشرها وتقاسمها على منصتها الرقمية‬ ‫املوجهة للتلميذ(‪ ،)TelmideTICE‬وكذا تفعيل‬ ‫منصات األقسام االفتراضية (‪ ،)TEAMS‬لتمكني‬ ‫األطر التربوية من خلق جسور تواصلية تفاعلية‬ ‫وتزامنية مع املتعلمني‪.‬‬ ‫في خضم هذه الوضعية غير املسبوقة ‪ ،‬يطرح‬ ‫السؤال ‪ :‬ماذا عن املدرسة ؟‬ ‫يعد إغالق املدرسة ألبوابها‪ ،‬حفاظا على سالمة‬ ‫املتعلمات واملتعلمني واألطر اإلدارية والتربوية‪،‬‬ ‫إجراء احترازيا لم تكن تتوقعه‪ .‬وتعويض الدروس‬ ‫احلضورية بالتعليم عن بعد‪ ،‬بديال الستمرار‬ ‫الدراسة لم تكن مستعدة له‪ .‬إن املدرسة تعيش‬ ‫وضعا غير مسبوق‪ ،‬يصعب عليها التفاعل معه‪.‬‬ ‫هذه الصعوبة ميكن تلمسها من خالل أمرين‬ ‫أساسني في الرؤية اإلستراتيجية ‪،2015-2030‬‬ ‫أولهما محدودية املردودية الداخلية للمدرسة‬ ‫املتجلية أساسا في الولوج احملدود للتعلم‬ ‫عبر التكنولوجيات التربوية‪ ،‬وثانيهما ضعف‬ ‫املردودية اخلارجية متمثلة في محدودية انفتاح‬ ‫وتفاعل املدرسة مع محيطها‪ ،‬مع نقص في قدرتها‬ ‫على املواكبة السريعة واملالءمة لتحوالت محيطها‬ ‫احمللي والعاملي وإدماج مستجداته ومبتكراته‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬يجب أن تشكل هذه الفترة احلرجة وهذا‬ ‫الظرف املفاجئ‪ ،‬فرصة أمام املدرسة‪ ،‬التي وجدت‬ ‫نفسها من جديد في الواجهة وفي دائرة احلوار‪،‬‬ ‫وأضحت محط تساؤالت عدة‪ ،‬لتقدمي روايتها‪.‬‬ ‫وهي أيضا مناسبة يجب استثمارها لكي ال‬ ‫تبقى املدرسة متحملة لوحدها مسؤولية كل‬ ‫التعثرات التي تعاني منها‪ ،‬وبالتالي العمل على‬ ‫توفير الدعم لها من خالل توسيع قاعدة احللفاء‬ ‫واملدافعني الفعليني عن قضاياها‪ ،‬وخصوصا‬ ‫أولئك الذين يتوفرون على الكفايات والقدرات‬ ‫الضرورية على التكيف ملسايرة التغيرات‬ ‫السريعة التي يعرفها االقتصاد والتكنولوجيا‪.‬‬ ‫هذه األخيرة(التكنولوجيا)‪ ،‬ميكنها أن تشكل‬ ‫لبلدنا فرصة سانحة الختصار الطريق نحو‬ ‫منوذج التنمية البشرية املستدامة الذي سيدفع‬ ‫به نحو املستقبل‪.‬‬ ‫لقد كشف الواقع على عدم جاهزية املدرسة على‬

‫مواكبة مثل هذه الظروف‪ ،‬الشيء الذي يستدعي‬ ‫ثقافة جديدة للقطع مع حقبة ما قبل كورونا‪ .‬وما‬ ‫يجب أن نحتفظ به بعد جائحة كورونا‪ ،‬تغيير‬ ‫الطريقة التي نعيش ونتواصل و نعمل ونلعب‬ ‫ونتعلم بها‪.‬‬

‫املدرسة بعد جائحة كورونا‬

‫لقد كشفت جائحة كورونا‪ ،‬أن املدرسة ال تتوفر‬ ‫على بنية حتتية تكنولوجية‪ ،‬وأظهرت الفوارق‬ ‫في هذا املجال بني العالم القروي و احلضري‪.‬‬ ‫ونظرا لكون التكنولوجيات اجلديدة أدوات‬ ‫للتعلم واكتساب املعرفة‪ ،‬وبصفتها أشكاال جديدة‬ ‫من الوساطة الرامية إلى إنتاج طرق وممارسات‬ ‫ثقافية جديدة ‪ ،‬فإن إدماج هذه التكنولوجيا في‬ ‫املدرسة ميثل اليوم شرطا حاسما في جتديدها‬ ‫واالرتقاء بها‪ .‬وعليه‪ ،‬فلكي تتمكن املدرسة من‬ ‫حتمل مسؤولياتها‪ ،‬وتتفاعل مع حاالت الطوارئ‬ ‫بسرعة وفعالية‪ ،‬ولكي تقوم بوظيفتها التربوية‬ ‫معتمدة آليات ناجعة‪ ،‬كاحلكامة واملهنية وتفعيل‬ ‫شبكات التواصل‪ ،‬أصبح من الضروري جتهيزها‬ ‫بتكنولوجيا اإلعالم واالتصال‪ ،‬وبالقاعات‬ ‫متعددة الوسائط والوسائل السمعية البصرية‪،‬‬ ‫مع ربطها بشبكة االنترنيت‪ ،‬وتكوين أطرها على‬ ‫استخدام هذه األدوات وتوظيفها توظيفا مالئما‬ ‫في سياقات ووضعيات مختلفة‪.‬‬ ‫إن املدرسة بعد هذا احملك الذي انهار معه‬ ‫سورها اخلارجي‪ ،‬أمام خيارين‪ ،‬إما أن تعيد‬ ‫بناء هذا السور بأدواتها التقليدية واالستمرار‬ ‫في أداء مهمتها العادية واملألوفة (ما قبل جائحة‬ ‫كورونا)‪ ،‬أو أن ترفع حتدي الفجوة الرقمية‪.‬‬ ‫لقد دعا املجلس األعلى للتربية والتكوين‬ ‫والبحث العلمي منذ سنوات إلى تعزيز إدماج‬ ‫هذه التكنولوجيات في اجتاه االرتقاء بجودة‬ ‫التعلمات‪ .‬إنها دعوة لالنخراط بفاعلية في‬ ‫اقتصاد ومجتمع املعرفة‪ ،‬وولوج العالم الرقمي‬ ‫الذي يتطلب أن يتوفر املتعلم(ة) على قدرات‬ ‫معرفية‪ُ ،‬ت ْك َتسب في املدرسة‪ .‬وعليه فإن املدرسة‬ ‫وفي هذه الظرفية‪ ،‬التي تعرف حتوالت عميقة‬ ‫في احمليط االقتصادي واالجتماعي والثقافي‬ ‫للشباب‪ ،‬ملزمة بأن تتوفر على الكفايات الرقمية‪،‬‬ ‫والتي بدونها تتعمق الفوارق ليس فقط بني‬ ‫املتوفرين على الوسائل التكنولوجية )حواسيب‬ ‫‪..‬إلخ( فحسب‪ ،‬بل أيضا بني أولئك الذين‬ ‫اكتسبوا الثقافة والسلوك املدني الرقمي والذين‬ ‫لم يكتسبوهما‪.‬‬

‫يتعني إذن‪ ،‬من أجل مدرسة ما بعد جائحة‬ ‫كورونا‪ ،‬االنكباب بكل استعجال على ‪:‬‬ ‫< مقاربة استباقية‪ ،‬من شأنها‪ ،‬احلد من تأثير‬ ‫عوامل غير متوقعة(الكوارث‪ ،‬األوبئة‪..،‬الخ) على‬ ‫سير الدراسة والتحصيل‪ .‬مقاربة قائمة على‬ ‫اإلشراك والتخطيط والتوقع واإلقناع‪ ،‬والتي‬ ‫ستسمح ملجالس املدرسة باتخاذ القرارات‬ ‫املناسبة الضامنة الستمرارية املدرسة في أداء‬ ‫مهامها التربوية عن بعد‪.‬‬ ‫< توسيع نطاق استعمال التكنولوجيا الرقمية‪،‬‬ ‫وبذل املجهودات من أجل تعميمها‪ ،‬مبا أن إدخال‬ ‫هذه التكنولوجيات إلى احلقل التربوي قد شكل‬ ‫فرصة كبيرة لتطوير هذا املجال‪.‬‬ ‫< توسيع هامش حرية املدرسة‪ ،‬واستقالليتها‬ ‫املادية واملالية‪.‬‬ ‫< تطوير القدرات التدبيرية للفاعلني التربويني‪،‬‬ ‫باعتماد تكوينات بكفايات متالئمة مع مضامني‬ ‫الرؤية اجلديدة إلصالح املدرسة ورافعات‬ ‫التغيير التي توصي بها‪ ،‬وذلك ضمانا لتملكهم‬ ‫روح اإلصالح املنشود‪ ،‬واالنخراط فيه‪ ،‬واملواكبة‬ ‫العملية ألوراشه ‪.‬‬ ‫< مهنة التدريس‪ ،‬ويكون على مستويني‪ ،‬األول‬ ‫من خالل التركيز على أن يبقى املدرس قطب‬ ‫الرحى ملنظومة التربية والتعليم‪ ،‬أما الثاني‬ ‫االقتناع بأن املدرس هو من يساهم في تكوين‬ ‫« مواطنني ميتلكون كفاءات متجددة ومرجعيات‬ ‫ثقافية متكيفة أكثر مع احلاجيات احمللية والكونية‬ ‫ومتكنهم من االندماج السوسيو‪-‬مهني بسهولة»‪.‬‬ ‫الشيء الذي يستدعي تكوين هيئة التدريس على‬ ‫استعمال األدوات التكنولوجية من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى وضع سياسة حتفيزية لهذه الهيئة‬ ‫ليطوروا احملتويات الرقمية البيداغوجية‪.‬‬ ‫< النموذج البيداغوجي ‪ ،‬وخصوصا ما تعلق‬ ‫بالوسائل والوسائط التعليمية و املوارد‪.‬‬ ‫«تعزيز إدماج التكنولوجيات التربوية في‬ ‫النهوض بجودة التعلمات‪ ،‬وإعداد إستراتيجية‬ ‫وطنية جديدة ملواكبة املستجدات الرقمية‪،‬‬ ‫واالستفادة منها في تطوير مؤسسات التربية‬ ‫والتكوين والبحث‪ ،‬وخاصة على مستوى املناهج‬ ‫والبرامج والتكوينات منذ املراحل األولى من‬ ‫التعليم‪ ،‬بإدماج البرمجيات التربوية اإللكترونية‪،‬‬ ‫والوسائل التفاعلية‪ ،‬واحلوامل الرقمية‪ ،‬في‬ ‫عمليات التدريس و أنشطة التعلم والبحث‬ ‫واالبتكار»‬

‫‪21‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫< مشاركة اجلماعات الترابية للنهوض‬ ‫باملدرسة‪ ،‬في إطار تفعيل التضامن الوطني‬ ‫والقطاعي‪.‬‬ ‫< تقوية الروابط املباشرة والتواصل املنتظم مع‬ ‫األسر‪ ،‬ومن خالل ممثلي األمهات واآلباء واألولياء‬ ‫وإشراكهم في الفعل الثقافي والتدبيري‪ .‬والعمل‬ ‫معهم على صياغة قانون داخلي للمؤسسة‬ ‫يستجيب للمتطلبات واملستجدات(التعليم‬ ‫عن بعد‪ ،‬استعمال الهواتف‪،‬‬ ‫اللوحات اللمسية‪ ،‬الوسائل‬ ‫السمعية البصرية‪...‬الخ‪ ،‬داخل‬ ‫فضاءات املدرسة)‬ ‫< تقوية االندماج السوسيو‬ ‫ثقافي‪ .‬لقد أصبح على املدرسة‬ ‫جعل الثقافة بعدا عضويا‬ ‫من أبعاد وظائفها األساسية‪،‬‬ ‫على نحو يضمن نقل التراث‬ ‫الثقافي واحلضاري والروحي‬ ‫املغربي؛ وترسيخ التعددية‬ ‫الثقافية واالنفتاح على ثقافات‬ ‫الغير؛ وضمان ولوج سلس‬ ‫ومنصف للثقافة بني املجاالت‬ ‫الترابية‪ ،‬والسير في اجتاه‬ ‫حتويل املدرسة من مجرد فضاء‬ ‫الستهالك الثقافة إلى مختبر‬ ‫لإلسهام في إنتاجها ونشرها‪.‬‬ ‫إن االنكباب على هذه احملاور‬ ‫سيساهم في بناء مدرسة قادرة‬ ‫على االستمرار في أداء مهامها‬ ‫التربوية والتعليمية‪ ،‬مع‬ ‫مواصلة مهمتها ووظيفتها عن‬ ‫بعد في حاالت الطوارئ‪ .‬مدرسة‬ ‫قادرة بواسطة التكنولوجيا‬ ‫الرقمية على تقوية جسورها‬ ‫مع األسرة ومع محيطها القريب‬ ‫والبعيد‪ ،‬واالنفتاح على العالم‪.‬‬

‫ملف‬ ‫اإلنسان الراهن‪ .‬فيما غدت الثقافة الرقمية ترسم‬ ‫مالمح ما هو أساسي ومهم ورئيس وضروري‬ ‫في احلياة‪».‬‬ ‫إن هذه التجربة التي حتاول الوزارة تقوميها‪،‬‬ ‫ال يجب أن تتوقف بعد رفع احلجر الصحي‪ ،‬بل‬ ‫ينبغي أن تكون نقلة باملدرسة إلى مستوى أخر‬ ‫من العالقات‪ ،‬املهام‪ ،‬والوظائف التي تتجاوز‬ ‫العملية التعلمية مبعناها الضيق‪ .‬إنها أول‬

‫الدراسة عن بعد والتكنولوجيا الرقمية‬

‫بالرجوع إلى الرافعة التاسعة‬ ‫عشرة من الرؤية اإلستراتيجية‬ ‫‪ ،‬جند‪ « :‬التعزيز التدريجي‬ ‫لصيغ التعلم احلضوري‪،‬‬ ‫بالتعلم عن ُبعد‪ ،‬عبر اعتماد‬ ‫برامج ووسائط رقمية وتفاعلية‪،‬‬ ‫وتكوين مكتبات وموارد تربوية‬ ‫فكيف ميكن‬ ‫إلكترونية‪».‬‬ ‫للمدرسة أن تعرف الدراسة‬ ‫عن بعد؟ وكيف السبيل إلى‬ ‫اعتمادها في احلاالت الطارئة؟‬ ‫اجتهت وزارة التربية الوطنية‬ ‫والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث‬ ‫العلمي مبختلف هياكلها ومكوناتها‪ ،‬إلى‬ ‫اعتماد كل الوسائل التكنولوجية املتاحة‪ :‬البريد‬ ‫االلكتروني‪ ،‬املنصات الرقمية‪ ،‬القنوات التلفزية‪،‬‬ ‫االرسائل النصية‪ ،‬وبرنامج واتس آب (‪Whats‬‬ ‫‪ ،)sApp‬وبرامج التواصل االجتماعي‪ .‬هذه‬ ‫الوسائل باتت تشكل ركنا أساسيا في حاجات‬

‫خطوة نحو مدرسة الغد‪.‬‬ ‫إن قيمة حضور الوسائل التكنولوجية خالل هذه‬ ‫الظرفية‪ ،‬وفي الدراسة عن بعد‪ ،‬ال ميكن تصوره إال‬ ‫من خالل تخيلنا في خضم هذه اجلائحة بدونها‬ ‫(بدون هاتف محمول‪ ،‬بدون حواسيب وانترنيت‪..‬‬ ‫الخ)‪ .‬وما دمنا قد بدأنا التأقلم معها‪ ،‬والتكيف مع‬ ‫الوضعيات املستجدة‪ ،‬فمن املفروض وضع خطط‬

‫ملتابعة هذا النهج‪ ،‬وإعادة النظر في مجموعة من‬ ‫ممارساتنا و مهامنا وكيفية أدائها‪ ،‬وفي النظام‬ ‫الداخلي للمدرسة على اخلصوص‪ .‬و في هذا‬ ‫الصدد ما تعلق بالهاتف احملمول‪ ،‬الذي أضحى‬ ‫حسب العديدين احلاسة السابعة لإلنسان‪ .‬فال‬ ‫ميكن التغاضي عن األثر الذي أحدثه هذا اجلهاز‬ ‫في استمرار الدراسة عن بعد‪ ،‬وفي تيسير احلياة‬ ‫اإلدارية واليومية‪ ،‬وتوفير نافذة للتواصل وربط‬ ‫االتصال بالعالم‪ ».‬لم يعد‬ ‫الهاتف احملمول أمرا كماليا‬ ‫أو إكسسوارا يثير اإلعجاب‬ ‫والتباهي‪ ،‬بقدر ما غدا حاجة‬ ‫أساسية إلى االنضمام إلى‬ ‫ذروة احلياة العادية واملمارسة‬ ‫اليومية‪ .‬فال ميكن للمرء أن‬ ‫يتواصل مع بيئة العمل‪ ،‬أو‬ ‫اجناز تفاصيل حياته‪)..(،‬إال‬ ‫من خالل هذا اجلهاز‪ ،‬الذي غدا‬ ‫بوابة اإلنسان لولوج احلياة‬ ‫العادية والطبيعية‪.».‬‬ ‫عندما نصر على أهمية‬ ‫وضرورة إدماج التكنولوجيا‬ ‫الرقمية في املدرسة‪ ،‬فهذا ال‬ ‫يعني في أي حال من األحوال‬ ‫التخلي كلية عن الوسائط‬ ‫األقدم‪ ،‬بل من خالل تعايش‬ ‫وتتفاعل هذه األخيرة مع‬ ‫القادمني اجلدد كما يقال‪ .‬وهو‬ ‫ما ذهب إليه املجلس االقتصادي‬ ‫واالجتماعي والبيئي حينما‬ ‫قال‪ « :‬ال يتم التخلي عن الكتب‬ ‫املدرسية الورقية‪ ،‬وال تستعمل‬ ‫احلوامل األخرى إال لتكملة‬ ‫الكتاب املدرسي أو بالتناوب‬ ‫معه‪ ،‬بشكل يضمن التكامل‬ ‫بني االثنني‪ ،‬مع االستفادة‬ ‫من حسناتهما معا استفادة‬ ‫منهجية ومدروسة»‪ .‬مقتنعني‬ ‫بأن الرقمي ميكنه املساهمة‬ ‫بالدرجة األولى في جتديد‬ ‫املدرسة و تطوير قدراتها‬ ‫وحتسني صورتها ومكانتها‪.‬‬ ‫لقد حان الوقت لالستفادة‬ ‫من الرقمي‪ ،‬من أجل تطوير‬ ‫جودة اخلدمات املقدمة سواء‬ ‫للمتعلمني وأولياء أمورهم أو‬ ‫األطر العاملة في القطاع‪.‬‬ ‫وفي اخلتام‪ ،‬يجب أن يرسخ‬ ‫حدث جائحة كورونا في‬ ‫أذهاننا‪ ،‬ضرورة التكيف والتأقلم من جهة ‪،‬‬ ‫وضرورة توفير العدة وجتهيز املدرسة باألدوات‬ ‫التكنولوجية من جهة أخرى‪ .‬فال ميكن تصور‬ ‫مدرسة الغد بدون تكنولوجيا رقمية‪ ،‬وبدون‬ ‫تعزيز سلطة القرار داخل املدرسة‪.‬‬ ‫(*)‪ -‬مدير ثانوية‪ -‬مراكش‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫التعليم عن بعد‬

‫جواد اينسي*‬

‫ملف‬

‫إذا كان فيروس كورونا قد أربك كل القطاعات االقتصادية واالجتماعية إن لم نقل اإلنسانية بصفة‬ ‫عامة‪ ،‬وأعاد طرح العديد من األسئلة في شتى املجاالت بتعدد مشاربها‪ ،‬إال أننا سنكتفي مبا أثارته هذه اجلائحة من‬ ‫إشكاالت وحتوالت وحتديات عرفها قطاع التربية والتكوين في املغرب خالل هذه الفترة‪.‬‬

‫ميكن القول إن الطبيعة حتاول عقلنة‬ ‫السياسات العمومية في البلدان التي‬ ‫تعتمد على االرجتالية في تسيير‬ ‫شؤونها دون تخطيط على املدى البعيد‬ ‫أو رؤية استشرافية‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫الكوارث الطبيعية واجلوائح التي ُتعري‬ ‫بها ضعف وفشل هذه السياسات كما‬ ‫ُتذكر أن ارتباط اإلنسان بالطبيعة حقيقة‬ ‫وواقع ال ميكن جتاهله مهما تطور‪.‬‬ ‫< إذا ما هي أهم التحوالت التي‬ ‫شهدها قطاع التربية والتكوين خالل‬ ‫جائحة كرونا؟ وما هي‬ ‫املعيقات والتحديات التي صادفت هذه‬ ‫التحوالت؟ وإلى أي مدى ميكن أن نراهن‬ ‫على هذه التحوالت؟‬ ‫إن املدرسة املغربية تعيش أزمة بنيوية‬ ‫ومهيكلة ومتشابكة بغيرها من عناصر‬ ‫املجتمع ليس في‬ ‫وقتنا الراهن فقط بل منذ االستقالل‪،‬‬ ‫فهي (املدرسة) غير قادرة على إصالح‬ ‫األوضاع االجتماعية واالرتقاء باملجتمع‬ ‫لوحدها‪ ،‬لهذا ارتفعت أصوات املختصني‬ ‫في مجال التربية والتكوين بضرورة‬ ‫االنخراط الفعلي للمحيط مع املدرسة‬ ‫ضمن عالقة جدلية في جل العمليات‬ ‫التي تقوم بها هذه األخيرة (املدرسة) من‬ ‫تنشئة وتعليم‪...‬إال أنه ولألسف الشديد‬ ‫لم تتفاعل مكونات احمليط وباخلصوص‬ ‫األسرة باعتبارها النواة األولى في بناء‬ ‫املجتمع مع مؤسسات املعرفة بل تنصلت‬ ‫أيضا من مهامها التربوية ل ُتنيط كل‬ ‫املسؤولية على عاتق مؤسسات املعرفة‬ ‫(مدرسة‪ .)...‬لكن كما قلنا سابقا فرضت‬ ‫الطبيعة وجودها في الواقع متمثلة في‬ ‫فيروس كرونا وألزمت اإلنسان التوجه‬ ‫نحو العالم االفتراضي الذي طاملا انتقده‬ ‫باعتباره العامل الرئيسي في تكسير‬ ‫الروابط األسرية واالجتماعية‪ .‬وفي ظل‬ ‫هذه األزمة التي يعيشها العالم‪ ،‬توجهت‬ ‫غالبية املؤسسات التعليمية نحو(العالم‬ ‫االفتراضي) التعليم عن بعد كبديل أنسب‬ ‫لضمان استمرار العملية التعليمية‪،‬‬ ‫وبالتالي انتقلت العملية التعليمية‬ ‫التعلمية من وسط خارج األسرة‬ ‫(املدرسة) إلى قلب األسرة (املنزل)‪ .‬هذا‬ ‫االنتقال صاحبته عدة حتوالت أهمها‪:‬‬ ‫< حتول منط التعليم ‪ :‬أصبح التحول‬ ‫من تعليم تقليدي وما مييزه من مناهج‬ ‫وبداغوجيات وحضور للمتعلمني‪...‬‬ ‫ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى‬ ‫إلى تعليم عن بعد‪ ،‬تعليم إلكتروني‬ ‫يعتمد على أقسام افتراضية وتطبيقات‬ ‫ذكية‪...‬‬

‫حتديات بيداغوجية‪:‬‬

‫< حتول آليات وأدوات التعليم ‪ :‬وذاك‬ ‫بتحديث وتعزيز املؤسسات التعليمية‬ ‫بوسائل إلكترونية حديثة‪ ،‬ورقمنة‬ ‫البرامج واملناهج والدروس التعليمية‬ ‫مبا يتناسب والتعليم عن بعد‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى متكني املتعلمني من حصص إضافية‬ ‫في املعلوميات‪ ،‬وتوفير دورات تكوينية‬ ‫لألساتذة في البرمجيات وطرق التدريس‬ ‫عن بعد‪.‬‬ ‫< حتول في تقدمي وتلقي املعرفة ‪:‬‬ ‫رافق االنتقال من تعليم تقليدي إلى‬ ‫تعليم عن بعد‪ ،‬انتقال من بناء الدرس‬ ‫عبر مراحله الكالسيكية وذلك بجعل‬ ‫املتعلم هو محور العملية التعليمية‬ ‫التعلمية انطالقا من متثالته إلى تقدمي‬ ‫درس الكتروني (فيديو‪ ،‬صور متحركة‪)...‬‬ ‫يعتمد فيه املدرس على متثالته فقط‪ .‬أما‬ ‫بخصوص املتعلم الذي كان يشارك في‬ ‫بناء العملية التعليمية التعلمية بتوجيه‬ ‫من املدرس فقد أصبح مجرد متلقي ملا‬ ‫ُيعرض عليه‪.‬‬ ‫كما هو معلوم أن أي حتول أو انتقال من‬ ‫منوذج سائد إلى منوذج جديد تعترضه‬ ‫عدة إكراهات وحتديات إن لم نقل معيقات‬ ‫تفرض حتسني وحتديث النموذج اجلديد‬ ‫مع ما يتطلبه الواقع‪ .‬ما دام أن الظرفية‬ ‫(جائحة كرونا) فرضت جتاوز النموذج‬ ‫القدمي (التعليم التقليدي) بل االستغناء‬ ‫عنه وإغالق فضاءاته وجتميد نشاطاته‪.‬‬ ‫فلقد واجه التعليم عن بعد عدة حتديات‬ ‫ميكن تصنيفها إلى‪:‬‬

‫راجعة أساسا إلى غياب موارد رقمية‬ ‫لدى املؤسسات التعليمية ( مكتبة ودروس‬ ‫وكتب ووثائق رقمية‪ ،)...‬باإلضافة إلى‬ ‫التحول من الفصول الدراسية التقليدية‬ ‫والتعليم وجه ًا لوجه إلى التعليم القائم‬ ‫على الكمبيوتر أو الهواتف الذكية في‬ ‫الفصول االفتراضية نتجت عنه جتربة‬ ‫متاما في التعلم والتعليم‬ ‫مختلفة‬ ‫ً‬ ‫لدى كل من املتعلمني واملدرسني‪ ،‬وهذا‬ ‫التغيير جعل التكيف مع بيئة التعلم‬ ‫عن بعد صعبة إن لن نقل شاقة‪ ،‬حيث‬ ‫لم ُيراع النموذج اجلديد (التعليم عن‬ ‫بعد) الزمن املدرسي لكل فئاته‪ ،‬فأصبح‬ ‫املتعلمون مجبرين على اجللوس بواقع‬ ‫‪ 5‬و ‪ 6‬ساعات يوميا أمام األجهزة‬ ‫االلكترونية يتلقون حصص غير تفاعلية‬ ‫ال جتذبهم وال تراعي صحة عيونهم وال‬ ‫وضعهم النفسي‪ .‬واملدرس بدوره ليس‬ ‫أفضل حاال من متعلميه حيث أصبح‬ ‫يحتاج إلى بذل جهد مكتف إلجناز درس‬ ‫إلكتروني يراعي الفوارق واألهداف‬ ‫وذلك دون أن يتلقى تكوينا لوجستيكيا‬ ‫أو بيداغوجيا بخصوص هذا النوع‬ ‫من التعليم (التعليم عن بعد)‪.‬باإلضافة‬ ‫إلى حتديات بيداغوجية أخرى كالبحث‬ ‫عن طرق تساعد املتعلم على التركيز‬ ‫واالنتباه مع الدرس في ظل األلعاب‬ ‫والبرامج التي تشتت تركيزه والتي‬ ‫يتوفر عليها جهازه‪.‬‬

‫متثلت في غياب االستمرارية لدى جل‬ ‫احلكومات املتعاقبة على تدبير الشأن‬ ‫السياسي بصفة عامة والشأن التربوي‬ ‫بصفة خاصة في املجتمع املغربي‪،‬‬ ‫حيث ظلت املزاجية واالنفرادية إلى‬ ‫جانب االرجتالية هي السائدة واملنتجة‬ ‫للقطائع اإلصالحية‪ .‬وخير دليل على‬ ‫هذا هو ما أعلنه تقرير مجلس األعلى‬ ‫للحسابات الصادر سنة ‪ 2014‬أن برنامج‬ ‫جيني ‪ Génie‬الذي يهدف إلى تعميم‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في‬ ‫املؤسسات التعليمية يشوبه اختالالت‬ ‫ونواقص‪ ،‬فبالرغم من مرور سنوات عدة‬ ‫على إطالق البرنامج (مارس ‪،)2006‬‬ ‫لم يتعد استخدام التالميذ للوسائل‬ ‫املعلوماتية ‪ 18‬دقيقة في األسبوع‪،‬‬ ‫كما أن األساتذة لم يتمكنوا من إدماج‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في‬ ‫التعليم والتعلم بنسب ترقى إلى أهداف‬ ‫البرنامج‪.‬‬

‫ميكن اعتبار هذه التحديات هي التي‬ ‫كبحت وأفشلت إن صح القول التعليم‬ ‫عن بعد‪ ،‬وذلك لكون هذا التعليم ال‬ ‫ميكن أن يوجد في غياب أهم شروطه‬ ‫كضعف صبيب األنترنيت وانعدام‬ ‫الشبكة والتغطية‪ ،‬باإلضافة إلى غياب‬ ‫البث التلفزيوني في بعض املناطق مما‬ ‫جعل فيها هذا النوع من التعليم منعدما‪.‬‬ ‫ناهيك عن الفوارق االجتماعية واملجالية‬ ‫التي ساهمت بشكل مباشر في حرمان‬ ‫معظم متعلمي املجال القروي ونسبة‬ ‫كبيرة من أبناء املدن من متابعة دروسهم‬ ‫عن بعد‪ .‬كما أن مصاريف التعبئة‬ ‫واالنترنيت أثقلت كاهل األسر واملدرسني‬ ‫مما أدت إلى ضجرهم وعدم رضاهم على‬ ‫هذا النموذج اجلديد‪ .‬وكما يعلم اجلميع‬ ‫توجد عدة عوائق تقنية ال يسمح املجال‬ ‫بذكرها والتوسع فيها كغياب إن لم نقل‬ ‫انعدام األجهزة االلكترونية الذكية عند‬ ‫معظم املتعلمني و‪...‬الخ‪.‬‬

‫حتديات سياسية‪:‬‬

‫حتديات تقنية‪:‬‬

‫حتديات ثقافية‪:‬‬

‫ميكن تلخيصها في عدم مشاركة أغلب‬ ‫األسر في العملية التعليمية التعلمية‬ ‫قبل جائحة كرونا‪ ،‬واجلهل املعلوماتي‬ ‫وااللكتروني أو األمية االلكترونية إن‬ ‫صح املصطلح لدى األجيال السابقة‬ ‫من آباء وأساتذة‪ ،‬حيث أنه ال يستطيع‬ ‫الكثير منهم تشغيل البرامج األساسية‬ ‫ممثل ‪ Microsoft Word‬و ‪PowerP‬‬ ‫‪ Point‬وبالتالي ال ميكنهم التعامل مع‬ ‫الدروس االلكترونية بنوع من االحترافية‪،‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬يجد العديد من األطفال‬ ‫و املتعلمني مشاكل تقنية في األجهزة‬ ‫مزعجة‪ ،‬و ذلك ناجت عن جهلهم في هذا‬ ‫املجال‪.‬‬ ‫أصبح التعليم عن بعد واحدًا من‬ ‫أساسيات املجتمع املتطور في منظومات‬ ‫التعليم احلديثة‪ ،‬ملا يحقق‬ ‫من فائدة عظمى مثل متابعة املتعلم‬ ‫للدروس واألنشطة رغم غيابه عن املدرسة‬ ‫بسبب املرض أو أي عذر آخر‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل إمكانية اتصاله مع املدرسة بشكل‬ ‫مباشر‪ ،‬باإلضافة إلى ‪ ‬خاصية األرشفة‬ ‫وتسجيل الدرس إلكترون ًيا التي ميكن‬ ‫االستفادة منها و الرجوع إليها بالنسبة‬ ‫لألشخاص املزاجيني الذين يصيبهم‬ ‫الضجر واملشاغبة في القسم‪ ،‬لهذا ميكن‬ ‫اعتبار هذا النموذج اجلديد في التعليم‬ ‫رهان الدول النامية كاملغرب وذلك من‬ ‫خالل‪:‬‬ ‫< جتهيز كافة املؤسسات التعليمية‬ ‫باألجهزة املعلوماتية وربطها بشبكة‬ ‫االنترنت‪.‬‬ ‫< تكوين وإمناء القدرات املهنية في‬ ‫مجال استعمال تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالتصاالت في املجال التربوي لفائدة‬ ‫الفاعلني التربويني (هيأة التدريس‪،‬‬ ‫هيأة التأطير التربوي‪ ،‬هيأة اإلدارة‬ ‫التربوية)‪.‬‬ ‫< إنتاج املوارد الرقمية ووضعها رهن‬ ‫إشارة املدرسات واملدرسني واملتعلمات‬ ‫واملتعلمني عبر البوابة الرقمية‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫< تطوير استعماالت تكنولوجيا‬ ‫املعلومات واالتصاالت من خالل‬ ‫التحسيس بقيمتها املضافة في التدريس‬ ‫ومصاحبة وتتبع املمارسات املرتبطة‬ ‫بإدماج هذه التكنولوجيات في منظومة‬ ‫التربية والتكوين‪.‬‬ ‫*مدرس‬

‫‪23‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫نحو تأسيس فلسفة للتعليم والتعلم عن بعد باملغرب‬

‫ذة‪/‬منى ورشان*‬

‫«إذا أراد اإلنسان أن يعيش فعليه أن يتغير»‪ ،‬تختزل هذه القولة لياسبيرزطبيعة التدابيرو االجتهادات التي نهجها‬ ‫اجلسم التربوي ‪ :‬وزارة‪ ،‬و فاعلون تربويون‪ ،‬و متعلمون‪...‬في استمرارية النشاط التدريسي‪،‬و ذلك بتبني «التعليم عن‬ ‫بعد» الذي أضحى ضرورة ملحة و «محاولة عيش»‪ ،‬بلغة زفزاف‪ ،‬في زمن اجلائحة الغادر‪ .‬و رغم وجود جتارب خاضتها‬ ‫منظومة التربية و التكوين قبل عقد من الزمن في مجال التعليم اإللكتروني مثل ‪…Génie Collab - AlefItqane -:‬‬ ‫إن السؤال املطروح هو‪ :‬هل يكفي توفير املعدات التقنية و تعميم إدماج التكنولوجيا لتنزيل روح «التعليم عن‬ ‫بعد»؟‬

‫معلوم أن التعليم عن بعد‪ ،‬ال ميكن أن يعوض بأي حال‬ ‫من األحوال التعليم الواقعي املعتاد‪ ،‬إال أن النظر لقطبي‬ ‫الثنائية مبنطق حدي تعارضي يلحق الضيم بأحدهما‬ ‫على حساب اآلخر‪ .‬لذلك حتاول هذه الورقة استثمار‬ ‫اجلهود املبذولة و اآلفاق احملتملة لتقدم أرضية للنقاش‬ ‫اجلماعي‪ ،‬مركزة ‪ -‬قدر اإلمكان‪ -‬على اجلوانب الفكرية‬ ‫و معتبرة أن مدخل التفكير في «التعليم عن بعد» من‬ ‫شأنه أن يضاعف فهمنا البيداغوجي و يزيد في توسيع‬ ‫نطاق تعليمية املواد املدرسة و تعلمها مبختلف األسالك‬ ‫التعليمية‪ .‬و ذلك عبر مستويات ثالث ‪:‬‬

‫حتديدات أولية ‪:‬‬

‫إن الداللة املقصودة بكلمة فلسفة في هذا السياق هي‬ ‫داللة عامة تنهل من معني املعجم التربوي ‪ ،‬إذ ال وجود‬ ‫ملمارسة تعليمية في معزل عن إطار فكري مفاهيمي‬ ‫يجسد قيمها‪ ،‬و يؤطر أسسها و أبعادها التنظيرية‬ ‫و امليدانية‪ ،‬و هذا ما أكده الباحثان ‪Sharan Merr‬‬ ‫‪ riam‬و ‪ John L. Elias‬حيث اعتبرا عملية التأسيس‬ ‫الفلسفي ألي فعل تربوي مبثابة املنظار الذي يوجه‬ ‫بناء و تخطيط التعلمات و يكشف عن عوالم جديدة في‬ ‫املمارسة التعليمية‪-‬التعلمية‪.a‬وفق هذا املنطق يصبح‬ ‫فعل «التفكير» في التعليم اإللكتروني رافدا من روافد‬ ‫توسيع فهمنا للتعليم الصفي األساس‪ .‬حيث تتشكل‬ ‫هذه اخللفية الفكرية من مجموع القيم و املفاهيم‬ ‫املوجهة للنشاط التعليمي‪ -‬التعلمي عن بعد في مختلف‬ ‫مراحله من اإلعداد إلى التقومي‪ ،‬والتي تروم املساهمة‬ ‫في معيرة»التعليم‪-‬التعلم عن بعد» وضمان اطراد‬ ‫نتائجه‪.‬‬ ‫ولعل أول مساهمة في التأسيس لهذه األرضية تكمن‬ ‫في املراجعة النقدية‪ :‬ترجمة ومتثال ملصطلح «التعليم‬ ‫عن بعد» و ما يحاقله‪ .‬إذ املالحظ وجود حرص على‬ ‫استخدام كلمة «التعليم عن بعد « في تركيز مطلق على‬ ‫دور األستاذ(ة) وتغييب واضح لدور املتعلم(ة)‪ .‬ومرد‬ ‫األمر‪ -‬في نظري‪ -‬يعود إلى مشكلة اللغة املصدر‪:‬‬ ‫الفرنسية‪ ،‬واإلجنليزية‪ .‬التي تلقي بظالل مدلولها‬ ‫على معان مختلفة حد التضارب‪،‬وهو ما يجعلنا نطرح‬ ‫السؤال‪ :‬إلى أي مدى يعكس هذا املصطلح وترجمته‬ ‫(التعليم عن بعد) املقتضيات البيداغوجية‪ ،‬دوليا‪ ،‬في‬ ‫السياق املغربي؟ و أي لغة مصدر ستعتمد في فهم و‬ ‫أجرأة أسس «التعليم عن بعد» ؟‬ ‫في اللغة الفرنسية جند أن «التعليم عن بعد»‬ ‫ااستحضار مباشر للمقابل الفرنسي‪Enseignem :‬‬ ‫‪ ،ment à distance‬و بالرجوع إلى تاريخ ظهور‬ ‫املصطلح املرتبط باملراسالت التعليمية ندرك أهمية‬ ‫املتعلم في هذه السيرورة التعليمية‪ ،‬كما أن استحضار‬ ‫«إعالنإنشيون‪ »Incheon Declaration‬الذي نظمته‬ ‫اليونسكو بشراكة مع منظمات دولية أخرى سنة ‪2015‬‬ ‫بكوريا يؤكد على روح التعليم املجسدة في التعلم‪ ،‬وهو‬ ‫ما يؤكده شعار اللقاء ‪ »:‬نحو التعليم اجل ّيد املنصف‬ ‫والشامل والتع ُّلم مدى احلياة للجميع «‪b‬‬ ‫أما في اللغة اإلجنليزية فإننا نواجه مصطلحات‬ ‫متعددة تستوجب وقفة علمية لضبط حدود ممارستها و‬ ‫أشكالها في املدرسة املغربية‪ .‬و من النماذج املصطلحية‬

‫الدالة نذكر ما جاء في مقال إخباري ورد في البوابة‬ ‫الرسمية للوكالة األمريكية للتنمية الدولية ‪USAID‬‬ ‫حيث ُجعِ ل «التعليم عن بعد» ترجمة ل‪Distance learn‬‬ ‫ح‬ ‫‪ ning‬و أحيانا ‪ Virtual learningc‬رغم أن احلدود‬ ‫املعجمية جتعلنا ندرك بعض الفوارق االصطالحية‬ ‫ترجم ًة و َم ْفهَ َم ًة بني ‪ :‬التعلم عن بعد (=‪Distance‬‬ ‫‪ )learning‬و التعليم عن بعد (= ‪)Distance teaching‬‬ ‫‪.‬‬ ‫و إذا ما حاولنا استقراء حدود املطابقة الداللية بني‬ ‫املصطلح و مدلوله فيمكننا الوقوف عند فكرة أساس‬ ‫و هي ضرورة اعتماد اللغة املصدر اإلجنليزية في نقل‬ ‫املصطلح و توحيده و اعتماد مصطلح «التعليم و التعلم‬ ‫عن بعد»‪ ،‬باعتباره تعليم ًا ِّ‬ ‫يركز على املتعلم الذي يصبح‬ ‫نتاج سيرورة فعل التعلم أساسا ال التعليم و ذلك عبر‬ ‫تعزيز مهارة التعلم الذاتي ‪.‬‬

‫املرتكز الفكري‪:‬‬

‫يتجلى في ضرورة استحضار»التيارات التفاعلية» التي‬ ‫تركز على االهتمام بالتبادالت الفعلية أكثر من الفعل‬ ‫نفسه‪ ،‬فتصبح املمارسة التربوية في هذا السياق مركزة‬ ‫على حدود الفعل التعليمي‪ ،‬التعلمي أكثر من وجوده‬ ‫في ذاته‪ .‬إن االعتماد على التعليم التفاعلي ضرورة في‬ ‫التعليم الصفي املباشر الذي يقتضي العناية بردود‬ ‫الفعل وبالتالي تتعزز مبادرات املتعلمني‪.‬‬ ‫وهذا ما تختزله عبارة‪ ،‬بليغة تربويا‪ ،‬تتكرر في‬ ‫األبحاث التي تعنى مبجال التعلم اإللكتروني‪E-‬‬ ‫‪»learning‬التربويون يعيدون تشكيل التعليم‪ ،‬ال‬ ‫التقنيات»‪.‬‬ ‫في هذا السياق‪ ،‬يصبح التفاعل حتمية في عملية‬ ‫«التعليم والتعلم عن بعد»و دعامة من دعائم تطويع‬ ‫التقنية ملراجعة الوضعيات التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ،‬و هو‬ ‫ما يجعلنا نعيد معيرة طبيعة العالقة بني أقطاب املثلث‬ ‫الديداكتيكي لكل مادة‪/‬مكون على حدة‪ .‬إن من شأن تبني‬ ‫أسس التوجهات التفاعلية في عملية التعليم والتعلم عن‬ ‫بعد إدماج مصطلح «الدافعية» واعتباره متغيرا تعليميا‬ ‫أساسيا‪ ،‬وهو ما يتناغم وروح ثقافة»التعليم والتعلم‬ ‫عن بعد» التي تؤسس لروح املبادرة الفاعلة املرتبطة‬ ‫بوجهة نظر الذات املتعلمة و قيمها اجلماعية‪.‬‬

‫املرتكز القيمي‪:‬‬

‫لقد أكدت أصوات فلسفية عديدة ان هذه اجلائحة‬ ‫كشفت عن هشاشة الروابط العاملية و لعل هذا ما‬ ‫حدا يإدغارموران‪E.Morin‬إلى القول‪:‬إن «التشابك‬ ‫العاملي مفتقد للروابط القيمية»‪d‬و في املقابل‪ ،‬أظهرت‬ ‫اجلائحة أشكاال مشهودة من التضامن القيمي احمللي‪،‬‬ ‫و هو املعول عليه في زمن ما بعد الكورونا‪ .‬فالتفكير‬ ‫في إرساء دعائم تعليم‪-‬تعلم عن بعد مساعد للتعليم‬ ‫املباشر‪،‬ال بد أن يستحضر هذه الروابط القيمية وأن‬ ‫يعززحضور «النزعة اإلنسانية» في صياغة املضامني‬ ‫الرقمية وتوفير معدات التعليم والتعلم عن بعد‪.‬‬ ‫فاالعتماد على وسائل التقانة وسلطة اآللة‪ ،‬فحسب‪،‬‬ ‫في تغييب للروابط القيمية يجعل الدرس املستفاد‬ ‫من جائحة كورونا هباءمنثورا‪ .‬صحيح أن اللوحة‬

‫اإللكترونية ال ميكن أن تعوض حلظة تعلم مباشر‪ ،‬لكن‬ ‫هذا ال يعني جتردها من قيم التعليم الصفي وحصر‬ ‫حدود مجالها في نقل احملتوى التعليمي رقميا في معزل‬ ‫عن خصوصية الروابط بني أقطاب املثلث الديداكتيكي‬ ‫واحمليط التربوي‪.‬‬ ‫إن الرهان األكبر ال يتجسد في توفير الدعامات‬ ‫البشرية واملادية فقط (التكوين الرقمي ‪+‬حواسيب ‪+‬‬ ‫شابكة‪ ،)...‬بل الرهان احلقيقي هو ضمان تربة قيمية‬ ‫داعمة الستمرارية التعليم عن بعدإلى جانب التعليم‪-‬‬ ‫التعلم الصفي املباشر واألساس‪ ،‬وذلك عبر‪:‬‬ ‫توفير سبل األمن املعلوماتي (السيبراني)‪ -‬تشجيع‬ ‫املبادرات النوعية ‪ -‬دمقرطة املعلومة التعليمية‪/‬‬ ‫التعلمية ‪ -‬تعميم أدواتها و ميكن تبني‪ ،‬في هذا السياق‪،‬‬ ‫تأكيد بعض الباحثني التربويني على أهمية االستثمار‬ ‫املنهجي للقنوات التلفزية و اإلذاعية في هذا الباب‪...‬‬ ‫و هذا ما يستوجب اعتماد العمل مبا يصطلح عليه‬ ‫في األدبيات التربوية احلديثة و املهنية عموما‪ ،‬ب‬ ‫قيم «البيئة اجلاذبة» ‪Attractive Environment‬في‬ ‫التدريس‪ ،‬و التي ال تنحصر في توفير دورات التكوين و‬ ‫األدوات التقنية فقط‪ ،‬أو اعتماد مبدأ تسجيل احلضور‬ ‫معيارا لقياس فعالية التعليم اإللكتروني‪ ،‬بل تتجاوزها‬ ‫إلى تبني قيم العمل باجلماعات و ما يستتبعه من‬ ‫تشجيع على املبادرات‪ ،‬و التعاون‪ ،‬واإلبداعية‪...‬عوض‬ ‫منطق الكبح‬ ‫‪))Le blocage‬و الشخصنة‪ ،‬و التقاطبات اجلوفاء‪...‬‬ ‫التي جتعل عملية»التعليم و التعلم عن بعد» عم ً‬ ‫ال‬ ‫يستهدف اآللة‪/‬احلاسوب بالدرجة األولى‪ ،‬في حني‬ ‫إن التأكيد على فكرة العمل باجلماعات تجُ سد الوجه‬ ‫العملي لفكرة «املصير املشترك» التي باتت حتكمنا‬ ‫جميعا‪،‬وهي الكفيلة بنقل عملية التعليم‪-‬التعلم عن بعد‬ ‫من مستوى العمل التقني (املرحلة األولى) إلى مستوى‬ ‫العمل الفكري (املرحلة التالية)‪.‬‬ ‫ختام ًا‪ ،‬إذا أراد التعليم و التعلم عن بعدأن يعيش و‬ ‫يستدمي في املغرب‪،‬فعليه أن يتغير‪.‬‬ ‫*أستاذة مبرزة في اللغة العربية‬ ‫بسلك تحضير مباريات التبريز‬ ‫شعبة الترجمة – مراكش‬

‫اإلحاالت ‪:‬‬ ‫(‪)Endnotes‬‬ ‫‪Elias, J. L., &Merriam, S. B. (2005). Philosophicalfound - 1‬‬ ‫‪dations of adulteducation (3rd ed.). Malabar, FL: Krieger Pu‬‬‫‪blishing‬‬ ‫‪https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000245656_ - 2‬‬ ‫‪ara‬‬ ‫‪https://www.usaid.gov/morocco/program-updates/apr- - 3‬‬ ‫‪2020-usaid-distance-education-activities-ministry-education‬‬‫‪coronavirus-disruptions‬‬ ‫‪ - 4‬موران‪ ،‬إدغار‪ .)2020(.‬العوملة تشابك يفتقد للتضامن‪ .‬حاوره‪:‬ديفيد‬ ‫لو بايلي وسيلفان كوراج ‪.‬ترجمة‪ :‬عبد الله بن محمد‪ .‬مجلة الدوحة‪.‬ع‪.151.‬‬ ‫مايو ‪.2020‬‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫التعلم والتعليم عن بعد عبر األلعاب اإللكترونية‬ ‫منوذج فئة ‪MMO‬‬ ‫مراد الزكراوي*‬

‫إن االهتمام باأللعاب اإللكترونية واستثمارها في مجال التعلم والتعليم عن بعد‪ ،‬وكذا النظريات البيداغوجية‬ ‫واملقاربات التربوية املتعلقة باللعب والتلعيب‪ ،‬تفرضه مجموعة من املعطيات‪ ،‬ومنها التعامل مع األجيال الرقمية‪،‬‬ ‫وتطور استعمال الهواتف الذكية واللوحات اللمسية واحلواسيب من طرف املجتمع ككل واملتعلمني بصفة خاصة‪،‬‬ ‫إضافة إلى التحول الكامل نحو التعلم والتعليم عن بعد في ظروف احلجر الصحي الذي عرفه املغرب كشأن أغلب‬ ‫دول العالم منذ األشهر األولى للسنة احلالية ‪.2020‬‬

‫هناك فرق بني التلعيب ‪LA GAM‬‬ ‫ه‬ ‫‪ MEFICATION‬كمقاربة تعليمية‪،‬‬ ‫واللعب كبيداغوجية‪ ،‬والتعلم عن طريق‬ ‫اللعب (ومنها األلعاب التقليدية وألعاب‬ ‫الفيديو)‪.‬‬ ‫فمن وجهة نظري أن الفاعل الرئيسي‬ ‫في التلعيب وبيداغوجية اللعب هو‬ ‫األستاذ(ة)‪ ،‬أما التعلم عن طريق اللعب فهو‬ ‫التلميذ حتت تتبع وإشراف الوالدين‪.‬‬ ‫مبعنى أن ألعاب الفيديو واأللعاب‬ ‫االلكترونية لن تتحول إلى مؤثر سلبي‬ ‫إال بسوء االستعمال أو انعدام التتبع‬ ‫واالستثمار من طرف الوالدين داخل‬ ‫املنزل‪ .‬خاصة وأن املنزل هو الفضاء‬ ‫الذي متارس فيه هذه الهواية املمتعة‬ ‫عبر الهواتف الذكية واللوحات اللمسية‬ ‫وأجهزة الكمبيوتر واألجهزة املتخصصة‬ ‫في األلعاب ومنها ‪Playstation‬و‪Xbox‬و‬ ‫‪.Nintendo‬‬ ‫فيما يخص سلبيات األلعاب اإللكترونية‬ ‫ميكن إجماال حصرها في محورين‬ ‫أساسيني‪:‬‬ ‫< احلمولة األيديولوجية أو السلوكية‬ ‫التي حتملها في طياتها بطريقة خفية وغير‬ ‫معلنة‪ ،‬كالعنف واإلجرام‪ ،‬أو التحريض‬ ‫ضد جهة أو طائفة معينة‪،‬إضافة إلى املس‬ ‫بأخالق وقيم مجتمعنا املغربي‪ ،‬كأسلوب‬ ‫اللباس وتناول املخدرات وارتياد املالهي‬ ‫الليلية وما يرافق ذلك من ممارسات‬ ‫مشينة‪ .‬وهنا يكون تدخل الوالدين أو‬ ‫التربويني حاسما في املنع التام لتناول‬ ‫هاته الفئة من األلعاب‪ ،‬أو التحسيس‬ ‫والتوجيه في حالة األلعاب الشهيرة‬ ‫واملتداولة بشكل كبير في بيئة الطفل‪.‬‬ ‫< اإلدمان‪ ،‬وهو أشد وأخطر األعراض‬ ‫السلبية على الطفل أو املراهق‪،‬ومن‬ ‫ذلك استهالك هاته األلعاب ملدة طويلة‬ ‫جدا‪ ،‬وما يرافقه من اهمال للواجبات‬ ‫التعليمية‪ ،‬بل حتى عدم الرغبة في األكل‬ ‫أو الشرب‪ ،‬واالبتعاد عن ممارسة األنشطة‬ ‫الرياضية‪ .‬ومتتد األعراض إلى اإلنطواء‬ ‫والعزلة والشروذ الذهني (حيث يبقى‬ ‫الطفل دائم التفكير في اللعبة أو اخلوف‬ ‫من تفوق زمالئه عليه في اللحظات التي ال‬ ‫يلعب فيها خاصة في ألعاب ‪ ،)mmo‬وقد‬ ‫تتطور األعراض إلى اضطرابات سلوكية‬ ‫ونفسية‪.‬‬ ‫في املقابل‪ ،‬هناك إيجابيات متعددة‬

‫لأللعاب اإللكترونية مبختلف أصنافها‪،‬‬ ‫خاصة إذا استثمرت بشكل جيد من طرف‬ ‫املربني وآباء وأمهات املتعلمني‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫< تطوير األداء الفكري‬ ‫< تشجيع االستقاللية في اتخاذ القرار‪،‬‬ ‫والنقد‪ ،‬والتفسير والتحليل‬ ‫< تسريع عملية رد الفعل ‪.reflexe‬‬ ‫< اكتساب مصطلحات لغوية جديدة‬ ‫خاصة باالجنليزية أو الفرنسية‬ ‫< التدرب على وضع خطط استراتيجية‬ ‫وإجناز مشاريع شخصية‬ ‫< االحتكاك بتكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالتصاالت‪ ،‬وفهم ميكانيزمات اشتغالها‬ ‫(مبادئ البرمجة‪ ،‬االتصال عن بعد‪،‬‬ ‫التثبيت التحميل‪)...‬‬ ‫< تعزيز العمل التعاوني اجلماعي‪،‬‬ ‫والعمل باملجموعات‪.‬‬ ‫حتدثنا حلد اآلن عن األلعاب‬ ‫عموما‬ ‫تبدو‬ ‫اإللكترونية‪،‬سلبياتها‬ ‫قليلة‪ ،‬لكن خطيرة جدا في حالة عدم‬ ‫تتبعها وتوجيهها‪ ،‬وإيجابياتها الكثيرة‬ ‫واملتعددة والتي قد تكون دون فائدة دون‬ ‫استثمار وتطوير من طرف التربويني‬ ‫وأولياء أمور املتعلمني‪.‬باملقابل‪ ،‬توجد فئة‬ ‫أخرى من األلعاب اإللكترونية‪ ،‬رغم قلتها‬ ‫وضعف االهتمام بها من طرف األطفال‬ ‫واملراهقني‪ ،‬تبقى غنية ومفيدة للغاية‪.‬‬ ‫وهي األلعاب التربوية‪ ،‬ومنها ألعاب‬ ‫تتطوير اللغات احلية (منوذج ‪Duoling‬‬ ‫‪ )go‬والبرمجة املعلوماتية (منوذج ‪Min‬‬ ‫‪o‬‬ ‫‪ )necraft‬ومجموعة أخرى من األلعاب في‬ ‫تخصصات متنوعة‪.‬‬ ‫األلعاب املتعددة الالعبني بشكل متزامن‬ ‫‪multijoueurs en ligne (Massi‬‬‫‪ velyMultiplayer Online‬اختصارا‬ ‫‪ :)MMO‬هي فئة من األلعاب تنتمي‬ ‫للجيل الثامن (اجليل األول ظهر أوائل‬ ‫السبعينيات مع أتاري الشهيرة وألعاب‬ ‫فئة األركاد‪ ،)Arcad‬وتضم جميع أنواع‬ ‫األلعاب سواء كانت إيجابية أو سلبية‬ ‫أو مبضمون تعليمي تربوي‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫‪ MMO‬هو تصنيف من حيث برمجة‬ ‫اللعبة‪ ،‬حيث يتم ممارسها بشكل متزامن‬ ‫وآني من طرف مجموعة العبني بالعالم‪،‬‬ ‫بالعشرات أو اآلالف أو املاليني أيضا‪ ،‬عبر‬ ‫جهاز الكتروني وربط انترنيت‪ .‬فمن خالل‬ ‫بحث سريع على عينة عشوائية بأحد‬ ‫املؤسسات التعليمية بالسلك الثانوي‬

‫اإلعدادي بفاس (بحث ميداني قمت‬ ‫بإجنازها مؤخرا)‪ ،‬تبني أن فئة واسعة‬ ‫من املتعلمني تتعاطى بإفراط مع لعبة‬ ‫فري فاير‪ Free fire‬الشهيرة‪ ،‬واألكيد أن‬ ‫خطورة هاته اللعبة يتجلى في إدمانها‬ ‫بغض النظر عن مضمونها وايجابيتها‬ ‫وسلبياتها‪ .‬مبعنى آخر‪ ،‬أن التوعية‬ ‫والتحسيس بايجابيات وسلبيات هاته‬ ‫اللعبة لن يجدي نفعا‪ ،‬ألن اخلطورة تتجلى‬ ‫في أعراض اإلدمان التي يصاحبها‪ ،‬وهو‬ ‫ما مييز ألعاب ‪ MMO‬حيث ميكن اللعب‬ ‫مع أو ضد مجموعة كبيرة جدا من األقران‬ ‫مبختلف مناطق املدينة أو الدولة أو العالم‪.‬‬ ‫فبعد القيام بتجريب بعض هاته األلعاب‪،‬‬ ‫ميكن أن أسجل املالحظات التالية‪:‬‬ ‫< استهالك كبير للوقت (ميكن اللعب‬ ‫لعشر ساعات أو دون اإلحساس بامللل)‬ ‫< استنزاف للتركيز‪ :‬بعد االنتهاء من‬ ‫اللعبة‪ ،‬يتم فقد الرغبة في اجناز أي عمل‬ ‫يتطلب التركيز‪ ،‬كالواجبات والتمارين‬ ‫التعليمية‪.‬‬ ‫< الشرود‪ :‬التفكير فيما قد يحققه باقي‬ ‫املنافسني حلظة عدم اللعب‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫اللعب يبقى مستمرا في ذهن الطفل أو‬ ‫املراهق‪.‬‬ ‫< القلق‪ :‬عند اإلحساس أن اللحظات‬ ‫التي ال نلعب فيها هي فترة يحقق فيها‬ ‫باقي املنافسني جناحات عديدة‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬ميكن لالعبني التواصل‬ ‫بينهم بالكتابة النصية أو املقاطع‬ ‫الصوتية أو االتصال املباشر‪ ،‬وكذا بيع‬ ‫وشراء أدوات اللعب‪ ،‬سواء بني الالعبني‪،‬‬ ‫أو عبر متجر اللعبة نفسها‪ ،‬وهذا في حد‬ ‫ذاته قد يشكل خطرا في حالة عدم مراقبته‬ ‫وتتبعه من طرف الوالدين أو املربني‪.‬‬ ‫في نفس الفئة‪ ،‬وكبديل إيجابي مقترح‪،‬‬ ‫جند ألعابا إلكترونية ميكن استثمارها‬ ‫تربويا‪ ،‬بل هناك ألعاب تعليمية تربوية‬ ‫بالكامل‪.‬‬ ‫وزارة التربية الوطنية باملغرب كمثال‪،‬‬ ‫نظمت مسابقة وطنية في مجال البرمجة‬ ‫عبر لعبة ‪ MINECRAFT‬الشهيرة لشركة‬ ‫ميكروسوفت‪ ،‬عبر نسختها التعليمية‬ ‫‪ ،Mincraft Education Edition‬لفائدة‬ ‫تالمذة التعليم اإلعدادي‪ .‬ومن خالل نفس‬ ‫اللعبة ميكن اجناز دروس ومتارين بطرق‬ ‫مسلية وممتعة‪ ،‬ليس فقط في البرمجة‪ ،‬بل‬ ‫حتى في الرياضيات والفيزياء والكيمياء‬

‫واجلغرافيا والتاريخ‪.‬‬ ‫بدولة اسبانيا‪ ،‬جند جتربة أحد‬ ‫األكادمييات التربوية‪،‬حيث خصصت‬ ‫مراكز للتعليم والدعم في مادة الرياضيات‪،‬‬ ‫ومواد العلوم‪ ،‬واجلغرافيا‪ ،‬عبر لعبة‬ ‫فورتنايت‪.Fortnite‬‬ ‫وفي مجال اللغات‪ ،‬توجد لعبة شهيرة‬ ‫عامليا ومجانية‪ ،‬وهي ‪.Duolingo‬‬ ‫متوفرة لألندوريدو‪ ios‬وكذا احلواسيب‪،‬‬ ‫تقدم أساليب مبتكرة وجد متنوعة‪ ،‬لتعلم‬ ‫وتطوير العشرات من اللغات وعلى‬ ‫رأسها اإلجنليزية والفرنسية واالسبانية‪،‬‬ ‫وبطرق بيداغوجية وتربوية جد متطورة‬ ‫مت وضعها من طرف خبراء عامليني‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى التعلم والتعليم عبر‬ ‫األلعاب اإللكترونية‪ ،‬هناك مقاربةالتلعيب‬ ‫‪GAMEFICATION‬التي تأخذ من‬ ‫روح األلعاب‪ ،‬مجموعة من املبادئ التي‬ ‫قد يفتقدها املتعلم‪ ،‬وهي التحفيز واملتعة‬ ‫والشغف والتنافس‪ ،‬ويتم ذلك في بيئة‬ ‫تعلمية مواكبة للطفرة الرقمية‪ .‬إن التلعيب‬ ‫ليس هو اللعب‪ ،‬بل هو استعمال لعناصر‬ ‫اللعب لغرض التحفيز واملشاركة الفعالة‪.‬‬ ‫ولفهم التلعيب إجرائيا أو نظريا البد من‬ ‫فهم طريقة اشتغال األلعاب اإللكترونية‪،‬‬ ‫ومنها أيضا حتقيق التقرب املطلوب من‬ ‫املتعلمني وتقليص الهوة الرقمية بني‬ ‫املتعلم واملدرس‪ ،‬أو بني الطفل ووالديه‪.‬‬ ‫أكيد أن هناك ألعاب تربوية أخرى‪ ،‬لكن لن‬ ‫تتحقق فوائدها البيداغوجية والتعليمية‬ ‫إال بتحديد مدة اللعب اليومي‪ ،‬في نصف‬ ‫ساعة على األكثر‪ ،‬ومتابعة واستثمار األباء‬ ‫واألمهات‪ ،‬او بتكليف وبرمجة مسبقة من‬ ‫طرف األساتذة واملربني‪ ،‬وبالتالي نحقق‬ ‫املتعة التي يطلبها األطفال واملراهقني من‬ ‫اللعب اإللكتروني‪ ،‬وفي نفس الوقت تقدمي‬ ‫بديل جد إيجابي ومن نفس فئة األلعاب‪.‬‬ ‫على أمل اهتمام البحث العلمي والتربوي‬ ‫والبحث التدخلي بهذا املوضوع من أجل‬ ‫االستفادة من دراسات دقيقة ومن واقع‬ ‫املدرسة املغربية‪.‬‬ ‫*مدير ثانوية إعدادية‬ ‫بمديرية فاس‪ ،‬مهتم‬ ‫بتكنولوجيا المعلومات‬ ‫واالتصاالت في التعليم‪ ،‬رئيس‬ ‫جمعية أوراق رقمية بالمغرب‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫كرونولوجيا إصالح املنظومة التعليمية في زمن الكورونا‬ ‫ذ‪ /‬الحسين وبا‬ ‫مما ال شك فيه‪،‬أن أزمة التربية و التعليم‪ ،‬عمرت كثيرا‬ ‫ببالدنا‪ ،‬لدرجة أن خبراء امليدان و املهتمني بشؤونها و‬ ‫الفاعلني في ميدانها اختلفوا على تسمية دائها ‪ .‬فهناك‬ ‫من سماها باملرض املزمن‪ ،‬و هناك من سمها ام املشاكل‪،‬‬ ‫و آخرون أوكلوها للسلطة التنفيذية‪ ،‬باعتبارها السلطة‬ ‫التي تدبر الشأن العام الوطني ‪.‬‬ ‫واحلال‪،‬أن األزمة التي استدعت تناوب أكثر من ‪45‬وزير‬ ‫إلعادة احلياة الى حجراتها و مدرجاتها التعليمية‪ ،‬لم‬ ‫تفلح تصوراتهم امليدانية و اقتراحاتهم اجلديدة‪،‬في‬ ‫إبعاد خطر انتقال عدواها الوخيمة الى باقي املجاالت و‬ ‫القطاعات القريبة منها ‪.‬وهذا يعني أن ال امليثاق الوطني‬ ‫للتربية و التعليم‪ ،‬الذي اعتبر أنذاك من قبل مجموعة من‬ ‫اخلبراء و املفكرين على شتى املستويات و االنتماءات‬ ‫السياسية و النقابية و احلقوقية و‪ »...‬ثورة بيداغوجية‬ ‫هادئة « و الاملخطط االستعجالي الذي تضمنت محتوياته‬ ‫مبادرات و مقاربات كفيلة بإنقاد املنطومة التعليمية‪،‬‬ ‫و هو ما تشخص في املدرسة اجلماعاتية و بيداغوجيا‬ ‫الكفايات و بيداغوجيا االدماج التي جاء بها اخلبير‬ ‫البلجيكي « كزافيي روجرز « إال أن الوضعية ظلت‬ ‫على حالها‪ ،‬إن لم نقل ساءت أكثر‪ ،‬خصوصا ملا شرع‬ ‫الفاعلون التربويون يشتكون من صعوبات تطبيق هذه‬

‫ذ‪/‬عبد الرزاق بن شريج*‬ ‫يعتقد البعض أن التعلم عن بعد ظاهرة جديدة ساعدت‬ ‫على قيامها التطورات التقنية احلاصلة‪ ،‬إلاّ أنّ حقيقة‬ ‫األمر فالتعليم عن بعد مبفهومه الواسع‪ ،‬بدأ منذ أكثر‬ ‫من قرن ونصف من الزمن‪ ،‬إذا استثنينا بعض الكتابات‬ ‫التي ترجعه إلى القرن اخلامس قبل امليالد معتمدة‬ ‫في ذلك على أسلوب املراسالت العلمية ألفالطون‬ ‫وفالسفة يونانيني آخرين مع تالمذتهم‪ ،‬وكذا التراسل‬ ‫بني شيوخ الطرائق الفكرية في العصر العباسي حيث‬ ‫كانوا يعتمدون التراسل بينهم وبني مريديهم واملعجبني‬ ‫بفكرهم وطالب املعرفة‪ ،‬وقد تستثنى هذه احلقبة‬ ‫من التعليم عن طريق التراسل لعدم وجود الطوابع‬ ‫واملكاتب البريدية املنظمة والتي يعتمد عليها الطرفان‪،‬‬ ‫املعلم واملتعلم‪ ،‬للتواصل الرسمي املوثق‪ ،‬ولم تكن هناك‬ ‫مؤسسة رسمية كاجلامعة للقيام باألمور اإلدارية وبذلك‬ ‫رغم أن نشأة هذه املكاتب كانت سنة ‪1410‬م وبدأ‬ ‫التراسل عبرها مثل ما كان يقوم به املعلم إسحاق‬ ‫بينمان‪ ،‬حني يرسل تعليمات وتوجيهات دراسية في‬ ‫االختزال لطالبه مكتوبة وبواسطة البريد‪ ،‬إال أنها كانت‬ ‫محاوالت فردية‪ ،‬ولم تكن ضمن مؤسسات‪.‬‬ ‫لذا سنسلط الضوء في هذه املقالة على بعض احملطات‬ ‫األساسية في تطوير التعليم عن بعد‪ ،‬لكن قبل ذلك البد‬ ‫من التذكير بالفرق بني التعليم اإللكتروني والتعليم‬ ‫عن بعد؛ فاألول هو استعمال التقنيات اإللكترونية‬ ‫احلديثة في تقدمي الدروس احلضورية‪ ،‬أي وجود‬ ‫املعلم واملتعلم باملكان نفسه وفي الزمان نفسه‪ ،‬أما‬ ‫التعليم عن بعد فهو أن تقدم الدروس للمتعلمني دون‬ ‫التواجد في نفس الزمان واملكان‪ ،‬أي يقدم الدروس‬ ‫لتالميذ افتراضيني في مكان وزمان افتراضي‪ ،‬بطبيعة‬ ‫احلال بواسطة التقنيات اإللكترونية‪ ،‬وعليه فاملقالة‬

‫البيداغوجيا اجلديدة داخل حجراتنا املكتظة‪ ،‬والتي‬ ‫تعاني فروقات اجتماعية و اقتصادية و ثقافية صارخة‬ ‫بني متعلميها ومدرسيها ومدرائها ‪.‬‬ ‫ولعل املثير للفخر في هذا املضمار‪ ،‬هو صمود‬ ‫احلكومات املغربية املتعاقبة في مواجهة هده األزمة‪،‬‬ ‫واقتراح أسماء جديدة لقيادة املرحلة‪ ،‬وفق تصورات‬ ‫جديدة و مقترحات حديثة‪ ،‬من شانها إعادة االعتبار‬ ‫لدور املدرسة في املجتمع‪ ،‬و جعل املتعلم في قلب عملية‬ ‫اإلصالح‪ ،‬الى حني حتقيق املصلحة الفضلى التي أقرتها‬ ‫االتفاقية الدولية حلقوق الطفل في نونبر ‪1989‬م‪.‬‬ ‫بعد كل هذه احملاوالت احلثيثة و اجلهود اجلهيدة‪،‬بزغ‬ ‫شعاع االمل من جديد مع طاقات وطنية غيورة على هذا‬ ‫القطاع احليوي‪ ،‬تؤسس لتعليم يقوم على املالحظة و‬ ‫إبداء الرأي‪ ،‬و يرتكز على التنافسية و اإلنتاجية‪ ،‬بفضل‬ ‫الطرائق التربوية و املقاربات املعاصرة التي تستلزم‬ ‫التحفيز و التشجيع و التواصل االيجابي سواء من قبل‬ ‫املدرس أو من اإلدارة التربوية ‪.‬و هو اجلديد الذي أقرته‬ ‫محتويات الرؤية االستراتيجية من ‪ 2015‬الى ‪ .2030‬و‬ ‫هي املرحلة التي تعود ريادتها و جناعتها الى السيد‬ ‫الوزير احلالي « سعيد أمزازي « الذي امسك عصا تدبير‬ ‫القطاع من الوسط لالسباب و الدوافع التالية‪:‬‬ ‫< كون القطاع جد شاسع‪ ،‬و قضاياه كثيرة و متنوعة‬ ‫‪.‬‬ ‫< كون التدابير السابقة‪ ،‬لم تكن كلها عقيمة ‪.‬‬ ‫< التوفيق و املواءمة بني ماكان وما سيكون‬ ‫هكذا عاد قطار التربية و التعليم الى سكته القومية‪،‬‬ ‫و دبت شموس الفرح في قلوب مسافريه و راكبيه‬

‫‪ :‬أباء و أولياء أمور التالميذ‪ ،‬التالميذ‪ ،‬املدرسون‪،‬‬ ‫املدراء‪،‬احملسنون االجتماعيون و االقتصاديون وكل‬ ‫فعاليات املجتمع املدني و باقي مكونات األمة على‬ ‫مختلف وظائفها ‪.‬‬ ‫واجلدير باإلشارة‪ ،‬أن هذه املرحلة شهدت مبادرات‬ ‫إدارية نفيسة‪ ،‬خصوصا ملا أطلقت الوزارة املعنية‪،‬‬ ‫إشارات تنظيم أيام دراسية تستهدف مراجعة املقررات‬ ‫الدراسية وتخفيفها‪ ،‬فضال عن خلق األندية التربوية و‬ ‫تنشيط احلياة املدرسية في إطار انفتاح املدرسة على‬ ‫محيطها اخلارجي و برنامج « مدرستي قيم وجناح «‪.‬‬ ‫وبينما كانت هذه اجلهود تستعد الستشراف مستقبل‬ ‫زاهر‪ ،‬و غد تنموي ملنظومتنا التربوية‪ ،‬بعدما حتققت‬ ‫نسبة‪ 100‬في املائة في مجال التمدرس وارتفاع مؤشر‬ ‫متدرس الفتاة القروية‪ ،‬و اتساع الدعم االجتماعي‬ ‫« تيسير « في العالم القروي‪ ،‬و عودة األمن و األمان‬ ‫التدريجي لرحاب املؤسسات التعليمية‪،‬برزت اجلائحة‬ ‫الوبائية» كورونا « بربوع دول العالم‪ ،‬ووصل تأثيرها‬ ‫اخلبيث الى بالدنا‪ ،‬فتوقفت املمارسة التعليمية يوم ‪16‬‬ ‫مارس من السنة اجلارية‪ ،‬حتسبا لكل ما من شأنه ان‬ ‫يضر بحياة التلميذ املغربي ذكرا كان او أنثى ‪.‬‬ ‫واذا كان تعليق الدراسة إلى إشعار اخر‪ ،‬يوازي باقي‬ ‫اإلجراءات االحترازية الرشيدة التي اتخذتها الدولة‪،‬‬ ‫سواء بتجميد نشاط احلركة اجلوية و البحرية أو‬ ‫بتوقيف املنشات اخلدماتية و باقي املؤسسات احليوية‪،‬‬ ‫فان االستمرارية البيداغوجية « التي أعلنت عنها وزارة‬ ‫التربية الوطنية لتعد إبداعا نوعيا و إستراتيجية نبيهة‬ ‫و حكيمة حلماية املدرسة الوطنية من االنهيار من جهة‪،‬‬

‫وإمتاما للمقرر الدراسي و احلفاظ على فرص جناح‬ ‫التلميذ املغربي ‪.‬بل إن تأجيل العطلة الربيعية يوم ‪29‬‬ ‫مارس و مواصلة عملية التعليم عن بعد لفائزة التالميذ‬ ‫مبختلف أسالكهم وشعبهم الدراسية‪ ،‬أثبت جذارة السيد‬ ‫الوزير و مهنيته القديرة على استمراريته على رأس هذا‬ ‫القطاع االجتماعي الفسيح ‪.‬‬ ‫في ظل اإلجراءات الرشيدة التي اتخذتها وزارة التربية‬ ‫الوطنية‪ ،‬الح في األفق الوطني‪ ،‬معطيان أساسيان‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫املعطى األول‪:‬‬ ‫يؤكد أن الرأي العام الوطني‪ ،‬أشاد بإجراءات الوزارة‬ ‫االحترازية‪ ،‬و بانخراط رجال و نساء التعليم في مواصلة‬ ‫واجبهم املهني عن طريق آلية « التعليم عن بعد «‪ ،‬مع‬ ‫حتسيس التالميذ بخطورة الوباء اذا لم يلتزموا بالبقاء‬ ‫في بيوتهم ‪ .‬و هودور يشبه إلى حد بعيد‪ ،‬ما يقوم به‬ ‫رجال الصحة والسلطات العمومية ‪.‬‬ ‫املعطى الثاني‪:‬‬ ‫أن التالميذ سجلوا بفخر و اعتزاز ‪:‬‬ ‫تطويق وزارتهم للوباء و حمايتهم من خطورته‪،‬‬‫بواسطة إقفال املؤسسات التعليمية ‪.‬‬ ‫أهمية األستاذ كرقم كبير في املعادلة التنموية للفعل‬‫البيداغوجي بشكل عام‪ .‬خاصة في مثل هذه الظروف‬ ‫الوبائية العصيبة‪.‬‬ ‫أهمية التعليم احلضوري باحلجرة الدراسية التي‬‫غالبا ما تغيبوا عنها بدون مبرر‪.‬‬ ‫املدرسة مشتل كبير‪ ،‬إلكساب التلميذ القيم النبيلة‬ ‫و املعارف و املهارات الالزمة ملواجهة حتديات الزمن‬ ‫واكراهات احلياة ‪.‬‬

‫تتوخى النبش في تاريخ التعليم أو التدريس عن بعد‪.‬‬ ‫تشير بعض الدراسات إلى أن بداية التعليم عن بعد‬ ‫باملواصفات الرسمية (اإلدارة‪ ،‬البريدن الطوابع) كانت‬ ‫في أواخر القرن الثامن عشرباململكة املتحدة‪ ،‬حيث‬ ‫ظهرت أول التنظيمات املؤسسية للتعليم باملراسلة‬ ‫التي أنشأت الكلية اجلامعية للتعليم باملراسلة في لندن‪،‬‬ ‫تلتها بعد ذلك أملانيا عام ‪ 1856‬بتأسيس مدراس لتعليم‬ ‫اللغات باملراسلة‪،‬ولم يبدأ بأمريكا إال فيأوائل القرن‬ ‫التاسع عشر لينتشر بشكل جلي سنة ‪1873‬م حيث‬ ‫عملت الكنائس املسيحية على تيسيره بني األمريكيني‪،‬‬ ‫مستعملة التراسل بني املعلمني واملتعلمني‪ ،‬إال أنها‬ ‫تقتصر على الكبار الراغبني في االستفادة دون درجات‬ ‫علمية أو شهادات‪،‬ولم يبدأ العمل بالدرجات العلمية‬ ‫أو الشهادات إال سنة ‪1883‬م حيث قامت كلية الفنون‬ ‫الليبرالية ‪Chautauqua‬في‪ ‬نيويوركبإعداد أول درجات‬ ‫علمية عن طريق التعليم باملراسلة‪ ،‬التي تتضمن الكتب‬ ‫واألوراق‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن هذا النوع من التدريس‬ ‫كان حتت إشراف إدارة الكليات النظامية ذات التدريس‬ ‫التقليدي‪ ،‬ولم يبدأ العمل بإدارة مستقلة للتعليم باملراسلة‬ ‫إال سنة ‪1892‬م حيث تأسست في جامعة شيكاغو أول‬ ‫إدارة من هذا النوع‪ ،‬لتصبح أول جامعة على مستوى‬ ‫العالم التي تعتمد التعليم عن بعد‪ ،‬فكان املتعلمون‬ ‫يتوصلون بالدروس والتمارين والفروض عبر البريد‪ ،‬ثم‬ ‫يرسلون واجباتهم بالطريقة نفسها ليصححها املعلمون‬ ‫ويعيدون إرسالها لهم مصححة مرفقة بالنقط والدرجات‬ ‫املستحقة‪،‬وكانت هذه اجلامعات تشترط حضور املتعلم‬ ‫بنفسه ملقر‪ ‬اجلامعة‪ ‬ألداء االختبار النهائي الذي مبوجبة‬ ‫يتم منحه الشهادة‪ ،‬واستمر العمل بهذه الطريقة سواء‬ ‫في أمريكا وأوربا إلى أن ظهرت احملطات اإلذاعية ليظهر‬ ‫معها الدروس التعليمية املذاعة‪،‬وفي أواخر ‪1920‬م‬ ‫اعتمد االحتاد السوفيتي أهداف تعليمية مختلفة‬ ‫ترمي لزيادة مخرجات النظام التعليمي‪ ،‬فدمج مشاريع‬ ‫التعليم باملراسلة مع التعليم النظامي اجلامعي بصورة‬ ‫متكاملة بحيث يستطيع الطلبة التنقل بني الدوام الكلي‪،‬‬ ‫الدوام اجلزئي‪ ،‬والدراسة باملراسلة للحصول على درجة‬ ‫علمية أو مؤهل تقني‪ .‬وهي استراتيجية مناقضة لنهج‬

‫الغرب األمريكي‪ ،‬ألن االحتاد السوفياتي كان يهدف‬ ‫من ذلك إلى إعطاء فرصة للقوى العاملة من متابعة‬ ‫تعليمها واحلصول على مؤهالت عالية باإلضافة إلى‬ ‫توفير تكوينات مهنية عن بعد لتكوين وتدريب األفراد‬ ‫وجتهيزهم لدخول سوق العمل‪،‬وفي عام ‪ 1921‬أخذت‬ ‫البرامج التعليمية حي ًزا كبي ًرا في اإلذاعات األمريكية‪،‬‬ ‫لتنتشرفي العديد من الدول بسبب النجاح الذي حققه‬ ‫هذا النوع من التعليم عن بعد‪ ،‬واستمر هذا النوع إلى‬ ‫سنة ‪ 1956‬لتنطلق جتربة التلفزيون التي دشنتها‬ ‫كليات املجتمع بشكاغو األمريكية حيث كانت تقدم‬ ‫خدمة التلفزيون في التدريس عن طريق التنسيق بني‬ ‫عدد من قنوات الكابل وعبر القنوات التعليمية‪ ،‬وهو‬ ‫ما ش ّكل نهضة حقيقة في ميدان التعليم‪ ،‬سارت على‬ ‫نهجها العديد من احملطات التلفزيونية العاملية‪ ،‬وانتشر‬ ‫استخدام تقنيات التلفاز‪ ‬والراديو‪ ‬وأشرطة‪ ‬الفيديو‪ ‬في‬ ‫تطوير التعلم عن بعد‪ ،‬وابتداء من سنة ‪ 1970‬تأسست‬ ‫أربع جامعات في‪ ‬أوروبا‪ ‬وأكثر من عشرين حول العالم‬ ‫تطبق تقنية التعليم عن بعد‪ ،‬مثل اجلامعات البريطانية‬ ‫املفتوحة التي سجل بها أول طالب سنة ‪ ،1971‬وفي‬ ‫أواخر عام ‪ 1980‬حقق التعليم عن بعد تقدما حيث‬ ‫وظف التكنولوجيا احلديثة مثل الفيديوهات التعليمية‪،‬‬ ‫وبذلك استطاعت التكنولوجيا اجلديدة أن تختصر‬ ‫املسافات الكبيرة بني املتعلمني واملعلمني وأصبح‬ ‫الطرفان يسمعان بعضهما البعض‪ .‬ومع تقدم‪ ‬التكنول‬ ‫وجيا‪ ‬واالتصاالت‪ ‬اإللكترونية‪ ،‬حتول التعليم عن بعد‬ ‫إلى تعليم باستخدام‪ ‬احلاسوب‪ ‬واإلنترنت‪ ‬والوسائط‬ ‫املتعددة‪ ‬لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية والتفاعلية‪،‬‬ ‫وهذا كله شكلته الثورة في مجال تكنولوجيا املعلوميات‪،‬‬ ‫وفي عام ‪ 1996‬انتشر التعليم عن بعد بواسطة‬ ‫اجلامعات املفتوحة املتخصصة في هذا النوعوخاصة‬ ‫تلك التي تأسست في الواليات املتحدة األمريكية حتت‬ ‫اسم جامعة الواليات املتحدة املفتوح‪ ،‬حيث بدأت بها‬ ‫الدراسة في يناير‪1996‬م‪ ،‬والزال التعليم عن بعد يبحث‬ ‫عن أساليب وتقنيات جديدة لتطوير نفسه حيث عرف‬ ‫سنة ‪ 2008‬نقلة نوع ّية بإطالق أول مساق مفتوح‬ ‫عبر األنترنت‪ ،‬جمع آالف الطالب في جتربة حماسية‪،‬‬

‫مهدت الطريق لتأسيس العديد من املواقع اإللكترونية‬ ‫التعليمية التي تعتمد على الطرق التفاعلية واألساليب‬ ‫التعليمية املتقدمة‪ ،‬وبذلك دخل على اخلط منوذج‬ ‫جديد غير اجلامعات في خوض غمار التجربة أال وهو‬ ‫املواقع اإللكترونية التعليمية اجلامعات العاملية‪ ،‬سواء‬ ‫مبناهجها املتطورة‪ ،‬أو بطريقة التقييم واملتابعة‪ ،‬فضلاً‬ ‫عن شهادات التخرج التي متنحها‪ ،‬وهي ال تقل أهمية‬ ‫ومكانة عن الشهادات التقليدية‪ .‬وهكذا قدم االبتكار‬ ‫الرقمي خيارات جديدة للمتعلمني‪ ،‬فبدأ العمل بالغرف‬ ‫الصوتية واملنصات اإللكترونية‪ ،‬كان أولها منصة‬ ‫كورسيرا‪ ،‬التي انطلقت منتصف عام ‪ 2011‬وحققت في‬ ‫فترة قياسية انتشا ًرا واسعً ا عبر كل القارات‪ ،‬خاصة‬ ‫في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬البيئة احلاضنة ملشاريع‬ ‫تعليمية مميزة‪ ،‬إن كان هذا على املستوى الدولي‬ ‫وخاصة األمريكي واألوربي فإن هذا النوع من التعليم‬ ‫على املستوى العربي بدأ محتشما مثل مؤسسة رواق‬ ‫سنة ‪ 2013‬كمنصة تعليمية حديثة‪ ،‬وهي منصة عربية‬ ‫للتعليم املفتوحفي مواد أكادميية مجانية باللغة العربية‬ ‫في شتى املجاالت والتخصصات‪ ،‬مت أسس موقع إدراك‬ ‫التعليمي تقنيات جديدة للتعليم اإللكتروني املجاني‬ ‫باللغة العربية عام ‪ 2014‬بالتعاون مع مجموعة كبيرة‬ ‫من اخلبراء واألكادمييني‪ ،‬واليحتاج األمر إلى تذكير‬ ‫أن التجربة باملجتمعات العربية جاءت متأخرة نظرا‬ ‫للظروف السياسية االقتصادية واالجتماعية الثقافية‬ ‫التي خلفها االستعمار الغربي للمجتمعات العربية‪.‬‬ ‫وخالصة القول‪ ،‬لقد عرف التعليم عن بعد تطورا كبيرا‬ ‫سيغير مفهوم التعليم بصفة عامة‪ ،‬فانتشار التعليم‬ ‫عن بعد عبر الغرف الصوتية واملنصات سواء املجانية‬ ‫أو املدفوعة الثمن‪ ،‬حيث أصبح باإلمكان تقدمي دروس‬ ‫بالصوت والصورة للمدرس ومئات املتعلم ينفي اللحظة‬ ‫نفسها عبر الغرف الصوتية أواملنصات اإللكترونية‪،‬‬ ‫يسير في اجتاه القضاء على التعليم التقليدي نهائيا‪.‬‬

‫تطور التعليم عن بعد‬

‫*باحث تربوي‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫فاعلية التعليم عن بعد وخصائصه‬ ‫ذ‪/‬ياسين السهالوي*‬ ‫أصبحت كل املدارس مغلقة‪ ،‬وحتولت الدروس‬ ‫احلضورية في القسم إلى تواصل عن بعد‪،‬‬ ‫‪COVID-19.‬وذلك في إطار التدابير االحترازية‬ ‫ملواجهة خطر فيروس كورونا‬ ‫ومنه غدا التعليم عن بعد احترازا مهما لضمان‬ ‫احلد من إمكانية انتقال الفيروس‪.‬‬ ‫إنه زمان املدرسة عن بعد لكثير من األطفال في‬ ‫منازلهم‪ ،‬حيث أصبح مبقدور كل أسرة الولوج‬ ‫ملجموعة من املوارد الرقمية كالتمارين و األقسام‬ ‫االفتراضية‪.‬‬ ‫سيحاول هذا املقال تقدمي بعض املميزات‬

‫اخلاصة بالتعليم عن بعد مقارنة بالتعليم‬ ‫التقليدي أو احلضوري‪.‬‬ ‫يتميز التعليم عن بعد مبرونة ويسر أكثر في‬ ‫التواصل ‪،‬فهو يسمح بتقدمي الدروس عن بعد‬ ‫في أي وقت وبعيدا عن برنامج زمني محدد‪،‬إذ‬ ‫من الطبيعي أن يواجه الراغبون في متابعة‬ ‫دروسهم مجموعة من الصعوبات إضافة إلى‬ ‫أعمالهم‪.‬‬ ‫بالتالي‪ ،‬تسمح التكوينات عن بعد باختيار‬ ‫الوقت املناسب للدراسة سواء في السفر أو‬ ‫احلضر‪ ،‬وهذا غير ممكن في التعليم احلضوري‬ ‫الذي يحتاج لتوقيت محدد ومنهج محدد‪ .‬لكن‬ ‫التعليم عن بعد مينح للمتمدرسني الوقت لتدبير‬ ‫تعلماتهم‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬يعد التعليم عن بعد أكثر‬ ‫تكيفا مع ايقاعات املتعلمني جميعهم‪ ،‬فكل متعلم‬ ‫يتلقى تعلمه وفق ايقاعه اخلاص‪،‬فاحلالة التي‬ ‫يكون فيها املتعلم سريعا يكون حينها غير ملزم‬

‫مبسايرة اإليقاعات األخرى‪ ،‬و العكس أيضا‬ ‫صحيح‪ ،‬فعندما يكون بطيئا ميكنه أخذ وقته‬ ‫الكافي املنسجم ومستواه دون أن يعيقه شيء‪.‬‬ ‫ومن خصائص التعليم عن بعد خاصية التطبيق‬ ‫و الفعالية‪ ،‬فهو على عكس التعليم احلضوري‪،‬‬ ‫يسمح بتقدمي تكوين متزامن في الوقت واملكان‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫يقول بيل غيتس في كتابه ‪ the road ahead‬‬ ‫أو طريق املستقبل» ‪...‬وفي وقت قريب سيوفر لنا‬ ‫طريق املعلومات السريع وصوال كامال ملعلومات‬ ‫ال حصر لها‪ ،‬في أي زمان و مكان نرغب في‬ ‫استخدامهما‪ ،‬وإنها إلمكانية مبهجة حقا‪ ،‬إذ‬ ‫إن وضع التكنولوجيا موضع التطبيق من أجل‬ ‫حتسني التعليم سوف تنجم عنه منافع جمة في‬ ‫كل مجاالت املجتمع «‪.‬‬ ‫لقد أصبح املتعلمون في غنى عن مغادرة مقرات‬ ‫سكنهم و االنضباط لتوقيت معني‪ ،‬في وقت صار‬ ‫فيه التعلم متاحا‪ ،‬من خالل االرتباط فقط بجهاز‬

‫االهتمام بتدريس اللغة األمازيغية‪ ،‬إ ال أنه هو‬ ‫اآلخر انتهت عشريته األولى سنة ‪ 2010‬ولم‬ ‫يكتب له النجاح‪ ،‬وبعد هذه احملاوالت الفاشلة‬ ‫قامت الدولة بإعداد برامج إصالحية أخرى على‬ ‫رأسها البرنامج االستعجالي (‪)-2009 2012‬‬ ‫هذا املخطط الذي زرع نفسا جديدا في مسلسل‬ ‫إصالح املنظومة التربوية‪ ،‬باعتماده لبيداغوجيا‬ ‫الكفايات واإلدماج‪ ،‬محاربة الهدر املدرسي‪،‬‬ ‫تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح‪ ...‬إال أنه‬ ‫هو اآلخر لم يحقق أي تقدم ملموس‪ ،‬ليتم تدارك‬ ‫األمر بتنزيل الرؤية االستراتيجية بغرض إنقاذ‬ ‫التعليم من األزمة بتبني طرق جديدة للتدبير‪،‬‬ ‫وفتح املجال للشركاء والفاعلني التربوين من‬ ‫أجل املساهمة في تدبير الشأن التربوي وفق‬ ‫حكامة جيدة تضمن للتعليم جودته‪ ،‬لكن بالرغم‬ ‫من ذلك الزالت املنظومة التعليمية تتجرع‬ ‫مرارة الفشل سنة بعد أخرى‪ ،‬وكمحاولة جديدة‬ ‫إلنقاذ هذا اإلصالح‪ ،‬وتفعيال لتوصية الرؤية‬ ‫االستراتيجية‪ ،‬مت العمل على حتويل اختياراتها‬ ‫الكبرى إلى قانون إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم‬ ‫اجلميع ويلتزم به اجلميع بتفعيل مقتضياته‬ ‫إلصالح منظومة التربية والتعليم‪ ،‬وجوهر هذا‬ ‫القانون ‪ ،51/17‬كما جاء في ديباجته يكمن في‬ ‫إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام اجلميع‪،‬‬ ‫تتوخى تأهيل الرأسمال البشري استنادا‬ ‫إلى دعامتي املساواة وتكافئ الفرص من جهة‬ ‫وحتقيق اجلودة للجميع من جهة أخرى‪ ،‬بغية‬ ‫الوصول إلى الهدف األهم واألسمى والذي‬ ‫يتجلى في االرتقاء بالفرد وتقدم املجتمع‪ ،‬ومن‬ ‫مت وضع قواعد إلطار تعاقدي وطني وملزم للدولة‬ ‫ولباقي الشركاء الفاعلني في قطاع التعليم‪ ،‬لكن‬ ‫بالرغم من كل هذه املجهودات املبذولة‪ ،‬مازالت‬ ‫منظومتنا‪  ‬التعليمية تفرز العديد من املشاكل‪،‬‬ ‫كضعف املستوى التعليمي‪ ،‬استمرار الهدر‬ ‫املدرسي‪ ،‬نقص اجلودة في املقررات واملناهج‬ ‫التعليمية‪ ،‬نقص البنيات التحتية والتجهيزات‬ ‫املدرسية‪ ،‬االكتظاظ وبطء تعميم التكنولوجيا‬ ‫والتباعد بني حاجيات سوق العمل والبرامج‬ ‫التعليمية‪ ،‬مما أدى إلى استفحال ظاهرة البطالة‬ ‫في صفوف حاملي الشهادات‪ .‬ويعزى كل هذا إلى‬ ‫غياب رؤية واضحة املعالم حول إصالح قطاع‬ ‫التعليم‪ ،‬رؤية تبرز ما سيكون عليه مستقبل‬ ‫القطاع على املدى املتوسط والبعيد ‪ ،‬وكذلك عدم‬ ‫وجود إرادة سياسية حقيقية معززة باحلكامة‬ ‫والتدبير العقالني والتخطيط السليم املبني على‬ ‫املشاركة والشفافية واحملاسبة‪ ،‬ألن هذا القطاع‬

‫أمام رهانات صعبة وتنتظره حتديات كثيرة‬ ‫تتطلب مشاركة كل األطراف املعنية من أحزاب‬ ‫ومجتمع مدني ومنظمات‪ ،‬وسائر الفاعلني‬ ‫االقتصاديني واالجتماعيني‪ ،‬وأطر التدريس‬ ‫لتأهيله بالشكل املطلوب عبر تفعيل االستقاللية‬ ‫املالية واإلدارية لبنيات املنظومة (أكادميية‪،‬‬ ‫مديرية‪ ،‬مؤسسة تعليمية) والعمل على إعادة‬ ‫النظر في بناء البرامج واملناهج باملوازاة مع‬ ‫اإلصالح‪ ،‬ووضع استراتيجية للتكوين املستمر‬ ‫تتالءم مع املتغيرات التربوية والبيداغوجية‬ ‫املعتمدة‪ ،‬فضال عن ربط التعليم بالتربية‬ ‫لتخليق املنظومة من االختالالت السلوكية داخل‬ ‫املؤسسات التعليمية والعمل على اإلسهام في‬ ‫جتديد روح املدرسة العمومية بشكل خاص‬ ‫وجعلها فضاء منفتحا على حتوالت العصر في‬ ‫أبعاده التكنولوجية واالجتماعية واالقتصادية‬ ‫والسياسية‪ ،‬وكذلك فضاء لإلبداع واالبتكار في‬ ‫الوسائل وطرق التدريس لكي تستطيع منظومتنا‬ ‫مواكبة التطورات واملستجدات العلمية التي‬ ‫تنبئ عن ثورة جديدة في أنظمة التعليم أصبحت‬ ‫على األبواب ولم تعد خيارا للترف‪ ،‬بل حقيقة‬ ‫البد من اخلوض فيها ألنها هي بوابة العصر‬ ‫واملعرفة‪ ،‬وإن ما يعيشه تعليمنا اليوم في ظل‬ ‫جائحة كورونا بخوضه جتربة التعليم عن بعد‬ ‫ألول مرة‪ ،‬كمحاولة من الدولة ضمان استمرارية‬ ‫التعليم‪ ،‬بسبب إغالق املدارس‪ ،‬يجب أن تكون‬ ‫نقطة حتول وانطالقة حقيقية لإلصالح‪ ،‬ألن هذا‬ ‫األخير عرى على مكامن ضعف املنظومة وعلى‬ ‫االختالالت التي تعيشها‪ ،‬لذلك ميكن القول بأنه‬ ‫يبقى جتربة محدودة‪ ،‬نظرا لهشاشة األرضية‬ ‫التي بني عليها بسبب التفاوتات االجتماعية‬ ‫وضعف في التأهيالت الرقمية لنسب مهمة من‬ ‫األطر اإلدارية والتربوية واإلكراهات املادية‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫استنادا الى ما سبق من طرح‪ ،‬نستخلص أن‬ ‫إصالح املنظومة التربوية‪ ،‬بات ضرورة ملحة‬ ‫ومستعجلة‪ ،‬بعدما عرت جائحة كورونا عن‬ ‫مجموعة من االختالالت خالل اعتماد جتربة‬ ‫التعليم عن بعد‪ ،‬خاصة وأن املغرب اليوم يتوفر‬ ‫على رؤية وقانون إطار لإلصالح‪ ،‬يستدعي‬ ‫األمر فقط إرادة سياسية حقيقية ألجرأة أحكامه‬ ‫وتنزيلها عبر حتقيق املساواة وتكافؤ الفرص‬ ‫اللذين يستوجبان االستناد على مجموعة من‬ ‫الرافعات أهمها‪ :‬تعميم تعليم دامج وتضامني‬ ‫جلميع األطفال دون متييز‪ ،‬وجعل التعليم األولي‬ ‫إلزاميا بالنسبة إلى الدولة واألسر‪ ،‬ومتكني‬

‫وايفي أو حاسوب أو هاتف متنقل‪.‬‬ ‫ميكن التعليم اإللكتروني املتعلمني الذين‬ ‫يفضلون البقاء في منازلهم ألسباب عائلية من‬ ‫متابعة دروسهم وتطوير مستواهم‪ .‬ففي ظل‬ ‫التعليم عن بعد لم تعد هناك حاجة للتنقل أو‬ ‫طلب حضور املدرس للمنزل‪ ،‬فجميع الدروس‬ ‫أصبحت متاحة ‪ ،‬كما أصبح العمل في وسط‬ ‫عائلي بفضل هذا النوع من التعليم ميسرا مع‬ ‫ربح وقت معتبر‪.‬‬ ‫يستند التعليم عن بعد على دعائم تنشيطية‬ ‫و متنوعة كاأللعاب التفاعلية و املنتديات و‬ ‫الشرائح‪.‬‬ ‫لقد بات التعليم عن بعد ضرورة وقتية فرضتها‬ ‫السياقات احلالية و املؤشرات املستقبلية‪ ،‬لذا‬ ‫تبذل دول العالم قصارى جهودها لتفعيل هذا‬ ‫اخليار االستراتيجي‪.‬‬

‫*(أستاذ‪ /‬مدرب تنمية بشرية)‬

‫واقع املنظومة التربوية وحتمية تنزيل القانون اإلطار مابعد جائحة كورونا‬

‫ذ‪/‬فدوى هاشم*‬ ‫املنظومة التعليمية هي كل القواعد والتنظيمات‬ ‫واإلجراءات التي تنهجها الدولة لتوجيه أمور‬ ‫التعليم وتسيير شؤونه سعيا إلى اإلرتقاء‬ ‫بقيم ومبادئ األمة مبا يتماشى مع السياسات‬ ‫التربوية‪ ،‬وإن ما يشهده العالم اليوم من تغيرات‬ ‫جذرية وتطورات سريعة أثرت على حياتنا في‬ ‫العديد من املجاالت خاصة مجال التعليم‪ ،‬يفرض‬ ‫علينا جميعا كمهتمني باحلقل التربوي الوقوف‬ ‫على ثلة من النقط املؤرقة التي تتخبط فيها‬ ‫منظومتنا التعليمية‪ ،‬باستدعاء أبرز اإلصالحات‬ ‫التي عرفتها‪ ،‬وتسليط الضوء على املشاكل‬ ‫واألسباب التي حالت دون جناحها‪ ،‬فكيف‬ ‫ميكن النهوض بها في ظل ما نعيشه اليوم من‬ ‫حتوالت؟‬ ‫الشك أن إصالح منظومة التربية والتكوين شكل‬ ‫احللقة األهم في مسلسل تاريخي من اإلصالحات‬ ‫املتعاقبة بتعاقب احلكومات التي وضعت‬ ‫املخططات واملناظرات لتشخص خصائصها‬ ‫وتتبع تقومي مسارها‪ ،‬فجل اإلصالحات املتوالية‬ ‫لم تعط أكلها وباءت بالفشل‪ ،‬الشئ الذي فرض‬ ‫على املسؤولني تدارك الوضع والبحث عن سبل‬ ‫مختلفة وطرق جديدة‪ ،‬وهو ماجسدته احملاوالت‬ ‫املتكررة في تاريخ إصالح التعليم ببالدنا والتي‬ ‫سلكت منحى التناظر أو البرنامج أبرزها‪:‬‬ ‫مناظرة املعمورة (أبريل ‪ )1964‬التي دعت إلى‬ ‫تطوير آليات وثوابت اإلصالح‪ :‬املغربة‪ ،‬التعريب‪،‬‬ ‫التوحيد‪ ،‬التعميم بغية إصالح‪  ‬التعليم ( سنة‬ ‫‪ )1957‬مرورا بإصالح املرافق للمخطط اخلماسي‬ ‫(‪ )1964-1960‬ثم محطة املذهب التعليمي‬ ‫اجلديد املنسوب لوزير التعليم الدكتوربنهيمة‬ ‫(‪ )1966‬ثم اإلصالح الذي انطلق سنة (‪)1985‬‬ ‫في إطار سياسة التقومي الهيكلي منذ ‪،1983‬‬ ‫إضافة إلى امليثاق الوطني للتربية والتكوين‬ ‫الذي انطلق سنة ‪ ،2000‬وقد كانت من مرتكزاته ‪:‬‬ ‫تغيير البرامج واملناهج‪ ،‬تعددية الكتب املدرسية‪،‬‬

‫األطفال من متييز إيجابي في املناطق القروية‬ ‫وشبة احلضرية‪ ،‬خاصة التي تشكو العجز أو‬ ‫اخلصاص‪ ،‬وتأمني احلق في التعليم لألطفال في‬ ‫وضعية إعاقة أو‪  ‬في وضعية خاصة‪ ،‬ومكافحة‬ ‫الهدر املدرسي والقضاء على األمية‪ ،‬فضال عن‬ ‫ضمان جودة التعليم بتجديد مهن التدريس‬ ‫والتكوين والتدبير‪ ،‬وإعادة تنظيم وهيكلة‬ ‫منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬وإقامة اجلسور بني مكوناتها ومراجعة‬ ‫املقاربات والبرامج واملناهج البيداغوجية‬ ‫مع إصالح وتشجيع البحث العلمي والتقني‬ ‫واالبتكار واعتماد تعددية التناوب اللغوي‬ ‫بهدف تنويع لغات التدريس‪ ،‬عن طريق تعليم‬ ‫بعض املضامني أو املجزوءات في بعض املواد‬ ‫باللغات االجنبية قصد حتسني التحصيل‬ ‫الدراسي بها‪ .‬وتبني منوذج بيداغوجي موجه‬ ‫نحو الذكاء يطور احلس النقدي‪  ‬وينمي االنفتاح‬ ‫واالبتكار بتزويد املجتمع بالكفاءات والنخب من‬ ‫العلماء واملفكرين واملثقفني واألطر والعاملني‬ ‫واملؤهلني للمشاركة في البناء املتواصل للوطن‬ ‫على جميع املستويات‪ ،‬من خالل اإلسهام في‬ ‫تكوينهم وتأهيلهم ورعايتهم‪ ،‬فضال عن هذا‬ ‫كله البد من التركيز على أجراة بعض التدابير‬ ‫األخرى التي جاء بها هذا القانون والتي‬ ‫صادقت عليها باإلجماع جلنة التعليم والثقافة‬ ‫واالتصال مبجلس النواب من بينها ضمان‬ ‫مالءمة مواصفات خريجي املنظومة مع متطلبات‬ ‫سوق الشغل‪ ،‬وحتقيق االنسجام مع اخليارات‬ ‫املجتمعية الكبرى‪ ،‬باإلضافة إلى توسيع نطاق‬ ‫أنظمة التغطية االجتماعية لفائدة املتعلمني‬ ‫من ذوي االحتياج قصد متكينهم من اإلستفادة‬ ‫من خدمات اجتماعية تساعدهم وحتفزهم على‬ ‫متابعة دراستهم في ظروف مناسبة ومالئمة‪.‬‬ ‫إن الشروع في تنزيل ماجاء به القانون اإلطار‬ ‫يتطلب عمال جبارا من اجلهات املسؤولة على‬ ‫رأسها املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث‬ ‫العلمي والوزارة الوصية عبر فتح حوارات‬ ‫جهوية ترفع لها توصياتها من أجل وضع خريطة‬ ‫شاملة وواقعية لتفعيل هذا اإلصالح الذي يشكل‬ ‫التحدي األكبر والرهان األساسي لبلوغ‪  ‬التنمية‬ ‫االقتصادية واالجتماعية املنشودة‪ ،‬واملدخل‬ ‫األساسي للرقي ببالدنا إلى مصاف املجتمعات‬ ‫املتقدمة‪.‬‬

‫* أستاذة بمدرسة الزوهرة‬ ‫الحداوي بالحي الحسني‬

‫‪27‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫كفايات مفهوم التدبير‪ :‬من التدبير الدراسي إلى تدبير احلياة‬ ‫إن من أهداف التربية وغاياتها تعليم اإلنسان كيفية العيش في هذه احلياة واإلقبال عليها وهو مزود مبعارف ولليات‬ ‫التعامل مع الوضعيات التي تعترض طريقو ومساره في العيش‪ ،‬وحسن التخلص من األزمات وجتاوز الدخاطر‬ ‫الدتعددة‪ ،‬مبا تزود بو من الددرسة من تقنيات وكفايات فعل تدبنً جيد‪.‬‬ ‫ذ ‪ :‬إخلف وسعيد*‬

‫إن من أهداف التربية وغايامتا تعليم اإلنسان‬ ‫كيفية العيش في هذه احلياة واإلقبال عليها وهو‬ ‫مزود مبعارف وآليات التعامل مع الوضعيات التي‬ ‫تعترض طريقه ومساره في العيش» وحسن التخلص‬ ‫من األزمات وجتحاوز املخاطر املتعددة» مبا تزود‬ ‫به من املدرسة من تقنيات وكفايات فعل تدبير جيد‪.‬‬ ‫بذلك أصبح االهتمام مبفهوم التدبير في املدرسة‬ ‫احلديثة يشكل حتديا كبيرا على البيداغوجيني‬ ‫واملربني؛ بل وعلى علماء اإلقتصاد‪ ,‬ملا له من أهمية‬ ‫ريادية في إمكانية حترير املجتمعات من األزمات‬ ‫املالية واإلقنصادية‪ :‬وبالتالي فإن الرهان اليوم‬ ‫قائم على املدرسة من أجل إعادة النظر في هذا‬ ‫املفهوم للنهوض عبر وضع استراتيجيات فعالة‬ ‫ناجعة وناجحة‪ .‬انطالقا من مدخالته وإنتهاء‬ ‫مبخرجاته احلضارية التي يجب التعويل عليها في‬ ‫كل املقامات واملواقف‪ .‬ونقله من مستوى التجريد‬ ‫إلى املمارسة ومن التنظير إلى التطبيق وحتوله‬ ‫من املعنى احلزئي إلى املعنى الواسع الذي يسمح‬ ‫له بالتوظيف اجليد‪.‬‬ ‫في هذه الورقات نريد احلديث عن حاجة املدرسة‬ ‫والدولة إلى إعادة النظر في مفهوم التدبير‬ ‫باعتباره آلية من آليات النجاح والتفوق وتقنية‬ ‫من تقنيات التخدلص من العشوائية والعبثية؛‬ ‫بوضع املشاريع وتنفيذها والقيام بعملية اإلنحاز‬ ‫وفق رؤية وفلسفة استراتيجية محكمة‪ .‬والعمل‬ ‫على إعادة البناء والنهوض من جديد» وجتحازو‬ ‫الرؤى التقليد؛ التي لم تعد جتدي نفعا‪.‬‬ ‫إن الوضع التعليمي في املغرب رهني بالتحول‬ ‫واالنتقال من وضع األزمة والوفاء للحال إلى الوفاء‬ ‫للنظر االستراتيجي عبر إعادة فتح ملفات التجديد‬ ‫والتفكير في اإلصالح؛ والتجديد في النظريات‬ ‫والوسائل» تبعا ألحوال العمران التي تتبدل‬ ‫ومراحل تشكل احلضارات التي تتغيرء ألنه من‬ ‫محال أن تدوم على حال أي حضارة من احلضارات‬ ‫املشكلة في تاريخ البشرية وعلى منهج واحد »‬ ‫مهما أوتيت من علم وفلسفة» وقد تعيش احلضارة‬ ‫اليوم قوية ومنضتها مليئة بالعطاء وتعيش غدا‬ ‫فقيرة بفعل الزمان وتقلب العمران وتدبير القائدين‬ ‫لهاء وقد نبهنا القرآن الكرمي إلى مثل هذه األمور‬ ‫على أن نستعد وأن نغير مناهجنا التعليمية‬ ‫وبرابحنا التربوية كلما حصلت أزمة من األزمات‬ ‫كاحلفاف واألوبئة واألمراض واحلروب» قال الله‬ ‫تعالى‪« :‬قال تزرعون سبع سنني دأبا فما حصدمت‬ ‫فذروه في سنبله إال قليال مما َتأ ُك ُلونَ » ‪ ،‬فما مفهوم‬ ‫التدبير؟ وما مميزاته؟ وما هي أنواعه؟ وماهي‬ ‫آفاقه؟‪ .‬جملة من التساؤوالت املطروحة على العقل‬ ‫التربوي إلعادة فتحها في مستقيل األيام‪.‬‬

‫السياق املفهومي للتدبير‪:‬‬

‫إذا كان معنى التدبير في البيداغوجيات‬ ‫الكالسيكية معندم املعنى أو قليل التوظيف أو‬ ‫ضيق الفهم بسبب حصره في التخطيط للدرس؛‬ ‫فإنه أصبح املعنى اليوم عاما وأكثر تداوال من‬ ‫ذي قبل حيث يتجاوز هذه النظرة الكالسيكية‬ ‫مع النظريات اجلديدة ومتطلبات الواقع اجلديد‬ ‫وال يقتصر املعنى في االرتباط مبا هو دراسي‬ ‫وفي املرحلة التي يكون فيها املتعلم مع املدرس»‬ ‫وإمنا املعنى امتد إلى التدبير الكلي املستقبلي‬ ‫الذي يوظفه اإلنسان بعد مرحلة الدراسة‪ :‬عبر‬ ‫السعي إلى جتاوز وضعيات واستثمار املعرفة في‬ ‫احلياة املهنية» ويكون ذلك بالتركيز على التدبير‬ ‫املدرسي كخطوة أولى وأن يتعلم املتعلم مبادئه»‬ ‫على أن يستثمر فيه كفايات النجاح واالجتهاد‬ ‫والتفوق في احلياة املهنية و بانتقال الفهم من‬ ‫التخحطيط التربوي والديداكتيكي إلى التخطيط‬ ‫املهني والتخطيط في املوارد البشرية والرقمية‬ ‫التكنولوجية وملالية املادية التي ستفرضها‬ ‫احلاجيات واملخاطر اإلقتصادية والسياسية‬ ‫واإلجتماعية» وذلك عبر تكوين أجيال قادرين على‬ ‫حمل مسؤولية تدبير الدولة واجلتمع‪.‬‬ ‫إن التدريس ببداغوجيا الكفايات كخيار‬ ‫استراتيجي أماله الوضع العاملي من أجل ربط‬ ‫املدرسة باحلياة اإلقتصادية واإلجتماعية عبر‬ ‫كفايات احلياة والعمل الذي ينبغي أن يتحدد فيه‬ ‫التفكير مستقبال عبر حتديد األولويات احلضارية‬ ‫التي ميكن أن تعيد املجتمعات إلى حيامتا‬ ‫الطبيعية بعد كل جائحة أو أزمة ماء واستعداد‬ ‫الفكر التعليمي والتربوي خللق برامج ومناهج‬ ‫تستطيع أن تثمر ما ينفع» إننا تتحدث عن ضرورة‬ ‫اإلنفتاح على كفايات التدبير وفتح هذا ا ملف وهذا‬ ‫الورش الكبير الكساب األجيال القادمة كفايات حل‬ ‫املشاكل التي تعترض الدولة في ظل األزمات» للعلم‬ ‫باألسباب والعلل والكوائن وأخذ العبر والفوائد‬ ‫وتوسيع فهمها عبر منظومتنا التربوية وعلى‬ ‫فهم الفقه املستقبلي والفقه اإلفتراضي في سائر‬ ‫احملاالت هذه كفايات تساهم في فهم املتعلم لواقعه‬ ‫ويتطلع ملستقبله برؤية محملة بأفكار استراتيجية‬ ‫واعية» كما يفهم ماضيه وحاضره يجب أن يفهم‬ ‫مستقبله‪ .‬ألن في املقررة التربوية واملناهج ال‬ ‫مكان للحديث عن هذه الكفايات ومضامني معارف‬ ‫مكتسبات لها صلة مبسألة التديير» فاملتعلم في‬ ‫جل املقرارات يتعلم كيف يقوم فقط بحل وضعية‬ ‫أو يجتاز تقوها لإلنتقال من مستوى إلى تقبلية؛‬

‫ألن «املستقبل هو رهان النهضة وبحال الفعل»‬ ‫ومن غير التفكير فيه واإلستعداد الحتماالته فإن‬ ‫واقع الضعف والتخلف لن يتحول بغتة إلى نحضة‬ ‫غير تخطيط ملاض ذهب صار واقعا‬ ‫وتقدم من‬ ‫اليوم وأمال متجددا في املستقيل»‪.1‬‬

‫مميزات التدبير‪:‬‬

‫إن مفهوم التدبير ينقل املدرس أو الفرد املمارس‬ ‫لهء من الصفة واخلاصية التقليدية إلى املدرس‬ ‫أو الفرد الكفائي» إذ بواسطة هذه اآللية ميتلك‬ ‫هذا الفرد املهارات والقدرات والكفايات املهنية‬ ‫واملنهجية والتواصلية والذهنية؛ ويستطيع أن‬ ‫يربط التعلمات بكفايات احلياة» ومع مستجدات‬ ‫الواقع اإلقتصادية والوضع اإلنسانيء في املخاطر‬ ‫واألزمات؛ إذ التدبير منهج يضع اإلنسان في تعامل‬ ‫جيد مع الوضعيات؛ ويحقق النجاح وبرقى بالفرد‬ ‫إلى أن يكون ذا كفاءة ووعي باملسؤولية‪ :‬ويحقق‬ ‫التعاون بني األفراد إليجاد احللول للوقائع واألجوبة‬ ‫للمسائل التي ميليها الواقع‪ .‬مبا أن الرهان قائم على‬ ‫املدرسة من أجل تطوير املجتمع» فإن أهمية التدبير‬ ‫تكون ضمن أولويات اإلصالح حيث « يحقق تنمية‬ ‫ناجحة وناجعة بيداغوجيا وديداكتيكيا ويحقق‬ ‫مدرسة النجاح والتميز والكفاءة»‪.‬‬

‫أنواع التدبير‪:‬‬

‫مير هذا املفهوم في تشكله عبر مراحل ثالث‬ ‫أساسة في التحديد وضمن رؤية اإلصالح ينتقل‬ ‫خالنها من التدبير البسيط إلى التدبير الكلي‬ ‫الشامل إليها أشار التربوي محمد أمزيان بقوله‪:‬‬ ‫«يعرف املشروع التربوي مجموعة من املراحل»‬ ‫مثل تدبير املدخخالت» وتدبير العمليات؛ وتدير‬ ‫املخرحات» وتدبير اللحاطرء وهذا كله من أجل‬ ‫حتقيق اللمودة احلقيقية والفعالة»‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬تدبير املدرس‪ :‬هو نوع في عملية التعليم‬ ‫وني تعلم الكفايات في املدرسة» ويعني أن يقوم‬ ‫املدرس بالتدبير اميد في تعلمات املتعلمني وحسن‬ ‫التخطيط واالعداد؛ بشكل سليم على مستوى‬ ‫اإلعداد والتخطيط للمعرفة املدرسية؛ أثناء‬ ‫الوضعيات الديداكتيكية‪ :‬باملمارسة العقالنية‬ ‫التي تسعى إلى حتويد التعلمات؛ وهنا ينبغي‬ ‫«ضرورة وأولوية االهتمام بتكوين املرني الفعال‬ ‫املنتج املتفاعل املشارك املسؤول والواعي برسالته‬ ‫الريادية في قيادة عمليات اإلصالح والتحديد‪.‬‬ ‫وذلك عبر مساهمته املبدعة موث ‪.‬تكوين العنصر‬ ‫البشري وبناء املواطن القادر على رفد وحتصني‬ ‫ما حتاول محتمعاتنا االنخراط فيه من مشاريع‬ ‫مجتمعية للديكقراطية والتنمية والتحديث‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ب‪ -‬تدبير املتعلم مبفرده‪ :‬يعني العمليات التي‬ ‫يسعى من خالها املتعلم في اكتساب املعرفة‬ ‫سليم حلل الوضعيات التي يكون‬ ‫وأخذها بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫معه في مواجهة مباشرة‪ .‬مجموعة من املوارد‬ ‫الداخلية الذاتية والنفسية؛ وملوارد اخلارجية من‬ ‫أفكار وبيانات ومعلومات أخرى وتدبير املتعلم‬ ‫يتحلى في حسن استغالل املعطيات والتوفيق بني‬ ‫هذه املوارد وتقدم األولى فاألولل» ويكون حسن‬ ‫تدبر املتعلم رهينا مبا اكتسبه‬ ‫من تدبير املدرس‪.‬‬ ‫ج‪ -‬التدبير املمتد ذو آفاق‬ ‫مستقبلية‪ :‬إن الهدف والغاية من‬ ‫التدبير املدرسي أو اإلداري هو‬ ‫أداء الدور احلياتي لهذه العملية‬ ‫كلما حلت معضلة وجائجة‬ ‫أو أزمة من أزمات الدولة أو‬ ‫لها عن‬ ‫املجتمع؛ والبحث‬ ‫حلول» وكلما كانت املدرسة‬ ‫مؤثرة في املجتمع كلما وجدنا‬ ‫احللول النهصوية قائمة لذلك‬ ‫التبير املدرسي أوال إلعداد جيل‬ ‫ريادي يستطيع خدمة ملجتمع؛‬ ‫من أطر اجتماعية وأقتصادية‬ ‫وفنية وصحية وعسكرية قادرة‬ ‫على فهم التحوالت والتغيرات‬ ‫املتعددة وإجتاد املساهمة‬ ‫املبدعة» وهذا التوع من التدبير‬ ‫تستغل فيه الكفايات احلياتية‬ ‫واملهنية التي إكتسبها اإلنسان‬ ‫من املدرسة» وينبغي الوعي‬ ‫به كثرا والعمل على إعداد‬ ‫املتعلمني على التدريب والتوقع‬ ‫للمخاطرء وقد علمتنا التجارب‬ ‫واألزمات ما لهذا من دور فعال‬ ‫ومهم وخير دليل» الوضع الذي‬ ‫تعيشه البشرية اليوم بسبب‬ ‫وباء كورونا الذي زعزع العالم‬ ‫وأحدث منطا جديدا من العيش‬ ‫وغير بحرى كثير من املعطياء‬ ‫التعليمية واإلقتصادية بل‬ ‫واإلجتماعية‪ .‬وجناح املدرسة‬ ‫مستقبال هو الوعي مبثل هذه‬ ‫الظروف التي على الرغم من‬ ‫وصفها باالستثنائية إال أمنا‬ ‫قلبت املوازين وغيرت املناهج»‬ ‫فعلى املدرسة حسن التديير واإلعداد وضع‬ ‫املستقبل في احلسبان‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬

‫تدبير بناء الرأسمال البشري النافع من خالل‪:‬‬

‫ إنفتاح املوسسة والبرامج على القيم اإلنسانية‬‫املشتركة التي تعيد حتقيق اإلندماج بني عناصر‬ ‫امجتمع في عز األزمات من قبيل العلم واخبرة‬ ‫والتكافل والتعاون والتضامن واإلنفاق واإليثار‬ ‫واإلحساس باآلخر ماديا ومعنويا لتجاوز الكربات‬ ‫التي تتركها األزمات» و«نشر ثقافة التعايش‬ ‫التسامح؛ ونبذ التطرف واإلرهاب واإلقصاء‪.‬‬ ‫ويعني هذا أنه البد من تعويد ناشنا على تقبل‬

‫ملف‬ ‫اآلخرء وجتنب العدوان والكراهية والصراع‬ ‫احلدلي» وإقامة عالقات تواصلية مع اآلخر قوامها‬ ‫احلبة والتعاون والتعايش والصداقة والتكامل‬ ‫اإلدراكي» ألننا وحدنا في برابجنا التربوية‬ ‫ومناهجنا غياب كفايات التدريس للتديير املرحلي‬ ‫األي جائحة من اخلائحات على املستويات العلمية‬ ‫واإلجتماعية واخلبرات اإلقتصادية؛ كما يتم أيضا‬ ‫تسجيل محدودية الطرح في الساحة التزبوية»‬

‫على الرغم من أهيتها مبكان والغياب يعم سائر‬ ‫االت يسبب عذم وعود للنهسية التلنية‪ :‬وعله من‬ ‫كعم للسشالت آفي يها نسم افؤيري ومي باملغرب؛‬ ‫وهي التي تساهم في الكفايات املمتدة والطويلة‬ ‫في األمدء « لكن الذي يشكل غيابا ملحوظا في‬ ‫برابنا الثقافية عدم وجود املنهجية العلمية التي‬ ‫حتول استشراف املستقبل إلى منهحية علمية لها‬ ‫أساسامتا املعرفية وتقنيامتا االستراتيجية» ولعل‬ ‫ندرة املراكز املتخصصة بالدراسات املستقبلية في‬ ‫بالدنا الغربية شاهد على ضعف العمل بالدراسات‬ ‫والنظريات املستقبلية في مقابل التكاثر احلائل للك‬

‫املراكز في الغرب املعاصر»‪.2‬‬

‫أهداف التدبير وعالقته بالرؤية االستراتيجية‪:‬‬

‫إن اإلطار النظري لكفايات التدبير هو ارتباطه‬ ‫مبجموعة من املشاريع التي جاءت بحا الرؤية‬ ‫االستاتيجية ‪ :2030/2015‬خاصة في ماال الرابع «‬ ‫احلكامة وتدبير التغيير»‪ .‬واملشروع ‪ .26‬تقوم نظام‬ ‫املعلومات للتزبية والتعليم”؛ ما يجعل الباحث‬ ‫يطرح جملة من التساؤالت حول‬ ‫التحديات التي ستحدها املدرسة‬ ‫املغربية في طريقها مستقبال‬ ‫في تنزيلها هذه املشروعات‬ ‫والتساؤل الذي يطرح نفسه‬ ‫باحلاح هو هل يقتصر مفهوم‬ ‫التدبير على كفايات مرتبطة‬ ‫بالفصل الدراسي ويقتصر على‬ ‫فترة احلياة املدرسية» أم له‬ ‫أهداف امتدادية حياتية تنفع‬ ‫اجلتمع مستقيال؟» أعتقد أن‬ ‫مفهوم التديير مفهوم عام وكلي‬ ‫مستقبيلة؛ من تدبير التعلمات‬ ‫واملعارف وحسن توظيفهاء‬ ‫ككفايات اكتسبها اإلنسان من‬ ‫املدرسة يوظف في سياقات‬ ‫متعددة وله مجاالت واسعة‬ ‫وامتدادات املدرسة وتدبير‬ ‫األزمات واملخاطر اإلقتصادية‬ ‫والبيثية» فان هذه الكفايات تظل‬ ‫مصاحية للمتعلم ومتتد معه‬ ‫طول حياته وبالتالي فإن التدبير‬ ‫ال يقتصر على ماهو مادي بل‬ ‫يتجاوزه إلى ما هو معنوي»‬ ‫كما أن األمر ال يقتصر على ماهو‬ ‫مدرسي بل التدبير اإلقتصادي‪.‬‬ ‫والتنزيل التربوي للتدبير ييتدأ‬ ‫في فتح املوارد الرقمية والتعليم‬ ‫عن بعد ملواكبة املستحدات‬ ‫التي يفرضها الواقع» والعمل‬ ‫على تدبير كفايات التكنولوجيا‬ ‫وتوسيع قاعدمتا امليدانية‬ ‫والتكوينية للموارد البشرية»‬ ‫النه الحظنا خالل التعليم عن بعد‬ ‫التي قامت به الدولة والوزارة‬ ‫الوصية على التعليم النقص‬ ‫احلاد في الوسائل الديداكتيكية‬ ‫وآليات اإلشتغالء النه لو أذت‬ ‫الدولة هذا في االجراء في احلسبان ماكان هناك‬ ‫خلل‪.‬‬ ‫إن التجديد دائما في البرامج التربوية هو‬ ‫مفتاح النهوض بامجتمع؛ نخاصة بعد األزمات‬ ‫واخلائحات واألوبة التي تفرضها إعادة النظر‬ ‫في تقنيات اإلصالح املتعلقة بفلسفة التدبير‬ ‫املستقبلي‪.‬‬ ‫أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي‬ ‫بيني مالل‬

‫‪29‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫ملف‬

‫املهارات احلياتية رهان على وظيفية التعلمات‬

‫ذ‪/‬عبد الرحيم الضاقية*‬

‫يشهد العالم خالل هذه األزمة الصحية أكبر حتول على مستوى االختيارات والتوجهات سواء في النظرة لآلخر‬ ‫أو للذات حيث ان املوازين على وشك االنقالب ‪ ،‬إن لم تكن قد انقلبت فعال‪ ...‬واملدرسة من بني الوكاالت التي حتضن‬ ‫التحوالت العميقة على مستوى التفكير والتدبير جتد نفسها اليوم محاصرة بأسئلة مصيرية حول مكانة اإلنسان‬ ‫ومستقبله وطريقة تدبيره ألشيائه الصغير والكبيرة ‪ .‬لقد شهدنا أن كل مقومات التطور التي بني عليها العالم املتقدم‬ ‫منذ عصر الثورة الصناعية قد أصبح بدون معنى في ظل التهديد احملدق بالصحة واحلياة ‪ .‬كما أن كل ترسانة التقانة‬ ‫التي أحاط بها العالم نفسه أصبحت مثل أثاث غير مرغوب فيه تشبه املتالشيات ‪ ،‬لكن باملقابل فمشاعر اإلنسان وبنيته‬ ‫الداخلية هي التي أصبحت زاده الوحيد ‪ ،‬بل وحتى الوقاية وإجراءاتها تتخذ من املدرسة نبعا لها‬

‫ان األوساط واألمم التي استثمرت في التربية لم جتد‬ ‫صعوبة في تطبيق إجراءات التباعد االجتماعي والوعي‬ ‫بخطورة الوباء بينما لم تفلح حتى الترسانة األمنية‬ ‫والقانونية من إيصال املعلومة ألوساط لم تنل قسطها من‬ ‫التربية والنماذج داخل احلواضر بادية للعيان ‪ .‬ففي ظل‬ ‫هذه احلالة االستثنائية يعد التفكير في بدائل بيداغوجية‬ ‫أمرا حتميا في ظل إعادة النظر اجلذرية في كل شيء‪ .‬ومن‬ ‫هذه البدائل التسلح مبهارات غير تقنية تلقح اإلنسان‬ ‫من الداخل وجتعله مثال صامدا أمام وضعيات فريدة من‬ ‫نوعها مثل تدبير القلق والقدرة على اتخاذ القرار ‪..‬وكلها‬ ‫مهارات حياتية يتعني على مدرسة الغد أن تدمجها في‬ ‫املنهاج الدراسي كي تتمكن املضامني الدراسية من إنتاج‬ ‫سلوكات ناجعة في إطار مجتمع متحول ‪ .‬وفي هذه‬ ‫احملاولة التي نقدمها اليوم سوف نتسائل عن أسس‬ ‫وأبعاد املهارات احلياتية كأفق بيداغوجي ‪ ،‬ثم مدى‬ ‫إمكانية تفعيلها ضمن املنهاج ‪ ،‬وسوف جنازف بتقدمي‬ ‫بعض املسارات التطبيقية املمكنة علها تفتح الباب على‬ ‫نقاش مثمر وواسع ‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬املهارات احلياتية ‪ :‬األسس واألبعاد‬

‫يعد مشروع املهارات احلياتية مشروعا قدميا نسبيا‬ ‫حيث عرفته املنظومات التربوية الدولية مند عقدين من‬ ‫الزمن على األرجح ‪ ،‬لكن التطويرات التي حدثت فيه على‬ ‫مستوى االشتغال به على عدة واجهات أكسبه نوعا من‬ ‫القوة االقتراحية حتى وصل إلى مستوى إمكانية بناء‬ ‫املنهاج على أساسه ‪ .‬وقد مت تطوير عدة أدوات متعلقة‬ ‫به سواء على مستوى املهارات املجتمعية أو العملية في‬ ‫إطار انفتاح املدرسة على املقاولة أو على املجتمع املدني‬ ‫أو في إطار احلياة املدرسية خارج الفصل الدراسي ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ محاولة في التعريف ‪:‬‬

‫تختلف التعاريف املرتبطة باملفهوم عبر مسار تفعيله‬ ‫في إطار املشاريع املختلفة التي تبنته أو أدخلته ضمن‬ ‫مكوناتها ‪ .‬لذا ميكن اعتماد تعريف شامل جتمع عليه‬ ‫أغلب الدراسات واملشاريع املرتبطة بها وهو يحيل‬ ‫على أن هذه املهارات نسق من املبادئ واملفاهيم تتيح‬ ‫مواجهة التحديات اليومية للحياة ‪،‬وميكن االشتغال بها‬ ‫في الفصل أو خارجه عبر متريرها في مضامني مختلفة‬ ‫ووهي قابلة للتجريب واالكتساب طول احلياة ‪accesstud(.‬‬ ‫‪ ) dents.com‬ومن مزايا هذه املهارات تطورها في الزمان‬ ‫واملكان وحسب الوضعيات التي يوجد فيها املستعمل ‪.‬‬ ‫فيمكن استعمال املهارات احلياتية في بعدها األولي في‬ ‫التكوين باملدرسة أي عبر اكتساب القواعد واألفكار ‪،‬‬ ‫كما ميكن استعمالها في البحث عن الشغل ثم في املجال‬ ‫املهني الصرف ‪.‬ومع التطورات التي يعرفها مجال املهن‬ ‫وارتباطاته باالقتصاد العاملي فهذه املهارات نفسها تعطي‬ ‫للفرد إمكانات واسعة لتطوير ذاته واالنتقال إلى مهن‬ ‫أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليه على املستوى الذاتي‬

‫واملادي ‪.‬وكل هذه املبادئ التي حكمت هذا التعريف هي‬ ‫نفسها مكونات للمهارات احلياتية ‪.‬‬ ‫ميكن تفكيك العناصر األساسية لهذا التعريف من أجل‬ ‫توضيح مداه وتبديد بعض اخللط الذي ميكن أن يحصل‬ ‫عند االشتغال به ‪ ،‬خصوصا وأن اجلهاز املفاهيمي املوظف‬ ‫في املدرسة ميتح من مرجعيات ومصادر مختلفة ‪.‬‬ ‫< املهارات ‪ :‬هي جمع مهارة وعند الترجمة تصبح كفاية‬ ‫‪ Skill‬ثم في بعض الوثائق تستبدل بكفاءة ‪..‬وقد أقرت‬ ‫الوثائق املرجعية الدولية على أن هناك خلطا وتبادال‬ ‫للمواقع بني هذه املفاهيم من حيث الداللة واملبتغى‪.‬‬ ‫فاملهارة ‪ Habileté‬تطلق على نسق من املمارسات العملية‬ ‫التي تترجم حتكما تقنيا في إجناز مهمة أو تطبيق قاعدة‬ ‫أو أجناز ‪ ،‬وقد تكون هذه املهمة مركبة أو مفردة ‪ .‬فنقول‬ ‫عن تلميذ‪/‬ة ماهر في إجناز العمليات األربع كما نصفه‬ ‫باملهارة في القفز بالزانة ‪.‬‬ ‫< التحديات اليومية للحياة ‪ :‬هذا البعد هو الشبه غائب‬ ‫في املناهج التعليمية التي يغلب عليها اجلانب النظري ‪،‬‬ ‫فاحلياة اليومية هي نسق من الوضعيات التي ال تفصل‬ ‫بني اجلوانب املختلفة مثل ما هو حاصل في املدرسة ‪ .‬لذا‬ ‫املهارات احلياتية تنطلق من تصور شمولي لعمليات التعلم‬ ‫على مستوى املعرفة الصرفة الضرورية ‪ ،‬ثم توظيف هذه‬ ‫املعرفة في سياقات حياتية معيشة حلل املشكالت اليومية‬ ‫لضياع الوقت أو للحفاظ على املوارد املالية ‪.‬‬ ‫< داخل وخارج الفصل الدراسي ‪ :‬يتوجه املستوى‬ ‫األول من املهارات احلياتية إلى الفصل الدراسي كوحدة‬ ‫تنظيمية قابلة للبحث والدراسة وميكن التحكم النسبي‬ ‫في مكوناتها ومعطياتها ‪ .‬وفي املستوى الثاني ضمن‬ ‫املؤسسة التعليمية أي ضمن مكونات ومقتضيات احلياة‬ ‫املدرسية ‪ ،‬مثال في إطار نوادي البيئة أو حقوق اإلنسان‬ ‫أو ضمن رحلة دراسية أو ترفيهية ‪.‬‬ ‫< االكتساب طول احلياة ‪ :‬يستند هذا البعد على‬ ‫التوصيات الدولية وخالصات مؤمترات التربية الدولية‬ ‫انطالقا من تقرير دولور ‪ Delors‬حول «التربية ذاك‬ ‫الكنز املكنون » ووصوال إلى الرؤية اإلستراتيجية ( ‪2015‬‬ ‫‪ ) -2030‬وخاصة منها الرافعة التاسعة عشر التي تؤكد‬ ‫على استدامة تعميم املعرفة والتربية والتعليم للجميع‬ ‫والتعلم مدى احلياة مع وضع املساطر التنظيمية والعملية‬ ‫لتحقيق هذا الهدف باالستعانة مبا توفر تكنولوجيا‬ ‫اإلعالم واالتصال من تواصل وتعلم عن بعد ( املجلس‬ ‫األعلى ‪ ،‬الرؤية ‪ ،‬ص ‪.) 57‬‬ ‫< احلياة اخلاصة واملهنية ‪:‬غالبا ما يتم الفصل بني‬ ‫الشيئني على مستوى التصور وآليات الفعل االيجابي بني‬ ‫اخلاص واملهني مع أن األمر ال يختلف كثيرا باعتبار أن‬ ‫الفرد الواحد هو الذي يقوم بالدورين ‪ . Acteur‬يحيل‬ ‫الذكاء االجتماعي على نهج نسقي تتم بواسطته استثمار‬ ‫املهارات احلياتية سواء على مستوى تدبير األسرة‬ ‫واحلياة اخلاصة والتعامل املهني مع قضايا وفئات‬

‫بشرية دون رابط غير املهني ‪ ،‬مع احترام فقط للمقياس‬ ‫املستعمل بدون تغيير في املبادئ املؤسسة ‪..‬‬ ‫لعل هذا التدقيق املفاهيمي يكون قد أسعف في رفع‬ ‫بعض االلتباسات التي ميكن أن يخلقها التعريف األول‬ ‫بحكم تعالق املقاربات وتشابهها ‪ ،‬لكنه يكون قد أفرز‬ ‫أسئلة قد تكون مسوغات منطقية للعناصر املوالية ضمن‬ ‫هذه احملاولة ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ خلفية ومرجعيات ‪:‬‬

‫من خالل هذه املداخل املفاهيمية يبدو أن اخللفية‬ ‫النظرية التي تستند عليها املهارات احلياتية ليست‬ ‫جديدة بصفة كلية عن القضايا املطروحة على مستوى‬ ‫دائرة النقاش التربوي‪، Noosphère‬لكن طريقة تناولها‬ ‫أو تركيبها ضمن بنية منهاجية هي التي سوف تكون ذات‬ ‫أهمية ‪ .‬لذلك فعند الرجوع إلى كرونولوجيا املفهوم جند‬ ‫أنه مت استخدام مصطلح املهارات احلياتية للمرة األولى‬ ‫في املنتدى الدولي حول التربية في دكار ابريل سنة ‪2000‬‬ ‫ومتت اإلشارة إليه في هدفني من أهداف هذا املنتدى ضمن‬ ‫املواضيع املتعلقة بتعميم التعليم وتوسيع التمدرس‬ ‫خاصة في البلدان التي تعرف خصاصا على مستوى‬ ‫العرض التربوي ‪ .‬ومت التطرق للمهارات احلياتية عندما‬ ‫مت التنصيص على ضرورة الرفع من جودة التعلمات‬ ‫في سبيل مواد دراسية قابلة للتحويل املهني من أجل‬ ‫حتقيق تنمية مستدامة ‪ .‬وظهرت محاوالت تدقيق املفهوم‬ ‫في تقرير تتبع التربية للجميع ‪ 2003/2004‬حيث اعتبر‬ ‫التقرير أن املهارات احلياتية هي توليف يجمع صنفني من‬ ‫املهارات ‪:‬‬ ‫< مهارات سياقية متعلقة بسبل العيش‪ ،‬مثل النوع‬ ‫االجتماعي والصحة واملواطنة‪...‬‬ ‫< مهارات عامة ترتبط بالتصرف في مواقف ووضعيات‬ ‫متنوعة‪ ،‬مثل حل املشكالت والعمل في مجموعات‬ ‫والتواصل‪.‬وهي األكثر مالئمة للعمل بها داخل الفصول‬ ‫الدراسية حيث ميكن االشتغال بها ضمن املواد الدراسية‬ ‫املختلفة ‪.‬‬ ‫وقد بدأ هذا املفهوم يتضح أكثر من خالل تقرير أعد‬ ‫بإشراف الوكالة الكندية للتنمية الدولية‪ ،‬حيث قسم‬ ‫املهارات احلياتية إلى أربعة أصناف ‪ :‬مهارات سياقية و‬ ‫مهارات عامة ومهارات مهنية ومهارات القراءة والكتابة‪.‬‬ ‫وفي سنة ‪ ،2012‬صدر التقرير العاملي لرصد التعليم‬ ‫للجميع حتت عنوان‪ :‬الشباب واملهارات‪ ،‬وكان يهدف الى‬ ‫تسخير التعليم لسوق الشغل ‪ .‬ويعتبر موضوع تنمية‬ ‫املهارات من بني القضايا األساسية في النقاش التربوي‬ ‫العاملي‪ ،‬حسب التقرير‪ ،‬وذلك ألهمية املوضوع وارتباطه‬ ‫بالرهانات االقتصادية‪..‬‬ ‫وفي ‪ 2015‬مت إطالق مبادرة املهارات احلياتية في منطقة‬ ‫الشمال إفريقيا والشرق األوسط ‪ Mena‬في اجتماع‬ ‫رابطة التعليم التابعة ملنظمة اليونيسيف حيث اتفقت‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫وفود الدول املشاركة على تنفيذ مبادرة املهارات احلياتية‬ ‫والتعليم من أجل املواطنة على مستوى كل دولة على حدة‬ ‫وعن طريق وزارات التربية في الدول املعنية ‪ .‬وقد مت‬ ‫تطوير إطار مفاهيمي وبرامجي عبر مشاورات ضمت أكثر‬ ‫من ست مئة شخص من األطراف املشاركة ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ األبعاد األربعة للتعلم ‪:‬‬

‫يعتبر التقرير املشار إليه أعاله وثيقة مرجعية غاية في‬ ‫األهمية بالنسبة لبناء األس النظري والعملي الذي قامت‬ ‫عليه مقاربة تنمية املهارات احلياتية ففي مقدمة التقرير‬ ‫يقدم جاك دولور التصور العام الذي حكم عمل الفريق‬ ‫الدولي الذي اشتغل على التقرير ودعا إلى أن التربية تتيح‬ ‫دخول رهان التقدم والعدالة االجتماعية والتنمية املستدامة‬ ‫في جو من احلرية ‪ .‬واعتبر أن التربية تعتبر طريقا سالكا‬ ‫أمام أجليال من األطفال والشباب لولوج القرن ‪ 21‬الذي‬ ‫يحبل مبجموعة من التحديات أهمها الثورة اجلديدة في‬ ‫ميدان اإلعالم واالتصال واالنتصار على حتمية اجلغرافيا‬ ‫بتجاوز مفهوم املسافة‪.‬كما أنه يتميز بالغنى الكبير على‬ ‫مستوى املعارف واملهارات وسالسة الوصول إليها في أي‬ ‫بقعة من األرض ‪ .‬وفي املقابل تبدو احلقبة املوالية مليئة‬ ‫باملخاوف والتوثرات احمللية والكونية ‪ ،‬كما تعرف عقبات‬ ‫كبرى على مستوى آثار العوملة التي تتجه إلى محو كل‬ ‫ماهو محلي لسيادة الكوني الذي يتجاوز الطابع احمللي‬ ‫مما يعقد من مهمة التربية على املدى املتوسط والبعيد‬ ‫‪.‬وعلى هذه التوجهات بنى التقرير في قسمه الرابع مبادئ‬ ‫تربية املستقبل على أبعاد أربعة ‪:‬‬ ‫< بعد املعرفة ‪ :‬يقوم هذا البعد على اكتساب حد أدنى‬ ‫من املعارف العامة الذي يشكل أسا ميكن بواسطته االنتقال‬ ‫إلى التعلم الذاتي عبر التكوين عبر منصات إلكترونية‬ ‫متاحة تساعد على الدخول إلى املعرفة من مسارب وطرق‬ ‫مختلفة ( الصورة – الشريط – اللعب – احملادثة الفورية‬ ‫‪.)...‬‬ ‫< بعد املهارة ‪ :‬ال حتيل املهارة فقط على االشتغال‬ ‫اليدوي البسيط بل تشمل عمليات ذهنية مركبة تتيح‬ ‫التعامل مع التكنولوجيا الرقمية بوصفها آلية تنظيمية‬ ‫إلجناز املهام والعمليات حيث أن القرن ‪ 21‬سوف يعرف‬ ‫ثورة في التسيير اآللي جلميع عمليات اإلنتاج والتي‬ ‫سوف تصبح مرتبطة بحواسيب آلية ‪.‬‬ ‫< بعد العيش مع اآلخرين ‪ :‬يعد هذا البعد من التجديدات‬ ‫املهمة التي حملها تقرير دولور حيث مس اجتاها جديدا‬ ‫في التربية قلما مت االهتمام به باعتبار أن التعلم يتم بهم‬ ‫ذاتي أوال‪ .‬ومن مسوغات هذا البعد اخللفية التاريخية‬ ‫للقرن ‪ 20‬وبداية القرن ‪ 21‬التي طبعتها أشكال مختلفة‬ ‫من العنف اجلماعي والفردي حيث كان شهد القرن املاضي‬ ‫حروبا ضروسا أدت إلى تغير جذري في العالقات بني‬ ‫البشر ‪ ،‬كما أن نهايته كانت ايذانا ببداية أشكال جديدة‬ ‫من العنف سميت « إرهابا « متعدد األشكال التالوين‬ ‫والدوافع‬ ‫< بعد الكينونة ‪ :‬تهدف التربية لبناء الفرد كي يكتسب‬ ‫استقاللية على عدة مستويات منها‪ :‬الفكر – اجلسد –‬ ‫الذكاء – احلس اجلمالي – املسؤولية الفردية – الروحية‬ ‫‪..‬‬ ‫كل هذه األبعاد توجد اليوم على مرمى حجر من الهجوم‬ ‫الكاسح لالقتصاد املعولم ووسائل التواصل االجتماعي‬ ‫التي تتجه إلى تهجني وتوحيد الرؤية اجلماعية مما يولد‬ ‫االستالب وإذكاء آليات االقصاء والنبذ اجلماعي الذي‬ ‫تبثه بعض املنابر واملواقع اإلعالمية ذات التأثير اخلفي ‪.‬‬ ‫إن املهمة الرئيسة لتربية القرن ‪ 21‬هي إعطاء التالميذ‪/‬ات‬ ‫موجهات ثقافية يستطيع بواسطتها فهم العالم من خالل‬ ‫تطعيم املناهج بحرية التفكير ‪ ،‬والتجرد ‪،‬ومنح اخليال‬ ‫مكانة كبرى في بناء املواقف ‪ ،‬واالنفتاح على تفكير الغير‬ ‫‪ ،‬والتحكم في املصير الذاتي بعيدا عن الشحن والتوجيه‬ ‫‪.‬فاملواد الدراسية يتعني أن تكون ذات بعد عملي صرف (‬

‫ملف‬ ‫فيزياء – رياضيات – علوم احلياة والألرض – تكنولوجيا‬ ‫‪ )..‬لكنها يتعني أن التنسى جانب اإلبداع واجلانب اجلمالي‬ ‫في في الفرد من خالل عدم إهمال مواد إبداعية ( الشعر‬ ‫– القصة – الرسم ‪ .)..‬فاملدرسة بواسطة العمل توحد‬ ‫التفكير املنطقي عبر منحها فرصة السفر في الذات مما‬ ‫يولد النضج الذي يتحول إلى سلوكات مسؤولة ‪ ،‬إذن‬ ‫فالتربية على هذا املستوى هي سيرورة جد شخصية وفي‬ ‫نفس الوقت هي بناء اجتماعي متفاعل ‪Delors, 1999,(.‬‬ ‫‪.) p94‬‬

‫هذه األبعاد مت تقدميها بشكل منفصل لضرورات‬ ‫منهجية مما ال يعني أن اشتغالها ضمن املناهج الدراسية‬ ‫يتخذ نفس الطريق ‪ ،‬فاملستهدف من هذه املقاربة كما هو‬ ‫مبني في عدة مناسبات هو التلميذ‪/‬ة أو الطفل املمدرس‬ ‫‪/‬ة الذي يتلقى معلومات ومهارات ضمن املدرسة بشكل‬ ‫متفاعل ومتناغم ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬املهارات احلياتية وإعادة النظر في املناهج‪:‬‬

‫تهدف مقاربة االشتغال باملهارات احلياتية بناء رؤية‬ ‫شمولية وإصالحية جذرية للتعليم من خالل إعادة بناء‬ ‫املناهج على أسس صلبة متتح من دعم التربية على حقوق‬ ‫اإلنسان وتعزيز القيم وبناء مجتمع متماسك وقوي على‬ ‫املستويات االقتصادية واالجتماعية والثقافية ‪ .‬وهذا‬ ‫الرؤية تتماشى مع الرؤية االسترتيجية للتربية والتكوين‬ ‫‪ -2030 2015‬التي تؤكد في الرافعة ‪ 12‬على بناء منوذج‬ ‫بيداغوجي قوامه التنوع واالنفتاح والنجاعة واالبتكار‬ ‫ومنفتح على مستجدات العصر واملعارف واملناهج‬ ‫والثقافة والقيم الكونية ‪.‬وعلى هذا األساس ومن أجل‬ ‫تناغم بني التعليم والتكوين مت تبني املهارات احلياتية‬ ‫على الصعيد الوطني والدولي من خالل جتارب مختلفة‬ ‫‪.‬وبرز التوجه الوطني واضحا من خالل تبني املهارات‬ ‫احلياتية في النظام اجلامعي اجلديد املنفتح على التجربة‬ ‫االجنلوسكسونية حيث أصبح لزاما على املستويات الدنيا‬ ‫للمدرسة ( االبتدائي والثانوي ) تبني مناهج وبرامج‬ ‫تدمج املهارات احلياتية في املواد الدراسية املختلفة ‪.‬‬ ‫و خلصت التحليالت املختلفة إلى أن املهارات احلياتية‬ ‫ليست كفايات أساس للمواد الدراسية لكنها أبعاد معرفية‬ ‫ومهارية واجتماعية تروم بعث دينامية جديدة في فعل‬ ‫التعلم ودراسة مدى قابلية املواد الدراسية للمساهمة في‬ ‫استقاللية الفرد ومتكنه من ولوج عالم اليوم بكل ثقة ‪.‬‬ ‫وقد انطلق التفكير احلالي في إعادة بناء املناهج على‬ ‫أسس مفتوحة بعد تبني الرؤية اإلستراتيجية‪  ‬واملصادقة‬ ‫على القانون اإلطار مما أفرز ضرورة بناء منوذج بيداغوجي‬ ‫مرن وقابل للتطوير ‪ ،‬على أساس املسوغات التالية ‪:‬‬ ‫< أن تطوير املنهاج عملية دائمة ومستمرة‪ ،‬ومؤشر‬ ‫إيجابي عن دينامية املنظومة التربوية وتفاعلها مع الطلب‬ ‫االجتماعي ومع ما يعرفه العالم من تطورات‪.‬‬ ‫• االنسجام مع فلسفة امليثاق الوطني للتربية والتكوين‬ ‫والوثائق املرجعية لإلصالح القائمة على املراجعة‬ ‫املستمرة للمنهاج‪.‬‬

‫• البلورة إلرساء مدرسة وطنية جديدة‪ ،‬مدرسة ما بعد‬ ‫البرنامج أالستعجالي‪ ،‬مدرسة مواطن الغد املرتكزة على‬ ‫االنطالق من املشاورات الواسعة مع مختلف الفاعلني‬ ‫والشركاء ‪.‬‬ ‫• وضع أسس علمية ومنهجية إلعداد املنهاج وضمان‬ ‫استمرارية تطويره ليستجيب للثورة الرقمية التي يعرفها‬ ‫العالم وتعرف تفاعال نشيطا من قبل رواد املؤسسة‬ ‫التعليمية من مختلف األعمار واملستويات ‪.‬‬ ‫• وضع آليات للتتبع والرصد واملراجعة املنتظمة‪/‬الدورية‬ ‫للمنهاج‪( .‬شفيقي ‪) 2017 ،‬‬ ‫وقد بدأ العمل في السلك االبتدائي من خالل عدة‬ ‫مشاريع من بينها مشروع القراءة املبكرة بعد اكتشاف‬ ‫الصعوبات احلقيقية التي يعاني منها التالميذ‪/‬ات‪ .‬فقد‬ ‫مت حتديد الرصيد األولي املشترك بني كل التالميذ‪/‬ات من‬ ‫أجل االنطالق منه لبناء الكلمات التي سوف تبنى عليها‬ ‫الثقافة املدرسية‪ .‬ومن التجديدات على هذا الصعيد إدخال‬ ‫احلكايات في تنمية الرصيد اللغوي من خالل التعرف‬ ‫على احلكاية وفك لغزها ثم القيام بتمرين يتم فيه حتوير‬ ‫احلكاية من طرف التالميذ‪/‬ات لصنع حكاية أخرى عبر‬ ‫استعمال جمل وظيفية‪ ،‬وتفعيل قواعد اللغة والسيطرة‬ ‫على الكلمات وبناء اخليال في أطار مقاربة تواصلية‬ ‫مفتوحة‪.‬‬ ‫أما على مستوى اإلعدادي فقد بادرت وزارة التربية‬ ‫الوطنية لطرح قراءة في املنهاج من طرف الفاعلني‪/‬ات‬ ‫املباشرين عبر ورشات محلية وجهوية لوضع تصور حول‬ ‫عناصر القوة والضعف وإمكانيات التخفيف من البرامج‬ ‫أو التعديل‪.‬ثم تبني برنامج جتريبي محدود للمهارات‬ ‫احلياتية في املواد الدراسية ( في أربع أكادمييات ‪ :‬الشرق‬ ‫– تطوان – مراكش – سوس) مع قياس مدى التوصل‬ ‫إلى متحيص الفرضيات التي مت التوصل إليها في إطار‬ ‫مجموعة دول شمال افريقيا والشرق األوسط على مدى‬ ‫عقدين من الزمن ‪ .‬وهنا ميكن السير وفق خطة عملية‬ ‫تروم ‪:‬‬ ‫< إعادة متلك املنهاج الدراسي للسلك اإلعدادي عبر‬ ‫قراءات مستعرضة داخله‪.‬‬ ‫< محاولة حل مشكالت تفتقر حللول جاهزة عبر آلية‬ ‫املشكلة احمللولة بشكل منهجي ‪Problème Résolu‬‬ ‫‪.)d’une Façon Méthodique (P.R.F.M‬‬ ‫< االشتغال وفق الذكاءات اجلماعية لكل فريق تربوي‬ ‫محدود سواء على مستوى املؤسسة أو على مستوى‬ ‫احلوض التربوي ‪.‬‬ ‫< الذهاب إلى األقسام محملني‪/‬ات بفرضيات عملية‬ ‫تنطلق من الصعوبات احلقيقية التي يطرحها املنهاج‬ ‫في مختلف املواد من أجل العمل على التعرف على معالم‬ ‫ميكن االنطالق منها نحو التغيير الذي يتعني أن يكون مع‬ ‫الفاعلني‪/‬ات املباشرين وليس عبر ترسانة من املذكرات‬ ‫والتوجيهات الفوقية ‪.‬‬ ‫< خلق فرص حقيقية من أجل إخراج ما يروج في أذهان‬ ‫االتالميذ‪/‬ات من خالل تقنية القسم املعكوس ‪Classe Inv‬‬ ‫‪. versée‬‬ ‫وسوف يكون ورش املهارات احلياتية موجها في هذا‬ ‫املجال من خالل منحه أداة منهجية قادرة على طرح‬ ‫السؤال على املنهاج من داخله وبشكل عملي‪ .‬وهنا يأتي‬ ‫دور الشركاء لتركيب مختلف املعطيات من خالل هذا‬ ‫املشروع الذي ميكن اختزال أهم موجهاته في‪:‬‬ ‫§ عالقة املهارات باملعرفة ‪ :‬تقدم املدرسة معرفة خضعت‬ ‫للنقل الديداكتيكي لكن ما نحتاج إليه هو معرفة مبنية‬ ‫بشكل آخر وليس حلد ذاتها ‪.‬‬ ‫§ ُبعد الفعل في املعرفة ‪ :Employabilité‬محكوم على‬ ‫تلميذ‪/‬ة اليوم شاب الغد أن يتدرب على االشتغال بأكثر‬ ‫من مهنة إذن تعلم أكثر من مهارة حياتية ‪ ،‬مثال املهندس‬ ‫يتعني عليه إتقان التواصل وصناعة القرار كي يعطي‬ ‫فعالية للمهارات التي تلقاها وليس إتقان مهارات تقنية‬

‫‪31‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫مرتبطة بالرياضيات والفيزياء فقط ‪.‬‬ ‫§ ُبعد الكينونة ‪/‬البعد الذاتي ‪ : Savoir être‬ينطلق‬ ‫بناء الكينونة من املدرسة ففي املدرسة تؤخذ املبادئ‬ ‫األساسية للعيش في تناغم مع اآلخر‪ ،‬ويعد هنا املدرس‪/‬‬ ‫ة هو احلليف األول للتلميذ‪/‬ة فعليه يسقط املتعلم‪/‬ة كل‬ ‫املخاوف التي يشعر بها في مواجهته الاليقني والتردد‬ ‫واخلوف املالزمني للتعلم ‪) Morin , 2000 ,p93 (.‬‬ ‫§ املهارة احلياتية ‪/‬االجتماعية ‪ :‬وهي التي تتيح العيش‬ ‫مع اآلخرين في وضعيات مختلفة ومعقدة في اآلن ذاته‬ ‫وميكن تفريعها إلى قدرات ذات قيمة مضافة كثيرا ما ال‬ ‫يتم االلتفات إليها ‪.‬‬ ‫§ تنمية الفضول ‪ : Curiosité‬يعد الفضول قدرة فطرية‬ ‫لدى اإلنسان والدليل هو جذوة السؤال لدى األطفال في سن‬ ‫معينة‪ .‬وميكن التفاعل مع هذا البعد من خالل وضعيات‬ ‫متناقضة من أجل خلق الالتوازن املعرفي لدى املتعلم‪/‬ة‬ ‫‪Etre dans la contradiction pour déstabiliser les‬‬ ‫‪ (. connaissances‬شفيقي ‪ ) 2018 ،‬وهذه اآللية سوف‬ ‫تغير هندسة املنهاج الدراسي القائم على النقل املعرفي‬ ‫للمعلومات نحو منهاج يضع املتعلمني‪/‬ات في وضعيات‬ ‫حقيقية حلل املشاكل من خالل معرفة طرح األسئلة املالئمة‬ ‫لكل وضعية ثم االنفتاح على املنصات املعلومات الرقمية‬ ‫املتاحة من أجل انتقاء املعلومات والذهاب مباشرة إلى‬ ‫الهدف ‪ .‬وهذا املسار سوف ينمي مهارات جديدة قوامها‬ ‫البحث والتقصي والغربلة وترتيب األولويات بالتسلح‬ ‫مبهارات حياتية جديدة مثل التعاون والتواصل واتخاذ‬ ‫القار والتفكير النقدي ‪.‬‬

‫ثالثا ـ املهارات اإلثنا عشرة‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ البعد املنهاجي للمهارات احلياتية ‪:‬‬

‫قطع مسار اختيار املهارات االثنان عشرة من طرف‬ ‫املنظمات الدولية في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا‬ ‫أشواطا مهمة قبل تبنيه من طرف اجلهات احلكومية‬ ‫واملدنية ‪.‬وقد انطلق احلوار ضمن منظمتي اليونسكو‬ ‫ثم اليونيسيف والوكاالت الدولية التابعة لألمم املتحدة‬ ‫إضافة إلى الشركاء املؤسسني من جامعات ومراكز بحث‬ ‫ومنظمات دولية مهتمة بحقوق الطفل واإلنسان ليفضي‬ ‫إلى اتفاق شامل متت املصادقة عليه سنة ‪ . 2015‬وقد مت‬ ‫اعتماد الوثيقة املرجعية األساس التي أنتجتها اليونسكو‬ ‫سنة ‪ 1999‬والتي أشرف عليها اخلبير الدولي جاك دولور‬ ‫بعنوان « التربية ‪ :‬الكنز املكنون » والتي اعتمدت األبعاد‬ ‫األربعة للتعليم كما هو مفصل أعاله ومنها مت استنباط‬ ‫ثالث مهارات فرعية لكل بعد ‪ .‬وقد مت بناء هذه التركيبة‬ ‫النسقية وفق منظور يستحضر ‪:‬‬ ‫< اجلانب القيمي الذي يهم كرامة اإلنسان ويعزز قيم‬ ‫حقوق اإلنسان في بعدها الكوني كما هو متعارف عليها‬ ‫؛‬ ‫< إعادة التفكير في أنشطة التعليم والتعلم بطريقة تؤدي‬ ‫دورها كامال في تعزيز التماسك االجتماعي واالجتاه نحو‬ ‫مواطنة إنسانية تنبذ العنف بكل أشكاله ؛‬ ‫< التعلم مدى احلياة وعدم اقتصار تعلم املهارات‬ ‫احلياتية على سن أو مستوى معني ‪ ،‬واالجتاه نحو التأكيد‬ ‫على أهمية اكتساب املهارات ‪ 12‬منذ سن مبكرة واالستثمار‬ ‫التراكمي في التشبع بها سواء مت ذلك في تعليم نظامي أو‬ ‫في إطار غير نظامي ( يونيسيف ‪، 2017 ،‬ص ‪. ) 6‬‬ ‫أما على مستوى الهندسة املنهاجية للمهارات اإلثنا عشرة‬ ‫فإن الوثائق املرجعية الدولية تقترح االشتغال مببدأ تكامل‬ ‫املهارات وتداخلها ضمن املواد والتخصصات الدراسية‬ ‫وكذا على مستوى أشكال التعلم سواء العملي أو املدرسي‬ ‫أو التكنولوجي ‪ .‬كما حتث التوجهات العامة على ضمان‬ ‫اتساق املهارات مع املواد املدرسة كلها وال يجب أن تبرز‬ ‫ضمن تخصص واحد ‪ ،‬أي تكون ذات طبيعة مستعرضة‬ ‫‪ . Transversal‬ومن أجل مزيد من الفعالية ينبغي إدماج‬ ‫املهارات احلياتية ضمن التعليم املهني والتداريب التقنية‬

‫ملف‬ ‫من أجل صقل مهارات الشباب وفتح آفاقهم‪/‬ن على سوق‬ ‫الشغل ‪ .‬وعليه فإن هذه احملاولة سوف تطبق ما مت بناؤه آنفا‬ ‫من اعتماد ترتيب املهارات حسب الوثائق املرجعية وسوف‬ ‫يتم االشتغال عليها في إطار املدرسة مبعناها العام كما هو‬ ‫مبني في اإلطار النظري واملفاهيمي ‪.‬وفعال كانت األوراش‬ ‫التجريبية املفتوحة على الصعيد الوطني مناسبة لتجريب‬ ‫العدة واالنتقال بها إلى مستويات الفصل الدراسي في‬ ‫املواد املدرسة في السلك اإلعدادي ‪.‬ففي مادة اللغة العربية‬ ‫مثال مت االشتغال باملهارات احلياتية من خالل إعادة النظر‬ ‫في التصور الديداكتيكي للمنهاج من خالل االجتهاد في‬ ‫ايجاد وضعيات مسعفة في تفعيل املهارة على مستوى‬ ‫االرتباط املضاميني أو املهاري مع املهارة املستهدفة‪.‬‬ ‫قبل انتقال إلى التطبيق على مستوى توطني املهارات‬ ‫احلياتية ضمن جذاذات الدرس‪ :‬مثال الدرس القرائي الذي‬ ‫يسعف في انخراط التالميذ‪/‬ات بشكل إرادي في صياغة‬ ‫الفرضيات واالستكشاف وصوال إلى القراءة التركيبية التي‬ ‫تبرز املهارة‪/‬الهدف بشكل فعلي (ناس الفقيه‪ ، 2019 ،‬ص‬ ‫‪ .)100-101‬نفس املسار التجريبي سلكته مختلف املواد‬ ‫الدراسية مم خالل إعادة قراءة املنهاج وحتليل مضمونه‬ ‫بشكل يسهل عملية التوليف بني املهارات احلياتية‬ ‫واملضامني املعرفية والقيمية ‪.‬ثم االنتقال إلى بناء أصناف‬ ‫من اجلذاذات املنذجة ‪ Fiches modélisantes‬التي تلونت‬ ‫بألوان التخصصات املعرفية التي تنتمي إليها في املجموع‬ ‫تسع مواد دراسية ‪.‬وكان التجريب الضيق واملوسع آلية‬ ‫أخرى ملواجهة الواقع املدرسي بكل عناده ‪ .‬وقد استطاعت‬ ‫الفرق اجلهوية واإلقليمية اكتساب مناعة بيداغوجية‬ ‫أمكنها اقتحام مجاهل املنهجية اجلديدة وإيجاد حلول في‬ ‫عني املكان مما ينم عن حيوية األطر التربوية الوطنية وبعد‬ ‫نظر التأطير الوطني للعملية سواء على الصعيد املؤسسي‬ ‫أو من جانب الشركاء ‪.‬وتختزل اخلطاطة التالية املهارات‬ ‫التي انصب عليها التجريب‪:‬‬

‫‪ 2‬ـ البعد التطبيقي للمهارات احلياتية ‪:‬‬

‫يعد الواقع املدرسي هو احملك احلقيقي الذي ميكن من‬ ‫احلكم على مدى التمكن من تفعيل هذا اخليار البيداغوجي‬ ‫بشكل ناجع ‪ .‬وعليه كانت آلية التجريب من الوسائل التي‬ ‫ساعدت على بناء النماذج واآلليات املنهجية دون التفريط‬ ‫في احلذر املنهجي ووضع احتياطات ومحاذير قادرة على‬ ‫تغيير املسار في أي حلظة ‪ .‬كل ذلك في إطار من التشاور‬ ‫واالنفتاح على التجارب الدولية ‪ :‬أوالها التجربة العربية‬ ‫وخاصة منها الفلسطينية التي قادتها جامعة بيرزيت‬ ‫بشراكة وتعاون مع وزارة التربية الفلسطينية ‪ ،‬ثم التجربة‬ ‫الفرنسية عبر املركز الدولي للدراسات البيداغوجية الذي‬ ‫وضع خبرته رهن إشارة الفرق اجلهوية مما مكن من وضع‬ ‫تصورات ومناذج مجربة لكيفية ولوج املهارات احلياتية‬ ‫لألقسام الوطنية ‪.‬كما مت تفعيل آلية العينة القصدية من‬ ‫خالل االشتغال مع أربع أكادمييات وضمنها املديريات‬ ‫اإلقليمية التي تكلفت كل واحدة منها مبادة دراسية‬ ‫‪ .‬وعلى هذا األساس ميكن أن تكون هذه املقالة وسيلة‬ ‫لتقاسم التجربة مع املهتمني‪/‬ات والفاعلني‪/‬ات املباشرين‪/‬‬ ‫ات من خالل وضع هيكل عام لدرس افتراضي يفعل املهارة‬ ‫‪ /‬املهارات احلياتية من خالل اخلطاطة التالية ‪:‬‬

‫تبدو لنا هذه اخلطوات الثمانية مختزلة ملسار طويل‬ ‫من التساؤل والتجريب والبحث أمكن الوصول إليه عبر‬ ‫منذجة احللول وتقاسم التجارب والنقاش الداخلي ضمن‬ ‫املواد الدراسية ‪ .‬أملنا أن تتحول املمارسات التدريسية‬ ‫عن أهدافها األولى – التي عمرت طويال – في أفق تسليح‬ ‫أبنائنا وبناتنا بعدة من الكفايات الناعمة ‪SOFL SKILS‬‬ ‫القادرة على منحهم مكانا ضمن ما ميور على املستوى‬ ‫العاملي ومتكنهم‪/‬ن من استثمار تعلماتهم في احلياة‬ ‫العامة ‪ .‬ولعل التحوالت القادمة لكفيلة باعتمادها كبديل‬ ‫تربوي على أصعدة مختلفة بدأت بوادرها في املقاوالت ثم‬ ‫انتقلت إلى اجلامعة ‪ .‬مما يفرض على املدرسة استدماجها‬ ‫ضمن اإلصالح القادم للبرامج واملناهج شرط إعادة النظر‬ ‫اجلذرية في هذا اخلليط الهجني الذي تتميز به مضامني‬ ‫كتبنا املدرسية على مستوى املضامني والطرق التربوية‬ ‫العقيمة غير القابلة للتصنيف أحيانا ‪ .‬لدا فاملعول على‬ ‫األجيال اجلديدة من املؤطرين‪/‬ات واملدرسني‪/‬ات استثمار‬ ‫العدة املعرفية واألداتية التي تتيحها تكنولوجيا اإلعالم‬ ‫واالتصال من أجل إحداث نقلة نوعية في املمارسات‬ ‫اليومية داخل القسم املغربي الذي ظل ملدة طويلة ينتظر‬ ‫زيارة رجل أسمه «اإلصالح « وتلك قصة أخرى نتمنى أن‬ ‫ال تطول ‪...‬‬ ‫*باحث تربوي‬

‫مـــراجـــع‬

‫ املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ‪ ،‬الرؤية‬‫اإلستراتيجية ‪ ، 2015-2030‬الرباط ‪.‬‬ ‫ شفيقي ‪،‬ف ‪ ،‬الهندسة املنهاجية ‪ ،‬محاضرات مبركز تكوين‬‫مفتشي التعليم ‪ ،2017 ،‬الرباط ‪.‬‬ ‫ شفيقي ‪،‬ف‪ ،‬مشروع مهاراتي وإصالح املنهاج ‪ ،‬مداخلة في يوم‬‫دراسي ‪ ،‬مارس ‪ ، 2018‬مراكش‪.‬‬ ‫ الضاقية ‪ ،2018 ،‬املقاربة املجزوءاتية في التدريس ‪ ،‬ملتقى‬‫الثقافات ‪ ،‬البيضاء‪.‬‬ ‫ ناس الفقيه‪،‬ن‪،‬مشروع تطوير املهارات احلياتية واملواطنة ‪، ...‬‬‫دراسات بيداغوجية ‪،‬العدد‪.2019 ، 6‬‬ ‫ يونيسيف ‪ ، 2017 ،‬اإلطار النظري واملفاهيمي ‪ ،‬عمان ‪.‬‬‫ ‪Develay , M,1992, de l’apprentissage a l’enseignement‬‬‫‪,ESF‬‬ ‫ ‪Delors , 1999 ,L’éducation : un trésor est caché‬‬‫‪.dedans ,Odil Jacob , Paris‬‬ ‫‪Altet ,M, Quelles pratiques pédagogiques dans un‬‬ ‫‬‫‪curriculum de compétences intégrant des compétences‬‬ ‫‪de vie , Rabat , 2019‬‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫مسرح‬

‫املغربي‬ ‫الدراسي‬ ‫إشكاالت تدريس املسرح في الفصل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫* ذ‪ .‬ياسين اعطية*‬

‫املسرحي يعاني إشكاالت عدة في ظل األنظمة ال ّتربوية وال ّتعليم ّيةال ّتعلم ّية في العالم العربي عموما‬ ‫يبدو أنّ الدّرس‬ ‫ّ‬ ‫املسرحي نابعة من عدة مصادر متنوعة جتعل كل من األستاذ‬ ‫وفي املغرب باخلصوص‪ ،‬هذه اإلشكاالت في ال ّتدريس‬ ‫ّ‬ ‫املسرحي من أبعاده املختلفة‪.‬‬ ‫واملتعلم ال يستطيعان املسك باجلوهر‬ ‫ّ‬

‫املسرحي متميز بفتوره منذ املستويات اإلعداد ّية‬ ‫لعل الدّرس‬ ‫ّ‬ ‫وال ّثانو ّية ووصوال إلى اجلامعة‪ ،‬مما يجعل املدرس نفسه يستعصيه‬ ‫األمر‪ ،‬مادام هو اآلخر‪ ،‬من إنتاجات اجلامعة ا ّلتي قد تهمش املسرح‬ ‫ّ‬ ‫والشعر ‪ ،‬والقصة‪ ،‬وال ّنقد‪ ،‬رغم‬ ‫في مقابل أجناس أخرى كال ّرواية‪،‬‬ ‫املسرحي بال ّتفصيل وال ّتشريح اململ‪.‬‬ ‫أنّ هذا األخير قد تناول الفن‬ ‫ّ‬ ‫فما ا ّلذي يجعل العمل ّية املسرح ّية تلقى صعوبات جمة عندما تلج‬ ‫املدرسي‬ ‫مجال العمل ّية ال ّتعليم ّية ال ّتعلم ّية‪ ،‬ال على مستوى الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫وال على مستوى نقل املعارف املسرح ّية وال على مستوى فهم‬ ‫املسرح نفسه منذ البداية ؟‬ ‫وتدريسي‬ ‫تربوي‬ ‫للبحث في ذلك طبعا البد من حتديد منوذج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعليمي واحد‪ ،‬كي ال نقع في إصدار أحكام‬ ‫محدد‪ ،‬مرتبط مبستوى‬ ‫ّ‬ ‫املسرحي فيها‬ ‫ّرس‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫رغم‬ ‫األخرى‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ربو‬ ‫قيمة حول األنظمة ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُيهمش في غالب األحيان‪ .‬فا ّلذي نستطيع أن نقدم فيه مالحظاتنا‬ ‫املغربي ا ّلذي نشتغل‬ ‫اجلمة حول تدريس املسرح هو ال ّنموذج‬ ‫ّ‬ ‫في إطار نظرياته وفي خضم ممارسته امليدان ّية‪ ،‬وباخلصوص‬ ‫في املستويات ال ّثانو ّية‪ ،‬وا ّلذي من خاللهما سنحاول أن نحدد‬ ‫ربوي‬ ‫أربعة إشكاالت أساس ّية تهم تدريس املسرح بال ّنظام ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫انوي‪ ،‬لنصل إلى املقاربة‬ ‫املغرب ّيوباخلصوص في املستوى ال ّث ّ‬ ‫ّراسي للسنة‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫املقرر‬ ‫الدراماثورج ّية للنصوص املسرح ّية في‬ ‫ّ‬ ‫ال ّثانية بكالوريا‪.‬‬ ‫< اعتبار املسرح فنا عربيا‬ ‫إنّ أول شيء ننطلق منه في ال ّتدريس هو تشخيص مكتسبات‬ ‫السنة الدّراس ّية وفي بداية كل درس نشرع فيه‬ ‫املتعلمينمنذ بداية ّ‬ ‫مع هؤالء املتعلمني‪ ،‬وذلك من أجل الكشف عن متثالتهم اخلاطئة‬ ‫وجعلها املنطلق األساس في بناء الدّرس‪ ،‬حسب ال ّرؤية ال ّنظر ّية‬ ‫لبيداغوجيا اخلطأ‪ ،‬وحسب ال ّتنظير الفارقي أيضا ا ّلذي يركز على‬ ‫فروقات املتعلمني في فهم ّ‬ ‫الظواهر وتفسيرها‪ .‬هذا االنطالق من‬ ‫اخلطأ إلى املعرفة ومن متثالت املتعلمني في كل عملية تعليم ّية‬ ‫تعلم ّية‪ ،‬يجعلنا نرصد مجموعة من ال ّتصورات املختلفة‪ ،‬ا ّلتي‬ ‫جتعلنا ننظر إلى بناء درس معني بطريقة مخالفة للطريقة ا ّلتي‬ ‫السابق واملوالي‪ .‬فالعمل ّية الدّيداكتيك ّية‬ ‫مت البناء بها في الدّرس ّ‬ ‫القائمة على ال ّثالث ّية الهرم ّية املعروفة (معلم متعلم معرفة)‬ ‫تتفاعل فيما بينها حسب هذه ال ّتمثالت املرصودة‪ ،‬وتكشف عن‬ ‫إشكاالت املتعلم واملعلم كالهما معا‪ ،‬كما تكشف عن صعوبة ال ّنقل‬ ‫املسرحي‪:‬‬ ‫الدّيداكتيكي أيضا‪ ،‬في بعض الدّروس ومن بينها الدّرس‬ ‫ّ‬ ‫سؤال‪ :‬من يعرف املسرح؟ جواب املسرح فن عربي قدمي‪.‬‬ ‫منبع هذا ال ّتمثل اخلاطئ عند املتعلم في الغالب هو خلطه بني‬ ‫واملغربي‬ ‫العربي‬ ‫املسرح واألشكال ما قبل مسرحية في ال ّتراث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باخلصوص‪ ،‬فاملتعلم ال ُيف ّرق بني املسرح وبني احللقة‪ ،‬والبساط‪،‬‬ ‫وسلطان الطلبة واألشكال ال ّرقص ّية الغنائ ّية‪ ،‬باعتبارها أشكال‬ ‫املسرحي‪ ،‬كما أنّ املتعلم ال يعي‬ ‫ُفرجوية لم ترق بعد إلى درجة الفن‬ ‫ّ‬ ‫أنّ املسرح فن أنتجته احلضارة اإلغريق ّية‪ ،‬جلهله بنشأة املسرح‪.‬‬ ‫املسرحي‪،‬‬ ‫وهذا قد يجري على األستاذ غير املتخصص في املجال‬ ‫ّ‬ ‫اجلامعي يشتت املعارف األدب ّية ويهمش املسرح‬ ‫بحكم أنّ ال ّتكوين‬ ‫ّ‬ ‫في خضمها‪ .‬بذلك وجب لتجاوز هذا ال ّتمثل اخلاطئ‪ ،‬أن يحيط‬ ‫كل من املعلم واملتعلم باملعرفة املسرح ّية عن طريق ال ّتمهيد لها‬ ‫تفصيلي في نشأة املسرح‪ ،‬يشرح فيها األستاذ ويبحث‬ ‫مبدخل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليوناني في هضبة األكروبول‬ ‫الطقس‬ ‫فيها ال ّتلميذ عن مسار‬ ‫ّ‬ ‫تعبدا باإلله ديونيزوس‪ ،‬وما رافق ذلك من حشد أطرته جوقة‬ ‫غنائ ّية رقص ّية كانت في ما بعد أساسا للمسرح‪ .‬فاجلوقة‬ ‫ال ّراقصة واملتغن ّية بأشعار حوارية‪ ،‬كان لها الفضل مع قائدها‬ ‫ثيسبيس‪،‬لالنتقال من املرحلة الديونيزوس ّية البدائ ّية‪ ،‬إلى املرحلة‬ ‫األبولون ّية الراق ّية‪ ،‬حني وقف ثيسبيس على مرتفع وأخذ يتحاور‬ ‫ويجسد اآللهة واألبطال‪ ،‬لتتكون مفاهيم اخلشبة واحملاكاة واملمثل‬ ‫واملتفرج‪ ،‬بعد أن مرت من مراحل عدة تطورت فيها من ّ‬ ‫الطقس‬ ‫وال ّرقص إلى ّ‬ ‫الشعر ثم وصوال إلى الدراما‪ ،‬التي انفتحت فيما بعد‬ ‫على مسابقات تراجيد ّية ظهر فيها كتاب عظام ثالث (اسخيليوس‬ ‫وسفوكليس ويوريبيدس)‪.‬‬ ‫·< عدم معرفةأسباب تأخر العرب في الفن املسرحي‬ ‫إنّ فهم نشأة املسرح لدى كل من املتعلم واملدرس ينقلنا من‬

‫الصواب‪ ،‬إلى األسئلة‬ ‫التمثالت اخلاطئة ا ّلتي مت توجيهها نحو ّ‬ ‫ا ّلتي تتبادر إلى ذهن املتعلم وتقلقه‪ .‬وغالبا ما يكون مصدرها‬ ‫املعرفة احلاصلة اآلنية ا ّلتي تقع على شكل صدمة في ذهن املتعلم‬ ‫السؤال‪ :‬أسئلة ملاذا لم يعرف العرب املسرح؟ وماذا‬ ‫وتذهب به إلى ّ‬ ‫عن هذه املسرح ّيات العرب ّية واملغرب ّية ا ّلتي ندرس ونشاهد؟ متى‬ ‫عرف العرب املسرح ؟ ما أسباب عدم معرفة العرب للمسرح ؟ ماهي‬ ‫األشكال ما قبل مسرحية ؟ والعديد من األسئلة املستفزة لذهن‬ ‫املتعلم‪.‬‬ ‫يبقى للمدرس طبعا أن يحيط باإلجابات ّ‬ ‫الشاف ّية ألسئلة املتعلمني‪،‬‬ ‫املنزلي‬ ‫إما باإلجابة عنها في آنها الفصلي‪ ،‬أو بتوجيهها للبحث‬ ‫ّ‬ ‫الصف ّية ملناقشتها وفق مجموعات صغرى أو كبرى‬ ‫وللعروض ّ‬ ‫كما يقتضي العمل في بيداغوجيا املشروع‪ ،‬وبيداغوجيا العمل‬ ‫اجلماعي‪ .‬اإلجابة عن هذه األسئلة يضع املتعلم فهما واملدرس‬ ‫ّ‬ ‫شرحا أمام سببني أساسيني لعدم تعرف العرب وتأخرهم عن الفن‬ ‫املسرحي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫< أسباب دينية تتجلى في كوناملجتمع العربي قبل اإلسالم كان‬ ‫ذو طابع ديني فردي‪ ،‬عكس اليونان ا ّلذين كان ينظمون ّ‬ ‫الطقوس‬ ‫جماعي‪ ،‬وهذا ساهم في ظهور املسرح منطلقا من‬ ‫الدّين ّية بشكل‬ ‫ّ‬ ‫العربي فقد ظل وحيدا يعبد ما يؤمن به‪.‬‬ ‫بينما‬ ‫اجلماعة‪،‬‬ ‫طقس‬ ‫ّ‬ ‫وح ّتى عندما جاء اإلسالم فقد قطع مع األشكال ّ‬ ‫الطقس ّية الوثن ّية‪،‬‬ ‫العربي إلى توحيد اإلله الواحد واإلميان برسالة رسوله‬ ‫فانظم‬ ‫ّ‬ ‫محمد‪.‬‬ ‫العربي في‬ ‫< أسباب ثقافية من خالل ال ّترجمة ا ّلتي لم تنصف‬ ‫ّ‬ ‫العربي املسلم لم ير دافعا في‬ ‫املسرحي‪ ،‬فاملترجم‬ ‫ال ّتعرف على الفن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترجمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلغريقي مادام َيعتبر أنشعره‪ ،‬هو أرقى ما وصلت‬ ‫الشعر‬ ‫ّ‬ ‫إليه األمم‪.‬كما أ ّنه انصرف عن ترجمة اآلداب اليونان ّية املليئة‬ ‫باألساطير وا ّلتي في رأيه ال تناسب أيديولوجيته الدّين ّية ا ّلتي‬ ‫تدعو إلى ال ّتوحيد وحتارب الوثن ّية وتعدد اآللهة‪ . ..‬وحتى عندما‬ ‫حاول املترجم العرب ّياالنكباب على ترجمة كتب الفالسفة اليونان‪،‬‬ ‫حيره كتاب فن ّ‬ ‫الشعر ألرسطو‪ ،‬فكل من متى بن يونس‪ ،‬وحنني‬ ‫بن إسحاق‪ ،‬وابن رشد‪ ،‬وابن سينا والقرطجاني‪ ،‬كلهم‪ ،‬ترجموا‬ ‫لفظة ال ّتراجيديا والكوميديا‪ ،‬باملدح والهجاء‪ ،‬وخلطوا بني ّ‬ ‫الشعر‬ ‫ّ‬ ‫ّرامي كمجال للفعل‪.‬‬ ‫املنطوق كمجال للكلمة‪،‬‬ ‫بالشعر الد ّ‬ ‫املسرحي عن العرب‪،‬‬ ‫بعد ذكر األسباب األساس ّية لتأخر الفن‬ ‫ّ‬ ‫ميكن بعد ذلك الدّخول إلى مرحلة ال ّنهضة وعصرها‪ ،‬حيث برز‬ ‫املسرحي مع مارون ال ّنقاش بعد أن ساهمت مجموعة من‬ ‫الفن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والطباعة‪ ،‬وال ّترجمة‪ ،‬وأدباء املهجر‪،‬‬ ‫العوامل في ذلك‪ ،‬كاملثاقفة‪،‬‬ ‫العربي ليمر من‬ ‫والتأثر بالغرب‪ ،..‬وا ّلتي فتحت املجال أمام املسرح‬ ‫ّ‬ ‫العربي‬ ‫ثالثة مراحل أساس ّية‪ ،‬مرحلة ال ّتأسيس حيث تعرف فيها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربي وأعاده كما شاهده‪ ،‬ثم مرحلة التأصيل‬ ‫على املسرح بشكله‬ ‫ّ‬ ‫ياسي‪،..‬‬ ‫والس‬ ‫واالقتصادي‬ ‫حيث مت ربط املسرح بالواقع االجتماع ّي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم مرحلة ال ّتجريب حيث دخل املسرح غمار ال ّتجريب بإطاللته على‬ ‫ال ّتراثواألشكال ما قبل مسرحية‪.‬‬ ‫املسرحي‬ ‫·< خصوصية الفن‬ ‫ّ‬ ‫تكمن صعوبة تدريس املسرح أيضا في كونه ذو ثنائ ّية خاصة‪،‬‬ ‫ثنائية نص وعرض‪ ،‬وغالبا ما تتيح لنا عملية كشف متثالت‬ ‫املتعلمني عن خلط رهيب بني املسرح كنص واملسرح كعرض‪ ،‬فقد‬ ‫يتكلم عن املمثل في ال ّنص‪ ،‬وعن اإلرشادات املسرح ّية في العرض‪،‬‬ ‫ويخلط بني اإلخراج والكتابة‪ ،‬وهذا راجع لكونه يتلقى العرض‬ ‫أكثر من ال ّنص في األسابيع الثقافية‪ ،‬أو في التلفاز والوسائل‬ ‫اإلعالم ّية وال ّتواصل ّية‪ ،‬وينسى أنّ ال ّنص هو العملية األولى للفن‬ ‫املسرحي‪ .‬فإذا كانت خصوصية األدب هي األدب ّية‪ ،‬وخصوصية‬ ‫ّ‬ ‫الشعر تكمن في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعر ّية‪ ،‬فإنّ ال ّتمسرح هو ا ّلذي يجعل من املسرح‬ ‫ذو ثنائ ّية خاصة تنطلق أو تتموقع أو تنتهي‪ ،‬حسب اآلراء ا ّلتي‬ ‫حتدد ال ّتمسرح‪ ،‬إما في العرض أو في ال ّنص‪ ،‬أو بينهما‪ ،‬أو فيهما‬ ‫معا‪.‬‬ ‫وجب على املدرس أن يعي هذا األمر وهذه اخلصوص ّية املميزة‬ ‫الدراسي‪،‬‬ ‫املسرحي‪ ،‬لكي يصحح مسارات ال ّتعلم داخل فصله‬ ‫للفن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وذلك بأن يوجه املتعلم إلى مكونات ال ّنص وخصائصه ومصطلحاته‬ ‫األدبي‪ ،‬ثم يحدد بعد ذلك مكونات العرض‬ ‫ومحله ضمن اجلنس‬ ‫ّ‬

‫وخصائص االشتغال فيه‪ ،‬وكيف يتحول ال ّنص من املؤلف‬ ‫إلى املخرج في العرض املسرحي‪ .‬فال ّنص يضم ّ‬ ‫الشخص ّيات‪،‬‬ ‫ّرامي‪ ،‬واإلرشادات املسرح ّية ال ّنص ّية ا ّلتي حتتوي‬ ‫ّ‬ ‫والصراع الد ّ‬ ‫صوت املؤلف ا ّلذي يقدم املكان وال ّزمان ومكوناتهما‪ ،‬كما يحدد‬ ‫فيها حركات ّ‬ ‫الشخصيات وأفعالها ومالمحها‪ ،..‬أما العرض فهو‬ ‫مجال للمخرج لكي يعبر عن رؤيته اإلخراج ّية‪ ،‬ومجال للممثلني‬ ‫لتقمص ّ‬ ‫للسينوغرافي لتبني املكان‬ ‫الشخصيات ال ّنص ّية‪ ،‬ومجال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وال ّزمان‪ ،...‬فاملجرد في النص يصبح ماديا في العرض‪.‬‬ ‫·< النصوص املقترحة في الكتب املدرسية‬ ‫املسرحي أيضا قد تكرسه ال ّنصوص‬ ‫إنّ اخللط في ثنائ ّية الفن‬ ‫ّ‬ ‫املقترحة في الكتب املدرس ّية‪ ،‬ونعني هنا بعض الكتب املدرس ّية‬ ‫في املستوى ال ّثاني واألخير من الباكالوريا املغرب ّية آداب وعلوم‬ ‫إنسان ّية‪ ،‬وخصوصا مقرر املمتاز(‪ )a‬ا ّلذي سنتناول منه بعض‬ ‫ال ّنصوص املربكة للمتعلم وللمدرس معا‪ ،‬إما في تراتبيتها‪،‬أو في‬ ‫محتوياتها غير املنسجمة مع ما قبلها وما بعدها من ال ّنصوص‪ ،‬و‬ ‫انوي‪ .‬أول هذه اإلشكاالت أن‬ ‫إما في بعدها عن مستوى املتعلم ال ّث ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجزوءة ال ّنثر احلديث تتناول ال ّنصوص النثرية احلديثة بال ّتحليل‬ ‫وال ّنقد‪ ،‬ومتهد لكل نصني تطبيقيني في القصة أو املسرح‪ ،‬بنص‬ ‫نظري شارح للخصائص واملكونات وعوامل ّ‬ ‫الظهور وال ّرواد‪ ،‬لكي‬ ‫ميهد للمتعلم واملدرس اكتشاف ذلك في ال ّنصوص ال ّتطبيق ّية‪.‬‬ ‫هذا ما ال يحدث في كتاب اللغة العرب ّية اخلاص مبستوى ال ّثانية‬ ‫بكالوريا مغربية آداب وعلوم إنسان ّية‪ ،‬حيث يتم اخللط بني مكونات‬ ‫العرض ومكونات ال ّنص‪ ،‬عندما جند نصا نظريا بعنوان «مدخل‬ ‫إلى دراسة املسرح» يتكلم فيه الكاتب عن مكونات العرض (املمثل‪/‬‬ ‫املكان‪/‬املتفرج‪ )..‬ويهمش مكونات ال ّنص ومن ضمنها ال ّلغة‪ .‬مت يأتي‬ ‫طبيقي األول بعنوان ال ّلحن اجلديد وا ّلذي يتناقض في‬ ‫ال ّنص ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫التحليل مع ما جاء به ال ّنص ال ّنظري من تنظيرات خاصة بالعرض‬ ‫املسرحي‪ .‬هنا يقع اخللط ا ّلذي‬ ‫املسرحي ال تناسب حتليل ال ّنص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظري‬ ‫الصح ّية بني ال ّنص ال ّن ّ‬ ‫حتدثنا عنه سابقا‪ ،‬كما أنّ العالقة ّ‬ ‫طبيقي‪ ،‬تنتهي أثناء الوصول إلى وحدة املسرح‪ ،‬فنطلب‬ ‫وال ّنص ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫من املتعلم أن يجد خصائص العرض في النص النظري‪ ،‬وأن يبحث‬ ‫املسرحي‪ ،‬وهذا ال يستقيم‪ .‬بل‬ ‫طبيقي‬ ‫عنها في حتليله لل ّنص ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طبيقي‬ ‫واألكثر من ذلك فإنّ إرباك املتعلم أكثر يأتي مع النص ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫ال ّثاني بعنوان «رابعة وربيع وال ّرحلة املشؤومة»لصاحبه عبد‬ ‫الكرمي برشيد‪ ،‬وا ّلذي يدخل في مجال ال ّتجريب‪ ،‬وبعيد كل البعد‬ ‫السياسة ال ّتدريس ّية‬ ‫عن مستوى إدراك املتعلم‪ ،‬أو باألحرى عن ّ‬ ‫انوي‪ ،‬ألنّ ال ّنص يتناول املسرح داخل‬ ‫للمسرح في ال ّتأهيلي ال ّث ّ‬ ‫املسرح‪ ،‬مبعنى أن ال ّنص يتناول العرض موضوعا له‪ ،‬مما يبعثر‬ ‫مفاهيم املتعلم ا ّلذي يجد نفسه أمام نصوص مختلفة ال ّرؤى‪.‬‬ ‫يجب على املدرس طبعا‪ ،‬أن يعي هذه اإلشكاالت بأكملها‪،‬‬ ‫ليستطيع تصحيح مسارات املتعلم من جهة‪ ،‬ويبني ال ّتعلمات‬ ‫معه بشكل صحيح وسلس من جهة ثانية‪ ،‬لذلك للمدرس احلق‬ ‫في إعادة ال ّنظر في بعض ال ّنصوص املقترحة‪ ،‬وتغييرها بأخرى‬ ‫صاحلة لل ّتدريس وفق منهج ّية صحيحة توافق العالقة بني النص‬ ‫طبيقي‪ ،‬وما مهداناه في مسار ال ّتعلم من نشأة املسرح‬ ‫ال ّنظري وال ّت‬ ‫ّ‬ ‫وأسباب تأخره وبداياته‪ ،‬وكذا ما يختص به من ثنائ ّية خاصة‬ ‫جتمع بني ال ّنص والعرض‪ .‬هذا كله يجعل كال من املتعلم واملدرس‬ ‫يبنيان مقاربة حتليلية ناجحة للنص املسرحي دون تدخل لتمثالت‬ ‫العرض‪ ،‬ودون الوقوع في ال ّتناقض واإلرباك‪ ،‬فتكون هذه املقاربة‬ ‫الدّراماثورج ّية فعالة‪،‬انطالقا من حتليل بنية احلبكة في ال ّنص‬ ‫ودراسة ّ‬ ‫مكاني‪ ،‬ووصوال إلى‬ ‫الشخصيات وحتديد الفضاء ال ّز‬ ‫ّ‬ ‫ّرامي‪ ،‬واإلرشادات املسرح ّية‪ ،‬وانتهاء بأبعاد‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫راع‬ ‫والص‬ ‫احلوار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّنص ورهان كاتبه‪.‬‬

‫*أستاذ الثانوي التأهيلي‬ ‫(‪)Endnotes‬‬ ‫(‪ )a‬محمد وهابي‪ ،‬عبد الرحيم وهابي‪ ،‬عبد الرحيم أبطي‪ ،‬املمتاز‬ ‫في اللغة العربية‪ ،‬السنة الثانية من سلك البكالوريا‪ ،‬مسلك اآلداب‬ ‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬مكتبة األمة للنشر والتوزيع‪.2007 ،‬‬

‫‪33‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫االستشارة القانونية‬

‫استشارة‬

‫من الخدمات التي تقدمها التضامن الجامعي المغربي لمنخرطيها ومنخرطاتها المشورة القانونية واإلدارية وتقديم الدعم والمساندة عندما يتعرض المعنيون‬ ‫باألمر للحيف أو الشطط ومؤازرتهم أمام المحاكم والقضاء اإلداري فضال عن دورها في التوعية والتنوير وتعميم ثقافة الحق والواجب‪ ،‬وتفتح «الجريدة التربوية»‬ ‫هذا الباب لتوفير مجال أوسع من «المرشد التضامني» لنشرها وتعميم فائدتها على أعضاء األسرة التعليمية‪.‬‬ ‫استرداد مبالغ‬

‫< عرف راتبي زيادة عن‬ ‫طريق اخلطأ لشهر مارس من‬ ‫سنة ‪،2015‬أتساءل هل من حق‬ ‫اخلزينة العامة استرداده رغم‬ ‫أن هذا احلدث مر عليه اكثر‬ ‫من خمس سنوات‪ .‬وكيف ستتم‬ ‫عملية استرداد هذا املبلغ إذا كان‬ ‫القانون ينص على ذلك ؟‬ ‫> يشرفني إخباركم أنه ميكن‬ ‫للخزينة العامة أن تسترد املبالغ‬ ‫التي مت صرفها عن خطإ ودون‬ ‫وجه حق في أي وقت تشاء‪،‬‬ ‫وبالتالي ال ميكن لكم االحتجاج‬ ‫عليها بالتقادم الرباعي‪ .‬وغالبا‬ ‫ستقوم اخلزينة العامة باسترداد‬ ‫املبلغ الذي دفعته لكم عن طريق‬ ‫اخلطإ على أقساط موزعة على‬ ‫عدة شهور حتى ال تلحق أي‬ ‫ضرر بوضعيتكم املادية‪.‬‬

‫‪---------------‬‬‫السلطة التقديرية لإلدارة في منح الرخص‬ ‫الالستثنائية‬

‫< أنا استاذ التعليم الثانوي‬ ‫التأهيلي وعضو املكتب املسير‬ ‫وطنية‪،‬في‬ ‫تربوية‬ ‫جلمعية‬ ‫بعض األحيان استدعي لتمثيل‬ ‫جمعيتي و املشاركة في نشاط‬ ‫خارج الوطن‪،‬ولذلك أكون مضطرا‬ ‫ملراسلة االدارة من أجل احلصول‬ ‫على رخصة استثنائية وشهادة‬ ‫مغادرة التراب الوطني‪ ،‬هل من‬ ‫حقي احلصول على الرخصة‬ ‫االستثنائية متى تطلب االمر ذلك‪،‬‬ ‫وتوفرت مبرراته؟ أم أن لإلدارة‬ ‫مطلق الصالحية للتصرف في‬ ‫منح هده التراخيص أو رفضها؟‬ ‫> يشرفني أن أوافيكم‬ ‫بالتوضيحات اآلتية‪:‬‬ ‫تعد الرخص مبختلف أنواعها‪،‬‬ ‫من بني احلقوق املضمونة‬ ‫للموظف بحكم القانون وهي‬ ‫املصلحة‬ ‫تقتضيها‬ ‫حقوق‬ ‫تقتضيها‬ ‫كما‬ ‫الشخصية‪،‬‬ ‫املصلحة العامة لإلدارة‪ ،‬وقد‬ ‫أحاط املشرع الرخص مبجموعة‬ ‫من الضوابط‪ ،‬ليضمن املوظف‬

‫إمكانية االستفادة منها في إطار‬ ‫املشروعية‪ .‬وأي جتاوز لهذه‬ ‫الضوابط يجعل املوظف في حالة‬ ‫التغيب بصفة غير مشروعة‪ .‬وقد‬ ‫حدد املشرع الفئات املستفيدة‬ ‫من هدا النوع من الرخص في‬ ‫الفصل ‪ 41‬من النظام األساسي‬ ‫العام للوظيفة العمومية‪ ،‬حيث‬ ‫نص على أنه يجوز إعطاء رخص‬ ‫استثنائية أو اإلذن بالتغيب مع‬ ‫التمتع بكامل املرتب دون أن يدخل‬ ‫ذلك في الرخص االعتيادية‪:‬‬ ‫للموظفني أعضاء املجالس‬ ‫ ‬‫اجلماعية‪ ،‬من أجل حضور دورات‬ ‫املجالس العادية واالستثنائية‪،‬‬ ‫ملمثلي النقابات والتعاضديات‬ ‫واملنظمات حلضور املؤمترات‬ ‫املهنية النقابية الوطنية والدولية‬ ‫شريطة انتدابهم بطريقة قانونية‬ ‫للموظفني الراغبني في‬ ‫ ‬‫اداء فريضة احلج‪ ،‬وال تعطى‬ ‫الرخصة إال مرة واحدة في‬ ‫احلياة اإلدارية‪.‬‬ ‫للموظفني الذين يدلون‬ ‫ ‬‫مببررات عائلية وبأسباب خطيرة‬ ‫واستثنائية‪ ،‬على أن ال تتجاوز‬ ‫مدة هذه الرخصة عشرة أيام‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬وفي جميع احلاالت‪ ،‬ينبغي‬ ‫تقدمي طلب خطي لألكادميية‬ ‫اجلهوية للتربية والتكوين عن‬ ‫طريق السلم اإلداري‪ ،‬مرفوق‬ ‫بكل الوثائق التبريرية‪ ،‬وانتظار‬ ‫رد اإلدارة‪ ،‬هذا ويبقى لإلدارة‬ ‫السلطة التقديرية والصالحية‬ ‫في دراسة طلب الترخيص‬ ‫بالتغيب والبت فيه‪ ،‬وأن هذه‬ ‫األخيرة غير ملزمة باملوافقة على‬ ‫جميع الطلبات وفق ما تقتضيه‬ ‫املصلحة العامة‪،‬إال أنه في حالة‬ ‫الرفض؛ يبغي إخبار املعني‬ ‫باألمر بواسطة رسالة تتضمن‬ ‫أسباب الرفض والتي تكون‬ ‫في غالب األحيان عدم تعويض‬ ‫املعني باألمر خالل فترة التغيب‪،‬‬ ‫أو تزامن الرخص مع ظروف عمل‬ ‫طارئة ال تسمح باالستغناء عنه‪،‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى أنه ميكن‬ ‫لصاحب الطلب‪ ،‬كيفما كانت‬

‫طبيعته‪ ،‬مراسلة اإلدارة يطالبها‬ ‫بتعليل الرفض‪ .‬وال يحق له أن‬ ‫يتغيب في هذه احلالة إذا لم‬ ‫يحصل مسبقا على الترخيص‬ ‫بالتغيب‪ ،‬وإال سيجعله في حالة‬ ‫التغيب بصفة غير مشروعة‪.‬‬

‫‪---------------‬‬‫مراسلة اإلدارة‬

‫< وضعت لدى اإلدارة‪ ،‬مراسلة‬ ‫تظلم وجهتها إلى السيد املدير‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬أطلب فيها إنصافي ملا‬ ‫حلق بي من ضرر من قبل السيد‬ ‫املدير الذي خفض نقطتي اإلدارية‪.‬‬ ‫هل من حق رئيس املؤسسة أن‬ ‫يرفض إرسال مراسلتي إلى‬ ‫املديرية اإلقليمية؟‬ ‫> يشرفني إخباركم أنه من‬ ‫حق أي موظف أن يراسل اإلدارة‬ ‫سواء على املستوى اإلقليمي أو‬ ‫اجلهوي أو املركزي متى رأى دلك‬ ‫ضروريا‪ .‬وال يحق ملدير املؤسسة‬ ‫أن يعارض ذلك‪ ،‬وإال اعتبر عمله‬ ‫نوعا من الشطط في استعمال‬ ‫السلطة‪ .‬وبالتالي إذا ما أصر‬ ‫املدير على االمتناع عن إرسال‬ ‫مراسلتكم اإلدارية‪ ،‬فيحق لكم‬ ‫حينئذ رفع تظلم في املوضوع إلى‬ ‫املدير اإلقليمي بواسطة رسالة‬ ‫بريدية مع اإلشعار بالتوصل‪.‬‬

‫‪---------------‬‬‫الرد على االستفسارات اإلدارية‬

‫< تغيبت عن العمل صبيحة‬ ‫يوم لقضاء غرض شخصي بعد‬ ‫ما أخبرت بذلك مسبقا كاتبة‬ ‫اإلدارة‪ ،‬وفي الزوال من نفس‬ ‫اليوم توصلت باستفسار كتابي‬ ‫من لدن السيد املدير بسبب‬ ‫غيابي في الفترة الصباحية‪.‬‬ ‫هل من حقي أن أرفض اإلجابة‬ ‫عن هذا االستفسار بحكم أنني‬ ‫أخبرت اإلدارة شفويا؟‬ ‫> يشرفني إخباركم أن واجب‬ ‫احترام السلطة التسلسلية‬ ‫اإلدارية يعد من الواجبات الهامة‬ ‫التي تقع على عاتق املوظف كما‬ ‫ينص النظام األساسي للوظيفة‬ ‫العمومية‪ .‬وبالتالي يجب على‬

‫املوظف كيفما كانت رتبه في‬ ‫سلك اإلدارة أن يقوم بأداء العمل‬ ‫املنوط به طبقا للقانون‪ ،‬وأن‬ ‫ميتثل لتعليمات رؤسائه ويتعني‬ ‫على املوظف أن يتحلى باللباقة‬ ‫في التعامل مع الرؤساء اإلداريني‪.‬‬ ‫وفي هدا اإلطار فإن الرد على‬ ‫االستفسار الذي توصلت به من‬ ‫لدن مدير املؤسسة واجب وأن‬ ‫عدم اإلجابة عنه يعد استهتارا‬ ‫بالقانون‪.‬‬

‫‪---------------‬‬‫منحة مؤسسة محمد السادس للنهوض‬ ‫باألعمال االجتماعية للتربية والتكوين‬ ‫في التعليم األولي‬

‫< ما رأي مؤسسة التضامن‬ ‫اجلامعي في الشرط الذي‬ ‫وضعته مؤسسة محمد السادس‬ ‫للنهوض باألعمال االجتماعية‬ ‫للتربية والتكوين لالستفادة‬ ‫من املنحة التي تقدمها بالنسبة‬ ‫للتعليم األولي واملتمثل في‬ ‫ضرورة التوفر على رقم مسار‪،‬‬ ‫مما يجعل العاملني بالعالم‬ ‫القروي محرومني من هذه املنحة‬ ‫بسبب غياب مؤسسات التعليم‬ ‫األولي توفر هذا الشرط‪.‬‬ ‫> يشرفني إخباركم أننا نثمن‬ ‫املبادرة التي قدمت عليها هذه‬ ‫املؤسسة في تقدمي منحة مالية‬ ‫سنوية مباشرة قيمتها ‪2000‬‬ ‫درهم عن كل طفل للمنخرطني‬ ‫أباء وأولياء األطفال املسجلني‬ ‫باملستويني االول والثاني من‬ ‫التعليم األولني والتي من شأن‬ ‫هذه املبادرة املساهمة في تعميم‬ ‫األولي على الصعيد الوطني‪،‬‬ ‫وبالنسبة للمشكلة التي طرحتم‬ ‫واملرتبطة بشرط التوفر على‬ ‫رقم مسار يرتبط بتنظيم داخلي‬ ‫للمؤسسة وهي الوسيلة الوحيدة‬ ‫لضبط ماليتها التي تصرفها على‬ ‫التعليم االولى‪.‬‬ ‫وهذا ال مينع من مكاتبة إدارة‬ ‫هذه املؤسسة وطرح املشكلة‬ ‫عليها من أجل إيجاد احلل‬ ‫املناسب‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪ 84‬يونيو ‪2020‬‬

‫قصاء‬

‫قرار العزل مع إيقاف الراتب – مشروعيته‬ ‫إن احملكمة ملا خلصت إلى خلو امللف‬ ‫مما يفيد احترام اإلدارة لإلجراء الشكلي‬ ‫اجلوهري املتمثل في اتخاذ قرار بإيقاف‬ ‫الراتب في حق املطلوب في النقض‪.‬‬ ‫مرتبة على ذلك كون قرار العزل الصادر‬ ‫في حقه غير مرتكز على أساس في‬ ‫غياب احترام ضمانة من الضمانات‬ ‫األساسية املنصوص عليها قانونا‪ ،‬دون‬ ‫أن تناقش مبا فيه الكفاية اإلجراءات‬ ‫التي اتخذتها اإلدارة في حق املطلوب‬ ‫في النقض من توجيه إنذار إليه على‬ ‫آخر عنوان مصرح به لها‪ ،‬وتوقيفها‬ ‫الفعلي ألجرته تبعا ملنشور رئيس‬ ‫احلكومة الذي مت في إطاره حتويل‬ ‫حوالته إلى مقر عمله لتسلمها منه‬ ‫وعدم قيامه بذلك‪ ،‬وهي واقعة لم ينازع‬ ‫فيها املطلوب في النقض‪ ،‬ثم ترتيب‬ ‫اآلثار القانونية الواجبة عن ذلك‪ ،‬يكون‬ ‫قرارها غير مرتكز على أساس قانوني‬ ‫سليم‪.‬‬ ‫القرار عدد ‪ 196‬الصادر بتاريخ ‪16‬‬ ‫فبراير ‪2017‬‬ ‫في امللف اإلداري عدد‬ ‫‪2881/4/1/2014‬‬ ‫نقض وإحالة‬

‫يستفاد من أوراق امللف‪ ،‬ومن ضمنها القرار‬ ‫املطعون فيه املشار إلى مراجعه أعاله‪ ،‬أن املدعي‬ ‫– املطلوب في النقض – تقدم بتاريخ ‪28/04/2010‬‬ ‫مبقال أمام احملكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬عرض فيه‬ ‫أنه التحق للعمل باملعهد امللكي لتكوين األطر‬ ‫ابتداء من يناير ‪ ،1993‬وكان يتقاضى راتبا قدره‬ ‫‪ 11300.00‬درهم‪ ،‬مضيفا أنه كان مثاال لالنضباط‬ ‫والتفاني في العمل طيلة املدة التي قضاها في‬ ‫خدمة املؤسسة املذكورة‪ ،‬وذلك من خالل مشاركته‬ ‫في العديد من الندوات وإشرافه على مجموعة من‬ ‫البحوث املتعلقة بنيل الدكتوراه‪ ،‬إال أنه توصل‬ ‫بقرار صادر عن املدعى عليه يدعوه مبقتضاه إلى‬ ‫التوقف املؤقت عن إعطاء الدروس باملركز‪ ،‬وذلك‬ ‫حسب الوارد في رسالة مدير املعهد امللكي لتكوين‬ ‫األطر عدد ‪ 68‬بتاريخ ‪ ،28/02/2004‬وأنه وجه‬ ‫تظلما بهذا اخلصوص‪ ،‬ملتمسا ألجل ذلك احلكم‬ ‫بإلغاء القرار اإلداري املذكور‪ ،‬واحلكم بإرجاعه‬ ‫ملزاولة مهامه بشكل عادي‪ ،‬مع شمول احلكم‬ ‫بالنفاذ املعجل‪ ،‬أجاب الوكيل القضائي للمملكة‬ ‫بكون الطعن مقدم خارج األجل ومنصب على عمل‬ ‫حتضيري وأنه مت اتخاذ قرار يعزل الطاعن‪ ،‬فتقدم‬ ‫هذا األخير مبقال إصالحي التمس مبقتضاه إلغاء‬ ‫قرار العزل الصادر في حقه‪ ،‬أجاب الوكيل القضائي‬ ‫للمملكة ملتمسا احلكم برفض الطلب‪ .‬وبعد إجراء‬ ‫بحث ومتام اإلجراءات‪ ،‬أصدرت احملكمة اإلدارية‬ ‫حكما قضى برفض الطلب‪ ،‬استأنفه املدعي‪،‬‬ ‫فقضت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‬ ‫بإلغاء احلكم املستأنف وتصديا بإلغاء قرار العزل‬ ‫املؤرخ في ‪ 08/03/2010‬واملوقع عليه من طرف‬ ‫اآلمر بالصرف الكاتب العام‪ ،‬وذلك مبقتضى قرارها‬ ‫املطعون فيه بالنقض‪.‬‬

‫في الفرع الثاني من وسيلة‬ ‫الطعن األولى ووسيلة الطعن‬ ‫الثانية مجتمعني لالرتباط‪:‬‬

‫حيث يعيب الطاعن القرار املطعون فيه‬ ‫بخرق القانون الداخلي املتحلي في مخالفته‬ ‫ملقتضيات الفصل ‪ 75‬مكرر من النظام األساسي‬

‫العام للوظيفة العمومية‪ ،‬وبعدم االرتكاز على‬ ‫أساس قانوني أو بانعدام التعليل‪ ،‬ذلك أنه‬ ‫يشترط لسالمة األحكام والقرارات القضائية أن‬ ‫تصدر موافقة للقانون ومطابقة لقواعده‪ ،‬حتت‬ ‫طائلة التصريح ببطالنها وإلغائها‪ ،‬وأن القرار‬ ‫االستئنافي خرق القانون مبخالفته ملقتضيات‬ ‫الفصل ‪ 75‬مكرر املذكور‪ ،‬إذ أن قبول املركز‬ ‫الوظيفي وتسلم العمل والقيام به على أكمل وجه‬ ‫هو الواجب األول الذي يلتزم به املوظف العمومي‪،‬‬ ‫بعد تعيينه وطيلة مدة عمله وحياته اإلدارية‪ ،‬وأن‬ ‫عدم التحاقه بعمله املستند إليه‪ ،‬ودون تبرير ذلك‬ ‫الغياب لإلدارة‪ ،‬يعتبر خطأ مهنيا‪ ،‬وهو ترك‬ ‫الوظيفة‪ ،‬مما يجيز عزله من أسالك الوظيفة دون‬ ‫مراعاة اإلجراءات التأديبية املنصوص عليها في‬ ‫النظام األساسي العام للوظيفة العمومية املؤرخ‬ ‫في ‪ ،24/02/1958‬والثابت من وثائق امللف كون‬ ‫املطلوب في النقض قد انقطع عن العمل ابتداء‬ ‫من تاريخ ‪ ،01/05/2008‬وأن اإلدارة في إطار‬ ‫املسطرة املتبعة اجتاه املوظفني األشباح‪ ،‬وفقا‬ ‫ملنشور السيد رئيس احلكومة – الوزير األول‬ ‫سابقا – عدد ‪ 2005/8‬بتاريخ ‪،11/05/2008‬‬ ‫قد أخبرت مصالح اخلزينة الرئيسية بوضعيته‪،‬‬ ‫مما مت معه توجيه احلوالة الفردية‪ ،‬التي تهم‬ ‫أجرته إلى مقر عمله ليتسلمها مباشرة من اإلدارة‬ ‫املشغلة‪ ،‬إال أنه لم يتسلم احلوالة املذكورة مما‬ ‫أدى مبصالح اخلزينة العامة للمملكة‪ ،‬وطبقا‬ ‫للمنشور املذكور وطلب من اإلدارة باإلحالة‬ ‫السابقة إلى توقيف أجرته‪ ،‬وفي نفس الوقت‬ ‫مت توجيه إنذار إلى املعني باألمر بتاريخ‬ ‫‪ 20/05/2008‬على آخر عنوانه له مصرح به‬ ‫لإلدارة‪ ،‬وأنه بعد تعذر إيصال اإلنذار‪ ،‬وهو ما‬ ‫يتحمله املطلوب في النقض نفسه‪ ،‬وما دامت‬ ‫احلوالة الفردية التي وجهت له إلى مقر عمله لم‬ ‫يتم تسلمها‪ ،‬فإنه مت مباشرة توقيف أجرته‪ ،‬وبعد‬ ‫قرابة ثمانية أشهر من قطع أجرته‪ ،‬عمدت اإلدارة‬ ‫بتاريخ ‪ 08/03/2010‬إلى إصدار قرار عزله‪ ،‬وأن‬

‫استمرارية املرفق العام وحسن سيره يفرض‬ ‫بالضرورة على اإلدارة اتخاذ التدابير اإلدارية‬ ‫الالزمة في حق املوظفني املنقطعني عن عملهم‬ ‫بدون أي موجب قانوني‪ ،‬كما أن احملكمة قد‬ ‫اعتمدت‪ ،‬إللغاء احلكم املستأنف وبعد التصدي‬ ‫إللغاء قرار العزل‪ ،‬على كون اإلدارة لم تدل مبا‬ ‫يفيد قيامها باتخاذ قرار بتوقيف أجرة املطلوب‬ ‫في النقض‪ ،‬واملعتبرة كضمانة ثانية ممنوحة‬ ‫للموظف بشكل عام‪ ،‬واحلال أن التعليل املذكور‬ ‫عدمي األساس القانوني وفاسد لالعتبارات‬ ‫التالية‪ :‬أوال‪ -‬لكون محكمة االستئناف اإلدارية‬ ‫لم تقم بواجبها بخصوص مراقبة مدى التقيد‬ ‫بشكليات تقدمي الطعن بإلغاء‪ ،‬ذلك أن الطالب سبق‬ ‫وتقدم مبذكرة جواب على مقال الطعن باإللغاء‬ ‫الذي انصب بداية على قرار التوقيف عن إعطاء‬ ‫الدروس‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪ 23/09/2010‬وأورد‬ ‫فيها صدور قرار عزل املطلوب في النقض‪ ،‬وهو‬ ‫ما يفيد كون هذا األخير علم بقرار عزله من خالل‬ ‫املذكرة املذكورة‪ ،‬في حني لم يقدم طعنه باإللغاء‬ ‫في مواجهة هذا القرار إال بتاريخ ‪،29/08/2011‬‬ ‫أي بعد مرور أكثر من ‪ 11‬شهرا مبوجب مذكرته‬ ‫التعقيبية ومقاله اإلصالحي‪ ،‬وبتت احملكمة أيضا‬ ‫دون األخذ بالوقائع واملعطيات التي عرضها‬ ‫الطالب خالل املرحلتني االبتدائية واالستئنافية‪،‬‬ ‫وكون اإلدارة طبقت شكلية إيقاف الراتب وفق‬ ‫اإلجراءات التي متت من خالل منشور السيد‬ ‫رئيس احلكومة املشار إليه أعاله بشأن املوظفني‬ ‫األشباح‪ ،‬وكان على احملكمة مساءلة املطلوب في‬ ‫النقض حول توقيف راتبه‪ ،‬خصوصا وأن ذلك مت‬ ‫على األقل خالل سنة ‪ ،2008‬وأنه لم ينازع في‬ ‫انقطاعه عن العمل بتاريخ ‪ 01/05/2008‬وفي‬ ‫توقيف األجرة‪ ،‬بل نازع فقط في سبب االنقطاع‪،‬‬ ‫رغم أن ذلك كان مبقتضى إجراء مؤقت مت بعده‬ ‫الرجوع إلى العمل‪ ،‬ولم ينقطع عنه إال الحقا‬ ‫بتاريخ ‪ ،01/05/2008‬وأن غاية املشرع من‬ ‫اشتراطه لشكلية توقيف الراتب ملدة شهرين هو‬

‫ليس فقط ضمانة للموظف وإمنا دليل إثبات لترك‬ ‫الوظيفة‪ ،‬وإجبار للموظف املنقطع عن العمل‪ ،‬في‬ ‫حال توقيف أجرته وتعذر إيصال اإلنذار إليه‪،‬‬ ‫على اتخاذ املباردة للمساءلة واالستفسار عن‬ ‫سبب توقيف أجرته‪ ،‬وأن الغاية في النازلة قد‬ ‫حتققت‪ ،‬ومن العبث أن يتم اتخاذ قرار بتوقيف‬ ‫األجرة التي مت أصال إيقافها‪ ،‬مما يناسب نقض‬ ‫القرار‪.‬‬ ‫حيث صح ما عابه الطاعن على القرار املطعون‬ ‫فيه‪ ،‬ذلك أن محكمة االستئناف اإلدارية وبعد‬ ‫عرضها ملقتضيات الفصل ‪ 75‬مكرر من قانون‬ ‫الوظيفة العمومية خلصت إلى أنه ال دليل بامللف‬ ‫على احترام اإلدارة لإلجراء الشكلي اجلوهري‬ ‫املتمثل في اتخاذ قرار بإيقاف الراتب في حق‬ ‫املطلوب في النقض‪ ،‬مرتبة على ذلك كون قرار‬ ‫العزل الصادر في حقه غير مرتكز على أساس في‬ ‫غياب احترام ضمانة من الضمانات األساسية‬ ‫املنصوص عليها قانونا‪ ،‬دون أن تناقش مبا فيه‬ ‫الكفاية اإلجراءات التي اتخذتها اإلدارة في حق‬ ‫املطلوب في النقض من توجيه إنذار إليه على‬ ‫آخر عنوان مصرح به لها‪ ،‬وتوقيفها الفعلي‬ ‫ألجرته في إطار منشور السيد رئيس احلكومة‬ ‫عدد ‪ 8/2005‬بتاريخ ‪ 11/05/2005‬والذي مت‬ ‫في إطاره حتويل حوالته إلى مقر عمله لتسلمها‬ ‫منه وعدم قيامه بذلك‪ ،‬مما لم متكن معه محكمة‬ ‫النقض من مراقبة حسن تطبيقها للقانون وجاء‬ ‫معه قرارها غير مرتكز على أساس قانوني سليم‬ ‫ومعلل تعليال ناقصا موازيا النعدامه‪ ،‬مما ستتبع‬ ‫نقضه‪.‬‬

‫لهذه األسباب‬

‫قضت محكمة النقض بنقض القرار املطعون‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وبه صدر القرار وتلي في اجللسة العلنية‬ ‫املنعقدة بالتاريخ املذكور أعاله بقاعة اجللسات‬ ‫العادية مبحكمة النقض بالرباط‪.‬‬