23 0 5MB
تعنى بشؤون التربية والتكوين واملجتمع تصدر بشراكة مع التضامن اجلامعي املغربي > مدير النشر :ابراهيم الباعمراني > العدد > 84يونيو 2020
> الثمن 5 :دراهم
منظومة التربية والتكوين ما بعد جائحة كورونا :أي هوية للمدرسة املغربية؟
مرحلي وليس خيار ًا تربوي ًا «< الت ّعليم عن بعدٌ : تدبير ٌ --------------
< الدراسة عن بعد والتكنولوجيا الرقمية -------------< التعليم عن بعد -------------نحو تأسيس فلسفة للتعليم والتعلم عن بعد باملغرب -------------التعلم والتعليم عن بعد عبر األلعاب اإللكترونية
ص19
ص20 ص22 ص23 ص24
-------------< كرونولوجيا إصالح املنظومة التعليمية في زمن الكورونا < تطور التعليم عن بعد ص25 -------------< فاعلية التعليم عن بعد وخصائصه < واقع املنظومة التربوية وحتمية تنزيل القانون اإلطار مابعد جائحة كورونا ص26 --------------
< بالغ التضامن اجلامعي املغربي حول التعليم عن بعد < إصالح التعليم رهان وطني ومطلب مجتمعي ص2 --------------
-------------< إمكانية التعلم ما بعد السياق املدرسي :رهينة بظروف إمناء كفاية التعلم الذاتي ص9 -------------< املدرسة وصناعة املتعلم «ة» :نحو رؤية مستقبلية ص10 -------------< التعليم عن بعد وسؤال التربية
< حملات تاريخية حول إصالح التعليم باملغرب منذ االستقالل إلى الرؤية االستراتيجية ص6
-------------< هل يصبح التعليم رقميا ؟
--------------
< التكوين املهني ضرورة اجتماعية واقتصادية ملسايرة حتديات النموذج التنموي
ص14 --------------
< في زمن كورونا :الالمركزية والالمتركز ...عالج ووقاية من احلجر التربوي
ص16 ص12
--------------
< املنظومةالتعليمية باملغرب :ثنائية الرغبة واالنتظار. ص13
ص18 --------------
< كفايات مفهوم التدبير :من التدبير الدراسي إلى تدبير احلياة ص27 -------------< املهارات احلياتية رهان على وظيفية التعلمات ص29 -------------املغربي الدراسي < إشكاالت تدريس املسرح في الفصل ّ ّ ص32
-------------< استشارات قانونية < اجتهادات قضائية
العدد 84يونيو 2020
رأي
أخبار
إصالح التعليم رهان وطني ومطلب مجتمعي
تواجه منظومتنا التربوية والتعليمية حتديات تفرض نفسها بسبب أزمة كورونا التي امتدت تداعياتها لتشمل املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والصحية والتعليمية والقيمية ،مما يستدعي التفكير في االختيارات االستراتيجية املستقبلية إلصالح التعليم في سياق هذه التحوالت للمضي نحو معاجلة جذرية لنظامنا التعليمي ،و تأهيله ملواجهة مختلف التحديات انطالقا من الرؤية االستراتيجية لإلصالح التي ميتلكها املغرب، واملجسدة في القانون اإلطار العقد التربوي الذي يلزم الدولة بتفعيله ،و يتطلب تعبئة وطني ًة حقيقية مجتمعية ينخرط فيها اجلميع ونقابات وأحزاب حكومة بدون استثناء ،من ٍ ٍ ٍ وأطر تربوية و إدارية معنية بتنفيذ اإلصالح ونسيج ُأ َس ِري ومجتمع مدني ،وقطاع خاص، ٍ ٍ ٍ باعتبار أن إصالح منظومة التربية والتكوين رهان وطني ،ينبغي أن يوضع في صلب النموذج التنموي اجلديد ،إذ ال تنمية حقيقية بدون إصالح التعليم الذي هو منطلق كل اإلصالحات في امليادين االجتماعية واالقتصادية والسياسية ،والتنمية بدون ايالء البحث العلمي مكانة متييزية لكونه القاطرة الفعلية للتنمية االقتصادية والصناعية واالجتماعية والثقافية للمجتمع ،لذا فاملدرسة اليوم ،في جتديد عميق وشامل في ُر ِ وحها حاجة إلى ٍ ٍ وأدائها ومناهجها وم َق َّرراتِ ها و َت َع ُّلماتِ ها في ظل حتوالت العصر ،والتغيرات السوسيولوجية والثقافية والعلمية والتكنولوجية احلديثة، في أفق ِإرساء مدرسة مغربية جديدة ،مفتوحة أمام اجلميع ،ومنفتحة على العصر احلديث ومنجزاته العلمية والتقنية ،ومس َت ْوعِ بة للثقافة اإلنسانية وروح االبتكار وا ِإلبداع . لقد واجهت منظومة التربية والتكوين اليوم ،حتدي التعليم عن بعد بسبب إغالق املؤسسات املدرسية واجلامعية الذي فرضته أزمة كورونا على العالم وضمنه املغرب ،وهي جتربة انخرطت فيها املنظومة باملغرب ،وبذلت فيها األطر التربوية واإلدارية جهودا قيمة بالرغم من نقص في اإلمكانيات وفي التكوين في مجال التعليم االلكتروني ،إال أن واقع ممارسة التعليم عن بعد في جتربتة اجلديدة بايجابياته وسلبياته يطرح على منظومة التربية والتكوين ببالدنا ضرورة إدماج تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في النهوض بجودة التعلمات وحتسني مردوديتها ،وتنمیة وتطویر التعليم عن بعد ،والتدبير اإلداري الرقمي بتأهيل األطر التربوية اإلدارية اعتمادا على التكوين األساس واملستمر ،لكون التعليم عن بعد والتدبير اإلداري التربوي الرقمي أصبحا ضرورة ملحة وليس ترفا ،واحلاجة إليه ملحة سواء في األوضاع العادية أو في حاالت الظروف االستثنائية والقوة القاهرة التي متنع التالميذ والطالب من التعليم احلضوري ،وحتول دون أداء اإلدارة التربوية الورقية مهامها. إن من بني األهداف الرئيسية التي تروم حتقي َقها الرؤية االستراتيجية - 2030 2015للمجلس األعلى للتربية والتكوين ُ هدف جعل املدرسة املغربية والبحث العلمي،
مدير النشر و التحرير: إبراهيم الباعمراني
مدرسة لإلنصاف وتكافؤ الفرص،لكن الظروف االستثنائية التي يعيشها املغرب بسبب جائحة كورونا ب ّينت ،مرة أخرى ،أن هذه الغاية لم تتحقق خاصة في العالم القروي .إذ لم تتمكن نسبة هامة من تلميذات وتالميذ وطلبة سكان القرى واملناطق النائية من متابعة الدراسة عن بعد بسبب ،عدم توفر متعلمي املناطق النائية في املغرب على إمكانية التواصل في غياب الربط باالنترنيت و احلواسيب والهواتف الذكية واللوحات االلكترونية ،وهذا يعكس الوضعية املتردية للتعليم في الوسط القروي الذي مازال يعاني من التهميش والتشتت والعزلة والهدر املدرسي وضعف التحصيل وغياب التجهيزات الضرورية والبنيات الرياضية والتثقيفية ،وغياب نظام خاص لتحفيز وتشجيع األطر التربوية واإلدارية على ممارسة مهامها باألوساط القروية واملناطق ذات اخلصاص ،مما يتطلب تخويل إصالح التعليم بالوسط القروي متييزا إيجابيا، واعتباره أولوية وطنية تتطلب إصالحا جذريا ،وتعبئة كافة القطاعات ملعاجلة اختالالته البنيوية ،و تعزيز وتعميم برامج للدعم املادي واالجتماعي والنفسي املشروط لألسر املعوزة قصد متكني أبنائها وبناتها من االستمرار في متابعة الدراسة ،وحتسني جودة التعلمات . وأمام تشتت املساكن القروية ،وتشتت املدارس الفرعية املعزولة وكثرة األقسام املشتركة يبقى البديل التربوي للنهوض بالتعليم بالوسط القروي ،وجتاوز معيقات التمدرس ،هو توسيع نطاق جتربة املدارس اجلماعاتية في مناطق تتوفر فيها كل الشروط احلياتية الضرورية، مؤسسة تتوفر على كل املرافق الصحية واحلجرات الدراسية وداخلية تؤمن الشروط املالئمة للتمدرس.،وقد دعا القانون اإلطار إلى تطوير ودعم املدارس اجلماعاتية ،والرفع من أدائها في إطار اتفاقيات للشراكة بني الدولة واجلماعات الترابية واملؤسسات العمومية وجمعيات املجتمع املدني. إن اإلجماع القائم اليوم حول تشخيص أزمة التعليم وحول حجم التحديات التي تواجهه والبدائل املجسدة في القانون اإلطار يحتاج إلى وعي مشترك بالرهانات املستقبلية ألي إصالح أو حتديث لهذه املنظومة والوعي بان اإلصالح الشامل والعميق ملنظومتنا التربوية والتعليمية من خالل مالءمة التربية والتكوين مع الطلب املجتمعي ،وحاجات التنمية االقتصادية واالجتماعية هو األساس لتكوين مواطن مجتمع الغد ،املتشبع بقيم املواطنة و مبادئ حقوق اإلنسان ،واملؤهل لولوج مجتمع املعرفة واالتصال واالندماج في سوق الشغل، وفي اإلنتاج واالبتكار في عَ ا َل ٍم شديدِ التعقيدِ التحوالت املجتمعيةُ ُ والتوتر حيث تتسارع ِ ِ مجتمعات املعرفة ،وحيث يغدو التحكم في نحو العلوم والتقنيات واللغات من املفاتيح الكبرى العا َلم واالستفادة من لالندماج اإليجابي في َ املكتسبات وا ِإلمكانات الكونية املتاحة و حتقيق التنمية الشاملة املنشودة.
@elbaamranibrahim menara.ma الهاتف: 0661195479
«الجريدة التربوية» هيئة التحرير: د.محمد عزيز الوكيلي عبداجلليل باحدو
بالغ التضامن اجلامعي املغربي حول التعليم عن بعد دعوة الهيئة التعليمية إلى مواصلة التعبئة واالنخراط الفعال لدعم الطلبة والتالميذ عن بعد في اطار تتبع اثار الوضعية الوبائية ببالدنا على منظومة التربية والتكوين،وارتباطا بتدابير وزارة التربية الوطنية لضمان االستمرارية البيداغوجية لفائدة املتعلمني واملتعلمات ،اصدر املكتب الوطني للتضامن اجلامعي املغربي بالغا ضمنه خالصة نقاشه عن بعد ،للوضعية البيداغوجية احلالية وفيما يلي نص البالغ : “في سياق مواصلة منظمة التضامن اجلامعي املغرب تتبع الوضعية الوبائية ببالدنا ،وآثارها على منظومة التربية والتكوين ،تداول املكتب الوطني للمنظمة، في اجتماعه عن بعد ،املنعقد يوم السبت 09ماي ،2020اإلجراءات التي اعتمدتها احلكومة لتجاوز هذه األزمة ،والتدابير التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي لضمان االستمرارية البيداغوجية لفائدة املتعلمني واملتعلمات. وخلص االجتماع إلى ما يأتي: > يثمن عاليا مجهودات األطر التربوية واإلدارية على مختلف مستويات املنظومة التربوية :مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا ،التي انخرطت بكل مسؤولية وساهمت مبا توفر لديها من إمكانات ،لضمان استمرارية الدراسة عن بعد. > يسجل التفاوتات االجتماعية واملجالية وتأثيرها على عملية التعلم عن بعد، وخاصة في املناطق النائية. > يحث الهيئة التعليمية على مواصلة التعبئة واالنخراط الفعال لدعم الطلبة والتالميذ عن بعد ،وتوجيههم إلى موارد التعلم الرقمية التي تعدها الوزارة الستدراك ما فاتهم ،أو لتجاوز تعثراتهم ،إلى حني احلسم في مآل املوسم الدراسي. > يهيب بوزارة التربية الوطنية إلى احلسم في مآل السنة الدراسية لطمأنة الطلبة والتالميذ واآلباء واألمهات واألسرة التعليمية والرأي العام الوطني. > يثمن عمل اجلريدة التربوية باعتبارها منبرا شريكا للتضامن اجلامعي املغربي في مواكبتها للتطورات احلالية في عالقتها مبنظومة التربية والتعليم، من خالل انخراطها في إجناز ملفات خاصة بالتعلم عن بعد ،مبساهمة أساتذة وباحثني من املنظمة. > يدعو املكاتب اإلقليمية للتضامن اجلامعي املغربي لتجديد التواصل باملديريات اإلقليمية واألكادمييات اجلهوية للتربية والتكوين ،لتأكيد استعداد املنظمة مركزيا وإقليميا لوضع كل إمكاناتها رهن إشارة الوزارة لضمان حق التالميذ والطلبة في التعلم والدراسة ،وتدارس اإلمكانات املتاحة لتحقيق ذلك.
التعلم عن بُعد في مواجهة «كورونا املستجد» اليونسكو» حتذر من تهديد 500مليون طالب حول العالم بسبب تعليق الدراسة.. مثلما اجتاح وباء كورونا املستجد «كوفيد »19حواجز الزمان واملكان ،جاءت دعوات «التعلم عن بعد» –التي صاحبت انتشار الفيروس -لتجتاح هي األخرى حواجز املكان والزمان. اجتياح مكاني جعل من غياب احلواجز املكانية الثابتة مثا ًرا لالرتقاء إلى عوالم مختلفة عن طريق شبكات اإلنترنت الفسيحة ،واجتياح زماني امتلك أدوات التخلص من روتني الذهاب واإلياب ومزاحمة اآلخرين بح ًثا عن سرعة الوصول إلى حيز مكاني رمبا كان أضيق مما حتتمله رحابة العقول. فتحت عنوان «اضطراب التعليم بسبب فيروس كورونا اجلديد والتصدي رقما قياس ًّيا لألطفال له» ،ذكر تقرير لـ»اليونسكو» أن «انتشار الفيروس سجل ً والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى املدرسة أو اجلامعة .وحتى تاريخ 12مارس ،أعلن 61بلدًا في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق األوسط وأمريكا الشمالية وأمريكا اجلنوبية عن إغالق املدارس واجلامعات ،أو قام بتنفيذ اإلغالق؛ إذ أغلق 39بلدًا املدارس في جميع أنحائه ،مما أثر على أكثر من 421.4مليون طفل وشاب ،كما قام 14بلدًا إضاف ًّيا بإغالق املدارس في بعض املناطق ملنع انتشار الفيروس أو الحتوائه .وإذا ما جلأت هذه البلدان إلى إغالق املدارس واجلامعات على الصعيد الوطني ،فسيضطرب تعليم أكثر من 500مليون طفل وشاب آخرين ،وفق املنظمة. عزيز التجيتي
ملف الصحافة:
د .رشيد شاكري
49ص06
محمد مكسي
رقم اإليداع القانوني:
امبارك مبركي
2007/0048
مطبعة: إيكوبرانت ECOPRINTتوزيع: سابريس
العدد 84يونيو 2020
ندوة دولية:
التعليم عن بعد في الدول اإلفريقية :الواقع واملعيقات…
إدريس سالك..
نظم معهد الفرنكوفونية للتربية والتعليم IFEFيوم اخلميس 7ماي 2020 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا ندوة عن بعد عبر األنترنيت WEBINAIRE انطالقا من عاصمة السينغال بدكار من تنشيط رئيس الشبكة الفرنكوفونية للتربية والتكوين CSFEFالرفيق جان هيرفي كوهن JEAN HERVE COHN وهو أستاذ الرياضيات بالثانوي بفرنسا في موضوع: “التعليم عن بعد… دليل ميداني” “”L’enseignement à distance… à l’épreuve du terrain شارك في هذه الندوة أكثر من خمسني تنظيما نقابيا من مختلف الدول الفرنكوفونية املنخرطة في الشبكة ،منها النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) في شخص األخ إدريس سالك عضو املجلس الوطني للنقابة املكلف بالشبكة الفرنكوفونية للتربية والتكوين.. ومما جاء في أرضية الندوة أن اإلغالق املفاجئ للمؤسسات التعليمية بسبب انتشار وباء فيروس كورونا املستجد أزعج كثيرا املنظومة التربوية في مجموعة من البلدان .وإن األساتذة وتالميذهم استجابوا بسرعة لتحدي االستمرارية التربوية وتبنيهم أدوات جديدة في حني كانوا غير مستعدين لذلك… إن املجموعة املدرسية والتي حتاول التغلب على املصاعب ملختلف التجهيزات ملجموعة من البلدان وأن األدوات الرقمية لم تعمل بشكل صحيح في جميع الدعامات التعليمية مثل التلفزة والراديو… إنها وجهة نظر األساتذة واآلباء التي تتمنى من هذه الندوة عبر األنترنيت أن جتسد أمثلة حقيقية ونقاشا حقيقيا مع املشاركات واملشاركني في هذه الندوة وتبادل التجارب في املوضوع… في البداية أعطى رئيس الشبكة الفرنكوفونية للتربية والتعليم موجزا عن الشبكة والتي تعتبر مجموعة من النقابات التعليمية واملهنية للبلدان الفرنكوفونية وتأسست سنة 1987عبر قرار جماعي ل 32نقابة من 22بلدا في التأسيس بكبيك في كندا في ثاني قمة للبلدان الفرنكوفونية. ولقد تبنت الشبكة ميثاقا من طرف 40نقابة تعليمية ومهنية عضو في الشبكة في اجتماع الشبكة بأوتاوا بكندا سنة 1993وذلك من أجل الدفاع عن املدرسة العمومية وعن مصالح الشغيلة التعليمية وعن إصالح املنظومة التربوية وتكوين املسؤولني النقابيني وتبادل التجارب ودعم النقابات في الفضاء الفرنكفوني… وأضاف رئيس الشبكة أن نتيجة انتشار اجلائحة كوفيد 19في أغلب الدول وعلى رأسها الفضاء الفرنكفوني ،بحيث مت إغالق املؤسسات التعليمية ومت تبني التعليم عن بعد باالعتماد على مسطحات وعلى القنوات التلفزية وعلى جهاز الراديو ،ويختلف ذلك من بلد إلى بلد في الدول اإلفريقية حسب إمكانيات وقدرات كل بلد .واعتمد التالميذ على أدوات رقمية مختلفة منها :الهاتف الذكي باالعتماد على الواتساب وعلى اللوحات اإللكترونية وقنوات التلفزة والراديو، واالعتماد على األنترنيت وعلى اجليل الرابع .بحيث خصصت القنوات التلفزية ما بني ساعة وساعة ونصف في الثانوي ونصف ساعة إلى 40دقيقة في االبتدائي ،كما مت التركيز على األقسام اإلشهادية مرتني في اليوم. وقف رئيس الشبكة مطوال على جتارب إفريقية منها :ساحل العاج والسينغال وغينيا واملغرب وتونس وأن جتارب هذه الدول مختلفة حسب وضعية كل بلد، بحيث أن تونس شاركت النقابات والقطاع اخلاص في إعداد الدروس وأن غينيا دخلت متأخرة في 27أبريل 2020بإمكانيات ضعيفة وأن السينغال وساحل العاج بدورها أشركت النقابات على الرغم من ضعف انتشار التلفزيون والكهرباء ،في حني أشاد الرئيس بالتجربة املغربية والتي لها جتربة في املوضوع قبل انتشار اجلائحة ووضعت رقما أخضرا خاصا بالتعليم عن بعد… إن النقابات التعليمية واآلباء وأولياء التالميذ واملجتمع املدني لهم دور كبير في إجناح التعليم عن بعد من خالل حتفيز التالميذ وإشراكهم وتوزيع التوقيت على التالميذ من أجل اللعب والترفيه والقراءة والدراسة… واختتم رئيس الشبكة بالوقوف على املعيقات اخلاصة بالتعليم عن بعد ،وهي بنيوية منها: 75في املائة من البلدان اإلفريقية في جنوب الصحراء غير مرتبطة بالكهرباء وعدم تعميم جهاز التلفزة وغياب األنترنيت والويفي وعدم توفر التالميذ على األدوات الرقمية وغياب تكوين األساتذة حول تلك األدوات وأخيرا غياب اإلمكانيات املادية .وأخيرا أعطى مجموعة من االقتراحات للرفع من مستوى التعليم عن بعد بالدول اإلفريقية..
أخبار
وزارة التربية الوطنية تطلق استطالع رأي لتقييم عملية التعليم عن بعد أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي –قطاع التربية الوطنية ،مساء األحد ،أنها أطلقت “استطالع رأي” يهم التلميذات والتالميذ واآلباء واألمهات واألستاذات واألساتذة ،وذلك بغية الوقوف على تقييمهم لعملية “التعليم عن بعد”. وذكرت الوزارة في بالغ أنه من املنتظر أن متكن نتائج هذا االستطالع من التعرف على كيفية تعامل املتعلمني واملتعلمات وأولياء أمورهم وأساتذتهم مع هذا املستجد ،الذي مت خالله تعويض التمدرس احلضوري بصفة مؤقتة. وستتيح هذه النتائج ،حسب الوزارة، الوقوف على مكامن القوة والضعف في هذه العملية ،وذلك من أجل ترصيد املكتسبات التي حتققت من خالل العرض التربوي املقدم وجتويده أكثر خالل الفترة املتبقية ،واالرتقاء مستقبال مبختلف آليات “التعليم عن بعد” . وأضاف البالغ أن االستبيان يشمل مجموعة من احملاور ،يضم كل منها مجموعة من األسئلة متكن من استقراء جتربة املستجوبات واملستجوبني مع الدراسة عن بعد ،ورأيهم حول اخلدمات املقدمة عبر مختلف املنصات
واالفتراضية الرقمية التربوية ومضامينها والقنوات التلفزية ،واإلدالء مبقترحات لتجويدها وتطويرها. وأفادت الوزارة بأنه من أجل املشاركة في هذه العملية ،ميكن الولوج إلى االستبيانات من خالل البوابة الرسمية للوزارة” “www.men.gov. ” maواملنصتني التاليتنيwww.“ : ” taalimtice.maaو https://telm ””midtice.men.gov. ma/Home يذكر أن الوزارة كانت قد أطلقت مجموعة من اإلجراءات والعمليات منذ 16مارس ،2020مباشرة بعد تعليق الدراسة بجميع املؤسسات التعليمية، متثلت باألساس في اإلنتاج املكثف للدروس اخلاصة بهذه املرحلة من البرامج الدراسية وبثها عبر القنوات التلفزية الوطنية (القناة “الثقافية”، قناة “العيون” ،قناة “األمازيغية”)، ونشرها وتقاسمها على منصتها الرقمية املوجهة للتلميذ “تلميذ تيس”. ومت أيضا تفعيل منصات األقسام االفتراضية ،لتمكني األطر التربوية من خلق جسور تواصلية تفاعلية مع املتعلمني لضمان التحصيل الدراسي ومواكبة تعلماتهم عن بعد.
انطالق عملية الكترونية لتسجيل التالميذ اجلدد باالبتدائي أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية ،عن انطالق عملية التسجيل القبلي بالسنة أولى من سلك التعليم االبتدائي ،برسم املوسم الدراسي ،2021 2020بجميع مؤسسات التعليماالبتدائي ،وذلك حصريا عبر “منظومة مسار” للتدبير املدرسي. وأوضحت الوزارة ،في بالغ لها ،أن هذا اإلجراء يندرج في إطار التدابير االحترازية التي اعتمدتها الوزارة للوقاية واحلد من تفشي جائحة كورونا ” كوفيد ،19″وذلك من خالل تفادي تنقل اآلباء واألمهات وأولياء األمور إلى املؤسسات التعليمية حرصا على صحتهم وصحة جميع املواطنات واملواطنني. كما يأتي اعتماد الوزارة لهذه اآللية اإللكترونية في تدبير التسجيالت املدرسية اجلديدة ،تفعيال للبرنامج احلكومي الهادف إلى تطوير اإلدارة اإللكترونية ،وكذا تنزيال لبرنامج عمل الوزارة املتعلق بتطوير منظومة مسار
للتدبير املدرسي واخلدمات اإللكترونية اخلاصة بها ،وكذا من أجل حتضير جيد ومحكم للدخول املدرسي املقبل. وأهابت الوزارة بآباء وأمهات األطفال الذين استوفوا سن التمدرس املبادرة إلى التسجيل األولي ألبنائهم وبناتهم وذلك عبر الولوج إلى املوقع اإللكتروني https://www.men.gov. للوزارة ،maومسك املعطيات والبيانات املتعلقة باملعلومات الشخصية وبيانات احلالة املدنية اخلاصة بالتلميذ أو التلميذة، إضافة إلى املعطيات اخلاصة باألب واألم وولي األمر وكذا اإلخوة واألخوات دون سن التمدرس ،فضال عن اختيار املؤسسة التعليمية التابعة ملنطقة السكنى. وأشار البالغ إلى أنه سيتم إشعار اآلباء واألمهات وأولياء األمور ،عبر بريدهم اإللكتروني أو عبر رسائل نصية قصيرة ،بوضعية طلباتهم إلكترونيا، سواء في حالتي املصادقة عليها أو رفضها مع تعليل أسباب الرفض.
العدد 84يونيو 2020
ملف
منظومة التربية والتكوين ما بعد جائحة كورونا :أي هوية للمدرسة املغربية؟
د /سعيد العالم*
يعرف العالم حتوالت عميقة ستمس جوهر القيم االنسانية وتوازنات النظام العاملي (قيم العوملة) ،وهو ما يعني أن العالم سيعرف أزمة هوية ،يؤكدها االجتاه العام الذي طبع سلوك الدول جتاه جائحة كرونا بسيادة النزعة احلمائية واالنكفاء الثقافي(الدولة الوطنية) ،مما سيعيد طرح إشكالية الهوية من جديد كأفق ملا بعد العوملة ،أي العودة إلى اخلصوصيات الثقافية إلعادة بناء القيم الوطنية(ثنائية اخلصوصية/الكونية).
إن هذا التحول سيجعل املدرسة في واجهة التحديات التي ستعرفها أزمة الهوية ،وهو ما يستدعي مراجعات عميقة ألسس منظومة التربية والتكوين ،سواء تعلق االمر باجلانب املرتبط مبرجعيات االصالح وتصور وظائف وغايات املدرسة ،أو من حيث السياسات التربوية بإعادة النظر في الرهانات واألولويات االستراتيجية ،فضال عن التحديات االجتماعية (الرهان على مدرسة املجتمع) ،أو ما يرتبط باملقاربات واالختيارات البيداغوجية (مدرسة املستقبل).
املدرسة في افق التحوالت اجليو-سياسية ()Géopolitique
ال شك أن التحوالت اجليو-سياسية التي سيعرفها العالم ستخفف الضغط على الفاعل السياسي ،وتتيح له فرصة مراجعة االختيارات االستراتيجية ،كلحظة تأمل ومراجعة للذات من أجل إعادة النظر في مرجعيات االصالح ورهانات السياسات التربوية .ولعل أهم هذه التحوالت هو التراجع الذي ستعرفه االيديولوجية النيولبيرالية( )Néolibéralismeالتي ما فتأت ترهن سياساتنا التعليمية مببادئها املغرضة التي شكلت مرجعية أساسية لبناء تصوراتنا لهوية املدرسة؛ هذا التراجع سيعيد النظر في العديد من الرهانات التي أطرت اختيارات اصالح منظومة التربية والتكوين .إن من أهم مالمح جتليات احلضور النيوليبيرالية ضمن االصالحات التي عرفتها املنظومة ،ارتهان املدرسة بالسوق عبر صيرورة امتدت من امليثاق الوطني املفعم بروح (اجماع واشنطن) ،الذي روج ملفاهيم السوق ضمن السياق البيداغوجي (اجلودة ،االنتاجية ،الفعالية ،الرأسمال البشري،)... فضال عن حتويل احملتوى االيديولوجي لليبرالية اجلديدة إلى محتوى بيداغوجي ضمن ما سمي املقاربة بالكفايات .كما امتد هذا احلضور النيولبيرالي مع املخطط االستعجالي ليس كمسار لتصحيح اختيارات االصالح ،بل مجرد إنقاذ لسيرورة تشكل املدرسة اخلادمة للسوق ،فكان االصالح متجها نحو اجلواب عن فرضية خاطئة ،اختزلت االصالح في جتاوز اإلكراهات البنيوية وليس معاجلة االختيارات االستراتيجية ،فضال عن تكريس التوجه نحو السوق باعتماد بيداغوجيا االدماج كاختيار بيداغوجي .لقد حاولت الرؤية االستراتيجية 2015-2030 التوجه نحو االختيار القيمي من خالل استحضار املرتكزات القيمية (مدرسة املساواة واإلنصاف) دون اخلروج عن النسق العام للتوجه الليبرالي (مدرسة اجلودة) ،من خالل اعتماد (إعالن إإنشيون -التعليم بحلول عام )2030كمرجعية لإلصالح ،إن صيرورة االصالح املرتهنة بإجماع واشنطن و إعالن انشيون، عرفت تيها في بناء تصور خاص ،يعكس التجربة املغربية املرتبطة بخصوصية املجتمع املغربي ،وبرهاناته املستقبلية. يبدو أن مسار االصالح لم يطرح األسئلة اجلوهرية والتفكير في ربط املدرسة باملجتمع وتلبية املتطلبات واحلاجات االساسية دون اختزالها في متطلبات السوق .ولعل الفرصة مؤاتية اآلن ملراجعات امالءات املؤسسات املالية واالرتهان بالقرار اخلارجي لبناء هوية جديدة للمدرسة املغربية مع التراجع املرتقب لهذه االيديولوجية ،التي أعلنت عن افالس قيمها التي انتجت وهم عوملة النموذج التنموي القائم على أوهامها الثالث :أوال :وهم دولة احلد االدنى أو السياسات التقشفية التي تعتبر التعليم والصحة والقطاعات االجتماعية غير منتجة ،وأن العدالة االجتماعية مجرد وهم (أطروحة هايك /ونويزك /وفريدمان). ثانيا :وهم الشراكة خاص/عام ،ألنها دعوة ال تخرج عن نطاق الربحية وانتهازية الرأسمالية؛ فليس مستبعدا أن نشهد أزمة
هذا النموذج (ريادة القطاع اخلاص) باعتباره منوذجا ارشاديا حلكامة التدبير العمومي بفرض واقع التعليم اخلصوصي ،الذي حول املدرسة إلى مقاولة ربحية ،وأنتج كائنات انتهازية تقتات من الريع التربوي( قضية مساعدات صندوق جائحة كرونا كمثال) .ثالثا :وهم تبخيس السياسي والنقابي والفعل العمومي (املدرسة العمومية) ،باإلجهاز على الطبقة الوسطى ،وخلق التفاوت االجتماعي ،وتوسيع هامش الفقر والتهميش واالذالل االجتماعي. إن من أهم التحديات التي انتجتها التحوالت اجليو-سياسية مع أزمة االيديولوجية النيولبيرالية ،هو نهاية وهم دولة احلد االدنى والسياسات التقشفية؛ فقد اثبتت جائحة كرونا حاجة املجتمعات إلى السياسات االجتماعية (التعليم والصحة) كضمان أساسي لتحقيق االمن القومي واالستقرار االجتماعي ،مما يستدعي إعادة ترتيب أولويات االنفاق العام (عودة مفهوم االختيار االجتماعي للدولة) .كما أبرزت اجلائحة احلاجة املاسة إلى انخراط اجلامعة واملدرسة في املجتمع ،بدل شعار االنخراط في السوق .فاملجتمع يحتاج اليوم إلى البحث العلمي وإلى قيادة علمائه ومثقفيه كقوة توجيهية ارشادية لسياساته العمومية ،كما أنه بحاجة إلى ادماج أفراده في املجتمع واالنخراط في قضاياه احليوية ،بدل االرتهان بايدولوجيا االدماج في السوق ،والتي يعتبر التعليم اخلصوصي أحد مظاهرها(الشراكة خاص/عام) .إن منظومتنا التربوية في حاجة إلى تعليم فعال ممتد نحو املجتمع ،قادر على تلبية حاجات املجتمع احليوية (سياسات حيوية)؛ وليس مجرد فبريكات لصناعة اليد العاملة ،حتول املدرسة واجلامعة إلى بروليتاريا خادمة للمقاولة (تشييء الفعل التربوي) .كما تشكلت قناعة عامة لدى اجلميع حكاما ومحكومني ،أن املستقبل رهني بتعليم ناجع قادر على رفع حتدي مواجهة املستقبل املنفتح على املجهول. ولعل التخلص من ربقة هذا االستعمار اجلديد (املنظمات املالية الدولية) رهني بتحقيق السيادة على الوطن ومقدراته ،وذلك باإلصغاء لصوت الشعب ،والتماهي مع تطلعاته وتلبية حاجاته، وال مناص في ذلك من إعادة بناء التعاقد االجتماعي الذي سيعيد الثقة للمؤسسات ،ويخلق سلما اجتماعيا قد ُي َح ِّص ُننا ضد إرادة التحكم في الشعوب ،التي تخدم أجندات الدول املهيمنة والشركات املتعددة اجلنسية التي تتطلع ملقدرات الوطن وتتربص به.
حتدي املواطنة :رهان االمكان البشري
لقد أثبت املجتمعات التي راهنت على بناء االنسان ،والعمل على ارتقاء القيم الفردية واالجتماعيةُ ،قدرة هائلة على مواجهة الشدائد مهما كان حجمها ونوعها (كوارث طبيعية ،أزمات مالية، أوبئة)...؛ ألن وعي األفراد َي ْس َم ُح بتوسيع اختيارات الدول، ويعزز قدرتها على التنظيم والتخطيط ملواجهة املخاطر واآلفات. إن شرطية املواطنة كحقيقة دالة على وجود الدولة ،وضامنة الستمراريتها ،تتأسس على بناء اإلمكان البشري (Capabilité ، )humaineالذي ُيحدد الفِ عل االنساني ضمن نطاق الغايات، و َيجعل الفرد قادرا على أن ُيحدد اختياراته ،و َيستثمر املوارد املادية والرمزية املتاحة ضمن املجتمع ،فالقدرات هي امكانية استثمار املوارد ،وليس ضمان الولوج إليها صوريا (قانونيا) واع فحسب؛ أي بناء مواطن ُمدرك ل ُقدراته املعرفية واألخالقيةٍ ، ومتفاعل مع القضايا بكينونته االجتماعية ،ممُ ْ َتد نحو املجتمعُ ، الوطنية واإلنسانية. إن الكائنات الفاقدة للمعنى التي أنتجتها أجهزة الدولة االيديولوجية (نظم تربوية ،إعالم ،سياسات ثقافية ،)...ال تصلح
لبناء مشروع مجتمعي وال حتقيق نهضة منشودة ،بل تعكس أزمة الدولة احلديثة بأنساقها السياسية التقليدية ،القائمة على أساس تبرير االستبداد واألبوية السياسية .إن شرطية املواطنة تفترض عالقات اجتماعية قائمة على إدراك ال َت َم ْف ُصلِ احلاصلِ بني احلق والواجب واقتران احلرية باملسؤولية ،بدل االبتذال الليبرالي القائم على الفردانية االستئثارية (الكائنات املستهلكة)؛ كما تفترض ُن ْك َرانَ الذات و احلافزية على املشاركة في انتاج اخلير العام للمجتمع ،بدل أشكال االستالب التي ال تصلح سوى لتبرير وجود السلطة احلاكمة. لقد تأ ّكد عَ م ِل ًّيا ،من خالل تدابير مواجهة جائحة كرونا ،احلاجة إلى فِ ْع ٍل تواصلي بني أفراد املجتمع وأجهزة الدولة ،يعكس صانِ َّية األفراد و وعيهم االجتماعي في مواجهة األزمات. َش ْخ َ إن االعتبارات اخلاصة التي متيز األفراد داخل املجتمع ،وتبرز التمايزات على مستوى االنتماء االجتماعي ،هو ما يحدد شرطية املواطنة ،وشرعية التعاقد االجتماعي بني مختلف مكوناته .لقد خلقت السياسات التعليمية كائنات اتكال َّية ُم ْش َب َعة بثقافة اإلحباط و ا ْزدِ َراءِ ال ّذات ،غير قادرة على حتديد ُأ ُف ٍق اجتماعي النتظاراتها، ُتع ّبر عن أزمة انتماء حادَّة لكل ما هو مشترك. لقد آن األوان لسياساتنا التربوية أن تتجاوز منطق ال َرعِ َّية الذي ُي ْنتِ ُج ثقافة ال َق ِطيع ،و ُيك ِّرس كل أشكال الوصاية واال ْزدِ راء االجتماعي .ال مناص من بناء جسور الثقة داخل املجتمع، دركة بالرهان على خلق كائنات اجتماعية واعية بك ْي ُنو َنتِ هاُ ،م ِ حلدود امكانياتها في حتديد اختياراتها السياسية؛ و تِ ْلك هي الع ْينِ ّي ملفهوم املواطن. حدود املواطنة وال َت َح ُّقق َ إن املجتمعات التي ُتع ِّزز في أفرادها عن طريق املؤسسات التربوية َم َل َك َة املسؤولية ،وال ُقدرة على تمَ َ ُّلك الفضاء واحترام املجال العام؛ تستطيع اقتحام املجهول مهما كانت مخاطره وآفاته؛ َو ِ التج ِهيل وصناعة الرداءة اه ٌم من يعتقد أن سياسات ْ وخلق كائنات ُمستهلكة ،وسيلة لتدجني املجتمعات والتحكم فيها. لله َم ِم العالية التي ترفع من شأن مواطنيها ،و املستقبل َمرهُ ونٌ ِ حصنُ مبشروعية اال ْمتِ داد نحو املجتمع. َت َت َّ يحتاج املغرب إلى إعادة النظر في سياساته التربوية ،ببناء منظومة تربوية تستوعب حتمية التغيير املضطرد الذي يعرفه العالم ،أو بتعبير «إدغار موران»« :اإلعالء من موهبة فهم التعقيد االنساني ودراسته ،تلك التي تربط بني املعرفة والوعي بالشروط الوجودية املشتركة لكل البشر»( املعارف السبع الضرورية لتربية املستقبل)؛ كما حتتاج بالدنا إلى سياسات ثقافية َت ْر َتقِ ي بال ّذوق العام ،و ُترسخ قيم جمالية ُته ِّذب السلوك االجتماعي ،بدل الرداءة في الذوق والقبح املُ َع َّمم ،وصناعة مناذج مبتذلة للفن (برامج صناعة النجوم ،وكائنات اإلنستغرام.)...Instagram / له َمة ألجيال إن املنظومة التربوية ينبغي أن تتطلع إلى مناذج ُم ِ املستقبل ،تحُ ِّفز القيم اجلمالية ،وترفع من شأن العلم والعلماء واملثقفني؛ إنها دعوة لالرتقاء بقيم املجتمع األخالقية واجلمالية والوجدانية؛ تنمي في األفراد َم َل َكة تقدير الذات واحترام اآلخر، املشاركة في تنمية اخلير العام واحترام املشترك االجتماعي. ال مناص من استشراف املستقبل بكائنات واعية ،وتعاقدات جديدة بني مواطنني متساوين في احلقوق والواجبات ،أحرار في االختياراتُ ،ن َظرا َء في املسؤولياتُ ،متكافِ ئني في املشاركة في صنع القرارات. إن اللحظة السياسية حتتاج إلى شرطية املواطنة كعماد لبناء مجتمع متماسك ،ودولة ممتدة نحو املجتمع (دولة املجتمع)، باحة الكرامة ،تذهب مع الريح ،وتهتِ ف بدل شعوب منقادة ُم ْس َت َ ملن يُسوِّ ق نفسه أفضل (مجتمع الدولة) .لِوا ُء املستقبل معقود
العدد 84يونيو 2020
مبدرسة وطنية رهانها االساس هو بناء كائنات اجتماعية قادرة على مواجهة حتديات املستقبل املنفتحة على املجهول.
التحديات االجتماعية :من أجل مدرسة املجتمع
لقد كشفت جائحة كرونا عن مفارقات عديدة في العالقات التربوية بني مختلف الفاعلني االجتماعيني (ادارة تربوية ،اسرة، هيئة تربوية) ،كما ابرزت احلاجة إلى مدرسة املجتمع املنفتحة على املستقبل .لعل الالفت للنظر في هذه األزمة هو حضور االسرة وأهميتها في سيرورة التعلم ،حيث تبث بامللموس أن املدرسة امتداد للبيت واألسرة ،ومن ثمة يصعب بناء تصور لإلصالح في ظل واقع استقالة األسرة وعدم انخراطها في مسارات التعلم وسياقات التربية .لقد انتجت أزمة «كرونا» مظاهر عديدة حلضور األسرة تتراوح بني مساهمتها املباشرة والصريحة ،إما عبر املشاركة في التربية والتعليم داخل البيت كفضاء مكمل للمدرسة، وهذا ما انكشف مع جائحة «كرونا» من خالل عمليات املراقبة والتتبع واملواكبة ملسار التلميذ عبر التكوين عن بعد ،مما مكن األسر من املشاركة بشكل مباشر في تقييم ومراقبة مسار التعلمات ومحتويات ومكونات العملية التعليمية التعلمية .كما مكنت االزمة االسر من االنخراط غير املباشر في الرقابة املعنوية للقيم التي تنتجها املدرسة عبر اكتشاف املضامني املناهج التربوية .لقد أبانت اجلائحة عن أهمية األسرة كشريك حقيقي للمدرسة ،بعيدا عن األشكال الكاريكاتورية التي تنتجها منظومتنا التربوية ( مجالس التدبير الشكلية احملنطة التي تقابل بالعزوف والتغيب). فالشراكة تعني االنخراط في كل املسارات والصيرورات التي تطبع الفعل التربوي ،والتفاعل مع ايقاعات احلياة املدرسية؛ وكل ذلك ينطلق من الرغبة في املشاركة التي تولدها الثقة في املدرسة كمؤسسة اجتماعية ،تصلح الستيعاب املطلب االجتماعي وحاجة األسرة املادية (التعليم والتكوين) ،والقيمية الرمزية (التربية) .إن املدرسة كفضاء عمومي قادرة على خلق نقاش عمومي فعال يحدد معالم مدرسة املستقبل املنفتحة على املجتمع ،وتشارك فيه كل القوى املتدخلة في عملية التربية (مثقفني ،منتخبني ،أسرة ،أطر تربوية ،أطر اإلدارة التربوية ،تالميذ وطالب ،شركاء اقتصاديني واجتماعيني.)... إن املؤكد من التحدي االجتماعي الذي فرضته جائحة كرونا ،هو أنها أزمة اجتماعية بالدرجة األولى ،مبعنى أبرزت الوجه احلقيقي ملفهوم الشراكة خاص/عام أو ظاهرة التعليم اخلصوصي ،التي برهنت أن الرهان احلقيقي لهذه الشراكة لم يكن رهانا تربويا/بيداغوجيا ،وال مساهمة من القطاع اخلاص في االرتقاء باملنظومة أو انتاج اخلير العام (املنفعة العامة)؛ إن هذه الشراكة ال تخرج عن نطاق الربحية وانتهازية الرأسمالية. فليس مستبعدا أن نشهد أزمة هذا النموذج (ريادة القطاع اخلاص) بالتوجه نحو رأسمالية الدولة ،وبالتالي التفكير بجدية في إعادة االعتبار للتعليم العمومي ،باعتباره االمتداد الطبيعي لللمجتمع برمزيته املتعالية عن الربحية والتشييئية (Réificat )tionالتي تفقد االنسان معنى وجوده ككائن غائي إلى مجرد إنسان بضاعة بتعبير «لوكاتش» .فاحلاجة إلى االرتقاء بالفرد قيميا لن تكون بالتأكيد وظيفة للتعليم اخلصوصي ،بل إنها تحَ َ ُّقق عيني ملفهوم املشروع املجتمعي .والذي أبانت جائحة «كرونا» حاجتنا إلى وعي جمعي ،وقيم اجتماعية كلية أكثر انسانية ،مبنطق التضامن ليس في بعده احمللي وحسب بل االقليمي و العاملي .وما من مدخل أصدق من بناء مدرسة املجتمع بعيدا عن السوق والريع االقتصادي الذي ميثله القطاع اخلاص في مجال التربية؛ إن زيادة االنفاق العام في التربية والرهان على اجلانب االنساني (التربوي) سيعيد النقاش من جديد حول جدوى التعليم اخلصوصي ،أوال كقناعة لدى االسر التي تكشف أمامها الوجه احلقيقي للتعليم اخلصوصي ،أو القناعة التي وصلت إليها الدولة من خالل االنتهازية واجلشع الذي أبداه هذا القطاع في خضم األزمة ،وهو ما يعني زيف ووهم الشراكة خاص/عام، وفصل املقال ما بني «البزيس» والتربية من اتصال. إننا أمام حلظة تاريخية كشفت عنها جائحة «كرونا» ،من أجل تدارك أزمة وشيكة ملنظومتنا التربوية ،من خالل مراجعة أولويات ورهانات املنظومة بتجاوز التوجه النيوليبيرالي في السياسات التربوية ،وإعادة االعتبار للمدرسة العمومية الوطنية، القادرة على مواجهات التحديات االجتماعية التي قد تفرزها جائحة كرونا ،جراء األزمات املالية واالقتصادية في املستقبل، والتي ستؤدي إلى ازدياد عبء االسر في االنفاق على التعليم،
ملف والتفاوتات التي من املمكن أن تخلقها انتهازية االستثمار في مجال التربية والتكوين. من املظاهر النفس –اجتماعية( )Psycho-socialeالدالة التي كشفت عنها اجلائحة ،استعادة الذاكرة اجلماعية لرمزية حضور املثقفني والعلماء في ريادة املجتمع ،ساهم هذا احلضور املميز في االعالء من شأن املربي ،واستعادة املكانة الالئقة به في وعي وضمير االمة .إن الوعي اجلمعي أدرك زيف الصور التي تسوقها ايدولوجيا الرداءة والقبح (جنوم الفن الهابط ،و دعارة االنستغرام ،وجنوم كرة القدم ،)...لتحل محلها صورة الطبيب واملعلم والعالم كواجهة حقيقية للمجتمع ،لتتوج املدرسة حاضنة لروح االمة ،ومالذا آمنا للشعوب من عبث املجهول الذي يتربص باإلنسانية جراء حروب املستقبل ذات الطبيعة املعرفية (حرب البيولوجيا والتكنولوجيا احليوية .)...إن عودة الروح لوجدان االمة ،رهني مبا تقدمه من مناذج ملهمة ألجيال املستقبل ،تعيد بناء صورة املعلم والعالم واملثقف في املخيال اجلمعي ،ضمن ثقافة االعتراف بالكفاءة والتميز (بيداغوجيا القدوة) حتفيزا لشبابنا ،وتشجيعا لهم على االبداع واالبتكار والتميز في درب العلم واملعرفة ،بدل سياسات التجهيل اجلماعي والتسويق للرداءة والقبح.
التحديات البيداغوجية :من أجل مدرسة للمستقبل
إن من أهم االكراهات التي اعترضت عملية مواجهة جائحة كرونا في بعدها البيداغوجي ،هو عجز النموذج البيداغوجي عن استيعاب حجم التحول التي ستحدث جراء األزمة ،والتفكير في مقاربات بيداغوجية جديدةُ ،تساعد األفراد على التك ُّي ِف مع صيرورة التحوالت ،وأمناط ُمع ِّز َزة لمِ َ َل ِ كات ال َتع ُّلم الذاتي. إن الرهان البيداغوجي احلالي القائم على الكفايات ال يخدم حتديات املستقبل املتسمة بالتغيير املضطرد والسريع .فضال عن قدرة هذا النموذج على مواكبة ما أسماه «أولريش بيك» مجتمع املخاطر املفتوح على املجهول .لذا فاحلاجة الى بيداغوجيا للمستقبل تنبع من قدرة املنظومة على بناء كائنات لها القدرة على التكيف مع حتديات املستقبل (بيداغوجيا التكيف) ،التي من مالمحها تغيير مرفولوجيا املدرسة (واقعية/افتراضية)، وتغيير ايقاعات التعلم (تعليم حضوري/تعليم عن بعد) ،وتغيير في مناهجها التربوية (تثوير املناهج :املضامني/طرائق التعليم). كل هذه التحديات جتعلنا منفتحني على مدرسة املستقبل (مدرسة ما بعد جائحة «كرونا») .إن هذا املدخل يحيلنا إلى نقاش ابستمولوجي يحدد اختياراتنا املعرفية ،فمستقبل املدرسة رهني بالتحوالت التقنية الهائلة التي حولت املعرفة من العالم املادي إلى عوالم افتراضية قد تتالشى معها املدرسة كفضاء مادي ،كما أن هذا الوضع يطرح إشكاليات ابستمولوجية مرتبطة بتشكل مجتمع املخاطر (احلرب البيولوجية/املعضلة البيئية ،)...مما يستدعي البحث عن أنساق بيداغوجية مرتبطة بتحوالت أمناط املعرفة املواكبة للتحوالت التقنية .إن هذه التحوالت التقنية جعلت املتعلم يعيش مفارقات بيداغوجية/ديداكتيكية ،بني نظام معرفي متخلف ال يساير التحوالت التقنية كي يتمكن من إدماج التلميذ في صيرورة التعلم التي ينخرط فيها ضمن أنساق موازية للمدرسة فرضها جائحة كرونا (فضاءات االنترنيت ،مواقع التواصل االجتماعي )...أمام االزدواجية الوظيفية للمدرسة، التعليم والتكوين من جهة والتربية من جهة أخرى؛ و بني واقع افتراضي يعيشه التلميذ ،قد يعيد النظر في املدرسة مبعناها املادي ( مدرسة اجلدران) ليؤسس ملدرسة افتراضية تغيب املكان والزمان .في هذا السياق املتطور لتصور املعرفة (افتراضية/ واقعية) نعتبر أن إمكانية الفصل بني الوظيفتني (تربية/تكوين) ممكنة في سياق إدماج التقنية بيداغوجيا ،فيمكن ملدرسة املستقبل أن تكون افتراضية حينما يتعلق األمر بالتعلم والتكوين ،في حني ال ميكن إال أن تكون واقعية حينما يتعلق االمر بوظيفة املدرسة التربوية ،ألن فعل التربية يفترض أنساقا قيمية معيارية مرتبطة بالسلوك االجتماعي لألفراد ،عكس األنساق التقنية الالاجتماعية. فالتعليم عن بعد يعزل املتعلم عن سياقات التعلم ،ويفقده القدرة على التواصل والتفاعل مع محيطه ،وتختزله في بعد أحادي االجتاه ( البعد السبيرنتيكي) الذي يغيب لديه ملكات متعددة متيزه ككائن متفرد ( عاطفة ،تواصل . )...فمدرسة املجتمع هي الضامن الوحيد الستمرار منظومة القيم ،مما يجعل واقعيتها حصانة ضد أشكال االستالب الثقافي املمكنة ،والناجتة عن االنفتاح التقني الكاسح واملغيب للوعي بالذات .فاإلنسان
معرفيا متعدد األبعاد ،يحتاج إلى طاقة اجتماعية دافعة ،تنمي لديه ملكات متعددة :عاطفية وجدانية ،تواصلية ،جمالية ...وهو بهذا املعنى قابل للتشكل وفق كل منط معرفي تختاره اجلماعة، وحريته هي اخلاصية الوحيدة التي حتافظ على بعده التعددي. لذا فمدرسة املستقبل مهمتها إمناء شخصية املتعلم ،وإعداده للتحكم في التحوالت التي يعرفها العالم ،بدل أن تتحكم فيه. فمدرستنا مدعوة للتفكير في استراتيجية معرفية ال تنساق كلية مع التحوالت في أمناط املعرفة التقنية (التكوين عن بعد) ،بل هي مدعوة للبحث عن أمناط معرفية متعددة :كانخراط االسرة في سيرورة التعلم (االسرة املربية) ،أو املدرسة املندمجة في املجتمع (مدرسة احلياة) ،حيث ميكن اختزال زمن التعلم وفضاءاته بني ثالث مكونات بيداغوجية (املدرسة ،االسرة ،املجتمع). إن أزمة جائحة «كرونا» أبانت بامللموس عن حقيقة مخجلة، كشفت عن عورة السياسات التربوية وكل شعاراتها ،وأماطت اللتام عن عجز وقصور رؤية النخب املدبرة للقطاع في تدبير االزمة .إن خطابات العصرنة والرقمنة واالنخراط في مجتمع املعرفة(مشروع إدماج تكنولوجيا اإلعالم )E1.P10 :كمثال وغيره من املشاريع ،انكشفت أمام محدودية استراتيجية تدبير األزمة وارجتاليتها .فرغم الكثير من املشاريع واملوارد املالية والبشرية التي انفقت في االرتقاء باملنظومة تقنيا (رقمنة املوارد البيداغوجية) ،لم يستطع الفاعلون بلورة استراتيجية بديلة للتكوين ،ولم تستطع تطوير مواردها البيداغوجية والديداكتيكية للتفاعل مع أزمة «كرونا» .وهو ما يؤشر على أزمة منظومة ارتهنت في اصالحها باحلاضر الذي يتالشى في كل حلظة ،وأغفلت التفكير في استراتيجية استشرافية للمستقبل، تدرك و حتدد ماهية وحجم التحول الذي سيعرفه العالم في أفق 2030املشرف على نظام عاملي جديد سيتغير فيه كل شيء التاريخ واجلغرافيا واإلنسان.
على سبيل اخلتم :توصيات مستوحاة من درس كورونا
قد تكون هذه دعوة إلى صناع القرار ،بإعادة النظر في اختياراتهم السياسية في مجال منظومة التربية والتكوين ،لذا سأكون مختصرا وأعتبر أن جائحة «كرونا» درس تاريخي ينبغي أن نأخذ منه العبر قبل فوات االوان ،والتي أخلصها في التالي: أوال :مراجعة االختيارات االستراتيجية التي حتاول جعل املدرسة خادمة للسوق ،والكف عن اعتبار املنظومة التربوية مجرد ريع اقتصادي يخدم املقاولة والسوق االقتصادي .بل اعتبار املدرسة مؤسسة اجتماعية ممتدة نحو املجتمع مستجيبة للمطلب االجتماعي ،وظيفتها هو بناء (االنسان) أو ما أسميه «االمكان البشري» بدل الرأسمال البشري ذو احلمولة االقتصادوية. ثانيا :االهتمام أكثر بالبحث العلمي وجعله أولوية حيوية للمجتمع ،ألن املستقبل في بعده املرتبط باألمن القومي ،رهني بانخراط اجلامعة واملدرسة في القدرة على حتصني الذات من اآلفات واخلطر احملدق (مجتمع املخاطر)؛ وحتقيق االكتفاء الذاتي في القدرات احليوية (غداء ،مواد طبية ،تكنولوجيا،)... لقد بات االمن القومي مرتهن بسياسات تعليمية ناجعة. ثالثا :إعادة النظر في املقاربات البيداغوجية وفلسفة التربية، باالجتاه نحو تنمية الوعي واالرتقاء بأفراد املجتمع ،بدل اجلهد الكلي في التنمية االقتصادية .فأزمة «كرونا» أبانت أن الشعوب الواعية واملجتمعات املنضبطة قيميا هي القادرة على تخطي األزمات ،وليس املجتمعات املتقدمة اقتصاديا والفقيرة قيميا. رابعا :إن أزمة كرورونا أنتجت خطابا حمائيا ،وأبانت عن نزعات َت َو ُّحدِ ية لألمم ،وهذا يعني التعويل على الذات ،ورفع االنتاجية واالكتفاء الذاتي .كما أبانت عن فاعلية الدول القادرة على االبداع واالبتكار والتكيف ،وهو ما يعني التفكير في استراتيجيات للتحفيز وسياسات لتشجيع االبتكار باالستثمار في العنصر البشري ،واملدرسة العمومية هي القادرة على خلق هذه القيم والنهوض بهذه املهمة. خامسا :إعادة النظر في تصور املدرسة ،واستيعاب التحول وسيرورة التغيير الذي يعرفه العالم ،بالتوجه نحو مدرسة جديدة تدمج التعلم عن بعد ،وتعتمد وسائل ديداكتيكية جديدة .فالتجديد البيداغوجي بات ضرورة حيوية ،ورمبا يؤسس ملدرسة املستقبل التي ستتجاوز مفهومي الفضاء الصفي وزمن التمدرس. *استاذ بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط
العدد 84يونيو 2020
ملف
حملات تاريخية حول إصالح التعليم باملغرب منذ االستقالل إلى الرؤية االستراتيجية
ذ/المصطفى تكاني*
ال يجادل أحد في أن التحوالت التي تعيشها املجتمعات؛ إن على املستوى االقتصادي ،أو االجتماعي ،أو السياسي؛ هي صورة تعكس تطور الوعي الثقافي والتربوي لألفراد واجلماعات املشكلة للبنية البشرية لهذا املجتمع أو ذاك. إن التربية ،بصفة عامة ،بدءا من عناصرها املعنوية املتمثلة في األفكار والنظريات ،وفي الغايات واألهداف ،إلى عناصرها املادية املتمثلة في السلوك واإلجراءات والتصرفات ُ ،تـكوِّ ن ؛ في مجملها ؛ العنصر األساس في تقومي حياة األفراد واملجتمعات؛ وهي ؛ بذلك ؛ إما أن تساهم في تطورها وتقدمها ،أو أنها ؛ على العكس من ذلك ؛ تكبح انطالقها نحو امتالك آفاق املستقبل ،وازدهار شعوبها .
صراع املجتمعات اليوم ليس صراعا عسكريا ،أو سياسيا ،أو اقتصاديا فحسب؛ بل هو كذلك صراع ثقافي وتربوي وقيمي .وبقدر ما يتسم سلوك الفرد واجلماعة بسمات القيم اإلنسانية الشمولية في أبعادها الكونية املرتبطة أساسا باستضمار قيم املواطنة ،والسلم، واحترام الرأي والرأي املخالف ،ونبذ االنغالق والعنف والتطرف ،وعدم إهدار حق اآلخرين في احلياة؛ بقدر ما تتأصل هذه القيم اإلنسانية احلقة في سلوك اإلنسان فكرا وممارسة . وال يبدو غريبا عن أي متتبع ،أو باحث ،أو دارس ملسار وتطور أي نظام تربوي أن عمليات إصالحه ترتكز وتبتدئ أساسا من مدخالت التمدرس في مراحلــه األولى األساسية ،بالتعليم األولي واالبتدائي؛ لبناء مراحل التعليم الثانوي اإلعدادي والتأهيلي واجلامعي، أوال ،وللحكم على فعالية وجدوى مخرجاته في ارتباطها مبدى توافقها مع احمليط االجتماعي واالقتصادي ،ثانيا .وفي مدى إقدارها املواطن على تلبية حاجاته املتنوعة االجتماعية واالقتصادية والثقافية املعيشة في عالقتها مبساهمته في بناء مجتمعه والنهوض به لبلوغ مدارج التقدم والنماء ،أخيرا .
أسس بناء مشروع التنمية البشرية املستدامة :
إن بناء مشروع التنمية البشرية املستدامة مدخل أساس للبناء االقتصادي واالجتماعي والثقافي في أي بلد ،وال شك أن إصالح التعليم يعتبر مجال اختبار حقيقي يؤمــن لألفراد واملؤسسات املسار ألي مجتمع يريد أن ِّ الصحيح في بناء مشروع التنمية البشرية املستدامة، وأن يبني مناهجه التربوية مبا يسمح له بوضع لبنات التنمية الشاملة للبلد ،بكيفية سليمة؛ مثلما هو األمر؛ في مجاالت التربية والتكوين ،واملعرفة ،وفي الصحة، والعدل ،واألمن ،وتأمني العيش الكرمي . إن ضخامة املشاكل احلالية في التعليم؛ ببلدنا؛ ال ميكن اختزالها في اخلطاب السائد الرامي إلى حماية بيضة اجلماعة ،بل البحث عن السبيل لتحقيق التنمية البشرية املستدامة واملصاحلة مع املدرسة املغربية أساسا . إن التمسك مبا يسعى إلى تقوية عالقة املؤسسة مع محيطها املجتمعي هو األساس املساهم في االرتقاء بجودة التعليم ،وإقرار التميز ،وتعزيز قيم املواطنة والسلوك املدني.
عالقة التربية بالهوية الوطنية خالل فترة االستعمار :
ساد في فترة التطلع إلى السيادة الوطنية إبان فترة االستعمار الصراع حول إثبات هوية املدرسة املغربية، وما قبيل االستقالل ،وكانت تتجاذب التربية والتكوين فيها قوى اقتصادية واجتماعية وسياسية حول خيارات ناظمة للقيم التربوية :في بناء البرامج التعليمية
وكتبها املدرسية ،وطرائق التدريس وأساليبها، ووسائلها التعليمية ،خالل معركة زمن يستبيح فيه املسؤولون؛ عن التعليم كما هو الشأن في باقي املجاالت؛ احتكار توجيه دفة تيارات التربية إلى أجواء محميات اإلمبراطورية التي جنحت في فعل أثرها في نفوس وأهواء األسر االرستقراطية والبرجوازية وأشباهها؛ سعيا من االستعمار إلى بناء مدرسة ال صفة للمغربية منها إال موقعها ضمن خريطة املدن املغربية . كما عرفت املدرسة املغربية؛ في فترة االستعمار وما بعيدها؛ عملية تغريب ( من الغرب األوربي ،ومن التغريب واالستالب) استطاعت أن جتعل املدرسة املغربية هشة يسهل كسر عودها ،وإضعاف قوتها في وجه تيارات استالب ( )aliénationقشور احلضارة الغربية؛ التي فعلت فعلتها في ركـوب أمناط النماذج التربوية املـنـقــولة عـن “ كل من هب ودب “ من منظري املدارس التربوية الغربية؛ فسلخت عن املدرسة املغربية هـويتها، وعززت وقوت محنتها .وقد أثرت املمارسات االعتباطية فيها على مستوى اتخاذ القرار غياب تخطيط تربوي مستقبلي مرتبط مبشروع تربوي شامل مستدمي ،وغلبت على مسارها تيارات سياسية حلظية متغيرة .مما يطرح السؤال اجلوهري املرتبط مبدى فعالية املنهاج التربوي في توافقه مع حاجات البلد؛ بصفة عامة . وتعتبر املسألة التعليمية؛ سواء خالل فترة االستعمار أو خالل سنوات االستقالل وإلى اآلن؛ رهانا حضاريا دون منازع ،ويشكل باألساس مدخال من مداخل التنمية البشرية املستدامة .لقد أورد محمد ملوك؛ في السياق نفسه؛ نقال عن رفاعة الطهطاوي في االستدالل في مقـال [ :الدولة والتحديث :أية رهانات حملمد ملوك /ص . 158من كتاب :مشروع التحديث في املجتمع املغربي /منشورات الشعلة ] خالصة مفادها “ :إنه إذا كان التمدن يرجع إلى التعليم واملنافع العمومية ،وإذا كان ولي األمر هو الذي يصنع التعليم واملنافع العمومية، فإن ولي األمر ،إذن ،هو الذي يصنع التمدن “ . وإذا حاولنا ربط ذلك؛ بصفة خاصة؛ مبا ساد في الفترة االستعمارية في املغرب جنمل القول بأن “ دخول االستعمار بهياكله الرأسمالية خلق بنية مركبة .فعلى املستوى االقتصادي هناك اقتصاد رأسمالي استعماري، هناك اقتصاد وطني رأسمالي ،هناك اقتصاد تقليدي . كذلك على مستوى الفئات أو الطبقات االجتماعية فلقد خلق طبقات جديدة؛ مثل البروليتاريا – البورجوازية – الرأسمالية األجنبية .فنحن أمام فئات وصراع اجتماعي مركب ،وأيضا على املستوى الثقافي ظهرت قيم ثقافية أجنبية حديثة ،كما تشكلت بفضل اجلدلية االجتماعية والنضال الوطني معالم لثقافة وطنية ( ”.. أنظر مقال “ إشكالية تشكل املجتمع املدني “ ص 151 . محمد عياد /مشروع التحديث في املجتمع املغربي / منشورات الشعلة ) . وانطالقا من ذلك ميكن التأكيد أن هذه البنية االقتصادية والسياسية واالجتماعية شكلت بنيات تعليمية متباينة
وفق أنظمة تربوية مختلفة كذلك :مدارس األعيان وفرت متدرسا لطبقة االستعمار والرأسمالية األجنبية مع طبقة االقتصاد الرأسمالي الوطني البورجوازي ،في مقابل االقتصاد التقليدي مع البروليتاريا شكل نوعية املؤسسات التعليمية احلرة التي مت إحداثها من قبل الوطنيني األحرار الذين تبنوا هذه املدارس باحلواضر الكبرى .في املقابل اآلخر الكتاتيب القرآنية ،واملدارس العتيقة ،والزوايا في القرى و املدن الصغرى “ .ومن غريب املفارقات أن هذه النخبة االجتماعية التي قادت احلركة الوطنية أو انتسبت إليها كانت ،بقدر ما حتتج على ال قومية التعليم في املغرب ،مبقدار ما تدفع بأبنائها نحو املدارس األوربية “ ( ص 45من كتاب “ أضواء على مشكل املغرب “ /د .محمد عابد اجلابري /نشر دار النشر املغربية ) . يقول بيير فيرموريني في كتابه “ تاريخ املغرب منذ االستقالل /ترجمة عبد الرحيم حزل /طبعة أفريقيا الشرق ص ... “ 10 .غير أن املغرب ،وإن بدا عليه ذلك الهدوء ،فقد مر في زمنه احلديث ،بأوقات عصيبة .فبعد تلك النهاية الغامضة للحماية فيه ،وذلك التفاوض العجول على استقالله ،بسبب من حرب اجلزائر ،إذا اململكة املغربية جتد نفسها ،سنة ،1956في مواجهة نفسها . واحلال أن الفترة القصيرة التي عمرتها احلماية ( فلم تزد عن أربع وأربعني سنة ) قد خلفت عوامل حتديثية اقتصادية وسياسية متصارعة ،لم يقيض لها االنصهار وال االندغام في بعضها .وظل املجتمع املغربي ،في معظمه ،مجتمعا قبليا ،قرويا ،متمردا على سلطة مركزية لم يفلح نظام احلماية في حمل املغاربة على احترامها إال بالقوة والغصب .ثم صارت البورجوازية االقتصادية متلهفة على احتالل مواقع املعمرين ”... “ ...تعود التوترات احلادة التي اندلعت بعد االستقالل، بأصولها إلى ميراث القرن التاسع عشر .وقد ظهرت تلك التوترات قوية صارخة ،ما جعل نظام احلماية يتستر عليها ،بفرض سلم إجباري على اجلميع ”... “ استمدت الوطنية املغربية أصولها من مصدرين أساسني في القرن العشرين .فأما أول هذين املصدرين فقد خرج من املساجد؛ تلك هي اإلديولوجية السلفية ( التي تنشد العودة إلى ينابيع اإلسالم ،إلحياء العالم اإلسالمي الذي تراه صار إلى انحطاط ) .وهذا مذهب وافد من اإلصالحيني في املشرق العربي؛ أمثال محمد عبده ،قيض له االنتشار في املغرب على يد الشيخ أبي شعيب الدكالي .وسوف يكون لهذا املذهب ،مع مبتدأ العشرينيات ،تأثير على طلبة القرويني؛ أمثال عالل الفاسي واملختار السوسي ( املفكرون املغاربيون)1993 ، .وأمـا املصدر الثاني للوطنية املغربية فهو املتمثل في تيار الشبيبة املغربية .وهو تيار قـام على منوال سميـه “ الشبـيبـة التركية “ ( ش .أ.ج وليان ،) 1978ينشد استعمال أسلحة احملتل ومبادئه املسماة “ عاملية “ ومحاربته بها .وكان لهذا التيار الثاني تأثير على الطلبة املتعلمني في مدارس احلماية ،وال سيما مجموعة
العدد 84يونيو 2020
طلبة باريس الصغيرة؛ أمثال أحمد بالفريج وبن احلسن الوزاني ( فيرمورين . ) 2002وقد كانت أحداث العام 1930سببا في التئام التيارين “ ( ص 21 .املرجع السابق نفسه ) .
تطورات املسألة التربوية من خالل محطات اإلصالح بعد االستقالل :
لقد طبع ميدان التربية والتعليم إبان فترة االستعمار وبداية عهد االستقالل سمات أساسية ميكن إجمالها في اإلشارات التي سلف ذكرها؛ لضيق املجال؛ إلى أهمية الدور الذي لعبته املدارس املغربية احلرة في متنيع التلميذات والتالميذ والطلبة املغاربة وحتصينهم ضد التيارات االستالبية للهوية املغربية اإلسالمية، وما ساعد على ذلك اشتغال األساتذة املغاربة في هذه املدارس بروح وطنية متميزة ،وإرادة قوية في تكوين أجيال بناء مرحلة االستقالل ُ . وطرحت بقوة في هذه املرحلة َت َع ُّقــ ُد النظر إلى املسألة اللغوية داخل املنظومة التعليمية املغربية ،وتجَ ا ُذ ُب الرأي حول مدى صالحية اللغة العربية الفصحى في قدرتها على احتواء العلوم واملعارف ،وتيسير التدريس بها .وارتبط التعليم ،في هــــذه الفترة وما بعدها ،بصراعات قوية معلنة وخفية حول عالقة املسألة اللغوية في عالقتها باملجاالت االقتصادية واالجتماعية وغيرها .إال أن ما مييز هذه املراحل ما جعل العالقة بني املدرسة وترسيخ قيم املواطنة والسلوك املدني تأخذ أبعادا ومنطلقات جماعية / أهلية مشتركة ،وإقبال كبير على التمدرس من قبل فئات املجتمع في جو من احلماس واالندفاع العاطفي . يصعب تفصيل احلديث عن مختلف مضامني محطات اإلصالح ،في هذه املرحلة ،ألن ملجال التدقيـق غيـر ذلك في هذا املقام؛ وسيتم في هذا املقال؛ تركيز محطات مسار إصالح منظومة التربية والتعليم ( في الفترة ما بعد االستقـالل إلى ما بعد وضع امليثاق الوطني للتربية والتكوين) في التذكير مبالمح عامة لهذه احملطات ،بـدءا مـن اإلشارة إلى إصالح سنة ( 1957اللجنة العليا إلصالح التعليم )؛ الذي انطلق من تثبيت املبادئ األربعة ( التوحيد /التعريب /املغربة / التعميم ) ،إال إنـه لـم يتـم توفيـر الظروف البشرية إلقرارها وفق املراد ،العتبارات عديدة؛ حيث إن اللجنة التي نادت إلى تعريب التعليم االبتدائي قررت بعد ذلك التراجع عن تدريس مادة احلساب والعلوم سنة 1958 .وحاول “ معهد الدراسات واألبحاث للتعريب “ ( الذي مت إحداثه سنة ) 1958إقرار تعريب املواد العلمية في التعليم االبتدائي ،إال أنها محاولة ُوئ َدت سنة . 1962 وجتدر اإلشارة إلى أن “ املجلس األعلى للتربية والتكوين “ الذي مت إحداثه من جديد سنة ( 1961سبق أن مت إحداث مجالس مماثلة له خالل فترة االستعمار ) ،لم يتمكن من إثبات ذاته كقوة استشارية في عمليات اإلصالح ،الذي كان من مهامه “ أن يستشار لزوما في مشاريع اإلصالح التي تهم جميع أصناف التعليم ،ويبدي رأيه في جميع املسائل ذات املصلحة الوطنية الراجعة للتعليم أو التربية أية كانت الوزارة تهمها “ (ص 5من كتاب” رجل التعليم” /ميسوم صبيح /ط / 1963 - 1 نشر دار السلمي ) . وحاولت مناظرة املعمورة ( أبريل ) 1964االتفاق بشأن وضع توصيات حول حدود األسالك التعليمية وهيـكلتها وطبيعتها ،وتعريب موادها الدراسية ،إال أن املناظرة انفضت عن اجلمع بسبب ما عرفته من مشـادات كالمية بني الوزارة والنـقـابات واألحزاب ،ولـم تتوصل
ملف إلى إقرار تطبيقها؛ لقـلـة األطـر التربوية الالزمة ،وبسبب ارتفـاع نسب التمـدرس ( % 55قيـاسا إلى ما سبق ) . ومتت العودة إلى االزدواجية في لغة التدريس بالتعليم االبتدائي سنة 1966؛ إال أن احملاولة /النكسة مت خاللها التراجع مرة أخرى عن التعريب سنة . 1967 عجزت الدولة على حتقيق مضامني “ املبادئ األربعة “؛ فعلى مستوى “ التوحيد “ لم تستطع وزارة التربية الوطنية حتقيقه؛ أورد د .محمد عابد اجلابري /ص 73 في كتابه “ أضواء على مشكل التعليم “ ما يلي “ :لقد كان املقصود من توحيد التعليم -وما يزال -هو إنشاء “ مدرسة وطنية مغربية “ ،مدرسة واحدة تذوب فيها مختلف أنواع التعليم التي تواجدت خالل عهد احلماية، وتعكس في آن واحد إرادة االحتفاظ باملاضي ( املقومات احلضارية العربية واإلسالمية ) والتطلع إلى املستقبل ( تلبية حاجيات التنمية من األطر املختصة واالنفتاح على ثقافة العصر .إن “ املدرسة الوطنية املغربية “ وفقا لهذا التصور ال ميكن أن تكون إال معربة “ . أما على مستوى “ التعريب “ فقد متت اإلشارة إلى أهم اخلالصات حول هذا املوضوع في ما ورد الفقرات السالفة . وبالنسبة ملبـــدإ “ املغربــة “ أشار د .محمد عابد اجلابري /ص 64و 65في كتابه “ أضــواء على مشكل التعليم “ إلى أن وزارة التعـليم ( عمدت إلى توظيف كل
من “ يحسن “ القراءة والكتابة بالعربية والفرنسية، صغارا كانوا أو كبارا ،عاطلني كانوا أو محترفني ملختلف املهن احلرة .لقد كان كل من يحمل الشهادة االبتدائية، أو يأنس من نفسه أنه في مستواها يلتحق كـ “ معلم “ في املدارس احلكومية .وقد أحدثت دورات تكوينية لهؤالء قصد تزويدهم بشيء من من املعلومات العامة و” األساليب البيداغوجية “ في إطار ما كان يسمى بـ “ التكوين السريع “ ) . وظل “ التعميم “ بعيد املنال ،ويكفي إيراد ما قدمه وزير التربية الوطنية د .محمد بنهيمة في خطاب يوم 6أبريل “ 1966مذهبا جديدا “ ( أنظروا كتاب “ اإلصالح التعليمي باملغرب “ / 1994 – 1956املكي املروني منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط /سلسلة بحوث ودراسات رقم 17للمزيد من التوضيح ) ؛ وما أورده د. محمد عابد اجلابري /ص 99في كتابه “ أضواء على مشكل التعليم “ بالقول ( :لقد اتضح آنذاك أن الدولة لم تعد تستطيع متابعة “ تعميم “ التعليم بنفس الوتائر السابقة .وهكذا وقع اإلحلاح باخلصوص على استحالة تعميم التعليم ألن ذلك “ سيتطلب ميزانية لن تلبث أن
تصبح معادلة لضعفي الدخل القومي اإلجمالي “ ؟ ... والتصريح بأن “ الثقافة العليا حلية للفكر وال موجب لنشرها في الوقت الراهن “ ). وإجماال ميكن القول بأن ( ما سمي فيما بعد بـ “ االختيارات “ األساسية لـ “ سياستنا “ التعليمية، واملعبر عنها بـ “ املبادئ األربعة “ :التعميم ،التوحيد، التعريب ،مغربة األطر ،هي في احلقيقة “ اختيارات “ فرضها الواقع قبل أن تقرر بكيفية رسمية ) من كتاب د. محمد عابد اجلابري “ أضواء على مشكل التعليم “ ص. 65و . 66 كما عرفت املخططات اخلماسية ( ) 1977 – 1968 تراجعت خاللها “ مناظـــرة إيـفــــران األولــى ( “ 1970 بدأت في إيفـران ،وواصلت أشغالها في مقر الوزارة بباب الرواح بعد انسحاب مجموعة من املشاركني منهم رئيس االحتاد الوطني لطلبة املغرب السيد محمد اخلصاصي؛ وبقاء السيد محمد الـوفــا الذي كان رئيس االحتاد العام لطلبة املغرب في الفترة ما بني 1969و ) 1972 عن بعض القرارات؛ من بينها تعريب احلساب تعريب احلساب في التعليم االبتدائي ،ودعت إلى إقرار تعريب تدريس التاريخ واجلغرافيا (ما بني سنة 1970إلى ،) 1976وإقرار تعريب تدريس الفلسفة ( 1973 – 1970 ) بعد صدور بيان لبعض املثقفني باملغرب .وتلت تلك املخططات توترات أهمها ما سمي “ السنوات البيضاء “ ،والتراجع عن تعميم التعليم بالوسط القروي .مما دفع وزير التربية الوطنية سنة 1977إلى اإلقرار بأن االزدواجية في تدريس املواد سبب انخفاض املردودية التعليمية .وتدخل املرحوم جاللة امللك احلسن الثاني سنة 1978لإلبقاء على االزدواجية في تدريس املواد الدراسية . مت تكوين “ اللجنة الوطنية إلصالح التعليم “ عقب األيام الدراسية للتربية الوطنية ( إيفران ،) 1981إال أن مشروع إصالح التعليم لم ير النور نظرا ،كذلك، للخالفات احلادة التي طبعت أعمال األيام الدراسية .وعـرفـت الفترة؛ من جهة أخرى؛ إحداث األكادمييات ( ) 1987في شكلها السابق ( أنظروا املرسوم احملدث لألكادمييات سنة . ) 1987 وما ميز فترة الثمانينيات والتسعينيات تعريب تدريس املواد العلمية في االبتدائي واإلعدادي والثانوي ( االنطالق مرة أخرى سنة 1980في تعريب املواد العلمية بالتعليم االبتدائي ومغربة أطرها؛ الذي توقف تعريبها عند مستوى البكالوريا إلى حدود سنة ،1990واإلبقاء على عدم تعريب التعليم العالي . ولإلشارة فإن هذه اللجنة الوطنية التي شكلت سنة 1994مت تكوينها من أعضاء مجلس النواب ،وممثلي اإلدارات التعليمية ،والفعاليات االجتماعية واالقتصادية والنقابية ... ،و» نظمت سلسلة من اجللسات خالل الفترة املمتدة من 5ماي 1995إلى 9يونيو ،1995واستطاعت إجناز تقرير مفصل في 25يونيو 1995يعرف بوثيقة املبادئ األساسية ،والتي حاولت مالمسة مكمن اخللل في نظامنا التعليمي ،وحاولت طرح بعض احللول املمكنة لتجاوز هذه الوضعية « ...على» اعتبار قضية التعليم ذات طابع استراتيجي ووطني ،وربطت اإلصالح باملؤسسة ال باألفراد .حيث «يكتسي موضوع التربية والتعليم في عصرنا احلاضر أهمية استراتيجية بل ومصيرية في تاريخ الشعوب والدول ،وهو يعتبر قضية وطنية تهم اجلميع مما يحتم احلوار والتوافق عليها من خالل مؤسسات قارة ودستورية وقانونية» (،كما هو وارد في وثيقة املبادئ األساسية) « ،التي دعت إلى ما يلي :ترسيخ القيم الروحية لإلسالم /تعميم التعليم /
العدد 84يونيو 2020
إقرار إلزامية التعليم للفئة العمرية 6-16سنة /اعتبار املجانية نتيجة حتمية ألوضاع األسر املغربية /اعتبار اللغة العربية محورا أساسيا للتعليم /ضرورة محو األمية /توحيد التعليم وتعريب املجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية ...في غشت مت رفض نتائج اللجنة وبالتالي إقبارها ...على إثر صدور تقرير البنك الدولي حول األوضاع باملغرب ودعوته إلى مراجعة مبدإ املجانية [ ». 1997نقل عن مقالة « التعليم من سياسة التعريب إلى سياسة التغريب « جريدة النهار املغربية نشر يوم 18يناير . ] 2012 و تال ذلك اهتمام حكومة التناوب في أواخر التسعينيات من القرن املاضي تعميم التعليم ،وخفض سن القبول في التعليم االبتدائي من 7سنوات إلى 6سنوات . حاول امليثاق الوطني للتربية والتكوين إعــداد مشروع تربوي متكامل متوافق عليه إلصالح نظام التربية والتكوين ،وإرساء مدرسة مغربية .ومت بذل مجهودات لتفعيل املشروع وأجرأة دعاماته ،واستدراك ما تراكم من عثرات وثغرات وتأخير خالل العقود املاضية . وأكد املجلس األعلى للتعليم في توصياته األخيرة التمسك بإقرار اإلصالح ،واستدراك ما عرفه من نقص حول بلورة رؤية شمولية ملجموعة من العناصر األساس ألجرأة مختلف العمليات ضمن البرنامج االستعجالي ( ،) 2012 / 2009وهمت مشاريع البرنامج توفير املدد املالي لإلصالح البيداغوجي،وحتفيز املوارد البشرية، وحتسني التدبير اإلداري واملادي ،وتطوير مؤشرات التمدرس ،التوجيه واالستشارة ،وخلق دينامية للتواصل بني املدرسة واألسرة . وبقراءة بسيطة للبرنامج احلكومي ( يناير ) 2012 يتبني أن أهم ما ورد فيه هو إعادة تركيز احلديث عن االهتمام بالتعليم والتكوين األساس واملستمر ،بالصيغ نفسها الواردة في البرنامج االستعجالي ،وجعل املؤسسة التعليمية في صلب االهتمام بالنظام التربوي، واالرتقاء مبهام املدرسة الوطنية وأدوارها؛ حملاولة إعادة الثقة في املدرسة املغربية .مع اإلشارة إلى أن البرنامج احلكومي في ص 64و 65نص على أن احلكومة ستعمل على « منح املؤسسة التعليمية سلطة فعلية في القرار، واستقاللية فاعلة في التدبير ،وستوفر لها الوسائل الضرورية واملؤهالت املناسبة لالضطالع مبهامها وأدوارها التربوية ،مما سيجعل األطر التربوية واإلدارية للمؤسسات منخرطة ومعبأة ومسؤولة اجتاه النتائج احملصل عليها . ومن أجل بلوغ هذا املبتغى قام هذا اإلصالح على خمسة مبادئ في إطار الالمركزية التربوية : . 1االستقاللية في التدبير وهو عامل أساس للتعزيز الفعلي للقدرة على اتخاذ املبادرات والقرارات املتصلة بامليادين التربوية واملالية واإلدارية مع التنزيل املتدرج لذلك . . 2التقييم املنتظم ملنتوج وأداء املؤسسات التعليمية ملواكبة مبدأ الالمركزية وربط املسؤولية باحملاسبة مبا يسمح بقياس النتائج واإلجنازات ،ويساعد على قيادة النظام التربوي . . 3االنفتاح املؤسساتي مبا ميكن املؤسسة التعليمية من تقوية عالقاتها مع محيطها التربوي واإلداري واملجتمعي . . 4دعم القدرات التدبيرية للمؤسسة ،بالنظر لألدوار املتعددة املسندة إلدارتها؛ . 5وضع كل مؤسسة لبرنامج تربوي ألجرأة األهداف الوطنية ومراعاة اخلصوصيات احمللية ،ويسهم في إحداث دينامية جديدة لالرتقاء بجودة التعليم؛ . 6التصدي بحزم لظواهر مشينة انتشرت داخل املؤسسات ومحيطها كالعنف وتناول املخدرات والتحرش اجلنسي ( ».أنظروا ص 63 .وما بعدها من البرنامج احلكومي يناير . ) 2012 إال أن املالحظة املسجلة؛ أوال؛ هي أن ما اعتبره تقرير البرنامج احلكومي مبادئ في إطار الالمركزية التربوية
ملف ( ستة مبادئ عـددا ،وخمسة مبــادئ تقدميا لفظا في التصدير لهذه الفقرة ) ال ميكن اعتبار املبادئ التي يقــوم عليـها اإلصـــــــالح ( االستقاللية /التقييم املنتظر ملنتـوج وأداء املؤسسات /االنفتاح املؤسساتي /دعم القدرات التدبيـرية /وضع كل مؤسسة لبرنامج ألجـرأة األهداف الوطنية /التصدي بحزم لظواهر مشينة ) مبادئ باملفهوم القيمي؛ ألن صياغتها أوردت ما ميكن اعتباره مستجدا لإلصالح ،في حني ليس إال إعادة إلنتاج صيغ ملا ورد في مشاريع البرنامج االستعجالي ( الذي انتهي مع السنة . ) 2012وما يرتبط؛ مبالحظة أخرى؛ أن كل ما كنا نخاف منه قد حصل ،وقد يتمدد االستعجال املطلوب للعالج من املرض الذي يصيب النظام التربوي بعد إصابته بنكسة تصعب معها فعالية العالج ،إذا متكنت « فيروسات املرض « منه ،واستفحلت ما يستدعيه األمر معها بتر األجزاء املصابة ،وقد عجزت بعض النوايا الصادقة في إقرار اإلصالح املطلوب للمدرسة املغربية، وخلفت امليعاد مرة أخرى مع» اإلصالح املنشود « . و ورد في وثيقة « الرؤية االستراتيجية لإلصالح 2015 – / 2030الفصل الرابع :من أجل ريادة ناجعة وتدبير جديد للتغيير( ص 65وما بعدها ) – الرافعة الثانية والعشرون :تعبئة مجتمعية مستدامة « ما يلي : « . 112يتم إعـــالن 2030 – 2015مدى زمنيا للتعبئة الوطنية من أجل جتديد املدرسة املغربية ،وحتسني جودتها ومردوديتها ،ومن ثم جعلها حتظى بعناية قصوى كأسبقية وطنية ،من أجـــل الدولة واجلماعات الترابية ،ومؤسسات التربية والتكوين والبحث، واملنظمات النقابية ،والقطاع اخلاص واألسر واملجتمع املدني ،واملثقفني والفعاليات الفنية ،واإلعالم . غير أن هذه التعبئة ال ميكن أن تبقى مجرد خطاب عام، وإمنا يتعني أن تصبح نسقا منظما ،ببعد التقائي يرسخ مسؤولية الفاعلني املباشرين في املدرسة ،ومحيطها وشركائها ،ويؤمن متلكهم ألهداف اإلصالح وانخراطهم في تطبيقه وتتبعه ،مما سيمكن من توسيع قنوات التعبئة ،التي من املفروض أن توفرها املدرسة املغربية، السيما مشروع املؤسسة الذي بات من الالزم توسيعه، مفهوما ،ومنهجا ،وممارسة ،إلى أقصى حد ميكن من استيعاب ضرورات اإلصالح ومتطلباته ...« .
خـــالصـة عــامــــة :
لقد سجل أغلب املهتمني بالشأن التربوي؛ بكيفية عامة؛ أن أغلب الدراسات التربوية املنجزة في املغرب ذات طابع نظري منقول عن بعض األنظمة التربوية في الدول الغربية ،ألن املنقول « دبلجة « لصيغة إلى لغة التعبير باملنطق املغربي ،وال تنطلق احلاجة إلى إصالح الشأن التربوي من الدراسات امليدانية ذات الطابع املغربي املميز لهويتها ،لتجاوز ما تشكوه املنظومة التربوية في املغرب من اختالالت وسلبيات؛ كما هو الشأن في العديد من األنظمة الشبيهة بها . و ميكن إجمال املالحظات العامة في ما يلي : > أهم خالصة أن مسار التعليم باملغرب كان يعمل منذ االستقالل؛ عن قصد أو دون قصد؛ مبنطق « اإلقصاء « من مدخلني اثنني :اللغة ،أو االمتحان ،أو هما معا، نظرا لتنافس اللغات في تدريس املواد العلمية يتجاذبها منطق « اإلقصاء « بحمولته االجتماعية ،ويتحكم في « التنافس اإلقصائي « معيار االنتقال من مستوى إلى آخر، ومن سلك إلى سلك أعلى في عالقته مع معدالت النجاح في املراحل اإلشهادية ( نهاية التعليم االبتدائي /نهاية السلك اإلعدادي /وشهادة البكالوريا ) ،مما ال يتحقق معه مطلب اإلنصاف املستهدف في النظام التربوي باملغرب؛ > عدم قدرة املقررات والكتب املدرسية على التخلص من طول البرامج ،وتعدد املواد التعليمية ،وتكرار املعارف بني املستويات الدراسية؛ > عدم وجود متاسك مفصلي بني املواد املتكاملة مبا يسمح بتمرير املعارف والعلوم واملهارات وامتالك الكفايات املستهدفة بكيفية متناسقة مع سير املقررات
والبرامج وبناء كتبها املدرسية؛ > ضعف امتالك اللغة العربية والفرنسية على السواء مبا يجعل املتعلم قادرا على اكتساب الكفايات التواصلية الكتابية والشفهية لهذه اللغات بيسر المتالك املعرفة واملهارات في املواد األدبية والعلمية ،وعلى السواء؛ والظاهر أن تعريب تدريس املواد العلمية في التعليم الثانوي اإلعدادي والثانوي التأهيلي أجهز على امتالك اللغتني العربية والفرنسية ،مما خلق هوة تواصل بينهما وبني التعليم العالي؛ من جهة؛ وبينهما واحلياة االقتصادية وغيرها؛ من جهة أخرى؛ > غياب اعتماد التجريب العلمي في املواد العلمية ( علوم احلياة واألرض /الفيزياء والكيمياء ،)...غلب اجلانب النظري في تدريسها ،لقلة أطر الدعم التربوي ( احملضرون ) ،واالكتظاظ ،وقلة أدوات املختبرات ،وعدم توفرها بالقدر املنسجم مع تطورات وتنامي املقررات الدراسية وتنوعها ؛ > تقليص احلصص الدراسية في بعض املواد الدراسية؛ كما هو الشأن في مواد اللغة العربية والفرنسة في التعليم الثانوي اإلعدادي والتأهيلي .أو إضافة مستويات دراسية في التعليم االبتدائي ( 6سنوات بدل 5سنوات في التعليم االبتدائي على حساب اخلصاص من املوارد البشرية لتغطية احلاجات إلى تعليم كاف لتصريف الكفايات املستهدفة في البرامج واملقررات الدراسية .أو إثبات مواد دراسية في التعليم الثانوي التأهيلي ( الكتاب األبيض /احلصص الدراسية املقررة في التعليم الثانوي التأهيلي ) لم تتوفر لها األساتذة املؤهلني لتدريسها من مثل مادة التوثيق والثقافة ... > ضعف التكوين األساس واملستمر لألطر التربوية واإلدارية والتقنية ملواكبة املستجدات التخصصية وفق احلاجات واألولويات امللحة لتحقيق احلكامة اجليدة للتدبير اإلداري والتربوي املطلوبني في هذا القطاع، وبدا وكأن التكوينات قدمت املستجدات التربوية بكيفية مبتسرة ،أو محنطة ،ألنها ابتعدت عن حاجات الفئات املستهدفة؛ > لم تستطع أساليب التقومي قياس درجة حصول التعلمات لدى مجموعة من التالميذ؛ وبالتالي العجز في التمييز بني الفروق الفردية بني املتمدرسني مبا يسمح بإجناز الدعم الفعال الهادف واملصاحبة الشخصية، واملشروع الذاتي للتلميذ (ة) إلى تدارك الثغرات الفردية، وإصالح اخللل ،وحتقيق التميز الدراسي؛ > قلة وضوح مالمح التوجيه لدى العديد من التالميذ إلى الشعب واالختيارات املالئمة ملخرجات التعلم ،املوافقة ملتطلبات علم املعرفة والبحث العلمي للمساهمة في بناء تنمية رأس مال املوارد البشرية القادرة على امتالك آفاق املستقبل ،وازدهار شعوبها. > ظهور ممارسات سلبية أثرت في مسار متدرس بعض التلميذات والتالميذ في بحثهم عن النجاح بأساليب غير تربوية ،كما أثرت هذه املمارسات السلبية على العالقات التفاعلية بني التلميذ(ة) واألستاذ(ة)؛ وما ترتب عن ذلك من البحث عن النجاح من قبل ِهؤالء « املنحرفني تربويا « بااللتجاء إلى « أساليب دنيئة «؛ > التخلي التدريجي لآلباء واألمهات عن مسؤولياتهم في تربية أبنائهم وتتبع مسارهم الدراسي ،وحتميل املسؤولية للمدرسة ،أو العكس ،وتفتقد معه املصاحلة مع املدرسة املغربية للقيام بأدوارها التربوية األساس؛ وهو ما يستدعي من املسؤولني عن الشأن التربوي إجناز اإلصالح التربوي بكيفية ممنهجة وفق مشروع وطني متماسك ،ومتكامل ،إلقرار التنمية البشرية املستدامة ،سعيا إلى سلك أجنع السبل لتحقيق النماء االجتماعي ،بإشراك كل املعنيني في بناء الوطن اآلن وفي املستقبل ،وبالتالي سعيا إلى حتصني البناء الدميقراطي والسياسي باعتباره مدخال أساسيا لتقوية املجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية وحتقيق مصاحلة املجتمعات مع الذات واجلماعات .
*باحث تربوي
العدد 84يونيو 2020
ملف
إمكانية التعلم ما بعد السياق املدرسي رهينة بظروف إمناء كفاية التعلم الذاتي.
ذ .أحمد البوعزاوي*
راهنية هذا املوضوع قد ال جندها من منظورنافي حتديد دالالت “التعلم الذاتي” باعتباره مقاربة نوعية أساسية ينبغي أن يفسح لها املجال بشكل أكبر ملا لها من أثر على التحصيل الدراسي بشكل عام؛ أو حتى من باب اخلوض في تبيان الغرض من تسخير “مشروع الوحدة الديداكتيكية” ،باملرحلة االبتدائية حتديدا،كنشاط ينمي لدى املتعلمات واملتعلمني القدرة على تعلم التعلم،بقدر ما نود أن نعود لقراءة في موضوع االستمرارية البيداغوجية عبر آلية التعلم عن بعد ،والتي جاءت عقب قرار اإلعالن عن تعليق الدراسة بالعديد من البلدان بالعالم.
بعد أن علق التعليم الفصلي احلضوري الذي يكتمل عادة بتواجد مكوناته األساس؛ أال وهي لزوم التزامن احلضوري لكل من األستاذ واملتعلم بالفصل مقابل “املعرفة” ومختلف أشكال حتصيلها بناء على ما يتم اللجوء إليه من طرائق مختلفة وأساليب بيداغوجية للتدريس. ليخوض املتعلم (ة) بعدها مباشرة شكال آخر من أشكال التحصيل الدراسي لم يسبق له ان اعتاد عليه، مما سيضعه أمام وضعيات تقتضي منه التفاعل والتجاوب في غياب حضور توجيهي فعلي ومباشر لألستاذ كسابق عهده به .فإذا ما اعتبرنا فيما سبق أن مقاربة إرساء املضامني عمدت إلى إكسابه املعلومات واملعارف املطلوب استرجاعها الحقا، فقد ال تسعفه في العمل علىاالكتساب الذاتي والذي لم يكن له بد منه حاليا. فإلى أي حد سيكونبإمكاننا التطلع لفرضية إقداره على التحول من التعلم إلى منطق القدرة على التعلممن خالل مشاركته فيإجنازاملشروع املبرمج باملجال الديداكتيكي املدروس باعتباره مساحة تسمح للمتعلم باستثمار وتوظيف العديد من املكتسبات فرديا مهما سامه األمر ،لكونه سيكون مطالبا بضم عمله ملنتوج املجموعة. غير أن منهجيات تنزيل املشروعمن املفروض أن تختلفكييخرج تدبير حصصه عن منطية الدروس االعتيادية ويتجاوزها إلى إنتاج متمركز على البحث والتعاون التشاركي داخل جماعة الفصل الدراسي،على أساس أنيستكمل بعدها بامتدادات تتباين بحسب الفروقات الفردية للمتعلمني وميوالتهم، اهتماماتهم وكذا تفريدهالتصير املمكن ومن مشروعابيداغوجياخاصا .يبدو األمر شبيها متاما مبا سبق ودعا له جون ديويJohn Deweyالذي اعتبر أن املعارف ينبغي لها أن تتوطن بتجارب وخبرات املتعلمني وتتمظهر بالتالي
في تصرفاتهم ،مستحضرا حينذاك تداخل كل من البعد اجليني ،البعد الوظيفي والبعد االجتماعي. فبالكاد ،وبعد تعليق الدراسة ،ساد هاجس ضمان استدامة االتصال البيداغوجي بني املتعلم واملدرسة؛ وهو األمر الذي قد يتعذر على الكثيرين نظرا لظروف مرتبطة بتوافر وسائل االتصال من أجهزة رقمية وكذا حصول للربط بالشبكة املعلوماتية ،مبا من شأنه أن ينعكس على حتقق تكافؤ الفرص أمام اجلميع وبالتالي يسهم في تعميق فارق التحصيل الدراسي لديهم،والذي سينضاف بدوره إلى عوامل الفوارق االجتماعيةالتي لطاملا ساهمت بال شك في تطعيم تناميه ،ليس على مستوى ما يعوز األسر من باب اإلمكانيات فحسب ،بل أيضا من حيث ضرورة التواجد أو االنخراط على اعتبار األدوار املوكولة لألسر واألولياء .فكل ما بدل من مجهودات من قبل أطر التدريس باملرحلة االبتدائية حتديدا على مستوى إنتاج املقاطع والدروس الرقمية من أجل تقدميها عن بعد؛ بات متوقفا على املصاحبة الفعلية لألولياء والقدرة على التعلم الذاتي التي من الالزم أن يظهرها املتعلم من جهته .واحلال أن املمارسة الصفية لم تكن مهيأة وقادرة رمبا على حتقيق التكافؤحتى في ظل تعليم حضوري جماعي منطي ،باعتبارهغالبا محطة متراوحة بني تلقي املضامني والدروس وبينجاهزية استرجاعها الحقا حلظة كل تقومي ،دون مالمسة معاني التعلم الذاتي ،بحيث نرى أننا الزلنا في حاجة ماسة ملزيد من إعطاء معنى للتعلمات بشكل عام. < ”التعلم الذاتي”والذي أصبح ضرورة بسبب حتوالت إمكانيات حصول وحتقق املعارف التي لم تعد حكرا على املضامني الورقية والكتب املدرسية ،بل تعدتها إلى املوارد الرقمية التي أتاحتها ثورة املعلومات بغاية متكني املتعلم من “حتسني
أدائه وتفعيل مشاركته” .وهو السياق الذي رمبا سبق ودفع فيليب ميريو Philipe Meirieuللحديث عن معنى آخر للبيداغوجيا بعيدا عن مجموع خطاطات الدروس والتي سيكون متأت لنا ،بعد إعدادها ذهنيا وماديا ،تصريف مضامينها وجعلها رهن إشارة املتعلمات واملتعلمني .بل سيتجاوز ذلك إلى ضرورة متكينهم من القدرة على التفاعل فيما بينهم وكذا االستحضار األمثل واالستعانة الفضلى بتوجيهات مدرسيهم بشكل يساعدهم تدريجيا على حتقيق االستقاللية. وفي هذه احلالة ،نتساءل أكانسيتأتى للمتعلم حتويل كل ما تلقاه حضوريا من معارف ومضامني وبالتالي مواجهته ذاتياملهمات مركبة تترجم حينها استقالليته وتعزز مكانة وظيفية تعلماته؛ إذ ذاك سيكون بإمكانه أن يصل لتحقيقهخارج السياقات املدرسية ،فليس كل تطبيق أومترين بدال على بلوغ الكفاية. فمن هنا تتضح ضرورة العمل بصيغة املشاريع ،ليس باعتبارها مرادفات للمجالت التي ما فتئت تنقل للمتعلم موارد كمية قد ال يجد لها جاهدا صيغة جتميعها ككفاية .كما ينبغي عدم حصر “مشروع املجال” في خانة أنشطة الكتابة ،لينضاف ملكونات املادة وتشمله تدريسيتها دون جتاوزها لتوليف متعدد تفرضه وضعيات مركبة دالة وسياقات تواصلية واجتماعية. فالرهان اليوم على البيداغوجيا أصبح من باب ضرورة متكني الفهم مرورا بالتفاعل إلى القدرة على الفعل والتصرف وذلك مالم نكف عن اعتباره أساسيا لكون فعل التعلم أصبحا رهينا اليوم بامتالك العديد من املهارات والقدرات التي ستكون مبثابة استجابات تفاعلية على رأسها القدرة على الفهم واالستثمار والتحليل في سياق تنمية املعارف سواء كانت مكتسبة أو في طور
االكتساب من أجل بلورتها في سياقات املشاريع املتنوعة املنتقاة داخل املجال التعلمي لتكون مدخال لتعلم التعلم ودافعا ملواصلته في سياق أنشطة ما بعد املدرسة. < “منطق القدرة على التعلم” أو “تعلم التعلم” نراه أيضا في العمل على متكني املتعلم من الفهم والقول والفعل بإعمال القدرة على التفاعل والتعاون واملشاركة في سياق “املشروع” الذي سيضمن وظيفية مكتسبات راكمها كل فرد أثناء مسار تعلمه .هذا الواقع كما سبق وأشار إليه األستاذ “عبد الرحيم الهروشي” والذي اعتبر أن نهاية مسار التعلم تتحققبتوظيف حقيقي للمكتسبات املعرفية إلى جانب التمكن من إظهار القدرات واملواقف. < “مشروع الوحدة” وفق وثيقة مستجدات املنهاج الدراسي للسنوات األولى والثانية والثالثة والرابعة من السلك االبتدائي التي وردت شهر ماي 2019عن مديرية املناهج ،معتبرة إياه مبثابة اختيار حاضن ملجموعة من املهمات ذات صلة مبحيط املتعلم ومنفتحة على واقعه على أساس أن تتضح له غاية التعلمات ،فقد حتدثت الوثيقة عن عدد من األفعال اإلجرائية “كالقول والفعل والتصرف” ناهيك عن قدرة املتعلم على التعاون واتخاد القرار مبرزا بذلك كفاياته التواصلية واالجتماعية. جتربة التعلم عن بعد قد تدعو ملزيد اهتمامبالتعلم الذاتي كشكل من أشكال التحصيل التي على املتعلم أن يخوضها باستقاللية عبر التعلم االلكتروني والتكنولوجي ،التعلم باالستقصاء واالستكشاف أوكذلك عبر اعتماد أسلوب حل املشكالت... ليتمدد زمن التعلم ليس في صيغة إجناز واجبات مدرسية فحسب بل بهدف إمناء كفايات ممتدة. * مفتش تربوي
10
العدد 84يونيو 2020
ملف
املدرسة وصناعة املتعلم «ة» ..نحو رؤية مستقبلية
امحمد عليلوش*
إذا كانت صناعة املدرسة بشكل عام ،عمال ذكيا بامتياز وحدثا تاريخيا ال ميكن نسيانه ،فان الرهان على هذه املؤسسة في ضمان استمرارية املجتمعات البشرية يبقى في الوقت الراهن ،وفي ظل العوملة والتقدم السريع وفي عصر الثورة الرقمية وسيطرة الشاشة والصورة ،أمرا مهما جدا وبالتالي ضرورة التفكير في كيفية استمرار الوظيفة األساسية لهذه املؤسسة بشكل يضمن للمجتمعات اإلنسانية االستمرارية في تنشئة أفرادها وتكوينهم وفق حاجات احلياة اليومية.
ان املجتمع الذي ال يراهن على املدرسة كمؤسسة ضامنة لبقائه وتطويرهوجتديده برعاية ناشئته وتوريثها املعارف وأمناط احلياة ،فانه باألساس سيواجه بالفعل أزمات في شتى املجاالت من بينها التباين في مستوى مؤسساته وبني أفراده من حيث الكفايات بشتى أنواعها وبالتالي عدم االنسجام االجتماعي وغياب التفكير املنطقي الواحد ملستقبل هذا املجتمع ....مما سيسهل األمر لكل التيارات االديولوجية والسياسية واالستعمارية األجنبية لغرض التحكم والسيطرة على مستقبل مثل هذه املجتمعات ،فكل املشاكل والظواهر املجتمعية التي تعاني منها الدول اليوم لها صلة مباشرة مبستوى املدرسة وبدورها في إعداد األفراد ،وكذا بدور االسرة وعالقتها بالتنشئة االجتماعية... و أمام هذا الدور االستراتيجي للمدرسة بشكل عام فإننا اليوم ،كفاعلني تربويني وكممارسني ومتتبعني ملجريات التعليم ،نطرح مجموعة من األسئلة اجلوهرية والتي تشكل محاور احلديث اليومي لكل متتبع للشأن التربوي والتعليمي في دول العالم الثالث أفرادا وجماعات مؤسسات وإدارات وهي :ما هي مكانة املدرسة اليوم؟ وملاذا تراجع دورها في التعليم والتعلم ؟وما هي االسباب احلقيقية لفشل التعليم في صناعة االفراد؟ أليس من الالزم التفكير في حل إلنقاذها من التدهور الذي أصبحت تعاني منه وبالتالي إنقاذ املجتمع ومستقبله برمته؟ إنها فعال أسئلة محيرة وتبقى واقعية ومشروعة نظرا ملا تعكسه من حقيقة مرة للواقع وملكانة املدرسة ،هذه األخيرة التي حتتاج إلى حلول واقعية وجذرية تعتمد على التعبئة الوطنية و املشاركة اجلماعية ملختلف الفاعلني على جميع املستويات والطبقات.كيف ذلك؟
أوال :دور املدرسة في صناعة املتعلم.
للمدرسة دور كبير في اعداد وتكوين الطفل وتربيته ،ويزداد هذا الدور أهمية في املجتمعات الثالثية ،إذ أن املهمة التي ُتلقى على عاتق املدرسة تكون أشد حيوية ،فهي مؤسسة نظامية تستطيع أن تسد العجز في استقالة وتراجع دور بعض املؤسسات التقليدية التي كانت تساهم في صناعة الطفل منها االسرة التي أصبحت تعاني اليوممن ظالل املعرفة احملدودة لديها في عصر تدفق املعلومات ،أو في ضحالة ما تقدمه للطفل من معرفة وثقافة ،نتيجة انشغالها عنه ألسباب عدة ،ومن هنا يتضاعف الدور الذي ُيلقى على عاتق املدرسة ،إذ عليها أن تسد هذا العجز مبا تقدمه من معارف وخبرات منوعة ومنظمة، كل ذلك يكون وفق فلسفة محدودة تتمشى مع فلسفة الدولة وأهدافها ،ومع متطلبات العصر احلديث ،وأن تلبي املناهج الدراسية حاجات الطفل املعرفية والثقافية. وتكمن أهمية املدرسة أيض ًا في كونها
احللقة الوسط بني الطفولة املبكرة التي يقضيها الطفل في منزله ،وبني مرحلة اكتمال منوه التي يتهيأ فيها الطفل للقيام بدوره داخل املجتمع، ولهذا يجب أن يكون هناك اتصال وثيق بني احللقات الثالث املنزل واملدرسة و الشارع .وال يقتصر دور املدرسة على التلقني النظري فقط ،وإمنا ينبغي أن تتكامل املعرفة واالنفعال واملمارسة ،ألن االقتصار على اجلانب النظري يؤدي في كثير من األحيان إلى االنفصام ما بني القول والعمل أو تسبب له قصور تربوي في مستقبل حياته فأصبح من الضروري اآلن حق الطفل في تربية تناسب عصره وثقافة تؤهله للعيش والتعايش مع مستوى العالم اجلديد الذي أصبح قرية صغيرة . ولكي تؤدي املدرسة دورها املنوط بها على الوجه األكمل ،البد أن تتوافر لها أركان أساسية ،تلك التي تتمثل في املربي(املدرس املوسوعة) ،واملادة املقدمة للطفل (املادة املستقبلية) ،وطرق توصيلها له (الطرق اإلبداعية واملتجددة) ،وأمناط السلوك املتوافرة في البيئة املدرسية ،ومتابعة ومواجهة مشكالت التالميذ ،والتعليم املوازي .هذا في الوقت الذي يجب التفكير في كون صناعة املتعلم يحتاج الى فهم نوع الصناعة التي تقدمها املدرسة اليوم وفي املستقبل وأن نحدد بالضبط مختلف التحوالت((les transformationsو التعديالت( )les changementsالتي يجب احداثها في املادة األولية(املتعلم) وبالتالي التفكير في مواصفات (التخرج) املنتوج النهائي مع استحضار متطلبات الزبون والسوق وبالتالي العمل على توفير جميع الظروف األساسية في معمل اإلنتاج (املدرسة)...دون أن ننسى أن هذه الصناعة التي تبدو استثنائية وال يتطابق عليها ما وصل اليه علم االقتصاد و السوق، لكونها حتتاج الى دراية و علوم إنسانية تأخذ بعني االعتبار خصوصيات شخصية املتعلم االنسان التي هي شخصية معقدة و حتتاج الى معرفة دقيقة ملكوناتها النفسية والوجدانية و احلسركية والفيزيولوجية والعاطفية وكذا االجتماعية...كما أن ضرورة استحضار عالقة التنظيم اخلارجي والداخلي لبناء وصناعة هذا املتعلم يحتاج الى ربط وضبط هذه العالقة. لكن الغريب في هذه املعادلة التي تبدو بلغة االقتصاد سهلة فهي معقدة جدا وما يزيد هذا التعقيد هو أن كل املتدخلني في هذه الصناعة أي صناعة املتعلم هم عبارة عن منتوجات سابقة بسبب صناعات متعددة ووفق ظروف معينة كما أن هذه املادة األولية هي ليست بنفس املوصفات (الدخول) مثل معدن واحد أو منتوج فالحي واحد ويكفي فقط أن مير عبر سلسلة إنتاجية فنحصل على منتوج واحد و بنفس املخرجات .زد على ذلك كله أن مستويات املناهج الدراسية املعتمدة في صناعة أطفال العالم متر عبر مستويات مختلفة ومتعددة ومتباينة من
املناهج اخلفية( )curriculum cachéالتي يحددها أصحاب القرار النهائي في تسيير كوكب األرض الى املناهج املصرحة((curriculum déclaréبها للشعوب عبر الوثائق الرسمية والتي تشكل السياسة التعليمية والتربوية للكل بلد ،ثم املناهج املطبقة(curriculum app (pliquéوالتي يتم تطبيقها داخل الفصول الدراسية باملدرسة من طرف املعلمني واألساتذة، الى املناهج املكتسبة()curriculum acquis من طرف املتعلمني واملتعلمات ،ثم أخيرا املناهج املمارسة أي التي تصبح سلوكات وتصرفات عند املتعلمني في حياتهم اليومية والتي ميارسونها بشكل فعلي والتي تتحول الى تربية .فعبر هذه املسارات واملستويات التي متر فيها صناعة املتعلم ميكن أن تقع و حتدث اختالالت وكذا تاثيرات سلبية قد جتعل املنتوج يتعرض لتحوالت غير مرغوبة وغير صاحلة ملستقبل البشرية وخصوصا اذا استحضرنا أن صناعة املتعلم وعبر هذه املناهج املختلفة هناك استمرارية وامتداد لهذه الصناعة عبر مواقع و أماكن أخرى غير املدرسة (املصنع األساسي) من اسرة وبيت واعالم وشارع و مؤسسات املجتمع املدني واملؤسسات الدينية...
ثانيا :دور املدرسة في تنمية التفكير النقدي عند املتعلم.
لعل أهم قدرة ميكن بها مساعدة املتعلم على فرض ذاته وبالتالي قدرته على بناء مستقبله ومستقبل مجتمعه ،هي القدرة على التفكير( وليس التكفير) ...أي أن نولي األهمية القصوى لتعليم وتدريس التفكير(من الفكر) واعتبار الهدف األول واألساسي للتربية بشكل عام هو تعليم األطفال والتالميذ والطلبة كيف يفكرون عند مختلف املراحل واألعمار أي كيفية استخدام العقل في فهم األمور وليس فقط احلفظ اآللي للمادة املعرفية .وألن استخدام العقل يجعل الطفل يبني معلوماته وتعلمه وبالتالي يترسخ في دهنه ويتمكن بذلك من توظيفه متى شاء كما ميكنه نقذه وتعديله... فأغلب املتخصصني في علم نفس النمو وعلم النفس التربوي والتربية يؤكدون اليوم على األهمية القصوى لتعليم األطفال كيف يفكرون ويعتبرون أن الهدف األول واألسمى واألساسي لكافة جهود التربية هو تعليم التفكير لألطفال عند مختلف املراحل واألعمار .أي ان استراتيجية التعلم خير من التعلم ذاته وبالتالي نعلمه كيف يتعلم اي ان ال نعطيه السمكة بل ان نعلمه كيف يصطاد السمكة وكيف يتم تصويرها بلغة السينما و تسويقها بلغة االقتصاد. و نتيجة لذلك يؤكد جميع هؤالء املتخصصني على األهمية الكبرى لتضمني ما ينمي عمليات ومهارات وأبعاد التفكير ضمن املناهج الدراسية ،بل إن الصعيد األعظم من املربني واملتخصصني يعتقدون أن مكونات التفكير من
مهارات وعمليات وأبعاد ينبغي أن تكون نقطة البداية الصحيحة التي تركز عليها كافة البرامج واملناهج واخلبرات واألنشطة التي تقدم لألطفال عند مختلف املراحل واألعمار.
املدرسة و إبداعات املتعلم:
تريد املدرسة من التالميذوصف األشياء فقط ،وليس فهمها .وهكذا فبقدر ما تفصل بني الوصف والفهم ،تسيء إلى وعيالتالميذ .فهم ال يتجاوزون سطح الواقع ،وال ينفذون إلى عمقه إال بواسطة فهم عميقلما يجعل الواقع على ما هو عليه .وربط املدرسة باالبداع رهني باملنهاج املعتمد و بالنموذج البيداغوجي وكذا باملوارد البشرية التي تلج املدرسة ...فالطفل في االصل مبثابة طاقة ابداعية تتجلى اساسا في ميوالته للعب و فرض الذات و كثرة احلركة .فكلما حاولت املدرسة استغالل هذه الطاقة الزائدة وتوفير اجلو املناسب لتوجيه االطفال نحو املجاالت املناسبة الكتشاف هذه املواهب و صقلها ،فهي حتاول دعم ابداعات املتعلمني.كيف ذلك؟ فاذا كانت املعرفة اليوم ال حتتاج الى السفر الى الصني والى حتمل أعباء السفر ،فان طريقة واستراتيجية اختيار املعرفة املناسبة هي العقبة الكبيرة التي يجب على الفرد تعلمها و اكتساب الياتها ،كما ان كفاية البحث و إعادة تنظيم املعرفة املناسبة هي كذلك اهم من املعرفة بذاتها ...فاستراتيجية املعرفة أحسن من املعرفة بكاملها .لكن الى أي حد استطاعت املدرسة اليوم ،ان تساعد األطفال ،و خاصة ما يسمى باجليل الرقمي وفي ظل عصر الصورة وعصر األلوان وعصر العالم االفتراضي ،على استغالل طاقته اإلبداعية في مجال املعرفة اجلديدة؟ وكيف ميكن أن نعلم الطفل كيف يفكر وكيف يتم توظيف العقل للوصول الى حل املشكالت؟ ثم كيف ميكن متلكه استراتيجيات التفكير املنطقي املبني على النقد وعلى اإلنتاج؟
الفكر أهم من اللغة عند املتعلم:
من بني األفكار التي تبدو خاطئة اليوم وهي أولوية اللغة واهميتها في تربية وتعليم األطفال وبالتالي خلق صراع فكري حول ضرورة تعلم اللغات وخاصة اللغات العلمية( لست ادري ما املقصود باللغة العلمية) حيث جند اإلباء واالمهات يتسابقون لتعليم أطفالهم اللغات األجنبية و يحملون أطفالهم ثقل كبير في اكتساب وتعلم مزيد من اللغات ليقع اجلميع في كون اكتساب اللغة وتعلمها هو األصل ،في الوقت الذي يفتقد هذا الطفل الى أفكار و الى استراتيجيات التي تشكل املولد األساسي واحملرك الكبير لدينامية وحياة اللغة فهل من متة لغة دون فكر ...قد يشير البعض الى ان عبر اللغة نتعلم الفكر ،فعال صحيح لكن هاجس التواصل والتعبير وهاجس اكساب الطفل اللغة قد يجعل الفكر محدود في أمور بسيطة وهي التي جتعل اللغة وظيفية في أمور
11
العدد 84يونيو 2020
تواصلية فقط .لكن الذي ينمي الفكر والتفكير ليس مزيد من اللغات األخرى يكفي فقط وبفضل اللغة االم أن ننمي عند الطفل مهارات التفكير املنطقي والتفكير النقدي واالعتماد على طرح السؤال؟ وهذا لن يتحقق عبر نصوص و مقاربة منهجية بسيطة تعتمد على التلقني وعلى إعادة انتاج نفس اخلطاب .فالتجربة أظهرت بان اللغات التي ال جتعل من الفكر والتفكير الهدف االسمى تبقى فقط سطحية وغير هادفة... فغياب النصوص الفلسفية والنصوص الشعرية و القصص والروايات و احلكايات واالمثال واحلكم وكذا الوضعيات العلمية احلقيقية ،في املنهاج الدراسي يجعل من اللغة تلك السلطة التي جتعل الفكر والتفكير ملجم و سجني وبالتالي العودة واللجوء الى التفكير الداخلي عبر الصمت والقيام مبحاضرات و نقاشات عميقة لكن داخليا وفي صمت حتى يقع االنطفاء .لسبب بسيط فقط هو أن لغة املدرسة ولغة التدريس تفرض على املتعلمني تعبيرا و تفكيرا سطحيا و مفبركا وبعيد عن الواقع وعن النمو الذي يحتاجه الفكر البشري الثوري واملستقبلي .و آلن اللغة كأداة ابتدعها االنسان ليس لتفرض عليه قواعدها و سلطتها فينساق وراءها ،بل صنعها لكي تساعده على فهم ذاته و واقعه وكذا تنمية فكره عبر السؤال. وبها يستطيع أن يتقاسم أفكاره وجتاربه وكذا ميوالته و طموحاته و وجوده مع االخر .فمثال هل املنطق الرياضي والفيزيائي وبشكل عام الفكر هو األساس أم اللغة التي ندرس بها هذه العلوم...فأطفالنا وكذا اساتذتنا اليوم منشغلون على فهم اللغة التي يدرس بها هذه العلوم أكثر من األفكار و التفكير الذي قد حتمله هذه العلوم .فنبقى جنتر اللغة و نعيد فهم تركيبتها عبر إعادة انتاج نفس الوضعيات التعليمية وبالتالي نضع املتعلمني في قفص ونطلب منهم الطيران و توظيف االجنحة. وهكذا فان تعلم التفكير بشكل عام ومبختلف انواعه والتفكير النقدي بشكل خاص هو أحد أهم املهارات التي يحتاج إليها أطفال اليوم للنجاح في املستقبل؛ لكون هذا النمط من التفكير مبثابة البوابة التي تفتح لهم العالم على مصراعيه ،وتنمي قدراتهم على االستكشاف ،وحل املشكالت ،وتساعدهم على تفهم وجهات النظر األخرى وتقبل االختالف، كما أنها تساعدهم على النجاح في املدرسة، وفي حياتهم املهنية أي النجاح في املجتمع(. و الن اليوم جند من جنحو في املدرسة ولكن فشلوا في املجتمع أو العكس و الن الهدف هو النجاح في املدرسة واملجتمع معا) األطفال في ظل حتديات هذا العصر :يحتاجون ألن ميتلكوا العديد من املهارات ،وال يكونوا مجرد بغبغاوات يرددون ما ميليه االخرون عليهم من معلومات؛ يجب أن يكونوا مفكرين ناقدين ،ميكنهم فهم املعلومات والتحليل واملقارنة ،وتقدمي االستدالالت وتوليد مهارات التفكير العليا .لذلك يجب على املدرسة وعلى جميع من لهم عالقة باألطفال من اباء و معلمني وأساتذة أن يجعلوا من التفكير الناقد هدفا اسمى لغرسه في األطفال منذ صغرهم .وبالتالي استحضار أن العقل البشري هو مبثابة عضلة حتتاج الى التمرين والرياضة الفكرية لتنمو منو صحيحا وليس كوعاء منأله فقط بالسلعة املعرفية دون البناء املنطقي واالستداللي. فتنمية مهارة السؤال وخاصة السؤال املفتوح ثم االعتماد على االلغاز واملسائل والوضعيات املعقدة والنصوص األدبية الصحيحة وليس الوظيفية وعلى تنمية الفرضيات والتحقق
منها وكذا مهارة التلخيص و استخراج األفكار و التعود على اإلنتاج والنقد ،من بني الطرق املمكنة اعتمادها ضمن املناهج الدراسيةلصناعة املتعلم و التي بفضلها ميكن تنمية مهارة التفكير النقدي للمتعلمني. وبالتالي اسحضار صناعة املتعلم عن طريق املدرسة وليس متعلم الصناعة التي تفكر فيه املدرسة اليوم أي محاولة إعادة انتاج متعلمني وفق الوظائف التي حتددها الثورة الصناعية والتكنولوجية خلدمة الشركات العمالقة والتي تسعى وراء الربح املادي بالدرجة األولى و ال تفكر في مستقبل العالم الذي هو رهني بالتربية املستقبلية والصناعة احلقيقية ألطفال العالم(انهم خلقوا لزمن غير زمانكم).
ثالثا :صناعة املتعلم (الطفل) بني مستقبل املدرسة و مدرسة املستقبل:
و نحن نتحدث عن صناعة الطفل واملستقبل، يظهر لنا من األمر أن نشير هنا إلى طبيعة املدرسة التي سيلجها الطفل مستقبال من حيث ما يخطط لها في يومنا هذا من لدن صناع القرار في الوقت الراهن ،ثم ما ميكن التنبؤ به وفي ظل قراءتنا ملا ميكن أن يحدثه التغير االجتماعي واحلتمية التاريخية...وإميانا منا بأن املستقبل هو الشغل الشاغل لعلماء الدراسات املستقبلية، وأن هؤالء يتباينون في قراءاتهم ملا سيشاهده العالم مستقبال ،فإن األمر الواقعي والذي ال ميكن أن يختلف عليه إثنان هو أن التغيير وارد ومحتوم وبالتالي هنا تبرز ضرورة إعداد أطفالنا لهذا التغيير الذي سيقع وخاصة على املستوى التربوي والتنشئة االجتماعية فماذا عن مدرسة املستقبل؟ وهل هي مدرسة الكترونية محضة؟ وما هو مصير املدرسة التقليدية؟ من بني اهم ما يجب أن ترتكز عليه مدرسة املستقبل في صناعة املتعلم و من اجل االحتفاظ وصون مستقبل هذه املدرسة التي بدأت تستقل في وظائفها التي صنعت من اجلها من طرف املجتمع جند أنه من الضروري استحضار النقط التالية : < االهتمام بالتعليم الزراعي و الفالحي ألن املشكلة التي سيواجهها العالم مستقبال ستكون مشكلة الغذاء والقوت اليومي وبالتالي االمن الغذائي. < االهتمام بالتربية البيئية وخاصة ما يتعلق باملاء ألن من بني املشاكل املطروحة مستقبال مشكلة املاء ومشكلة التلوث الصناعي وزيادة التسممات واالمراض. < التربية على األخالق وعلى القيم .... مستقبال سيزداد العنف واجلرمية بشكل كبير جدا وخاصة مع تزايد وسائل الرفاه وكذلك الفوارق الطبقية واملادية املتوحشة. < التربية الدينيةأي االهتمام بالدين بغض النظر عن نوعه ..وألن اإلنسان جسد وروح وعقل فإذا وصل اإلنسان اليوم إلى أعلى مستويات إلشباع اجلسد بكل ما يحتاج إليه من ملذات الدنيا فإن مستقبال سيواجه أطفالنا مشكلة التوازن النفسي وتوازن الشخصية إذ سيطغى اجلانب اجلسديالبهائمي على الروحي و العقلي بالتالي تبقى قيمة احلياة غير صاحلة وهنا ستظهر تصرفات غير إنسانية كاللجوء إلى االنتحار أو إلى االنفجار أو حاالت مرضية نفسية مستعصية سببها غياب مفهوم احلاجة عند الفرد والتي هي أساس وقيمة احلياة البشرية .فما قيمة احلياة عند طفل وفر له كل ما يحتاجه من نقود ومن جميع التجهيزات ومن كل ما يحتاجه ماديا.فنهاية احلياة بالنسبة له
ملف قد وصلت وسيتساءل ملاذا جاء إلى هذا العالم و ما دوره إذن؟ < التربية الصحية وبشكل كبير جدا ألن املشاكل الصحية ستتفاقم مستقبال وستزداد األمراض بشكل كبير ورمبا قد تظهر أمراض خطيرة وذلك يسبب الثلوت الصناعي والفكري والنفسي والديني .املتزايدة اليوم وبشكل ملفت للنظر وألن الهاجس املادي جعل كل هذه املتلوثات تتزايد. < اإلهتمام بالعلم النافع والصالح وتغدية العقول وتنويرها لبناء املجتمعات وليس ذلك العلم اإليديولوجي املبني على سياسة فرض الوجود ولو بالقوة وما يساعد على خلقها من أسلحة ومنتجات تخريبية للحضارة اإلنسانية. < العودة إلى الكتاب املدرسي وليس القرص املدرسي وال احلقيبة االلكترونية التي يتجه إليها العالم اليوم ومع االنفجار املعلوماتي والثورة اإللكترونية . < ضرورة التخطيط واالستعداد لثورة بعد الثورة التكنولوجية والتي تهتم بالتربية والتعليم أو ما ميكن أن نسميه بالثورة التربوية أو ثورة التربية. < التربية على العدالة االجتماعية واملساواة اإلنسانية والكرامة وعلى احلرية وبالتالي محاولة التخلي على تلك الطبقية املفرطة التي أصبحت اليوم عنوان الليبرالية املتوحشة والتي اتخذت العوملة شعارا لها.فعوض العوملة ننادي باألنسنة و باملساواة البشرية أو ما ميكن نعته باآلدمية نسبة إلى أصلنا الواحد وأبونا آدم عليه السالم. < النظر إلى اإلنسان كإنسان وليس كآلة أو شيء ميكن التحكم فيه أو ميكن صنعه عن طريق االستالب .وبالتالي مثل منتوج(في ضرورة مواجهة علم السبرنيطيقا). < ضرورة إعادة النظر في مفهوم العلم بشكل عام والنافع بشكل خاص :ألن العلم وكما نعلم كان ومازال وسيبقى السر الكامن وراء تقدم البشرية وتفوقها لكن شريطة أن يتحول هذا العلم إلى ثقافة كما أكد على ذلك روني ماهو (مدير سابق لليونسكو) عندما قال بأن “ التقدم هو العلم الذي يتحول إلى ثقافة” والثقافة ال تكتسب إال عن طريق التربية وبالتالي يجب اقتران العلم بالتربية وخاصة في عالم اليوم الذي هو عالم الصورة والتقنية ،وفي املستقبل الذي سيزداد أكثر تعقيدا نظر لتعدد مصادر املعرفة والعلم.واالميان بثقافة العلم التي هي ثقافة التغيير أي تغيير العالم عن وعي وعن ارادة وليس مجرد فهمه او تأمله او فك طالمسه او النظر الى الظواهر باعتبارها اعجازا... كما ان ثقافة العلم هي ثقافة االميان بقيمة االنسانية. < االنطالق من مبدأ املصاحلة مع الذات االنسانية أوال ثم التفكير في املستقبل و كيفية تفاعل الذات مع العالم اخلارجي و استحضار أن صناعة األطفال حتتاج الى تنظيم خارجي محكم ومحدد لكي يتم التنظيم الداخلي للذات التي ستتفاعل مع االخر. < اعتبار مرحلة الطفولة مرحلة قائمة الذات وليست مرحلة عابرة وبالتالي يتحكم فيها الراشد حسب فلسفته وحسب سياسته ،فهل فعال نترك لألطفال ليعيشوا مرحلتهم ولهم القرار ام البد من الوصاية ونفكر ونقرر في مكانهم وبالتالي نحتاج فعال الى صناعتهم كما نريد. وخالصة القول ميكن التأكيد على ضرورة اإلهتمام بالتربية اإلنسانية واملدنية والتي
تركز على استعمال العقل من أجل التفكير والتعليم وبالتالي العمل بشكل جماعي خلدمة املبادئ اإلنسانية التي هي باألساس قانون كل الشعوب ...
على سبيل اخلتم:
علينا جميعا ان نعي اوال بان خطأ الطبيب يدفن حتت االرض وخطأ املهندس يقع على االرض بينما خطأ املدرس ميشي على االرض وبالتالي فكل سياسة تربوية تعليمية ال تقدر حجم االخطاء التي تلج املدرسة وبالتالي صناعة املتعلم في جميع املجتمعات التي تقدر نفسها و حتترم التزاماتها أمام التاريخ وأمام شعوبها، فهي ستكون ال محالة في سلة مهمالت التاريخ وبالتالي ضياع اجلهد وضياع الوقت.و ليس بسيطا ان نكتب ونفكر للطفولة ،ليس ألنها كما أشرت سابقا ،هي مستقبل البشرية فقط لكن ألنه يصعب أن نتقمص دور الطفل ونحاول ان نفكر كما يفكر وان نحس كما يحس...ولهذا فصعوبة ان نكون أطفاال فيزيولوجيا وان نرجع الزمن الى الصفر ونبدأ من جديد ،مثل صعوبة ان نحدد بدقة ماذا يريد األطفال بالضبط ...فدور املدرسة في صناعة املتعلمنود من خاللها ان نبني اهم اخلالصات التي توصلنا اليها ونحن نستحضر الرؤية املستقبلية لتربية واعداد األطفال في هذا العالم وبالتالي محاولة اجلمع بني جميع الصفات املمكنة لنا كراشدين والتي تقربنا بشكل كبير جدا الى ان نكون أطفاال ولو حلظة واحدة .فهي قد تكون حلظة تفكير في طفولتنا او في أبنائنا أو في تالمذتنا آو في إخواننا...و بشكل اكثر دقة هي حلظة التفكير في مستقبل البشرية ومستقبل االنسانية ومستقبل العالم برمته .وهل فعال تلعب املدرسة دورا رياديا في صناعة املتعلم الطفل ام هي فقط تسعى الى متعلم للصناعة؟ ثم ما نوع الصناعة التي نحن بصددها؟ وهل صناعة العالم الثالث هي نفس صناعة الدول التي توصف باملتقدمة؟ أم ان االمر محسوم عن طريق تقسيم االدوار و بالتالي جعل املدرسة فقط كبوابة لصناعة متعلمني خلدمة مصالح النخبة التي تسير العالم أي العمل على خلق مناهج وبرامج تبدو ظاهريا بانها في خدمة التعليم ولكن في االساس هي خلدمة ضمان استمرارية العربة واحلصان .أم أن القدر والطبيعة حتتاج الى الثنائية في جميع االمور حتى في صناعة البشر واعداد الرأسمال البشري. فاذا كان شعار مرحلة التنوير أو عصر األنوار في القرن 17و 18في أوروبا هو استعمال العقل بفضل املعرفة« :لتجرأ على املعرفة ،ولتكن لديك الشجاعة على إعمال عقلك اخلاص» فإننا اليوم في دول العالم الثالث نحتاج إلى فترة أكثر بكثير من عصر األنوار وأن يكون شعارها »:اعتمد على نفسك وعلى عقلك وليكن العلم واملعرفة سالحك ،فالعقل أوال والعقل أخيرا». وهذا من أجل خلق مجتمعات تساير بالدرجة األولى ما وصلت وما تصل اليه املجتمعات املتقدمة ،وأن تخرج بدورها من منطق اإلستهالك والتفرج واالنطواء على النفس وتغذية اجلسد فقط في غياب تغذية الروح والعقل.ومن موقف التعجب واالستغراب؛ الى مرحلة اعمال العقل واالهتمام باملدرسة و اصالح التعليم والعناية بتنمية الشخصية والتفكير في كيفية صناعة املتعلم داخل حجرة الدروس...
( - Iyiderالنقوب) /ورزازات
12
العدد 84يونيو 2020
ملف
التعليم عن بعد وسؤال التربية
ذ/محمد الريفي*
لعله من نافلة القول،التأكيد على أن املدرسة ببعدها املكاني واالعتباري تأخذ حيزا تربويا كبيرا في حياة األبناء،فهي املكان الذي يتعامل فيه املتعلم مع أقران يشابهونه في العمر واالهتمامات والثقافة والسلوكيات،وكل هذه عوامل مؤثرة وصانعة في شخصية الطفل املراهق،إضافة إلى تعامل املتعلم مع املدرس باعتباره مصدرا للمعلومة أوميسرا للوصول إليها،كل هذا يترك أثره في شخصية الطفل .
إن واقع احلالة الوبائية التي يعرفها العالم بسبب انتشار وباء فيروس كورونا «كوفيد»-19عجل برياح التغيير ،و وضع باليني البشر حول العالم وجهً ا لوجه أمام منظومة «التعليم عن بعد».وفرض ضرورة سلك منعطفات أخرى ،وتبني استراتيجيات و أساليب كانت باألمس القريب من باب التشهي البيداغوجي والفضول الرقمي فأصبحت من أوليات املسالك لضمان استمرارية بيداغوجية. ال مراء في أن التعليم عن بعد له إيجابيات عديدة و فضائل محمودة كما ونوعا ،ومن ثم كان من السذاجة رده و اإلعراض عنه ،لكن في املقابل ال ينبغي أخذه على عالته وهناته ،من هنا تنبري مجموعة من األسئلة ،من قبيل: هل النجاح في التعليم عن بعد هو جناح في التربية ؟ هل التعليم عن بعد مسعف في اكتساب املتعلم للقيم الشرعية واحلقوقية والكونية لإلنسان؟ بلغة األرقام ،كيف سيقضي املتعلم - املغربي مثال -حوالي ألف ساعة تقريبا التي كانت مجاال تداوليا و فضا ًء رحبا لكثير من التفاعالت السوسيولوجية والسيكولوجية و السيكو بيداغوجية التي أسست جلملة من القيم األخالقية وحقوق اإلنسان؟ هل األسرة قادرة على تعويض هذا الفراغ؟ أليس التركيز فقط على املعارف -وهو الغالب في مجال التعليم عن بعد-هو انحدار نحو بناء اإلنسان اآللة بدل اإلنسان اإلنسان ؟ طبعا ليس القصد من إثارة تلكم األسئلة دعوة إلى التيئيس و تثبيط العزائم والدعة عن املبادرة والفعل ،بل هي إملاعات يراد لها أن تكون بساطا للتداول وأرضية للتعزيز واإلغناء .حتى ال نقع في الداء ونحن نريد الدواء. قبل الدلف إلى حيثيات املوضوع و تفاصيله ،والتزاما باملنهجية العلمية ،البد من جتلية مفردات املقالة ،ذلكم أن احلكم على الشيء فرع عن تصوره.
التعليم عن بعد
التعليم عن بعد Distance Learning هو أحد طرق التعلم العصرية ويعتمد أساسا على قيام املدرس بإلقاء دروسه
من الفصل االفتراضي ،ويستقبل املتعلم الدرس وهو في بيته أو في مدينته ،أو في أي مكان من العالم ،ويفتح الفصل االفتراضي أمام اجلميع للمناقشة التفاعلية واملشاركة الفصلية بشكل يحقق الفائدة لكل الطالب من أي مكان في العالم)1(.
التربية
تتعدد تعاريف الفالسفة وعلماء النفس التربوي ملصطلح التربية بتعدد زوايا النظر إليها ،لكنها في محصلتها منو الفرد في جميع تقود إلى ضرورة ّ جوانب شخص ّيته،وتسيربه نحو كمال وظائفه عن طريق التك ّيف مع مايحيط به،ومن حيث ما حتتاجه هذه الوظائف من أمناط سلوك وقدرات. يحددها دور كهامي بقوله :هي الفعل الذي متارسه األجيال الراشدة على األجيال الراشدة على األجيال الصغيرة التي لم تصبح بعد ناضجة ومؤهلة للحياة االجتماعية2. من جهة أخرى ،يعرفها اإلمام الغزالي في كتابه أيها الولد،حيث بني أن التربية هي الفارق والفاصل بني اإلنسان واحليوان،فهي األساس واملنطلق والضرورة في صالح الفرد وفي صالح املجتمع،والسبيل إلى حتقيق التمدن والسعادة لإلنسان واالرتقاء من احليوانية إلى اإلنسانية)3( . يفهم من ذلكم ،أن التربية مشروع مجتمعي و استثمار تنمويي خدم الفرد واملجتمع ،وال سبيل إليه إال مبحددات ومعايير تشمل شخصية املتعلم في أبعاده املختلفة معرفيا ونفسيا ومنهجيا وقيميا وسلوكا. التربية والتعليم عن بعد ...أية عالقة؟ إن أزمة القيم التي تنخر جسد املجتمع املغربي خاصة هي في أحد أسبابها راجعة باألساس إلى حالة اإلفراط والتمادي في إشباع منابع اإلنسان املادية على حساب باقي اجلوانب األخرى ،وهو ما يؤدي إلى حالة من عدم التوازن بني مكونات الشخصية اإلنسانية ،فتبرز تبعا لذلك ظواهر اجتماعية مدمرة ،كالسرقات والغش ومظاهر الفساد بأنواعه .وإذا كان هذا مفتقر في التعليم احلضوري بخصائصه التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية،
فهو من باب أولى في التعليم عن بعد ،الذي يتم التركيز فيه بالدرجة األولى على املعارف النظرية التي يصعب معها وبها صناعة اإلنسان املواطن الصالح القادر على االرتقاء بذاته أوال وحتقيق البعد التنموي ملجتمعه ثانيا. يقول فتح الله كولن في كتابه «ونحن نبني احلضارة» :التكنولوجيا ليست نورا وضياء جلميع املجتمعات «،4 مبعنى أن عمليات التنزيل والتفعيل لكل مشروع إصالحي ال سيما ما كان له وشيج تعلق بالفكر والثقافة ،ينبغي أن تسبقه حالة من االستعداد و القابلية لذلكم وإال كان وباال على األمة، ومن جهة أخرى ،ينبغي أن نكون صرحاء مع أنفسنا ،ونقرر بالضبط ماذا نريد من املنظومة التعليمية سواء احلضورية أو عن بعد؟ هل نريد تعليما معرفيا وعلميا وتقنيا تأهيال لسوق الشغل ويكون هذا من أولياته؟ أم أننا نريد فضال على ذلكم تكوين « الشخص املواطن» املتشبع بقيم الفضيلة والكرامة واحلرية احملصن ضد االستالب الفكري والغزو الثقافي. من هذين املنطلقني،نحتاج لتوازن كبير بني التربية والتعليم من حيث الكمية والنوعية،ونحتاج لنظم تعمل على التمازج الدقيق بينهما،ليكون اإلنسان لدينا نتاج متازج متوازن. إن االنحياز للنتاج األحادي على الرغم من أهميته ،إال أنه منزع خطير،فإن املعرفة والعلم والتقنية مهما بلغت من اإلتقان والعبقرية،من دون نتاج تربوي أو بنتاج تربوي سيئ،مآله كثير من الع نصرية،واالحتقار،والشعور باالستعالء وما ينتج عن كل هذا من تصرفات وقوانني ونظم،ستؤدي إلى دمار كبير على البشرية كلها،فالتربية هي واحدة من ضمانات احترام اإلنسان ألخيه اإلنسان. علينا أن نصل إذا إلى جتسير الوثاقة بني التربية والتعليم ،بني املعرفة والقيم ،بني اإلنسان واآللة ،الن األولى باخلصوصيات االحتفاظ تضمن الثقافية والقيمية ،وعدم االغتراب في األنساق الثقافية الوافدة ،والثانية تؤمن السياقات العلمية واملنهجية ملواكبة مستجدات العصر و تغيراته، استمدادا وإمدادا.
من اجل ذلك ،هذه بعض املقترحات حول سبل مد الصلة بني التعليم عن بعد وبني املقومات التربوية والقيمية: < تعزيز النموذج البيداغوجي املعتمد وتكييفه مع اخلصائص التربوية والبيداغوجية للتعليم عن بعد.؛ < توسيع اخلريطة املعرفية للبرامج واملقررات التعليم والتكوينية بإدماج البرمجيات التربوية اإللكترونية ، وتعزيز التعلمات املستندة إلى البرامج الرقمية ؛()5 < إدماج املقاربة القيمية واحلقوقية في صلب املناهج وبرامج التعليم عن بعد؛ < احلرص على حتقيق التوازن بني مختلف أبعاد الشخصية اإلنسانية؛ < التفكير في صيغ عن بعد لترسيخ البعد التربوي والقيمي إلى جانب التعليمي واملعرفي؛ < إحداث مراصد وطنية وجهوية تطلع برصد وتتبع قضايا السلوك املدني داخل منصات التعليم عن بعد ،ومواكبة مناهج وبرامج التربية القيمية ،وتقييم آثارها على مستوى الفاعلني التربويني واملتعلمني وشركائهم < تقوية الروابط املباشرة والتواصل املنتظم مع األسر ومؤسسات املجتمع املدني ،وإشراكهم في الفعل الثقافي التدبيري ؛ < إدماج تكوينات جديدة للفاعلني التربويني في مجال تدبير التربية القيمية واملدنية وحقوق اإلنسان؛ < التفكير في صيغ أخرى للتقومي عن بعد ال سيما املتعلق بالقيم. *أستاذ العليم الثانوي التأهيلي
الئحة املصادر واملراجع:
محمد حسن العمايرة ( ،)1999التربية ( )1 والتعليم في األردن منذ العهد العثماني حتى عام ( 1977الطبعة األولى) ،األردن :دار املسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ،صفحة .43 ()2عبد الكرمي غريب :املنهل التربوي ، معجم موسوعي في املصطلحات البيداغوجية والديداكتيكية والسيكولوجية ص .845 ( )4محمد فتح الله كولن :ونحن نبني احلضارة»، الطبعة الثانية ،دار النيل للطباعة والنشر 2011 ،م ،ص .7 ( )3أبو حامد الغزالي(505ه)« ،أيهالولد» ،الطبعة الرابعة ،دار البشائر اإلسالمية 2010 ،م ،ص .43 ( )5الرؤية االستراتيجية إلصالح املدرسة املغربية ،2015-2030ص .57
13
العدد 84يونيو 2020
هل يصبح التعليم رقميا ؟
ملف
يعتبر التعليم ،من أهم القطاعات التي تأثرت بأزمة كورونا .لذلك كان لزاما مواجهة املرحلة ،بأقل األضرار .وعليه اعتمدت السلطات التعليمية املركزية مجموعة تدابير ،إلنقاذ السنة الدراسية ،وتفادي توسع إصابات الفيروس ،حتت يافطة التعليم الرقمي (التعليم عن بعد) . ذ .خليل غول* أزمة كورونا إذن ،جعلت التعليم الرقمي في الواجهة ،كخيار استراتيجي ال بديل عنه .رغم غياب العدة الكافية له ،وما حصل فيه من ارتباكات، على مستوى التواصل بني مختلف الفاعلني التربويني .يعني أن هذا النموذج ،عمل على حتقيق االستمرارية البيداغوجية ،بأشكال متنوعة في سيرورتها و مواقعها والياتها ومعارفها... هذا الوباء ،بفجائيته وشراسته ،جعل العالم يعتمد إجراءات احترازية ،على مختلف األصعدة. خصوصا الصحية منها والتعليمية .جعل أيضا، البشر متساوين ،من حيث احلذر والتخوف واحلجر املنزلي ،والتداعيات الصحية والسيكولوجية، وسلطة املؤسسات االجتماعية .أصبح مبوجبه ترقب الواقع اليومي ،ملتابعة مستجدات الوباء على مستوى اإلصابات ،الشفاء ،الوفيات .ترقب انفتح أيضا على العالم .وأصبحنا مبوجبه نشعر بأننا ننتمي – بالفعل – إلى مجتمع إنساني واحد .سادت فيه قيم اإلخاء والتضامن واملساواة. أمام هذا القدر أو احملنة ،ال سابق لها... املرحلة طرحت معها إشكاالت ،على املستوى التعليمي التربوي ،وسبل اخلروج من نفق األزمة، إلنقاذ السنة الدراسية .لذلك اعتمدت الوزارة الوصية على إبعاد كل تفكير ،في سنة بيضاء. اعتبارا للنسبة املتقدمة في إجناز املقررات ،التي تراوحت بني 60و ،75%الى حدود يوم 16مارس ( .2020هي نسب تباينت من حيث طبيعة املواد أو األساتذة أو املؤسسات ). إن أزمة وباء كورونا ،ستمهد الطريق للتحول في مسار التعليم والياته .فهل سيكون هو نفسه، بكل مقوماته كما هو عليه ،بعد اخلروج من املرحلة الوبائية ؟ ونفس السؤال ينسحب على قطاعات أخرى .مبعنى آخر هل كورونا ستجعلنا أمام قطيعة ابستيمولوجية ،بني ما قبلها وما بعدها ؟. جند أنفسنا أمام رهانات ،يطبعها االستفهام والتساؤل ،ملا سيؤول إليه الوضع بعد مرحلة كورونا .ما الذي سوف يتغير ،وكيف؟ نقر مبدئيا أن التغيير سيطال جوانب ال حصر لها من مكون الدولة ،من حيث استراتيجياتها التدبيرية وأنظمة هياكلها وفلسفتها ،وعلى املستوى الفردي ،اإلنسان الفرد من حيث كينونته النفسية و املجتمعية .السوسيو-اقتصادية، والسياسية .قد ال يختلف اثنان ،في أن اخلروج من باب األزمة يجب أن يتوجه صوب مداخل العلم من حيث التخطيط والتدبير احملكم ،ملختلف املجاالت. من اجل كسب املناعة ،ورهان ركب التنمية الصحيح. إن التعليم الرقمي ،سيصبح واقعا .وستفرض كورونا مستقبال جديدا ،سيتم االندماج فيه قسرا .متاشيا مع متطلبات العصر التقنية حتى ال يتخلف عن الركب .ستهيمن التكنولوجيا على ثقافة التعليم .على كثير من األشغال ،اإلدارية، والتربوية .وستحتضنها كل البيوت. ستكون التكنولوجيا – بهذا املعنى –و في املستقبل القريب ،من املستلزمات األساسية للتعليم .وستكون آليات التواصل التقني بدائل عن األدوات التقليدية التي تتأثث بها العملية التعليمية ،من :السبورة ،الصور والكتاب، ومختلف وسائل اإليضاح ...سيحل محلها ،الهاتف
الذكي واحلاسوب واملسطحات (.)tablettes املرحلة إذن ،ستتطلب أستاذا ملما ،وخبيرا مبجال التكنولوجيا الرقمية .حتى يتسنى له تقدمي الدرس بالتقنيات اجلديدة .لذلك فتكوين األستاذ وتأهيله ،مسألة ال مناص منها.هاته الديباجة لألستاذ ،ال تنسينا النظر الى التعليم ،في كليته بفلسفة جديدة .تعلق األمر باملقررات ،أو باملناهج أو مبراجعة املواثيق و املخططات السابقة، لتحيينها في اجتاه ينسجم مع املد التكنولوجي الرقمي والعلمي .عملية التحديث هاته يجب أن تتم وفق رؤية شمولية،وطنية .تعمل فيها الوزارة على مأسسة حوار جاد مع شركائها ،من جمعيات أمهات وآباء وأولياء التالميذ ونقابات ،و مسؤولي القطاع واملتخصصني وجمعيات املجتمع املدني. ومع كل من لهم عالقة بالتعليم كهيئات ...لبلورة رؤية وطنية حديثة ،واضحة ،جامعة ومسؤولة. في انسجام مع ما يتطلبه املجال التكنولوجي الرقمي املعاصر و افاق التنمية املنشودة .ال بد وان تأخذ بعني االعتبار ،ومن أجل جناح هذا املشروع ،االشتغال على إقرار تكافؤ الفرص ،بني كل املتعلمني ،حتى ال يصبح األمر عائقا ،أمام هذا املسار اجلديد .إلى جانب االقتناع بان التعليم، رافعة أساسية مستقبلية ،للتنمية ،وال قيمة تسعيرية أو نفقات دون مردودية. ما من شك ،أن جل دول العالم تتسابق بقوة، للخروج من أزمة الوباء ومخلفاته .أو على األقل اخلروج بأقل األضرار .مستفيدة من ثغراتها وأخطائها،لتؤسس أو تغني صرح مسارها ،الذي ال خيار لها عنه ،في اجتاه العلم والتكنولوجيا. على الرغم مما ستعرفه جل الدول من الكساد العابر ،مباشرة بعد انتهاء األزمة. إن التحول في أساليب ومضامني التعليم ،هو بداية للمستقبل القريب ،ملا بعد كورونا .األمر الذي ستنهجه جل دول املعمور .إذ سيفرض نفسه بإحلاح ،وسيتصدر املشهد املجتمعي .إن فيروس كورونا لن يترك العالم كما كان عليه من قبل .وبالتالي فاألمن القومي للدول ،سيتمثل في التسلح بالتكنولوجيا الرقمية واالستثمار فيها كطوق للنجاة من التخلف أو التقهقر احلضاري. وستصبح التكنولوجيا ضرورة وقاعدة لكل األفراد ،وال مسألة استثنائية. املرحلة تتطلب تأهيال واضحا وجامعا ،من حيث االستراتيجيات واآلفاق .إن ما يحدث اآلن ،البد وان يترك صداه وبصماته العميقة على مسار الفكر، على مراجعة مجموعة من مفاهيمه ومسلماته .فال ننكر بأن األزمة – الصدمة ،-ضربت كيان الكوكب من أقصاه إلى أقصاه .هزمتنا في زماننا ومكاننا، في مشاريعنا وطموحنا وتواصلنا ،ومعيشنا اليومي التقليدي. إن استقبال عالم أفضل يبقى طموح مشروع، أمام كتامة احلاضر وماسيه و أحزانه ،وكل صوره الكابوسية املفزعة .جتربة سيسجلها التاريخ، بأنها باغتت اإلنسان وهزمته .أرغمته على املكوث في قفص البيت ،كطير مكسور األجنحة. جتربة أربكت دواليب كل الدول واملجتمعات .مبا فيها الدول العظمى .إنها صدمة كوكبية ،سقطت وانتشرت بسرعة مهولة. بعد االنفراج ،فالتعليم ال يجب أن يعود إلى
املرحلة املا قبل كورونية .وعليه فإننا نعتبر أن األزمة الوبائية ،قد جعلتنا امام فرصة وحافز ينشد التغير ،لبلورة ثقافة تعليمية حتديثية ،مستنيرة. تروم تكوين واعداد املواطن العاملي الرقمي. املنفتح على عالم التكنولوجيا .واملتواصل مع كل زوايا اإلنسان في هذا املعمور. املسألة إذن ،هي إقرار بعوملة تكنولوجية .البد من فتح مغالقها ،وانخراط فيها وبها .بغية تشكيل أفضل للتفاعل البني -إنساني ،-مع كل الثقافات واحلضارات البشرية .إن مسلك التكنولوجيا الرقمية،ال بد وان يتسيد في املنظومة التعليمية، التي كشفت األزمة الكورونية خللها ،وغياب مناعتها ،وضعفها الذي لم يرق إلى التجاوب املنشود .ولكن هناك اعتبارات موضوعية ،تبرر فجائية الصدمة ،تتمثل في قوتها ومباغتتها. هي ،حتوالت مفصلية تأثرت بأزمة الوباء. حاولت الدولة أن تدبرها بصرامة واستباقية.وقد يكون التعليم اخذ نصيبه األوفر من هذا االهتمام. بعد أنشاء منصات تفاعلية ،تلقى فيها الدروس و احملاضرات اجلامعية .حرصا على إنقاذ السنة التعليمية .ولعل ذلك ما حصل بعد مجموعة تدخالت وإجراءات من طرف الوزرة الوصية لكن بقي الهاجس األكبر ،هاجس االمتحانات ،الذي ظل يؤرق الوزارة ومعها اإلباء والتالميذ ،بل و األطقم اإلدارية والتربوية .فالوزارة في بداية األمر لم تكن لتستند على رؤى شمولية ،واضحة وإجرائية. لتخرج فيما بعد ،بقرارات تؤكد من خاللها ،عملها على إنقاذ السنة وإجراء االمتحانات ،اخدة بعني االعتبار التدابير ،التي تتجنب وقوع اإلصابات بني جموع التالميذ كي ال تظهر حاالت جديدة للوباء. إن ما مت إقراره ،هو التأكيد على امتحاني اجلهوي والبكالوريا .في مواقيت خارج زمانهما املعتادين .مع احلرص على احترام مسافة التباعد القانونية ،بني التالميذ ،داخل احلجرات .مع احلرص على تنظيم إجراءات الدخول واخلروج. وتفادي أي اكتظاظ .إلى جانب تعقيم كل فضاءات املؤسسة ...و التفويض ،ملجالس األقسام ،صالحية احلسم ،في عمليات النجاح ،أو الرسوب ،بالنسبة للمستويات واألسالك املتبقية .اعتمادا على نقط املراقبة املستمرة. تكون الوزارة الوصية بهذه اإلجراءات ،قد وضعت استراتيجية تدبيرية لالمتحانات ،خارج املقرر الدراسي للسنة .لذلك فهي اآلن جتد نفسها ملزمة بتحيني هذا املقرر ،وإصدار مقرر وزاري تعديلي لتنظيم ما تبقى من السنة الدراسية من حيث مواعيد االمتحانات واملداوالت وما يرتبط بهما. هذه إذن ،إجراءات جزئية مقتضبة ،إلنقاذ السنة الدراسية .لكن ،البد من التفكير ،من اآلن لوضع خطة طريق ،صوب املستقبل التعليمي ،لتكييفه مع واقع احلال .الذي ستفرضه مرحلة ما بعد اخلروج من األزمة .استعدادا ألي طارئ مباغت .فهذا الوباء ميكن أن يحضر من جديد ،أو يظهر فيروس اخرر مشابه ،اقل أو أكثر فتكا ،أو قد يقع جراء خطأ في تسرب اشعاعات نووية او تسربات جرثومية خطيرة القدر الله. يبدو األمر اآلن مناسبا و أكثر فاعلية من أي وقت مضى ،لوضع قطيعة ابستمولوجية مع التعليم
التقليدي ،الذي ظل في مجمله يستند على احلفظ والتلقني ،والسبورة والكتاب و وسائل اإليضاح الكالسيكية .قطيعة تدريجية -طبعا -في اجتاه بلورة تعليم تكنولوجي رقمي ،راقي ،يتوق املستقبل وهو يتسلح بالعلم واحلداثة.يتجاوز املعارف املاضوية العقيمة .التي ال تنسجم مع العقل أو املنطق ،أو القيم األخالقية ،في بعدها اإلنساني الكوني. إن إمكانية اعتماد التعليم الرقمي ،متليه الضرورة البراكماتية .والدولة في هذا الصدد البد ،من أن تتجه في هذا املنحى خاصة أمام ما لقيته من تشجيعات ،من طرف االحتاد األوروبي، عبر املنحة التي قدمها لدعم جهودها من ناحية. ولتدبير االزمة من جانب آخر.ولتيسير الولوج للتعليم عن بعد .وبذلك يكون االحتاد األوروبي، قد التزم منذ 27مارس 2020بتخصيص ميزانية هامة لفائدة املغرب ،لدعم قطاع التربية والتكوين املهني ،واحتياجاته املستعجلة ،ملواجهة وباء كورونا .لذلك فما هو مطلوب من الوزارة الوصية، هو العمل على معاجلة االختالالت ،التي ظلت تنخر املنظومة التعليمية ،من تسرب وهدر واكتظاظ ،وكثافة املقررات ،وكثرة املواد ،ونوعية املضامني،االلتحاق املتأخر للتالميذ في بداية السنة الدراسية ،االنصراف قبل بداية العطلة ،عقم بعد املواد ومضامينها املاضوية املتحجرة .غياب سياسية واضحة ،تربط التعليم بالتنمية.أيضا التفاوت الصارخ من حيث معامل املواد ،بني ما هي أساسية وغير أساسية .غلبة الطابع النظري، سيادة التلقني و احلفظ ،دون التحليل أو التركيب أو االستدالل او احملاجة واالشكلة... ال بد من مراعاة تواجد التلميذ باملؤسسة وتقدير املرحلة التي يجتازها .انه اليشكل فاعال تربويا فحسب ،بقدر ما ينسج فيها عالقات وجدانية واجتماعية .وهو أمر البد من صقله ،وتاطير تواصله مع اقرانه .وتوجهه نحو تنمية مهاراته االجتماعية واألخالقية واإلنسانية... إن عدم التوجه نحو حتديث التعليم ،في اجتاه الرقمنة ،يسجل بكل تأكيد ،اختالالت على مستوى التنمية املستقبلية .التي ستجد نفسها غير مؤهلة لالنسجام مع متطلبات مجتمع الغد القريب. وهو ما ستكون له حتما انعكاسات سلبية ،على احلاضر واملستقبل. إن إقرار التعليم الرقمي تفرضه املرحلة .لذلك فال بد من تأطيره وتنزيله قبل أن يفوت الركب. وعليه ال بد من تأهيل شمولي للمنظومة التعليمية و مكوناتها النظرية والتطبيقية ،وكل فاعليها قارب املستقبل التربويني ،ليركب تعليمنا والنجاة بأمان وثبات .وبالتالي سيصمد ،أمام كل العواصف الهوجاء .وسيجعلنا أقوى ،وفي قلب اللحظة اإليجابية ،وما تتطلبه من مواكبة وانسجام. أذا كان التعليم الرقمي وسيلة حداثية ،فال بد بأن ميتزج بغايات ومضامني علمية وفلسفية ،موازية له .جتعل التلميذ املغربي ،ومعه املجتمع في قلب العالم املعاصر ،وما يفرضه من قيم كونية إنسانية حضارية ،توجب االنخراط ،لبناء حضارة إنسانية مشتركة.
*باحث تربوي
14
العدد 84يونيو 2020
ملف
التكوين املهني ضرورة اجتماعية واقتصادية ملسايرة حتديات النموذج التنموي
*ذ /محمد بادرة*
ال نظن أننا في حاجة إلى التدليل على أن التعليم نظام حياتي أي انه ممتد بامتداد احلياة سواء بالنسبة للمجتمع أو الفرد ،ومن هنا فهو ليس مشروعا محددا في الزمان واملكان ،ميكن تنفيذه أو تعديله وفق مخططات إصالحية قصيرة األمد بل هو نظام شامل له تاريخه وحاضره ومستقبله املمتد والبعيد ،ومن هنا تأتي احلاجة إلى إطار استراتيجي يوجه مسار التعليم وتطوره مع ربطه بخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية والبيئية
إن التوجه إلى إصالح املنظومة التربوية هو توجه إلى إصالح املجتمع باعتبار املنظومة التربوية النواة الرئيسية في املجتمع ،وعليه فان التربية والتكوين (املهني بالذات ) يشكالن إحدى الرهانات األساسية في التنمية الشاملة ، وإحدى الدعامات األساسية في القطاع االقتصادي ،وهي من املرتكزات الضرورية الكتساب الكفاءات املهنية في االقتصاديات املتطورة . أصبح من الضروري اليوم االجتاه نحو ربط محتوى التعليم باإلنتاج والتنمية االقتصادية واالجتماعية إزاء التغيرات املنتظرة أو احلاصلة في اقتصادنا وتنظيمنا االجتماعي ، لذا من احملتم أن يتغير محتوى التعليم ومناهجه بحيث يزود الفرد باملعارف واملهارات والتقنيات التي متكنه من القيام بدور إنتاجي واجتماعي ،ويجب ربط تعليمنا بالتكنولوجيا احلديثة في جميع أطواره ومستوياته حتى تختفي احلواجز والفوارق بني التعليم العام والتكوين املهني . انه لم يعد من املسموح به رؤية أي قطاع من قطاعات التربية والتكوين مستقال بذاته ولذاته ،فالنظام التعليمي بكل أطواره وأنواعه كل ال يتجزأ والتكوين املهني من خالل هذا املنظور الكلي للنظام التعليمي ما هو إال نظام فرعي له يخضع لشروطه ويعتبر محصلة عوامله . ولقد ازدادت أهمية التكوين املهني والتعليم التقني في العقود األخيرة ولذا يحتاجان إلى إستراتيجية وطنية للنهوض بهما قصد حتقيق التنمية املستدامة بأبعادها البشرية والبيئية واالقتصادية واالجتماعية ... وانه رغم اجلهود التي بدلت في العقود األخيرة لتطوير هذا التعليم أو التكوين كما ونوعا والعمل على زيادة قدرته على اجتذاب أعداد اكبر ونوعيات أكثر مالءمة إال أن هذا الصنف من التعليم التكويني املهني ما يزال يحتل شريطا ضعيفا ونسبة مائوية هزيلة إذا ما قورن بالتعليم العام في بلد تتوقف حركة التنمية فيها على توافر اطر وكفاءات ويد عاملة فنية – مهنية مدربة .وكشف عبد اللطيف ميراوي عضو املجلس األعلىللتربية والتكوين والبحث العلمي (محدودية ولوج خريجي مراكز التكوين املهني إلى سوق الشغل رغم التطور املطرد للطاقة االستيعابية التي بلغت ألفي مؤسسة وفضاء للتكوين بالقطاعني العام واخلاص تستقطب أزيد من 400ألف متدرب وتنويع مسالك التكوين ...إال انه ال يلج سوق الشغل سوى 60في املائة من اخلريجني مما يعني أن 40في املائة منهم يظلون عاطلني). وخلص نفس الشخص إلى وجود اختالالت بنيوية متعددة تعيق بلوغ األهداف املتوخاة من التكوين املهني ،أهمها أن منوذج التكوين يفتقر إلى (االنسجام وااللتقائية ،ويتسم بتداخل عدة أنواع وأمناط ومقاربات لعمليات التكوين ). وإننا حني ننظر إلى نسب توزيع التخصصات املختلفة في هذا الصنف من التكوين جند أن التعليم أو التكوين في امليدان التجاري وأخلدماتي والسياحي يحتل املساحة األكبر ويليه التكوين في امليدان الصناعي والصناعة التقليدية ثم امليدان الزراعي والصحي والصيد البحري ,,ويقف املرء حائرا أمام هذا التوزيع حني نرى نسبة التعليم التقني الزراعي ال تعكس صورة بلد يسوق على انه بلد زراعي بامتياز . إن البرامج اإلصالحية املتتالية التي انطلقت منذ بداية األلفية الثالثة وخاصة مشروع اإلصالح التربوي الشامل حتت قيادة حكومة التناوب التوافقي ( امليثاق الوطني للتربية والتكوين
) مت البرنامج أالستعجالي إلى مشروع الرؤية اإلستراتيجية لإلصالح ... 2015/2030كانت كلها مسارات متسلسلة تسعى لتجاوز معيقات تطور التكوين املهني وتقترح حتقيق سالسة اكبر في املمرات بني األسالك واملستويات وتوفير إمكانات التوجيه وإعادة التوجيه نحو الشعب التقنية والتكوين املهني استجابة مليوالت املتعلمني ...مما أعطى دفعة قوية لقطاع التكوين املهني باستقباله لعشرات اآلالف من التالميذ والطلبة اغلبهم وان كان بسبب الفشل في متابعة الدراسة أو االنقطاع ألسباب اجتماعية ...لكن يبقى قطاع التكوين املهني غير قادر على تلبية رغبات الكثيرين مما وضع هذا القطاع بني حتديني :أي بني إعادة تأهيل هذه اجليوش من التالميذ ،وبني حتسني قابليتهم للتشغيل في سوق العمل في ظل النقص الكبير في التنمية والتنظيم الذي يعاني منه هذا القطاع . وعزا السيد عبد اللطيف ميراوي هذا الوضع املختل إلى عدم مالءمة التكوينات املقترحة حلاجيات سوق الشغل أساسا والى جانب ضعف مستوى اخلريجني ...إضافة إلى ضعف عقلنة استعمال املوارد املرصودة واستثمارها األمثل . إذن ما هو واقع التكوين املهني في بلدنا ؟ ما هو اثر اإلصالحات التربوية املتتالية على هذا القطاع ؟ ما هي التحديات التي يواجهها التكوين املهني في ظل االحتياجات املتزايدة لالقتصاد الوطني ؟
مدخالت التكوين املهني: الكم الذي ال يالئم الكيف
منذ إنشاء مراكز التكوين املهني تقوم هذه األخيرة باستقبال التالميذ والطلبة الذين انهوا دراساتهم بنجاح أو توقفوا أو انقطعوا عن الدراسة على اختالف شعبهم ومستوياتهم ،إال أن السمة الغالبة على هذا الصنف من التعليم أو التكوين هي أن مدخالته تكاد تكون مقتصرة على ذوي املعدالت املنخفضة ممن لم يسعفهم احلظ بااللتحاق بالتعليم اجلامعي أو التعليم التقني العالي أو االستمرار في نظام التعليم العام ،ولذا يبقى هو املالذ األخير للمضطر الكاره في اغلب األحيان . أ -إننا ال نتوفر على ما يكفي من الدراسات إالحصائية الدقيقة والبحوث العلمية امليدانية عن املواد الدراسية التي أدت إلى تدني معدالت التالميذ الذين جلئوا إلى التكوين املهني ،كما ال نتوفر على ما يكفي من الدراسات السوسيو اقتصادية وثقافية التي ميكنها أن تفسر وتعدد أسباب االنقطاع والهذر املدرسي في هذا التعليم بالرسوب والتسرب ،إال أن املالحظة املتكررة والظاهرة البارزة عن أسباب تدني معدالت هؤالء املتعلمني من ضحايا الهدر املدرسي ،هي أن موادا مثل اللغة الفرنسية ،والرياضيات ،والعلوم ،هي من املواد التي تسبب في الرسوب والتسرب مع العلم أن هذه املواد ذاتها هي املواد األساسية في أي نظام تعليمي وفي التكوين ذي الطابع التكنولوجي أو املهني مما قد يشير إلى عدم مالءمة مدخالت هذا التكوين ملتطلباته ،حيث أن التكوين املهني مبستوياته وتخصصاته يعتمد على هذه املواد ( الفرنسية – الرياضيات – العلوم التطبيقية ),,أكثر ما يعتمد على املواد األخرى ذات الطبيعة الثقافية أو األدبية . ب -إننا – كذلك -ال نتوفر على دراسات وبحوث ميدانية كافية تتناول خلفيات التالميذ الذين يلجون هذا الصنف من التكوين حتى نلقي الضوء على املستوى االجتماعي واالقتصادي للتالميذ امللتحقني بهذا الصنف من التكوين أو باملستوى التعليمي لآلباء
واألسر وتوزعهم بني القرى واملدن حتى تتوافر لدينا رؤية أعمق لعوامل اجلذب لهذا التكوين .وهذا ال يعني أن التكوين املهني ال يجدب تالميذا وطالبا على مستوى أكادميي متميز ولكنها حاالت نادرة ال تغير الصورة الكلية . في دراسة « لليونيسكو « عن آفاق وتطورات التعليم التقني والتكوين املهني ترى هذه األخيرة أن العديد من املشكالت املتأصلة في التعليم التقني هي مشكالت مشتركة على الرغم من االختالفات الكبيرة بني البلدان ...وترجع هذه الدراسة ظاهرة العزوف عن االلتحاق بالتعليم التقني والتكوين املهني إلى : < أنظمة التعليم التقليدية . < مواقف املربني والعامة التي تنزل التعليم املهني إلى مرتبة دنيا رغم التحسينات واإلصالحات التي دخلت إلى هذا التعليم (فاآلباء وأطفالهم يفضلون الدراسات ذات الطبيعة األكادميية التي ميكن أن تؤدي إلى املهن ذات املرتبة العليا ،الن التعليم املهني طريق مسدود ال يقود لدراسة أعلى مما يقتل الطموح ،ومن هنا يصبح التعليم املهني تعليما من املرتبة الثانية للطالب األقل قدرة أكثر منه خيارا عمليا ألكثرية الناشئة ) اليونيسكو – التطورات في التعليم التقني واملهني – باريس 1985 وبالرجوع إلى واقع البرامج التكوينية في بلدنا ميكن القول بان التكوين املهني رغم النتائج احملققة إال انه ما يزال يعاني من معيقات أثرت على فعالية املجهودات املبذولة واألهداف املوضوعة من اجل جتسيد التنمية املستدامة . ومن أهم معيقات تطور قطاع التكوين املهني الذي يعول عليه لتحقيق االرتقاء االجتماعي : < أ -النظام التربوي احلالي وما يتسم به من جمود وانغالق متمثل أساسا في إتباع سياسة (الباب املغلق) أمام خريجي هذا النظام التكويني لالنتقال بصورة أفقية بني مسارات التعليم املختلفة وضيق آفاق متابعة املسار الدراسي بالنسبة لألشخاص الراغبني في ذلك ،وضعف التكامل بني التكوين املهني والتعليم العام ،وارتباط هذا النظام التكويني وتوزعه بني وزارات وهيئات مختلفة ( مكتب التكوين املهني وإنعاش الشغل – الفالحة – الصناعة التقليدية – الصيد البحري – السياحة )... -مما يحرمه من التخطيط الشمولي والتنسيق الكافي ،عالوة على التباينات املجالية ومحدودية مقاعد التكوين في عدد من اجلهات واملدن. < ب -جوانب بيئية واجتماعية : ويأتي في مقدمتها نظرة املجتمع السلبية نحو العمل اليدوي واستمرار التصور السلبي عن التكوين املهني باعتبار انه ال يشكل دائما اختيارا لبناء املشروع الشخصي للمتعلم وغياب املهارات اليدوية والعملية في برامج التعليم العام وما ترسب في األذهان من ضرورة إكمال الدراسة اجلامعية والتعليم العالي لكل من ينهي مستوى التعليم الثانوي ،ثم النظر إلى املتعلم املهني كفاشل لم يكمل التعليم إلى جوار نظرة العائلة إلى التكوين املهني باعتباره طريقا لعمل يدوي ال يتناسب ومركز العائلة . وأن متركز اغلب مراكز التكوين املهني في املدن الرئيسية يشكل عائقا أمام سكان املناطق البعيدة والقرى لاللتحاق بهذا التكوين . كما أن ضعف حجم وتأثير التنظيمات االجتماعية املهنية (اجلمعيات – االحتادات -النقابات املهنية ) ......لألطر املهنية يحرم هذا التكوين املهني من قوة مؤثرة ترعى شؤونه وتوثق العالقات بني خريجيه وتبرز مكانتهم االجتماعية أسوة بالنقابات اخلاصة بالتعليم والصحة واجلماعات احمللية... ..
15
العدد 84يونيو 2020
< ج -ضعف اإلعالم والتوجيه املهني : إن ضعف التوجيه املهني أو اإلعالم املهني في املراحل الدراسية التي تسبق مرحلة التعليم الثانوي أو اإلعدادي يحرم املتعلمني من التعرف على بنية املهن في مجتمعهم وفرص العمل املتاحة وأولوياتها كما أن عدم ممارستهم خلبرات ومهارات يدوية في التعليم العام ال يسهم في توكيد قيمة العمل واحترامه لذي املتعلمني . < د -احلوافز واملستقبل الوظيفي في تقرير للمجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يشير إلى أن سوق الشغل ال يلجها سوى 60في املائة من اخلريجني مما يعني أن 40في املائة منهم يظلون عاطلني ،ومتثل قلة احلوافز املهنية واملادية أمام خريجي هذا التكوين عائقا يحول دون التشجيع لإلقبال عليه نتيجة التمييز الواضح في هيكل األجور ونظم الترقيات .
من اجل تطوير التعليم والتكوين املهني لضمان االندماج املهني في سوق الشغل
في عاملنا اليوم الذي يشهد ثورة معرفية ورقمية غير مسبوقة في التاريخ اإلنساني هو عالم تتنافس فيه اقتصاديات الدول على عنصر اجلودة في تكوين الرأسمال البشري باعتباره أساس التنمية في أبعادها االقتصادية واالجتماعية والبيئية . ومن اجل مواكبة هذه التطورات احلاصلة في العالم أدرك اجلميع بان كل من أصناف التكوين والتعليم املدرسي واجلامعي واملهني هي األدوات الفعلية لالستثمار في املوارد البشرية التي سوف متكنها مستقبال من كسب رهان التنمية املستدامة . و دعت منظمة اليونيسكو في تقاريرها وتوصياتها لتطوير املنظومة التربوية والتكوينية وتنميتهما وذلك على أساس أن : < يكون التكوين املهني والتقني جزءا ال يتجزأ من التعليم العام . < ويكون وجها من أوجه التربية املستدمية . < وسبيال لاللتحاق بقطاع مهني . من هذا املنطلق دعت توصيات « اليونيسكو» إلى إقامة عالقة جديدة بني التربية واحلياة العاملة واملجتمع بعامة وان يصمم هذا التعليم لكسب رهان التنمية. وفي هذا اإلطار جاءت اإلستراتيجية الوطنية للنهوض بقطاع التكوين املهني حني مت تقدمي برنامج ضخم أمام جاللة امللك يوم 4ابريل 2019بلغت تكلفة استثماره 3,6ماليير درهم الجناز 12 مدينة للمهن والكفاءات على مستوى مختلف جهات اململكة ،وتعد مبثابة منصات متعددة األقطاب والتخصصات للتكوين املهني وستستقبل كل سنة 34ألف متدرب وسيدشدن هذا البرنامج جيال جديدا من مؤسسات التكوين املهني ،توفر تكوينا مهنيا ذي جودة عالية قادر على تلبية حاجيات سوق الشغل من الكفاءات ، كما ميكن من تعزيز قابلية تشغيل الشباب . يتمحور تصور مدن املهن والكفاءات حول ثالث ركائز أساسية تهم توفير عرض تكويني محني -فضاءات بيداغوجية حديثة - وتثمني الرأسمال البشري . هذه اإلستراتيجية اجلديدة حتمل في طياتها نظرة استشرافية لهذا القطاع احليوي والضروري لتحقيق التنمية املستدامة ، وإلجناح البد من القيام بإجراءات إصالحية موازية من قبيل : - 1حوكمة قطاع التكوين املهني تعتبر حوكمة هذا القطاع أول ركائز النهوض بهذا القطاع االستراتيجي: < أ -تقوم احلوكمة على عنصر اجلودة في وضع التخصصات والبرامج وتوفير مختلف الوسائل البيداغوجية الالزمة من اجل توسيع خيارات املتكون وتنمية قدراته االبتكار ية . < ب -تقوم حوكمة قطاع التكوين املهني على ضرورة انفتاح هذا القطاع على مختلف الشركاء االقتصاديني واالجتماعيني وبصفة خاصة تعزيز الروابط العلمية والبحثية مع مختبرات البحث العلمي في اجلامعات واملعاهد الوطنية نظرا لوجود العديد من الروابط املشتركة بني هذين القطاعني املتقاربني جدا على مستوى االبتكار والبحث واالعتماد على التكنولوجيا . < ج -تقوم احلوكمة في هذا العصر التكنولوجي على ضرورة انفتاح قطاع التكوين املهني على املهن والتخصصات اجلديدة وعدم االقتصار في كل سنة على نفس احلرف واملهن وذلك من اجل
ملف مواكبة اقتصادنا لألسواق العاملية والصناعات املتطورة التي أصبحنا نتناول منتجاتها وتطبيقاتها الذكية . - 2إشراك القطاع االقتصادي في التمويل < يعتمد هذا التكوين في موارد متويله على التمويل احلكومي سواء من امليزانية العامة للدولة أو من امليزانية املخصصة للتربية والتكوين أو ميزانية اجلماعات احمللية واجلهات ،ويالحظ أن املستعمل واملستفيد النهائي من مخرجات التكوين املهني هو القطاع االقتصادي ومؤسساته التي متثل سوق العمل وهذا القطاع ال يسهم في متويل مؤسسات التكوين املهني إال بشكل ضئيل وال تقدم شيئا ذا بال لتطوير وتنمية قطاع التكوين والتعليم املهنيني من مواردهم املتاحة . < إن مساهمة كل القطاعات االقتصادية في التمويل يعني شيئا اكبر من مجرد تقدمي األموال ،انه يعني االهتمام واملشاركة واملتابعة وإحكام الصلة بني مراكز التكوين ومواقع العمل واإلنتاج . - 3إلغاء احلواجز القائمة بني مختلف مستويات التعليم ومجاالته وبني التعليم والتكوين والشغل ،وبني املدرسة واملجتمع وذلك : < بدمج التكوين املهني في كافة مسالك التعليم بعد التعليم االبتدائي وإنشاء بني تربوية مفتوحة ومرنة. < مراعاة احتياجات األفراد التعليمية والتكوينية وتطور املهن والوظائف . < أن يكون التكوين املهني جزءا ال يتجزأ من التعليم األساسي عبر تعزيز وتوظيف التكنولوجيا البيداغوجية والعمل على إدخال الوسائل التقنية واملهارات اليدوية في التعليم العام لكسر احلدة النظرية لهذا التعليم وإعادة التوازن بني جوانبه النظرية والتطبيقية وتدريب التالميذ على بعض املهارات العملية التي تعينهم على التعامل الذكي مع منجزات التكنولوجيا التي يستخدمونها في حياتهم اليومية والتعرف على بنية املهن في مجتمعهم كما ميكن تعرفهم على إمكاناتهم وقدراتهم واملهن املالئمة لهم ليؤدي ذلك كله إلى تكوين اجتاهات ايجابية نحو العمل املهني واحترامه واعتباره قيمة كبرى في حياة الفرد واملجتمع. 4تنويع التخصصات مع االعتماد على املقاربة البيئيةترتبط التنمية املستدامة بشكل كبير على اجلوانب البيئية ، وفي هذا الشأن أصبح املغرب كغيره من دول العالم يعاني من مخاطر التهديدات البيئية على غرار التلوث بأشكاله ،ومن زحف الرمال والتصحر وتلوث املياه ،وضعف معاجلة املياه العادمة ، وارتفاع درجة احلرارة...وغيرها من التهديدات البيئية مما يتطلب وضع سياسات وقائية وبرامج تربوية وتكوينية مالئمة ومواتية ملثل هذه الظواهر البيئية ومن ذلك إدراج االعتبارات البيئية في تخصصات وشعب التكوين املهني ،تخصصات تعمل على احملافظة على البيئة عبر التحكم في تكنولوجيا الطاقات املتجددة ( الشمسية – الريحية –املائية )... ومن شان ذلك أن يساهم في ربط هذا القطاع بركب الثورة التكنولوجيا في جانبها التطبيقي ولنا في االقتصاديات العمالقة لدول جنوب شرق آسيا أحسن األمثلة ،فهي اقتصاديات استطاعت كسب رهان التنمية من خالل التحكم في التكنولوجيا وتطبيقاتها الذكية والطاقات املتجددة. من هنا نصل إلى القول بان قطاع التكوين املهني قطاع واعد من اجل حتقيق التنمية املستدامة بابعاها البشرية واالقتصادية والبيئية وإدراكا منها بأهمية هذا القطاع االستراتيجي في حاضر ومستقبل الوطن أقرت الدولة في اآلونة األخيرة برنامجا ضخما قدم أمام جاللة امللك في 4ابريل 2019وبغالف مالي استثماري بقيمة 3,6ماليير درهم عبر اجناز 12مدينة للمهن والكفاءات على مستوى مختلف جهات اململكة . كما أن املشاريع التربوية اإلصالحية وخصوصا وثيقة الرؤية اإلستراتيجية 2030 /2015قدمت مقترحات ألجل توسيع عرض التكوين املهني من قبيل : < الرفع من الطاقة االستيعابية للتكوين املهني بإحداث مؤسسات جديدة مع إعادة هيكلة املؤسسات احلالية . < تقوية اجلسور بني التكوين املهني والنسيج االقتصادي وبني التكوين املهني واجلامعة وجتديد التكوينات ومالءمتها بانتظام . < تشجيع املقاوالت واجلمعيات واملجموعات املهنية على توفير التموين املهني داخل مؤسساتها .
< تعزيز التكوين املهني جهويا وباألوساط القروية واملناطق النائية < إحداث مسار التعليم املهني ينطلق من اإلعدادي ميكن املتعلمني الراغبني في ذلك وذوي امليول من التوجه نحو مسلك مهني بالثانوي التاهيلي يتوج ببكالوريا مهنية . < تطوير التكوين املهني التاهيلي املوجه خلريجي اجلامعات وحاملي الشهادات العليا والباحثني عن الشغل . ( الفصل األول – «من اجل مدرسة اإلنصاف وتكافؤ الفرص» – الرافعة اخلامسة)
تطوير التكوين املهني رهني بتطوير مؤهالت وقدرات املوارد البشرية وحتسني أوضاعها
إذا كنا قد استطعنا أن نحقق ارتفاعا ملحوظا في اإلقبال على هذا الصنف من التكوين فذلك راجع إلى تطور النشاط االقتصادي وتزايد فرص العمل املتاحة للخريجني واخلريجات من مراكز التكوين املهني وما اتخذ من إجراءات إلزالة الفوارق بني خريجي التعليم العام وخريجي التكوين املهني ،كما كان لإلصالحات التي أجريت بزيادة االهتمام بالتوجيه املهني ،كل ذلك ساعد على النهوض بهذا القطاع ،لكن الزال هناك الكثير من اإلجراءات واإلصالحات تنتظر هذا القطاع لينطلق بسرعة ،اذ علينا (القيام بجهد مخطط ومنظم وعلى نطاق واسع لنمكن كل فرد في املجتمع على اختالف مطامحه وقدراته بعد أن ينهي التعليم اإللزامي أن يجد فرصة للتعلم في املكان املناسب له وفي الوقت الذي يتفق وظروفه وباألسلوب الذي يساير أوضاعه ). إننا ما نزال نرى املستوى العلمي والتربوي واملادي للمكون املهني (املؤطرون واملدرسون واملتعاقدون واملتعاونون )....في طور االنتظار لرفع مستواهم العلمي والتربوي واملادي . وتفتقد البرامج احلالية ملخططات في إعداد املؤطر واملكون املهني وإكسابه خبرة ميدانية كافية تتيح له أن يكون قد مارس اإلنتاج في مواقعه واكتسب اخلبرة باملمارسة احلية على خط اإلنتاج وفي مواقعه وعاش مشكالت الشغل وسوق العمل وال يجب فقط االقتصار على اإلعداد العملي احلالي على متارين ودروس تطبيقية تؤدى في ورش ومختبرات املراكز أو في زيارات وتدريبات قصيرة . لقد أشارت نشرة « اليونيسكو « لسنة 1988وفي صفحتها األولى إلى هذه املشكلة فذكرت أن قضية املدرس أو املكون في التكوين املهني ال بد أن يكون على مستوى عال من التأهيل ليستطيع أن ميارس أدواره كمنظم ومخطط لعمله في اتساق تام مع التطورات االقتصادية في مجتمعه كما أشارت ذات النشرة إلى انخفاض رواتب املكونني عن نظرائهم الذين يشتغلون في التعليم العام وهذا ما ميكن أن يودي إلى حرمان هذا القطاع من الكفاءات املتميزة الالزمة له. كما أن سياسة التوجيه في هذا القطاع البد من إعادة النظر فيها فالتوجيه ما يزال يفتقر إلى اطر متخصصة وأدوات علمية ميكن الوثوق بها تعني على تعرف املتعلم على ميوله وقدراته بالنسبة للمهن والتخصصات املختلفة ليكون التوجيه مؤديا لدوره العلمي احلق في زيادة قدرة الفرد على تعرف قدراته وإمكاناته وعالم الشغل وفرصه ومطالبه مبا ميكنه من االختيار الناجح ملستقبله املهني حتى ال يصبح التوجيه مجرد عملية دفع املتعلمني وفقا ملعدالتهم نحو التكوين املهني فننتقل بذلك من حالة العزوف عن التكوين املهني إلى إغراقه بدوي املعدالت العلمية الضعيفة واالستعدادات والقدرات غير املالئمة له مما يؤثر في مدى إقبالهم على الدراسة والتكوين وإبداعهم فيها . ليس الهدف أن ننجح في حشد أعداد كبيرة من املتعلمني على أبواب التعليم التقني واملهني وإمنا املهم أن يفدوا إلى هذا التعليم التقني واملهني ولديهم الرغبة وميلكون القدرة ليتخرجوا منه وقد اكتسبوا الكفايات التي ينتظرها سوق العمل من اخلريجني (.يوسف عبد املعطي)
*باحث تربوي /الدشيرة الجهادية
16
العدد 84يونيو 2020
ملف
في زمن كورونا :الالمركزية والالمتركز ...عالج ووقاية من احلجر التربوي
ذ /محمد بادرة*
يعيش العالم اليوم في حالة طوارئ وحجر صحي شامل على وقع اجتياح وباء كورونا املستجد « كوفيد »19وهو اجتياح بل اعصار وبائي يهدد وجود االنسان ،يفتك بجسمه وعقله واحساسه كما انه يهدد حاضره ومستقبله ... فقد اسقط عشرات االالف من الضحايا ومئات املاليني من احملتجزين في بيوتهم او في املشافي ،وشل احلياة وحركة املجتمعات ،وحاصر االفراد واجلماعات وحال بني تواصل الدول واالمم ،كما انه صاحبه زلزال عاملي من الهلع واخلوف ضرب كل ارجاء االرض مما حول هذا العالم الى كرة تاجية موبوءة تصيب كل شبر وكل منطقة باملوت واجلمود والعطالة واحلجر ..من قبيل تعطيل املدارس واجلامعات واملطارات واملراكز الرياضية واحلدائق واملطاعم وأماكن العبادة وغيرها من املرافق احليوية في محاولة للحد من انتشار الوباء والتحكم فيه ومواجهته .
عملت كل دول العالم باستنفار كامل لطواقمها البشرية وطاقاتها املادية حلماية مواطنيها من وباء كورونا املستجد ،وفي نفس اآلن عملت على تفادى الشلل االقتصادي واالجتماعي والتربوي ومحاولة التنفس – ولو اصطناعيا -حتت وطأ ةالفيروس لإلبقاء على روح املقاومة واستمرارية احلياة وتالفيا للشلل التام الذي قد يصيب بعض املرافق احليوية ومبوازاة مع مواجهة الفيروس قامت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين املهني والبحث العلمي بإطالق منصات الكترونية و استغالل وتوظيف القنوات التلفزيونية الستئناف الدروس عن بعد ،في محاولة منها إلكمال املوسم الدراسي رغم ظروف اجلائحة . اذا كانت الوزارة قد وظفت كل ما لديها من موارد سمعية وبصرية ومنصات الكترونية وشاركها االالف من املدرسني في هذه العملية باستعمال الوسائط التقنية احلديثة(مقاطع الفيديو- التسجيالت الصوتية -االقسام االفتراضية عبر )...Microsoft Teamsفتحول التعليم عن بعد من اسلوب « التلقني « الى اسلوب « تفاعلي « مصحوب مبؤثرات بصرية وسمعية جتعل من العملية التعليمية « اجلامدة « عملية اكثر جذبا تساعد التالميذ على الدخول الى احملتوى دون التوقف عند حتريك صفحات االوراق . اذا كانت هذه االستراتيجية القائمة على التعلم عبر االنترنيت تستنزف الكثير من اجلهد والتحديات واالمكانات التي تواجه املدرسني واالباء واولياء االمور ،لكنها ال حتقق االنصاف حيث انعدام تكافؤ الفرص يبلغ حدا غير مقبول ،ويزداد تفاقما في املناطق النائية حيث وسائل التواصل غير موجودة او ضعيفة ،وكذا لذى الشرائح االجتماعية الفقيرة اذ العديد من هؤالء االطفال ال ميلكون مقومات الدراسة فضال عن صعوبة اتصالهم باألنترنيت او عدم امتالكهم للحواسيب احملمولة او الثابتة بل منهم من ال يجد اي مساندة من وسطهم االجتماعي والعائلي وال من اجلهات الوصية على النحو املأمول في حني يحظى االخرون بكل ما سبق لذا يتعني تفادي اتساع هذه الفوارق او تقليلها . ان امام نظامنا التعليمي مهمة واحدة وهي التغلب على ازمة التعليم والتعلم التي اصابتها اجلائحة بسكتة تربوية – توقف نبض الدروس احلضورية مما يتطلب منا جميعا التصدي اوال للجائحةحماية حلياة اطفالنا وشبابنا ومواطنينا ,ثم احلد من االثار السلبية لهذه اجلائحة على التعلم والتعليم املدرسي ما امكن ،وبعدها االستفادة من هذه التجربة للعودة الى مسار حتسني التعلم بوتيرة اسرع .
يجب على نظامنا التعليمي مثلما يفكر في التصدي لهذه االزمة ان يفكر ايضا في كيفية اخلروج منها وهي اقوى من ذي قبل وبشعور متجدد للمسؤولية من جانب جميع االطراف الفاعلة فيها وبادراك واضح ملدى احلاجة الى سد الفجوات في فرص التعليم وضمان حصول جميع التالميذ على فرص تعليم جيدة ومتساوية . ان التعليم عن بعد الذي فرضته اجلائحة هو نسق اعقد من التعليم التقليدي ،فهو يحتاج الى نظام تعليمي اكثر كفاءة وادارة تربوية ومدرسية متحررة ومستقلة بقراراتها .واملعروف ان االدارة املدرسية التقليدية في نظامنا التعليمي متيل الى املركزية واجلمود بينما يكمن جناح التعليم عن بعد في الالمركزية والالمتركز واملرونة واالستقاللية الالزمني لتكامل عديد من املكونات املتباينة في نسق متكامل يسعى الى بلوغ غاية مشتركة . فعند تبني التعليم عن بعد يصبح مطلوبا مرونة القيادات التعليمية وهي في العادة اكثر جمودا ومتسكا بالسلطة واغترابا عن التعليم عن بعد ومحتواه التقني . ومن باب استخالص النتائج االولية للتعليم عن بعد ،بعد اكثر من شهرين ،الحظنا عدة صعوبات ونقائص في التعليم عن بعد من قبيل : حاجة املدرسني الى التدريب على استخداماالنترنيت والبرمجيات. حاجة املؤسسات الى توفير بنية تكنولوجيةحتتية مالئمة . حاجة مستخدمي االنترنيت الى التوفر علىسرعة عالية لنقل وتوصيل املعلومات –(التواصل مع االقسام االفتراضية يحتاج الى مستخدم االنترنيت بسرعة عالية دون تقطع في الصوت او الصورة ) احلاجة الى البرمجيات والتقنيات اخلاصةباألمن ألنه – على سبيل املثال ال احلصر -خالل اداء االمتحانات االلكترونية Line quizzesال يضمن االستاذ ان من يقوم بأداء االمتحان هو التلميذ نفسه وليس شخصا غيره . التكلفة املالية الباهظة لألجهزة واالدواتاملستخدمة في نظام التعليم عن بعد. ان اثار التعليم عن بعد اكثر تشتتا من اثار التعليم التقليدي ،ومن مت فهي اصعب في التقومي وتزداد هذه الصعوبة في البلدان التي يضعف فيها موضوع التقومي واالمتحانات وتقل فيها مصداقية جهود التقومي .فالتقومي في هذا الصنف من التعليم امر صعب ومركب لذلك يجب ان يتم التقومي من خالل فرق متكاملة تضم تربويني وخبراء في املوضوعات وفي التقنيات ووسائل االتصال احلديثة والقياس
وهو امر مكلف ماديا وتقنيا وبشريا . ان تعدد القنوات في التعليم عن بعد ليس كالتعليم العادي ،فبدال من مجرد « الثنائي « املدرس والتلميذ يقوم التعليم عن بعد على « الثالوث « مدرس عن بعد – مدرس االستوديو -ومتعلم عن بعد وميسر املوقع الذي يتعامل فيه املتعلم عن بعد بجوانب العملية التعليمية عن بعد .فهل منتلك في منظومتنا التعليمية كل هذه املوارد والتجهيزات واالمكانات والطواقم التقنية وهل نقدر على حتسني شروط التعليم عن بعد؟ اذا كان هناك من درس نستفيده من دروس كورونا املستجد هو انه أن االوان لتحقيق اصالح تربوي تعليمي شامل عبر اعادة هيكلة االدارة على اساس الالمركزية والالتركيز او الالمتركز وذلك من خالل نقل جل االختصاصات من املركز الى االكادمييات واملديريات االقليمية واملؤسسات التعليمية مما قد يساعد على السرعة في التقرير والبث والتقييم والتنفيذ املطلوبة في كل العمليات االصالحية وهذاما سيرفع االدارة التربوية لتكتسب صفات العقالنية واحلداثة . كم من الوقت انتظرنا للبحث عن سيناريوهات إلنهاء املوسم الدراسي بسبب قانون الطوارئ واحلجر املنزلي وتوقيف الدروس احلضورية؟ اليس هناك من يقدر على ابداع صيغ بديلة في جهات واقاليم اململكة وبالذات في املناطق التي لم تتعرض النتشار الوباء او قل فيها انتشار الوباء؟ اليس بإمكان جهات مثل الداخلة والعيون وكلميم وسوس ماسة وتادلة بني مالل ...ان تبرمج دروسا حضورية او تنظم امتحانات بكيفية من الكيفيات؟ ان جائحة الوباء قد حكمت علينا اليوم بان نتأهب ملواجهة حتديات ما بعد كورونا وحتديات العوملة « الوبائية « والعولة االقتصادية وهذا التحدي املزدوج ال يرحم كل من تهاون او تخاذل في االعداد الستراتيجية بديلة تواجه كل هذه التحديات ،ولقد صار لزاما علينا نحن ابناء مجتمعات العالم الثالث ان نعي بعمق بان مواجهة كل االخطار البيئية والوبائية واالجتماعية واالقتصادية تتأسس في املقام االول على ارساء منظومة تربوية وتكوينية تنشد لدى افرادها الكفايات االساسية التي تفرضها متطلبات التنمية الثقافية والسياسية واالقتصادية مع ضرورة ارساء النموذج التنظيمي الالمركزي الذي باستطاعته ان يحدث التغييرات النوعية املنشودة . - 1احلاجة الى التحرر من ارث التسيير املركزي الى نظام الالمركزية والالتركيز طبقا ملقتضيات الدستور والقوانني املنظمة
17
العدد 84يونيو 2020
للجهات واعتبارا لضرورة مالءمة التربية والتكوين للحاجات والظروف اجلهوية واحمللية قامت سلطات التربية والتكوين بإقرار الالمركزية و الال تركيز في قطاع التربية والتكوين ،كما ورد ذلك في (الدعامة اخلامسة عشرة من امليثاق الوطني للتربية والتكوين ) وتكرر ورودها في الفقرة 132 من الرؤية االستراتيجية لإلصالح 2015/2030 هذه االخيرة أكدت على (توطيد الالمركزية و الال تركيز والتدبير بالنتائج وعلى أساس التكامل والتجاوب مع الدور الفعال للسلطات املركزية في بلورة االستراتيجيات والتوجهات الوطنية الكبرى ).. هذا التوجه نحو الالمركزية و الال تركيز اإلداري هو سعي من املشرع اإلداري والتربوي لتأصيل ثقافة اإلشراك في التسيير والتنفيذ وتوسيع دائرتهما محليا وإقليميا و جهويا رغم انه مت إبقاء الصلة قائمة ومستمرة وقوية مع اإلدارة املركزية في جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية ,وهذا ما يكرس ممارسة غير متجانسة وسليمة مع الشأن التربوي سواء تعلق األمر باجلانب املعرفي والديداكتيكي أو اجلانب القانوني والتنظيمي. وإذا كنا نرى جهودا قد بدلت من اجل حتديث املنظومة التعليمية وجهودا متواصلة لتكريس الالمركزية و الالمتركز فانه على مستوى اإلدارة التربوية واإلدارة املدرسية لم يبدل جهد كبير على املستوى التشريعي والتنظيمي رغم أن هيئة اإلدارة التربوية تشكل الركيزة األساس لتنفيذ السياسات التعليمية بخططها وبرامجها ،فبقيت اإلدارة املدرسية و اإلدارة التربوية عموما على هامش املبادرات اإلصالحية وهامش التحفيز املادي واملعنوي سواء فيما يتعلق بإيجاد إطار مالئم للعاملني في اإلدارة التربوية شانهم في ذلك شان نظرائهم في القطاعات اإلدارية األخرى آو اإلنصاف في التعويض عن األتعاب واألشغال اإلدارية والتربوية ،كما أن هناك غياب في وضع سياسة محددة للتكوين املستمر ,وهو الشيء الذي يؤثر سلبا على وضعية العاملني في اإلدارة املدرسية ويحدث عطبا إنسانيا و تقنيا وإداريا و بيداغوجيا داخل اآللة احملركة للجسم التربوي العام ,فبقيت إدارتنا التعليمية تعاني من أعراض متنعها من املساهمة الفعالة في تطوير التعليم . ومن ابرز هذه األعراض املزمنة التي ما تزال تنهكك اجلسم اإلداري والتربوي : - 1املركزية املطلقة حيث القرارات الكبيرة والصغيرة تؤخذ على مستوى اإلدارة املركزية مما ساهم في ترسيخ نزعة تقديس النصوص وشخصنة السلطة وطاعة املوظفني لألوامر وتنفيذ التعليمات ,فنجم عن ذلك تنامي االنحرافات في التسيير مما يثير الشك حول وجود ارادة سياسية وتربوية حقيقية إلصالح االدارة كتوطئة ومدخل ألجل اصالح التعليم. - 2عدم حصر او حتديد املهام اجلديدة لإلدارة املركزية بعد صدور قانون إحداث األكادمييات اجلهوية للتربية والتكوين وحتديد مهامها واختصاصاتها وهو ما لم يرد في امليثاق الوطني للتربية والتكوين (وان كانت اإلشارة فيها أن األكادمييات متارس ما يزيد عن 12اختصاصا حسب املادة ، 162مع اختصاصات أخرى إضافية جديدة )....مما يتطلب الكشف عن املهام اجلديدة
ملف لإلدارة املركزية في إطار التحول املتجه إلى تطبيق الالمركزية . - 3تطبيق الالمركزية على املستوى اجلهوي ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يتم تشخيصها بالكامل وخاصة تقومي خبرات الفاعلني ،عالوة على القطائع املكرسة بني الفاعلني في مختلف املجاالت االقتصادية واالجتماعية والتعليمية مما يجعل التنسيق بني هذه املجاالت والقطاعات عملية صعبة-( .محمد فاوبار)- - 4انعزالية القرارات حيث التواصل يكاد ينعدم بني املصالح اإلدارية إن عموديا أو أفقيا وبني اإلدارة واملعنيني املباشرين بالقرار: فعموديا يتخذ القرار بدون استشارة القاعدة أو احللقات اإلدارية الوسيطة وال يهتم قط مبشاركة املعنيني بالقرار خارج اإلدارة الشيء الذي يترتب عنه عدم االهتمام والسلبية واالتكالية. ان اصالح االدارة التربوية في نفس مستوى اصالح املناهج والبرامج الدراسية ( فجهاز االدارة هو املصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تقطيع وتنظيم انتقال املعلومات واملقررات التربوية من االعلى الى االدنى ضمن اطر محددة متر عبر سلسلة من املستويات االدارية ) – محمد فاوبار. وانطالقا من اهمية دور الفاعلني في االدارة التربوية في اجناح اي مشروع اصالحي اكد امليثاق الوطني للتربية والتكوين ومشروع الرؤية االستراتيجية 15/30على اختيار الالمركزية والالمتركز كنهج اداري استراتيجي إلصالح االدارة التربوية ذلك الن: < الالمتركز اصبح يفرض نفسه كأسلوب ناجع في االدارة التربوية وليس مجرد رغبة في التخفيف من اعباء االدارة املركزية ،وهذه االخيرة تعمل من سنة الى اخرى في تفويض بعض االختصاصات للمديرين اجلهويني واالقليميني لتخفيف العبء عن موظفيها ومستخدميها او رمبا بسبب تقلص املوارد البشرية في االدارة املركزية بعد « الهجرة اجلماعية « نحو التقاعد واملعاش التي فتحتها املغادرة الطوعية فأفرغت املكاتب االدارية والفصول الدراسية من االطر االدارية والتربوية مما يوحي ان عملية تفويض بعض االختصاصات ماهي اال تنازل وعطاء لتخفيف العبء على االدارة املركزية وليس وفق استراتيجية وتنظيم اداري مقصود لذاته مما يجعلنا امام وجه اخر للمركزية التي حتتفظ باملهام االساسية وتفوض ما هو شكلي وتنفيذي . < ان مبدا الالمتركز يقتضي تفويض الصالحيات والسماح باتخاذ املبادرات املسؤولة وفي مجاالت معينة ومحددة حتى ال يسود التخبط واالضطراب في املسؤولية وفي املهام وحتى ال يحدث االنقسام بني املصالح املركزية من جهة واالدارات واملؤسسات واملصالح واملديريات اجلهوية واالقليمية من جهة اخرى < ان مبدا الالمتركز يقتضي تخويل مهام ذات الشأن املصيري الى املصالح اخلارجية اجلهوية واالقليمية حتى ال تبقى هذه االخيرة مجرد اداة منفذة للتعليمات او للقرارات الصادرة من املركز خصوصا وان هذه االدارات االقليمية او اجلهوية اصبحت تراكم اخلبرات والتجارب سنة بعد اخرى وتتابع وتعايش باستمرار كل االوضاع واملستجدات التعليمية وهي دائما تواكب هذه االوضاع وتبحث
لها عن حلول مرضية او مؤقتة اما بتنسيق مع االدارة املدرسية او مع السلطات احمللية او مع املؤسسات التمثيلية احمللية او مع الفروع النقابية وجمعيات االباء وجمعيات املجتمع املدني وهذا ما اكسبها من اخلبرة والنضج والدراية ما يعينها لتجاوز كل الصعاب والتحديات ويسمح لها بتحمل اختصاصات جديدة في مستوى التفكير والتخطيط والتنفيذ < ان من مبادئ الالمتركز تسهيل العمل وتبسيط املساطر واعطاء الصالحيات الضرورية ملن تناط بهم مهمة تنفيذ السياسة التعليمية من مديرين جهويني واقليميني ورؤساء املؤسسات ورؤساء املصالح واملكاتب مع توفير الوسائل واملوارد واالمكانات للتنفيذ وضمان النجاح لكل القرارات واملخططات واملشاريع . < ان الالمتركز يفرض تفهما اوسع وتصورا اشمل ملفهوم التخطيط االستراتيجي والسياسة التربوية عامة اذ من شان هذا الفهم اجلديد في تدبير الشأن التربوي ان يساعد على توزيع عادل للمهام مع حتمل املسؤولية والقيام بتنفيذها كما يفرضها اسلوب الالمتركز وانه وان حاولت االدارة املركزية نقل الكثير من املهام او تفويضها للمديرين االقليميني واجلهويني اال انه يالحظ اعتماد اشكال وسلوكات متباينة او متناقضة في التسيير والتدبير واالشراف تبعا «الجتهادات» وانطباعات تغلب عليها الذاتية واخلصوصية تارة او تقوم بتدخالت ادارية عشوائية و قد تنبطح او تنحني وتستسلم امام قوة هذا اللون النقابي او ذاك وامام هذا املسؤول او ذاك ،اضافة الى نوعية املوظفني الذين يعينون او يكلفون بتسيير املكاتب واملصالح وفي غياب التجهيزات والوسائل واملوارد الالزمة ...لذا ال بد إلجناح وانطالق الالمتركز القيام اوال بتقومي االساليب املتبعة في التسيير االداري والتربوي ومدى صالحية الكفاءات املعتمدة واملوجودة. < ان الالمتركز االداري يتطلب وضع استراتيجية شاملة محصنة بقوانني ومساطر تساعد املسؤولني اجلهويني واإلقليميني ورؤساء املؤسسات وتدعمهم مركزيا من كل املؤثرات اخلارجية التي قد حتد من مبادراتهم وصالحياتهم وجتاوز االجراءات والقوانني املعتمدة مركزيا . واجماال ميكن القول ان االطار التشريعي والتنظيمي في مجال التسيير والتدبير الالممركز قطع اشواطا ال باس بها ،لكن هذا املجهود التشريعي والتنظيمي يحتاج الى تأهيل متعدد املستويات لإلدارة العمومية كلها ،والى اصالح بنية املؤسسات العمومية ذاتها ـ االمر الذي يقتضي حربا ثقافية على النزعة التسلطية في االساليب االدارية وتغييرا مستمرا في اساليب القيادة في التنظيمات االدارية ...والالمركزية هي االلية واالداة السياسية الكفيلة بتفكيك متركز السلطة التربوية وتوزيعها على اجلهات واالقليم وكل الوحدات االجتماعية والتربوية احمللية والصغرى ...فهل زمن ما بعد كورنا كفيل بتسريع وبلورة نهج الالمركزية والالتركيز في قطاع التربية والتكوين؟ *باحث تربوي
18
العدد 84يونيو 2020
ملف
املنظومة التعليمية باملغرب :ثنائية الرغبة واالنتظار.
سليمان بنعدي*
الأحد يجادل في أهمية التعليم كرافد من روافد التنمية عامة ،التنمية البشرية على اخلصوص،كما الأحد يختلف حول اجلهود التي ُبذلت،على األق ملنذ استقالل املغرب،من أجل تأسيس وتطويراملنظومة التعليمية والتربوية بالبالد،واعتبارها الرهان الثاني بعد الوحدة الترابية .لكن واقع هذه املنظومة ،اليشفي غليال لكثيرين بالنظر لإلمكانات الهامة التي ُرصدت لهذا القطاع،املجهودات التنظيمية والتأطيرية والعلمية التي بذلت للرفع من جودة املنظومة وجعلها تساير حاجيات التطورواعتبارالتعليم كرهان ملواجهة حتديات احلاضرواملستقبل ..لكن هذه اجلهود سرعان ماتنطفئ جذوتها وتخبو أنوارها ،لتتم محاولة إضاءة جديدة في كون لها نفس املصير
إن تعدد محاوالت اإلصالح التي عرفتها املنظومة التربوية منذ االستقالل ،منها محاوالت البناء ومحاوالت التطوير، لدليل على أهمية التعليم والتربية من جهة ،وأيضا كأداة توازن وحتكم من جهة أخرى .فاملبادئ التأسيسية األربعة للمنظومة واملتمثلة في التوحيد ،التعميم،ا لتعريب واملغربة (،)1وحتصينا لتعليم بوضع أجهزة تنظيمية وتوجيهية كالوزارة واملجلس األعلى للتعليم ،فأصبحت املدرسة كأداة لالندماج االجتماعي ومشروع لبناء اإلنسان واملجتمع .إال أن هذا التوجه سيتعرض ملراجعات أكدت مع مرورالزمن أن املبادئ التي قامت عليها املنظومة كانت توافقية فيبعدها السياسيبني القوى السياسية ُبعيدا الستقاللك محاولة للهروب إلى األمام، وليست نابعة عن بعد تعاقدي يضمن االستمرارية ( .)2هكذا بدأ يتأكد التعليم كمجال للتدافع االجتماع يواإليديولوجي منذ نهاية السبعينات من القرن العشرين،وبدأت محاوالت اإلصالح تسير في اجتاه واحد ،وهومحاولة التحكم في التعليم جلعله أداة إلعادة اإلنتاج وتشديد املراقبة عليه، من خالل مجموعة من التدخالت منذ 1965م مرورا مبناظرتي إفران وسلسلة االحتجاجات ووضع قانون أساسي لوزارة التربية الوطنية ( ،)3()1985وسلسلة التدخالت البيداغوجية كتقليص حصص الفلسفة وإحداث شعبة لدراسات اإلسالمية في التعليم اجلامعي ،ومسلسل التعريب. لقد شهد قطاع التعليم عدة جتاذبات ومحاوالت إصالحية ، وبقدر وجود إرادة قوية لوضع التعليم على السكة الصحيحة ،ورصد ميزانيات ضخمة تطلبتها التدخالت اإلصالحية ،لكن سرعان ما يتم التخلي عن تلك املجهودات وذوبانها كما يذوب امللح في املاء ،دون عملية تقييم ،لنعود الى نقطة االنطالق مع استمرار تدحرج كرة الثلج التي تلتحق بها التطورات اجلديدة لتنضم إلى التراكمات القدمية فتستمر كرة الثلج في االمتالء. من أجل توضيح املشهد سنعمل على توظيف ثالث محطات تبرزما ذهب إليه التحليل ،من انطالق اإلصالح لتكسراجلهود وتستنزف املوارد.
املحطة أ الوىل:
عند بداية العقد األخير من القرن العشرين،وفي إطارالتنظيم اجلهوي الذي تبناه املغرب على خلفية التطورات التي عرفتها قضية الوحدة الترابية والعالقات الدولية وخاصة انهيارنظام احلرب الباردة وبداية مالمح «نظام عاملي جديد» الذي استقرت تسميته بالعوملة .في هذه الظروف ،اقترح امللك الراحل احلسن الثاني إصالح ابيداغوجيات مثل تأهم إشاراته في إدخال مادة تعليمية جديدة أسندت ألساتذة التاريخ واجلغرافيا بالتعليم الثانوي ،وهي»مادة الشأن احمللي»،لقد مثلت هذه املادة ثورة بيداغوجية حقيقية كان باإلمكان أن تخلق اندماجا ملواد االجتماعيات وتصورا استباقيا ملقاربة التدريس بالكفايات التي سيعتمدها املغرب بع دأكثر من عقد من الزمن ،بعدما تبني قصورومحدودية املقاربة باألهداف .لقد جتلت مظاهرالثورة البيداغوجية ملادة «الشأن احمللي» في اآلتي»: برنامج الشأن احمللي كان دامجا ملختلف مستويات الكفاياتالتي تضمن النموالعقلي والنفسي واحلركي واالجتماعي للمتعلم. جمعت املادة بني البعد النظري والتطبيقي واإلجرائي فيتكوين املتعلم ،عبراالشتغال ب»املشروع» ،فبعد التأطيرالنظري للمحاور ،يتم االنتقال إلى العمل امليداني في شكل ملفات تتطلب تأطيرا نظريا للمتعلمني وشقا عمليا وميدانيا يفرض إجناز مجموعة من املهام كتجميع املعطيات ،إجراء مقابالت معاجلهات املعنية ،مثال ،محور «ميزانيات اجلماعات احمللية
« كان ُيطل مبن التالميذ مقابلة رئيس اجلماعة الترابية واحملاسب اجلماعي ،للتعرف على كيفية إعداد امليزانية اجلماعية ،املوارد ،النفقات ،خانات اإلنفاق ،مما كان يشكل «حرجا» للكثيرممن لم يكونوا متعودين على هذا النوع من التواصل ،ويعتبرون الزيارات مبثابة مراقبة غيرمشروعة ،في حني أن العملية كانت تدخل في صميم تكوين املواطن ،وبناء الدميقراطية احمللية والتعود على ربط املسؤولية باحملاسبة . ما قيل عن هذا احملور ،يقال عن محاورأخرى ،تهم التجهيزات، البنيات التحتية ،األنشطة االقتصادية ،الهجرة . كانت املادة فرصة لتهذيب وتوجيه التواصل التربوي سواءداخل الفصول الدراسية أو التواصل اخلارجي مع مختلف اإلدارات واملصالح واملنتجني ،مع مايتطلب ذلك من إعداد قبلي كتهييئ أسئلة املقابالت ،استمارات ،رخص خرجات إلجراء زيارة أو مقابلة ... كانت املادة تقيس مختلف الذكاءات ،وأتذكر فيإطارتدبيراحلصص ،تبني لي أن بعض التالميذ أثناء املناقشة كانوا يقومون بالتعبيرعن الظواهراملدروسة بوسائل مختلفة كالكاريكاتور والرسومات ،فشجعتهم عل ىذلك ،وكنت أختارأحسن اإلنتاجات وأعلقهاعلى جدران قاعة االجتماعيات، وفي نهاية السنة حتولت القاعة إلى معرض جميل .كما تعلم التالميذ االحتكاك بالطبيعة في إطارمسح املوارد احمللية ،فتجمعت الكثيرمن ألبومات وعينات الصخور، األعشاب ،األشجار ،احليوانات ...مذيلة بتعاليق وشروحات. متكني املتعلمني من كفايات التواصل عبر إجناز ملفاتومناقشتها وبالتالي اكتساب قدرات احلوار وماتتطلبه من تدبيراالختالف ...واعتماد أساليب احلجاج واإلقناع ،ومتكني املتعلمني من تسييراحلوارات وتقنياتكتابة التقارير. لقد كانت عدة مؤشرات تدل على تفاعل التالميذ مع املادة، عبر حضور جميع التالميذ حلصص التقدمي واملناقشة ،بل كان يسجل حضور تالميذ من أقسام أخرى في متلئ القسم عن آخره مع التزام تام بالهدوء واحلرص على املشاركة والتنافس في إعداد املشاريع وامللفات ،وأصبحت املادة محببة لكل الشعب (املسالك كما ستسمى الحقا) .لكن بشكل مفاجئ حذفت املادة ،ثم حرمان السنة الثانية بكالوريا علوم من مادة االجتماعيات نهائيا.
املحطة الثانية :
وتتعلق باإلعداد حلاجيات التكوين املستمر في نهاية عقد التسعينيات من القرن العشرين بعد التأكيد على ضرورة االهتمام بالتكوين املستمر ملختلف األطر التربوية ،وكان توزعت على األساتذة حتت إشراف اإلعداد جيدا عبر استمارا ُ املفتشني التربويني ،ومت تفريغ االستمارات وحتديد األولوية النسبية حملاورالتكوين املستمر ،ومت اإلخباربالنتائج ،لكن كما العادة غاب كل شيء إلى اليوم .وبعدصدورامليثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000م ( ،)4ومحاولة تنزيله ،ومنوذج العمل مبشروع املؤسسة ،واملقاربة بالكفايات واإلدماج وتوج املسلسل ب «برنامج جيني» ( )5و «املخطط االستعجالي (2009ـ ... )6( »)2012متذ لك بحماس شديد ،وانطلقت أوراش للتواصل محلية ،إقليمية وجهوية حتت اإلشراف الفعلي ملديري األكادمييات اجلهوية للتربية والتكوين ،لكن تبخركل شيء دون أن نعرف مآل اجلهود املبذولة ،ونتائج اللقاءات والنقاشات احلماسية .ذاب كل شيء.
املحطة الثالثة :
تتعلقب إدماج تكنولوجيا املعلومات واالتصال في التعليم، وجهزت من أجل ذلك انطالق «برنامج جيني» منذ 2006مُ ،
قاعات سميت ب»القاعات املتعددة الوسائط» ،وانطلقت دورات التكوين محليا وإقليميا وجهويا ،لكن املجهود بدأ يتالشى شيئا فشيئا ،وتوقفت القاعات عن االشتغال نظرا لعدم وجود منهجية لتشغيلها ،ومم انعات متعددة من طرف األساتذة واملشرفني ،وبدأت التجهيزات يعلوها الغبار ،في ظل ضعف التشغيل والصيانة .وبعد أكثرمن عقد من الزمن ،تعود احملاولة من جديد في إطارما يسمى مشروع «إنتاج املوارد الرقمية « وكيفية إدماجها في التدريس في إطار «الرؤية االستراتيجية لإلصالح )7( « 2030 2015-و»القانون اإلطار،)8(« 51/17 ثم «التعليم عن بعد» الذي فرض نفسه نتيجة ظروف جائحة كورونا الناجتة عن فيروس»كوفيد ،»19واحلجرالصحي وحالة الطوارئ الصحية التي فرضت توقفا لتعليم احلضوري ابتداء من 16مارس 2020م ،واعتماد التعليم عن بعد باستعمال البث عبربعض قنوات الشركة الوطنية لإلذاعة والتلفزة ،أواعتماد مختلف وسائل التواصل االجتماعي. إن االنفتاح على التكنولوجيات احلديثة في ميدان التعليم، كانت حاضرة في الكثير من مواد التدريس مثل املواد العمية ومادة االجتماعيات منذ القدمي كمعينات ديداكتيكية ،لكن استعمال هذه التكنولوجيات في اللحظة احلالية بدأ يأخذ بعدا بنيويا ليشمل مختلف العمليات التدبيرية للمنظومة التربوية في شقها اإلداري واملراقباتي والتوجيهي والتعليمي، ورغم أن هذا التعميم أصبح يفرض نفسه وله انعكاسات إيجابية في الرفع من جودة التعليم وتيسير إجناز مختلف العمليات بالكفاءة والسرعة املطلوبتني ،إال أن هذا االنفتاح يختلف في بعده اإلداري عنه في البعد التعليمي ،حيث يبقى التعليم احلضوري إلى حدود البكالوريا أمرا ال مندوحة عنه، وستبقى األدوات التكنولوجية وسيلة لتيسير وجتويد التعليم ليس إال .كما أن جتربة التعليم عن بعد أكدت التباينات التي يشهدها ميدان التعليم على مستوى التجهيزات والوضعية االجتماعية للمتعلمني ،هذه التباينات لوحظت داخل املجاالت احلضرية وتتعمق أكثر بني املجاالت احلضرية والقروية . ورغم أن املطلع على وثائق املشاريع اإلصالحية والتطويرية ، وآخرها الرؤية االستراتيجية والقانون اإلطار ،51/17يجدها على مستوى الطموحات ،جد مشجعة ،لكن على املستوى العملي ال زالت املناهج حتتاج إلى جرأة كبيرة جلعل التعليم رافعة أساسية للتنمية البشرية ،يقوم على التكوين األساسي الصلب واجلودة وتكافئ الفرص. نخلص إذن إلى أن الوضعية التعليمية باملغرب شهدت عدة تطورات ،حتققت من خاللها عدة إجنازات ،لكن تنازع ميدان التعليمبينالقطاعينالعموميواخلصوصي ،والتنازعا التعليم بني ليحول مشاريع اإلصالح التي غ ّلبت التوجه العام للدولة املتجه نحو رفع يدها عن التعليم ولو بشكل تدريجي ،لصالح القطاع اخلاص ،مما عرض الكثير من املجهودات إلى اإلجهاض واستنزاف موارد مالية باهظة ،بالنظر لالرتباك الذي صاحب التدخالت ومحدودية النتائج .كما أن غياب التقاطع بني اإلرادة السياسية والرغبة في إصالح املنظومة التعليمية ،غ ّلب الطابع االرجتالي على محاوالت اإلصالح وخضوعها لظرفيات خارجية ،أكثرمنها ضرورة سياقية ،وطبعا حملاوالت مبنطق التجاوز دون االحتكام للتقييم والتراكم.
*أستاذ سابق التعليم الثانوي التأهيلي لمادة االجتماعيات ـ عضو جمعية أساتذة االجتماعيات
19
العدد 84يونيو 2020
ملف
مرحلي وليس خيار ًا تربوي ًا تدبير التّعليم عن بعد: ٌ ٌ ذ/عبد المجيد تنداوي*
ّ وتفشيها ،وا ّلتي أدّت في ظل األزمة التي يشهدها العالم بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا املستجد (كوفيد،)19 الصحية؛ فأغلقت الدّول حدودها ،و ُأغلقت بعدها املساجد ،واملدارس ،واملعاهد ،واجلامعات. إلى إعالن حالة الطوارئ ّ جلأ املغرب ،كغيره من الدّول التي اخترق هذا الوباء حدودها ،إلى اتخاذ تدابير احترازية حملاصرته ،واحلد من انتشاره.
كان «التعليم عن بعد» إحدى تلك ال ّتدابير امل ّتخذة من قبل الوزارة الوص ّية على القطاع، الذي رأت فيه بديال ولو مرحليا، عن ال ّتعليم احلضوري ،حفظا ألنفس التالميذ ،وعدم تع ّرض وضمانا للخطر، حياتهم لالستمرارية البيداغوجية. هذا القرار -تعليق الدّ روس واستبدالها احلضورية، ضجة بدروس عن بعد -أحدث ّ ّ الشعب املغربي، في أوساط فتضاربت اآلراء والتعاليق، بني واصف لإلجراء بكونه غير ورحب بهبديال وثمنه، مسبوق، ّ ّ ناجعا ،وبني من رأى القرار متس ّرعا وراءه ما وراءه ،ورفض البديل الذي قدّ مته الوزارة رفضا تاما ،موعزين رفضهم إلى ما سيخلقه هذا البديل من ضرب واضح ملبدأ تكافؤ الفرص بني املتع ّلمني من أبناء هذا الوطن احلبيب. وسأحاول في هذه األسطر، أن أبسط وجهة نظري في املوضوع من خالل إثارة سؤال، ومحاولة اإلجابة عنه .والسؤال ّ عما قيل من ردود الذي يتمخض ّ أفعال حول هذا ال ّتدبير املرحلي «التعليم عن بعد» هو :هل كان املغرب مم ّثال في وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني وتكوين األطر والبحث العلمي، يراهن على استبدال التعليم احلضوري ،بال ّتعليم عن بعد؟ إناالرتباك الذي أحدثه هذا القرار داخل الوزارة ،من خالل توالي ّ واملذكرات،...وتأجيل البالغات العطلة الربيعية إلى وقت غير ّ يدل على أ ّنه تدبير معلوم، احترازي فرضته املرحلة ،بهدف إلزام املتع ّلمني بيو َتهم ،وعدم أخذ املسألة مبحمل الهزل،
واعتبارها عطلة استثنائية. هذا ،وغيره إذن ،كفيل باإلجابة السؤال الذي طرحناه، عن ّ ويؤكد ،مبا ال يدع مجاال ِ ّ للشك ،بأنّ «التعليم عن بعد» لم يكن رهان الدّ ولة ،وال بديال عن ال ّتعليم احلضوري ،وإنمّ ا حملته سحابة الوباء معها مع ما ّ يؤكد حملته من مصائب ،ومما
هذا ال ّنمط من التعليم واحتوائه، إذ ا ّتضح بامللموس ضعف الوزارة في كل ما يتعلق بهذا اجلانب ،وتقليدية القطاع على جميع األصعدة واملستويات، الرقمية، املوارد وضعف املخصصة وغياب التكوينات ّ لهذا اجلانب ،وغياب شبه تام للموارد ال ّرقمية...
هذا ،أيضا ،خروج وزير التربية السيد «سعيد أمزازي» الوطنية ّ بتصريح في مقابلة تليفزيونية له على إحدى القنوات املغربية، ّ يؤكد من خاللها؛أنّ «التعليم عن بعد» ،ال ميكن أن يكون بديال للتعليم احلضوري بتاتا. ومما يجعلنا نستبعد رهان الدّ ولة على «ال ّتعليم عن بعد»، هو عدم استعدادها املادي، شبهالتاملوسائل والغياب التكنولوجيا احلديثة في املؤسسات ال ّتعليميةالستقبال ّ
سولت لنا أنفسنا ح ّتى وإن ّ اعتماد هذا ال ّلون ال ّتعليمي احلديث« ،ال ّتعليم عن بعد» ،فإن اإلمكانيات املادية ستعوزنا في ذلك ،وحتول دون حتقيقه،رغم أنّ هذا ال ّلون ا ّلذي نعدّ ه حديثا ما هو إ ّال منوذج أصبح في الدّ ول املتقدّ مة شبه متجاوز، أو منطا عاديا من أمناط ال ّتعليم احلديث؛ فقدظهر بشكل رسمي سنة 1982م ،عندما حاولت هيئة اليونسكو تفسير اسم الهيئة العلمية لل ّتربية
باملراسلة( )ICCEإلى اسم جديد هو الهيئة العاملية لل ّتربية عن بعد( ،)ICCDEحسب ما جاء في كتاب« :ال ّتعليم عن بعد وال ّتعليم املفتوح».وإذا أردنا أن ند ّقق أكثر ،فإن هذا ال ّنوع من ال ّتعليم ،قد كان ممارسة شائعة في أربعينيات القرن ال ّتاسع عشر ،رغم كونه كان بسيطا ،وتقليديا،آنذاك ،إال أ ّنه كان مبثابة إرهاصات مهّ دت ّ لظهورهبالشكل ا ّلذي نراه عليه اليوم.فقد ع ّبروا عنهفي تلك الفترةمبصطلحات كثيرة أذكر منها على سبيل املثال ال احلصر؛ «التعليم باملراسلة»، و»ال ّتعليم املفتوح»... في مقابل هذا فإن هذه األزمة كشفت جملة من احلقائق، وقدّمت إلينا الكثير من الدّ روس. خاصة ما يتع ّلق باملسؤولية التي حت ّلى بها رجال ال ّتعليم ّ الذات الذي ونساؤه ،ونكران أبانوا عنه خدمة لهذا الوطن، وأبناء شعبه ،وانخراطهم اإليجابي في تقدمي الدّ روس عن بعد؛ رغم ضعف االمكانات،... إذ سرعان ما ل ّبى رجال ال ّتعليم نداء الوطن ،وانخرطوا في إنتاج املوارد ال ّرقمية ،في املنازل ملن تو ّفرت لديه اإلمكانية ،أو بال ّتنقل إلى العاصمة غير آبهني بخطورة الوضع. بنا ًء على ما سبق ،ميكن القول إنّ «ال ّتعليم عن بعد» ما هو إال تدبير من ال ّتدابير املرحلية ا ّلتي اتخذتها الدّ ولة لتدبير األزمة التي تشهدها بسبب ّ تفشي «جائحة فيروس كورونا املستجد (كوفيد ،»)19ولم يكن خيارا تربويا سعت الدّ ولة إلى تنزيله.
20
العدد 84يونيو 2020
ملف
الدراسة عن بعد والتكنولوجيا الرقمية
ذ/محمد مزاني*
لقد أدت األزمة الصحية التي تسبب فيها انتشار جائحة (كوفيد )COVID-19وتداعياتها ،باملغرب إلى إغالق حدوده ،و إعالن حالة الطوارئ الصحية .وبالتالي دخل في مرحلة مختلفة وجديدة من التخطيط االستراتيجي ،ومن التدبير والتسيير االستثنائي في جميع املجاالت والقطاعات .ففي قطاع التربية و التعليم ،سارع إلى إغالق مؤسسات التربية والتكوين ،وعمدت وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي ،إلى تبني خطة استعجالية لضمان سير الدراسة ومواكبة املتعلمني تعلماتهم عن بعد في املنازل.
ان اخلطة التي اعتمدت على التكنولوجيا، أثمرت إنتاجا مكثفا للدروس اخلاصة بهذه املرحلة من البرامج الدراسية للمتعلمات واملتعلمني وبثها عبر القنوات التلفزية الوطنية (القناة الثقافية ،قناة العيون ،قناة األمازيغية)، ونشرها وتقاسمها على منصتها الرقمية املوجهة للتلميذ( ،)TelmideTICEوكذا تفعيل منصات األقسام االفتراضية ( ،)TEAMSلتمكني األطر التربوية من خلق جسور تواصلية تفاعلية وتزامنية مع املتعلمني. في خضم هذه الوضعية غير املسبوقة ،يطرح السؤال :ماذا عن املدرسة ؟ يعد إغالق املدرسة ألبوابها ،حفاظا على سالمة املتعلمات واملتعلمني واألطر اإلدارية والتربوية، إجراء احترازيا لم تكن تتوقعه .وتعويض الدروس احلضورية بالتعليم عن بعد ،بديال الستمرار الدراسة لم تكن مستعدة له .إن املدرسة تعيش وضعا غير مسبوق ،يصعب عليها التفاعل معه. هذه الصعوبة ميكن تلمسها من خالل أمرين أساسني في الرؤية اإلستراتيجية ،2015-2030 أولهما محدودية املردودية الداخلية للمدرسة املتجلية أساسا في الولوج احملدود للتعلم عبر التكنولوجيات التربوية ،وثانيهما ضعف املردودية اخلارجية متمثلة في محدودية انفتاح وتفاعل املدرسة مع محيطها ،مع نقص في قدرتها على املواكبة السريعة واملالءمة لتحوالت محيطها احمللي والعاملي وإدماج مستجداته ومبتكراته. وعليه ،يجب أن تشكل هذه الفترة احلرجة وهذا الظرف املفاجئ ،فرصة أمام املدرسة ،التي وجدت نفسها من جديد في الواجهة وفي دائرة احلوار، وأضحت محط تساؤالت عدة ،لتقدمي روايتها. وهي أيضا مناسبة يجب استثمارها لكي ال تبقى املدرسة متحملة لوحدها مسؤولية كل التعثرات التي تعاني منها ،وبالتالي العمل على توفير الدعم لها من خالل توسيع قاعدة احللفاء واملدافعني الفعليني عن قضاياها ،وخصوصا أولئك الذين يتوفرون على الكفايات والقدرات الضرورية على التكيف ملسايرة التغيرات السريعة التي يعرفها االقتصاد والتكنولوجيا. هذه األخيرة(التكنولوجيا) ،ميكنها أن تشكل لبلدنا فرصة سانحة الختصار الطريق نحو منوذج التنمية البشرية املستدامة الذي سيدفع به نحو املستقبل. لقد كشف الواقع على عدم جاهزية املدرسة على
مواكبة مثل هذه الظروف ،الشيء الذي يستدعي ثقافة جديدة للقطع مع حقبة ما قبل كورونا .وما يجب أن نحتفظ به بعد جائحة كورونا ،تغيير الطريقة التي نعيش ونتواصل و نعمل ونلعب ونتعلم بها.
املدرسة بعد جائحة كورونا
لقد كشفت جائحة كورونا ،أن املدرسة ال تتوفر على بنية حتتية تكنولوجية ،وأظهرت الفوارق في هذا املجال بني العالم القروي و احلضري. ونظرا لكون التكنولوجيات اجلديدة أدوات للتعلم واكتساب املعرفة ،وبصفتها أشكاال جديدة من الوساطة الرامية إلى إنتاج طرق وممارسات ثقافية جديدة ،فإن إدماج هذه التكنولوجيا في املدرسة ميثل اليوم شرطا حاسما في جتديدها واالرتقاء بها .وعليه ،فلكي تتمكن املدرسة من حتمل مسؤولياتها ،وتتفاعل مع حاالت الطوارئ بسرعة وفعالية ،ولكي تقوم بوظيفتها التربوية معتمدة آليات ناجعة ،كاحلكامة واملهنية وتفعيل شبكات التواصل ،أصبح من الضروري جتهيزها بتكنولوجيا اإلعالم واالتصال ،وبالقاعات متعددة الوسائط والوسائل السمعية البصرية، مع ربطها بشبكة االنترنيت ،وتكوين أطرها على استخدام هذه األدوات وتوظيفها توظيفا مالئما في سياقات ووضعيات مختلفة. إن املدرسة بعد هذا احملك الذي انهار معه سورها اخلارجي ،أمام خيارين ،إما أن تعيد بناء هذا السور بأدواتها التقليدية واالستمرار في أداء مهمتها العادية واملألوفة (ما قبل جائحة كورونا) ،أو أن ترفع حتدي الفجوة الرقمية. لقد دعا املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي منذ سنوات إلى تعزيز إدماج هذه التكنولوجيات في اجتاه االرتقاء بجودة التعلمات .إنها دعوة لالنخراط بفاعلية في اقتصاد ومجتمع املعرفة ،وولوج العالم الرقمي الذي يتطلب أن يتوفر املتعلم(ة) على قدرات معرفيةُ ،ت ْك َتسب في املدرسة .وعليه فإن املدرسة وفي هذه الظرفية ،التي تعرف حتوالت عميقة في احمليط االقتصادي واالجتماعي والثقافي للشباب ،ملزمة بأن تتوفر على الكفايات الرقمية، والتي بدونها تتعمق الفوارق ليس فقط بني املتوفرين على الوسائل التكنولوجية )حواسيب ..إلخ( فحسب ،بل أيضا بني أولئك الذين اكتسبوا الثقافة والسلوك املدني الرقمي والذين لم يكتسبوهما.
يتعني إذن ،من أجل مدرسة ما بعد جائحة كورونا ،االنكباب بكل استعجال على : < مقاربة استباقية ،من شأنها ،احلد من تأثير عوامل غير متوقعة(الكوارث ،األوبئة..،الخ) على سير الدراسة والتحصيل .مقاربة قائمة على اإلشراك والتخطيط والتوقع واإلقناع ،والتي ستسمح ملجالس املدرسة باتخاذ القرارات املناسبة الضامنة الستمرارية املدرسة في أداء مهامها التربوية عن بعد. < توسيع نطاق استعمال التكنولوجيا الرقمية، وبذل املجهودات من أجل تعميمها ،مبا أن إدخال هذه التكنولوجيات إلى احلقل التربوي قد شكل فرصة كبيرة لتطوير هذا املجال. < توسيع هامش حرية املدرسة ،واستقالليتها املادية واملالية. < تطوير القدرات التدبيرية للفاعلني التربويني، باعتماد تكوينات بكفايات متالئمة مع مضامني الرؤية اجلديدة إلصالح املدرسة ورافعات التغيير التي توصي بها ،وذلك ضمانا لتملكهم روح اإلصالح املنشود ،واالنخراط فيه ،واملواكبة العملية ألوراشه . < مهنة التدريس ،ويكون على مستويني ،األول من خالل التركيز على أن يبقى املدرس قطب الرحى ملنظومة التربية والتعليم ،أما الثاني االقتناع بأن املدرس هو من يساهم في تكوين « مواطنني ميتلكون كفاءات متجددة ومرجعيات ثقافية متكيفة أكثر مع احلاجيات احمللية والكونية ومتكنهم من االندماج السوسيو-مهني بسهولة». الشيء الذي يستدعي تكوين هيئة التدريس على استعمال األدوات التكنولوجية من جهة ،ومن جهة أخرى وضع سياسة حتفيزية لهذه الهيئة ليطوروا احملتويات الرقمية البيداغوجية. < النموذج البيداغوجي ،وخصوصا ما تعلق بالوسائل والوسائط التعليمية و املوارد. «تعزيز إدماج التكنولوجيات التربوية في النهوض بجودة التعلمات ،وإعداد إستراتيجية وطنية جديدة ملواكبة املستجدات الرقمية، واالستفادة منها في تطوير مؤسسات التربية والتكوين والبحث ،وخاصة على مستوى املناهج والبرامج والتكوينات منذ املراحل األولى من التعليم ،بإدماج البرمجيات التربوية اإللكترونية، والوسائل التفاعلية ،واحلوامل الرقمية ،في عمليات التدريس و أنشطة التعلم والبحث واالبتكار»
21
العدد 84يونيو 2020
< مشاركة اجلماعات الترابية للنهوض باملدرسة ،في إطار تفعيل التضامن الوطني والقطاعي. < تقوية الروابط املباشرة والتواصل املنتظم مع األسر ،ومن خالل ممثلي األمهات واآلباء واألولياء وإشراكهم في الفعل الثقافي والتدبيري .والعمل معهم على صياغة قانون داخلي للمؤسسة يستجيب للمتطلبات واملستجدات(التعليم عن بعد ،استعمال الهواتف، اللوحات اللمسية ،الوسائل السمعية البصرية...الخ ،داخل فضاءات املدرسة) < تقوية االندماج السوسيو ثقافي .لقد أصبح على املدرسة جعل الثقافة بعدا عضويا من أبعاد وظائفها األساسية، على نحو يضمن نقل التراث الثقافي واحلضاري والروحي املغربي؛ وترسيخ التعددية الثقافية واالنفتاح على ثقافات الغير؛ وضمان ولوج سلس ومنصف للثقافة بني املجاالت الترابية ،والسير في اجتاه حتويل املدرسة من مجرد فضاء الستهالك الثقافة إلى مختبر لإلسهام في إنتاجها ونشرها. إن االنكباب على هذه احملاور سيساهم في بناء مدرسة قادرة على االستمرار في أداء مهامها التربوية والتعليمية ،مع مواصلة مهمتها ووظيفتها عن بعد في حاالت الطوارئ .مدرسة قادرة بواسطة التكنولوجيا الرقمية على تقوية جسورها مع األسرة ومع محيطها القريب والبعيد ،واالنفتاح على العالم.
ملف اإلنسان الراهن .فيما غدت الثقافة الرقمية ترسم مالمح ما هو أساسي ومهم ورئيس وضروري في احلياة». إن هذه التجربة التي حتاول الوزارة تقوميها، ال يجب أن تتوقف بعد رفع احلجر الصحي ،بل ينبغي أن تكون نقلة باملدرسة إلى مستوى أخر من العالقات ،املهام ،والوظائف التي تتجاوز العملية التعلمية مبعناها الضيق .إنها أول
الدراسة عن بعد والتكنولوجيا الرقمية
بالرجوع إلى الرافعة التاسعة عشرة من الرؤية اإلستراتيجية ،جند « :التعزيز التدريجي لصيغ التعلم احلضوري، بالتعلم عن ُبعد ،عبر اعتماد برامج ووسائط رقمية وتفاعلية، وتكوين مكتبات وموارد تربوية فكيف ميكن إلكترونية». للمدرسة أن تعرف الدراسة عن بعد؟ وكيف السبيل إلى اعتمادها في احلاالت الطارئة؟ اجتهت وزارة التربية الوطنية والتكوين املهني والتعليم العالي والبحث العلمي مبختلف هياكلها ومكوناتها ،إلى اعتماد كل الوسائل التكنولوجية املتاحة :البريد االلكتروني ،املنصات الرقمية ،القنوات التلفزية، االرسائل النصية ،وبرنامج واتس آب (Whats ،)sAppوبرامج التواصل االجتماعي .هذه الوسائل باتت تشكل ركنا أساسيا في حاجات
خطوة نحو مدرسة الغد. إن قيمة حضور الوسائل التكنولوجية خالل هذه الظرفية ،وفي الدراسة عن بعد ،ال ميكن تصوره إال من خالل تخيلنا في خضم هذه اجلائحة بدونها (بدون هاتف محمول ،بدون حواسيب وانترنيت.. الخ) .وما دمنا قد بدأنا التأقلم معها ،والتكيف مع الوضعيات املستجدة ،فمن املفروض وضع خطط
ملتابعة هذا النهج ،وإعادة النظر في مجموعة من ممارساتنا و مهامنا وكيفية أدائها ،وفي النظام الداخلي للمدرسة على اخلصوص .و في هذا الصدد ما تعلق بالهاتف احملمول ،الذي أضحى حسب العديدين احلاسة السابعة لإلنسان .فال ميكن التغاضي عن األثر الذي أحدثه هذا اجلهاز في استمرار الدراسة عن بعد ،وفي تيسير احلياة اإلدارية واليومية ،وتوفير نافذة للتواصل وربط االتصال بالعالم ».لم يعد الهاتف احملمول أمرا كماليا أو إكسسوارا يثير اإلعجاب والتباهي ،بقدر ما غدا حاجة أساسية إلى االنضمام إلى ذروة احلياة العادية واملمارسة اليومية .فال ميكن للمرء أن يتواصل مع بيئة العمل ،أو اجناز تفاصيل حياته)..(،إال من خالل هذا اجلهاز ،الذي غدا بوابة اإلنسان لولوج احلياة العادية والطبيعية.». عندما نصر على أهمية وضرورة إدماج التكنولوجيا الرقمية في املدرسة ،فهذا ال يعني في أي حال من األحوال التخلي كلية عن الوسائط األقدم ،بل من خالل تعايش وتتفاعل هذه األخيرة مع القادمني اجلدد كما يقال .وهو ما ذهب إليه املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي حينما قال « :ال يتم التخلي عن الكتب املدرسية الورقية ،وال تستعمل احلوامل األخرى إال لتكملة الكتاب املدرسي أو بالتناوب معه ،بشكل يضمن التكامل بني االثنني ،مع االستفادة من حسناتهما معا استفادة منهجية ومدروسة» .مقتنعني بأن الرقمي ميكنه املساهمة بالدرجة األولى في جتديد املدرسة و تطوير قدراتها وحتسني صورتها ومكانتها. لقد حان الوقت لالستفادة من الرقمي ،من أجل تطوير جودة اخلدمات املقدمة سواء للمتعلمني وأولياء أمورهم أو األطر العاملة في القطاع. وفي اخلتام ،يجب أن يرسخ حدث جائحة كورونا في أذهاننا ،ضرورة التكيف والتأقلم من جهة ، وضرورة توفير العدة وجتهيز املدرسة باألدوات التكنولوجية من جهة أخرى .فال ميكن تصور مدرسة الغد بدون تكنولوجيا رقمية ،وبدون تعزيز سلطة القرار داخل املدرسة. (*) -مدير ثانوية -مراكش
22
العدد 84يونيو 2020
التعليم عن بعد
جواد اينسي*
ملف
إذا كان فيروس كورونا قد أربك كل القطاعات االقتصادية واالجتماعية إن لم نقل اإلنسانية بصفة عامة ،وأعاد طرح العديد من األسئلة في شتى املجاالت بتعدد مشاربها ،إال أننا سنكتفي مبا أثارته هذه اجلائحة من إشكاالت وحتوالت وحتديات عرفها قطاع التربية والتكوين في املغرب خالل هذه الفترة.
ميكن القول إن الطبيعة حتاول عقلنة السياسات العمومية في البلدان التي تعتمد على االرجتالية في تسيير شؤونها دون تخطيط على املدى البعيد أو رؤية استشرافية ،وذلك من خالل الكوارث الطبيعية واجلوائح التي ُتعري بها ضعف وفشل هذه السياسات كما ُتذكر أن ارتباط اإلنسان بالطبيعة حقيقة وواقع ال ميكن جتاهله مهما تطور. < إذا ما هي أهم التحوالت التي شهدها قطاع التربية والتكوين خالل جائحة كرونا؟ وما هي املعيقات والتحديات التي صادفت هذه التحوالت؟ وإلى أي مدى ميكن أن نراهن على هذه التحوالت؟ إن املدرسة املغربية تعيش أزمة بنيوية ومهيكلة ومتشابكة بغيرها من عناصر املجتمع ليس في وقتنا الراهن فقط بل منذ االستقالل، فهي (املدرسة) غير قادرة على إصالح األوضاع االجتماعية واالرتقاء باملجتمع لوحدها ،لهذا ارتفعت أصوات املختصني في مجال التربية والتكوين بضرورة االنخراط الفعلي للمحيط مع املدرسة ضمن عالقة جدلية في جل العمليات التي تقوم بها هذه األخيرة (املدرسة) من تنشئة وتعليم...إال أنه ولألسف الشديد لم تتفاعل مكونات احمليط وباخلصوص األسرة باعتبارها النواة األولى في بناء املجتمع مع مؤسسات املعرفة بل تنصلت أيضا من مهامها التربوية ل ُتنيط كل املسؤولية على عاتق مؤسسات املعرفة (مدرسة .)...لكن كما قلنا سابقا فرضت الطبيعة وجودها في الواقع متمثلة في فيروس كرونا وألزمت اإلنسان التوجه نحو العالم االفتراضي الذي طاملا انتقده باعتباره العامل الرئيسي في تكسير الروابط األسرية واالجتماعية .وفي ظل هذه األزمة التي يعيشها العالم ،توجهت غالبية املؤسسات التعليمية نحو(العالم االفتراضي) التعليم عن بعد كبديل أنسب لضمان استمرار العملية التعليمية، وبالتالي انتقلت العملية التعليمية التعلمية من وسط خارج األسرة (املدرسة) إلى قلب األسرة (املنزل) .هذا االنتقال صاحبته عدة حتوالت أهمها: < حتول منط التعليم :أصبح التحول من تعليم تقليدي وما مييزه من مناهج وبداغوجيات وحضور للمتعلمني... ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تعليم عن بعد ،تعليم إلكتروني يعتمد على أقسام افتراضية وتطبيقات ذكية...
حتديات بيداغوجية:
< حتول آليات وأدوات التعليم :وذاك بتحديث وتعزيز املؤسسات التعليمية بوسائل إلكترونية حديثة ،ورقمنة البرامج واملناهج والدروس التعليمية مبا يتناسب والتعليم عن بعد ،إضافة إلى متكني املتعلمني من حصص إضافية في املعلوميات ،وتوفير دورات تكوينية لألساتذة في البرمجيات وطرق التدريس عن بعد. < حتول في تقدمي وتلقي املعرفة : رافق االنتقال من تعليم تقليدي إلى تعليم عن بعد ،انتقال من بناء الدرس عبر مراحله الكالسيكية وذلك بجعل املتعلم هو محور العملية التعليمية التعلمية انطالقا من متثالته إلى تقدمي درس الكتروني (فيديو ،صور متحركة)... يعتمد فيه املدرس على متثالته فقط .أما بخصوص املتعلم الذي كان يشارك في بناء العملية التعليمية التعلمية بتوجيه من املدرس فقد أصبح مجرد متلقي ملا ُيعرض عليه. كما هو معلوم أن أي حتول أو انتقال من منوذج سائد إلى منوذج جديد تعترضه عدة إكراهات وحتديات إن لم نقل معيقات تفرض حتسني وحتديث النموذج اجلديد مع ما يتطلبه الواقع .ما دام أن الظرفية (جائحة كرونا) فرضت جتاوز النموذج القدمي (التعليم التقليدي) بل االستغناء عنه وإغالق فضاءاته وجتميد نشاطاته. فلقد واجه التعليم عن بعد عدة حتديات ميكن تصنيفها إلى:
راجعة أساسا إلى غياب موارد رقمية لدى املؤسسات التعليمية ( مكتبة ودروس وكتب ووثائق رقمية ،)...باإلضافة إلى التحول من الفصول الدراسية التقليدية والتعليم وجه ًا لوجه إلى التعليم القائم على الكمبيوتر أو الهواتف الذكية في الفصول االفتراضية نتجت عنه جتربة متاما في التعلم والتعليم مختلفة ً لدى كل من املتعلمني واملدرسني ،وهذا التغيير جعل التكيف مع بيئة التعلم عن بعد صعبة إن لن نقل شاقة ،حيث لم ُيراع النموذج اجلديد (التعليم عن بعد) الزمن املدرسي لكل فئاته ،فأصبح املتعلمون مجبرين على اجللوس بواقع 5و 6ساعات يوميا أمام األجهزة االلكترونية يتلقون حصص غير تفاعلية ال جتذبهم وال تراعي صحة عيونهم وال وضعهم النفسي .واملدرس بدوره ليس أفضل حاال من متعلميه حيث أصبح يحتاج إلى بذل جهد مكتف إلجناز درس إلكتروني يراعي الفوارق واألهداف وذلك دون أن يتلقى تكوينا لوجستيكيا أو بيداغوجيا بخصوص هذا النوع من التعليم (التعليم عن بعد).باإلضافة إلى حتديات بيداغوجية أخرى كالبحث عن طرق تساعد املتعلم على التركيز واالنتباه مع الدرس في ظل األلعاب والبرامج التي تشتت تركيزه والتي يتوفر عليها جهازه.
متثلت في غياب االستمرارية لدى جل احلكومات املتعاقبة على تدبير الشأن السياسي بصفة عامة والشأن التربوي بصفة خاصة في املجتمع املغربي، حيث ظلت املزاجية واالنفرادية إلى جانب االرجتالية هي السائدة واملنتجة للقطائع اإلصالحية .وخير دليل على هذا هو ما أعلنه تقرير مجلس األعلى للحسابات الصادر سنة 2014أن برنامج جيني Génieالذي يهدف إلى تعميم تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في املؤسسات التعليمية يشوبه اختالالت ونواقص ،فبالرغم من مرور سنوات عدة على إطالق البرنامج (مارس ،)2006 لم يتعد استخدام التالميذ للوسائل املعلوماتية 18دقيقة في األسبوع، كما أن األساتذة لم يتمكنوا من إدماج تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في التعليم والتعلم بنسب ترقى إلى أهداف البرنامج.
ميكن اعتبار هذه التحديات هي التي كبحت وأفشلت إن صح القول التعليم عن بعد ،وذلك لكون هذا التعليم ال ميكن أن يوجد في غياب أهم شروطه كضعف صبيب األنترنيت وانعدام الشبكة والتغطية ،باإلضافة إلى غياب البث التلفزيوني في بعض املناطق مما جعل فيها هذا النوع من التعليم منعدما. ناهيك عن الفوارق االجتماعية واملجالية التي ساهمت بشكل مباشر في حرمان معظم متعلمي املجال القروي ونسبة كبيرة من أبناء املدن من متابعة دروسهم عن بعد .كما أن مصاريف التعبئة واالنترنيت أثقلت كاهل األسر واملدرسني مما أدت إلى ضجرهم وعدم رضاهم على هذا النموذج اجلديد .وكما يعلم اجلميع توجد عدة عوائق تقنية ال يسمح املجال بذكرها والتوسع فيها كغياب إن لم نقل انعدام األجهزة االلكترونية الذكية عند معظم املتعلمني و...الخ.
حتديات سياسية:
حتديات تقنية:
حتديات ثقافية:
ميكن تلخيصها في عدم مشاركة أغلب األسر في العملية التعليمية التعلمية قبل جائحة كرونا ،واجلهل املعلوماتي وااللكتروني أو األمية االلكترونية إن صح املصطلح لدى األجيال السابقة من آباء وأساتذة ،حيث أنه ال يستطيع الكثير منهم تشغيل البرامج األساسية ممثل Microsoft Wordو PowerP Pointوبالتالي ال ميكنهم التعامل مع الدروس االلكترونية بنوع من االحترافية، عالوة على ذلك ،يجد العديد من األطفال و املتعلمني مشاكل تقنية في األجهزة مزعجة ،و ذلك ناجت عن جهلهم في هذا املجال. أصبح التعليم عن بعد واحدًا من أساسيات املجتمع املتطور في منظومات التعليم احلديثة ،ملا يحقق من فائدة عظمى مثل متابعة املتعلم للدروس واألنشطة رغم غيابه عن املدرسة بسبب املرض أو أي عذر آخر ،وذلك من خالل إمكانية اتصاله مع املدرسة بشكل مباشر ،باإلضافة إلى خاصية األرشفة وتسجيل الدرس إلكترون ًيا التي ميكن االستفادة منها و الرجوع إليها بالنسبة لألشخاص املزاجيني الذين يصيبهم الضجر واملشاغبة في القسم ،لهذا ميكن اعتبار هذا النموذج اجلديد في التعليم رهان الدول النامية كاملغرب وذلك من خالل: < جتهيز كافة املؤسسات التعليمية باألجهزة املعلوماتية وربطها بشبكة االنترنت. < تكوين وإمناء القدرات املهنية في مجال استعمال تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت في املجال التربوي لفائدة الفاعلني التربويني (هيأة التدريس، هيأة التأطير التربوي ،هيأة اإلدارة التربوية). < إنتاج املوارد الرقمية ووضعها رهن إشارة املدرسات واملدرسني واملتعلمات واملتعلمني عبر البوابة الرقمية الوطنية. < تطوير استعماالت تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت من خالل التحسيس بقيمتها املضافة في التدريس ومصاحبة وتتبع املمارسات املرتبطة بإدماج هذه التكنولوجيات في منظومة التربية والتكوين. *مدرس
23
العدد 84يونيو 2020
ملف
نحو تأسيس فلسفة للتعليم والتعلم عن بعد باملغرب
ذة/منى ورشان*
«إذا أراد اإلنسان أن يعيش فعليه أن يتغير» ،تختزل هذه القولة لياسبيرزطبيعة التدابيرو االجتهادات التي نهجها اجلسم التربوي :وزارة ،و فاعلون تربويون ،و متعلمون...في استمرارية النشاط التدريسي،و ذلك بتبني «التعليم عن بعد» الذي أضحى ضرورة ملحة و «محاولة عيش» ،بلغة زفزاف ،في زمن اجلائحة الغادر .و رغم وجود جتارب خاضتها منظومة التربية و التكوين قبل عقد من الزمن في مجال التعليم اإللكتروني مثل …Génie Collab - AlefItqane -: إن السؤال املطروح هو :هل يكفي توفير املعدات التقنية و تعميم إدماج التكنولوجيا لتنزيل روح «التعليم عن بعد»؟
معلوم أن التعليم عن بعد ،ال ميكن أن يعوض بأي حال من األحوال التعليم الواقعي املعتاد ،إال أن النظر لقطبي الثنائية مبنطق حدي تعارضي يلحق الضيم بأحدهما على حساب اآلخر .لذلك حتاول هذه الورقة استثمار اجلهود املبذولة و اآلفاق احملتملة لتقدم أرضية للنقاش اجلماعي ،مركزة -قدر اإلمكان -على اجلوانب الفكرية و معتبرة أن مدخل التفكير في «التعليم عن بعد» من شأنه أن يضاعف فهمنا البيداغوجي و يزيد في توسيع نطاق تعليمية املواد املدرسة و تعلمها مبختلف األسالك التعليمية .و ذلك عبر مستويات ثالث :
حتديدات أولية :
إن الداللة املقصودة بكلمة فلسفة في هذا السياق هي داللة عامة تنهل من معني املعجم التربوي ،إذ ال وجود ملمارسة تعليمية في معزل عن إطار فكري مفاهيمي يجسد قيمها ،و يؤطر أسسها و أبعادها التنظيرية و امليدانية ،و هذا ما أكده الباحثان Sharan Merr riamو John L. Eliasحيث اعتبرا عملية التأسيس الفلسفي ألي فعل تربوي مبثابة املنظار الذي يوجه بناء و تخطيط التعلمات و يكشف عن عوالم جديدة في املمارسة التعليمية-التعلمية.aوفق هذا املنطق يصبح فعل «التفكير» في التعليم اإللكتروني رافدا من روافد توسيع فهمنا للتعليم الصفي األساس .حيث تتشكل هذه اخللفية الفكرية من مجموع القيم و املفاهيم املوجهة للنشاط التعليمي -التعلمي عن بعد في مختلف مراحله من اإلعداد إلى التقومي ،والتي تروم املساهمة في معيرة»التعليم-التعلم عن بعد» وضمان اطراد نتائجه. ولعل أول مساهمة في التأسيس لهذه األرضية تكمن في املراجعة النقدية :ترجمة ومتثال ملصطلح «التعليم عن بعد» و ما يحاقله .إذ املالحظ وجود حرص على استخدام كلمة «التعليم عن بعد « في تركيز مطلق على دور األستاذ(ة) وتغييب واضح لدور املتعلم(ة) .ومرد األمر -في نظري -يعود إلى مشكلة اللغة املصدر: الفرنسية ،واإلجنليزية .التي تلقي بظالل مدلولها على معان مختلفة حد التضارب،وهو ما يجعلنا نطرح السؤال :إلى أي مدى يعكس هذا املصطلح وترجمته (التعليم عن بعد) املقتضيات البيداغوجية ،دوليا ،في السياق املغربي؟ و أي لغة مصدر ستعتمد في فهم و أجرأة أسس «التعليم عن بعد» ؟ في اللغة الفرنسية جند أن «التعليم عن بعد» ااستحضار مباشر للمقابل الفرنسيEnseignem : ،ment à distanceو بالرجوع إلى تاريخ ظهور املصطلح املرتبط باملراسالت التعليمية ندرك أهمية املتعلم في هذه السيرورة التعليمية ،كما أن استحضار «إعالنإنشيون »Incheon Declarationالذي نظمته اليونسكو بشراكة مع منظمات دولية أخرى سنة 2015 بكوريا يؤكد على روح التعليم املجسدة في التعلم ،وهو ما يؤكده شعار اللقاء »:نحو التعليم اجل ّيد املنصف والشامل والتع ُّلم مدى احلياة للجميع «b أما في اللغة اإلجنليزية فإننا نواجه مصطلحات متعددة تستوجب وقفة علمية لضبط حدود ممارستها و أشكالها في املدرسة املغربية .و من النماذج املصطلحية
الدالة نذكر ما جاء في مقال إخباري ورد في البوابة الرسمية للوكالة األمريكية للتنمية الدولية USAID حيث ُجعِ ل «التعليم عن بعد» ترجمة لDistance learn ح ningو أحيانا Virtual learningcرغم أن احلدود املعجمية جتعلنا ندرك بعض الفوارق االصطالحية ترجم ًة و َم ْفهَ َم ًة بني :التعلم عن بعد (=Distance )learningو التعليم عن بعد (= )Distance teaching . و إذا ما حاولنا استقراء حدود املطابقة الداللية بني املصطلح و مدلوله فيمكننا الوقوف عند فكرة أساس و هي ضرورة اعتماد اللغة املصدر اإلجنليزية في نقل املصطلح و توحيده و اعتماد مصطلح «التعليم و التعلم عن بعد» ،باعتباره تعليم ًا ِّ يركز على املتعلم الذي يصبح نتاج سيرورة فعل التعلم أساسا ال التعليم و ذلك عبر تعزيز مهارة التعلم الذاتي .
املرتكز الفكري:
يتجلى في ضرورة استحضار»التيارات التفاعلية» التي تركز على االهتمام بالتبادالت الفعلية أكثر من الفعل نفسه ،فتصبح املمارسة التربوية في هذا السياق مركزة على حدود الفعل التعليمي ،التعلمي أكثر من وجوده في ذاته .إن االعتماد على التعليم التفاعلي ضرورة في التعليم الصفي املباشر الذي يقتضي العناية بردود الفعل وبالتالي تتعزز مبادرات املتعلمني. وهذا ما تختزله عبارة ،بليغة تربويا ،تتكرر في األبحاث التي تعنى مبجال التعلم اإللكترونيE- »learningالتربويون يعيدون تشكيل التعليم ،ال التقنيات». في هذا السياق ،يصبح التفاعل حتمية في عملية «التعليم والتعلم عن بعد»و دعامة من دعائم تطويع التقنية ملراجعة الوضعيات التعليمية -التعلمية ،و هو ما يجعلنا نعيد معيرة طبيعة العالقة بني أقطاب املثلث الديداكتيكي لكل مادة/مكون على حدة .إن من شأن تبني أسس التوجهات التفاعلية في عملية التعليم والتعلم عن بعد إدماج مصطلح «الدافعية» واعتباره متغيرا تعليميا أساسيا ،وهو ما يتناغم وروح ثقافة»التعليم والتعلم عن بعد» التي تؤسس لروح املبادرة الفاعلة املرتبطة بوجهة نظر الذات املتعلمة و قيمها اجلماعية.
املرتكز القيمي:
لقد أكدت أصوات فلسفية عديدة ان هذه اجلائحة كشفت عن هشاشة الروابط العاملية و لعل هذا ما حدا يإدغارمورانE.Morinإلى القول:إن «التشابك العاملي مفتقد للروابط القيمية»dو في املقابل ،أظهرت اجلائحة أشكاال مشهودة من التضامن القيمي احمللي، و هو املعول عليه في زمن ما بعد الكورونا .فالتفكير في إرساء دعائم تعليم-تعلم عن بعد مساعد للتعليم املباشر،ال بد أن يستحضر هذه الروابط القيمية وأن يعززحضور «النزعة اإلنسانية» في صياغة املضامني الرقمية وتوفير معدات التعليم والتعلم عن بعد. فاالعتماد على وسائل التقانة وسلطة اآللة ،فحسب، في تغييب للروابط القيمية يجعل الدرس املستفاد من جائحة كورونا هباءمنثورا .صحيح أن اللوحة
اإللكترونية ال ميكن أن تعوض حلظة تعلم مباشر ،لكن هذا ال يعني جتردها من قيم التعليم الصفي وحصر حدود مجالها في نقل احملتوى التعليمي رقميا في معزل عن خصوصية الروابط بني أقطاب املثلث الديداكتيكي واحمليط التربوي. إن الرهان األكبر ال يتجسد في توفير الدعامات البشرية واملادية فقط (التكوين الرقمي +حواسيب + شابكة ،)...بل الرهان احلقيقي هو ضمان تربة قيمية داعمة الستمرارية التعليم عن بعدإلى جانب التعليم- التعلم الصفي املباشر واألساس ،وذلك عبر: توفير سبل األمن املعلوماتي (السيبراني) -تشجيع املبادرات النوعية -دمقرطة املعلومة التعليمية/ التعلمية -تعميم أدواتها و ميكن تبني ،في هذا السياق، تأكيد بعض الباحثني التربويني على أهمية االستثمار املنهجي للقنوات التلفزية و اإلذاعية في هذا الباب... و هذا ما يستوجب اعتماد العمل مبا يصطلح عليه في األدبيات التربوية احلديثة و املهنية عموما ،ب قيم «البيئة اجلاذبة» Attractive Environmentفي التدريس ،و التي ال تنحصر في توفير دورات التكوين و األدوات التقنية فقط ،أو اعتماد مبدأ تسجيل احلضور معيارا لقياس فعالية التعليم اإللكتروني ،بل تتجاوزها إلى تبني قيم العمل باجلماعات و ما يستتبعه من تشجيع على املبادرات ،و التعاون ،واإلبداعية...عوض منطق الكبح ))Le blocageو الشخصنة ،و التقاطبات اجلوفاء... التي جتعل عملية»التعليم و التعلم عن بعد» عم ً ال يستهدف اآللة/احلاسوب بالدرجة األولى ،في حني إن التأكيد على فكرة العمل باجلماعات تجُ سد الوجه العملي لفكرة «املصير املشترك» التي باتت حتكمنا جميعا،وهي الكفيلة بنقل عملية التعليم-التعلم عن بعد من مستوى العمل التقني (املرحلة األولى) إلى مستوى العمل الفكري (املرحلة التالية). ختام ًا ،إذا أراد التعليم و التعلم عن بعدأن يعيش و يستدمي في املغرب،فعليه أن يتغير. *أستاذة مبرزة في اللغة العربية بسلك تحضير مباريات التبريز شعبة الترجمة – مراكش
اإلحاالت : ()Endnotes Elias, J. L., &Merriam, S. B. (2005). Philosophicalfound - 1 dations of adulteducation (3rd ed.). Malabar, FL: Krieger Publishing https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000245656_ - 2 ara https://www.usaid.gov/morocco/program-updates/apr- - 3 2020-usaid-distance-education-activities-ministry-educationcoronavirus-disruptions - 4موران ،إدغار .)2020(.العوملة تشابك يفتقد للتضامن .حاوره:ديفيد لو بايلي وسيلفان كوراج .ترجمة :عبد الله بن محمد .مجلة الدوحة.ع.151. مايو .2020
24
العدد 84يونيو 2020
ملف
التعلم والتعليم عن بعد عبر األلعاب اإللكترونية منوذج فئة MMO مراد الزكراوي*
إن االهتمام باأللعاب اإللكترونية واستثمارها في مجال التعلم والتعليم عن بعد ،وكذا النظريات البيداغوجية واملقاربات التربوية املتعلقة باللعب والتلعيب ،تفرضه مجموعة من املعطيات ،ومنها التعامل مع األجيال الرقمية، وتطور استعمال الهواتف الذكية واللوحات اللمسية واحلواسيب من طرف املجتمع ككل واملتعلمني بصفة خاصة، إضافة إلى التحول الكامل نحو التعلم والتعليم عن بعد في ظروف احلجر الصحي الذي عرفه املغرب كشأن أغلب دول العالم منذ األشهر األولى للسنة احلالية .2020
هناك فرق بني التلعيب LA GAM ه MEFICATIONكمقاربة تعليمية، واللعب كبيداغوجية ،والتعلم عن طريق اللعب (ومنها األلعاب التقليدية وألعاب الفيديو). فمن وجهة نظري أن الفاعل الرئيسي في التلعيب وبيداغوجية اللعب هو األستاذ(ة) ،أما التعلم عن طريق اللعب فهو التلميذ حتت تتبع وإشراف الوالدين. مبعنى أن ألعاب الفيديو واأللعاب االلكترونية لن تتحول إلى مؤثر سلبي إال بسوء االستعمال أو انعدام التتبع واالستثمار من طرف الوالدين داخل املنزل .خاصة وأن املنزل هو الفضاء الذي متارس فيه هذه الهواية املمتعة عبر الهواتف الذكية واللوحات اللمسية وأجهزة الكمبيوتر واألجهزة املتخصصة في األلعاب ومنها PlaystationوXboxو .Nintendo فيما يخص سلبيات األلعاب اإللكترونية ميكن إجماال حصرها في محورين أساسيني: < احلمولة األيديولوجية أو السلوكية التي حتملها في طياتها بطريقة خفية وغير معلنة ،كالعنف واإلجرام ،أو التحريض ضد جهة أو طائفة معينة،إضافة إلى املس بأخالق وقيم مجتمعنا املغربي ،كأسلوب اللباس وتناول املخدرات وارتياد املالهي الليلية وما يرافق ذلك من ممارسات مشينة .وهنا يكون تدخل الوالدين أو التربويني حاسما في املنع التام لتناول هاته الفئة من األلعاب ،أو التحسيس والتوجيه في حالة األلعاب الشهيرة واملتداولة بشكل كبير في بيئة الطفل. < اإلدمان ،وهو أشد وأخطر األعراض السلبية على الطفل أو املراهق،ومن ذلك استهالك هاته األلعاب ملدة طويلة جدا ،وما يرافقه من اهمال للواجبات التعليمية ،بل حتى عدم الرغبة في األكل أو الشرب ،واالبتعاد عن ممارسة األنشطة الرياضية .ومتتد األعراض إلى اإلنطواء والعزلة والشروذ الذهني (حيث يبقى الطفل دائم التفكير في اللعبة أو اخلوف من تفوق زمالئه عليه في اللحظات التي ال يلعب فيها خاصة في ألعاب ،)mmoوقد تتطور األعراض إلى اضطرابات سلوكية ونفسية. في املقابل ،هناك إيجابيات متعددة
لأللعاب اإللكترونية مبختلف أصنافها، خاصة إذا استثمرت بشكل جيد من طرف املربني وآباء وأمهات املتعلمني ،ومنها: < تطوير األداء الفكري < تشجيع االستقاللية في اتخاذ القرار، والنقد ،والتفسير والتحليل < تسريع عملية رد الفعل .reflexe < اكتساب مصطلحات لغوية جديدة خاصة باالجنليزية أو الفرنسية < التدرب على وضع خطط استراتيجية وإجناز مشاريع شخصية < االحتكاك بتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت ،وفهم ميكانيزمات اشتغالها (مبادئ البرمجة ،االتصال عن بعد، التثبيت التحميل)... < تعزيز العمل التعاوني اجلماعي، والعمل باملجموعات. حتدثنا حلد اآلن عن األلعاب عموما تبدو اإللكترونية،سلبياتها قليلة ،لكن خطيرة جدا في حالة عدم تتبعها وتوجيهها ،وإيجابياتها الكثيرة واملتعددة والتي قد تكون دون فائدة دون استثمار وتطوير من طرف التربويني وأولياء أمور املتعلمني.باملقابل ،توجد فئة أخرى من األلعاب اإللكترونية ،رغم قلتها وضعف االهتمام بها من طرف األطفال واملراهقني ،تبقى غنية ومفيدة للغاية. وهي األلعاب التربوية ،ومنها ألعاب تتطوير اللغات احلية (منوذج Duoling )goوالبرمجة املعلوماتية (منوذج Min o )necraftومجموعة أخرى من األلعاب في تخصصات متنوعة. األلعاب املتعددة الالعبني بشكل متزامن multijoueurs en ligne (Massi velyMultiplayer Onlineاختصارا :)MMOهي فئة من األلعاب تنتمي للجيل الثامن (اجليل األول ظهر أوائل السبعينيات مع أتاري الشهيرة وألعاب فئة األركاد ،)Arcadوتضم جميع أنواع األلعاب سواء كانت إيجابية أو سلبية أو مبضمون تعليمي تربوي ،مبعنى أن MMOهو تصنيف من حيث برمجة اللعبة ،حيث يتم ممارسها بشكل متزامن وآني من طرف مجموعة العبني بالعالم، بالعشرات أو اآلالف أو املاليني أيضا ،عبر جهاز الكتروني وربط انترنيت .فمن خالل بحث سريع على عينة عشوائية بأحد املؤسسات التعليمية بالسلك الثانوي
اإلعدادي بفاس (بحث ميداني قمت بإجنازها مؤخرا) ،تبني أن فئة واسعة من املتعلمني تتعاطى بإفراط مع لعبة فري فاير Free fireالشهيرة ،واألكيد أن خطورة هاته اللعبة يتجلى في إدمانها بغض النظر عن مضمونها وايجابيتها وسلبياتها .مبعنى آخر ،أن التوعية والتحسيس بايجابيات وسلبيات هاته اللعبة لن يجدي نفعا ،ألن اخلطورة تتجلى في أعراض اإلدمان التي يصاحبها ،وهو ما مييز ألعاب MMOحيث ميكن اللعب مع أو ضد مجموعة كبيرة جدا من األقران مبختلف مناطق املدينة أو الدولة أو العالم. فبعد القيام بتجريب بعض هاته األلعاب، ميكن أن أسجل املالحظات التالية: < استهالك كبير للوقت (ميكن اللعب لعشر ساعات أو دون اإلحساس بامللل) < استنزاف للتركيز :بعد االنتهاء من اللعبة ،يتم فقد الرغبة في اجناز أي عمل يتطلب التركيز ،كالواجبات والتمارين التعليمية. < الشرود :التفكير فيما قد يحققه باقي املنافسني حلظة عدم اللعب ،مبعنى أن اللعب يبقى مستمرا في ذهن الطفل أو املراهق. < القلق :عند اإلحساس أن اللحظات التي ال نلعب فيها هي فترة يحقق فيها باقي املنافسني جناحات عديدة. إضافة إلى ذلك ،ميكن لالعبني التواصل بينهم بالكتابة النصية أو املقاطع الصوتية أو االتصال املباشر ،وكذا بيع وشراء أدوات اللعب ،سواء بني الالعبني، أو عبر متجر اللعبة نفسها ،وهذا في حد ذاته قد يشكل خطرا في حالة عدم مراقبته وتتبعه من طرف الوالدين أو املربني. في نفس الفئة ،وكبديل إيجابي مقترح، جند ألعابا إلكترونية ميكن استثمارها تربويا ،بل هناك ألعاب تعليمية تربوية بالكامل. وزارة التربية الوطنية باملغرب كمثال، نظمت مسابقة وطنية في مجال البرمجة عبر لعبة MINECRAFTالشهيرة لشركة ميكروسوفت ،عبر نسختها التعليمية ،Mincraft Education Editionلفائدة تالمذة التعليم اإلعدادي .ومن خالل نفس اللعبة ميكن اجناز دروس ومتارين بطرق مسلية وممتعة ،ليس فقط في البرمجة ،بل حتى في الرياضيات والفيزياء والكيمياء
واجلغرافيا والتاريخ. بدولة اسبانيا ،جند جتربة أحد األكادمييات التربوية،حيث خصصت مراكز للتعليم والدعم في مادة الرياضيات، ومواد العلوم ،واجلغرافيا ،عبر لعبة فورتنايت.Fortnite وفي مجال اللغات ،توجد لعبة شهيرة عامليا ومجانية ،وهي .Duolingo متوفرة لألندوريدو iosوكذا احلواسيب، تقدم أساليب مبتكرة وجد متنوعة ،لتعلم وتطوير العشرات من اللغات وعلى رأسها اإلجنليزية والفرنسية واالسبانية، وبطرق بيداغوجية وتربوية جد متطورة مت وضعها من طرف خبراء عامليني. باإلضافة إلى التعلم والتعليم عبر األلعاب اإللكترونية ،هناك مقاربةالتلعيب GAMEFICATIONالتي تأخذ من روح األلعاب ،مجموعة من املبادئ التي قد يفتقدها املتعلم ،وهي التحفيز واملتعة والشغف والتنافس ،ويتم ذلك في بيئة تعلمية مواكبة للطفرة الرقمية .إن التلعيب ليس هو اللعب ،بل هو استعمال لعناصر اللعب لغرض التحفيز واملشاركة الفعالة. ولفهم التلعيب إجرائيا أو نظريا البد من فهم طريقة اشتغال األلعاب اإللكترونية، ومنها أيضا حتقيق التقرب املطلوب من املتعلمني وتقليص الهوة الرقمية بني املتعلم واملدرس ،أو بني الطفل ووالديه. أكيد أن هناك ألعاب تربوية أخرى ،لكن لن تتحقق فوائدها البيداغوجية والتعليمية إال بتحديد مدة اللعب اليومي ،في نصف ساعة على األكثر ،ومتابعة واستثمار األباء واألمهات ،او بتكليف وبرمجة مسبقة من طرف األساتذة واملربني ،وبالتالي نحقق املتعة التي يطلبها األطفال واملراهقني من اللعب اإللكتروني ،وفي نفس الوقت تقدمي بديل جد إيجابي ومن نفس فئة األلعاب. على أمل اهتمام البحث العلمي والتربوي والبحث التدخلي بهذا املوضوع من أجل االستفادة من دراسات دقيقة ومن واقع املدرسة املغربية. *مدير ثانوية إعدادية بمديرية فاس ،مهتم بتكنولوجيا المعلومات واالتصاالت في التعليم ،رئيس جمعية أوراق رقمية بالمغرب.
25
العدد 84يونيو 2020
ملف
كرونولوجيا إصالح املنظومة التعليمية في زمن الكورونا ذ /الحسين وبا مما ال شك فيه،أن أزمة التربية و التعليم ،عمرت كثيرا ببالدنا ،لدرجة أن خبراء امليدان و املهتمني بشؤونها و الفاعلني في ميدانها اختلفوا على تسمية دائها .فهناك من سماها باملرض املزمن ،و هناك من سمها ام املشاكل، و آخرون أوكلوها للسلطة التنفيذية ،باعتبارها السلطة التي تدبر الشأن العام الوطني . واحلال،أن األزمة التي استدعت تناوب أكثر من 45وزير إلعادة احلياة الى حجراتها و مدرجاتها التعليمية ،لم تفلح تصوراتهم امليدانية و اقتراحاتهم اجلديدة،في إبعاد خطر انتقال عدواها الوخيمة الى باقي املجاالت و القطاعات القريبة منها .وهذا يعني أن ال امليثاق الوطني للتربية و التعليم ،الذي اعتبر أنذاك من قبل مجموعة من اخلبراء و املفكرين على شتى املستويات و االنتماءات السياسية و النقابية و احلقوقية و »...ثورة بيداغوجية هادئة « و الاملخطط االستعجالي الذي تضمنت محتوياته مبادرات و مقاربات كفيلة بإنقاد املنطومة التعليمية، و هو ما تشخص في املدرسة اجلماعاتية و بيداغوجيا الكفايات و بيداغوجيا االدماج التي جاء بها اخلبير البلجيكي « كزافيي روجرز « إال أن الوضعية ظلت على حالها ،إن لم نقل ساءت أكثر ،خصوصا ملا شرع الفاعلون التربويون يشتكون من صعوبات تطبيق هذه
ذ/عبد الرزاق بن شريج* يعتقد البعض أن التعلم عن بعد ظاهرة جديدة ساعدت على قيامها التطورات التقنية احلاصلة ،إلاّ أنّ حقيقة األمر فالتعليم عن بعد مبفهومه الواسع ،بدأ منذ أكثر من قرن ونصف من الزمن ،إذا استثنينا بعض الكتابات التي ترجعه إلى القرن اخلامس قبل امليالد معتمدة في ذلك على أسلوب املراسالت العلمية ألفالطون وفالسفة يونانيني آخرين مع تالمذتهم ،وكذا التراسل بني شيوخ الطرائق الفكرية في العصر العباسي حيث كانوا يعتمدون التراسل بينهم وبني مريديهم واملعجبني بفكرهم وطالب املعرفة ،وقد تستثنى هذه احلقبة من التعليم عن طريق التراسل لعدم وجود الطوابع واملكاتب البريدية املنظمة والتي يعتمد عليها الطرفان، املعلم واملتعلم ،للتواصل الرسمي املوثق ،ولم تكن هناك مؤسسة رسمية كاجلامعة للقيام باألمور اإلدارية وبذلك رغم أن نشأة هذه املكاتب كانت سنة 1410م وبدأ التراسل عبرها مثل ما كان يقوم به املعلم إسحاق بينمان ،حني يرسل تعليمات وتوجيهات دراسية في االختزال لطالبه مكتوبة وبواسطة البريد ،إال أنها كانت محاوالت فردية ،ولم تكن ضمن مؤسسات. لذا سنسلط الضوء في هذه املقالة على بعض احملطات األساسية في تطوير التعليم عن بعد ،لكن قبل ذلك البد من التذكير بالفرق بني التعليم اإللكتروني والتعليم عن بعد؛ فاألول هو استعمال التقنيات اإللكترونية احلديثة في تقدمي الدروس احلضورية ،أي وجود املعلم واملتعلم باملكان نفسه وفي الزمان نفسه ،أما التعليم عن بعد فهو أن تقدم الدروس للمتعلمني دون التواجد في نفس الزمان واملكان ،أي يقدم الدروس لتالميذ افتراضيني في مكان وزمان افتراضي ،بطبيعة احلال بواسطة التقنيات اإللكترونية ،وعليه فاملقالة
البيداغوجيا اجلديدة داخل حجراتنا املكتظة ،والتي تعاني فروقات اجتماعية و اقتصادية و ثقافية صارخة بني متعلميها ومدرسيها ومدرائها . ولعل املثير للفخر في هذا املضمار ،هو صمود احلكومات املغربية املتعاقبة في مواجهة هده األزمة، واقتراح أسماء جديدة لقيادة املرحلة ،وفق تصورات جديدة و مقترحات حديثة ،من شانها إعادة االعتبار لدور املدرسة في املجتمع ،و جعل املتعلم في قلب عملية اإلصالح ،الى حني حتقيق املصلحة الفضلى التي أقرتها االتفاقية الدولية حلقوق الطفل في نونبر 1989م. بعد كل هذه احملاوالت احلثيثة و اجلهود اجلهيدة،بزغ شعاع االمل من جديد مع طاقات وطنية غيورة على هذا القطاع احليوي ،تؤسس لتعليم يقوم على املالحظة و إبداء الرأي ،و يرتكز على التنافسية و اإلنتاجية ،بفضل الطرائق التربوية و املقاربات املعاصرة التي تستلزم التحفيز و التشجيع و التواصل االيجابي سواء من قبل املدرس أو من اإلدارة التربوية .و هو اجلديد الذي أقرته محتويات الرؤية االستراتيجية من 2015الى .2030و هي املرحلة التي تعود ريادتها و جناعتها الى السيد الوزير احلالي « سعيد أمزازي « الذي امسك عصا تدبير القطاع من الوسط لالسباب و الدوافع التالية: < كون القطاع جد شاسع ،و قضاياه كثيرة و متنوعة . < كون التدابير السابقة ،لم تكن كلها عقيمة . < التوفيق و املواءمة بني ماكان وما سيكون هكذا عاد قطار التربية و التعليم الى سكته القومية، و دبت شموس الفرح في قلوب مسافريه و راكبيه
:أباء و أولياء أمور التالميذ ،التالميذ ،املدرسون، املدراء،احملسنون االجتماعيون و االقتصاديون وكل فعاليات املجتمع املدني و باقي مكونات األمة على مختلف وظائفها . واجلدير باإلشارة ،أن هذه املرحلة شهدت مبادرات إدارية نفيسة ،خصوصا ملا أطلقت الوزارة املعنية، إشارات تنظيم أيام دراسية تستهدف مراجعة املقررات الدراسية وتخفيفها ،فضال عن خلق األندية التربوية و تنشيط احلياة املدرسية في إطار انفتاح املدرسة على محيطها اخلارجي و برنامج « مدرستي قيم وجناح «. وبينما كانت هذه اجلهود تستعد الستشراف مستقبل زاهر ،و غد تنموي ملنظومتنا التربوية ،بعدما حتققت نسبة 100في املائة في مجال التمدرس وارتفاع مؤشر متدرس الفتاة القروية ،و اتساع الدعم االجتماعي « تيسير « في العالم القروي ،و عودة األمن و األمان التدريجي لرحاب املؤسسات التعليمية،برزت اجلائحة الوبائية» كورونا « بربوع دول العالم ،ووصل تأثيرها اخلبيث الى بالدنا ،فتوقفت املمارسة التعليمية يوم 16 مارس من السنة اجلارية ،حتسبا لكل ما من شأنه ان يضر بحياة التلميذ املغربي ذكرا كان او أنثى . واذا كان تعليق الدراسة إلى إشعار اخر ،يوازي باقي اإلجراءات االحترازية الرشيدة التي اتخذتها الدولة، سواء بتجميد نشاط احلركة اجلوية و البحرية أو بتوقيف املنشات اخلدماتية و باقي املؤسسات احليوية، فان االستمرارية البيداغوجية « التي أعلنت عنها وزارة التربية الوطنية لتعد إبداعا نوعيا و إستراتيجية نبيهة و حكيمة حلماية املدرسة الوطنية من االنهيار من جهة،
وإمتاما للمقرر الدراسي و احلفاظ على فرص جناح التلميذ املغربي .بل إن تأجيل العطلة الربيعية يوم 29 مارس و مواصلة عملية التعليم عن بعد لفائزة التالميذ مبختلف أسالكهم وشعبهم الدراسية ،أثبت جذارة السيد الوزير و مهنيته القديرة على استمراريته على رأس هذا القطاع االجتماعي الفسيح . في ظل اإلجراءات الرشيدة التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية ،الح في األفق الوطني ،معطيان أساسيان ،هما: املعطى األول: يؤكد أن الرأي العام الوطني ،أشاد بإجراءات الوزارة االحترازية ،و بانخراط رجال و نساء التعليم في مواصلة واجبهم املهني عن طريق آلية « التعليم عن بعد « ،مع حتسيس التالميذ بخطورة الوباء اذا لم يلتزموا بالبقاء في بيوتهم .و هودور يشبه إلى حد بعيد ،ما يقوم به رجال الصحة والسلطات العمومية . املعطى الثاني: أن التالميذ سجلوا بفخر و اعتزاز : تطويق وزارتهم للوباء و حمايتهم من خطورته،بواسطة إقفال املؤسسات التعليمية . أهمية األستاذ كرقم كبير في املعادلة التنموية للفعلالبيداغوجي بشكل عام .خاصة في مثل هذه الظروف الوبائية العصيبة. أهمية التعليم احلضوري باحلجرة الدراسية التيغالبا ما تغيبوا عنها بدون مبرر. املدرسة مشتل كبير ،إلكساب التلميذ القيم النبيلة و املعارف و املهارات الالزمة ملواجهة حتديات الزمن واكراهات احلياة .
تتوخى النبش في تاريخ التعليم أو التدريس عن بعد. تشير بعض الدراسات إلى أن بداية التعليم عن بعد باملواصفات الرسمية (اإلدارة ،البريدن الطوابع) كانت في أواخر القرن الثامن عشرباململكة املتحدة ،حيث ظهرت أول التنظيمات املؤسسية للتعليم باملراسلة التي أنشأت الكلية اجلامعية للتعليم باملراسلة في لندن، تلتها بعد ذلك أملانيا عام 1856بتأسيس مدراس لتعليم اللغات باملراسلة،ولم يبدأ بأمريكا إال فيأوائل القرن التاسع عشر لينتشر بشكل جلي سنة 1873م حيث عملت الكنائس املسيحية على تيسيره بني األمريكيني، مستعملة التراسل بني املعلمني واملتعلمني ،إال أنها تقتصر على الكبار الراغبني في االستفادة دون درجات علمية أو شهادات،ولم يبدأ العمل بالدرجات العلمية أو الشهادات إال سنة 1883م حيث قامت كلية الفنون الليبرالية Chautauquaفي نيويوركبإعداد أول درجات علمية عن طريق التعليم باملراسلة ،التي تتضمن الكتب واألوراق ،مع اإلشارة إلى أن هذا النوع من التدريس كان حتت إشراف إدارة الكليات النظامية ذات التدريس التقليدي ،ولم يبدأ العمل بإدارة مستقلة للتعليم باملراسلة إال سنة 1892م حيث تأسست في جامعة شيكاغو أول إدارة من هذا النوع ،لتصبح أول جامعة على مستوى العالم التي تعتمد التعليم عن بعد ،فكان املتعلمون يتوصلون بالدروس والتمارين والفروض عبر البريد ،ثم يرسلون واجباتهم بالطريقة نفسها ليصححها املعلمون ويعيدون إرسالها لهم مصححة مرفقة بالنقط والدرجات املستحقة،وكانت هذه اجلامعات تشترط حضور املتعلم بنفسه ملقر اجلامعة ألداء االختبار النهائي الذي مبوجبة يتم منحه الشهادة ،واستمر العمل بهذه الطريقة سواء في أمريكا وأوربا إلى أن ظهرت احملطات اإلذاعية ليظهر معها الدروس التعليمية املذاعة،وفي أواخر 1920م اعتمد االحتاد السوفيتي أهداف تعليمية مختلفة ترمي لزيادة مخرجات النظام التعليمي ،فدمج مشاريع التعليم باملراسلة مع التعليم النظامي اجلامعي بصورة متكاملة بحيث يستطيع الطلبة التنقل بني الدوام الكلي، الدوام اجلزئي ،والدراسة باملراسلة للحصول على درجة علمية أو مؤهل تقني .وهي استراتيجية مناقضة لنهج
الغرب األمريكي ،ألن االحتاد السوفياتي كان يهدف من ذلك إلى إعطاء فرصة للقوى العاملة من متابعة تعليمها واحلصول على مؤهالت عالية باإلضافة إلى توفير تكوينات مهنية عن بعد لتكوين وتدريب األفراد وجتهيزهم لدخول سوق العمل،وفي عام 1921أخذت البرامج التعليمية حي ًزا كبي ًرا في اإلذاعات األمريكية، لتنتشرفي العديد من الدول بسبب النجاح الذي حققه هذا النوع من التعليم عن بعد ،واستمر هذا النوع إلى سنة 1956لتنطلق جتربة التلفزيون التي دشنتها كليات املجتمع بشكاغو األمريكية حيث كانت تقدم خدمة التلفزيون في التدريس عن طريق التنسيق بني عدد من قنوات الكابل وعبر القنوات التعليمية ،وهو ما ش ّكل نهضة حقيقة في ميدان التعليم ،سارت على نهجها العديد من احملطات التلفزيونية العاملية ،وانتشر استخدام تقنيات التلفاز والراديو وأشرطة الفيديو في تطوير التعلم عن بعد ،وابتداء من سنة 1970تأسست أربع جامعات في أوروبا وأكثر من عشرين حول العالم تطبق تقنية التعليم عن بعد ،مثل اجلامعات البريطانية املفتوحة التي سجل بها أول طالب سنة ،1971وفي أواخر عام 1980حقق التعليم عن بعد تقدما حيث وظف التكنولوجيا احلديثة مثل الفيديوهات التعليمية، وبذلك استطاعت التكنولوجيا اجلديدة أن تختصر املسافات الكبيرة بني املتعلمني واملعلمني وأصبح الطرفان يسمعان بعضهما البعض .ومع تقدم التكنول وجيا واالتصاالت اإللكترونية ،حتول التعليم عن بعد إلى تعليم باستخدام احلاسوب واإلنترنت والوسائط املتعددة لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية والتفاعلية، وهذا كله شكلته الثورة في مجال تكنولوجيا املعلوميات، وفي عام 1996انتشر التعليم عن بعد بواسطة اجلامعات املفتوحة املتخصصة في هذا النوعوخاصة تلك التي تأسست في الواليات املتحدة األمريكية حتت اسم جامعة الواليات املتحدة املفتوح ،حيث بدأت بها الدراسة في يناير1996م ،والزال التعليم عن بعد يبحث عن أساليب وتقنيات جديدة لتطوير نفسه حيث عرف سنة 2008نقلة نوع ّية بإطالق أول مساق مفتوح عبر األنترنت ،جمع آالف الطالب في جتربة حماسية،
مهدت الطريق لتأسيس العديد من املواقع اإللكترونية التعليمية التي تعتمد على الطرق التفاعلية واألساليب التعليمية املتقدمة ،وبذلك دخل على اخلط منوذج جديد غير اجلامعات في خوض غمار التجربة أال وهو املواقع اإللكترونية التعليمية اجلامعات العاملية ،سواء مبناهجها املتطورة ،أو بطريقة التقييم واملتابعة ،فضلاً عن شهادات التخرج التي متنحها ،وهي ال تقل أهمية ومكانة عن الشهادات التقليدية .وهكذا قدم االبتكار الرقمي خيارات جديدة للمتعلمني ،فبدأ العمل بالغرف الصوتية واملنصات اإللكترونية ،كان أولها منصة كورسيرا ،التي انطلقت منتصف عام 2011وحققت في فترة قياسية انتشا ًرا واسعً ا عبر كل القارات ،خاصة في الواليات املتحدة األمريكية ،البيئة احلاضنة ملشاريع تعليمية مميزة ،إن كان هذا على املستوى الدولي وخاصة األمريكي واألوربي فإن هذا النوع من التعليم على املستوى العربي بدأ محتشما مثل مؤسسة رواق سنة 2013كمنصة تعليمية حديثة ،وهي منصة عربية للتعليم املفتوحفي مواد أكادميية مجانية باللغة العربية في شتى املجاالت والتخصصات ،مت أسس موقع إدراك التعليمي تقنيات جديدة للتعليم اإللكتروني املجاني باللغة العربية عام 2014بالتعاون مع مجموعة كبيرة من اخلبراء واألكادمييني ،واليحتاج األمر إلى تذكير أن التجربة باملجتمعات العربية جاءت متأخرة نظرا للظروف السياسية االقتصادية واالجتماعية الثقافية التي خلفها االستعمار الغربي للمجتمعات العربية. وخالصة القول ،لقد عرف التعليم عن بعد تطورا كبيرا سيغير مفهوم التعليم بصفة عامة ،فانتشار التعليم عن بعد عبر الغرف الصوتية واملنصات سواء املجانية أو املدفوعة الثمن ،حيث أصبح باإلمكان تقدمي دروس بالصوت والصورة للمدرس ومئات املتعلم ينفي اللحظة نفسها عبر الغرف الصوتية أواملنصات اإللكترونية، يسير في اجتاه القضاء على التعليم التقليدي نهائيا.
تطور التعليم عن بعد
*باحث تربوي
26
العدد 84يونيو 2020
ملف
فاعلية التعليم عن بعد وخصائصه ذ/ياسين السهالوي* أصبحت كل املدارس مغلقة ،وحتولت الدروس احلضورية في القسم إلى تواصل عن بعد، COVID-19.وذلك في إطار التدابير االحترازية ملواجهة خطر فيروس كورونا ومنه غدا التعليم عن بعد احترازا مهما لضمان احلد من إمكانية انتقال الفيروس. إنه زمان املدرسة عن بعد لكثير من األطفال في منازلهم ،حيث أصبح مبقدور كل أسرة الولوج ملجموعة من املوارد الرقمية كالتمارين و األقسام االفتراضية. سيحاول هذا املقال تقدمي بعض املميزات
اخلاصة بالتعليم عن بعد مقارنة بالتعليم التقليدي أو احلضوري. يتميز التعليم عن بعد مبرونة ويسر أكثر في التواصل ،فهو يسمح بتقدمي الدروس عن بعد في أي وقت وبعيدا عن برنامج زمني محدد،إذ من الطبيعي أن يواجه الراغبون في متابعة دروسهم مجموعة من الصعوبات إضافة إلى أعمالهم. بالتالي ،تسمح التكوينات عن بعد باختيار الوقت املناسب للدراسة سواء في السفر أو احلضر ،وهذا غير ممكن في التعليم احلضوري الذي يحتاج لتوقيت محدد ومنهج محدد .لكن التعليم عن بعد مينح للمتمدرسني الوقت لتدبير تعلماتهم. من جهة أخرى ،يعد التعليم عن بعد أكثر تكيفا مع ايقاعات املتعلمني جميعهم ،فكل متعلم يتلقى تعلمه وفق ايقاعه اخلاص،فاحلالة التي يكون فيها املتعلم سريعا يكون حينها غير ملزم
مبسايرة اإليقاعات األخرى ،و العكس أيضا صحيح ،فعندما يكون بطيئا ميكنه أخذ وقته الكافي املنسجم ومستواه دون أن يعيقه شيء. ومن خصائص التعليم عن بعد خاصية التطبيق و الفعالية ،فهو على عكس التعليم احلضوري، يسمح بتقدمي تكوين متزامن في الوقت واملكان نفسه. يقول بيل غيتس في كتابه the road ahead أو طريق املستقبل» ...وفي وقت قريب سيوفر لنا طريق املعلومات السريع وصوال كامال ملعلومات ال حصر لها ،في أي زمان و مكان نرغب في استخدامهما ،وإنها إلمكانية مبهجة حقا ،إذ إن وضع التكنولوجيا موضع التطبيق من أجل حتسني التعليم سوف تنجم عنه منافع جمة في كل مجاالت املجتمع «. لقد أصبح املتعلمون في غنى عن مغادرة مقرات سكنهم و االنضباط لتوقيت معني ،في وقت صار فيه التعلم متاحا ،من خالل االرتباط فقط بجهاز
االهتمام بتدريس اللغة األمازيغية ،إ ال أنه هو اآلخر انتهت عشريته األولى سنة 2010ولم يكتب له النجاح ،وبعد هذه احملاوالت الفاشلة قامت الدولة بإعداد برامج إصالحية أخرى على رأسها البرنامج االستعجالي ()-2009 2012 هذا املخطط الذي زرع نفسا جديدا في مسلسل إصالح املنظومة التربوية ،باعتماده لبيداغوجيا الكفايات واإلدماج ،محاربة الهدر املدرسي، تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح ...إال أنه هو اآلخر لم يحقق أي تقدم ملموس ،ليتم تدارك األمر بتنزيل الرؤية االستراتيجية بغرض إنقاذ التعليم من األزمة بتبني طرق جديدة للتدبير، وفتح املجال للشركاء والفاعلني التربوين من أجل املساهمة في تدبير الشأن التربوي وفق حكامة جيدة تضمن للتعليم جودته ،لكن بالرغم من ذلك الزالت املنظومة التعليمية تتجرع مرارة الفشل سنة بعد أخرى ،وكمحاولة جديدة إلنقاذ هذا اإلصالح ،وتفعيال لتوصية الرؤية االستراتيجية ،مت العمل على حتويل اختياراتها الكبرى إلى قانون إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم اجلميع ويلتزم به اجلميع بتفعيل مقتضياته إلصالح منظومة التربية والتعليم ،وجوهر هذا القانون ،51/17كما جاء في ديباجته يكمن في إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام اجلميع، تتوخى تأهيل الرأسمال البشري استنادا إلى دعامتي املساواة وتكافئ الفرص من جهة وحتقيق اجلودة للجميع من جهة أخرى ،بغية الوصول إلى الهدف األهم واألسمى والذي يتجلى في االرتقاء بالفرد وتقدم املجتمع ،ومن مت وضع قواعد إلطار تعاقدي وطني وملزم للدولة ولباقي الشركاء الفاعلني في قطاع التعليم ،لكن بالرغم من كل هذه املجهودات املبذولة ،مازالت منظومتنا التعليمية تفرز العديد من املشاكل، كضعف املستوى التعليمي ،استمرار الهدر املدرسي ،نقص اجلودة في املقررات واملناهج التعليمية ،نقص البنيات التحتية والتجهيزات املدرسية ،االكتظاظ وبطء تعميم التكنولوجيا والتباعد بني حاجيات سوق العمل والبرامج التعليمية ،مما أدى إلى استفحال ظاهرة البطالة في صفوف حاملي الشهادات .ويعزى كل هذا إلى غياب رؤية واضحة املعالم حول إصالح قطاع التعليم ،رؤية تبرز ما سيكون عليه مستقبل القطاع على املدى املتوسط والبعيد ،وكذلك عدم وجود إرادة سياسية حقيقية معززة باحلكامة والتدبير العقالني والتخطيط السليم املبني على املشاركة والشفافية واحملاسبة ،ألن هذا القطاع
أمام رهانات صعبة وتنتظره حتديات كثيرة تتطلب مشاركة كل األطراف املعنية من أحزاب ومجتمع مدني ومنظمات ،وسائر الفاعلني االقتصاديني واالجتماعيني ،وأطر التدريس لتأهيله بالشكل املطلوب عبر تفعيل االستقاللية املالية واإلدارية لبنيات املنظومة (أكادميية، مديرية ،مؤسسة تعليمية) والعمل على إعادة النظر في بناء البرامج واملناهج باملوازاة مع اإلصالح ،ووضع استراتيجية للتكوين املستمر تتالءم مع املتغيرات التربوية والبيداغوجية املعتمدة ،فضال عن ربط التعليم بالتربية لتخليق املنظومة من االختالالت السلوكية داخل املؤسسات التعليمية والعمل على اإلسهام في جتديد روح املدرسة العمومية بشكل خاص وجعلها فضاء منفتحا على حتوالت العصر في أبعاده التكنولوجية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية ،وكذلك فضاء لإلبداع واالبتكار في الوسائل وطرق التدريس لكي تستطيع منظومتنا مواكبة التطورات واملستجدات العلمية التي تنبئ عن ثورة جديدة في أنظمة التعليم أصبحت على األبواب ولم تعد خيارا للترف ،بل حقيقة البد من اخلوض فيها ألنها هي بوابة العصر واملعرفة ،وإن ما يعيشه تعليمنا اليوم في ظل جائحة كورونا بخوضه جتربة التعليم عن بعد ألول مرة ،كمحاولة من الدولة ضمان استمرارية التعليم ،بسبب إغالق املدارس ،يجب أن تكون نقطة حتول وانطالقة حقيقية لإلصالح ،ألن هذا األخير عرى على مكامن ضعف املنظومة وعلى االختالالت التي تعيشها ،لذلك ميكن القول بأنه يبقى جتربة محدودة ،نظرا لهشاشة األرضية التي بني عليها بسبب التفاوتات االجتماعية وضعف في التأهيالت الرقمية لنسب مهمة من األطر اإلدارية والتربوية واإلكراهات املادية وغيرها. استنادا الى ما سبق من طرح ،نستخلص أن إصالح املنظومة التربوية ،بات ضرورة ملحة ومستعجلة ،بعدما عرت جائحة كورونا عن مجموعة من االختالالت خالل اعتماد جتربة التعليم عن بعد ،خاصة وأن املغرب اليوم يتوفر على رؤية وقانون إطار لإلصالح ،يستدعي األمر فقط إرادة سياسية حقيقية ألجرأة أحكامه وتنزيلها عبر حتقيق املساواة وتكافؤ الفرص اللذين يستوجبان االستناد على مجموعة من الرافعات أهمها :تعميم تعليم دامج وتضامني جلميع األطفال دون متييز ،وجعل التعليم األولي إلزاميا بالنسبة إلى الدولة واألسر ،ومتكني
وايفي أو حاسوب أو هاتف متنقل. ميكن التعليم اإللكتروني املتعلمني الذين يفضلون البقاء في منازلهم ألسباب عائلية من متابعة دروسهم وتطوير مستواهم .ففي ظل التعليم عن بعد لم تعد هناك حاجة للتنقل أو طلب حضور املدرس للمنزل ،فجميع الدروس أصبحت متاحة ،كما أصبح العمل في وسط عائلي بفضل هذا النوع من التعليم ميسرا مع ربح وقت معتبر. يستند التعليم عن بعد على دعائم تنشيطية و متنوعة كاأللعاب التفاعلية و املنتديات و الشرائح. لقد بات التعليم عن بعد ضرورة وقتية فرضتها السياقات احلالية و املؤشرات املستقبلية ،لذا تبذل دول العالم قصارى جهودها لتفعيل هذا اخليار االستراتيجي.
*(أستاذ /مدرب تنمية بشرية)
واقع املنظومة التربوية وحتمية تنزيل القانون اإلطار مابعد جائحة كورونا
ذ/فدوى هاشم* املنظومة التعليمية هي كل القواعد والتنظيمات واإلجراءات التي تنهجها الدولة لتوجيه أمور التعليم وتسيير شؤونه سعيا إلى اإلرتقاء بقيم ومبادئ األمة مبا يتماشى مع السياسات التربوية ،وإن ما يشهده العالم اليوم من تغيرات جذرية وتطورات سريعة أثرت على حياتنا في العديد من املجاالت خاصة مجال التعليم ،يفرض علينا جميعا كمهتمني باحلقل التربوي الوقوف على ثلة من النقط املؤرقة التي تتخبط فيها منظومتنا التعليمية ،باستدعاء أبرز اإلصالحات التي عرفتها ،وتسليط الضوء على املشاكل واألسباب التي حالت دون جناحها ،فكيف ميكن النهوض بها في ظل ما نعيشه اليوم من حتوالت؟ الشك أن إصالح منظومة التربية والتكوين شكل احللقة األهم في مسلسل تاريخي من اإلصالحات املتعاقبة بتعاقب احلكومات التي وضعت املخططات واملناظرات لتشخص خصائصها وتتبع تقومي مسارها ،فجل اإلصالحات املتوالية لم تعط أكلها وباءت بالفشل ،الشئ الذي فرض على املسؤولني تدارك الوضع والبحث عن سبل مختلفة وطرق جديدة ،وهو ماجسدته احملاوالت املتكررة في تاريخ إصالح التعليم ببالدنا والتي سلكت منحى التناظر أو البرنامج أبرزها: مناظرة املعمورة (أبريل )1964التي دعت إلى تطوير آليات وثوابت اإلصالح :املغربة ،التعريب، التوحيد ،التعميم بغية إصالح التعليم ( سنة )1957مرورا بإصالح املرافق للمخطط اخلماسي ( )1964-1960ثم محطة املذهب التعليمي اجلديد املنسوب لوزير التعليم الدكتوربنهيمة ( )1966ثم اإلصالح الذي انطلق سنة ()1985 في إطار سياسة التقومي الهيكلي منذ ،1983 إضافة إلى امليثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة ،2000وقد كانت من مرتكزاته : تغيير البرامج واملناهج ،تعددية الكتب املدرسية،
األطفال من متييز إيجابي في املناطق القروية وشبة احلضرية ،خاصة التي تشكو العجز أو اخلصاص ،وتأمني احلق في التعليم لألطفال في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة ،ومكافحة الهدر املدرسي والقضاء على األمية ،فضال عن ضمان جودة التعليم بتجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير ،وإعادة تنظيم وهيكلة منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي ،وإقامة اجلسور بني مكوناتها ومراجعة املقاربات والبرامج واملناهج البيداغوجية مع إصالح وتشجيع البحث العلمي والتقني واالبتكار واعتماد تعددية التناوب اللغوي بهدف تنويع لغات التدريس ،عن طريق تعليم بعض املضامني أو املجزوءات في بعض املواد باللغات االجنبية قصد حتسني التحصيل الدراسي بها .وتبني منوذج بيداغوجي موجه نحو الذكاء يطور احلس النقدي وينمي االنفتاح واالبتكار بتزويد املجتمع بالكفاءات والنخب من العلماء واملفكرين واملثقفني واألطر والعاملني واملؤهلني للمشاركة في البناء املتواصل للوطن على جميع املستويات ،من خالل اإلسهام في تكوينهم وتأهيلهم ورعايتهم ،فضال عن هذا كله البد من التركيز على أجراة بعض التدابير األخرى التي جاء بها هذا القانون والتي صادقت عليها باإلجماع جلنة التعليم والثقافة واالتصال مبجلس النواب من بينها ضمان مالءمة مواصفات خريجي املنظومة مع متطلبات سوق الشغل ،وحتقيق االنسجام مع اخليارات املجتمعية الكبرى ،باإلضافة إلى توسيع نطاق أنظمة التغطية االجتماعية لفائدة املتعلمني من ذوي االحتياج قصد متكينهم من اإلستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم وحتفزهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة ومالئمة. إن الشروع في تنزيل ماجاء به القانون اإلطار يتطلب عمال جبارا من اجلهات املسؤولة على رأسها املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والوزارة الوصية عبر فتح حوارات جهوية ترفع لها توصياتها من أجل وضع خريطة شاملة وواقعية لتفعيل هذا اإلصالح الذي يشكل التحدي األكبر والرهان األساسي لبلوغ التنمية االقتصادية واالجتماعية املنشودة ،واملدخل األساسي للرقي ببالدنا إلى مصاف املجتمعات املتقدمة.
* أستاذة بمدرسة الزوهرة الحداوي بالحي الحسني
27
العدد 84يونيو 2020
ملف
كفايات مفهوم التدبير :من التدبير الدراسي إلى تدبير احلياة إن من أهداف التربية وغاياتها تعليم اإلنسان كيفية العيش في هذه احلياة واإلقبال عليها وهو مزود مبعارف ولليات التعامل مع الوضعيات التي تعترض طريقو ومساره في العيش ،وحسن التخلص من األزمات وجتاوز الدخاطر الدتعددة ،مبا تزود بو من الددرسة من تقنيات وكفايات فعل تدبنً جيد. ذ :إخلف وسعيد*
إن من أهداف التربية وغايامتا تعليم اإلنسان كيفية العيش في هذه احلياة واإلقبال عليها وهو مزود مبعارف وآليات التعامل مع الوضعيات التي تعترض طريقه ومساره في العيش» وحسن التخلص من األزمات وجتحاوز املخاطر املتعددة» مبا تزود به من املدرسة من تقنيات وكفايات فعل تدبير جيد. بذلك أصبح االهتمام مبفهوم التدبير في املدرسة احلديثة يشكل حتديا كبيرا على البيداغوجيني واملربني؛ بل وعلى علماء اإلقتصاد ,ملا له من أهمية ريادية في إمكانية حترير املجتمعات من األزمات املالية واإلقنصادية :وبالتالي فإن الرهان اليوم قائم على املدرسة من أجل إعادة النظر في هذا املفهوم للنهوض عبر وضع استراتيجيات فعالة ناجعة وناجحة .انطالقا من مدخالته وإنتهاء مبخرجاته احلضارية التي يجب التعويل عليها في كل املقامات واملواقف .ونقله من مستوى التجريد إلى املمارسة ومن التنظير إلى التطبيق وحتوله من املعنى احلزئي إلى املعنى الواسع الذي يسمح له بالتوظيف اجليد. في هذه الورقات نريد احلديث عن حاجة املدرسة والدولة إلى إعادة النظر في مفهوم التدبير باعتباره آلية من آليات النجاح والتفوق وتقنية من تقنيات التخدلص من العشوائية والعبثية؛ بوضع املشاريع وتنفيذها والقيام بعملية اإلنحاز وفق رؤية وفلسفة استراتيجية محكمة .والعمل على إعادة البناء والنهوض من جديد» وجتحازو الرؤى التقليد؛ التي لم تعد جتدي نفعا. إن الوضع التعليمي في املغرب رهني بالتحول واالنتقال من وضع األزمة والوفاء للحال إلى الوفاء للنظر االستراتيجي عبر إعادة فتح ملفات التجديد والتفكير في اإلصالح؛ والتجديد في النظريات والوسائل» تبعا ألحوال العمران التي تتبدل ومراحل تشكل احلضارات التي تتغيرء ألنه من محال أن تدوم على حال أي حضارة من احلضارات املشكلة في تاريخ البشرية وعلى منهج واحد » مهما أوتيت من علم وفلسفة» وقد تعيش احلضارة اليوم قوية ومنضتها مليئة بالعطاء وتعيش غدا فقيرة بفعل الزمان وتقلب العمران وتدبير القائدين لهاء وقد نبهنا القرآن الكرمي إلى مثل هذه األمور على أن نستعد وأن نغير مناهجنا التعليمية وبرابحنا التربوية كلما حصلت أزمة من األزمات كاحلفاف واألوبئة واألمراض واحلروب» قال الله تعالى« :قال تزرعون سبع سنني دأبا فما حصدمت فذروه في سنبله إال قليال مما َتأ ُك ُلونَ » ،فما مفهوم التدبير؟ وما مميزاته؟ وما هي أنواعه؟ وماهي آفاقه؟ .جملة من التساؤوالت املطروحة على العقل التربوي إلعادة فتحها في مستقيل األيام.
السياق املفهومي للتدبير:
إذا كان معنى التدبير في البيداغوجيات الكالسيكية معندم املعنى أو قليل التوظيف أو ضيق الفهم بسبب حصره في التخطيط للدرس؛ فإنه أصبح املعنى اليوم عاما وأكثر تداوال من ذي قبل حيث يتجاوز هذه النظرة الكالسيكية مع النظريات اجلديدة ومتطلبات الواقع اجلديد وال يقتصر املعنى في االرتباط مبا هو دراسي وفي املرحلة التي يكون فيها املتعلم مع املدرس» وإمنا املعنى امتد إلى التدبير الكلي املستقبلي الذي يوظفه اإلنسان بعد مرحلة الدراسة :عبر السعي إلى جتاوز وضعيات واستثمار املعرفة في احلياة املهنية» ويكون ذلك بالتركيز على التدبير املدرسي كخطوة أولى وأن يتعلم املتعلم مبادئه» على أن يستثمر فيه كفايات النجاح واالجتهاد والتفوق في احلياة املهنية و بانتقال الفهم من التخحطيط التربوي والديداكتيكي إلى التخطيط املهني والتخطيط في املوارد البشرية والرقمية التكنولوجية وملالية املادية التي ستفرضها احلاجيات واملخاطر اإلقتصادية والسياسية واإلجتماعية» وذلك عبر تكوين أجيال قادرين على حمل مسؤولية تدبير الدولة واجلتمع. إن التدريس ببداغوجيا الكفايات كخيار استراتيجي أماله الوضع العاملي من أجل ربط املدرسة باحلياة اإلقتصادية واإلجتماعية عبر كفايات احلياة والعمل الذي ينبغي أن يتحدد فيه التفكير مستقبال عبر حتديد األولويات احلضارية التي ميكن أن تعيد املجتمعات إلى حيامتا الطبيعية بعد كل جائحة أو أزمة ماء واستعداد الفكر التعليمي والتربوي خللق برامج ومناهج تستطيع أن تثمر ما ينفع» إننا تتحدث عن ضرورة اإلنفتاح على كفايات التدبير وفتح هذا ا ملف وهذا الورش الكبير الكساب األجيال القادمة كفايات حل املشاكل التي تعترض الدولة في ظل األزمات» للعلم باألسباب والعلل والكوائن وأخذ العبر والفوائد وتوسيع فهمها عبر منظومتنا التربوية وعلى فهم الفقه املستقبلي والفقه اإلفتراضي في سائر احملاالت هذه كفايات تساهم في فهم املتعلم لواقعه ويتطلع ملستقبله برؤية محملة بأفكار استراتيجية واعية» كما يفهم ماضيه وحاضره يجب أن يفهم مستقبله .ألن في املقررة التربوية واملناهج ال مكان للحديث عن هذه الكفايات ومضامني معارف مكتسبات لها صلة مبسألة التديير» فاملتعلم في جل املقرارات يتعلم كيف يقوم فقط بحل وضعية أو يجتاز تقوها لإلنتقال من مستوى إلى تقبلية؛
ألن «املستقبل هو رهان النهضة وبحال الفعل» ومن غير التفكير فيه واإلستعداد الحتماالته فإن واقع الضعف والتخلف لن يتحول بغتة إلى نحضة غير تخطيط ملاض ذهب صار واقعا وتقدم من اليوم وأمال متجددا في املستقيل».1
مميزات التدبير:
إن مفهوم التدبير ينقل املدرس أو الفرد املمارس لهء من الصفة واخلاصية التقليدية إلى املدرس أو الفرد الكفائي» إذ بواسطة هذه اآللية ميتلك هذا الفرد املهارات والقدرات والكفايات املهنية واملنهجية والتواصلية والذهنية؛ ويستطيع أن يربط التعلمات بكفايات احلياة» ومع مستجدات الواقع اإلقتصادية والوضع اإلنسانيء في املخاطر واألزمات؛ إذ التدبير منهج يضع اإلنسان في تعامل جيد مع الوضعيات؛ ويحقق النجاح وبرقى بالفرد إلى أن يكون ذا كفاءة ووعي باملسؤولية :ويحقق التعاون بني األفراد إليجاد احللول للوقائع واألجوبة للمسائل التي ميليها الواقع .مبا أن الرهان قائم على املدرسة من أجل تطوير املجتمع» فإن أهمية التدبير تكون ضمن أولويات اإلصالح حيث « يحقق تنمية ناجحة وناجعة بيداغوجيا وديداكتيكيا ويحقق مدرسة النجاح والتميز والكفاءة».
أنواع التدبير:
مير هذا املفهوم في تشكله عبر مراحل ثالث أساسة في التحديد وضمن رؤية اإلصالح ينتقل خالنها من التدبير البسيط إلى التدبير الكلي الشامل إليها أشار التربوي محمد أمزيان بقوله: «يعرف املشروع التربوي مجموعة من املراحل» مثل تدبير املدخخالت» وتدبير العمليات؛ وتدير املخرحات» وتدبير اللحاطرء وهذا كله من أجل حتقيق اللمودة احلقيقية والفعالة». أ -تدبير املدرس :هو نوع في عملية التعليم وني تعلم الكفايات في املدرسة» ويعني أن يقوم املدرس بالتدبير اميد في تعلمات املتعلمني وحسن التخطيط واالعداد؛ بشكل سليم على مستوى اإلعداد والتخطيط للمعرفة املدرسية؛ أثناء الوضعيات الديداكتيكية :باملمارسة العقالنية التي تسعى إلى حتويد التعلمات؛ وهنا ينبغي «ضرورة وأولوية االهتمام بتكوين املرني الفعال املنتج املتفاعل املشارك املسؤول والواعي برسالته الريادية في قيادة عمليات اإلصالح والتحديد. وذلك عبر مساهمته املبدعة موث .تكوين العنصر البشري وبناء املواطن القادر على رفد وحتصني ما حتاول محتمعاتنا االنخراط فيه من مشاريع مجتمعية للديكقراطية والتنمية والتحديث.
28
العدد 84يونيو 2020
ب -تدبير املتعلم مبفرده :يعني العمليات التي يسعى من خالها املتعلم في اكتساب املعرفة سليم حلل الوضعيات التي يكون وأخذها بشكل ٍ معه في مواجهة مباشرة .مجموعة من املوارد الداخلية الذاتية والنفسية؛ وملوارد اخلارجية من أفكار وبيانات ومعلومات أخرى وتدبير املتعلم يتحلى في حسن استغالل املعطيات والتوفيق بني هذه املوارد وتقدم األولى فاألولل» ويكون حسن تدبر املتعلم رهينا مبا اكتسبه من تدبير املدرس. ج -التدبير املمتد ذو آفاق مستقبلية :إن الهدف والغاية من التدبير املدرسي أو اإلداري هو أداء الدور احلياتي لهذه العملية كلما حلت معضلة وجائجة أو أزمة من أزمات الدولة أو لها عن املجتمع؛ والبحث حلول» وكلما كانت املدرسة مؤثرة في املجتمع كلما وجدنا احللول النهصوية قائمة لذلك التبير املدرسي أوال إلعداد جيل ريادي يستطيع خدمة ملجتمع؛ من أطر اجتماعية وأقتصادية وفنية وصحية وعسكرية قادرة على فهم التحوالت والتغيرات املتعددة وإجتاد املساهمة املبدعة» وهذا التوع من التدبير تستغل فيه الكفايات احلياتية واملهنية التي إكتسبها اإلنسان من املدرسة» وينبغي الوعي به كثرا والعمل على إعداد املتعلمني على التدريب والتوقع للمخاطرء وقد علمتنا التجارب واألزمات ما لهذا من دور فعال ومهم وخير دليل» الوضع الذي تعيشه البشرية اليوم بسبب وباء كورونا الذي زعزع العالم وأحدث منطا جديدا من العيش وغير بحرى كثير من املعطياء التعليمية واإلقتصادية بل واإلجتماعية .وجناح املدرسة مستقبال هو الوعي مبثل هذه الظروف التي على الرغم من وصفها باالستثنائية إال أمنا قلبت املوازين وغيرت املناهج» فعلى املدرسة حسن التديير واإلعداد وضع املستقبل في احلسبان .ومن ذلك:
تدبير بناء الرأسمال البشري النافع من خالل:
إنفتاح املوسسة والبرامج على القيم اإلنسانيةاملشتركة التي تعيد حتقيق اإلندماج بني عناصر امجتمع في عز األزمات من قبيل العلم واخبرة والتكافل والتعاون والتضامن واإلنفاق واإليثار واإلحساس باآلخر ماديا ومعنويا لتجاوز الكربات التي تتركها األزمات» و«نشر ثقافة التعايش التسامح؛ ونبذ التطرف واإلرهاب واإلقصاء. ويعني هذا أنه البد من تعويد ناشنا على تقبل
ملف اآلخرء وجتنب العدوان والكراهية والصراع احلدلي» وإقامة عالقات تواصلية مع اآلخر قوامها احلبة والتعاون والتعايش والصداقة والتكامل اإلدراكي» ألننا وحدنا في برابجنا التربوية ومناهجنا غياب كفايات التدريس للتديير املرحلي األي جائحة من اخلائحات على املستويات العلمية واإلجتماعية واخلبرات اإلقتصادية؛ كما يتم أيضا تسجيل محدودية الطرح في الساحة التزبوية»
على الرغم من أهيتها مبكان والغياب يعم سائر االت يسبب عذم وعود للنهسية التلنية :وعله من كعم للسشالت آفي يها نسم افؤيري ومي باملغرب؛ وهي التي تساهم في الكفايات املمتدة والطويلة في األمدء « لكن الذي يشكل غيابا ملحوظا في برابنا الثقافية عدم وجود املنهجية العلمية التي حتول استشراف املستقبل إلى منهحية علمية لها أساسامتا املعرفية وتقنيامتا االستراتيجية» ولعل ندرة املراكز املتخصصة بالدراسات املستقبلية في بالدنا الغربية شاهد على ضعف العمل بالدراسات والنظريات املستقبلية في مقابل التكاثر احلائل للك
املراكز في الغرب املعاصر».2
أهداف التدبير وعالقته بالرؤية االستراتيجية:
إن اإلطار النظري لكفايات التدبير هو ارتباطه مبجموعة من املشاريع التي جاءت بحا الرؤية االستاتيجية :2030/2015خاصة في ماال الرابع « احلكامة وتدبير التغيير» .واملشروع .26تقوم نظام املعلومات للتزبية والتعليم”؛ ما يجعل الباحث يطرح جملة من التساؤالت حول التحديات التي ستحدها املدرسة املغربية في طريقها مستقبال في تنزيلها هذه املشروعات والتساؤل الذي يطرح نفسه باحلاح هو هل يقتصر مفهوم التدبير على كفايات مرتبطة بالفصل الدراسي ويقتصر على فترة احلياة املدرسية» أم له أهداف امتدادية حياتية تنفع اجلتمع مستقيال؟» أعتقد أن مفهوم التديير مفهوم عام وكلي مستقبيلة؛ من تدبير التعلمات واملعارف وحسن توظيفهاء ككفايات اكتسبها اإلنسان من املدرسة يوظف في سياقات متعددة وله مجاالت واسعة وامتدادات املدرسة وتدبير األزمات واملخاطر اإلقتصادية والبيثية» فان هذه الكفايات تظل مصاحية للمتعلم ومتتد معه طول حياته وبالتالي فإن التدبير ال يقتصر على ماهو مادي بل يتجاوزه إلى ما هو معنوي» كما أن األمر ال يقتصر على ماهو مدرسي بل التدبير اإلقتصادي. والتنزيل التربوي للتدبير ييتدأ في فتح املوارد الرقمية والتعليم عن بعد ملواكبة املستحدات التي يفرضها الواقع» والعمل على تدبير كفايات التكنولوجيا وتوسيع قاعدمتا امليدانية والتكوينية للموارد البشرية» النه الحظنا خالل التعليم عن بعد التي قامت به الدولة والوزارة الوصية على التعليم النقص احلاد في الوسائل الديداكتيكية وآليات اإلشتغالء النه لو أذت الدولة هذا في االجراء في احلسبان ماكان هناك خلل. إن التجديد دائما في البرامج التربوية هو مفتاح النهوض بامجتمع؛ نخاصة بعد األزمات واخلائحات واألوبة التي تفرضها إعادة النظر في تقنيات اإلصالح املتعلقة بفلسفة التدبير املستقبلي. أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بيني مالل
29
العدد 84يونيو 2020
ملف
املهارات احلياتية رهان على وظيفية التعلمات
ذ/عبد الرحيم الضاقية*
يشهد العالم خالل هذه األزمة الصحية أكبر حتول على مستوى االختيارات والتوجهات سواء في النظرة لآلخر أو للذات حيث ان املوازين على وشك االنقالب ،إن لم تكن قد انقلبت فعال ...واملدرسة من بني الوكاالت التي حتضن التحوالت العميقة على مستوى التفكير والتدبير جتد نفسها اليوم محاصرة بأسئلة مصيرية حول مكانة اإلنسان ومستقبله وطريقة تدبيره ألشيائه الصغير والكبيرة .لقد شهدنا أن كل مقومات التطور التي بني عليها العالم املتقدم منذ عصر الثورة الصناعية قد أصبح بدون معنى في ظل التهديد احملدق بالصحة واحلياة .كما أن كل ترسانة التقانة التي أحاط بها العالم نفسه أصبحت مثل أثاث غير مرغوب فيه تشبه املتالشيات ،لكن باملقابل فمشاعر اإلنسان وبنيته الداخلية هي التي أصبحت زاده الوحيد ،بل وحتى الوقاية وإجراءاتها تتخذ من املدرسة نبعا لها
ان األوساط واألمم التي استثمرت في التربية لم جتد صعوبة في تطبيق إجراءات التباعد االجتماعي والوعي بخطورة الوباء بينما لم تفلح حتى الترسانة األمنية والقانونية من إيصال املعلومة ألوساط لم تنل قسطها من التربية والنماذج داخل احلواضر بادية للعيان .ففي ظل هذه احلالة االستثنائية يعد التفكير في بدائل بيداغوجية أمرا حتميا في ظل إعادة النظر اجلذرية في كل شيء .ومن هذه البدائل التسلح مبهارات غير تقنية تلقح اإلنسان من الداخل وجتعله مثال صامدا أمام وضعيات فريدة من نوعها مثل تدبير القلق والقدرة على اتخاذ القرار ..وكلها مهارات حياتية يتعني على مدرسة الغد أن تدمجها في املنهاج الدراسي كي تتمكن املضامني الدراسية من إنتاج سلوكات ناجعة في إطار مجتمع متحول .وفي هذه احملاولة التي نقدمها اليوم سوف نتسائل عن أسس وأبعاد املهارات احلياتية كأفق بيداغوجي ،ثم مدى إمكانية تفعيلها ضمن املنهاج ،وسوف جنازف بتقدمي بعض املسارات التطبيقية املمكنة علها تفتح الباب على نقاش مثمر وواسع .
أوال -املهارات احلياتية :األسس واألبعاد
يعد مشروع املهارات احلياتية مشروعا قدميا نسبيا حيث عرفته املنظومات التربوية الدولية مند عقدين من الزمن على األرجح ،لكن التطويرات التي حدثت فيه على مستوى االشتغال به على عدة واجهات أكسبه نوعا من القوة االقتراحية حتى وصل إلى مستوى إمكانية بناء املنهاج على أساسه .وقد مت تطوير عدة أدوات متعلقة به سواء على مستوى املهارات املجتمعية أو العملية في إطار انفتاح املدرسة على املقاولة أو على املجتمع املدني أو في إطار احلياة املدرسية خارج الفصل الدراسي .
1ـ محاولة في التعريف :
تختلف التعاريف املرتبطة باملفهوم عبر مسار تفعيله في إطار املشاريع املختلفة التي تبنته أو أدخلته ضمن مكوناتها .لذا ميكن اعتماد تعريف شامل جتمع عليه أغلب الدراسات واملشاريع املرتبطة بها وهو يحيل على أن هذه املهارات نسق من املبادئ واملفاهيم تتيح مواجهة التحديات اليومية للحياة ،وميكن االشتغال بها في الفصل أو خارجه عبر متريرها في مضامني مختلفة ووهي قابلة للتجريب واالكتساب طول احلياة accesstud(. ) dents.comومن مزايا هذه املهارات تطورها في الزمان واملكان وحسب الوضعيات التي يوجد فيها املستعمل . فيمكن استعمال املهارات احلياتية في بعدها األولي في التكوين باملدرسة أي عبر اكتساب القواعد واألفكار ، كما ميكن استعمالها في البحث عن الشغل ثم في املجال املهني الصرف .ومع التطورات التي يعرفها مجال املهن وارتباطاته باالقتصاد العاملي فهذه املهارات نفسها تعطي للفرد إمكانات واسعة لتطوير ذاته واالنتقال إلى مهن أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليه على املستوى الذاتي
واملادي .وكل هذه املبادئ التي حكمت هذا التعريف هي نفسها مكونات للمهارات احلياتية . ميكن تفكيك العناصر األساسية لهذا التعريف من أجل توضيح مداه وتبديد بعض اخللط الذي ميكن أن يحصل عند االشتغال به ،خصوصا وأن اجلهاز املفاهيمي املوظف في املدرسة ميتح من مرجعيات ومصادر مختلفة . < املهارات :هي جمع مهارة وعند الترجمة تصبح كفاية Skillثم في بعض الوثائق تستبدل بكفاءة ..وقد أقرت الوثائق املرجعية الدولية على أن هناك خلطا وتبادال للمواقع بني هذه املفاهيم من حيث الداللة واملبتغى. فاملهارة Habiletéتطلق على نسق من املمارسات العملية التي تترجم حتكما تقنيا في إجناز مهمة أو تطبيق قاعدة أو أجناز ،وقد تكون هذه املهمة مركبة أو مفردة .فنقول عن تلميذ/ة ماهر في إجناز العمليات األربع كما نصفه باملهارة في القفز بالزانة . < التحديات اليومية للحياة :هذا البعد هو الشبه غائب في املناهج التعليمية التي يغلب عليها اجلانب النظري ، فاحلياة اليومية هي نسق من الوضعيات التي ال تفصل بني اجلوانب املختلفة مثل ما هو حاصل في املدرسة .لذا املهارات احلياتية تنطلق من تصور شمولي لعمليات التعلم على مستوى املعرفة الصرفة الضرورية ،ثم توظيف هذه املعرفة في سياقات حياتية معيشة حلل املشكالت اليومية لضياع الوقت أو للحفاظ على املوارد املالية . < داخل وخارج الفصل الدراسي :يتوجه املستوى األول من املهارات احلياتية إلى الفصل الدراسي كوحدة تنظيمية قابلة للبحث والدراسة وميكن التحكم النسبي في مكوناتها ومعطياتها .وفي املستوى الثاني ضمن املؤسسة التعليمية أي ضمن مكونات ومقتضيات احلياة املدرسية ،مثال في إطار نوادي البيئة أو حقوق اإلنسان أو ضمن رحلة دراسية أو ترفيهية . < االكتساب طول احلياة :يستند هذا البعد على التوصيات الدولية وخالصات مؤمترات التربية الدولية انطالقا من تقرير دولور Delorsحول «التربية ذاك الكنز املكنون » ووصوال إلى الرؤية اإلستراتيجية ( 2015 ) -2030وخاصة منها الرافعة التاسعة عشر التي تؤكد على استدامة تعميم املعرفة والتربية والتعليم للجميع والتعلم مدى احلياة مع وضع املساطر التنظيمية والعملية لتحقيق هذا الهدف باالستعانة مبا توفر تكنولوجيا اإلعالم واالتصال من تواصل وتعلم عن بعد ( املجلس األعلى ،الرؤية ،ص .) 57 < احلياة اخلاصة واملهنية :غالبا ما يتم الفصل بني الشيئني على مستوى التصور وآليات الفعل االيجابي بني اخلاص واملهني مع أن األمر ال يختلف كثيرا باعتبار أن الفرد الواحد هو الذي يقوم بالدورين . Acteurيحيل الذكاء االجتماعي على نهج نسقي تتم بواسطته استثمار املهارات احلياتية سواء على مستوى تدبير األسرة واحلياة اخلاصة والتعامل املهني مع قضايا وفئات
بشرية دون رابط غير املهني ،مع احترام فقط للمقياس املستعمل بدون تغيير في املبادئ املؤسسة .. لعل هذا التدقيق املفاهيمي يكون قد أسعف في رفع بعض االلتباسات التي ميكن أن يخلقها التعريف األول بحكم تعالق املقاربات وتشابهها ،لكنه يكون قد أفرز أسئلة قد تكون مسوغات منطقية للعناصر املوالية ضمن هذه احملاولة .
2ـ خلفية ومرجعيات :
من خالل هذه املداخل املفاهيمية يبدو أن اخللفية النظرية التي تستند عليها املهارات احلياتية ليست جديدة بصفة كلية عن القضايا املطروحة على مستوى دائرة النقاش التربوي، Noosphèreلكن طريقة تناولها أو تركيبها ضمن بنية منهاجية هي التي سوف تكون ذات أهمية .لذلك فعند الرجوع إلى كرونولوجيا املفهوم جند أنه مت استخدام مصطلح املهارات احلياتية للمرة األولى في املنتدى الدولي حول التربية في دكار ابريل سنة 2000 ومتت اإلشارة إليه في هدفني من أهداف هذا املنتدى ضمن املواضيع املتعلقة بتعميم التعليم وتوسيع التمدرس خاصة في البلدان التي تعرف خصاصا على مستوى العرض التربوي .ومت التطرق للمهارات احلياتية عندما مت التنصيص على ضرورة الرفع من جودة التعلمات في سبيل مواد دراسية قابلة للتحويل املهني من أجل حتقيق تنمية مستدامة .وظهرت محاوالت تدقيق املفهوم في تقرير تتبع التربية للجميع 2003/2004حيث اعتبر التقرير أن املهارات احلياتية هي توليف يجمع صنفني من املهارات : < مهارات سياقية متعلقة بسبل العيش ،مثل النوع االجتماعي والصحة واملواطنة... < مهارات عامة ترتبط بالتصرف في مواقف ووضعيات متنوعة ،مثل حل املشكالت والعمل في مجموعات والتواصل.وهي األكثر مالئمة للعمل بها داخل الفصول الدراسية حيث ميكن االشتغال بها ضمن املواد الدراسية املختلفة . وقد بدأ هذا املفهوم يتضح أكثر من خالل تقرير أعد بإشراف الوكالة الكندية للتنمية الدولية ،حيث قسم املهارات احلياتية إلى أربعة أصناف :مهارات سياقية و مهارات عامة ومهارات مهنية ومهارات القراءة والكتابة. وفي سنة ،2012صدر التقرير العاملي لرصد التعليم للجميع حتت عنوان :الشباب واملهارات ،وكان يهدف الى تسخير التعليم لسوق الشغل .ويعتبر موضوع تنمية املهارات من بني القضايا األساسية في النقاش التربوي العاملي ،حسب التقرير ،وذلك ألهمية املوضوع وارتباطه بالرهانات االقتصادية.. وفي 2015مت إطالق مبادرة املهارات احلياتية في منطقة الشمال إفريقيا والشرق األوسط Menaفي اجتماع رابطة التعليم التابعة ملنظمة اليونيسيف حيث اتفقت
30
العدد 84يونيو 2020
وفود الدول املشاركة على تنفيذ مبادرة املهارات احلياتية والتعليم من أجل املواطنة على مستوى كل دولة على حدة وعن طريق وزارات التربية في الدول املعنية .وقد مت تطوير إطار مفاهيمي وبرامجي عبر مشاورات ضمت أكثر من ست مئة شخص من األطراف املشاركة .
3ـ األبعاد األربعة للتعلم :
يعتبر التقرير املشار إليه أعاله وثيقة مرجعية غاية في األهمية بالنسبة لبناء األس النظري والعملي الذي قامت عليه مقاربة تنمية املهارات احلياتية ففي مقدمة التقرير يقدم جاك دولور التصور العام الذي حكم عمل الفريق الدولي الذي اشتغل على التقرير ودعا إلى أن التربية تتيح دخول رهان التقدم والعدالة االجتماعية والتنمية املستدامة في جو من احلرية .واعتبر أن التربية تعتبر طريقا سالكا أمام أجليال من األطفال والشباب لولوج القرن 21الذي يحبل مبجموعة من التحديات أهمها الثورة اجلديدة في ميدان اإلعالم واالتصال واالنتصار على حتمية اجلغرافيا بتجاوز مفهوم املسافة.كما أنه يتميز بالغنى الكبير على مستوى املعارف واملهارات وسالسة الوصول إليها في أي بقعة من األرض .وفي املقابل تبدو احلقبة املوالية مليئة باملخاوف والتوثرات احمللية والكونية ،كما تعرف عقبات كبرى على مستوى آثار العوملة التي تتجه إلى محو كل ماهو محلي لسيادة الكوني الذي يتجاوز الطابع احمللي مما يعقد من مهمة التربية على املدى املتوسط والبعيد .وعلى هذه التوجهات بنى التقرير في قسمه الرابع مبادئ تربية املستقبل على أبعاد أربعة : < بعد املعرفة :يقوم هذا البعد على اكتساب حد أدنى من املعارف العامة الذي يشكل أسا ميكن بواسطته االنتقال إلى التعلم الذاتي عبر التكوين عبر منصات إلكترونية متاحة تساعد على الدخول إلى املعرفة من مسارب وطرق مختلفة ( الصورة – الشريط – اللعب – احملادثة الفورية .)... < بعد املهارة :ال حتيل املهارة فقط على االشتغال اليدوي البسيط بل تشمل عمليات ذهنية مركبة تتيح التعامل مع التكنولوجيا الرقمية بوصفها آلية تنظيمية إلجناز املهام والعمليات حيث أن القرن 21سوف يعرف ثورة في التسيير اآللي جلميع عمليات اإلنتاج والتي سوف تصبح مرتبطة بحواسيب آلية . < بعد العيش مع اآلخرين :يعد هذا البعد من التجديدات املهمة التي حملها تقرير دولور حيث مس اجتاها جديدا في التربية قلما مت االهتمام به باعتبار أن التعلم يتم بهم ذاتي أوال .ومن مسوغات هذا البعد اخللفية التاريخية للقرن 20وبداية القرن 21التي طبعتها أشكال مختلفة من العنف اجلماعي والفردي حيث كان شهد القرن املاضي حروبا ضروسا أدت إلى تغير جذري في العالقات بني البشر ،كما أن نهايته كانت ايذانا ببداية أشكال جديدة من العنف سميت « إرهابا « متعدد األشكال التالوين والدوافع < بعد الكينونة :تهدف التربية لبناء الفرد كي يكتسب استقاللية على عدة مستويات منها :الفكر – اجلسد – الذكاء – احلس اجلمالي – املسؤولية الفردية – الروحية .. كل هذه األبعاد توجد اليوم على مرمى حجر من الهجوم الكاسح لالقتصاد املعولم ووسائل التواصل االجتماعي التي تتجه إلى تهجني وتوحيد الرؤية اجلماعية مما يولد االستالب وإذكاء آليات االقصاء والنبذ اجلماعي الذي تبثه بعض املنابر واملواقع اإلعالمية ذات التأثير اخلفي . إن املهمة الرئيسة لتربية القرن 21هي إعطاء التالميذ/ات موجهات ثقافية يستطيع بواسطتها فهم العالم من خالل تطعيم املناهج بحرية التفكير ،والتجرد ،ومنح اخليال مكانة كبرى في بناء املواقف ،واالنفتاح على تفكير الغير ،والتحكم في املصير الذاتي بعيدا عن الشحن والتوجيه .فاملواد الدراسية يتعني أن تكون ذات بعد عملي صرف (
ملف فيزياء – رياضيات – علوم احلياة والألرض – تكنولوجيا )..لكنها يتعني أن التنسى جانب اإلبداع واجلانب اجلمالي في في الفرد من خالل عدم إهمال مواد إبداعية ( الشعر – القصة – الرسم .)..فاملدرسة بواسطة العمل توحد التفكير املنطقي عبر منحها فرصة السفر في الذات مما يولد النضج الذي يتحول إلى سلوكات مسؤولة ،إذن فالتربية على هذا املستوى هي سيرورة جد شخصية وفي نفس الوقت هي بناء اجتماعي متفاعل Delors, 1999,(. .) p94
هذه األبعاد مت تقدميها بشكل منفصل لضرورات منهجية مما ال يعني أن اشتغالها ضمن املناهج الدراسية يتخذ نفس الطريق ،فاملستهدف من هذه املقاربة كما هو مبني في عدة مناسبات هو التلميذ/ة أو الطفل املمدرس /ة الذي يتلقى معلومات ومهارات ضمن املدرسة بشكل متفاعل ومتناغم .
ثانيا -املهارات احلياتية وإعادة النظر في املناهج:
تهدف مقاربة االشتغال باملهارات احلياتية بناء رؤية شمولية وإصالحية جذرية للتعليم من خالل إعادة بناء املناهج على أسس صلبة متتح من دعم التربية على حقوق اإلنسان وتعزيز القيم وبناء مجتمع متماسك وقوي على املستويات االقتصادية واالجتماعية والثقافية .وهذا الرؤية تتماشى مع الرؤية االسترتيجية للتربية والتكوين -2030 2015التي تؤكد في الرافعة 12على بناء منوذج بيداغوجي قوامه التنوع واالنفتاح والنجاعة واالبتكار ومنفتح على مستجدات العصر واملعارف واملناهج والثقافة والقيم الكونية .وعلى هذا األساس ومن أجل تناغم بني التعليم والتكوين مت تبني املهارات احلياتية على الصعيد الوطني والدولي من خالل جتارب مختلفة .وبرز التوجه الوطني واضحا من خالل تبني املهارات احلياتية في النظام اجلامعي اجلديد املنفتح على التجربة االجنلوسكسونية حيث أصبح لزاما على املستويات الدنيا للمدرسة ( االبتدائي والثانوي ) تبني مناهج وبرامج تدمج املهارات احلياتية في املواد الدراسية املختلفة . و خلصت التحليالت املختلفة إلى أن املهارات احلياتية ليست كفايات أساس للمواد الدراسية لكنها أبعاد معرفية ومهارية واجتماعية تروم بعث دينامية جديدة في فعل التعلم ودراسة مدى قابلية املواد الدراسية للمساهمة في استقاللية الفرد ومتكنه من ولوج عالم اليوم بكل ثقة . وقد انطلق التفكير احلالي في إعادة بناء املناهج على أسس مفتوحة بعد تبني الرؤية اإلستراتيجية واملصادقة على القانون اإلطار مما أفرز ضرورة بناء منوذج بيداغوجي مرن وقابل للتطوير ،على أساس املسوغات التالية : < أن تطوير املنهاج عملية دائمة ومستمرة ،ومؤشر إيجابي عن دينامية املنظومة التربوية وتفاعلها مع الطلب االجتماعي ومع ما يعرفه العالم من تطورات. • االنسجام مع فلسفة امليثاق الوطني للتربية والتكوين والوثائق املرجعية لإلصالح القائمة على املراجعة املستمرة للمنهاج.
• البلورة إلرساء مدرسة وطنية جديدة ،مدرسة ما بعد البرنامج أالستعجالي ،مدرسة مواطن الغد املرتكزة على االنطالق من املشاورات الواسعة مع مختلف الفاعلني والشركاء . • وضع أسس علمية ومنهجية إلعداد املنهاج وضمان استمرارية تطويره ليستجيب للثورة الرقمية التي يعرفها العالم وتعرف تفاعال نشيطا من قبل رواد املؤسسة التعليمية من مختلف األعمار واملستويات . • وضع آليات للتتبع والرصد واملراجعة املنتظمة/الدورية للمنهاج( .شفيقي ) 2017 ، وقد بدأ العمل في السلك االبتدائي من خالل عدة مشاريع من بينها مشروع القراءة املبكرة بعد اكتشاف الصعوبات احلقيقية التي يعاني منها التالميذ/ات .فقد مت حتديد الرصيد األولي املشترك بني كل التالميذ/ات من أجل االنطالق منه لبناء الكلمات التي سوف تبنى عليها الثقافة املدرسية .ومن التجديدات على هذا الصعيد إدخال احلكايات في تنمية الرصيد اللغوي من خالل التعرف على احلكاية وفك لغزها ثم القيام بتمرين يتم فيه حتوير احلكاية من طرف التالميذ/ات لصنع حكاية أخرى عبر استعمال جمل وظيفية ،وتفعيل قواعد اللغة والسيطرة على الكلمات وبناء اخليال في أطار مقاربة تواصلية مفتوحة. أما على مستوى اإلعدادي فقد بادرت وزارة التربية الوطنية لطرح قراءة في املنهاج من طرف الفاعلني/ات املباشرين عبر ورشات محلية وجهوية لوضع تصور حول عناصر القوة والضعف وإمكانيات التخفيف من البرامج أو التعديل.ثم تبني برنامج جتريبي محدود للمهارات احلياتية في املواد الدراسية ( في أربع أكادمييات :الشرق – تطوان – مراكش – سوس) مع قياس مدى التوصل إلى متحيص الفرضيات التي مت التوصل إليها في إطار مجموعة دول شمال افريقيا والشرق األوسط على مدى عقدين من الزمن .وهنا ميكن السير وفق خطة عملية تروم : < إعادة متلك املنهاج الدراسي للسلك اإلعدادي عبر قراءات مستعرضة داخله. < محاولة حل مشكالت تفتقر حللول جاهزة عبر آلية املشكلة احمللولة بشكل منهجي Problème Résolu .)d’une Façon Méthodique (P.R.F.M < االشتغال وفق الذكاءات اجلماعية لكل فريق تربوي محدود سواء على مستوى املؤسسة أو على مستوى احلوض التربوي . < الذهاب إلى األقسام محملني/ات بفرضيات عملية تنطلق من الصعوبات احلقيقية التي يطرحها املنهاج في مختلف املواد من أجل العمل على التعرف على معالم ميكن االنطالق منها نحو التغيير الذي يتعني أن يكون مع الفاعلني/ات املباشرين وليس عبر ترسانة من املذكرات والتوجيهات الفوقية . < خلق فرص حقيقية من أجل إخراج ما يروج في أذهان االتالميذ/ات من خالل تقنية القسم املعكوس Classe Inv . versée وسوف يكون ورش املهارات احلياتية موجها في هذا املجال من خالل منحه أداة منهجية قادرة على طرح السؤال على املنهاج من داخله وبشكل عملي .وهنا يأتي دور الشركاء لتركيب مختلف املعطيات من خالل هذا املشروع الذي ميكن اختزال أهم موجهاته في: § عالقة املهارات باملعرفة :تقدم املدرسة معرفة خضعت للنقل الديداكتيكي لكن ما نحتاج إليه هو معرفة مبنية بشكل آخر وليس حلد ذاتها . § ُبعد الفعل في املعرفة :Employabilitéمحكوم على تلميذ/ة اليوم شاب الغد أن يتدرب على االشتغال بأكثر من مهنة إذن تعلم أكثر من مهارة حياتية ،مثال املهندس يتعني عليه إتقان التواصل وصناعة القرار كي يعطي فعالية للمهارات التي تلقاها وليس إتقان مهارات تقنية
31
العدد 84يونيو 2020
مرتبطة بالرياضيات والفيزياء فقط . § ُبعد الكينونة /البعد الذاتي : Savoir êtreينطلق بناء الكينونة من املدرسة ففي املدرسة تؤخذ املبادئ األساسية للعيش في تناغم مع اآلخر ،ويعد هنا املدرس/ ة هو احلليف األول للتلميذ/ة فعليه يسقط املتعلم/ة كل املخاوف التي يشعر بها في مواجهته الاليقني والتردد واخلوف املالزمني للتعلم ) Morin , 2000 ,p93 (. § املهارة احلياتية /االجتماعية :وهي التي تتيح العيش مع اآلخرين في وضعيات مختلفة ومعقدة في اآلن ذاته وميكن تفريعها إلى قدرات ذات قيمة مضافة كثيرا ما ال يتم االلتفات إليها . § تنمية الفضول : Curiositéيعد الفضول قدرة فطرية لدى اإلنسان والدليل هو جذوة السؤال لدى األطفال في سن معينة .وميكن التفاعل مع هذا البعد من خالل وضعيات متناقضة من أجل خلق الالتوازن املعرفي لدى املتعلم/ة Etre dans la contradiction pour déstabiliser les (. connaissancesشفيقي ) 2018 ،وهذه اآللية سوف تغير هندسة املنهاج الدراسي القائم على النقل املعرفي للمعلومات نحو منهاج يضع املتعلمني/ات في وضعيات حقيقية حلل املشاكل من خالل معرفة طرح األسئلة املالئمة لكل وضعية ثم االنفتاح على املنصات املعلومات الرقمية املتاحة من أجل انتقاء املعلومات والذهاب مباشرة إلى الهدف .وهذا املسار سوف ينمي مهارات جديدة قوامها البحث والتقصي والغربلة وترتيب األولويات بالتسلح مبهارات حياتية جديدة مثل التعاون والتواصل واتخاذ القار والتفكير النقدي .
ثالثا ـ املهارات اإلثنا عشرة:
1ـ البعد املنهاجي للمهارات احلياتية :
قطع مسار اختيار املهارات االثنان عشرة من طرف املنظمات الدولية في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا أشواطا مهمة قبل تبنيه من طرف اجلهات احلكومية واملدنية .وقد انطلق احلوار ضمن منظمتي اليونسكو ثم اليونيسيف والوكاالت الدولية التابعة لألمم املتحدة إضافة إلى الشركاء املؤسسني من جامعات ومراكز بحث ومنظمات دولية مهتمة بحقوق الطفل واإلنسان ليفضي إلى اتفاق شامل متت املصادقة عليه سنة . 2015وقد مت اعتماد الوثيقة املرجعية األساس التي أنتجتها اليونسكو سنة 1999والتي أشرف عليها اخلبير الدولي جاك دولور بعنوان « التربية :الكنز املكنون » والتي اعتمدت األبعاد األربعة للتعليم كما هو مفصل أعاله ومنها مت استنباط ثالث مهارات فرعية لكل بعد .وقد مت بناء هذه التركيبة النسقية وفق منظور يستحضر : < اجلانب القيمي الذي يهم كرامة اإلنسان ويعزز قيم حقوق اإلنسان في بعدها الكوني كما هو متعارف عليها ؛ < إعادة التفكير في أنشطة التعليم والتعلم بطريقة تؤدي دورها كامال في تعزيز التماسك االجتماعي واالجتاه نحو مواطنة إنسانية تنبذ العنف بكل أشكاله ؛ < التعلم مدى احلياة وعدم اقتصار تعلم املهارات احلياتية على سن أو مستوى معني ،واالجتاه نحو التأكيد على أهمية اكتساب املهارات 12منذ سن مبكرة واالستثمار التراكمي في التشبع بها سواء مت ذلك في تعليم نظامي أو في إطار غير نظامي ( يونيسيف ، 2017 ،ص . ) 6 أما على مستوى الهندسة املنهاجية للمهارات اإلثنا عشرة فإن الوثائق املرجعية الدولية تقترح االشتغال مببدأ تكامل املهارات وتداخلها ضمن املواد والتخصصات الدراسية وكذا على مستوى أشكال التعلم سواء العملي أو املدرسي أو التكنولوجي .كما حتث التوجهات العامة على ضمان اتساق املهارات مع املواد املدرسة كلها وال يجب أن تبرز ضمن تخصص واحد ،أي تكون ذات طبيعة مستعرضة . Transversalومن أجل مزيد من الفعالية ينبغي إدماج املهارات احلياتية ضمن التعليم املهني والتداريب التقنية
ملف من أجل صقل مهارات الشباب وفتح آفاقهم/ن على سوق الشغل .وعليه فإن هذه احملاولة سوف تطبق ما مت بناؤه آنفا من اعتماد ترتيب املهارات حسب الوثائق املرجعية وسوف يتم االشتغال عليها في إطار املدرسة مبعناها العام كما هو مبني في اإلطار النظري واملفاهيمي .وفعال كانت األوراش التجريبية املفتوحة على الصعيد الوطني مناسبة لتجريب العدة واالنتقال بها إلى مستويات الفصل الدراسي في املواد املدرسة في السلك اإلعدادي .ففي مادة اللغة العربية مثال مت االشتغال باملهارات احلياتية من خالل إعادة النظر في التصور الديداكتيكي للمنهاج من خالل االجتهاد في ايجاد وضعيات مسعفة في تفعيل املهارة على مستوى االرتباط املضاميني أو املهاري مع املهارة املستهدفة. قبل انتقال إلى التطبيق على مستوى توطني املهارات احلياتية ضمن جذاذات الدرس :مثال الدرس القرائي الذي يسعف في انخراط التالميذ/ات بشكل إرادي في صياغة الفرضيات واالستكشاف وصوال إلى القراءة التركيبية التي تبرز املهارة/الهدف بشكل فعلي (ناس الفقيه ، 2019 ،ص .)100-101نفس املسار التجريبي سلكته مختلف املواد الدراسية مم خالل إعادة قراءة املنهاج وحتليل مضمونه بشكل يسهل عملية التوليف بني املهارات احلياتية واملضامني املعرفية والقيمية .ثم االنتقال إلى بناء أصناف من اجلذاذات املنذجة Fiches modélisantesالتي تلونت بألوان التخصصات املعرفية التي تنتمي إليها في املجموع تسع مواد دراسية .وكان التجريب الضيق واملوسع آلية أخرى ملواجهة الواقع املدرسي بكل عناده .وقد استطاعت الفرق اجلهوية واإلقليمية اكتساب مناعة بيداغوجية أمكنها اقتحام مجاهل املنهجية اجلديدة وإيجاد حلول في عني املكان مما ينم عن حيوية األطر التربوية الوطنية وبعد نظر التأطير الوطني للعملية سواء على الصعيد املؤسسي أو من جانب الشركاء .وتختزل اخلطاطة التالية املهارات التي انصب عليها التجريب:
2ـ البعد التطبيقي للمهارات احلياتية :
يعد الواقع املدرسي هو احملك احلقيقي الذي ميكن من احلكم على مدى التمكن من تفعيل هذا اخليار البيداغوجي بشكل ناجع .وعليه كانت آلية التجريب من الوسائل التي ساعدت على بناء النماذج واآلليات املنهجية دون التفريط في احلذر املنهجي ووضع احتياطات ومحاذير قادرة على تغيير املسار في أي حلظة .كل ذلك في إطار من التشاور واالنفتاح على التجارب الدولية :أوالها التجربة العربية وخاصة منها الفلسطينية التي قادتها جامعة بيرزيت بشراكة وتعاون مع وزارة التربية الفلسطينية ،ثم التجربة الفرنسية عبر املركز الدولي للدراسات البيداغوجية الذي وضع خبرته رهن إشارة الفرق اجلهوية مما مكن من وضع تصورات ومناذج مجربة لكيفية ولوج املهارات احلياتية لألقسام الوطنية .كما مت تفعيل آلية العينة القصدية من خالل االشتغال مع أربع أكادمييات وضمنها املديريات اإلقليمية التي تكلفت كل واحدة منها مبادة دراسية .وعلى هذا األساس ميكن أن تكون هذه املقالة وسيلة لتقاسم التجربة مع املهتمني/ات والفاعلني/ات املباشرين/ ات من خالل وضع هيكل عام لدرس افتراضي يفعل املهارة /املهارات احلياتية من خالل اخلطاطة التالية :
تبدو لنا هذه اخلطوات الثمانية مختزلة ملسار طويل من التساؤل والتجريب والبحث أمكن الوصول إليه عبر منذجة احللول وتقاسم التجارب والنقاش الداخلي ضمن املواد الدراسية .أملنا أن تتحول املمارسات التدريسية عن أهدافها األولى – التي عمرت طويال – في أفق تسليح أبنائنا وبناتنا بعدة من الكفايات الناعمة SOFL SKILS القادرة على منحهم مكانا ضمن ما ميور على املستوى العاملي ومتكنهم/ن من استثمار تعلماتهم في احلياة العامة .ولعل التحوالت القادمة لكفيلة باعتمادها كبديل تربوي على أصعدة مختلفة بدأت بوادرها في املقاوالت ثم انتقلت إلى اجلامعة .مما يفرض على املدرسة استدماجها ضمن اإلصالح القادم للبرامج واملناهج شرط إعادة النظر اجلذرية في هذا اخلليط الهجني الذي تتميز به مضامني كتبنا املدرسية على مستوى املضامني والطرق التربوية العقيمة غير القابلة للتصنيف أحيانا .لدا فاملعول على األجيال اجلديدة من املؤطرين/ات واملدرسني/ات استثمار العدة املعرفية واألداتية التي تتيحها تكنولوجيا اإلعالم واالتصال من أجل إحداث نقلة نوعية في املمارسات اليومية داخل القسم املغربي الذي ظل ملدة طويلة ينتظر زيارة رجل أسمه «اإلصالح « وتلك قصة أخرى نتمنى أن ال تطول ... *باحث تربوي
مـــراجـــع
املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،الرؤيةاإلستراتيجية ، 2015-2030الرباط . شفيقي ،ف ،الهندسة املنهاجية ،محاضرات مبركز تكوينمفتشي التعليم ،2017 ،الرباط . شفيقي ،ف ،مشروع مهاراتي وإصالح املنهاج ،مداخلة في يومدراسي ،مارس ، 2018مراكش. الضاقية ،2018 ،املقاربة املجزوءاتية في التدريس ،ملتقىالثقافات ،البيضاء. ناس الفقيه،ن،مشروع تطوير املهارات احلياتية واملواطنة ، ...دراسات بيداغوجية ،العدد.2019 ، 6 يونيسيف ، 2017 ،اإلطار النظري واملفاهيمي ،عمان . Develay , M,1992, de l’apprentissage a l’enseignement,ESF Delors , 1999 ,L’éducation : un trésor est caché.dedans ,Odil Jacob , Paris Altet ,M, Quelles pratiques pédagogiques dans un curriculum de compétences intégrant des compétences de vie , Rabat , 2019
32
العدد 84يونيو 2020
مسرح
املغربي الدراسي إشكاالت تدريس املسرح في الفصل ّ ّ * ذ .ياسين اعطية*
املسرحي يعاني إشكاالت عدة في ظل األنظمة ال ّتربوية وال ّتعليم ّيةال ّتعلم ّية في العالم العربي عموما يبدو أنّ الدّرس ّ املسرحي نابعة من عدة مصادر متنوعة جتعل كل من األستاذ وفي املغرب باخلصوص ،هذه اإلشكاالت في ال ّتدريس ّ املسرحي من أبعاده املختلفة. واملتعلم ال يستطيعان املسك باجلوهر ّ
املسرحي متميز بفتوره منذ املستويات اإلعداد ّية لعل الدّرس ّ وال ّثانو ّية ووصوال إلى اجلامعة ،مما يجعل املدرس نفسه يستعصيه األمر ،مادام هو اآلخر ،من إنتاجات اجلامعة ا ّلتي قد تهمش املسرح ّ والشعر ،والقصة ،وال ّنقد ،رغم في مقابل أجناس أخرى كال ّرواية، املسرحي بال ّتفصيل وال ّتشريح اململ. أنّ هذا األخير قد تناول الفن ّ فما ا ّلذي يجعل العمل ّية املسرح ّية تلقى صعوبات جمة عندما تلج املدرسي مجال العمل ّية ال ّتعليم ّية ال ّتعلم ّية ،ال على مستوى الكتاب ّ وال على مستوى نقل املعارف املسرح ّية وال على مستوى فهم املسرح نفسه منذ البداية ؟ وتدريسي تربوي للبحث في ذلك طبعا البد من حتديد منوذج ّ ّ تعليمي واحد ،كي ال نقع في إصدار أحكام محدد ،مرتبط مبستوى ّ املسرحي فيها ّرس د ال أن رغم األخرى، ة ي ربو قيمة حول األنظمة ال ّت ّ ّ ُيهمش في غالب األحيان .فا ّلذي نستطيع أن نقدم فيه مالحظاتنا املغربي ا ّلذي نشتغل اجلمة حول تدريس املسرح هو ال ّنموذج ّ في إطار نظرياته وفي خضم ممارسته امليدان ّية ،وباخلصوص في املستويات ال ّثانو ّية ،وا ّلذي من خاللهما سنحاول أن نحدد ربوي أربعة إشكاالت أساس ّية تهم تدريس املسرح بال ّنظام ال ّت ّ انوي ،لنصل إلى املقاربة املغرب ّيوباخلصوص في املستوى ال ّث ّ ّراسي للسنة د ال املقرر الدراماثورج ّية للنصوص املسرح ّية في ّ ال ّثانية بكالوريا. < اعتبار املسرح فنا عربيا إنّ أول شيء ننطلق منه في ال ّتدريس هو تشخيص مكتسبات السنة الدّراس ّية وفي بداية كل درس نشرع فيه املتعلمينمنذ بداية ّ مع هؤالء املتعلمني ،وذلك من أجل الكشف عن متثالتهم اخلاطئة وجعلها املنطلق األساس في بناء الدّرس ،حسب ال ّرؤية ال ّنظر ّية لبيداغوجيا اخلطأ ،وحسب ال ّتنظير الفارقي أيضا ا ّلذي يركز على فروقات املتعلمني في فهم ّ الظواهر وتفسيرها .هذا االنطالق من اخلطأ إلى املعرفة ومن متثالت املتعلمني في كل عملية تعليم ّية تعلم ّية ،يجعلنا نرصد مجموعة من ال ّتصورات املختلفة ،ا ّلتي جتعلنا ننظر إلى بناء درس معني بطريقة مخالفة للطريقة ا ّلتي السابق واملوالي .فالعمل ّية الدّيداكتيك ّية مت البناء بها في الدّرس ّ القائمة على ال ّثالث ّية الهرم ّية املعروفة (معلم متعلم معرفة) تتفاعل فيما بينها حسب هذه ال ّتمثالت املرصودة ،وتكشف عن إشكاالت املتعلم واملعلم كالهما معا ،كما تكشف عن صعوبة ال ّنقل املسرحي: الدّيداكتيكي أيضا ،في بعض الدّروس ومن بينها الدّرس ّ سؤال :من يعرف املسرح؟ جواب املسرح فن عربي قدمي. منبع هذا ال ّتمثل اخلاطئ عند املتعلم في الغالب هو خلطه بني واملغربي العربي املسرح واألشكال ما قبل مسرحية في ال ّتراث ّ ّ باخلصوص ،فاملتعلم ال ُيف ّرق بني املسرح وبني احللقة ،والبساط، وسلطان الطلبة واألشكال ال ّرقص ّية الغنائ ّية ،باعتبارها أشكال املسرحي ،كما أنّ املتعلم ال يعي ُفرجوية لم ترق بعد إلى درجة الفن ّ أنّ املسرح فن أنتجته احلضارة اإلغريق ّية ،جلهله بنشأة املسرح. املسرحي، وهذا قد يجري على األستاذ غير املتخصص في املجال ّ اجلامعي يشتت املعارف األدب ّية ويهمش املسرح بحكم أنّ ال ّتكوين ّ في خضمها .بذلك وجب لتجاوز هذا ال ّتمثل اخلاطئ ،أن يحيط كل من املعلم واملتعلم باملعرفة املسرح ّية عن طريق ال ّتمهيد لها تفصيلي في نشأة املسرح ،يشرح فيها األستاذ ويبحث مبدخل ّ ّ اليوناني في هضبة األكروبول الطقس فيها ال ّتلميذ عن مسار ّ تعبدا باإلله ديونيزوس ،وما رافق ذلك من حشد أطرته جوقة غنائ ّية رقص ّية كانت في ما بعد أساسا للمسرح .فاجلوقة ال ّراقصة واملتغن ّية بأشعار حوارية ،كان لها الفضل مع قائدها ثيسبيس،لالنتقال من املرحلة الديونيزوس ّية البدائ ّية ،إلى املرحلة األبولون ّية الراق ّية ،حني وقف ثيسبيس على مرتفع وأخذ يتحاور ويجسد اآللهة واألبطال ،لتتكون مفاهيم اخلشبة واحملاكاة واملمثل واملتفرج ،بعد أن مرت من مراحل عدة تطورت فيها من ّ الطقس وال ّرقص إلى ّ الشعر ثم وصوال إلى الدراما ،التي انفتحت فيما بعد على مسابقات تراجيد ّية ظهر فيها كتاب عظام ثالث (اسخيليوس وسفوكليس ويوريبيدس). ·< عدم معرفةأسباب تأخر العرب في الفن املسرحي إنّ فهم نشأة املسرح لدى كل من املتعلم واملدرس ينقلنا من
الصواب ،إلى األسئلة التمثالت اخلاطئة ا ّلتي مت توجيهها نحو ّ ا ّلتي تتبادر إلى ذهن املتعلم وتقلقه .وغالبا ما يكون مصدرها املعرفة احلاصلة اآلنية ا ّلتي تقع على شكل صدمة في ذهن املتعلم السؤال :أسئلة ملاذا لم يعرف العرب املسرح؟ وماذا وتذهب به إلى ّ عن هذه املسرح ّيات العرب ّية واملغرب ّية ا ّلتي ندرس ونشاهد؟ متى عرف العرب املسرح ؟ ما أسباب عدم معرفة العرب للمسرح ؟ ماهي األشكال ما قبل مسرحية ؟ والعديد من األسئلة املستفزة لذهن املتعلم. يبقى للمدرس طبعا أن يحيط باإلجابات ّ الشاف ّية ألسئلة املتعلمني، املنزلي إما باإلجابة عنها في آنها الفصلي ،أو بتوجيهها للبحث ّ الصف ّية ملناقشتها وفق مجموعات صغرى أو كبرى وللعروض ّ كما يقتضي العمل في بيداغوجيا املشروع ،وبيداغوجيا العمل اجلماعي .اإلجابة عن هذه األسئلة يضع املتعلم فهما واملدرس ّ شرحا أمام سببني أساسيني لعدم تعرف العرب وتأخرهم عن الفن املسرحي: ّ < أسباب دينية تتجلى في كوناملجتمع العربي قبل اإلسالم كان ذو طابع ديني فردي ،عكس اليونان ا ّلذين كان ينظمون ّ الطقوس جماعي ،وهذا ساهم في ظهور املسرح منطلقا من الدّين ّية بشكل ّ العربي فقد ظل وحيدا يعبد ما يؤمن به. بينما اجلماعة، طقس ّ وح ّتى عندما جاء اإلسالم فقد قطع مع األشكال ّ الطقس ّية الوثن ّية، العربي إلى توحيد اإلله الواحد واإلميان برسالة رسوله فانظم ّ محمد. العربي في < أسباب ثقافية من خالل ال ّترجمة ا ّلتي لم تنصف ّ العربي املسلم لم ير دافعا في املسرحي ،فاملترجم ال ّتعرف على الفن ّ ّ ترجمة ّ ّ اإلغريقي مادام َيعتبر أنشعره ،هو أرقى ما وصلت الشعر ّ إليه األمم.كما أ ّنه انصرف عن ترجمة اآلداب اليونان ّية املليئة باألساطير وا ّلتي في رأيه ال تناسب أيديولوجيته الدّين ّية ا ّلتي تدعو إلى ال ّتوحيد وحتارب الوثن ّية وتعدد اآللهة . ..وحتى عندما حاول املترجم العرب ّياالنكباب على ترجمة كتب الفالسفة اليونان، حيره كتاب فن ّ الشعر ألرسطو ،فكل من متى بن يونس ،وحنني بن إسحاق ،وابن رشد ،وابن سينا والقرطجاني ،كلهم ،ترجموا لفظة ال ّتراجيديا والكوميديا ،باملدح والهجاء ،وخلطوا بني ّ الشعر ّ ّرامي كمجال للفعل. املنطوق كمجال للكلمة، بالشعر الد ّ املسرحي عن العرب، بعد ذكر األسباب األساس ّية لتأخر الفن ّ ميكن بعد ذلك الدّخول إلى مرحلة ال ّنهضة وعصرها ،حيث برز املسرحي مع مارون ال ّنقاش بعد أن ساهمت مجموعة من الفن ّ ّ والطباعة ،وال ّترجمة ،وأدباء املهجر، العوامل في ذلك ،كاملثاقفة، العربي ليمر من والتأثر بالغرب ،..وا ّلتي فتحت املجال أمام املسرح ّ العربي ثالثة مراحل أساس ّية ،مرحلة ال ّتأسيس حيث تعرف فيها ّ ّ الغربي وأعاده كما شاهده ،ثم مرحلة التأصيل على املسرح بشكله ّ ياسي،.. والس واالقتصادي حيث مت ربط املسرح بالواقع االجتماع ّي ّ ّ ّ ثم مرحلة ال ّتجريب حيث دخل املسرح غمار ال ّتجريب بإطاللته على ال ّتراثواألشكال ما قبل مسرحية. املسرحي ·< خصوصية الفن ّ تكمن صعوبة تدريس املسرح أيضا في كونه ذو ثنائ ّية خاصة، ثنائية نص وعرض ،وغالبا ما تتيح لنا عملية كشف متثالت املتعلمني عن خلط رهيب بني املسرح كنص واملسرح كعرض ،فقد يتكلم عن املمثل في ال ّنص ،وعن اإلرشادات املسرح ّية في العرض، ويخلط بني اإلخراج والكتابة ،وهذا راجع لكونه يتلقى العرض أكثر من ال ّنص في األسابيع الثقافية ،أو في التلفاز والوسائل اإلعالم ّية وال ّتواصل ّية ،وينسى أنّ ال ّنص هو العملية األولى للفن املسرحي .فإذا كانت خصوصية األدب هي األدب ّية ،وخصوصية ّ الشعر تكمن في ّ ّ الشعر ّية ،فإنّ ال ّتمسرح هو ا ّلذي يجعل من املسرح ذو ثنائ ّية خاصة تنطلق أو تتموقع أو تنتهي ،حسب اآلراء ا ّلتي حتدد ال ّتمسرح ،إما في العرض أو في ال ّنص ،أو بينهما ،أو فيهما معا. وجب على املدرس أن يعي هذا األمر وهذه اخلصوص ّية املميزة الدراسي، املسرحي ،لكي يصحح مسارات ال ّتعلم داخل فصله للفن ّ ّ وذلك بأن يوجه املتعلم إلى مكونات ال ّنص وخصائصه ومصطلحاته األدبي ،ثم يحدد بعد ذلك مكونات العرض ومحله ضمن اجلنس ّ
وخصائص االشتغال فيه ،وكيف يتحول ال ّنص من املؤلف إلى املخرج في العرض املسرحي .فال ّنص يضم ّ الشخص ّيات، ّرامي ،واإلرشادات املسرح ّية ال ّنص ّية ا ّلتي حتتوي ّ والصراع الد ّ صوت املؤلف ا ّلذي يقدم املكان وال ّزمان ومكوناتهما ،كما يحدد فيها حركات ّ الشخصيات وأفعالها ومالمحها ،..أما العرض فهو مجال للمخرج لكي يعبر عن رؤيته اإلخراج ّية ،ومجال للممثلني لتقمص ّ للسينوغرافي لتبني املكان الشخصيات ال ّنص ّية ،ومجال ّ ّ وال ّزمان ،...فاملجرد في النص يصبح ماديا في العرض. ·< النصوص املقترحة في الكتب املدرسية املسرحي أيضا قد تكرسه ال ّنصوص إنّ اخللط في ثنائ ّية الفن ّ املقترحة في الكتب املدرس ّية ،ونعني هنا بعض الكتب املدرس ّية في املستوى ال ّثاني واألخير من الباكالوريا املغرب ّية آداب وعلوم إنسان ّية ،وخصوصا مقرر املمتاز( )aا ّلذي سنتناول منه بعض ال ّنصوص املربكة للمتعلم وللمدرس معا ،إما في تراتبيتها،أو في محتوياتها غير املنسجمة مع ما قبلها وما بعدها من ال ّنصوص ،و انوي .أول هذه اإلشكاالت أن إما في بعدها عن مستوى املتعلم ال ّث ّ ّ مجزوءة ال ّنثر احلديث تتناول ال ّنصوص النثرية احلديثة بال ّتحليل وال ّنقد ،ومتهد لكل نصني تطبيقيني في القصة أو املسرح ،بنص نظري شارح للخصائص واملكونات وعوامل ّ الظهور وال ّرواد ،لكي ميهد للمتعلم واملدرس اكتشاف ذلك في ال ّنصوص ال ّتطبيق ّية. هذا ما ال يحدث في كتاب اللغة العرب ّية اخلاص مبستوى ال ّثانية بكالوريا مغربية آداب وعلوم إنسان ّية ،حيث يتم اخللط بني مكونات العرض ومكونات ال ّنص ،عندما جند نصا نظريا بعنوان «مدخل إلى دراسة املسرح» يتكلم فيه الكاتب عن مكونات العرض (املمثل/ املكان/املتفرج )..ويهمش مكونات ال ّنص ومن ضمنها ال ّلغة .مت يأتي طبيقي األول بعنوان ال ّلحن اجلديد وا ّلذي يتناقض في ال ّنص ال ّت ّ التحليل مع ما جاء به ال ّنص ال ّنظري من تنظيرات خاصة بالعرض املسرحي .هنا يقع اخللط ا ّلذي املسرحي ال تناسب حتليل ال ّنص ّ ّ ظري الصح ّية بني ال ّنص ال ّن ّ حتدثنا عنه سابقا ،كما أنّ العالقة ّ طبيقي ،تنتهي أثناء الوصول إلى وحدة املسرح ،فنطلب وال ّنص ال ّت ّ من املتعلم أن يجد خصائص العرض في النص النظري ،وأن يبحث املسرحي ،وهذا ال يستقيم .بل طبيقي عنها في حتليله لل ّنص ال ّت ّ ّ ّ طبيقي واألكثر من ذلك فإنّ إرباك املتعلم أكثر يأتي مع النص ال ّت ّ ال ّثاني بعنوان «رابعة وربيع وال ّرحلة املشؤومة»لصاحبه عبد الكرمي برشيد ،وا ّلذي يدخل في مجال ال ّتجريب ،وبعيد كل البعد السياسة ال ّتدريس ّية عن مستوى إدراك املتعلم ،أو باألحرى عن ّ انوي ،ألنّ ال ّنص يتناول املسرح داخل للمسرح في ال ّتأهيلي ال ّث ّ املسرح ،مبعنى أن ال ّنص يتناول العرض موضوعا له ،مما يبعثر مفاهيم املتعلم ا ّلذي يجد نفسه أمام نصوص مختلفة ال ّرؤى. يجب على املدرس طبعا ،أن يعي هذه اإلشكاالت بأكملها، ليستطيع تصحيح مسارات املتعلم من جهة ،ويبني ال ّتعلمات معه بشكل صحيح وسلس من جهة ثانية ،لذلك للمدرس احلق في إعادة ال ّنظر في بعض ال ّنصوص املقترحة ،وتغييرها بأخرى صاحلة لل ّتدريس وفق منهج ّية صحيحة توافق العالقة بني النص طبيقي ،وما مهداناه في مسار ال ّتعلم من نشأة املسرح ال ّنظري وال ّت ّ وأسباب تأخره وبداياته ،وكذا ما يختص به من ثنائ ّية خاصة جتمع بني ال ّنص والعرض .هذا كله يجعل كال من املتعلم واملدرس يبنيان مقاربة حتليلية ناجحة للنص املسرحي دون تدخل لتمثالت العرض ،ودون الوقوع في ال ّتناقض واإلرباك ،فتكون هذه املقاربة الدّراماثورج ّية فعالة،انطالقا من حتليل بنية احلبكة في ال ّنص ودراسة ّ مكاني ،ووصوال إلى الشخصيات وحتديد الفضاء ال ّز ّ ّرامي ،واإلرشادات املسرح ّية ،وانتهاء بأبعاد د ال راع والص احلوار، ّ ّ ال ّنص ورهان كاتبه.
*أستاذ الثانوي التأهيلي ()Endnotes ( )aمحمد وهابي ،عبد الرحيم وهابي ،عبد الرحيم أبطي ،املمتاز في اللغة العربية ،السنة الثانية من سلك البكالوريا ،مسلك اآلداب والعلوم اإلنسانية ،مكتبة األمة للنشر والتوزيع.2007 ،
33
العدد 84يونيو 2020
االستشارة القانونية
استشارة
من الخدمات التي تقدمها التضامن الجامعي المغربي لمنخرطيها ومنخرطاتها المشورة القانونية واإلدارية وتقديم الدعم والمساندة عندما يتعرض المعنيون باألمر للحيف أو الشطط ومؤازرتهم أمام المحاكم والقضاء اإلداري فضال عن دورها في التوعية والتنوير وتعميم ثقافة الحق والواجب ،وتفتح «الجريدة التربوية» هذا الباب لتوفير مجال أوسع من «المرشد التضامني» لنشرها وتعميم فائدتها على أعضاء األسرة التعليمية. استرداد مبالغ
< عرف راتبي زيادة عن طريق اخلطأ لشهر مارس من سنة ،2015أتساءل هل من حق اخلزينة العامة استرداده رغم أن هذا احلدث مر عليه اكثر من خمس سنوات .وكيف ستتم عملية استرداد هذا املبلغ إذا كان القانون ينص على ذلك ؟ > يشرفني إخباركم أنه ميكن للخزينة العامة أن تسترد املبالغ التي مت صرفها عن خطإ ودون وجه حق في أي وقت تشاء، وبالتالي ال ميكن لكم االحتجاج عليها بالتقادم الرباعي .وغالبا ستقوم اخلزينة العامة باسترداد املبلغ الذي دفعته لكم عن طريق اخلطإ على أقساط موزعة على عدة شهور حتى ال تلحق أي ضرر بوضعيتكم املادية.
---------------السلطة التقديرية لإلدارة في منح الرخص الالستثنائية
< أنا استاذ التعليم الثانوي التأهيلي وعضو املكتب املسير وطنية،في تربوية جلمعية بعض األحيان استدعي لتمثيل جمعيتي و املشاركة في نشاط خارج الوطن،ولذلك أكون مضطرا ملراسلة االدارة من أجل احلصول على رخصة استثنائية وشهادة مغادرة التراب الوطني ،هل من حقي احلصول على الرخصة االستثنائية متى تطلب االمر ذلك، وتوفرت مبرراته؟ أم أن لإلدارة مطلق الصالحية للتصرف في منح هده التراخيص أو رفضها؟ > يشرفني أن أوافيكم بالتوضيحات اآلتية: تعد الرخص مبختلف أنواعها، من بني احلقوق املضمونة للموظف بحكم القانون وهي املصلحة تقتضيها حقوق تقتضيها كما الشخصية، املصلحة العامة لإلدارة ،وقد أحاط املشرع الرخص مبجموعة من الضوابط ،ليضمن املوظف
إمكانية االستفادة منها في إطار املشروعية .وأي جتاوز لهذه الضوابط يجعل املوظف في حالة التغيب بصفة غير مشروعة .وقد حدد املشرع الفئات املستفيدة من هدا النوع من الرخص في الفصل 41من النظام األساسي العام للوظيفة العمومية ،حيث نص على أنه يجوز إعطاء رخص استثنائية أو اإلذن بالتغيب مع التمتع بكامل املرتب دون أن يدخل ذلك في الرخص االعتيادية: للموظفني أعضاء املجالس اجلماعية ،من أجل حضور دورات املجالس العادية واالستثنائية، ملمثلي النقابات والتعاضديات واملنظمات حلضور املؤمترات املهنية النقابية الوطنية والدولية شريطة انتدابهم بطريقة قانونية للموظفني الراغبني في اداء فريضة احلج ،وال تعطى الرخصة إال مرة واحدة في احلياة اإلدارية. للموظفني الذين يدلون مببررات عائلية وبأسباب خطيرة واستثنائية ،على أن ال تتجاوز مدة هذه الرخصة عشرة أيام. لذا ،وفي جميع احلاالت ،ينبغي تقدمي طلب خطي لألكادميية اجلهوية للتربية والتكوين عن طريق السلم اإلداري ،مرفوق بكل الوثائق التبريرية ،وانتظار رد اإلدارة ،هذا ويبقى لإلدارة السلطة التقديرية والصالحية في دراسة طلب الترخيص بالتغيب والبت فيه ،وأن هذه األخيرة غير ملزمة باملوافقة على جميع الطلبات وفق ما تقتضيه املصلحة العامة،إال أنه في حالة الرفض؛ يبغي إخبار املعني باألمر بواسطة رسالة تتضمن أسباب الرفض والتي تكون في غالب األحيان عدم تعويض املعني باألمر خالل فترة التغيب، أو تزامن الرخص مع ظروف عمل طارئة ال تسمح باالستغناء عنه، وجتدر اإلشارة إلى أنه ميكن لصاحب الطلب ،كيفما كانت
طبيعته ،مراسلة اإلدارة يطالبها بتعليل الرفض .وال يحق له أن يتغيب في هذه احلالة إذا لم يحصل مسبقا على الترخيص بالتغيب ،وإال سيجعله في حالة التغيب بصفة غير مشروعة.
---------------مراسلة اإلدارة
< وضعت لدى اإلدارة ،مراسلة تظلم وجهتها إلى السيد املدير اإلقليمي ،أطلب فيها إنصافي ملا حلق بي من ضرر من قبل السيد املدير الذي خفض نقطتي اإلدارية. هل من حق رئيس املؤسسة أن يرفض إرسال مراسلتي إلى املديرية اإلقليمية؟ > يشرفني إخباركم أنه من حق أي موظف أن يراسل اإلدارة سواء على املستوى اإلقليمي أو اجلهوي أو املركزي متى رأى دلك ضروريا .وال يحق ملدير املؤسسة أن يعارض ذلك ،وإال اعتبر عمله نوعا من الشطط في استعمال السلطة .وبالتالي إذا ما أصر املدير على االمتناع عن إرسال مراسلتكم اإلدارية ،فيحق لكم حينئذ رفع تظلم في املوضوع إلى املدير اإلقليمي بواسطة رسالة بريدية مع اإلشعار بالتوصل.
---------------الرد على االستفسارات اإلدارية
< تغيبت عن العمل صبيحة يوم لقضاء غرض شخصي بعد ما أخبرت بذلك مسبقا كاتبة اإلدارة ،وفي الزوال من نفس اليوم توصلت باستفسار كتابي من لدن السيد املدير بسبب غيابي في الفترة الصباحية. هل من حقي أن أرفض اإلجابة عن هذا االستفسار بحكم أنني أخبرت اإلدارة شفويا؟ > يشرفني إخباركم أن واجب احترام السلطة التسلسلية اإلدارية يعد من الواجبات الهامة التي تقع على عاتق املوظف كما ينص النظام األساسي للوظيفة العمومية .وبالتالي يجب على
املوظف كيفما كانت رتبه في سلك اإلدارة أن يقوم بأداء العمل املنوط به طبقا للقانون ،وأن ميتثل لتعليمات رؤسائه ويتعني على املوظف أن يتحلى باللباقة في التعامل مع الرؤساء اإلداريني. وفي هدا اإلطار فإن الرد على االستفسار الذي توصلت به من لدن مدير املؤسسة واجب وأن عدم اإلجابة عنه يعد استهتارا بالقانون.
---------------منحة مؤسسة محمد السادس للنهوض باألعمال االجتماعية للتربية والتكوين في التعليم األولي
< ما رأي مؤسسة التضامن اجلامعي في الشرط الذي وضعته مؤسسة محمد السادس للنهوض باألعمال االجتماعية للتربية والتكوين لالستفادة من املنحة التي تقدمها بالنسبة للتعليم األولي واملتمثل في ضرورة التوفر على رقم مسار، مما يجعل العاملني بالعالم القروي محرومني من هذه املنحة بسبب غياب مؤسسات التعليم األولي توفر هذا الشرط. > يشرفني إخباركم أننا نثمن املبادرة التي قدمت عليها هذه املؤسسة في تقدمي منحة مالية سنوية مباشرة قيمتها 2000 درهم عن كل طفل للمنخرطني أباء وأولياء األطفال املسجلني باملستويني االول والثاني من التعليم األولني والتي من شأن هذه املبادرة املساهمة في تعميم األولي على الصعيد الوطني، وبالنسبة للمشكلة التي طرحتم واملرتبطة بشرط التوفر على رقم مسار يرتبط بتنظيم داخلي للمؤسسة وهي الوسيلة الوحيدة لضبط ماليتها التي تصرفها على التعليم االولى. وهذا ال مينع من مكاتبة إدارة هذه املؤسسة وطرح املشكلة عليها من أجل إيجاد احلل املناسب.
34
العدد 84يونيو 2020
قصاء
قرار العزل مع إيقاف الراتب – مشروعيته إن احملكمة ملا خلصت إلى خلو امللف مما يفيد احترام اإلدارة لإلجراء الشكلي اجلوهري املتمثل في اتخاذ قرار بإيقاف الراتب في حق املطلوب في النقض. مرتبة على ذلك كون قرار العزل الصادر في حقه غير مرتكز على أساس في غياب احترام ضمانة من الضمانات األساسية املنصوص عليها قانونا ،دون أن تناقش مبا فيه الكفاية اإلجراءات التي اتخذتها اإلدارة في حق املطلوب في النقض من توجيه إنذار إليه على آخر عنوان مصرح به لها ،وتوقيفها الفعلي ألجرته تبعا ملنشور رئيس احلكومة الذي مت في إطاره حتويل حوالته إلى مقر عمله لتسلمها منه وعدم قيامه بذلك ،وهي واقعة لم ينازع فيها املطلوب في النقض ،ثم ترتيب اآلثار القانونية الواجبة عن ذلك ،يكون قرارها غير مرتكز على أساس قانوني سليم. القرار عدد 196الصادر بتاريخ 16 فبراير 2017 في امللف اإلداري عدد 2881/4/1/2014 نقض وإحالة
يستفاد من أوراق امللف ،ومن ضمنها القرار املطعون فيه املشار إلى مراجعه أعاله ،أن املدعي – املطلوب في النقض – تقدم بتاريخ 28/04/2010 مبقال أمام احملكمة اإلدارية بالرباط ،عرض فيه أنه التحق للعمل باملعهد امللكي لتكوين األطر ابتداء من يناير ،1993وكان يتقاضى راتبا قدره 11300.00درهم ،مضيفا أنه كان مثاال لالنضباط والتفاني في العمل طيلة املدة التي قضاها في خدمة املؤسسة املذكورة ،وذلك من خالل مشاركته في العديد من الندوات وإشرافه على مجموعة من البحوث املتعلقة بنيل الدكتوراه ،إال أنه توصل بقرار صادر عن املدعى عليه يدعوه مبقتضاه إلى التوقف املؤقت عن إعطاء الدروس باملركز ،وذلك حسب الوارد في رسالة مدير املعهد امللكي لتكوين األطر عدد 68بتاريخ ،28/02/2004وأنه وجه تظلما بهذا اخلصوص ،ملتمسا ألجل ذلك احلكم بإلغاء القرار اإلداري املذكور ،واحلكم بإرجاعه ملزاولة مهامه بشكل عادي ،مع شمول احلكم بالنفاذ املعجل ،أجاب الوكيل القضائي للمملكة بكون الطعن مقدم خارج األجل ومنصب على عمل حتضيري وأنه مت اتخاذ قرار يعزل الطاعن ،فتقدم هذا األخير مبقال إصالحي التمس مبقتضاه إلغاء قرار العزل الصادر في حقه ،أجاب الوكيل القضائي للمملكة ملتمسا احلكم برفض الطلب .وبعد إجراء بحث ومتام اإلجراءات ،أصدرت احملكمة اإلدارية حكما قضى برفض الطلب ،استأنفه املدعي، فقضت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بإلغاء احلكم املستأنف وتصديا بإلغاء قرار العزل املؤرخ في 08/03/2010واملوقع عليه من طرف اآلمر بالصرف الكاتب العام ،وذلك مبقتضى قرارها املطعون فيه بالنقض.
في الفرع الثاني من وسيلة الطعن األولى ووسيلة الطعن الثانية مجتمعني لالرتباط:
حيث يعيب الطاعن القرار املطعون فيه بخرق القانون الداخلي املتحلي في مخالفته ملقتضيات الفصل 75مكرر من النظام األساسي
العام للوظيفة العمومية ،وبعدم االرتكاز على أساس قانوني أو بانعدام التعليل ،ذلك أنه يشترط لسالمة األحكام والقرارات القضائية أن تصدر موافقة للقانون ومطابقة لقواعده ،حتت طائلة التصريح ببطالنها وإلغائها ،وأن القرار االستئنافي خرق القانون مبخالفته ملقتضيات الفصل 75مكرر املذكور ،إذ أن قبول املركز الوظيفي وتسلم العمل والقيام به على أكمل وجه هو الواجب األول الذي يلتزم به املوظف العمومي، بعد تعيينه وطيلة مدة عمله وحياته اإلدارية ،وأن عدم التحاقه بعمله املستند إليه ،ودون تبرير ذلك الغياب لإلدارة ،يعتبر خطأ مهنيا ،وهو ترك الوظيفة ،مما يجيز عزله من أسالك الوظيفة دون مراعاة اإلجراءات التأديبية املنصوص عليها في النظام األساسي العام للوظيفة العمومية املؤرخ في ،24/02/1958والثابت من وثائق امللف كون املطلوب في النقض قد انقطع عن العمل ابتداء من تاريخ ،01/05/2008وأن اإلدارة في إطار املسطرة املتبعة اجتاه املوظفني األشباح ،وفقا ملنشور السيد رئيس احلكومة – الوزير األول سابقا – عدد 2005/8بتاريخ ،11/05/2008 قد أخبرت مصالح اخلزينة الرئيسية بوضعيته، مما مت معه توجيه احلوالة الفردية ،التي تهم أجرته إلى مقر عمله ليتسلمها مباشرة من اإلدارة املشغلة ،إال أنه لم يتسلم احلوالة املذكورة مما أدى مبصالح اخلزينة العامة للمملكة ،وطبقا للمنشور املذكور وطلب من اإلدارة باإلحالة السابقة إلى توقيف أجرته ،وفي نفس الوقت مت توجيه إنذار إلى املعني باألمر بتاريخ 20/05/2008على آخر عنوانه له مصرح به لإلدارة ،وأنه بعد تعذر إيصال اإلنذار ،وهو ما يتحمله املطلوب في النقض نفسه ،وما دامت احلوالة الفردية التي وجهت له إلى مقر عمله لم يتم تسلمها ،فإنه مت مباشرة توقيف أجرته ،وبعد قرابة ثمانية أشهر من قطع أجرته ،عمدت اإلدارة بتاريخ 08/03/2010إلى إصدار قرار عزله ،وأن
استمرارية املرفق العام وحسن سيره يفرض بالضرورة على اإلدارة اتخاذ التدابير اإلدارية الالزمة في حق املوظفني املنقطعني عن عملهم بدون أي موجب قانوني ،كما أن احملكمة قد اعتمدت ،إللغاء احلكم املستأنف وبعد التصدي إللغاء قرار العزل ،على كون اإلدارة لم تدل مبا يفيد قيامها باتخاذ قرار بتوقيف أجرة املطلوب في النقض ،واملعتبرة كضمانة ثانية ممنوحة للموظف بشكل عام ،واحلال أن التعليل املذكور عدمي األساس القانوني وفاسد لالعتبارات التالية :أوال -لكون محكمة االستئناف اإلدارية لم تقم بواجبها بخصوص مراقبة مدى التقيد بشكليات تقدمي الطعن بإلغاء ،ذلك أن الطالب سبق وتقدم مبذكرة جواب على مقال الطعن باإللغاء الذي انصب بداية على قرار التوقيف عن إعطاء الدروس ،وذلك بتاريخ 23/09/2010وأورد فيها صدور قرار عزل املطلوب في النقض ،وهو ما يفيد كون هذا األخير علم بقرار عزله من خالل املذكرة املذكورة ،في حني لم يقدم طعنه باإللغاء في مواجهة هذا القرار إال بتاريخ ،29/08/2011 أي بعد مرور أكثر من 11شهرا مبوجب مذكرته التعقيبية ومقاله اإلصالحي ،وبتت احملكمة أيضا دون األخذ بالوقائع واملعطيات التي عرضها الطالب خالل املرحلتني االبتدائية واالستئنافية، وكون اإلدارة طبقت شكلية إيقاف الراتب وفق اإلجراءات التي متت من خالل منشور السيد رئيس احلكومة املشار إليه أعاله بشأن املوظفني األشباح ،وكان على احملكمة مساءلة املطلوب في النقض حول توقيف راتبه ،خصوصا وأن ذلك مت على األقل خالل سنة ،2008وأنه لم ينازع في انقطاعه عن العمل بتاريخ 01/05/2008وفي توقيف األجرة ،بل نازع فقط في سبب االنقطاع، رغم أن ذلك كان مبقتضى إجراء مؤقت مت بعده الرجوع إلى العمل ،ولم ينقطع عنه إال الحقا بتاريخ ،01/05/2008وأن غاية املشرع من اشتراطه لشكلية توقيف الراتب ملدة شهرين هو
ليس فقط ضمانة للموظف وإمنا دليل إثبات لترك الوظيفة ،وإجبار للموظف املنقطع عن العمل ،في حال توقيف أجرته وتعذر إيصال اإلنذار إليه، على اتخاذ املباردة للمساءلة واالستفسار عن سبب توقيف أجرته ،وأن الغاية في النازلة قد حتققت ،ومن العبث أن يتم اتخاذ قرار بتوقيف األجرة التي مت أصال إيقافها ،مما يناسب نقض القرار. حيث صح ما عابه الطاعن على القرار املطعون فيه ،ذلك أن محكمة االستئناف اإلدارية وبعد عرضها ملقتضيات الفصل 75مكرر من قانون الوظيفة العمومية خلصت إلى أنه ال دليل بامللف على احترام اإلدارة لإلجراء الشكلي اجلوهري املتمثل في اتخاذ قرار بإيقاف الراتب في حق املطلوب في النقض ،مرتبة على ذلك كون قرار العزل الصادر في حقه غير مرتكز على أساس في غياب احترام ضمانة من الضمانات األساسية املنصوص عليها قانونا ،دون أن تناقش مبا فيه الكفاية اإلجراءات التي اتخذتها اإلدارة في حق املطلوب في النقض من توجيه إنذار إليه على آخر عنوان مصرح به لها ،وتوقيفها الفعلي ألجرته في إطار منشور السيد رئيس احلكومة عدد 8/2005بتاريخ 11/05/2005والذي مت في إطاره حتويل حوالته إلى مقر عمله لتسلمها منه وعدم قيامه بذلك ،مما لم متكن معه محكمة النقض من مراقبة حسن تطبيقها للقانون وجاء معه قرارها غير مرتكز على أساس قانوني سليم ومعلل تعليال ناقصا موازيا النعدامه ،مما ستتبع نقضه.
لهذه األسباب
قضت محكمة النقض بنقض القرار املطعون فيه. وبه صدر القرار وتلي في اجللسة العلنية املنعقدة بالتاريخ املذكور أعاله بقاعة اجللسات العادية مبحكمة النقض بالرباط.